كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم/مساؤكم راحة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافية
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !
(29)*2
تستقرُّ على سريرها، تُواجه الباب بجسدها وعيناها تنظران إليهِ بخواءٍ يستحلّ الروح قبل الجسد، يستحلّ العقل فيسيطر على أعصابها التي توقفت عن عملها، يستحلّ كل شيءٍ ما عدا مركز الذاكرة التي تنتعش كل ثانيتين بما يؤرقُ عيناها المُرهقتين.
كم مرةً يجب أن تُنبِئ ذاتها أنّها وصمةُ ألم؟ كم مرةً يجب أن تُدرك أنّها وجعٌ وبؤسٌ مُتنقل؟ حتى أثرها بُثّ حولها لتنقل هذا البؤس إلى عائلةٌ أخرى. اليوم عبدالله طلّق هالة وغدًا ماذا؟ ماذا بقي بعد؟ ما الذي لم تفعله بعد؟ انتهت أيام الضحكاتِ والمزاح فيما بينهم، انتهت الأيام التي كان يقول لها عبدالله فيها " لا تزعليني منك وتقوليلي عمي! "، انتهت الأيام التي كانت تُمازح فيها ياسر بشكلٍ جاهدت فيه أن تبدو طبيعيةً حتى لا تُظهر حبها للعيان، انتهت الأيام التي كانت فيها تتلقى الحُب من هالة سعيدةً تشعر أنها كغيرها لتستوعب العكس حين تُصبح على سريرها، انتهت تلك الأيام والساعات والدقائق الماضياتِ المهرولات في ذاكرتها الآن، طُوِيَت الثواني بين الآهةِ والخيبات، طويت وما عاد شيءٌ يُبسطها. كيف عساها تعود معهم كما كانت بعد كل هذا؟ كيف عسى الأيام تعودُ لمجراها والماءُ الراكد هيهات أن يجري وهو في محبسه!
رفعت كفّها لتُغطي بهِ عينيها النازفتين بدموعٍ تجري لتشقّ وادٍ ليس بذي زرع! جُفّت وجنتاها بملحٍ تخلخل مساماتها واستقرّ ليعمّ الجفاف، والقحط كلّ الحقطِ حين لا تكُون بين عائلةٍ يجري دمُها في دمكْ، البؤسُ كل البؤس حين تنسلخ من وهمٍ التصق بكَ اثنان وعشرون عامًا لتستشعر أخيرًا أنّك لا شيء! لم تمتلك شيئًا طيلة حياتك، لم تمتلك لا حبًا ولا حنانًا يُغنيك عن حقيقةٍ تمنيتها ولم تنُلها.
ارتفع صوتُ أنينها قليلًا وكفُّها لا تزال أمام عينيها، ترتعشُ ككل خليّةٍ مُكونةٍ لها، كشفتيها اللتين انفرجتا مُناجيةً هواءً دخل ببرودتهِ ليُضاعف الوجع والألم.
همست بعذابٍ وحتى كفّها بات مُشوّشًا لعينيها اللتين تبللتا بالدمع : مالك مكان يا نفسي، مالك مكان وكل ركن بهالعالم تخلّى عنك!
,
الماءُ يتدفق على جسده، يستقبل رذاذه البارد بكل ترحابٍ علّ هذه البرودة تُطفئ القليل من ناره، تلك النار التي تلتهم كل شعورٍ بالراحة قد تعتريه.
أغمض عينيه اللتين غلّفهما الماء وشُوِّش منهما النظر . . كيف للإنسان أن يسكُن بين البيْنِ والبيْنِ في حين اتساع هذه الأرض؟ كيف يكُون وحيدًا في هذا البين وعدد سكان الأرض أضعاف الملايين؟ هلّ شقّ لنفسه بين المجرّاتِ مجرةً أخرى يعيش بها؟ يدور في كوكبٍ خاصٍ بهِ حول شمسها ونجومها؟ يختفي عن كوكبهِ القمرُ فيعيش ليلًا في ظلامٍ لا يجد فيه الشمس قمرًا يعكس عنه نوره! . . حسنًا وماذا عن النهار؟ حين تشرق الشمس لينوله الضوء بضع سويعاتٍ حارقات؟ . . طبقةُ الأوزون انسلخت عن كوكبه، الإشعاعات تأتيه من كل جانبٍ ليحترق! لا النهار نهارٌ باعتدالٍ ولا الليل ليلٌ مٰعتدلْ! . . الأشعة فوق البنفسجية! التحت الحمراء! السينيةِ وغيرها وغيرها! كلّها تخلخلت جلدهُ وأصابته بحروقٍ لا شفاء منها، أصابتهُ أمراضٌ نالت منه نفسيًا دون أن تطفو على جسده الذي يحترق احتراقًا غير مرئي!
