"اندريا" جمدت دوريس عندما دخلت المكتب قرابة التاسعة و شاهدت اندريا تقف إلى جانب خزانة الملفات,
"أوووووووووهـ ! ماذا فعلت بنفسك؟ أنت تبدين خلابة مذهلة."
مدت اندريا يدها و حضنت صديقتها ضاحكة, "لو لم تقولى ذلك, لذهبت الآن إلى البيت و بدأت من جديد التبرج."
"أنت تدركين أن لا أمل لدى لوكاس هاستينغز فى مواجهة هذا السحر."
"هذا مرادى."
نظرت دوريس إليها متفحصة و قالت: "أتعرفين.....أعتقد أنك وقعت فى حبه منذ أيام المحاكمة."
ابتسمت اندريا و لمع الحب فى عينيها. "هذا ما أعتقده أنا أيضاً."
قالت دوريس بعد توقف قصير. "بعد الذى اخبرتك به تلك الليلة, بت أخشى أن لا تأتى اليوم.... و لم أكن لألومك."
أخذت اندريا نفساً عميقاً و قالت: "هذا ما كان تلك الليلة, أما اليوم, فأن العالم كله يبدو مختلفاً."
"هل السبب هو لوكاس هاستينغز؟"
"أجل. و لن بول جعلنى أدرك أن مارغو سلون امرأة سقيمة و لن يأخذ أحد كلامها بجدية."
أومأت دوريس برأسها. "أنا متأكدة من ذلك."
استدارتا معاً عندما سمعتا خبطاً على الباب المفتوح. "أيتها الأخت!" وقف هال قرب الباب يحدق بـ اندريا كالمأخوذ بفعل سحرها الذى زاد عما كان مفترضاً. تنحنح عدة مرات "إن مجلس الكنيسة سيجتمع اليوم بعد القداس."
"لم ألاحظ ذذلك على البرنامج." تكلمت بنبرة رزينة و هادئة, و هى تعلم تماماً ماذا يخبى لها هذا الاجتماع, تبادلت مع دوريس نظرات ذات مغزى.
تململ فى وقفته و أجاب بعد أن تنحنح: "لا, لم يكن, لقد تقرر هذا الاجتماع بسبب أمر حدث بعد وضع البرنامج."
"شكراً لأخبارى يا هال, لقد أعلمت بول على ما أعتقد."
"أنا فى طريقى إلى مكتبه, فى الحال."
"حسناً, سوف ألتقيك فى الاجتماع."
انفجرت دوريس ضاحكة فى اللحظة التى أغلق فيها الباب وراءه. كتمت الضحكة سريهاً بوضع يدها على فمها, و لكن ليس قبل أن تنضم إليها اندريا فى الضحك. أدركت الفارق الكبير بين ما كانت تشعر به ليلة الجمعة و بين شعورها الملئ بالبهجة و التصميم فى هذه اللحظة استطاعت أخيراً أن تتخذ بعض القرارات..... قرارات فى الاتجاه الصحيح.
و لكن من الصعب أن تبقى على تساؤلها و قد بدا أن لوك لم يأت إلى القداس. رفضت, برغم ذلك أن تتقبل فكرة قيامه بلانسحاب من الأبرشية....فهو لن يقدم على هذه الخطوة.
أدركت اندريا خلال مقابلة مع أحد معلمى مدرسة الأحد, الذى كان مغادراً فى اجازة و يبحث عن من يحل مكانه أن الاجتماع قد بدأ على الأرجح فاعتذرت مننه و قطعت المقابلة.
سارت نحو منتديات ليلاس قاعة الاجتماعات الكبيرة بعد أن آخذت نفساً عميقاً, و حاولت إنقاء خطوتها....و معنوياتها....ثابتة و حازمة.
ما أن دخلت القاعة حتى أحست بشئ غير عادى, جالت بنظرها إلى الخمسة عشر شخصاً الموجودين فى الغرفة و توقفت عندما وقع بصرها على لوك.
أثارتها رؤية وجهه الوسيم, الذى راقبته يوماً بعد يوم خلال المحاكمة, و الذى حُرمت من رؤيته لمدة أسبوع. بادلته النظرات بجرأة غير آبهة لما قد يظنه الآخرون و لاحظت أن بدلته الرمادية و ربطة عنقه تناسقتا تماماً مع لون شعره المنسدل على ياقة سترته الأنيقة. شعرت اندريا بتسارع الدم فى عروقها و هى تنظر إليه.
أعادها صوت هال إلى الواقع, جلست على أقرب مقعد وجدته خالياً, و لكنه كان فى الظرف الآخر من مكان جلوس لوك. كان عزاؤها فى ذلك أنها لم تكن مضطرة لمواجهة لعداء الظاهر بوضوح على وجه مارغو سلون.
