كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية وعساكم دايم مبسوطين
ممتنة جدًا على الدعم، وآسفة لكم كثير على تقصيري معاكم بالتعليقات، لكن يشهد الله إني أحاول، ومهما حطيت وقت أو ساعة معينة تكون مخصصة للرد عليكم يصير شيء يمنعني :( بس اعرفوا انكم كلكم على عيني وراسي :$* وتواجدكم فخر ويزيد من حماسي وحبي لكم وللروايـة، وبظل بعد أحاول أنصفكم وأرد على حماسكم اللي ما أبيه ينطفي بسببي :(
إن شاء الله نصل لبر الأمـان وما يكون هالشيء بعيد، + رحم الله امرئٍ أهدى إلى عيوبي ، إذا عندكم أي تعقيب على وانتقاد بكون أكثر من مرحب، لعلمكم ترى لازم نحصل شيء غير المدح حلو التنويع والتجديد من روتيننا :)
بسم الله نبدأ، قراءة ممتعة
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات والصلاة
(47)
أغلقَت حاسوبها وهي تتنهّد، لتوّها غادرت حسابها في الفيس بوك، تحاول إغلاقه نهائيًا، لكنّ هنـاك ما يمنعها، هنـاك ما يجعلها تتراجعُ ولا تفعل، في كلِّ مرةٍ تتجه فيها لتُنهِيه تتشنّج أصابعها عن الحركة، تتشتت عيناها عن الشاشـة ويبدأ عقلها بالتفكير في أمورٍ عديدةٍ لتبتعد فقط عن إغلاقِه، وتنصـاعَ أخيرًا لهذا النفور.
نهضَت من السرير وهي تنفخُ صدرها بالأكسجين، لامس باطن قدميها الحافيتين الأرضيّة الباردة وتحرّكتا ببطءٍ باتّجـاهِ المرآة، وقفَت أمـامها بعينين خافتتين وبشرةٍ شاحبـةٍ لازالت أثآر الأيام السابقةِ تجري عليها، عضّت شفتها بخفّةٍ وهي ترفعُ يدها اليُمنى لتُلامس شعرها الذي وصَل بطولهِ إلى أسفلَ كتفيها على غيرِ العـادة، فهي لا تحب جعلهُ يتجاوز عنقها، صبغتهُ انسحبت تدريجيًا وتمركزت في الأطرافِ ليظهر لون شعرها البنيّ الغامق الذي يميل للسـواد . . مررت أطرافَ أناملها من جذورِ شعرها لنهايـته، ثمَّ تنهّدت والأسى يرسم طريقهُ لعينيها لتنحدرَ أناملها إلى وجهها ممررةً لها على بشرتها الشاحبة، على الهالاتِ التي التفّت حول عينيها كهالـةٍ من الفقرِ الحياتِي!، كوسمٍ على بؤسِها وتقوقعها حول الحُزن الذي تحاولُ بكل قوةٍ أن تتجاوزه، وستتجاوزه! من المُخزي أن تستسلم لأحزانكَ وتنسى كلَّ نعم الله السابقـةِ عليك، أن تحكم على حياتِك بالبؤسِ لحزنٍ مرَّ ونقشَ نفسه في عينيك ... أنا أرى، أسمَع، أتحدّث، أمشي، وأعِيش في منزلٍ لطالمـا بثَّ أصحابه في قلبي سعادةً على مرِّ سنين، فكيف أتجرأ وأنسى تلكَ النعم؟!
رطّبت شفتيها بلسانها قبل أن تستقرَّ أناملـها على الوشمِ الذي بجانب فمِها، هذا الوشم الذي وشمته لنفسها عندمـا كانت في الخامسةَ عشرَ من عمرها، وشمته في لحظةٍ مجنونةٍ كانت يداها فيه ترتعشان، ولم تشعر بنفسها إلا والدمُ يسيلُ سيلَ الحممِ على بشرتها، لم تكُن هي وقتها! لم تكن تدرك شيئًا مما حولها، فقط انسحَب الإدراك من عقلها واستقرّت ذاكرتها عند لحظاتٍ غابَت فيها عن الدنيـا بما فيها وحين استيقظت وجدت نفسها عائمةً لا تفقهُ مما حدثَ لها شيئـًا.
زمّت شفتيها بقوةٍ وهي تُريح كفّها على زاويـةِ فمها لتُغطي علامة " الإكس " التي تشقُّ ملامحها في صورةٍ ثابتةٍ لا تهتز، وتأتي صورة أدهم شاقّةً الأفق وهي التي تحاول زعزعةَ أي ماضٍ مُخلٍ يتعلق به، بالتأكيد لم يكُن يعرف عن علاقتنا الحقيقية، لم يكُن يعلم، وحتى وإن لم يكن ذلك عذرًا لدناءته، لكنّها ترى فيهِ شخصًا مختلفًا عما كان، لا تدري! لكنّها بالرغم مما حدَث لا تلمح فيه شخصًا متحرشًا، هو أكبر من ذلك ... لكن ماذا عما حدث؟!!