يا رباه! ألا تكفيه تلك الجروح في قلبهِ حتى يمرض جسده؟ ألا تكفيه تلك العاهات المُستديمة بروحه ليجيء الإحتراق الجسدي من حيث لا يعلم!
فغر شفتيه وهو يرفع ملامحه قليلًا مُقابلًا تيار الماء، ليشرُق بما اخترق جوفه ويسعل خافضًا لرأسه يضع كفّه اليُسرى على فمه.
سعل قليلًا والماء يَبسُط شعرهُ المُتجعد، ثم تحرّك مُبتعدًا عن النطاق الذي يجري فيه وهو يمسح وجهه ويتنحنح مُغلقًا الصنبور من خلفه.
بينما كانت هي تجلُس على سريره منتظرةً خروجه من الحمام، تتلاعب بمفرش السرير الأسود بكآبةٍ تُطابق كآبةِ الغرفةِ بأكملها، تطابق الجدران التي تلوّنت بالرمادي مُختلطةً ما بين بياض الأرضية وسواد المفرش. لكنها وما إن سمعت صوتَ سُعاله الحاد حتى سكنت أناملها وانشدّت حواسها إليْه بقلقٍ لم ينزَح إلا بعد أن سكَن سُعاله.
تنهدت بضيقٍ لتعود لإطلاق كبتها في مفرشه، ولم تنتظر سوى ثلاث دقائق حتى خرج وهو يرتدي بنطالًا بيتيًا أبيضًا عارِ الصدر. وقد كانت تدرك أنه سيتفاجئ ما إن يراها في غرفته بعد ذاك الصمت بينهما والذي تلاه خصامٌ لم يكُن مُفترضًا بهِ أن يكُون.
نظر إليْها للحظاتٍ مُتفاجئًا قبل أن يتحرك للخزانةِ ويتناول أقرب " تيشيرت " ليرتديه، ومن ثمّ استدار إليها ليهتف ببرود : وش فيه؟
بللت شفتيها وهي تشتت نظراتها عنه، مشاعرها نحوه كأمٍ أكثر من كونها عمّةً فقط، تشعر بحنانِها يندفعُ إليه كأمواجٍ تندفع تلقائيًا نحو الشاطئ. همست برفق : أدهم وبعدين معاك؟
تنهد وهو يضغط على أعلى أنفه بين عينيه والصداعُ يتضاعف في رأسه عوضًا عن التراجع بعد أن استحم بهذا الماءِ البارد.
ظهر شبح ابتسامةٍ على شفتيها وهي تُميل رأسها قليلًا نحو الجهةِ اليُسرى، وبخفوت : تدري وين المشكلة؟ أخذت ملامح أبوك، وحتى جزء من مزاجه وأخلاقه! بس ما أخذت لا ملامح أمك ولا رُبع من أخلاقها
انعقد حاجبيه قليلًا وهو يُمعن النظر بها، والأحاديث القليلة التي تُثار عن أمه دائمًا ما تشدّه للسماع والتغاضي عن مزاجه السيء، لا يعرف عنها شيئًا، لا عن حياتها ولا عن صفاتها الخُلقية بعيدًا عن الخَلقية التي حفظها عبر صورةٍ لها، لم يكُن يعرف عنها سوى القليل كطريقة زواجها بأبيه وخداع هذا الأبِ لها ليرميها أخيرًا.
انتبهت لسكُون ملامحه وشغفِ عينيه للسماع، عيناه كانتا تُناجيانها للمتابعة لكنّ كبرياء لسانه اللعين لم يتحدث.
