على ايه حال .لديها عدد وافر من صديقات المدرسة القدامى . ويمكن ان تمكث معهن اذا شعرت بالضجر .
كونها لا تتعدى الخمسة اقدام وست بوصات . فقد استطاعت ان تبدو وكأنها لا تتعدى الاحد عشر ربيعا . كان شعرها المنهمر حول جبهتها المستديرة , مليئا بخصلات الشعر المتمردة .
ازاحت خصلتها المزعجة بنفخة بعد ان قلبت شفتيها السفلى لتفعل ذلك . وشرحت له محاولة ان تقنعه بأنها اكبر ينا مما تبدو دون ان تنطق بذلك " انا اروح وأجيء كما يحلو لي . اغادر منزلي في تسرين اول- اكتوبر , سأنتقل الى الجامعه . كان يتوجب علي الذهاب السنة الماضية . لكني في الحقيقة امضيت سنة اضافية في المدرسة "
وألقت ابتسامه عريضة املة ان تكون طريقتها وقد وفت بالقصد المطلوب .
والابتسامة التي كشفت عن اسنان ناصعة البياض انتقلت مباشرة الى العيون العسلية الداكنة الكبيرة التي حددت معالم وجهها الملوح بالشمس وروزي . بعينيها الداكنتين , ورقبتها الممشوقة , وقدها الاهيف . ما زالت تملك بسنيها التسعة عشر ... لسوء حظها ... يناعة وجمال الطفولة البريئة لكنها تردد مع ذلك :" اليس هناك شخص أخر
تطلعت اليه مندهشة . الم يصدقها ؟ فقالت :" لا لقد رحلت امي "
قطب وجهها اكثر . اه يا للهول !!! هل جعلت ذلك يبدو وكأن امها قد توفيت ؟ بدا ذلك مروعا .
اضافت بوجه ساطع :"هه, انها لم تعد هنا . لقد ذهبت بعيدا . الى بلد اخر . لقد تزوجت من جديد انها سعيدة جدا. سعيدة بكل معنى الكلمة . انها سعيدة الة ما لا يتصوره عقل "
تابع تفحصه لها من خلال عينيه الزرقاوين اللتين تنمان عن ذكاء حاد و ولمعت فيهما نظرة . وقال :" حسنا!, اذا كنت سترافقني لترشديني الى الطريق , فهلم نأخذ مقاعدنا . انا جاك , جاك هيلاك."
قالت روزي متنهدة وهي تعض على شفتيها لتمنع نفسها من اطلاق ابتسامة فاضحة :"روزي ويلز." اه . انه اسم يليق به , جاك هيلاك . اجل . وأطلقت على الفور ابتسامة خاطفة لتندفع نحو السيارة كي لا تعطيه فرصة العدول عن قراره .
اصبحت على وشك فتح الباب الايمن حين اندفعت يده تعترضها . يبدو انه عاد عن قراره بعد كل شي!
قال لها بجدية :" اعذريني روز ..." وأشار اليها كي تنفض الغبار عن بنطالها ."هكذا افضل ."
تذكرت عندها كيف مررت يديها الغارقتين بالوحل على بنطالها , وأدركت ما كان يعينه , وأحست بوجهها يشع باحمرار الخجل .
اصبحا عند منتصف الطريق الى دوركستر قبل ان تجرؤ على الالتفات لإلقاء نظرة جديدة عليه . وكان الهواء العليل يطاير شعره الى الوراء . لاحظت ان خيوطا رمادية بدأت تنتشر هنا وهناك ضمن شعره الداكن . لم تكن مجرد خيوط شيب واضح . كان يبدو من خلاله انسانا ذو خبره .
وبمجرد وصولهما الى وسط البلدة وتذكرت انها لا تحمل معها ايه نقود . ادخلت اصابعها الطويلة خلسة في جيبها الاول واتبعتها بالثاني متلهفة للعثور على قطعة نقود منسية لكن عبثا. بالطبع . اختار هو لحظة التوقف في رتل السيارات ليسترق النظر اليها .
" ما الخطب يا روزي؟"
"لا شي "
"تبدين مضطربة؟"
"هل ابدو كذلك حقا ؟ يبدو انني ورثت من اسلافي بالترقب . فالناس عادة ما يقولون اني مضطربة بينما انا على ما يرام ."
"لا تحملين ايه نقود. اليس كذلك؟"
"اه..حسنا.."
"هيا . اعترفي بذلك."
"الحقيقة انها . لا اهمية لذلك , لدي صديقة من المدرسة . كاتي , والدها يمتلك محل بقالة , ان لم اجدها سيكون السيد بينز في المحل بالتأكيد وسيقرضني بعض المال ."
كانت السيارة تخترق الطرق العتيقة لسوق البلدة القديم
اشار جاك الى قاعة جميلة لاحتساء الشاي في الطرق المقابل من الشارع .وقال بصوت حازم ناظرا الى ساعة السيارة :" سأراك هناك عند الخامسة والنصف,اذا ما وصلن اولا فاطلبي شيئا لك , وعند وصولي اسدد الحساب , وسأقلك في طريق العودة للمنزل ."
"في الواقع . انا بخير بكل صدق فانا اعرف مئات الاشخاص في دوركستر , و..."
"الخامسة والنصف . هذا امر ."
