كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
الساعةُ الثامنَة بتوقيتِ بروكسيل
كانت الشقّة ساكنةً تمامًا، مُظلمةً بعض الشيءِ وبدر وحسام ينامان في هذهِ اللحظة على غيرِ عادةِ بدر، لكنّه البارحة أُرهق لكونه تقابل مع زملاءٍ لهُ في السلك وتناقشوا بأمورٍ تختص في عملهم " المقيت "، للحظةٍ أرادت التهور، أن تنزل دون علم بَدر بالرغم من اعتراضاتِه خوفًا عليها وأن تتجهَ للمقهى الذي بقربهم، ما الضير في التهور؟ على الأرجح الحيـاة ستصبح عندها تهورًا بعد هذا التضييق!!
بدّلت ثيابها البيتية وارتدت بنطالًا أسود انسدل فوقهُ معطفٌ زيتيٌ إلى ركبتيها، لفّت حجابها التفاحي على رأسها لتختم الأمر بالتلثّم حتى لا تلفت أنظارَ أحدٍ ممن يراقبون المكان وتدركهم جيدًا، وضعَت نظارتها الشمسية وارتدت حقيبتها التي وضعَت فيها كتابًا لتقرأه حينما تجلسُ في المقهى بمفردها، حينما تشتمُّ نسيمَ الصباحِ بمفردها، بحريتها!!
تحرّكت بتمردٍ عن أوامر بدر لتفتح الباب وتخرج متسللةً كاللصوص، نزلَت بحذرٍ وهي تخشى أن يتعرّف عليها أحدٌ من زملاءِ بدر والذين يراقبون المكان، وما إن خرجت من بوابةِ المبنى حتى تنفّست بقوةٍ عليلَ الهواءِ ورائحة الفطائـر الساخنة، القهوةِ المرّة. ابتسَمت بشعورٍ بالحرية، وتحرّكت نحو المقهى كاسرةً كل الحواجزِ حولها.
،
بقيَت تُعاقرُ حجرتها طويلًا بعدَ أن نزَل سيف إلى أمه، تجلس فوقَ السريرِ وقد ارتدت فستانًا قطنيًا أبيضَ يُعاكس حُزنها الأشهب، يعاكس غبنتها وقلبها الذي يطاوعها في الدعاء لله بأن تنسى هذا الحب، بأن تنسى هذا الشرَف المقيت المتعلق بالزواج، من قال أن الزواجَ حب؟ من قال أن الحياة حب؟ من قال كل ذلك ومن تجرأ ونفاه! لطالما قرأت أن الزواج مودةٌ واحترام، وهي التي أضافَت أن الحب جزءٌ لا يتجزأ منه، وحتى الآن لم تدرك جواب سؤالها الحالي " هل الزواج حب، أم احترام! ".
زمّت شفتيها وهي تضمّ ركبتها إلى صدرها، استنزفت علاقتنا من قلبي مهجتين وحيـاة ... لازالت تقفُ أمام فوّهةِ البركان وقليلًا قليلًا لربما ينتهي بها أن تسقط وهي التي لازالت تمشي خلفَ هذا الحُب، حتى حملها هذا لا تنكر أنّه يتعلق بهذا الحب، يتعلق بحياتها مع سيف، بالقُربِ منه! أصبَحت على شفا حفرةٍ من نسيَان نفسها! أصبَحت على مقربـةٍ من الإنهزام بالرغم من كلِّ عنفوانها الذي جعلها تُخالفهُ وتُسكن هذا الجنين في رحمها.
أسدلَت أجفانها على خشبَة المسرحِ المُتصدّع، الذي احتوى مسرحيةً كان فيها من الحُزن ماهو مُهلك، ماهو متعبٌ لمَن يحمل في قلبه ولو نصفِ حُب، ليسَ هناك ماهو أشدُّ قسوةً في الحيـاةِ من حبٍ يقلّب الروح ذاتَ اليمين وذات الشمال، على مشواةٍ وهي تدرك أنها أخيرًا ستحترقُ مالم يلتقطها من تحب ناضجةً مُحافظةً على مذاقها الحلو.
