كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافيـة
بارتنا اليوم طويل طويل وعن بارتين، اعتبروه اعتذار بسيط مني على الأيام السابقة اللي قصرت فيها تجاهكم :( -> عربون إعتذار وكذا :$$
أولًا بتكلم عن شغلة ، وأتمنى إنكم ما تتجاهلون قراءة اللي بكتبه ومعليش بطول شوي ومضطرة أحطه قبل البارت عشان كل العيون تشوفه لأنّ البعض ما يقرا غير البارت ويطلع وما يشوف تعليقاتي!
- تعليق روض وسمية / أول شيء أبدًا ما تضايقت من حكيك وعلى عيني وراسي هاللطف منك والتعني منك والتعليق ، شكرًا لحسن نيتك.
لكن الموضوع اللي حكيتي عنه مر علي أكثر من عشر مرات يمكن، وتعبت صراحة من كثر ما أوضح وجهة نظري وأرد! لذلك برد بهالموضِع وقبل البارت فتحملوا طول كلامي عشاني ما ودي أكرره مرة ثانية، وإذا ودكم تقرأون البارت وترجعون بعدين تشوفون كلامي ما فيه مشكله :d المهم لا تتجاهلون اللي بقوله :(
أولًا، بخصوص إنّ روايتي أشبه بالخواطر، هذا ما يعتبر خواطر! هذا أسلوب شاعري أحبه وما أتقنه كويس وأحاول أتقنه، يمكن أنتم منتم متعودين على هالأسلوب ولا على كثافة الوصف في الروايات النتية، بس أبدًا ماهو ذنبي! أنا ما أطمح إن أسلوبي يكون شبيه بالروايات النتيه! أنا أطمح للوصول للي أكبر وأنافس كتّاب أفضل، صحيح لكل مقامٍ مقال وروايات النت تعودتوا تكون حوارات في حوارات بس معقولة أفكر بهالمقولة وأقول لا! ما ينفع إذا أنا أبي متابعين لازم أغير أسلوبي عشان يعجبهم!!! حدّث العاقل بما يُعقل وعلى فكرة أنا ما كان طموحي متابعين، طموحي أوصل للي أعلى وأحب أسلوبي أكثر وأتطور! كان بإمكاني أكتب روايتي كاملة وأطبعها وأنشرها كتاب عشان قُراء النت ما يحبون هالنوع من الروايات لكني ببساطة كنت راح أفشل! وليه الفشل؟ لأن أسلوبي سيء جدًا بالنسبة للروايات الورقية لذلك نشرت روايتي في النت عشان أدرب نفسي وأتطور. بالعادة اللي ما تعود على القراءة خارج نطاق النت يلاقي صعوبة في تقبّل أسلوبي، لكن اللي متعودين من متابعيني كثار، لدرجة إن فيه كم وحدة تكلمني وتقول أنا ما أقرا غير روايات كتب وروايتك هي الرواية الوحيدة أو من الروايات القليلة اللي حذبتني في عالم النت لأنها تنافس روايات الكتب. طبعًا أنا ما أشوف إني أنافس روايات الكتب للحين، بس أفتخر لما أشوف هالحكي! حلو إني جذبت فئة ما يميلون لروايات النت لذلك أنا راضية تمام الرضا مو عن أسلوبي بس عن كوني أركز في الإرتقاء لروايات أكبر من مجرد نت، لذلك أبدًا ماراح أندم إن فيه ناس تنسحب عشان الوصف عندي كثيف وعشان أسلوبي أقرب للخواطر على قولتك، واللي حابب أسلوبي ثلثي قُرائي والثلث الباقي هم اللي ملاقين صعوبة في قلّة الحوارات، + نقطة مهمة، الحوارات ما تُعتبر قليلة، هي مكانها في اللي يناسبها لذلك ممكن تشوفون موقف الحوارات فيه أكثر من الثاني لأنّ هالموقف يتطلب تواصل صوتي بعيدًا عن المشاعر فقط. :" بعد أزيدكم من الشعر بيت؟ فيه ناس كثيرة تقول الوصف عندك يحتاج زيادة تكثيف! شفتوا الفرق؟ أبدًا مو ذنبي إن فئة منكم ما تقرأ إلا من روايات النت ومثل ما قلت أنا أدرب نفسي عشان أرتقي للروايات المنشورة فصعب أمشي على منهج كاتبات كانت طموحاتهم أقل مني.