اومأت روزي برأسها علامة القبول على مضض . فكل ما كانت تشتهيه هو نزهة قصيرة في ذلك اليوم المشمس. وتحديدا , في سيارة رياضية مكشوفة برفقة زائر , فارع القامة . اسمر اللون , حسن المظهر . لم يكن ذلك يعني في تفكيرها الصبياني اكثر من مجرد دعوة . ذلك امر لا يخلو من المغامرة . لم تكن ترغب ان تسبب له كل هذه المتاعب وتضطره لإعادتها اى منزلها . اه يا لها من شقية ؟
عاد في اثرها بعد دقائق معدودة وقد اضحى اكثر لفتا للانتباه بعد ان ارتدى بذلة وربطة عنق . لم تكن قد طلبت شيئا لأنها لم تشأ فرض الامر . وراح يطلب شايا وكعكا لهما .
قال:"اخبريني عن نفسك." وهو يكسر الكعكة ويدهنها بالزبدة .
"ماذا تريد ان تعرف ؟"
هز كتفيه استهجانا واستوى على مقعده محدقا في عينيها" لست ادري . لماذا امضيت سنة اضافية في المدرسة ؟"
"حسنا . ليس بسؤال تسهل الاجابة عليه . انا ... اعدت السنة الخامسة لأستريح."
"لكنك لست مغفلة . كان لديك مقعدا في الجامعة بعد كل هذا ."
"اه.. اجل , لكن . حسنا , كان علي ان اتغلب على بعض المشاكل تلك السنة , مشاكل عائلية ."
"اه,لا بد انها امك التواقة دائما للسعادة , كما يخيل الي ."
ارتدت روزي بعنف . كانت تكره تناول هذا الموضوع في احاديثها . فقد مرت بلحظات عصيبة . تعلمت تقبل الوضع كما هو عليه , رغم انه ليس باليسير بالنسبة لها . لقد اغرمت والدتها برجل اخر . امها التي طالما احبتها ووضعت فيها كل ثقتها .
اجابت روزي:" اجل , شيء من هذا القبيل . على كل حال , ما كان لي ان ادمر مستقبلي بسبب محنة عابرة , لذلك اعدت سنتي الدراسية. كان ذلك رائعا في الحقيقة , لأنني تعرفت على فتيات السنة التالية وأقمت صداقات جديدة , الا يبدو سخيفا ان الناس لا يبنون صداقات جديدة لان الاخرين يصغرونهم سنا .. او العكس . انتهت الاشياء على هذا النحو في مدرستي ..كاتي بينز فتاة الحانوت -بالكاد احدثها في السابق والان تجمعنا صداقة حميمة ."
لم يبح بشي بعد ذلك , لا في قاعة الشاي ولا في السيارة . بكل تاكيد لم يطلب منها ان تروي المزيد عن نفسها. كان بمقدورها ان تخبره بأشياء كثيرة تبدو اكثر ضجرا . مثل اهتمامها بالتاريخ ومشاريعها لترتيب الحديقة . كانت مفاجأة لها حين اندفع لناحية الطريق وغادر السيارة معها الى البيت ."
"هل يمكنني القاء نظرة على نفسي ." قالت وهي مقتنعة بانه يعتبرها مغفلة بالكامل
اجابها :" سأدخل وانتظرك , بوسعك تبديل ملابسك . وسأقلك الى الفندق معي لتناول وجبة الطعام سوية ."
انفجرت عينا روزي وقالت بدهشة :" هذا لطف كبير منك , لكنك لست مرغما على ذلك . لقد سببت لك ما يكفي من المتاعب "
رد عليها بلطف وتهذيب مطلقا ابتسامة مشجعة "سيكون ذلك مدعاة سرور لي."
شعرت روزي بنفسها مصابة بالخذلان والانفعال وهي تشق دربها عبر الدارعة الفسيحة ذات الطراز الفيكتوري باتجاه غرفة الجلوس . كان والدها ما زال في الاستطبلات القديمة , يجمع بقايا كتل الحجار فيما اغتنمت خادمة المنزل مناسبة سفر والدها الوشيك لتمضي قسطا من نصيبها في العطلة . وحين كانت مندفعة صاعدة السلالم لتبديل ملابسها . تنبهت الى انه كان من المستحسن ان تقدم لجاك عصيرا يتناوله بدلا من تركه وحيدا . ترددت للحظة . هل تعود ادراجها ؟ لا , من الافضل ان ترتدي ملابسها بسرعة . اذا ما تركت الوقت يمر فقد يعود عن نيته ويذهب . وصلت الى غرفة الجلوس لاهثة . كانت هيأتها تختلق عما بدت من قبل . فتاة صغيرة عابثة . وبدت بريئة بثوبها الابيض المتموج . وشعرها المنسدل كالحرير على كتفيها حتى منتصف ظهرها .
قالت :"اعرف انه كان علي ان اقدم شيء قبل صعودي ,لكن . هل ترغب بتناول شراب ما ؟"
هز رأسه قائلا :"لا شكرا." القى نظرة على ساعته وقال :"لنذهب للتو . تبدين ايه في الجمال ؟"ظ
كان قد اخبرها في وقت سابق انه حضر الى دوركستر لمدة اسبوعين بداعي العمل ., وان صحبتها معه مستحسنة في الامسيات الطويلة في فندقه بتلك البلدة الصغيرة الهادئة . سارت الامور نحو الاسوأ مع تقدم المساء . فعندما امسك بذراعها ليقودها نحو الطاولة شعرت بالإعياء يدب في جسمها . كانت لمسته لها رقيقة دافئة مما جعلها تسير الخيلاء . لقد ادركني الوهن . فكرت مرتبكة بينا راح ليأخذ قبالتها للحظة خلت , فكرت انها كانت طفلة . وألان اصبحت امرأة .
استحوذ ليها هذا الشعور طيلة تناول الوجبة . كان احساسا رائعا . احيانا بالترقب , شعور واعدا بالنهاية .
سألها مجددا عن نفسها . ضحكت وعضت على شفتيها وأخبرته اشياء كثيرة . لكن هذه المرة