نزلَت من السريرِ وهي تمسحُ على شعرها الملمومِ خلف رأسها في " كعكةٍ " فوضوية، ومن ثم خرجَت من الغرفـة والجناحِ بأكملهِ حتى تنزل وتنضمّ للأم وابنها القاسي الجالسين في الأسفل، فمهما وصَل الوضعُ بينهما لن تحبس نفسها في الغرفـةِ وهو طليقٌ يتحرّك هنا وهناك ويضحك وكأن الشيطان لم يتمثل به!
نزلت عتباتِ الدرج حافيةً لتُلامس بباطن قدميها برودة الأرضية الرخامية، اتّجهت لمكانِ جلوسهما لتتوقف فجأة والوَهنُ أصابَ جسدها بينما دوى الفراغُ في أعماقها وهي تستمع لجملة سيف الفاترةِ التي أطلقها لأمه " أظن إنّي بفكر بجدية هالمرة بخصوص رجعة ام زياد "
اتسعَت عيناها بذهولٍ وشهقةٌ تسللت من بين شفتيها جعَلت الرؤوس تتجه إليها، تراجَعت خطوةً للخلفِ وشفتيها ترتعشان، كفيها ترتعشان، أطرافها كلّها ترتعش ونزيفٌ داخليٌ أصابها وعقلها يقلّب بين كفيه ما سمعت، بينما وقفَ سيف ناظرًا إليها نظرةً لم تستنبط ما حمَلت، لكن كان فيها من الذهول الكثير وهو يوجّه إليها حديثًا كثيرًا وكأنه لم يكن يتمنى أن تسمعه، بينما تساقطَت دموعها من عينيها وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا بخذلان، ليس هذا! ليس ذلك القبر الضيّق، ليس هذا! لا تجعل أحلامي بهذا الطفلِ تترنح وتسقط أخيرًا فوق غماماتِ ظلمك، أنا لستُ أول عاشقةٍ تُخذل في عشقها، لكنّ هذا أكبر من كلِّ خذلانٍ مر، واللهِ أكبر! .. استدارت عنه بسرعةٍ وهي تسمعه يلفظ باسمها بنبرةٍ واهنةٍ لم تكُن يومًا في قاموسِ نبراته، هروَلت بأسى لتصعد مبتعدةً عنه، مبتعدةً عن هذا النطاقِ المُظلم، عن هذه الدائرةِ العميقة التي لفظتها في قُطرها وانحنائها ... من قال أصلًا أن كل خذلانٍ مرْ؟ كلّها واللهِ تجري على عيناي، كلّها واللهِ تطبعُ نفسها في صدري، كلّها تجرحني، وحتمًا لم يتبقى مكانٌ فيَّ يحتمل جرحًا آخر، فكيف استطعت؟ كيف استطعت؟!!!
دخَلت صالَة الجناحِ وساقيها ترتعشان بمدى الوهنِ الذي أصابها، بمدى الهوّة التي دوَت داخلها وهزّت كل خلاياها لتضعف، لتضعف!! هيَ واللهِ ضعيفة، مهما تصنّعت العكس هي ضعيفةٌ به، وقد استغل هذا الضعف جيدًا ودمّر كل ما تبقّى منها، سقَطت جالسةً على الأرضِ ودموعها تتناثر على وجهها لتشقّه كوادٍ ليس بذي زرع، كوادٍ خاوٍ جافٍ إليه، إلى لمسةٍ من كفّهِ الحنون مطبطبًا على كل جراحِها منه، على كل خيبةٍ أصابتها من شفاهه وبقيَت تنغَمسُ فيها .. ليتها حبَست نفسها بالفعل، ليتها بقيَت حبيسةَ غرفتها ولم تنزل إليه لتسمع دويِّ هذا المدفع.
ارتفَع صوت بكائها وهي تستند على الأرضِ بكفّها اليُمنى بينما اليُسرى تضغط على فمها المتقوّس بحزنٍ وممات، وفي تلك اللحظة كان سيف يدخُل مهرولًا ليقفَ عند البابِ للحظةٍ وهو يضعُ كفّه على جبينه بإرهاق تنامي حين رأى حالها، لم يكُن ينقصه ذلك، لم يكُن ينقصه سماعها له، مهما فعلت ومهما أخطأت وجرحته لم يتمنى يومًا أن يجرحها بامرأةٍ أخرى وبهذهِ الطريقة.