"باستطاعتنا أن نبدأ بما أن العدد قد أكتمل بحضور الأخت مايرز." بدا أن هال يواجه صعوبة ما لأنه ما فتى يتنحنح, فهمت اندريا السبب, لم يكن هال رجلاً حازماً و هذا الأجتماع هو أو لمهمة مزعجة له بعد أن اصبح رئيساً لمجلس الكنيسة. "لقد تلقيت اتصالاً هاتفياً من المركز الرئيسى للكنيسة." بدأ حديثه, "و يبدو أن واحداً من رعيتنا كتب له رسالة تتعلق.....بمشكلة. لقد بعث لىّ بهذه الرسالة لأن هذا هو الاجراء المناسب فى قضايا كهذه. و حسب قانون الكنيسة فالأبرشيات المحلية هى المسئولة عن حل هذه القضايا بما فيها الأمور المالية و كيف تواجه المعضلات الاجتماعية. لهذا طلبت هذا الاجتماع لنبحث هذه الشكوى...." اسرع بإنهاء كلامه "..... و أنا واثق من أننا سنجد حلاً يرضى الجميع."
غمز بول اندريا, أدفأت هذه الحركة قلبها, و أؤمأت له برأسها كى لا تضطر إلى مبادلته الأبتسام. لقد عادت الزوبعة إلى الفنجان كما توقع بول.
"عندنا ألتماس مقدم من مارغو سلون العضو فى ابرشيتنا و موقع منها و من عدة أعضاء آخرين بمن فيهم مايبل جونز, العضو أيضاً فى أبرشيتنا, أنهم يحتجون على تعين لوكاس هاستينغز مدرب فريق الكرة الطائرة لأنه مجرم سابق, و يذكرون أنهم لا يوافقون على اختلاط شبيبتنا معه على هذا النحو. هو ليس بالقدوة الحسنة لصغار السن. أنهم يطالبون أعفاءه من واجبته."
توقف قليلاً ثم نظر باتجاه مارغو سلون مباشرة و سأل: "هل هذا كل شئ؟"
وقفت مارغو و أجابت: "أطلب أن يغادر السيد هاستينغز الغرفة قبل أن نتابع الأجتماع."
طلب بول الأذن بالكلام, بدأ يتكلم و ابتسامة لطيفة تعلو وجهه: "ربما نسيت يا مارغو أن الجميع مرحب به لحضور الاجتماع. عندما عرفت محتوى هذا الألتماس اتصلت هاتفياً بالسيد هاستينغز و طلبت منه الحضور. لم يسبق لنا أتباع سياسة الباب المقفول. لقد أطلقت عدة أتهامات على إنسان مثلنا, و له الحق فى أن يعرف موقعه."
شعرت اندريا برغبة فى آخذ بول بالأحضان و معانقته بسبب هذا الكلام.
"تختلف الظروف المحيطة بالقضية كثيراً عما عهدناه فى قضايا سابقة." قالت مارغو بصوت مرتفع. "نحن نتكلم عن الرجل الذى سرق مليونى دولار لأجل....لأجل إرضاء الذات, إنه طراز من الرجال لا نريد التعامل معه أبداً."
لم يعد باستطاعة اندريا أن تبقى صامتة حتى و لا لثانية رفعت يدها, و لما أذن لها هال بالكلام وقفت, لاحظت القلق فى عينى لوك و أدركت أنه لا يريد منها أن تتدخل و تورط نفسها.
و لكن عدم انانيته تحفزها أكثر للتصدى لـ مارغو.
"لقد أصبح معروفاً للجميع أن السيد هاستينغز باع الكثير من ممكتلكاته لكى يسدد ديونه قبل أن يمثل أما المحكمة, لهذا السبب أطلق سراحه قبل أن ينهى مدة عقوبته."
منتديات ليلاس
أخذت نفساً عميقاً ثم تابعت: "ولا حاجة بىّ لتذكير أى واحد منكم أننا هنا فى اجتماع و لسنا فى محكمة قانونية. فقد واجه السيد هاستنغز العدالة و نال جزاءه وراء القضبان و أعتقد أن الجميع يعرفون أننى كنت أحد اعضاء هيئة المحلفين الذين أدانوه."
أومأ الجميع موافقين.
"سأله القاضى قبل أن يصدر حكمه فى ما إذا كان يرغب بقول أى شئ...." استرقت النظر إلى لوك و رأته يحدق إليها بطريقة لم تعهدها من قبل ".....قال السيد هاستنغز للقاضى بصوت ثابت هادئ إنه ليس مذنباً و مع الوقت سيبرهن عن ذلك."
علت همهمات التعجب و الأستفهام من الكثيرين و لكنها لم تع إلا وجود لوك.