أما بالنسبة للنقطة الثانية وهو بطء الأحداث، فأنا ما أشوفها بطيئة أبدًا، ممكن مرّات أفكر بهالشيء لكني لما أراجع الأفكار والقضايا في روايتي أشوف إنها ضروري تمشي على هالنمط. نقول مثلًا غزل، ما قدرت تتقبل سلطان - مبدئيًا - إلا في نهايات العشرين من الأجزاء، طيب ليه كل هذيك الفترة ما تقبلته مع انهم متزوجين من بداية الرواية تقريبًا؟ ببساطة لأنها تتحسس من الرجال وقد ذكرت أكثر من مرة إنها تشوفهم بما معنى كلامها " حقيرين " فشلون ببساطة تتقبله وتضحك وياه في غمضة عين؟
ومثال آخر، أسيل، فيه كم وحدة جتني تقول متى تحبه؟ بتصير القصة ماصخة وهي للحين ما حبته! Wtf!!! أنا جدًا جدًا انصدمت من اللي تفكر كذا، أنتم تشوفون إن نسيان الحب الأول خصوصًا في شخصية أسيل وحب شخص ثاني بهالبساطة؟؟ تبوني أمشي روايتي بطريقة أبدًا ماهي معقولة!! والمواقف اللي البعض منزعج منها كونها مافيها تطور ومجرد مشاعر هذي لها وجهة نظر خاصة وتتعلق باللي قبلها والمعقولية، تخيلوا مثلًا مرة ثانية إن غزل حبت سلطان مو بس تقبلته، وهالحب جاء فجأة من غير ما أوصف المشاعر قبلها وشلون تطورت حبة حبة، بتصير معقولة؟ بتدخل المخ؟ لازم لازم يكون فيه مواقف بسيطة كلها مشاعر والتطور فيها ومواقف ممكن تكون - عادية - بين البطلين لكنها تعطي تمهيد، ما أقدر أقفز مرة وحدة للحظة اللي يكتشف فيها سلطان حقيقة غزل ويكون مثلًا حاببها فيسامحها ببساطة وأنا ماقد شرحت تطور المشاعر بينهم - مجرد مثال لحد يدرعم ويقول يعني هذا بيصير - :p -> تبونها من الله أنتم :""
+ من أكبر مخاوفي توصل روايتي لمية بارت، لكني أيضًا - لن أتوانى عن ذلك - إن كانت محتاجة لهالعدد، بعطي كل شخصية حقها وممكن شخصيات ينتهي دورها قبل النهاية بفترة بس أبدًا ماراح أختصر وأضيع تعبي من البداية، هالرواية تعبت فيها بشكل مو طبيعي، من رسم الأفكار للشخصيات لكل شيء، وأظن واضح عندكم تعبي اللي وصل أثره لكوني لخبطت كذا مرة بالأعمار ومرة بإسم شخصية ثانوية لكن يظل غلط، جدًا جدًا متعبة هالرواية وبتظل متعبة للنهاية فأيش الفايدة من إني أختصر وأضيع تعب البداية؟ نكمل بتعب واحد ونتيجة حلوة ولا بتعب ونتيجة سيئة.
وأنا ما اقدر أمنع كل وحدة منكم ما تمشي وتترك قراءة الوصف، صحيح هالشيء يزعجني بس ما بيدي شيء ولكم الحرية، لكني أتمنى، وحطوا تحت أتمنى مليون خط، ما تجيني بعدين وحدة وتستفسر عن شيء ذكرته في البارتات السابقة وهي ببساطة تترك قراءة الكثير اللي التوضيحات تكون فيه! تخيلوا بس إن التوضيحات والتفسيرات والحلول لكل لغز أذكرها في حوار مرصوص! هذي ماهي رواية أبدًا، فلا تجوني بعدين وتقولون هند كيف كذا وكذا وليش كذا وكذا! أنا أعفي نفسي من الإجابة على أي عضو يتجاهل الوصف ويجيني ببساطة ويقول تجاهلت! وبعدها يسأل .. مو صعب تحاولون تحبون أسلوبي، طيب أقل شيء حبوا القراءة! صدقوني لو تحبونها جد ما مليتوا من الوصف لأن القراءة ماهي روايات نت وحسب، القراءة أوسع من كذا.