اقترب منها وهو يلفظ اسمها بنبرةٍ عطوفةٍ كانت لأذنيها جافةً جعلتها تقشعرُّ ويتضاعف بكاؤها بها، وقف على بعدِ خطوةٍ وهو يهمس مجددًا : ديــمــا
شهقَت بقوةٍ وهي ترفع يدها الأخرى وتغطي وجهها باكية، وبصوتٍ تموتُ فيهِ القوّة ولا يُبقي سوى على نبراتِ الوهنِ التي تهزّ حبالها الصوتية الضعيفة : ليه؟ ليه تحب تجرحني بهالطريقة يا سيف؟
اقترب سيف أكثر ليكسر الخطوة الباقيَة بينهما وملامحهُ وهَنت بحُزنها، انحنى قليلًا ليُطوّق خصرها بذراعيه ويرفعها وهو يشعر بالثقل الذي يُهاجم جسدها حتى أن وقوفها على ساقيها كان صعبًا. صرَخت وهي تُمسك بيديه وتنزعه عنها بقهر : وخــر ، ابعد يدك عني ، وخــر عني كافي! * أكملت بنحيبٍ مبحوح * كافي اللي تسويه فيني
هتفَ سيف بتوترٍ أصابهُ رغمًا عنه وهو يُمسك كتفيها ويديرها إليه بقوة : ديما ، اسمعيني بس
ديما باعتراضٍ تنتزع نفسها منه وتتراجع صارخةً بكل القهر والخيبات التي زرَعت ذاتها في روحها الكسيرة : الله ياخذك ، الله ينتقم لي منك مثل ما تجرحني دايم! مثل ما تحب تشوف الحزن والدمْع بعيوني
هزّ رأسه بالنفي وهو يعضّ زاويةَ شفتهِ السُفلى ويهتف بضيق : ما أبي أجرحك ، والله ما كان قصدي أجرحك
ديما بقهر : كذااااب ، أنت أصلًا صرت تتلذذ بجرحي، صرت سادي وتحب تشوفني مجروحة منك مع إنك تعرف بحبي لك
انتحَبت بقوةٍ وهي تتراجع لتجلس على أولِ أريكةٍ كانت خلفها بعد أن هزمَ ساقيها الإرتعاش، غطّت فمها بكفيها وهي تُردف باختناق : ليه تحب تجرحني؟
مسَح سيف على وجهه وهو يتراجعُ ويزفر بقلّة حيلة، يراها باكيَةً منهارةً بشكل لم يكُن يومًا أن يمرّ أمامه ولا يُقلّص عضلات صدره، من يقول ذلك؟ من يقول أنني أتعمد جرحي لكِ الآن؟ أنتِ لا تدركين كم أنّ قلبي ينزف الآن، لا تدركين ذلك!!
اقترب منها بخطواتٍ مضطربةٍ حتى جلَس بجانبها ورفعَ كفيه ليُمسك بمعصميها ويُنزل يديها عن فمها، هاتفًا بحزمٍ يبررُ لها بكل نبرةِ حبٍ وعطفٍ قد يحتويه صوته : ما ودي أجرحك ، ما كانت نيتي أجرحك بهالموضوع ، بس ولدي يا ديما ، ولدي! ما أقوى أشوفه بهالحـال حالم بأهل مجتمعين وفرحة ما جته!
وجّهت نظراتها الناريّةَ إليهِ وعيناها تحمرّان بدموعها المالحة، كانت شرارة! لطالما كانت شرارةً تلك التي تزرعها في صدري بعد كل جرح، ولم أتوقع لمرةٍ أن تحوّلها لنارٍ وعيناكَ لم تكتفي برضائهما في حُزني! ... هتفَت بصوتٍ واهنٍ وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا حقدًا عليه وعلى ابنه ووالدته! : الله يحرق قلبك فيه، الله يحرقك بالحرمان مثل ما حرقتني بالحرمان والحين بظلمك
اتسعت عيناه بصدمةٍ وهو يقف بعد سماعهِ لدُعائها الذي هزّ قلبه وجعله يصرخ في وجهها بغضب : حدّك ، إلا زياد يا ديمــا إلا زياد! ودّك تدعين ادعي علي، بس زياد لا!!