اتسعت ابتسامتها قليلًا لتُردف وومضاتٌ من تلك الذكرى حين كانت طفلة لا تفقه الكثير تلتمع بذاكرتها : أمك كانت طيبة، طيبة بشكل كبير . . مع إنّي ما شفتها غير يمكن مرتين أو ثلاث بس بكل مرة تشوفني فيها تقعد تحاول تكلمني بعربيتها المكسّرة وتلاعبني وكأني بنتها! كنت طفلة وقتها، وكوني طفلة ارتحت لها كثيييير وما نفرت كطبيعة فيني.
اقترب منها قليلًا بتردد، ليتوقف على بُعد ثلاث خطواتٍ من أمامها وأنفاسه تتحشرج بتلك الصفة التي ما وجدها في والده يومًا، " الطيبة " التي تمناها في أبيه ولم يجدها.
نظرت إليه دون أن تختفي ابتسامتها، لتدعوهُ بعينيها للجلوس بجانبها، وبكل ترحابٍ ردّ على دعوتها تلك بالموافقةِ شغفًا ليجلس بجانبها وعينيه لازالتا معلقتين بها دون أن ينبس ببنت شفة.
أكملت وهي تنظر للأمام دون أن تستدير إليه، تُدرك جيدًا أنه سيحاول بأقصى جهده عدم إظهار تأثّره على ملامحه إن هي نظرت إليه، لذا كان من الأفضل أن تنظر لكل شيءٍ عداه : جمال خُلقي وجمال خَلقي . . كلها اجتمعت فيها وما كانت مثل ما يقول البعض كافرة أكيد أخلاقها زفت! . . مع إنها كانت مسيحية بس أخلاقها تجاوزت أخلاق الكثير من المسلمين
اتسعت ابتسامتها لتُردف بهمس : كانت ملاك عندي كطفلة ... تدري وش يعني ملاك؟
عضّ طرف شفتهِ وحُنجرتهُ تحفُل بغصّةٍ جعلته يختنق، عيناه احترقتا بملحٍ مُذابٍ كان آخر محطاتها هي جفنيه، لذا كان من الصعب أن تقع! كان من الصعبِ أن تختار وجنتهُ محطةً أخرى وهو الذي شابَ على ابتعاد أمه ووالده عنه فما الذي قد يحشرج عينيه الآن؟ ما الذي قد يستفزّهُ للبكاء؟ . . لا شيء يستحق! لا الأمهات ولا الأباء يستحقون هذه الدموع عندما يُقصّرون في حق أبنائهم، لا الوطن هم ولا الملاذ حنانهم، هاهو كبِر وعانق الثلاثينيات دون أمٍ بجانبه تزرع حنانها فيه، دون أبٍ يشدّ من عزيمته، فما الذي قد يجعله يحنّ لما لم يشعر به؟
أغمض عينيه بقوةٍ وهو يزدرد ريقه يدفع غصّاته، ثمّ بهمسٍ غيرِ آسى : ما كانت أم! كانت مجرد مَـرَة لجأت لشبه زواج وهي عارفه إنّه خاطئ عشان تستمـ .....
صمت عند تلك الكلمة وصدره ينتفخ بالأكسجين الذي اختار صدره ملجأً، يتحشرج وشجرةُ عائلةٍ قُطعت من أصلها قبل أن يُكتب لها الشموخ، انقطعت كل السُبل للفخر بالأنسابِ وكبرياءِ القبائل التي كان من الحكمة أن تُدثر مع الجاهلية حتى لا يستشعر هذا النقص الآن، لا الفخر فخرهُ ولا الشجرةُ أثمرَت بأحفادٍ يكًُونون العكس من جدهم. قُمعت تلك الرجاءات والأحلام الطفولية بزوجةٍ جميلة وأطفالٍ سويين، قُطعت المجالات للسعادة وكل بابٍ أُغلق في وجهه كان فولاذًا، كل بابٍ أُوصِد استحلّ جزءً من أمالهِ ليُدثّرها .... ليدفنها!!!
