للحظات وقفت مايسى تنظر إلى واجهة الفندق تفكر أى منهما قال الحقيقة عن زوجها ليو أم باسكال؟ و متى ستصدق كورد نفسه: وهو يتحدث إليها بمثل تلك الكراهية, أم عندما يلامسها بحنان فى ساعات الليل الطويلة؟
فجأة تملكتها رغبة قوية لرؤية الغرفة التى قد تجيب على سؤالها.... فتقدمت نحو الفندق.... هنا ستستعيد ذكرى ما حدث و هو الشئ الوحيد الواثقة منه, و بسرعة دخلت البهو.
كان فارغاً, هادئاً... من مكتب المدير تناهت إليها أصوات.... طاولة الاستعلامات فارغة.
قطعت البهو, و صعدت السلم لتصل إلى الطابق الأول, و قد تكون الغرفة مقفلة.... إلا إذا كانت إحدى الخادمات.... أمسكت بمقبض الباب و أدارته, فانفتح. و دخلت ثم توقفت... مرتبكة.
شخص ما كان هنا.... إحدى النوافذ مقفلة و الأخرى مفتوحة, هواء خفيف كان يحرك الستائر, و تناهت إليها الأصوات من الشارع البعيد, و الخزانة مفتوحة, الفراش مرتب, و عليه حقيبة رجل سوداء جلدية. على الفور أحست بصوت من الشرفة, و تحركت الستائر لتشاهد خلفها طيف رجل طويل أسمر, يستدير عائداً إلى الغرفة:
ـ من هناك؟
لقد رآها....فتوقف, أذهلتها المفاجأة فلم تعد تقوى على الحراك أو الكلام.
تحرك الرجل أولاً.... و دخل الغرفة, ثمتوقف, و وجهه فى الظل. حدق بها جيداً... فخفق قلب مايسى... و فكرت بارتباك:
أنه يعرف.... ما أحست به فى الكنيسة اليوم وصل إليه.... فتحت ذراعيها بسرعة و تقدمت نحوه.
ـ كورد.
لم يتحرك, فتعثرت خطأها... و توقفت على بعد ذراعين منه و التقت عيونهما, فتحسست ببرودة نظراته و ارتعشت, كل الفرح و السعادة اللذان أحست بهما فجأة ذهبا أدراج الريح و أنقبض قلبها ببرودة لما تتوقعها.... فابتسم بدهاء:
ـ أجل... و أنا آسف لخيبة أملك مايسى!
هذه الكلمات التى نطق بها كورد حطمت شيئاً فى داخل مايسى و دموع الغضب تقفز من عينيها, و صاحت:
ـ كفّ عن هذا يا كورد! لن أسمح لك بقول هذه الأشياء. لن أسمح لك بالتفكير بها.... بعد الآن!
لاحظت أن عنفها أذهله... و علمت أنه سيقاطعها, فاسرعت لتستمر بالكلام, آملة ألا يخونها صوتها:
ـ لا... لا تقل شيئاً, ستصغى إلىّ! أقسم أننى.... أننى لن أتركك تترك هذه الغرفة... ليس هذه المرة... إلى أن....
و افتر فمه عن ابتسامة ساخرة:
ـ و كيف ستفعلين هذا؟!
ـ لا تسخر منى ! و خطت نحوه و هى تتكلم, حتى أصبحا متواجهين و عيناها متقدتان.
ـ هذا ليس عدلاً كورد! مهما يكن ما فعلت, على الأقل يجب أن تتوافر لىّ فرصة للكلام دفاعاً عن نفسى.... لن أسمح لك بلعب دور الحاكم و الجلاد كما يحلو لك. أنت تحكم علىّ من خلا الماضى بأشياء حدثت منذ سنوات. و لن أسمح لك بهذا... و أنت فى مطلق الأحوال لا تحاكمنى, بل تحاكم أمى!