* على فكرة، الانتقاد البناء أنا ارحب فيه بكل سعة صدر، لكن خلّوه في محله لأن عمر الوصف ما كان سلبي على الرواية إلا اللي يشوف الروايـات قصة وحوار ، + لا تشوفون في كلامي عصبية أنا أرد بكل رواق وتقبلت تعليق الجميلة بكل رحابة صدر ورديت باللي يناسبه ، مشكورة على نيتك الحلوة.
عارفة طولت عليكم ومعليش والله ، فخلونا نبدأ بالبارت على بركة الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
(43)
انتفَضَت وهي تُغلق بابَ الخزانة، التصقَ ظهرها بهِ وعيناها تتسعان بذعرٍ بينما اندفعَ الأدرينالين في أوردتها ليثبّط من هذا الذعر الذي لربما يفتكُ بها، وكان سيف أمامها صدرُه يرتفعُ بقهرٍ وينخفض بشدّةِ الإهانـة التي يشعر بها الآن! أمِن المُعقول أنها كذبت لتبتعد عنه؟ لهذا الحدِّ وصل الأمر بيننا يا ديما؟ لهذا الحدْ؟؟! لم يتخيّل أبدًا ولا في أسوأ إحتمالاتِ الحيـاةِ بينهما أن تفكّر ديما بهذهِ الصبيانِية والسطحية، أن تكذِب فقط لتبتعد عنه وتضربهُ بقبضةٍ ساخِنةٍ أصابته في رجولته. لكنْ بالرغم ما رآه، بالرغمِ من كونِ الموضوع برمّته شبهَ واضحٍ له إلا أنّ هناك ذرّةُ تعقلٍ تُخبره أن لا يتهور، وأنّه بالتأكيد هناك حلقةٌ ناقصة، لمَ لا يتأكد قبلًا؟
بلل شفتيه يُحاول هزمَ الجفافِ الذي انتشرَ على سطحهما وعلى ملامحهِ كُلِّها، شدّ على قبضتيه وهو يقترب منها بينما عيناها تنظران إليْه بذعرٍ وكأنّها تخشى أنّه استشفَّ شيئًا ما أو رآها ، نعَم رأيتُك، وأتمنى من كلِّ قلبي أن يكُون هناك خطأ.
اقترب حتى كاد يلتصقُ بها، كانت موجاتُ الحرارةِ تصلها عبر أنفاسهِ التي لفَحت جبينها، بينما وضعَ إحدى كفيْه على بابِ الخزانَةِ جانب رأسها وهو يهتف بحرقةٍ حاول إخفاءها : وش تسوين؟
توترَت ديما أضعافًا وهي تنظر إلى وجههِ المُتشنِّج، ما الذي تفهمهُ من سؤالـه؟ أيعقل أنّهُ رآها وهي تصلّي؟ أم رآها وهي تطوي السجّادة ورداء الصلاة؟ .. لا ، غيرُ ممكن، فهي تعرف سيف جيدًا ولو أنّه رآها وهي تصلي لما انتظر حتى الآن كي يظهرَ لها بهذه الصورة، إذن ما الأمر؟؟
ازدردت ريقها وهي تفتَحُ صفحةً جديدَة في كتَابِ كذباتها، نظَرت في عينيه الناريتين والمنتظرتين توضيحًا يُخبره أنها مثلًا " طهُرت " بالرغم من أن ذلك بعيد! لكنّه واللهِ سيصدقه! سيصدّقه بما أنّه غير مستحيل لكنْ كل شيءٍ وألا تكون كذبت كي تبتعد، كل شيءٍ دون هذهِ الضربةِ القاتلةِ يا ديما.
