المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
المَوْت مَدى الحَياة . . .
في شَوق ، لمعرفه آرائكم و انتقاداتكم حَول قَصتي . . .
، ،
" اتركني !"
سيارة GMC الفخمة تتوقف تحت سلطة الشمس الحارقة ..
تقف امرأة عجوز مُقطبة حاجباها و هي ترى جارها السيد "فؤاد"
كالعادة في قمة غضبه يهبط من السيارة و هو يهتز غضبا عاضا
على فكه العريض .. وجهه الأسمر القاسي الملامح صار أكثر رُعبا
و عينيه الصغيرتين تغوصان في بحور من الجنون الهستيري ..
ابنيه يراقبان ما سيحدث بتوجس و هما يبتعدان عن السيارة بحذر ..
أما زوجته فقد اعتادت الاختفاء تماما اذا رأته في هذه الحالة ..
يفتح الباب الخلفي للسيارة و يسحب ذراع فتى يرتدي ملابس مدرسية ..
قبض بعنف على قميصه من الخلف و ضرب جسده بالسيارة ..
زمجر بصوت مُرعب: " سأريك يا قذر "
انكمشت العجوز الواقفة في حديقة منزلها الصغيرة و راحت تغطي وجهها
لألا ترى ذلك الضرب الوَحشي ..
نظرات رعب تنعبث من عيني صبيين و هما يرانً والدهما
و قد دخل في تلك الحالة التي لا تواتيه إلا مع أخيهما الأصغر ..
انطلق فؤاد يجر ابنه من قميصه يطرحه في الوحل تارة ..
يدوس ببطنه تارة أخرى ثم يعود ليقبض على شعره الأسودليبدأ في سيل
صفعات مدوية على وجهه المُحمر ..
يصرخ الفتى : اتركني !
.
تركت العجوز خرطوم المياه الذي كانت تَسقي به الزرع ..
لتركض بوهن ناحية تلك المَعركة .. تصرخ : أجننت اترك ولدك ستقتله
فؤاد يلهث و هو يجثو فوق جسد ابنه المطروح أرضا
و يلوي بذراعه بقسوة شديدة.. كان يصرخ بكل ما أوتي له من قوة :
تبا لك .. لم أفعل شيئا
كز فؤاد على أسنانه و هو يراقب ( ياسين) الذي يحاول التحرر منه بلا جدوى
و تلك العجوز تسحب قميص فؤاد بوهن و هي تصرخ :
أنه ابنك كيف لك أن تفعل هذا !
لوى فؤاد بذراع ابنه بعنف لينفجر ياسين صارخا بألم
و يستسلم أخيرا للبكاء ..
همس فؤاد : هذا الولد يستحق العقاب على كل فعلة دنيئة يفعلها .. َ
تنهد فؤاد بضيق ..
و هو ينظر لكفيه .. هل هذا هو الحل ؟
فكر و هو ينظر للنافذة الضخمة و هي تبث ضوء النهار الباهت ..
كان جالسا في مقعد جلدي أسود في غرفة المكتبة ..
بعد تلك المعركة اكتشف ان ياسين كان ينزف من رأسه و رغم هذا لازال يُقفل باب غرفته ..
خالجه القلق .. و بدأ بتلويم نفسه أنه دائما يبالغ في العقاب ..
تسلل لمسامعه هَمس زوجته : ماذا حصل
كانت جاءت لتجلس بقلق أمامه .. و كان ينتظر فرصة للفضفضة ..
همس بضيق يمازجه غضب : ياسين لازال يشتم المدرسين و يسيء لهم
و اليوم تعارك مع زميله و تسبب في نزف أنفه .. مع العلم أن زميله مريض ..
ترددت زوجته التي لملمت ثوبها الفضفاض القصير قبل أن تهمس :
ياسين يصرخ في الغرفة و كلما ناديته و طلبت منه فتح الباب شتمني ..