وصلته شحنة الغضب... و لاحظت هذا... فتراجع قليلاً, بعينيه المظللتين و وجه المتجهم:
ـ أهذا رأيك؟
ـ إنه أكثر من رأيى... أنها الحقيقة!
فهز كتفيه مستديراً عنها:
ـ حسناً.... لكن أمك أهم ما فى الأمر. و لا يمكن الإنكار.
ـ و لماذا تكون عنصراً هاماً؟ هذا ليس عدلاً و أنا بالكاد أعرفها! أنها ميتة منذ عشر سنوات. و من يعلم دوافع تصرفاتها تلك؟
قال ببرود:
ـ أنتِ أبنتها.
ـ و أنت شقيق ليو.... ذلك الرجل الكريه من دمك و لحمك...! لكننى لا أحكم عليك من تصرفاته.
استدار غاضباً من كلامها و عيناه تلمعان:
ـ أتذكرينه أمامى؟ الآن؟
ظنته سيضربها, فرفعت يدها لتدافع عن نفسها, لكنه نظر إليها بإزدراء:
ـ أهذا رأيك بىّ؟ أتظنينى قد أضرب امرأة؟ أوهـ مايسى.... أنتِ تخلطين بينى و بينه مجدداً.... فهذه سيمة ليو و ليست لىّ. أوهـ.... بالله عليكى! أغربى عن وجههى.... لا أطيق النظر إليكِ!
ـ لن أفعل! كورد أرجوك......
ـ حسناً.... تابعى.... ماذا ستقولين؟ ما هى الأعذار التى أختلقتها خلال الأيام الماضية؟ هل ستقولين إن ما شاهدته ليس غلطتك؟ أم أنكِ لم تستطيعى مقاومة ليو و إنك اشتقت إليه؟ و إنكِ لم تبالى كيف وأين يحدث ذلك؟ و على الأرض كالحيوانات.... كان بإمكانى قتلك, أتعلمين هذا؟ أمنتِ تفكرين فيه طوال الوقت؟
أمسك بها بين ذراعيه يجرها أمام مرآة الخزانة كى تواجه صورتها:
ـ ـ انظرى إلى نفسك مايسى... وجه عذراء... لكن بنفسية *****.
فصاحت به:
ـ هذا غير صحيح! توقف عن معاقبة نفسك كورد.... توقف عن معاقبتى... هذا غير صحيح!
مد يديه بعنف نحوها, فضربتهما لتبعدهما عتها صائحة:
ـ لا! لا تلمسنى! لا أطيق لمستك و أنت تظن بىّ هذه الظنون... كيف تمكنت من النوم بين ذراعى و أنت مؤمن بهذه الأكاذيب؟ كلها خاطئة كورد! أنت لم تسألنى مرة عن حقيقة ما حدث. حتى أنك لم تمنحن فرصة للكلام. إن أى رجل كان يمكنه مفرعة ما حدث. حتى فى تلك الأيام.... لكنك فضلت أن تصدق أخاك. و كل قذاراته و أكاذيبه.... أنا أكرهه.... و لطالما كرهته. لكنك صدقته لأنك أردت ذلك. لأن ما قاله يناسب ما تؤمن به, بأننى مثل أمى, أليس كذلك؟ لماذا صدقته كورد؟ أهو تبرير لكراهيتك لىّ؟
ـ هذا غير صحيح.... لقد سألتك يوماً, لكنكِ هربتِ و لم تتفوهى بكلمة.... و سألتك فى أوتاوا.... حاولت إجبارك على الكلام.... حتى هنا.... اللعنة على كل شئ..... كنتِ تعرفين تماماً ما هى أفكارى.... خاصة عندما علمت أننى الأول فى حياتك, و أن ليو لم يلمسك... اللعنة عليكِ مايسى.... كم مرة اضطررت أن أسألك و أنتِ تتهربين من الأجابة؟
منتديات ليلاس
ـ لم أستطيع أن أتذكر!