رفعَت يدها كي تمسح على شعرها وتستقرَّ كفها على رأسها في حركةٍ متوترة، وبصوتٍ مضطرب : وش أسوي يعني؟ كنت أبي أبدل ثيابي
تراجَع للخلفِ وجفناهُ ينخفضانِ دونَ تعبيرٍ واضحٍ لعينيها، لكنّه في صدره كان تعبيرًا عن كونِه جُرِح! بقسوةٍ لم يتخيَّلها منها، بعنفٍ كان الأحرى ألا يجيء منها هي تحديدًا .. بلل شفتيه وصمَت، كيف عساهُ يتوقّعُ للحظةٍ أنّ علاقتهما قد تتوجُ يومًا بكذِب! بالرغم من كل المشاكل بينهما وبين الشدِّ والجذب الذي يعيشان فيه إلا أن كل شيءٍ لا شيء حين يخترق الكذب حياتهما، كل شيءٍ مقبولٌ في العلاقةِ الزوجية، إلا الكذب.
صنَع خطوتين بينهما وهو ينظُر إليها بملامحَ تجمّدَ فيها كلُّ شيء، كلُّ شيءٍ بات مُتجمدًا وظلَّ الجُرحُ في صدرِه ينصهرُ بحرارةٍ ذاتَ درجةٍ ثابتة دون أن يصل لغليانٍ يُحرقها أو يتبخر! لا يدري كيف أنّ ردة فعله كانت هذه! لا يدري لمَ لم يصرخ في وجهها أنّها كاذبة، وأنّها خذلته بكذبها! ألأنّ فعلتها الآن تجرح؟ دونًا عن كل ما فعلتهِ قبلًا يا ديما، هذه المرّةَ جرحتِي بسهمٍ مسمومٍ لم أتخيّل في أقسى تخيّلاتي أن يأتيني منكِ ، فلم آخذ حذري.
أخفَضت ديما يدها عن شعرها وهي تعقدُ حاجبيها للنظرةِ التي تعتلي عينيه، وبتوترٍ وهي تفركُ كفيها ببعضهما : غريبة راجع بدري؟
بقيَ ينظر إليها بذاتِ النظرةِ العميقة التي لم تفهمها، وشفتيه مُطبقتين لا كلماتَ تستحقّ العبورَ من بينهما، وأي كلماتٍ قد تُسعفه الآن وتستحق العبور؟ . . طـال الصمتُ بينهما وطـالت نظراته، حتى تضاعفَ توترُ ديما وهي تُخفض عينيها بضعفٍ أمام عينيه، حينها امتدّت يدهُ ليُمسك ذقنها بقهرٍ ظهر في قوّة أنامله التي ضغطَت على فكِّها، ثمّ رفع وجهها إليه حتى تُقابلهُ بعينيها، وبهمس : يهمك إذا راجع بدري أو لا؟
قطّبت جبينها باستغرابٍ وألمٍ في ذاتِ الوقت، رفعَت يديها لتُمسك بمعصمِ يدهِ التي تَقبضُ على ذقنها مُحاولةً إنزالها دون جدوى، لتهتف بعنفٍ أخيرًا : شفيك بتكسر وجهي
سيف بحدة : أقل من اللي تستحقينه
ديما بقهر : وش اللي مستحضر شياطينك الحين ، عوووذة!!
تركَ سيف ذقنها وهو يتراجع ليهتف بحدةٍ وقهرٍ وهو يشعر أن سهمها لازال يتعمقُ في صدره وينشر سمومَ صدَئِه في عروقِه : ومين بيستحضر شياطيني غير الحمار اللي أشوفه الحين!!