نفضَت الماضي عن رأسها وهي تتنحنح وتنظر للبابِ الذي كان يُطرق، بللت شفتيها من الجفافِ الذي يُداهم كلَّ خليةٍ في جسدها لتهتف بهدوءٍ ظاهري : مين؟
هديل من خلفِ الباب : أنـا
اتّجهت إلين للبـابِ حتى تفتحه، وبابتسامةٍ باهتة : إن جبتي طاري المسابقة بطردك فاهمة؟!
هديل بضحكة : تصدقين تو كنت بسألك وين وصلتِ!
عبسَت إلين وهي تحيد عن الباب لتترك لهديل الدخول، وبامتعاض : هديل ، ترى بيصير الموضوع بايخ! لا يكون تشوفين الموضوع بهالسطحية؟!
اتّسعت عينا هديل بذعرٍ وهي تهتف : لا لا الموضوع مزحة ترى ، يعني تطمني أنا هدفي الأول أحافظ على القرآن بس طبعًا الهدية ثانيًا
هزّت رأسها بالنفي وهي تبتسم : ما منك رجا
دخلَت هديل الغرفةَ وهي تمط شفتيها في ابتسامةٍ واسعة : على قولتك
جلَست إلين على السرير لتمدد ظهرها ثانيًا، وبهدوءٍ وهي تنظر للأعلى في خطِّ استواءٍ ساخِن : مين جالِس تحت؟
هديل تتّجه للمرآه لتنظر لشعرها وترتبه : امي وابوي
ضوّقت عيناها قليلًا وهي تلوي فمها بتفكيرٍ شريد، وبصوتٍ يتغلغلهُ موجةٌ دافئةٌ من الهمس : كيف الوضع بينهم؟
تيبّست كفّا هديل على رأسها، وتشنّج فكها قليلًا ويداها تسقطان على التسريحة بينما تثبّتت نظراتها على إلين عبر المرآةِ ووجهها يتجمّد . . . استدارت لتستند على حافّةِ التسريحة وهي تبلل شفتيها، وبصوتٍ جعلت الهدوءَ يستقرُّ فيه بقدر استطاعتها : إن شاء الله تمـام ، صار الوضع أحسن
إلين لم تنظر إليها، أبقَت نظراتها للأعلى وأذناها تقرآن نبرةَ هديل البائسة .. همسَت : تدرين يعني ، يومتها احترقت هي بعد مو بس أنا
هديل ابتعدَت قليلًا وجسدها يلامس الهواءَ عوضًا عن زاويـةِ التسريحةِ القاسيـة : كان بسيط ، ما اهتمت له كثرك
ازدردَت ريقها بصعوبة، الصدأُ يلتحم بجدرانِ حنجُرتها وكل ما تبتلعه يختلط بهِ في مرارةٍ كالعلقم ... لفظَت بصوتٍ فاترٍ يتخشخش بهِ الوجَع وهي تحرِّكُ حدقتها للزاويةِ اليُمنى العلوية من عينيها : احترقت بسببي، وتطلقت للمرّة الأولى بسببي . . . أنا آسفة على كل شيء
توتّرت نظراتُ هديل وهي تعضُّ شفتِها بقوّة، وتجمّدت مفاصل أصابعها لتبقيها مسطحةً يلطمها الهواءُ باطنًا وظاهرًا، هذا الموضوع مؤرِق، تتناساه، تغفل عنه، وليس من العدلِ الآن أن تستثيره، ليس من العدلِ أن تتحدّث عنه بعد أن انتهى وغادرَها حُزنها به، أو هي طَردَته . . . أفرجَت شفتيها لتهتف بشيءٍ حادٍ مُسننٍ كي لا تُثير هذا الموضوعَ مرةً أخرى، لكنّ إلين سبقتها وهي تجلس ناظرةً إليها بملامح يتماوجُ فيها الحُزن والحيرةُ وكل ما قد يرتسمُ من سلبيات ، هامسةً بصوتٍ يُزدَردُ من قِبلِ التساؤلاتِ التي تتلقفُ كل نبرةٍ وتكوّرها في حِيرة : ما لقيت في ردّة فعلك شيء منطقي ، ما تسآءلتي كثير عن الموضوع اللي حكيتك عنه ... أنتِ مصدقتني؟
فهمت مقصدها جيدًا، الموضوعُ الذي حدّثتها عنهُ وأسهبتْ فيه من الحُزن، موضوع حياتِها الحقيقة . . . اقتربت منها بنظرةٍ لا تعبير فيها، والتقت عيناها بعيني إلين الساكنة . .
،
سيجيء يومٌ إلينا نُعانقُ فيه الوجعَ مودعين له، ملوحين بكفِّنا له، ستجيءُ نبرةٌ دافئةٌ من البعيد تُخبرنا بأنّ تلك لن تكون آخر أحزاننا، لكنّ ستكون الأخيرة المُهلكة من نوعها والموجعةَ حدَّ الموت . . . الحزنُ واللهِ لا ينتهي، من ذا الذي يبحث في الفلكِ عن فرحٍ دائِم؟ نحن البشر روتيننا الدائِم حزنٌ وفرحٌ يتلاحقان، من الغبـاء أن نظنَّ بأن هناك ما يدوم منهما، من الغبـاء ألا نؤمنَ بهذهِ القاعدةِ الكونية، نحنُ البشر نحزن بإسراف، ونفرح بمحدودية، لم ننصف أنفسنا يومًا، لم نعطي كل ذي حقٍ حقه، ثمّ نجيء منكبين على أوجهنا نشكي حزننا، وننسى الأفراح التي دائمًا ما نجعلها - محدودة -.