انتفض فؤاد بغضب .. برزت عروق بجبينه و رأسه الأصلع و هزَّ ذراعيه المفتولتين ..
همس : كان يجب علي تحطيم فمه لألا يستمر في عادة شتم الآخرين "
فؤاد هو رجل .. في نهاية الثلاثين .. مشهور برياضة كمال الأجسام ..
جسده ضخم و مثالي جداً بالنسبة لعمله .. يعمل مدربا رياضيا ..
يكتسب سمرة برازيلية و ملامح باردة عنيفة ..
نهض مُصمما على شيءٍ ما بينما كانت زوجته هدى ..
تخفي ابتسامة خبيثة لا تناسب ملامحها المُسالمة الطيبة ..
في الطرف الآخر كان ياسين يُلقي برأسه على الوسادة ..
يتلمس بأصابعه الجرح البسيط في جبينه..يرتدي بيجامة قطنية رمادية ..
كان صبيا جميلا .. بشرته تكتسب حمرة لطيفة و يمتلك عينين واسعتين لامعتين ..
حاجبان رشيقان و شعر فاحم السواد يتناثر على جبينه الأبيض ..
إلا أنه كان يرتعد حقدا ..
يعض على شفتيه الحمراواتين و هو يحدق بالسقف..
لم يعد يطيق العيش مع هذا الأب أبداً..
فجأة انفتح الباب بخُشونة ..
فاستوى ياسين مُسرعا ..
ونظر حيث يقف والده بطوله الفارع و ضخامة جسده ..
البلوزة السوداء و هي تفصّل منحيات عضلات بطنه و صدره ..
نعم كان مُخيفاً .. بذراعيه الضخمتين المرعبتين يستطيع قتل أي شخص في دقيقة..
هذا ما كان يفكر به فتى في الخامسة عشر من عمره كياسين ..
تقدم فؤاد و أغلق الباب من خلفه..
ربض على الكرسي المجاور و نظر لابنه بنظرة باردة مرعبة ..
تمتم باستياء : أنت لا ترتدع رغم ما أفعله بك ..
تظل ترتكب ما هو سيء و محظور فقط لتثيرني..
- أنا .....
جحظت عينا فؤاد بغضب جنوني ليزمجر :
"اخــــــرس !!!!!! كم مرة علمتك ألا تتحدث الا باذني .. يا سافل"
عض ياسين على شفتيه بحِنق ثم صرخ :
أنت لا تتفهمني .. أنت تسمع ما يقول المشرف دون
أن تعرف القصة و لا تدافع عني مهما يكن .. أنت ..."
نهض فؤاد لينكمش ياسين رافعا ذراعيه يحمي نفسه ..
قبض بعنف على شعر ابنه ليرفع وجه ابنه إليه ..
ازدرد ياسين ريقه حينما رأى البرود ذاته في عيني والده
و أغمض عينيه سريعا ليتلقى صفعة ألهبت وجهه ..
...
استند "حُسام" على مسند الأريكه برشاقة جسده و هو يتناول ما بيده من مكسرات ..
ينظر للتلفاز ثم يهمس لاخيه "سعيد" : أبي سيجن و السبب ياسين الذي أدمن الضرب"
و همس موضحا رافعا حاجبيه السميكين : ياسين يُحب أن يستفز أبي لأسباب أجهلها ..
و لكنه حتما يحب أن يبدو مظلوما "
سعيد كان يربض على المقعد المجاور و بكفه الممتلئة ريموت الإرسال ..
اعتاد هذا الولد السمين الصمت و عدم الدخول في مناقشات
قد تقوده للتحدث عن والده .. رغم أن فؤاد يدللـه كثيرا
و لكن سعيد يخشى هذا الأب بشكل كبير !
..
أسدل الليل ستاره بُسرعة ،
غرفة طعام واسعة مضاءة بالكثير من المصابيح اللؤيؤية الصغيرة
التي تبث ضوءا ذهبيا يضفي هدوءا عجيبا للمكان ..