عقَدت حاجبيها بغضبٍ وعيناها تتقدان بقهر، وبحنق : لحظة لحظة ، وين المرآية اللي قدامك ما أشوفها
سيف بصرخَة : ديـــمـــا
انتفضَت لتتحرك من أمامه بذعرٍ وتتجه ناحيـة السرير وهي تهتف بقهرٍ بالرغم من توترها وخوفها : ما قلت شيء أنت اللي سبيت نفسك
سيف : لا تتلاعبين معاي ، تراني ماسك نفسي بالحيييييل
للحظةٍ تذكّرت اليوم الذي نطقَت فيه لهُ بـ " حمار " وما تبعه من بعدها، اليوم ذاته الذي صرخَت في وجه زيـاد بعد أن اقتحَم جناحها. وضَعت كفيها على معدتها التي بدأت بالتقلص من ذعرها، وشفتيها ارتعشتا قليلًا بينما تحرّك سيف ليبتعد عنها، لا يضمن غضبهُ وقهره منها الآن، ولا يريد أن يسألها عن سبب ما فعلته، عن سببِ كذبتها .. لأنّه ببساطةٍ ليس هنالك من سببٍ مقنع! ليس هنالك تفسيرٌ يشفعُ لها ما فعلت، فما فعلته أكبر من كل التفسيرات، أكبر من كل الأعذارِ التي قد تُمطرهُ بها. ما أقسى الكذب حين يتخلخل علاقةً ما بهدفِ الإبتعاد!
ليَصمت ويتجاهل، وسينظر إلى أين ستصل الأمور.
،
صوتُ القرآنِ يصدحُ من هاتفها الموضوعِ على الكومدينةِ بجانب السرير، منبطحةً على بطنها كانت وبين أناملها الطويلةِ يستقر قلمُ رصاصٍ يتمايلُ على ورقَةِ كراسةٍ بيضاء، ترسمُ وردة، وإحدى البتلاتِ ساقطةً على أرضٍ جافَة، تلكَ الوردةُ التي لم تُلوّن تُمثِّل الحيـاة، والبتلةُ الساقطة لربما تكون جيهان، أو هي! لا علْمَ لها، فجيهان أسقطَتها الحيـاةُ من قاموسها، وهي من الجهةِ الأخرى تشعر أنها فقدَت طعم الحياة، إذن هل ترسم بتلةً أخرى ساقطةً كي تُمثّلها؟
عبَست باستياءٍ وهي تشعر بالإستسلامِ لمصاعبِ الحياة ينتحلها رويدًا رويدًا، أين صبري؟ واحتسابي! أين تفاؤلي الذي أتفاخرُ بهِ كثيرٍ وأنقشهُ على جبيني، هل هزمتني الحيـاة يا الله؟ بعد كل شيءٍ هل هُزمت؟ . . أغمضَت عينيها وهي تتنهد بوجَع، الوَحدةُ والفراغُ سيفٌ إن وجِّه في صدرِ إنسٍ لا تتعجب إن جلب الأفكار التي تُكفِّره! تلك هي الوحدة، أقبحُ الإبتلاءاتِ التي قد يواجهها الإنسان.
تركَت القلمَ وانقَلبت على ظهرها ناظرةً لتصميم السقفِ الفكتوري، لا تُنكر أنّ والدها يعمل جاهدًا كي لا يُشعرها بالوحدةِ والملل، صحيحٌ أنّه يخرج في بداياتِ الصباحِ حتى قُرب الظهيرة لكنّه يعود بعدها ليُزيّن وقتها ويملؤه، لكنّ ذلك للأسفِ غيرَ كافٍ.
كيف حالكِ الآن يا جيهان؟ ألازلتِ كما أنتِ؟ وقحةً لكنّ قلبك جميل؟ هل يُرهقكِ فواز أم أنتِ التي تُرهقينه؟ .... ابتسمَت بشوق ... على الأحرى لا يرهق المسكينُ سواك.
جلَست لتتناول هاتفَها وهي تشعر كم اشتاقَت إليها، اتجهت إلى رقمها حتى تتّصل بها ومن ثمّ وضَعت الهاتف على أذنها وابتسامتها تتّسعُ بشوق، بقيَ الهاتفُ يرنُّ لثوانٍ قبل أن تُجيب جيهان بابتسامة : أرجواني يا بعدي
أرجوان بابتسامةِ شوق : أهلين جوج ، كيفك يا القاطعة ما تتصلين علي!
جلَست جيهان في سريرِ نوم غرفتها وابتسامتها تبهَت قليلًا، وبنبرةٍ حزينة : الصبح كنت أكلمك بالواتس
أرجوان : أبي صوتك وش ألاقي من الحروف؟
جيهان : بعد قلبي ، والله اشتقت لك
أرجوان بعتابٍ مقهور : كذّابة ، لو مشتاقة اتصلتي، سألتي عني ، ما غير أنا اللي أتصل أو أرسل لك * بغصةٍ أكملت * تدرين إنّي من الوحدة ممكن أذبح عمري!