رفعَت رأسها إليهِ لتتطاير الخصلات التي سقطت على وجهها، وعيناها المتسعتان بحقدٍ لفظَت سهامًا تشاركت مع صوتها العنيف : الله يحرقك فيه ، الله يحرقك ويحرق أمه فييييييه
لم يشعر بنفسهِ إلا وهو يمدُّ يده إليها حتى قبضَ على ذقنها بقوّةٍ ليوقفها بينما الألم زرع نفسه في ملامحها، لكنّ الغضَب وصل بهِ منتهاه ليتجاهل النظرة المتألمة في عينيها وهو يهتف بقهر وحدة : بــس ، لا توصِّلين عصبيتي لأكثر من كذا ، احذريني يا ديما ، احذريني بالنقطة اللي يكون فيها زياد بيننا ..... بـــــس
زمّت شفتيها وهي تُغمض عينيها ووجهها يُغطيه الدموع، حتى أن خصلاتها المتمردةِ التصقَت ببشرتها، انتحَبت بقوةٍ وما إن تركَ سيف ذقنها حتى سقطت جالسةً على الأرضِ وظهرها يلتصق بالأريكة، ضمّت ساقيها إلى صدرها لتغرق في موجةِ بكاءٍ أغرقتهُ معها .. قد حان ميعادُ السقوط، احمليني يا أحزاني فوقَ سفينة الخذلان، احمليني واصرخي بي بعيدًا خلف الأفق، أهواكِ! أهوى عينيكِ ونبرتك، أهوى النحيبَ في صدرك والغصات في حنجرتك، أنا التي لم تحتمل العيشَ وفي ماضيك امرأة، أنا التي لم أحتمل حياتِي وأنت يحرّكك الماضي ، فكيف تقوى على إعادته في صورةِ حاضر؟ كيف تقوى على جعل شريكةٍ لي بكَ وأنا التي احترق بماضيكَ وأُلفظ من نارهِ لأعود مرةً أخرى في جحيمه ... أهواكَ يا حُزني، أهواكَ يا خُذلاني، أهواكِ يا سنيني الثلاثُ التي تولّه فيها قلبي المُراهق على عيناه، أهواكِ يا لحظاتي معه، القاسيةَ والجافـة .. كيفَ يكون هذا الحزن؟ كيف يُترجم في صدر المرأةِ والمُحرِّكُ له امرأةٌ أخرى شغرَت مكانًا في حياتنا وبقي هذا المكان شاغرًا لتعود إليه؟ ماهذهِ الضربة؟ ، التي كانت أشدّ من كل ضرباتِ حياتي.
" يا قو قلبك ، يا قو قلبك على دمعي "
أغمَض عيناهُ بقوةٍ وهو يشعر أن صوتَ بكائها يخترق صدره، يجرحه بسيفٍ لم يكن له يومًا أن يحتمله، لمَ أرى الميناء الذي ننتظره بعيد؟ لمَ أرى أن الغروبَ يطول؟ لمَ أرى خيوطكِ يا أيتها الشمس الدافئة شفافة؟ حُزنها هذا قاسٍ، واللهِ يا إلهي قاسٍ! حادٌ يمرر نصله على قلبي الذي يكتوي بنارِ نحيبها.
انخفضَ ليجلس بجانبها بعد أن شاركها جسدهُ الوهن، جلَس بجانبها تمامًا يلصق ظهره بالأريكةِ القاسيةِ وإحدى ساقيه تمتدان على سطح الأرضِ بينما الأخرى تنعكفُ كحُزن عينيها.
بقيَ صامتًا للحظاتٍ وهي تبكي دافنةً وجهها بين ركبتيها، تاهت الكلماتُ بين ذبذباتِ ألمها، وجعها الذي ينغرسُ في صدره، لكن كان لابد من الكلمات أن تجد طريقها حتى تخرج ويلفظ هذا السكونَ الكئيب بينهما .. همَس بغصّة : ديما ، ترى هو ولدي ، وله مني نصيب مثل ما لِك!