أغمض عينيه وهذه المرة اختارت دموعه محطةً غير أجفانه، سقطت بسقوط روحه في قاعِ التعاسة ووحلِ الآحلامِ التي نهض صاحبها قبل تمامها، لم أُفسّر حلمًا قبع في صدري مرةً، لم أُحاول مرةً التفسير والسُنّة أن يُحدّث الشخص من يُحب عن أحلامهِ وأنا الذي لم أجد مرةً من أُحب حتى أحدثه، دُفنت أحلامي في مهدها يا الله لأكبر شابًا خاويًا لم يحمل آماله في جيبهِ ومضى، كبِرت وكل الفراغ يسكنني والبؤس كل البؤس على من لم يمضي بأحلامٍ تحفّز الشباب في صدرهِ كلّما شاخ.
سقطت دمعته على قماش بنطاله الأبيض وأنامله ارتعشت ليشدّ بها على ركبتيه، سقطَت وكلّ سقوطٍ لا نهوض من بعدهِ مُصيبة! وحالي كتلك الدمعة التي لم تعُد ولن تعود، سقطتُ في ذاك الوحلِ وتوسّخت بآفةٍ لم يُذكر كيفية الطهارةِ منها في كُتب الفقه والدين، ظفرتُ بتلك النجاسة وحيدًا مُعاقًا وانتهى بي المطاف في مشفًا لا أطباءَ فيهِ ولا دواء.
تحشرجَت بتلك الدمعة التي رأتها تسقط على وجنتهِ بعد أن استدارت إليه مصدومةً لما قاله، كانت مُستعدةً للصراخ في وجهه والخصام معه، لكنه ما إن قطع كلمته تلك لتسقط دموعه حتى شعرت بأن شيئًا ما خُلع منها.
لم تشعر بنفسها إلّا وهي تندفع إليه لتمسح دمعهُ بكفها وهي تبتلع ريقها لغصّةٍ واجهتها، لم تكُن الدموع من الأمور التي تليق بأدهم، لم يكن الضعف يومًا لائقًا بهِ وبملامحه القاسية، لم يكُن هناك ما يليق به سوى القوّةِ واللامبالاة لتجيء هذه الدموع وتشطر كل تلك الصفات بهذا الضعف الذي كسى ملامحه.
كانت كفاها الدافئتين مدفعًا للمزيد من الملوحةِ في عينيه! لم تكن إلا محفزًا ليضعف أكثر . . تساقطت دموعه واحدةً تلو الأخرى وكل تلك القناعاتِ تلاشت عند هذا الوجع، من قال أن البُكاء ضعف؟ من قال أن الرجل لا يبكي؟ نحن الرجال نشعر أيضًا، نحن بشرٌ كالإناث فكيف تجرأتم على تحريم البُكاء لننفجر بأحزاننا؟ كيف تساهلتم بهذا الحجم مع حُزن الرجال؟ . . وَيلكُم من الله قتلتونا! قتلتونا بتلك القناعات والقواعد التي أضنتنا، قتلتونا بكبرياء الرجل الشرقي وصلابته، قتلتونا بكبتنا وما أقسى الكبت حين يسكن صدرًا كصدري الذي شاخ بوجعه.
غطّى عينيه بإحدى كفيهِ وهو يُحاول إسكان وجع صدرهِ كي لا يئنَ والأنين يسكن محجريهِ اللتين تفجرتا الآن كعينٍ معطاء، تفجرتا أمام سُهى التي وجدت نفسها فجأةً تبكي معه وحُزنه صعبٌ إلى حدٍ " يُبكي الحجر ".
همست بغصة : أدهم حبيبي ...
قاطعها بصوتٍ مُتحشرجٍ ببكائه : تكفين اطلعي واتركيني بحالي
سهى : بس ...
قاطعها مرةً أخرى برجاء : تكفييين
ازدردت ريقها عند كلمته تلك، عند ضعف صوته الراجي الذي لم تعهده قبلًا . . وقفت وهي تمسح على ملامحها بكفها، ثمّ تحركت باتجاه الباب تنوي الخروج وهي تستودعه الله، إلا أنها توقف أمام الباب تُحاول تعديل صوتها الذي بُحّ : بس لعلمك يا أدهم ، زواج أمك وأبوك ما كان غلط وأنت منت شبه ولد غير شرعي مثل ما قالك عبدالله أكيد ومثل ما كان يقول قبل . . مين قال إنّ زواج العرف حرام؟ دامه استوفى الشروط كاملة فهو صح والعرف مجرد مسمى بس! . . * استدارت إليه لتنظر لظهرهِ المُوجّهِ إليها * مجرّد إن الزواج ما كان مُشهّر ولا مسجّل ما يعطيك الحق تحرمه وتقول عن أمك اللي قلته قبل شوي! خاف ربك يا أدهم ... خاف ربك هذي أمك
لفظت بكلماتها تلك بحرارةٍ وصوتٍ اختنق بانفعالها، ومن ثمّ خرجت دون أن تترك المجال قليلًا ليفكر حتى بالرد.