"و بصراحة, حللت مكان بول بزيارة سجن رد بلوف فى أيلول / سبتمبر الماضى حيث قابلت السيد هاستينغز لأول مرة و لو قام أى منكم بزيارة السجن لأدرك على الفور أنه الجحيم على الأرض, يستطيع لوكاس هاستينغز أن يخبركم كل شئ عن السجون. إن أعتبروه الآخرين برئياً أم مذنباً, هذا الرجل دفع ثمناً, أرجو من الله أن لا يضطر أى منكم لأن يدفعه. و أريد أن أسألكم, من منا إنسان كامل كى يحق له أن يحكم و يدين هذا الرجل مرة ثانية؟ و لأى جريمة؟ هل نبدأ بإلقاء التهم؟ أولاً أنه مذنب لأنه إلتجاء إلى الكنيسة فى الأسبوع الأول بعد إطلاق سراحه و طلب أن يعطى عملاً تطوعى, ثانياً إنه مذنب لأنه أحسن تدريب فريقنا للكرة الطائرة بصورة أصبح لنا معها فرصة للحصول على بطولة الدورة, المرة الوحيدة التى تغيب فيها عن التدريب عندما وقع له حادث خلال رحلة طيران بحكم عمله أُجبرعلى الهبوط الأضطرارى و كاد أن يُقتل. ثم سار لمسافة عشرين ميل على قدميه عبر الغابات حتى وصل إلى حيث يستطيع طلب المساعدة."
فغر الجميع أفواههم و همهموا ببضعة تعليقات.
"أنه مذنب لأنه صادق كاسى الذين كان بحاجة إلى يد حازمة منذ وقت طويل, دعونى أتذكر, هل من تهم أخرى؟ أهه إنه مذنب لأنه تبرع بمحتويات غرفة كاملة من منزله لـ هيرب و يلسون....خاصة و أن نزهة للشبيبة هى الأكثر إثارة فى تاريخ الأبرشية و كانت على حساب الخاص و من وقته الخاص.....كم واحد منكم يستطيع توفير كل هذا الوقت بعد أن يكون قد بقى ستة أشهر من دون عمل؟"
علا ضجيج المتجمعين و غرقت القاعة فى فوضى, مما اضطر اندريا لأن ترفع صوتها كى تُسمع. "أطلب, بصفتى راعية مشاركة لهذه الكنيسة أن نصوت على أهلية السيد هاستينغز فى البقاء معنا. أريد أن أضيف أن الألتماس المقدم, كما جاء هو معيب و تشهيرى. لدى السيد هاستينغز الحق الدستورى فى توكيل محامى و إقامة دعوى قانونية ضد من ساق إليه هذه التهم."
جلست اندريا و قد تلاشى غضبها, و لدهشتها, شاهدت مارغو تهرع إلى مغادرة القاعة, فى صورة درامتيكية أثارت عطف اندريا برغم كل ما حدث و قد لاحظت أن مايبل لم تلحق بها.
"هل يريد.....يريد أحد إضافة أى شئ؟" سأل هال الذى كان من الواضح أنه تأثر كثيراً بما قالته اندريا, لم يجب أحد و كان الصمت مخيماً, "يرفع يده كل من يوافق على بقاء السيد هاستينغز فى عمله مع شبيبة الأبرشية."
شعرت اندريا بغصة فى حلقها عندما شاهدت عدد الأيدى المرتفعة.
"ليرفع يده من هو ضد الفكرة؟"
"أوه, لأجل السماء يا هال!" صرخت مايبل مؤنبة و انفجرت اندريا بالضحك لسخافة الحركة, وقف فى هذه اللحظة أعضاء المجلس.....بمن فيهم مايبل....و أخذوا بمصافحة لوك و ربتوا على كتفه, مؤكدين له بأنه لم يكن لهم ضلع فى الالتماس الذى قُدم. و ظهر بوضوح على تعابيره أنه تأثر جداً بعواطفهم المتدفقة و روح الصداقة التى أظهروها.
اقترب بول منها و أمسك بيدها. "اندريا, اندريا لقد كنت رائعة اليوم. و فى الحقيقة أنا فخور لأننى حرضتك على هذا العمل."
عبست على الفور. "هل أنت بخير يا بول؟"
ضحك و هو يهز رأسه: "لم أكن بحالة أفضل قبلاً, لو لم يخترك الله لرعاية هذه الكنيسة لكنت قلت أن الفرصة فاتتك كى تصبحى محامية."
"و أنا أقول, لولا أن الله أختارك كى ترشدنى إلى طريق خدمة الكنيسة لكنت فوت الفرصة بأن تصبح طبيباً نفسياً."
شد على يدها و ترقرقت الدموع فى عينيه, "إننا نشكل فريقاً جيداً, أليس كذلك؟"
"و الأفضل," علقت بصوت مرتجف. "أنا قلقة يا بول على مارغو."
"لقد سرقت الكلمات من فمىقبل أنا أقولها, سأذهب لزيارتها فى البيت و أتحدث معها."
"أريد أن أفعل ذلك أيضاً, و لكنى أعرف أنها لن ترحب بزيارتى, سأكتب لها رسالة بعد بضعة أيام من المحتمل أن تمزقها و لكن يجب أن أحاول. أرجو أن تنجح مع مارغو. بول.....أشكرك ثانية من أعماق قلبى."
وقعت اندريا فى حيرة عندما غادر بول القاعة, إذ أرادت أن تتحدث مع لوك و لكنها لاحظت أنه انخرط فى الحديث مع بضعة رجال. أدركت أن الحديث قد يطول عدة دقائق ففضلت الانسحاب إلى مكتبها لتأخذ سترتها و حقيبتها.
و لكن ما أن وضعت قدمها خارج بابا القاعة..........
منتديات ليلاســـــــــــــــــــ