رمى ياسين بجسده على كرسيه باللامبالاة المعتادة التي تثير غضب من حوله ..
أدارت هدى رأسها له بينما كانت تجهز العشاء و توزعه في أطباق بيضاء ..
لملمت شعرها المموج و انتهزت هذه الفُرصة .. جلست قُبالته هامسة :
-ياسين بني
رفع عينيه الجميلتين لها حيث أكملت بهدوء :
والدك مستاء منك كثيرا .. هو يريدك أن تصبح كأخويك سعيد و حسام .. ولكنك تخيب أمله .. "
همس ياسين بحنق و هوً ينظر للأسفل :" لن أكون مثلهما و لا أريد "
ابتسمت هدى بحنية :" أعتقد أنك ذكي و تفهم أنك على هذا المنوال
لن تحضى بشيء يسرك من والدك سوى الضرب و الاهانة
و مزيد من التحكم و التقييد "
اهتزت شفتيه و قبض بكفه على كفه الأخرى بضيق هامساً:
"لا أعلم لماذا يكرهني "
أما هدى فشعرت بنشوة جامحة
و هي تتفحص ملامح القهر على وجه ياسين ..
في هذه اللحظة دخل حُسام و سعيد غرفة الطعام و كلٍ منهما ربض على مِقعده ..
قال سعيد : " أمي ما العشاء؟"
أجابته هدى بحنان : معكرونة بالدجاج .. لذيذة كما تُحبها ..
و نظرت لحسام الذي يجلس بجوار ياسين و قالت : أين والدك؟
قال حُسام : سيأتي الآن .. كان يشاهد التلفاز في الصالة
ثم نظر بسُخرية لياسين هامسا و هو يقترب برأسه ليهمس بأذنه :
هل حللت واجباتك المدرسية يا صغيري؟ أم أشكوك للمدير؟
قال ياسين بحقد : اخرس يا وغد ..
انتبها فورا لوالدهما و هو يسحب مقعده ليجلس بهدوء ..
ساد الصمت لفترة .. و شتت ياسين نظراته متمنياً أن والده لم يسمعه ..
إلا أن حظه العاثر دائما يقف ضدّه ..
بدأت هدى بصف الأطباق و هي تراقب زوجها ..
تعرفه جيداً و تعرف متى يبدو غاضباً ..
تأمل فؤاد طبقه و كان يرتدي سترته الداخلية البيضاء ..
برزت عروق دقيقة في رقبته و همس :
ياسين .
ازدرد ياسين ريقه و يده ترتجف ممسكة بالملعقة
و برزت ملامح الاستياء على وجهه .. قبل أن يهمس : نعم أبي .
رفع فؤاد أنظاره المُخيفة لولده ثم همس :
يجب أن تكف عن التفوه بكلماتك القذرة هذه ..
قال ياسين بسرعة : و لكن ....
زمجر فؤاد بعنف و هو يضرب على الطاولة بقوة لتقفز الملاعق في صدمة ..
" أغلق فمك "
عض ياسين شفتيه بحنق
و هو ينظر لحسام الذي يكتم ابتسامة مُستفزِة ..
ثم نهض ضارباً الطاولة بكفيه .. همس : لا أريد عشاءاً
تأمله سعيد بخوف و ارتباك و صار يراقبه
و هو يسير مُسرعا خارج الغرفة..
بينما نهض فؤاد بشكل مُرعب ليقبض على زند ياسين بكل قوته ..
أداره ليواجهه بوجهه تماما ..
ارتعد ياسين و هو يتأمل ملامح أبيه المُرعبة و عينيه اللتين تلتمعان غضبا جُنونياً ..
همس فؤاد ببطء: لازلتْ تتخبط بأفعالك أيها اللعين
صاحت هدى : فؤاد
سعيد دفن نظراته في صحنه رُعباً
و راحت ساقيه السمينتان تصطكان بجنون ..
أما حسام كان يجتهد لكتم ضحكته ..
|