,
نظرت إليْه فاغرةً فاهها بعد ما قاله وأمرهِ ذاك، عباءتها استقرت على حُجرها بعد أن رماها عليها، ونظراتها تعلّقت بملامحه الغاضبة والتي كساها الشك . . كيف أمكنه الشكُّ أن يصل إليه بهذه السرعة؟ هل هي غبيةٌ لهذا الحد حتى توضح له؟
هتف بقوّةٍ حين لحظ سكُونها : يلا امشي قدامي أشوف
ازدردت ريقها دون أن تتحرك، ومعدتها التوَت من شدّة خوفها عند نظراته تلك وتنبؤاتِها لما سيحدث مستقبلًا عبر تلك النظرات، بالتأكيد قد يتهوّر إن علِم، قد يتسبب بموت ابنهما الذي لم يخُض في التكّونِ بعد!!
اتسعت عيناها عند تلك الفكرة وقلبها بدأ ينقبض بشدة، غير ممكن! لن تسمح لذلك بالحدوث ولن تُهدي للموتِ مجالًا ليصل ابنها الذي لم تفرح بهِ بعد، ستكُون الأم المُدافعة بكل ضراوةٍ عن طفلها، ستكُون اللبوةَ المتوحشة إن اقترب أحد من صغيرها حتى وإن كان هذا الشخص هو أسدها!!
ارتعشت أطرافها قليلًا قبل أن تشدّ على أسنانها وهي تُحاول تثبيط عزم الأدرينالين الذي اندفع بخوفها ذاك واضطرابها في جسدها، تُحاول جاهدةً السيطرة على أعصابِها لتبدو قويّةً واثقةَ اللسان والعبارات.
رفعت أنفها قليلًا لتهتف بجمود : بكل يوم تثبت ساديتك أكثر وأكثر
زمّ شفتيه بقوةٍ وفكرة امكانية استغفال ديما له بهذه البشاعة تُثيره بالجنون، حتى بثينة لم تكُن لتتجرأ على فعل ذلك وهي الأشد تمردًا، فهل تفعلها ديما الوديعة؟؟ . . لم يستطع السيطرة على نفسه وهو يقترب منها مُمسكًا بزندها ليشدها إليه قليلًا إلى أن جلست على ركبتيها فوق السرير، وبجنون : قلت لك البسي عبايتك وامشي قدامي . . اتركي عنك البربرة اللي مالها داعي
شُدّت ملامحها بقهرٍ وقوةٌ لا تعلم من أين تجيئُها تُدفع في جسدها بإصرار الأم الخائفة على ابنٍ لها ذهب يُجاهد في أراضٍ استحلها العدو، كأمٍ تعمل وتتعب وهي ترى أطفالها جياع، كأمٍ تسهر الليالي حين يكُون أحد أطفالها تعِبًا . . هي في النهاية أم، في كل الأحوال هي أمٌ وإن كانت أمًا لطفلٍ لم يجئ بعد، لم يتكوّن حتى الآن، لم يرفسها في رحمها ولم يحن وقت مُخاضها بهِ بعد، لكنّ مجرد التفكير بأنّها تحمل علقةً لم يُنفخ فيها الروح تستثير الأمومةَ فيها، تستثير الحُب والشغف الذي انتظرته ثلاث سنينَ وهاهو يشقّ الطريق حتى يجيء ويتحقق.