ـ كم هذا مقنع!
ـ لكنها الحقيقة كورد, كان يمكن أن أقول لك و لكن كان ينقصنى الدليل, و لا أستطيع إحضار شهود على ذلك... إذا لم تصدقنى.... كورد... ما حدث فى فنكوفر... مع ليو... هو أجبرنى عليه.... جاء إلى غرفتى و قال أشياء رهيبة, عن أمى, عنك عن والديكما.... إنه يكرهك كورد, كراهيته نوع من المرض لديه... لم يكن يريدنى أنا حقاً... لكننى كنت لديه أفضل وسيلة تسبب لك الألم... كى يحطم شيئاً يعرف أنك تحبه... حاولت أن أرفعه عنى... و مررت بحلم بطئ و لم أصدق أنه يحدث, و وضع يده فوق فمى كى لا أصرخ.... و لو لم تحضر عندها....
تأوهـ متألماً و أندفع نحوها.... و عيناه تحملان علامات الغضب:
ـ مايسى.... لكنك لم تقولىّ شيئاً.....
ـ لم أستطيع.... لم أستطيع... ألم تفهم هذا؟ كان يكذب و شاهدت الشك فى عينيك.... صدقته بينما أنا أحببتك كثيراً!
ـ مايسى....
ـ لم أستطيع البكاء على أمى, و مع أننى حاولت... كل ما أستطعت التفكير به هو الدعاء: "أوهـ يا إلهى.... لا تدعنى أصبح مثلها ...." لكن بعد تلك الليلة فى فنكوفر لم أر أياً منكما سوى فى المأتم.... بعدها أجبرت نفسى على النسيان.... أتصدق هذا يا كورد؟ و عندما جئتك إلى المكتب و ظننتك ليو, و حاولت أن.... ثم بعد زواجنا عندما جاء خلسة و أمسك يدى, أحسست بالغثيان, و لم أستطيع التنفس. مع ذلك لم أتذكر الماضى.... صدقنى كورد... لم أتذكر قبل حادثة غرفة المراكب تحت القصر... ذلك المكان الرهيب, حيث أمسك بىّ و لم يتركنى و استمر فى لوى ذراعى يضحك منى, ثم وضع يده على فمى كى لا أصرخ. عندها تذكرت نفس الموقف فى الماضى.
و تقدم كورد يضمها:
ـ أوهـ! يا إلهى! سأقتله. فليساعدنى الله.... سأقتله لأجل ما فعله بكِ!
ـ كورد....لا! لا تفعل هذا, لا تفكر به حتى, ألا ترى أن كل ما يريده أن يؤلمنا.... أنا يؤلمك أنت؟ لكنه لن يستطيع أن يؤلمك, طالما أنت تصدقنى... فلا شئ يفعله أو يقوله يجعلنى أتغير.
مدت يدها بلطف لتلمس وجهه, و تحاول محو الألم الذى سببه الغضب:
ـ أحبك كورد, من كل قلبى.... أحببتك دائماً... و لا أحد غيرك.....
عانقها عناقاً حاراً و هو يردد بإنكسار:
ـ يا حبيبتى.... يا حبيبتى....
ألقت بوجهها على صدره.
ـ أوهـ... يا إلهى! أرجوك كورد.... قل أنك تصدقنى....لا شئ غير هذا يهمنى!
ـ تعرفين أننى أصدقك.... لطالما صدقتك فى صمميم قلبى. كنتِ أنتِ الحقيقة الوحيدة فى حياتى.... و الأمل الوحيد فى كل الفوضى التى صنعتها بنفسى.... و النور الوحيد فى ظلامى حولى. لكننى لم أستطيع التصديق هنا.... فى رأسى... كنت أعيش فى جحيم طوال هذه السنوات, كنت المرأة التى أحببتها و التى أموت لأجلها.... المرأة التى لازالت أحبها.... و التى ملكت علىّ كل حواسى.... و لعشر سنوات خلت.... هذا ما ام تعرفيه قبل الآن.