ازدردت جيهان ريقها وهي تشعر بالغصّةِ تُهاجمها لتلك الفكرة، أما تدري أنّ " ذبْحَ العُمر " يقتلها هي! اكتفَت من تلك المرّة، واللهِ اكتفت! لازالت رائحة دماءِ أمها عالقةٌ في ثيابها، لازال صراخها الذي اعتلى ذلك اليومَ يتكرر على مسامعها، لازالت اللحظة التي خرجت فيها من غرفتها متجهةً لوالدها تضعُ رأسها على ركبتيه تتوسله كي تدخل لأمها مُلتصقةً بجدران ذاكرتها، ألا تُغسلُ الذاكرة؟ راضيةٌ واللهِ بسقوطٍ يجعلها تنسى جزءً من حياتها، تجهل كيف ماتت أمها، وتجهل مافعله والدها ... لا تنكر! هي في حاجةٍ لوالدها كثيرًا، محتاجةٌ لصدره الذي كم كان مأوى لها حين تهرب من أيِّ حُزنٍ عابر .. كانت أحزاني عابرةً يا والدي، كانت عابرة! ولم تُصبح يومًا مقيمةً إلا الآن، أثقل الحزن صدري يا أبي، ليس بوسعي طرده، ليس بوسعي ذلك دونك.
عضّت شفتها وهي تنخرطُ في البكاءِ دون شعور، لتتفاجئ أرجوان من الجهةِ الأخرى وينتفضَ جسدها ونحيبُ جيهان تصاعَد مرةً واحدةً وهي تهتف بوجَع : أبي أبوي يا أرجواني ، والله وحشني!
ازدردت أرجوان ريقها وهي تحبس دمعاتها التي تفجرت من مقلتيها، نهضَت عن سريرها وقلبها الذي ينبضُ بشدةٍ كان ما بين توتريْن، بُكاءُ جيهان وحزنها، وهذا الطلب الذي لم تتوقعه منها أبدًا! لكنّها لا تنكر كم سعدت بذلك، تتمنى أن تعود المياهُ لمجاريها أكثر من أي شيءٍ آخر، ينقُصكِ يا جيهانُ نحن، وينقُصنا أنتِ، دائمًا ما أرى حزن أبي في عينيهِ وأدرك كم اشتاقكِ والمسافاتُ طويلة، سحقًا للمسافاتِ التي تُسكِن الحزن في عينيه، سحقًا للمسافات.
اتّجهت لغرفة والدِها لتقف أمام البابِ وتطرقه، بينما بُكاءُ جيهان يتسلل إلى أذنها، بكاءٌ يشرحُ جفافَ صدرها بكفاءةٍ ضعيفة، لا شيءَ يشرحُ مافي صدري، لا شيءَ يُترجم الوجـع الذي يسكنني، تعبت يا الله! لم أدرك يومًا كم أن البُعد مهلك، كم أنّ الجفاءَ بالرغم من كونِه مني مُهلك! تعبت وهذا التعب الذي ينقشُ نفسهُ في أوردتي يُفجّر دمائي المُخضبَة بالإشتياق، يا الله يا أبي، إن الدنيا من دون عيناكَ مُتعبة، " زعلانة منك ، قدَّ الوجَع في صدري زعلانة منك، وقدّ الوجَع والزعَل مشتاقة لك ".
هتفَت باختناقٍ وشهقاتٌ تتسلل بين أحرفها : وينه؟ أبي بس أسمع صوته ، ماراح أطول عليه ولا بزعجه ... مشتاقة له، حييييل مشتاقة يا أرجواني
أغمَضت أرجوان عينيها وهي ترفعُ لتطرق مرةً أخرى، لكنّها فجأةً تذكرت أنّه قد خرجَ قبل رُبع ساعةٍ برفقةِ ليَان، حينها انخفَض كتفاها وهي تغفر شفتيها وعيناها تتسعان قليلًا، كيف نسيَت ذلك؟ .. تراجعَت للخلفِ وهي تبتلع ريقها بصعوبة، كيفَ تقولها لها الآن وتكسرُ رغبتها وشوقها؟ كيف تبثّ لها خيبَة عدم تواجده؟ ليتها لم تبثَّ شوقها الآن، ليتها كابَرت إلى وقتٍ يكون فيها والدها متواجد.