يا الله ما أقبحنـا! نسينا شُكرك، حصرناه في الفرح، وغفلنا عن كونِ حزننا أيضـًا نعمة، فيكَ من الرحمةِ الكثير لتبتلينا بحزنٍ قد يُسقطُ خطايانا ، يا الله ما أرحمك!
تنهّدَ بعمقٍ وهو يبتسم ابتسامةً باهتةً للهـواءِ والسماء، للطريقِ المُشبعِ بالنـاس، لخُضرةِ الأرضِ من حوله، وزفرَ من بين شفتيه الهواءَ الذي يُلوّثُ رئتيه، صارت عادةً لهُ أن يتمشّى هنا وهناك، أن يُطلق قدميهِ في الطرقات إلى أن يأتي الفرجُ من ربِّ العالمين.
كانت كفّاه تختبآنِ في جيبي معطفه، تبحثان عن الدفء بسكونها هناك، وفي تلك اللحظاتِ التي يسرقهُ فيها شرودهُ لم يكن منتبهًا للذي ظللهُ جانبًا يمشي بجواره باقترابٍ مُريب، لكنّه لم يكن منتبهً له، ينظر للأرض التي تندلعُ فيها الظلال فجأةً لتختفي ما إن تبتغي زواية أشعةِ الشمسِ ذلك.
مرّت الثواني وهو يمشي، والرجل المُرتدي للسوادِ بجانبه، لا يفصلهما إلا القليل، وذاك القليل اضمحلَّ حين اقترب الرجل أكثر حتى كاد أن يُلامسه، حينها حان منه أن يقف فجأةً ويستدير مستوعبًا ما يحدث، وتصاعدَ القلقُ على ملامحهِ وهو يتراجع قليلًا يستعد للهرب، لكنّ الرجل هتف بلكنةٍ عربيةٍ قبل أن يسمح له بذلك : ماجد؟
اهتزّت نظراته وقلبه اضطرب، حاول أن يُخفي ببراعةٍ أي تأثيرٍ على ملامحه وهو يهتف ببرود وبلكنةٍ فرنسيةٍ بحتة : ماذا؟
الرجل بثقة : لا تحاول تظللني ، عارفين كل شيء عنك!
تصاعدت نبضاتُ قلبه واضطربت، بينما تراجعَ بقدمهِ اليُمنى وهو يشدُّ قبضتيه، طيلة السنوات التي مضَت كان مُختبئًا، بعيدًا عن أنظار من قد يؤذيه، وفجأةً ظهر لهُ شخص، والآن آخر، هل كانوا يراقبونه منذ زمنٍ وهو الذي صدّق بعض الأمـانِ الذي يغتاله؟ لا، لا يا الله، يجب أن أكون ميتًا، مفقودًا، أي شيء، لكن ليس مكشوفًا أمامهم!!
أردف الرجلُ أمام الصمتِ الذي واجهه : أظنك فاهمني بقولة عارفين كل شيء!
عضَّ شفته بقوةٍ وهو يستعد لأيِّ فعلٍ مجنونٍ حتى وإن كان القتل، لكن صوت الرجل جاءه مقتحمًا لكل أفكارهِ ليثير فيهِ الصدمة : لا تخاف منا ، احنا معاك
،
أوقَف سيارتهُ قريبًا من المنزِل، أرخى ظهرهُ للخلفِ على المقعدِ وهو يُغمضُ عينيه متنهدًا سامحًا للهواءِ الدافئ أن يلجَ إلى رئتيه بعد أن فتحَ نافذةَ السيّـارة، مضَى طيلةَ وقتهِ السابق وهو يزور شوارعَ الريـاضِ ليخمدَ مشاعرهُ المنفعلة، ليبخِّرها بحرارةِ الشمس الساخنـة، ولم تكن حرارتُها كافيةً حتى تقمعَ كل قهرٍ يتجدد في قلبه كتجدد الخلايـا.
شدَّ قبضتيه جانبًا ، وفتحَ عينيه لينظر للأمـامُ بملامح جامـدة، يستغرق ثوانِيه التاليـة في تأمُّل الأفكارِ في عقله والتي ترفض الإستواء ليُدرك ما الذي سيفعله في خطوتِه التاليـة، وطالت الدقائقُ في ظرفِ شروده، لطالما يأخذنا الشُرودُ عن مُصابنا، ولطالما تسرقُنا المصائب عن حياتِنا الضاحكة، وإن طالنـا اليأسُ حينها فهُنا رُسمت نهايتنا.