ـ أعرف أننى أحببتك.... لكننى ظننت أن.....
ـ حبيبتى لم يكن فى حياتى سواك, و كان يجب أن أعود إليكِ....أوهـ.... كل ما حدث كان غلطتى.... لو لم أكن أحمقاً و غيوراً ..... تعالى إلىّ مايسى.
و جذبها نحو النافذة ليجلسا على الكنبة, و جلس قربها يمسح الدموع عن وجهها, و عندما هدأت أمسك بيدها و قال:
ـ أتسمحين لىّ أن أشرح لكِ؟ أرجوك مايسى... لن يبرر هذا ما فعلته, و كيف فعلته, لكن قد يساعدك على الفهم... لا أريد أن تبقى أية أكاذيب بيننا أو سوء تفاهم.
صمت قليلاً, ينظر إلى البعيد خارج النافذة ثم تابع:
ـ فى البداية....كان نوعاً من الجنون... كنتِ الحقيقة الوحيدة فى حياتى.... و ظننت أن هذا الواقع زال, فحاولت تحطيم ذكراك.... فعلت كل ما يفعله اليائس.... حاولت التظاهر لنفسى بأننى قادر على نسيانك.... لكننى لم أنجح..... بل جعلت من ألم الخسارة يزداد سوءاً ... و لم أرى عائلتى حتى والدى. و لم أستطيع تحمل وجودى فى مكان قد يُذكر فيه اسمك... أتذكرين ما قلته لىّ عن آبيغال؟ قلتِ أنها عابثة.... أحببتك رغم خوفى من أن تكونى مثلها أردت أن أكون معك, أنا أحميك. أعطيتك الحنان الذى أعطيته بسخاء للجميع, لـ ىبيغال.... لأبيك..... و كنت واثقاً أنكِ تحبينى... رأيت هذا فى عينينكِ, و فى وجههك... آمنت بهذا كما أؤمن بشئ فى حياتى.... ثم أعتقدت أننى فقدت الحقيقة... و لم يبق شيئاً
ـ أوهـ.... كورد!
ـ هذا ما أحسست به.... و عندما مرض والدى بدا لىّ واضحاً أن المؤسسة تنهار, فوافقت على المساعدة و بدأت أتحقق من الحسابات.... و وقع نظرى على ملفك, و لأن رؤية أسمك على الورق كان صلة وصل لىّ مع الماضى, دققت فيه... كان كله أخطاء, فعمتك لم تترك لك الكثير, لكن ما تركته كان يتبخر بطريقة ما.... و راجعت حسابات الزبائن الآخرين, فأكتسفت ذات الأمر, عندئذِ أدركت أن ليو الوحيد الذى طالما كان ضعيفاً أمام المال.
ـ مالى أيضاً؟ هذا مستحيل!
ـ لكننه صحيح!
قال لىليلة رأيته فى غرفة القوارب إنه كان يفعل شيئاً من هذا, و أنك كشفت امره, لكنه قال.... إن آبيغال ساعدته و أنه كان على علاة معها........
ـ إنها كذبة أخرى من أكاذيبه.... فهى أقل خبرة منه فى هذا المجال, لقد اعترفت بما فعلت, و أنتهى الأمر الآن. و ستبدأ حياة جديدة.....
ـ لكن.... هذا يعنى أنك كنت تعرف قبل أن آتيك إلى مكتبك.... أى قبل أن أراك؟
فابتسم:
ـ أجل.... كنت أعرف..... لكننى لم أستطيع إقرار ما يجب أن أفعله, الأسوأ أننى كنت سعيد بكل هذا لأنه أعطانى الفرصة لرؤيتك.... و المؤسف أننى كنت أعاقب ليو على ما حدث بينكما و ليس على ما أختلسه من أموال الزبائن, و هذا هو الأنتقام, و ليس العدل, و ما فعله ليو لا يمكن أن يحتمله والدى فحرصت على كتمانه للحفاظ على بصيص الأمل و السعادة فى حياته......
