لن تعرف الحقيقة الآن. كل ما تعرفه أنها و بكل سذاجة و بلاهة ظنت أنهما أصبحا قريبين.... بينما فى الواقع, كان هناك خليج واسع بينهما ياتساع المحيط.... و أدارت وجهها نحو الوسادة تدفنه و تبكى.
فجأة أحست بوخزة عنيفة فى قلبها, كالحمى تذكرت واقعاً نسيته فى بؤسها.... ليس معها مال. لقد أرسلته كله إلى أبيها.... ليس معها حتى ثمن تذكرة العودة, بطريقة ما يجب أن تحصل على مال يكفى ثمن تذكرة طائرة تعود بها إلى كندا.... يمكن لها أن تتصل بـ آبيغال... أو مايك.... مايك الأفضل... التقطت الهاتف بيد مرتجفة, فأجابتها عاملة الهاتف ...أوتاوا؟ آسفة جداً.. لقد حاولت منذ قليل و الخطوط كلها مشغولة... أيمكن لها أن تحاول فيما بعد؟
ـ لا .... لا.... شكراً.... سأقرر هذا فيما بعد.
فجأة لم تعد تطيق البقاء فى الغرفة... جوها خانق و العتمة تطبق على أنفاسها, بسرعة أتجهت إلى النوافذ تفتحها, فاندفع النور إلى الداخل ليبهر عينيها.... سمعت طرقاً على الباب, فاستدارت و قبل أن تتكلم...فُتح الباب لترى الأميرة مستندة إلى عكازها.
ـ يا حبيبتى....!
و دخلت الغرفة مقفلة الباب وراءها, ثم توقفت لتجول بنظرها نحو الفراش المبعثر و الوسادة المبللة و الثوب الممزق المرمى على الأرض, تقدمت العجوز منا لتمسك بيدها:
ـ يجب أن ترتدى ملابسك فوراً .... أجمعى ما تحتاجينه فقط... سنرسل بطلب ما تبقى فيما بعد.
حدقت مايسى بها باضطراب... فابتسمت الأميرة:
ـ هيا لا تتباطأى, ما هذه المهزلة؟
ـ آسفة, يبدو أن تفكيرى ليس قومياً... عندما قرعت الباب ظننتك....
ـ طننتينى كورد هه؟ للأسف لقد سافر إلى كندا صباح اليوم... سأساعدك....
وقفت مايسى جامدة بصمت, فضحكت الأميرة:
ـ إذا كان لديك خطط أخرى يا عزيزتى فانسيها, لقد رتبت لكِ كل شئ.... ستقمين معى.
ـ معك؟
ـ بكل تأكيد.
ـ و هل يعرف؟
ـ كورد؟ بالطبع لا. سيبقى سراً بيننا يا عزيزتى. هؤلاء الرجال حمقى بكبريائهم! كل شئ هنا ــ و أشارت إلى قلبها ــ و لا شئ هنا ـ و أشارت إلى رأسها ــ ماذا نفعل بهم؟ عندما يكون رجل مثل كورد غاضباً يكون مثل نمر هائج... فى هذه الحالة دعية و شأنه.... أنسيه قليلاً... صدقينى عزيزتى! فأنا أعرفه.... هكذا أفضل!
ـ أنتِ لا تفهميننى....
قاطعتها الأميرة ضاحكة:
منتديات ليلاس
ـ أفهمك بكب تأكيد.... أنا امرأة عجوز, و شاهدت مثل هذه الأمور من قبل... بالنسة لكِ الأمر جديد, و مؤلم.... لكن لن نتكلم فى هذا الآن.... هيا.... وضبى أغراضك.
كانتا تجلسان على شرفة القصر, تطلان على الحديقة... كان الوقت مساءاً ورائحة الأرض تفوح بعد أن دفأتها شمس النهار... فى الهدوء و السكين, أحست مايسى بشئ قريب من الارتياح, و قالت للأميرة:
ـ إذن لقد مرض والده مجدداً؟
ـ هكذا قال..... المكان جميل هنا....أليس كذلك؟ والد زوجى هو مؤسس هذه الحديقة. عندما جئت إلى هنا أول مرة كانت الحديقة رسمية... كلاسيكية... و لا أحب هذا الطراز... بل أحب الحدائق حسب طريقتكم, أشكالها جميلة و طبيعية. إذن.... هل ستبقين معى عزيزتى؟ إلى أن....
ـ لو سمحتِ... مجرد فترة قصيرة.... شكراً لك.
ـ لم يقل لىّ كورد شيئاً عما حصل. و لست مضطرة أن تخبرينى طبعاً... لقد تخاصمتما, و هذا واضح.... هذه الأشياء تموت بين الرجل و المرأة. و هذا ليس من شأنى... فأبقى هنا إلى أن يهدأ قلبك.
ـ أتظنينه قد يهدأ؟
فوقفت الأميرة تستند على عصاها, تنظر إلى وجه مايسى بجدية أثر:
ـ ربما... من يعلم؟ أنتِ شابة.... و كل شئ متوقع.... هيا الآن لتناول العشاء... و فى طريقنا سأريكِ شيئاً عزيزتى.
توقفت بها عند نهاية الممر المؤدى إلى الداخل, و رفعت عصاها لتشير إلى رسم معلق فى أول الردهة.
ـ أتعرفين هذا الرسم؟ إنها والدتك... إنه رسم رائع لها, أليس كذلك؟ لكن الرسام كان شاباً ممتازاً و غنياً... وقع فى حبها, مثل معظم الرجال. لكنه التقط فيها شيئاً لم يلتقطه غيره فى عينيها.... ألا تظنين هذا؟
ـ متى رُسمت هذه الصورة؟
ـ ليس قبل فترة طويلة من موتها, ربما سنة... خلال إقامتها فى باريس... و مات كذلك.... بعدها بقليل.
حدقتا بالرسم معاً, لكن مايسى ارتجفت
ـ ألا تعجبك؟ أستطيع فهم السبب.... فالصورة قاسية.
ـ تبدو فيها حزينة.
ـ لقد كانت حزينة حقاً, يائسة, محبطة... و لم تكن لتعطى شيئاً يمت لقلبها بصلة.
فالتفتت إليها مايسى لتقول دون معرفة سبب قولها:
ـ لكننى أحب كورد.
فابتسمت الأميرة :
ـ أعرف. و لهذا السبب عرضت عليكِ الصورة.... لكنك لم تُبلغى كورد بحبك.... أليس كذلك؟
ـ أحنت مايسى رأسها:
ـ لا.
ـ إذن يجب أن تقولى له... كونى جرئية قليلاً. هل الأمر صعب؟ لا يمكن لأحد أن يفعل هذا عنك.... على كل الأحوال ستتألمين. لكن الأمر يستحق الأمر و التضحية.... هذه نصيحتى لكِ.... لنذهب إلى العشاء.
منتديات ليلاســــــــــــــــــــــــ