بللَ شفتيه وهو يزفُر ويُدير رأسه ناحيَة المنزل، وحين قرر النزول والدخـول توقّف حين تذكر أمرًا مهمًا نسيَه، حينها أخرجَ هاتفه من جيبِه بسرعةٍ ليتّجه لرقمِ عمه، وما إن بدأ الرنينُ حتى وضعه على أذنه ليمدَّ أنامل يده الأخرى ناحيةَ زرِّ التحكم مُغلقًا النافذةَ من لفحاتِ الريـاض الساخنة.
رنَّ الهاتف لثوانٍ، وانقطَع أخيرًا بصوتِ عمه : ألو
توتّرت عضلات ملامحه قليلًا قبل أن يتنهّد ويهتف بخفوت : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام
فواز بهدوءٍ ظاهري : كيفك؟
يوسف : الحمدلله ، شلونكم أنتو؟
فواز وهو يقرأ في " أنتو " جيهان خصيصًا، هتف : طيبين الحمدلله، وجيهان أحوالها تمام
صمتَ يوسف من الجهةِ الأخرى وهو يزفر هواءً ساخنًا اختلط بشوقهِ الأبويِّ لصوتِها، لملامحها، لضحكتها، لكل شيءٍ يُكوّنها . . هي ابنته الأولى! سعادتُه الأولى، ولم يتخيل يومًا أن تتباعد المسافاتُ بينهما بهذهِ الطريقة، أن تصبح " التكنولوجيا " لا فائِدة منها في هذا العصر، لا صوت، لا صورة، لا شيء! ويبقى هو يدعو الله أن تكون سليمة، سعيدة، تبتسمُ على الأقل، يا الله كم اشتاقَ لابتسامتها! لضحكتها . . ابتسم . . هي ابنة أُمها أخيرًا، حتى في شخصيتها التي تتمرّدُ حينما تُريد.
أردفَ فواز بتساؤل : اتصلت عليك أمس أكثر من مرة بس ما كنت ترد
يوسف يتنهّدُ قبل أن يرد : كنت مشغول
فواز : هممم
أغمضَ عينيه لثانيتين وهو ينفخُ صدره بالكلماتِ التي يحتاجها في هذه الأثنـاء ولابد لها من التكوين في حُنجرته، يحتاح نبرةً يُسعفُ بها الموقف، باتَ كل شيءٍ يخونُه في فترةٍ كهذه، كل شيء! حتى حُبُّه خانَ حين وجدَ نفسه يبتعد عنها ويُسيء لنفسيتها أكثر وأكثر ... فقط أطلبُ منكِ فضلًا، سامحيني!
تنحنحَ وهو يرفعُ كفّهُ الأخرى التي لا تُمسك بالهاتف ليُمسِّد بها عنقهُ المتيبّسة، مُردفًا بصوتٍ خافتٍ ليلجَ للموضوعُ مباشرَة : بغيت أكلمك بموضوع ، يخصني أنا وجيهان!
عقَد يُوسف حاجبيه قليلًا وبانَ القلق على صوتِه الذي هتف : وشو؟
فواز بهدوءٍ يعاكس تيّاراتِ صدرِه وأفكارِه : بنسوي حفلة زواج ، أنا واعدها من زمان إنها تكون مثل كل بنت، ماهي أقل من غيرها عشان ما تنبسط وتلبس الفستان الأبيض!
سـادَ الصمتُ على فمِ يُوسِف فجأة، وانبثقَت مشاعِر متناقضةً في صدرِه، تماوجَ في قلبهِ شغفٌ برؤيتِها ترتدي فستانًا أبيضَ يُتوِّجها ملكة، ومن القسوةِ على قلبهِ ألا يراها عروسًا ترتدي الأبيضَ وتنتشر حولها هالـةٌ من الاستثنائية . . قصرتُ معك! كثيرًا وواللهِ أدركُ ذلك، قصرتُ في حقٍ كان لابدَّ من أن تناليه، كثيرًا! كثيرًا ويا خيبَة الأبِ حين يقصِّر بـ - الكثير - ... صدِّقيني لا أبَ يُحب أن تنقص ابنته عن بقيّة الإناث، كل ابنةٍ عند أبيها هي استثنائية/ملكة، واعذري تقصيري الذي لم يُهدِك حق اعتلاءِ عرشِك . . رفعَ كفّهُ المنفعلةَ ليفتحَ أول زرّين من قميصهِ وهو يتنفس بعمق، يراها ترتدي الفستان، جميلة، مختلفةً عن كل الحاضِرات، عن كل أنثى في عصرِها، ما أجمَل بناتِه، وما أكثر أسفه على بقيّة الإناث، فهم لم يصلوا يومًا لجمالهنّ وروعتهن.
يوسف يهتفَ وهو يبتسم ابتسامةً خافتة : ما تقصر يا فواز ، مبسوط كثير إنّها عندك! إنها زوجة شخص تهمه فرحتها
ازدردَ فوّاز ريقهُ بصعوبة وهو يبتسم باهتزاز، تُدركُ كما أُدركُ أنا أن فرحها مهمٌ عندي، لكنّك لا تدرك أنني أخطأت في حقها، ولا أظن أنّك ستسامِحُني! لذا ها أنا أتصرف بأنانيةٍ حتى أضمَن تعلُّقها بزواجنا، حتى لا تنتشلها مني إن هي أرادت ذلك!