ـ و ماذا فعلت؟
ـ لا شئ.... تعرفين كل ما حدث.... ذات صباح وجدتك تقفين ببابى فلم أصدق عينى.
ـ و أدعيت بأنك ليو؟ و تركتنى أؤمن بأنك هو؟
ـ اللعنة! أجل لكننى لم أخطط لما حدث.... و صدقت أنك نسيتنى.... و كنت مضطراً لاكتشاف الحقيقة... فقد لا تتاح لىّ فرصة أخرى.
ـ و هل اجتزت الأمتحان؟
و هو يبتسم:
ـ أجل.... لكننك فشلت فى الأمتحان التالى.
ـ عندما جئت إلى منزلك؟
ـ تماماً.
ـ أكان على القبول بمطالبك اللا أخلاقية؟
ـ كنت راغبة .... كما أذكر.
ـ لا.... لم أكن راغبة!
مالها نحوها يقبلها و يسأل ساخراً:
ـ هل أنتِ واثقة؟
ـ كل الثقة.
دفعته قليلاً ثم أكملت:
ـ لن تغلبينى.... أتذكر كم كان اقتراحك مشيناً؟
ـ كنت انتظر دليلاً, كى أتقدم باقتراح شريف. لكنك عندما بدأت بخلع ملابسك......
أخفضت مايسى عينيها خجلاً من الذكرى:
ـ أكنت ترغب بى, بالرغم مما قلته؟
اللعنة عليكِ! تعرفين هذا
احست مايسى بالرغبة ثانية.
ـ كورد....
ـ لا.... انتظرى... و أصغى إلىّ فى ذلك اليوم كنت خائفة و مزرية.... و لم أشعر بمثل ذلك الخجل فى حياتى, و كدت أن أستسلم.... لأدعك فيما بعد و شأنك.
ـ و الزواج؟
ـ آهـ الزواج!
أمسك بيدها ملاطفاً و آخذ يعبث بالخاتم الذهبى و تابع:
ـ ما رايك أنتِ؟
ـ ظننت أنك تريد معاقبتى.... أو معاقبة نفسك.
ـ أوهـ.... لا مايسى, عقابنا هو فى الفراق, و ليس فى الزواج.
هكذا إذن؟
رفعت يده إلى فمها لتقبلها, فشاهدت الارتياح على وجهه و قال:
ـ أعرف أنه لم يكن طلباً رومانسياً, يا حبيبتى.
فضحكت مايسى و تابع يقول:
ـ لعبت دور محامى شيطان, و فكرت بأننى لو كنت صريحاً فى طلبى الحقيقى لرفضتنى على الفور.
ـ و هكذا فكرت بقليل من الخداع؟
ـ ظننت أن الغاية تبرر الوسيلة, و لو لمرة واحدة. و أذكر أنك أخترتِ تلك اللحظة لتوضحى لىّ أنك لا تحبيننى.
ـ لم يكن ذلك صحيحاً.
ـ هل أنتِ واثقة مايسى.
ـ أجل... لطالما عرفت كورد أنك تحبنى, و أنه من المؤلم لك الاعتراف ....كما كان بالنسبة لىّ.... لكن يوم الزفاف فى الكنيسة.... تأكدت رغم خوفى فى البداية.... و بدا لىّ أنه من الخطيئة الألتزام أمام الله و قطع الوعود الكاذبة.... فما أتفقنا عليه يجعل كل مراسم الزواج كذبة.... أليسك كذلك كورد؟ و كنت على وشك مقاطعة الكاهن.... لكنك....
ـ أمسكت بيدك.... أليس كذلك؟
ـ أجل أمسكت بيدى, و فجأة تلاشى كل الخوف و أحسست بالفرح, و السكون, و عرفت أن الأمر لم يكن كذبة, أتفهمنى؟ أوهـ... لقد عنيت كل ما وعدت به و أقسمت عليه.... من كل قلبى...