عضَّت شفتها السُفلى وهي تهمس بترددٍ ودمعةٌ سقطَت دون شعورٍ من عينها اليُسرى : جوج ، أبوي مو موجود
أجفلت ملامح جيهان الباكية وهي تنظر للفراغ، بينما تجمّدت كفّاها الممسكتين بالهاتفِ على أذنها اليُمنى وهي تهتف ببهوت : ماهو موجود؟؟! ... وأنا!!
أرجوان بتوتر : أول ما يجي بقوله يتصل عليك ولا يهمك
وقفَت جيهان وهي تبتلع غصّةً ساخنةً والدمعُ يتساقطُ من عينيها .. تحتاجه، تحتاجهُ بكل جوارحها فلمَ حينَ استطاعت التعبير عن ذلك كان بعيدًا عن نطاقها؟ المسافات تفرض نفسها بيننا، القدرُ أراد ذلك، هل هذا كل شيء؟ هل هذا هو الحـال الذي لابد من أن نكُون عليه؟ حينَ كنتَ قريبًا كنت أنا التي تصد، والآن حين أردت سماع صوتِكَ فقط لم أجدك.
تقوّست شفتاها وهي تستمع لكلماتِ أرجوان الأخيرة، لكنّها هتفَت بتحشرجٍ ونبرةٍ ميّتة : لا أرجوان ، لا تقولين له ، إذا ما كان لي بهالفرصة أحاكيه فما فيه فُرص ثانية
اتسعت عينا أرجوان بدهشةٍ من تفكيرها : شهالغباء؟ اتركي عنك هالإستهبال تظنين أنتِ الوحيدة اللي مشتاقة له؟ هو أكثر ، عيونه تقول هو أكثر
جيهان تغمض عينيها وهي تهتف بضعف : أبيه ، بس قلبي للحين زعلان عليه ، زعلان يا أرجوان ... مافيه شيء ينسيني الماضي؟
أرجوان بغصة : فيه شيء اسمه تتجاوزيه
جيهان : مو قادرة! أبي أنساه ، أبي أبتسم لأبوي وقلبي قادر ، للحين هالقلب مو راضي يسامحه ، بس بعَد مشتاااااق له
أرجوان وشفتيها تتقوّسان بحزنٍ بينما دموعها تتساقطُ كأوراقِ الخريف : وأنا ماني مسامحتك يا جيهان لأنّك سبب حزن أبوي ، للأبَد ماني مسامحتك وأنتِ قاسيَة عليه كذا
وضَعت جيهان كفّها على فمها تكتم صوتَ حزنها، وإبهامُ يدها الأخرى اتّجهت لإغلاقِ المُكالمةِ وإنهاءَ هذا الحديثِ الحزين. نبراتنا جائعة، كلّنا نسينا طعمَ الفرح، لستُ وحدي الحزينةُ يا أرجواني، لست وحدي الحزينة، كلنا تيتّمنا بعد أن مات الفرحُ فينا.
وضَعت الهاتفَ جانبًا لتُغطي وجهها بكفيها وتبكي علَّ حزنها يسقط رويدًا رويدًا مع كل قطرةٍ من دمعها، علَّ طعمَ الدمع يتحوّر لحلوٍ وينسى الملحُ مسكنه، علّ الأيام تُطوى ونلتقي في لحظةِ فرحٍ ونسيان، مرَّ نيسان، ورفضَ تمرير الفرحِ على شفاهي في صورةِ بسمةٍ عطرَة، مرَّ قبلهُ آذار لافظًا الشتاء، وحمّل نيسانُ الربيعَ على كتفيْه ورفض زرعهُ في عيناي، حتى الأشهر تقف ضدي! حتى الأيـامُ الراكضات أمامي تطوي الفرحَ وتُسكن دموعَ الشتاءِ في عيني، ابتدأ حُزننا في الشتاء، ومضى هذا الشتاءُ معنا أشهرًا مُتمثلًا في كلِّ الفُصول.