بلل شفتيه قبل أن يهمسَ بتوتر : بس هي طالبة شيء ، وهالشيء عندك أنت!
عقَد حاجبيه باستنكارٍ دون أن تغادره ابتسامته الخافتة : عندي أنا؟!
فواز : أيه ، هي طالبة إن كل أهلها يكونون حولها ، تبيك أنت وخواتها
تلاشَت ابتسامةُ يوسف تلقائيًا واسترخت حاجباهُ على ملامِحه، بينما سقطت كفه التي كانت تعتلي قميصه ليُريحها على السرير دون استيعاب، تريده! تريده هو!!!!! . . لم يشعر بنفسهِ وهو يقف، يغمض عينيه بقوةٍ مُغيّبًا لناظريه عن الدنيا علّ الكلمات تتكرر مرةً أخرى ويستوعبها عقله، علّه لا يكون تخيلًا منه ، ماذا يقول؟ اشتـاق فتاته، اشتـاقَ شقيّته، اشتاقَ مُدللته! وهو الذي لم يتخيّل يومًا أن يصيرَ ما يصير لتبتعد عنه ، والحمدلله فحسب، الحمدلله على كل حالٍ ومُصاب.
فتحَ عينيه وهو يتنهّد بعمق، بينمـا سادَ الصمتُ عند فواز الذي كان ينتظر ردّ عمه، عمهِ الذي سُرقَ من قبلِ التفكير والإستيعابِ المتناقِض، ليضيعَ ردّه السريعَ ويتحوّر هذا الرد لسؤالٍ متحشرجِ النبراتِ يبحث بهِ عن التأكيد : هي قالت؟
ابتسمَ فواز بخفّة، قرأ في صوتِه شغفًا، حزنًا، اشتياقًا، جزعًا، لكنّ ابتسامتهُ تلك كانت تحمل جزءً من الأسى عليه، سامحكِ الله يا جيهان، على عقوقِك! على هذا الحزن في صوتِه، أسأل الله ألا يكون في ما فعلتِه حجةً عليك يوم القيـامة، يا الله لا تحرمني منها في الجنّة، لا تحرمني منها لأخطائها وحماقاتِها.
امتدّت يدُه دون شعورٍ ليعود لفتح النافذةِ وهو يشعر أنّ الهواءَ يتسلل بعيدًا عن السيّارة، هل يبقى صامتًا على ما يحدث؟ هل يبقى صامتًا على ذنبٍ قد يكون سببًا في بُعدها عنه في الجنّة! . . بلل شفتيه وهو يُشتت عينيه بضيق، لكنّ حدقتيه تجمدتا فجأةً واتّسعت عيناه وهو يرى تلك المرأة التي خرجَت من المنزل ترتدي عباءتها، واستطاع بكل بساطةٍ أن يتعرَّف عليها ... جيهان!!!
،
وقَفت أمامَ بابِ المجلسِ وهي تتنهد بضيق، صوتُ غزل الضاحك بخفوتٍ كان يتسلل إلى أذنيها، ولطالما كانت ضحكتها لا تظهر كثيرًا سوى من ابتسامتها، نظرَت للبابِ ببهوت، وأناملها تتشنّجُ على هاتفها جانبًا، وطـالَ وقوفها أمـام الباب، بذهنٍ غائِبٍ وأنفاسٍ مجهدةً وكأنها كانت تتسابقُ مع أحد قبل ثوانٍ.
شهقَت فجـأةً حين شعرت بكفين تمسكُ كتفيها، لتنتشل نفسها من اليدين بعنفٍ وذعرٍ وتستدير متسعة العينين، وما إن رأت من خلفها حتى تنهدت براحةٍ رافعةً كفها إلى صدرها : سلطان! فجعتني يا الخايس
ابتسم سلطان برقة : معليش ، بس وين كنتِ مسرحة؟
غيداء بتوترٍ أمالت رأسها : مو مسرحة، كنت تو بدخل . . ليه منت مع عناد؟
سلطان بهدوء : كنت رايح للحمـام
تسللت إلى أذنِه فجأةً ضحكةُ غزل، ليُدير وجهه ناحيةَ الباب بانشداهٍ وليس من العادةِ أن يسمع ضحكتها الناعمة تجول حول أذنيه، لم ينتبه لكونِ ابتسامتهِ تصاعدت على شفتيه، لكنّه شعر بوخزِ مرفقِ غيداء التي ابتسمت بلؤمٍ هاتفة : ضحكتها حلوة صح؟
أدار رأسه إليها ليُخفض نظراته قليلًا نظرًا لفارق الطول بينهما، وبنبرةٍ متسائلةٍ وهو يعقد حاجبيه : نعم!!
غيداء بابتسامةٍ وهي تتراجع قليلًا : أشوف ضحكتها أخذت عقلك ، حتى كلامي ماسمعته
رفعَ حاجبيه متفاجئًا مما قالته، وبِاستنكار : ماشاء الله! وصرنا نفكر مثل الكبـار!!