ـ أنا كذلك... و لكننى أعتقدت أنكِ لم تصدقينى الشعور ذاته....
ـ ليس فى تلك اللحظات.
ـ و الآن؟
ـ الآن.... أجل حبيبى.
تركها بلطف ليسألها:
ـ إذن... الفضل أن تخبرينى... أين كنت هذا الأسبوع؟ عندما كنت مسافراً, أكاد أجن من قلقى عليكِ.
فضحكت:
ـ كنت أفكر بك. فى قصر الأميرة.... أنا واثقة من أنك طلبت منها العناية بىّ. لا تنكر هذا.
ـ ربما..... و هل أخبرتكِ كم أحب زوجتى بجنون؟ و لا أستطيع العيش دونها؟ لديها تعليمات صارمة أن لا نخبرك!
ـ لمحت لىّ بتحفظو سعتّ ما فى وسعها لألتقى بـ باسكال.
ـ و لم يعد لديكى أى شكوك سخيفة؟ و لا غيرة و لن يكون هناك سبب حبيبتى.
ـ أعرف هذا الآن, و أشعر بالخجل.
ـ لا تخجلى حبيبتى.... فالغيرة هى الوجه الآخر للحب لكنه الوجه المظلم. و لا يمكن الإدعاء بأنه غير موجود.
ـ و ماذا عن ليو ؟
فتنهد:
ـ عالجت الأمر دون أن يعرف والدى... و هو أفضل حالاً لكنه لن يعيش طويلاً.... ليو سيترك العمل فى المؤسسة و يعيش خارج البلاد... و سأخصص له راتباً, شرط أن لا يحاول فعل ما فعله ثانية, و أن لا يقترب منك أو من العائلة. و هذا كل شئ.
ـ أى نوع من النفى؟!
ـ إذا أحببت هذه التسمسة. فهو الذى انتفى نفسه و منذ سنوات. و أتصور انه سينتهى إلى ما هو عليه والدك.... و لن يزعجنا بعد الآن, و لن يلمس, قلت له هذا.
ـ كورد...
ـ كفى عن الكلام.
ـ لكن....
ـ تعالى إلى هنا يا امرأة ... يا زوجتى, أوهـ... يا إلهى مايسى... مرت عشرة أيام بلياليها بعيداً عنك.... أوهـ يا حبيبتى....
و تعانقا مجدداً تلفعما الرغبة و الشوق و الحنين, فأنارت السعادة وجهيهما و سمعته يقول:
ـ مايسى... وداعاً للخصام و الأكاذيب و كل الخلافات و لن يكون بيننا بعد اليوم ما يعكر صفو حياتنا يا حبيبتى.
هزت رأسها و ضحكت. على الفور مدت ذراعيها حول عنقه, فتمسك بها:
ـ لماذا ضحكت؟ بما كنتِ تفكرين؟
ـ لا شئ.... لكننى كنت أفكر لماذا لا تزيد على ما ذكرت أن لا تغضب بعد اليوم.
ـ لماذا؟
ـ لأن الأميرة أخبرتنى ماذا أفعل أن عدت للغضب. هذا كل شئ.
ـ و ماذا قالت لكِ؟
ـ قالت يجب أن أمحو غضبك بالحب.
ـ فقط عندما أغضب؟
ـ حسناً... ربما حينها فقط....
ـ لكننى ليست غاضباً الآن.
ـ لا.... و مع ذلك...
مررت بأصابعها فوق شفتيه و اقتربت منه حتى لامسته, فقال :
ـ و مع ذلك ماذا يا مايسى؟
فارتجفت, لكن جسدها امتلأ طمانينة و هدوءاً و قالت:
ـ و مع ذلك ..... ستبقى حبيبى يا حبيببى!