استكَن نحيبها وبقيَت بضعَ شهقاتٍ معذبةٍ لا تكاد تخرج حتى تصتدمَ بركبتيها في اختناق ، لتهتف بذبول : وهيَ؟
أغمَض عينيه قليلًا وهو يرفعُ كفّهُ إلى وجههِ بقلِّةِ حيلةٍ حتى يضغط أعلى أنفه ما بين عينيه، وبصوتٍ واهن : هي ام ولدي يا ديما ، متعلّقة بولدي ونصف سعادته مثل ما أنا النصف الثاني
رفعَت رأسها لتُديره إليه وتنظر إليه بملامحها الباكية، وفمها التوى في ابتسامةٍ ساخرةٍ لتلفظ بغبنة : وعشان تكتمل السعادة لازم تتلاقى الأنصاف ، يا الله ما أسعدها من قصة
زمّ شفتيه دون أن يقول شيئًا، بينما انحنَت ابتسامتها بحزنٍ لتُكمل بغصّة : وأنا وشو في حياتك؟
نظرَ إليها سيف بنظراتٍ مُرهقة قبل أن يهمس بصوتٍ فارغ : أنتِ زوجتي
ديما بضحكة ساخرة : لا غلطان ، أنا جاريتك!
احتدّت ملامحه بنفورٍ من تلك الكلمة وهو يوجّه نظراته المحذّرة إليها، وما إن فتَح فمه حتى يهتف معترضًا بحدة حتى قاطعته بنزق : شفيك عصبت! جد جد ما ودي أثير استعطافك أو من هالمواضيع ، أنت اللي تقول هالكلمة، في تصرفاتك، في حصرك لحياتنا بأمور معينة، في حرماني من الأمومة، في كل شيء يا سيف أنت تقول وتترجم معنى إني ما أعني لك شيء سوى هالمعنى، رجّعت زمن الجواري في علاقتنا، مهما أنكرت حياتنا الضيّقة اللي تقول كذا ... ولا تقول عني أبالغ ... على فكرة، كأني اشتقت لـ " مي "!
أغمض عينيه بقوةٍ وهو يُخفضُ رأسهُ ويسند جبينه إلى يدهِ المرتعشةِ ارتعاشًا غيرَ ملحوظٍ ما إن نطقت ذلك الاسم الذي اقتربَ على نسيانه، ذلك الاسم الذي باتَ يكرهه منذ مدة، وبصوتٍ ميتٍ ذابلٍ كفصلٍ اختزل كل الفصول في حياتهما، كالخريفِ الذي ظلل كلماتها ونبراته : تبالغين ، بكل قسوة تبالغين!!
ديما بتعجبٍ رفعَت حاجبيها وهي تنظر لمدى تأثير كلماتها على قسوةِ قلبه، وجاء اليوم الذي لم تتوقعه! جاء اليومُ الذي انعكسَت فيه الأدوار واستطاعت استلامِ دفّةِ الإيلامِ بعد أن استنفد كل ذرةٍ حيّةٍ منها : أبالغ! وبكل قسوة!! أنت تظن أن لك الحق تحكي عن القسوة !!! * أردفت بسخرية * جاوبني أجل ، وش أعني لك يا سيف؟؟
رفعَ رأسهُ ووجّه نظراتهُ إليها، نظراتٌ كان فيها من الوهنِ الكثير وهو الذي لم يتخيّل أبدًا أن يُهلكه كما أهلكها هذا الموضوع، أن يُهلكهُ حزنها وسقوطها بعد كل هذا الحزنِ الذي انقلبَ لعتابٍ في صوتها ونبرتها، لعتابٍ قاسٍ جدًا!
اقترب منها قليلًا وهو يرفعُ كفّه اليُمنى ويضعها على وجنتها، وبهمسٍ خافتٍ كادت ألا تسمعه، همسٌ كصفير الليلِ البعيد، كنسيمِ الصُبح المُغترِب : أنتِ زوجتي ، اللي مهما قسيت عليها تبقى زوجتي ، شيء ما أدري وش هو في حياتي بالضبط ، بس كل اللي يحكي عنك هو خوفي من فقدانك! خوفي إني أصحى بيوم وما ألاقي عيونك قدامي مثل شمس خاصة فيني أنا وبس!
ارتعَشت بقوةٍ تحتَ كفِّه وهي تتراجعَ وحُنجرتها تجفُّ من كل مخارجِ الحروفِ بينما بقيَت عيناها معلّقنين بعينيه الساكنتين بعكس نبرتِه الساخنة، تاهَت كلماتها وشعورها أمامه، لكنّ كل كلمةٍ قالها لا توازي الوجَع في صدرها، لا تُضمّد جراحها بجحم ما سكَن الغمُوض فيها، ليسَت هذه هي الكلمات التي قد تضعفها بعد كل موجةٍ أغرقتها منه، بالرغم من كونها انتظرت تعبيرًا ولو بسيطًا منه، إلا أن كل التعبيراتِ الآن لا تعذرُ موجَة الجرح الذي صوّبه إلى قلبها، لذا هتفت بصوتٍ ميت : وش أسمي هالحكي؟ تملك؟ والا اعتياد على وجودي؟ والا حب!!!! أيش بالضبط؟!