غيداء تضحك وهي تتراجع أكثر، هاتفةً بشقاوة : أنا كبيرة من يوم يومي
كبَت ابتسامتهُ وهو يقترب منها بتهديد، إلا أنها فرّت بسرعةٍ لتدخل للمجلسِ بشكلٍ عنيفٍ أثاره استغراب غزل وام عناد اللتين استدارتا ناحيةَ الباب ليظهر لهما سلطان الضاحك وهو يبتعد عنهم متجهًا ناحيَة الحمامات، وصوت ضحكته تُنقش في أذن غزل التي توتّرت تلقائيًا وبدأت بفرك كفيها ببعضهما البعض وعلى شفتيها ابتسامةٌ خافتة، بينما كانت غيداء تتجه لتجلس وهي تعقد حاجبيه بتذمّر، متناسيةً ما حدث قبل لحظاتٍ والضيق الذي كان يعتريها.
،
" طالِع؟ "
وجّه نظراتُه إليها بعد سؤالها وهو محنيٌ يغلق حذاءه، بينما كانت مستندةً على إطار الباب وشعرها ينتثر حول ملامحها بجنون.
وقفَ من سريره وهو يتنهد، هاتفًا بخفوت : أيه ، وراي شغل
غادة بهدوءٍ وهي تُبعد كتفها عن إطار الباب لتعتدل واقفة : تقدر تعلمني وش هو بالضبط؟
تحرّك ليفتحَ خزانتهُ حتى يُخرج ملابسه العسكريّة، وبصوتٍ هادئ : فيه دورة تدريبية للعناصر المستجدين، ولازم أكون موجود لأني اليوم بكون مدربهم
همست بفتور : اها
وضعَ ملابسه في حقيبة الظهر وهو ينظر إليها مبتسمًا ابتسامةً ضئيلة : عاد من زمان ما لبست اللبس العسكري ، يمكن هالدورة في بروكسيل جات بوقتها عشان تسليني
شتت عيناها عن ابتسامتِه لتنظر للأرضِ بفراغ، قبل أن تهمس : وأنا وحسام؟
اختفت ابتسامته، ثم اتبع اجفالهُ بتنهيدةٍ ليقترب منها وهو يقرأ الضيق على ملامحها، واضعًا كفيه على كتفيها ليهمس : تدرين أني أختف عليك! ممكن أخليكم تطلعون من دوني بس وراكم أحد يحرسكم بس ماهي داخلة براسي! يا أكون معاكم بنفسي أو لا
غادة وجّهت نظراتها إلى عينيهِ وهي تعقد حاجبيها برجاء : الله يخليك
بَدر : الله يخليكم أنتم لي ، لا تعارضيني!
غادة بنبرةٍ مترجية : بدر ..
قاطعها بدر : عشاني غادة ، أدري والله إني مضيّق عليك، بس مو بيدي !
صمتت وهي ترفعُ يدها اليُسرى لتنقبضَ على ذراعها اليُمنى والمتدلية ناحية الأرض، ناظرةً للأسفل بوجوم، وهو بكل بساطةٍ يقرأ كل تعبيرٍ على ملامحها، كل ضيقٍ مما هم فيه لكن لا حل! ولن يخاطر أبدًا بهما.
قبّل جبينها دون كلمةٍ ومشى متجاوزًا لها حتى يتّجه لحسام الذي كان يرسم جالسًا على الأرض، جلس بجانبه القرفصاء ليبتسم وهو يمسح على رأسه : ارسمني اليوم طيب؟
رفعَ حسام ذو الستِ سنينَ رأسهُ ليعقدَ حاجبيه : ما أبغى أرسمك
بَدر يلوي فمه : افااا! ليه طيب؟
حسام : ما أحبك
بَدر رفعَ حاجبيه بذهولٍ مما قال : ليييه؟
حرّك حسام يده الحاملة بين أناملها قلم الرصاصِ ليُشر لغادة التي كانت تنظر إليهما بصمت : أنت مضايق غادة ، عشان كذا ما أحبك
أغمضَت غادة عينيها وصدرها يرتفع بشهيقٍ صامتٍ متحشرج، بينما عضَّ بدر طرف شفتِه وهو يوجّه نظراتٍ معتمةً لغادة التي أغلقت منافذَ عينيها عن رؤيتِه، حينها وقفَ وهو يهتف بصوتٍ جامدٍ دون أن ينظر إليهما متجهًا إلى الباب : أنا طالع ، انتبهوا لنفسكم
ليخرجَ وصوت إغلاقِ الباب يعتلي من خلفه، حينها قوّست غادة شفتيها وهي تفتح عينيها ناظرةً للبابِ بصمت، تبتلع ريقها بوجعٍ وصدرها يتحشرج بأنفاسِها الساخنة، وحسام كان يراقبها وبالرغم من كونِه لا يدرك كل شيءٍ يحدث من حولِه إلا أنه يستطيع أن يرى الحزن في عيني اخته التي يحبها ويرى فيها امه، فهي التي كانت ترعاهُ طيلة الأربعِ سنواتٍ تقريبًا والتي فقد فيها والديه ليكبر وامه هي غـادة.