،
وضَع كرّاسة الرسمِ في حقيبةِ ظهره الصغيرة دونَ أن تنتبهَ أمه، انتظر في الليلِ حتى نامت وظلّ ساهرًا يرسم الرسمة التي وعد بها سيف، خرَج من الغرفَةِ وهو يسمع صوتَ بثينَة تُناديه، تجاوزَ عتباتِ الدرجِ ليرى أمه تجلسُ في إحدى أرائك الصالة وجود تجلس على أريكةٍ منفردة تمسك بهاتفها بين يديها.
بثينة بهدوء : جاهز حبيبي؟
زياد يهز رأسه بالإيجابِ قبل أن تتجه نظراتُ بثينة إلى حقيبته وتعقد حاجبيها : وش له الشنطة؟
توترَ زياد وهو يشدّ على رِباطِ الحقيبةِ باضطراب، وبهمسٍ متوتر : بابا قال أجيب معاي الكراسة عشان يشوف رسمي
عقَدت حاجبيها وهي تنهض مقتربةً منه، وباستنكار : بابا قال!! وأنت مطاوعه؟ جيب الشنطة بس
تراجعَ زياد قليلًا وهو ينظر إليها برجاء، بينما ارتفعَت نظراتُ جود بانشداهٍ لما يحدث وبقيت تتابع صامتة.
أردفت بثينة بحدة : زياد هات الشنطة واترك عنك كلام أبوك ما عنده سالفة هالمتخلف
مطّت جود شفتيها باستياءٍ وهي تهتف : عيييييب عليييك ، هذا كلام أم لولدها جالسة تعطينه صورة سيئة عن أبوه
استدارت بثينة إليها وهي تقطّب ملامحها الجميلة بحدة : وأنتِ شعليك انثبري على جوالك
رفعَت جود إحدى حاجبيها وهي تتمتم مُتذمرة : الله يعينك يا زياد على ما ابتلاك * رفعَت صوتها قليلًا لتسمعها بثينة جيدًا * قلتها لك مليون مرة ما ينلام سيف يوم طلقك
اشتعلت نظراتُ بثينة بغضبٍ وجود تدرك أنّ هذه الجُملة تثير حُنقها بشدة. بثينة بتهديد : أقسم بالله لو ما تنقلعين من وجهي لأوريك مين هالمطلقة اللي قدامك
جود تمط شفتيها بملل : طيب طيب ، بس اتركي الولد عنك شوفيه كيف يناظرك خايف * وجّهت كلامها لزياد بنعومة * حبيبي يا زياد تعالي عند خالتو
تحرّك زياد بتوترٍ وهو ينظر إلى أمه بحذر، وما إن وصل إلى جود حتى أمسكته من كتفيه وهي تُقرّبه منها وتقبل وجنتيه : يا فديت هالوجه الحلو والشعر المنفوش ، بس بعد شفقانة عليك طحت بين اثنين شيبان نكبوك معاهم
نظرَت بثينة إلى جود بنظراتٍ نارية متوعدة، لتبتسم متجاهلةً لها وهي تسأل زياد : هو كم صار عمر أبوك؟ ٣٥ والا ٣٦؟ والا ٤٠!!!
رفعَ زياد كتفيه بجهل، لتتجه نظرات جود إلى بثينة بلؤمٍ وهي تسألها : وأنتِ كم صار عمرك؟ ٣٣ صح؟
بثينة بقهر : انقلعــي من وجهي
ضحكت جود وهي تستمتع باستفزازِ أختها : صدق شيبان
رفعَت بثينة إحدى حاجبيها وهي تهتف باستفزاز : الله يزوجك بس ويفكني من غثاك
رفعَت جود كفيها للسماءِ لتلفظ بعمق : آآآآمييييين عشان يفكني من غثاك أنتِ
أخفَت بثينة ابتسامتها التي كادت أن تخرج رغمًا عنها بالرغم من مقدار حنقها من استفزاز جود الدائم لها، وفي تلك اللحظةِ كان صوتُ جرسِ البابِ يُنبئ بوصول سيف.
يتبــع ..
|