سيف بصوتٍ فاتر : سميه اللي تبين ، المهم هو إني أخاف فقدانك ، من أكبر مخاوفي!
ابتسَمت ابتسامةً مهتزةً وعيناها تغرقان بالدموع من جديد، وماذا عن مخاوفي؟ تلك التي تحققت وانتهى أمرها، أنا التي لم تشعر بكَ يومًا حتى تخافَ فقدانك، أنا التي سقطتُ في شباككِ المهترئة لينتشلني البحر منك ببساطة، كانت مخاوف، وتحققت منذ التقينا، كانت تعازي، وأُلقيَت منذ افترقنا .. عيناكَ! تلك التي ما حقّقت يومًا نظرةً شغفتُ بها، والآن حين لفظَت شفاهُك بمشاعرَ تخصّني لم تلتمع حتى تخبرني ماهذه المشاعر تحديدًا ... التقينا وافترقنا في نفس اللحظة، في نفس اللحظةِ المؤلمةِ يا سيف.
مسحَت على أنفها وابتسامتها تميل في خيبَة، وصوتها التمَع بخفوتٍ متمتمًا بكلماتٍ مُتأسية : لا تآخذ في بالك كثير ، مخاوفك تحققت ، وفقدتني من أول لحظة كنا فيها لبعض
سيف بنبرةٍ متملكة : مو بكيفك أكيد
ديما : طبعًا ، مو بكيفي، هو أكيد بكيفك، مو أنت الحين مختار قديمك؟ أيوا شلون نسيت!! قديمك نديمك لو الجديد أغناك ، شكلي مرة كنت مآخذة مقلب في نفسي
وقفَ وهو يمرر أنامله بين خصلاتِ شعره ويتنهد بعمق الدُنيا وبما فيها، يُديرها ظهرهُ دون كلمةٍ ما، ومن العدل في هذه اللحظاتِ أن تغيب الكلمات، لذا كان ختامها الصمت .. تحرّكت قدماه حتى يُنهي هذا الحوارَ المُهلك بخروجه، لكنّ صوتَ ديما الجاف انبثقَ من خلفهِ وكل برود القُطبين اجتمع في صوتها كردِّ فعلٍ على كل الخيبات التي تساقطت فوقها : روح يا سيف ، روح والله يهنيك بأم ولدك وولدك ، أنت اللي كنت رافض أكون أم لعيالك ، عشان كذا تهنى بحياتك وخلّني بعيدة عنك باللي تبقى من كرامتي المكسورة وحبي المجروح .... اتركني بروحي مع ولدي يمكن يلملم الكسر اللي فيني
اتّسعت عيناه باستنكارٍ لآخر ما قالته وهو يستديرُ إليها لافظًا كل إدراك، مبتلعًا كل استيعابٍ ليبقى عدم الفهم في حنجرتهِ وصوته الذي اهتزَّ بفراغٍ هاتفًا وكأنه لا ينتظر صدمةً جديدةً منها بعد تلك : ولدِك!!!
.
.
.
انــتــهــى
هالجزء اجتهدت فيه بكل ذرة فيني، واستنفذت كل وقتي عشان تظهر كل شخصية أساسيـة ولو بصورة عابرة، وأتمنى جد جد أشوف نتائج تعبي فيه، + اشتقت لقارئات كثيرات اختفوا فجأة، ما ودكم تطلعون من وكركم وتبسطوني فيكم؟
عمومًا المفترض بعد هذا الجزء تاخذون لكم راحة أسبوع، بس خوفًا من أنكم تلاقون أعضائي مقطعة في زوايـة القسم بلعت افتراضي ذا وانثبرت :( ، فموعدنا مثل ما قلت يبدأ من اليوم كل أربعة أيام ، حلو كذا؟ ولو تأخرت فحدّ الوقت بيننا ١٢ بالليل أو بعطيكم علم بنفس اليوم :$
قراءة ممتعة يا حبايبي ولا تنسون أقرأو كلامي اللي قبل البارت تراه مهم لكل قارئ ...
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|