هتفَ بضيقٍ وهو ينظر إليها : ليه بدُّور يضايقك؟ ما احبه!
نظرت إليه وهي ترفعُ كفّها وتضعها على وجنتها الباردة، لتقترب منه مبتسمةً باهتزازٍ هاتفةً بعتاب : ما ينفع حسومي هذا اخوك اللي يحبك
حسام يضمّ شفتيه بضيق : ليه يضايقك طيب؟
غادة بابتسامةٍ وهي تجلس بجانبهِ وتضعُ كفها على رأسِه : ما يضايقني ، بدر يحبني مثل ما يحبك ومستحيل يضايقني
حسام : لا تكذبين علي
غادة بحزم : حسام! كلمة ثانية وبزعل عليك ترى!
لوى فمهُ بضيقٍ وهو يخفض رأسه ويعود للخطِ على الورقةِ البيضاء، حينها تنهّدت وهي تنهض مبتعدة، يجب عليها أن تكوّر انفعالاتها وترميها بعيدًا قبل أن تعود للحديثِ مع حسام مرةً أخرى.
،
بقيَ لفترةٍ طويلةٍ بعدَ خروجه من المسجدِ يقود سيارتهُ في شوارِع الرياض، بعد ما حدثَ بينه وبين الإمـامِ وتلك الجلسةِ التي لم تطل كثيرًا، لكن كان لها التأثير الكافي عليه، على عقله، على قلبه، على التفكير بجديةٍ في ذاك الموضوعِ القديم! احتقرَ نفسه تلقائيًا، لمَ لازال صامتًا حتى الآن؟ لمَ لازال يُخفي كل شيءٍ بأنانيـة.
شدَّ على المقودِ بقوّةٍ وهو يعقدُ حاجبيه بعنف، تتغلغله أمواجٌ عديدةٌ من اللومِ والعتاب، عتباكَ يا ضَعفي، حسبي عليكَ وعلى خوفي، لازلتُ حتى الآن ضعيفًا، لا أمتلكُ الجرأة الكافيـة ، لكن إلى هنا وكفى!!
في خضمِ أفكاره كانت قدمهُ تضاعف سرعةِ السيّارة، كانت أفكارهُ تسرقه، يُعيد صياغةَ الحديثِ الذي كان والذي يتكرر في عقلهِ بلغةٍ وأخرى، تقتادُها الحاجةُ الماسّة لأفواهٍ تقدِّمُ نصيحةً تنتشله من هذا التيهِ الذي يبتلعه بكل عنجهية.
لم ينتبه لكونهِ بدأ يقودُ بسرعة، غابَ الواقعُ عن ذهنِه وغابَ الطريقُ والسياراتِ من حولِه، فقط الشمس والقمرُ من يغيبان في ساعةٍ ما، في وقتٍ محدد، وكل ما بعدهما ليس لهما وقتٌ للحضورِ والغياب، يأتيه الحزن بغتة، الحيرة، الفرح، الإدراك، وكل شيءٍ آخر يُشرق في ساعةٍ غيرِ مأهولةٍ ليغيب في وقتٍ تائهٍ على المُحيطِ الحياتِي.
أُنتشلَ من أفكارِه فجأةً حين اصتدمت سيّارته بخلفيةِ سيارة من أمامه، حينها اتّسعت عيناه متفاجئًا وهو يتحكم بسيارتِه ليوقفها أخيرًا بطريقةٍ مفاجئةٍ ولحسن الحظ لم تكُن هناك العديد من السياراتِ خلفهِ ليُعطِّل سيرها ويتسبب بمشكلة، لكنّه يستطيع أن يجزم بأن من غير مساره وأكمل طريقهُ قد شتمهُ على هذا التوقف المفاجئ والذي قد يتسبب بكارثة.
زفَر بعمقٍ والسيارةُ التي احتكّ بها توقفت، حينها تأوّه بجزعٍ وهو يغطِّي عينيه بكفيه، ليس هذا الوقت المناسب، أكمل طريقكَ رجاءً، أكمله!
لكنّ صاحبَ السيارةِ من الواضح أنه لم يكُن ليصمت، إذا لمحه أدهم وهو يفتح بابهُ وينزل، حينها تنهّد بقلّة حيلةٍ وهو يفتح بابه في المقابل وينزل أيضًا، فهو المُخطئ أخيرًا.
أدهم بصوتٍ مرتفع : معليش يا الأخـ ....
بُترتْ عبارته وعيناه تتسعان، ومن الجهةِ المقابلة كانت عينا شاهين تتسعانِ في المقابلِ ناظرًا لمن اصتدم بسيارته ببهوت، ذات الشخص الذي صدمهُ هو قبل أسابيع، ذاته الذي كاد أن يتشاجر معه، والآن حدَث عكس ما كان وأصبح - الصادمُ هو المصدوم! - . . . " يا مساوئ الصدف "!!!
،
بقيَت عيناه متّسعتان، ينظر للتي وقفت عند البابِ مكتفةً إحدى ذراعيها حولَ جسدها بينما يدها الأخرى تحمل هاتفها الذي استقر على أذنها، توقفَ الزمن عندهُ للحظتين، يحاول استيعاب ما تفعله تلك المجنونة! لمَ هي خارجًا؟ ما الذي تفكِّر به!!
