المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
الإفتراس-2 - د/ أحمد خالد توفيق
د/ أحمد خالد توفيق
الإفتراس-2
نستكمل اليوم مقال د.شريف عرفة عن التحرش، وأجده من أفضل ما قيل فى هذا الموضوع، فهو مختصر دقيق ومرتب.
«طبقا لعلم النفس التحليلى والتطورى، فالعنف غريزة موجودة عند الكائنات لتساعدها فى البقاء (يسميها فرويد غريزة التدمير) لكن الإنسان يحاول أن يكبت هذه الغريزة أو يعبر عنها بطرق متحضرة. علماء النفس الاجتماعى يرون أن احتمال لجوء الإنسان إلى العنف (اللفظى أو الجسدى..) يزيد فى ظروف محددة.. منها:
1ـ الحَرّ (بفتح الحاء)!: جاء العلماء بمجموعتين من الناس، جعلوا الأولى تشاهد صورًا لأسلحة مختلفة، و وضعوا الثانية فى غرفة مرتفعة الحرارة!، فوجدوا أن الاشخاص فى المجموعة الثانية كانوا أكثر استعدادا للعنف من المجموعة الأولى! الحر يجعلنا أكثر استعدادا للشعور بمشاعر سلبية -كالغضب- مما يجعل فرصة العنف أكبر!.
2ـ الإحباط: حين يرغب الإنسان فى شىء لكنه يعجز عن الحصول عليه، يشعر بالغضب فيزيد احتمال لجوئه للعنف للتنفيس عن هذه المشاعر. يحدث هذا خصوصا حين تكون الرغبة شديدة جدا، فيكون عدم إشباعها مسببا لإحباط أكبر. ففى تجربة قام العلماء بحرمان بعض الأطفال من اللعب بألعاب رأوها أمامهم.. ثم سمحوا لهم بذلك بعد 20 دقيقة، فلاحظوا أن الأطفال الذين شعروا بالحرمان، كان لعبهم أكثر عنفا وخشونة من الذين لم يشعروا بهذا الحرمان!. كما يقول بعض العلماء إن هناك علاقة بين الحرمان من المتع الجسدية والعنف.. وقاموا بدراسات على أطفال من دول مختلفة ووجدوا العلاقة واضحة.. الثقافات التى لا تشبع رغبات أبنائها تكون فرصة لجوئهم للعنف أكبر. يزيد تأثير الإحباط من السلوك العنيف حين "لا يكون هناك تفسير واضح" لسبب حدوث هذا الإحباط... فلو كان الإنسان يدرك سبب عدم حصوله على ما يريد وكيفية الحصول عليه فى المستقبل، سيكون أكثر هدوءا واستقرارا.
معرفة تفسير الإحباط مهمة كى يشعر الإنسان برضا أكبر عن حياته ويتحمل مصاعبها..من المهم أن تكون للإنسان "فلسفة حياة" تفسر له معنى ما يحدث فى العالم حوله، وهذا يتحقق بالمعتقدات الدينية وبالثقافة المتماسكة.. وليس ادعاء أى منهما! حين يقول أحد أن الإحباط والحرمان الجنسى من أسباب العنف، فهذا القول لا يخلو من صواب. لذلك تقوم بعض الجيوش بحرمان أفرادها من ممارسة الجنس أثناء الاشتباكات، كى يكونوا أكثر شراسة!.»
تشخيص ممتاز. طيب وما هو الحل يا عم شريف؟ يقول: «الحل هو توفير الاحتياجات الفسيولوجية الطبيعية التى خلقها الله ليتم إشباعها لا لتكبت، وتنوير الناس وتعليمهم كى لا تكون حياتهم وإحباطاتهم عبثية بلا معنى، وتوفير أساليب صحية للتنفيس عن مشاعرهم السلبية (كالرياضة وحرية التعبير عن الرأى...)، ومعاقبة مرتكب العنف بحسم، وعدم حصوله على ما يريد، كى لا يرتبط العنف بشكل لا واع بتحقيق الهدف منه.. وشوفوا لكم حل فى موضوع الحر ده!»
المشكلة أن حل الظاهرة حضارى اقتصادى ويتلخص فى أن نكون رائعين!. كما أنه لا يوجد حل قريب للحر مع أزمة الكهرباء الحالية.. الكهرباء انقطعت أمس فى طنطا ثلاث مرات كل مرة مدتها ساعتان، بينما تستغيث محافظات فى اليمن من كارثة إنسانية، لأن الكهرباء تنقطع لفترات قد تصل لثلاث ساعات يوميًا!. لكنى أقر بدقة معلومة الحر هذه. لو أننى قتلت أحدًا ومزقته فلسوف يحدث هذا فى يوم حرارته تتجاوز الأربعين. راجع مشهد قتل الأعرابى فى رواية (الغريب) لألبير كامو حيث لعب الذباب دورًا إضافيًا.
د. شريف يتكلم بشكل عملى عما يجب أن يكون، بينما رأيى الخاص أنه لو تمت السيطرة على البلطجية، ولم يوزع عليهم المتعهد الترامادول لقلت الظاهرة جدًا. يجب أن تؤدى الداخلية عملها الذى ندفع أجره من ضرائبنا. ليس عملها هو الأمن السياسى وضرب المتظاهرين فقط. وليس عملها الوساطة بينك وبين من يسرقون سيارتك. الحل بالتأكيد فى يد الداخلية ورأيى الخاص أنه –فى هذه المرة– أمنى تمامًا.
عندما كنت طالبًا فى المدرسة الثانوية أعلن السادات الانضباط فى الشارع المصرى، وكأى شيء فى مصر كانت (للغربال شدّة) وكان التنفيذ صارمًا فى البداية، لذا كان من السهل أن تطلق سبة بذيئة بصوت عال، أو تعاكس فتاة لتجد نفسك فى بوكس الشرطة. وفى يوم السبت كنا نعرف من عاكسوا فتيات ليلة الخميس، عندما يدخلون المدرسة برءوسهم الصلعاء بعد ما حلقت لهم الشرطة شعورهم!.. لاحظ أننا نتكلم عن المعاكسة من طراز (أحلى واحدة اللى لابسة أحمر – أموت أنا فى الجمال ده).. بينما المعاكسة اليوم هى تجريد امرأة من ثيابها بالكامل فى ميدان عام وضربها وحرقها واغتصابها مرارًا.. إنه التقدم. من الأشياء المزعجة كذلك تلك الحلول الجاهزة، فكاتبة صحفية شهيرة اتهمت الإخوان بتدبير هذا المشهد. سيكون عليها أن تفسر لماذا حدث نفس المشهد يوم تنحى مبارك ويوم فوز مرسى ويوم فتاة العتبة، وأيام العيد أمام دور السينما منذ أعوام. الحقيقة أن الأمر يتعلق بحالة التوحش العامة التى تجتاح المجتمع والتى تظهر فى المقالات والفضائيات المسعورة وتعليقات القراء فى الإنترنت. ويتعلق بالمخدرات والإحباط. هناك من يقول لهؤلاء المغتصبين: «هل ترضى هذا لأختك؟». أعتقد أننا تجاوزنا هذا المفهوم بكثير.. من فعل هذا بأنثى بريئة -هن تسع إناث فى الواقع- يمكن أن يغتصب أخته بسهولة لو أتيحت له ظروف مناسبة وآمنة.
فى المقال القادم نتكلم عن ظاهرة سقوط الكثير من التابوهات فى مجتمعنا الذى حسبنا أننا نعرفه
|