لم يشعر بنفسه وهو يغلق هاتفهُ دون أن يقول شيئًا ليوسف، ثمّ فتحَ الباب وعيناه مثبتتين بها، يتمنى لو أن عينيه مخطئتين وليست الواقفةُ أمامه هي! ليس مستعدًا الآن لتهورٍ جديدٍ منها، ولا لانفعالٍ منه!!
أغلق باب سيارتِه بعنفٍ بدأ يشق طريقه إليه دون شعور، تحرّكت خطواته باتجاهِ البابِ، باتجاهها هي تحديدًا، يراها أنزلت هاتفها بعد أن أغلقت ممن كانت تُحادث، ابتلعه الجنون! وما إن اقترب منها حتى شعرت هي بخطواتٍ لتُدير رأسها ناحيته بذعر وهي تشهق بخفوت، وتضاعفَ ذعرها تلقائيًا ما إن رأت أنه فواز، وأنه اقترب منها حتى أمسك بذراعها بقوةٍ وأدارها إليه بالكاملِ ونظراته تتّقد بعنف.
لم تكد تستوعب شيئًا وهي تنظر إلى ملامحه الحادة بعينين متسعتان، وعقاربُ الساعةِ توقّفت عن الحركةِ عند نظرتِه القاتلة، شعَرت بهِ يسحبها معه للداخلِ بصمتٍ مُزعج! بصمتٍ عنيفٍ كان يُنقَشُ على خطواتِه الساخنةِ فوق الأرض التي كانت حرارتها لا شيء أمـام مافي صدره، أمام غضبِه وجنونه منها، حرارةُ الأرضِ ذاتها تنتقل إلى جسدهِ دون انصافٍ لقوانين انتقال الحرارةِ من جسدٍ لآخر، ما الذي كانت ستفعله؟ أين كانت ستذهب في هذا الوقت!!!
فتحَ بابَ المنزلِ الذي كان مفتوحًا قليلًا في الأساس، وما إن دخل حتى ظهرت أمامه امه التي كانت تقف أمام الباب بتوترٍ ملحوظٍ وهي تضع هاتفها على أذنه، وفي تلك اللحظة استوعب أن هاتفهُ كان يرن، ومنذ متى! لا يدري، لكنّ الرنين توقف ما إن أنزلت امه الهاتف عن أذنها وهي تهتف باضطراب : جيت ، الحمدلله اللي جابك
نظرَ لأمه للحظاتٍ بينما كانت جيهان تحاول أن تتملص من كفِّه التي تمسك بكفها بقوةٍ آلمتها، وصوتها المقهور ينزلق من بين شفتيها متمردًا بحدة : اتركني، اتركني والله ما أجلس بهالبيت دقيقة ثانية ... اترررركني
شدّ على يدها أكثر دون أن يتركها، واستطاع أن يدرك أنّ هناك ما حدث بينها وبين امه، لذا هتف بصوتٍ مكبوت : وش اللي يصير هنا؟
تنهّدت ام فواز بصمتٍ وهي تنظر للأسفل دون أن تقول شيئًا، بينما صرخت جيهان بجنونٍ وهي تغرس أظافر يدها المُحررة في كفه المُمسكةِ بها : اللي صار إني ما أبي أجلس بهالبيت المريض مرة ثانية!
نظرَ إليها بحدةٍ لو كانت تقتل لقتلتها، لكنّ القهر الذي كان يعتريها لم يسمح للخوفِ أن يغلبها في تلك اللحظة، لذا أردفت بحدة : اتصلت بخالي ذياب ، وشوي ويوصل عشان ياخذني ، جلسة لي هنا احلم فيها أنت وامك!!
اشتعلت نظراته بجحيم، وجنَّ جنونه لما قالته، بعيدًا عن طريقةِ لفظها لـ " امك "، بعيدًا عن نبرتها الوقحة، توقف هو عند محطةِ ابتعادها، تريد أن تذهب؟ تريد أن تبتعد؟ أتظن الأمـر بتلك البساطة؟ لا والله لم تحزِر.
شعر بالغضب يتدفق في أوردتِه، لم يفهم ما حدث بالضبط، لكنّ الأمر الكافي هو أنها ستتجرأ وتخرج من هذا المنزل مع خالها، بنيّة الابتعاد! . . شدّ على يدها بقوةٍ أكبر وهو يجتذب جسدها الذي كانت تسحبه للخلف حتى تفلت من يده، وبِقسوة . . .
.
.
.
انــتــهــى
دا أنا بعشق القفلات :$ البارت أظن أغلبه قفلات والا؟ :D ، ممم وبالنسبة للي اشتاقوا لجنان " مع اني ما اظن "، بتكون إن شاء الله عندكم البارت الجـاي.
+ قراءة ممتعة مرةً ثانية، استودعكم ربي وموعدنا يوم السبت بما أنكم تلخبطون كثير بنظام موعدنا فبذكر اليوم نهاية كل بارت.
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|