سحبت زندها من بين قبضته، ثمّ نظرت في عينيه بشدّةٍ لتهتف من بين أسنانها : تراك تغلط غلطة كبيرة يا سيف . . تغلط غلطة ما ظني بغفر لك بعدها
بلل شفتيه وهو يتراجع قليلًا، وصدره تحشرج بأنفاسه التي اضطربت مع اضطراب تفكيره : أنتِ اللي تجبريني على هالأسلوب
لوَت فمها : يا سلام! تراك مصدّق دور السلطان والجارية المحكوم عليها بالعبودية! . . * أعتمت ملامحها لتُردف بجمود * لا تخليني أكرهك يا سيف
رفعَ كفّهُ ليضغط بإبهامه وسبابته على صدغِه، واحتمال أن تكرهه يضغط على قلبهِ بقسوةٍ وهو الذي كان يثق سابقًا أنّها لن تفعل! لن تقوى على كرهه لكنّ تلك الثقة تزعزت فجأة! تزعزت عند شعوره بابتعادها عنه في هذهِ الفترةِ الوجيزة. ما الذي حدث لتبتعد عنه؟ ما الذي تبدّل حتى تُصنع تلك المسافة بينهما؟ منذ البداية وهذا هو نفسهُ وتلك علاقتهما، فما الذي تغيّر حتى تبتعد؟ كانا قريبيْن منذ البداية، كان يشعر بها فيهِ حتى مع حُزنها وجُرحها منه، لكنّ هناك ما حدث الآن لتنسلخ منه وتُصبح بجوارهِ فقط وليس فيه!
أغمض عينيْهِ بقوةٍ وهو يزفر بحرارةٍ مُحاولًا تهدئـة ثورة غضبه، ليهتف بخفوتٍ حاد : مسويّة شيء من وراي يا ديما؟
ديما بجمودٍ بَرُعَت في التسلّحِ به : شيء مثل أيش؟
فتَح عينيه لينظر إليها بنظراتٍ لا تفسير لها، ثمّ بصوتٍ حادٍ وهو يشدّ على أسنانه : والله والله يا ديما لو أدري إنّك مسوّية شيء من وراي عشان تحملين ما تلومين إلّا حالك
نظرت إليْه ببرودٍ وقلبها بين أضلعها يصرخُ بانقباضاته، كان رُغمًا عنها أن تشعر بالخوف من تهديده هذا لترتعش فقراتها، إلا أن ملامحها فضّلت الإنصياع لما تُريد بعيدًا عن " رُغمًا عن " لتبدو ساكنةً جامدة وكأن تهديده هذا لا يعنيها ولم يكُن موجهًا لها.
أمالت رأسها قليلًا وهي تنظر لملامحه الحادة، ثمّ بثقةٍ وهدوءٍ يتعاكسان مع خلجاتها الداخلية : تبي تشيّك على الحبوب بعد شيّك! روح تأكد إذا بعدها مثل ماهي آخر مرة أو نقصت
لفظت ما لفظت بكل ثقةٍ كلامية لأنها تُدرك جيدًا ما تقول! فهي حتى وإن لم تعد تستعمل تلك الحبوب إلا أنها مُنتظمةٌ في إزالةِ قُرصٍ في كل يوم.
نظر إلى عينيها الغريبة عنه نظرتها، بملامح تشنّجت وهو يبحث عن ديما التي اعتاد بعيدًا عن هذا الجمود، عن هذا التمرد الذي لا يليق بها، عن هذه الملامح التي لم تكُن يومًا ملامح ديما المُسترخيةِ بوداعةٍ وجاذبيةٍ لا تليق إلا بها . . أين ذهبت عنها؟ أين ذهبت ديما عمن أمامه الآن؟ عن هذهِ الإنسانة التي لا يعرفها ولم يلتق بها من قبل!
ارتخت ملامحه وهو يتأمل عينيها بغُربة، إنّ في عينيها شيئًا لم يكُن يومًا في حناياها، شيئًا لم يعُد يلقى فيه ملاذه كما السابق! عينيها الآن كطريقٍ هو فيه عابر سبيلٍ لا غير!
لا تكوني كذلك! لا تغتربِي عني وأنتِ الهويـةُ التي ينقسم عندها كلّ البلدان، أنتِ النهايـةُ التي لم يكُن بعدها شيءٌ والبدايةُ التي قُمع قبلها كل شيء، أنتِ الأشياءُ من الشيءِ والوجود من كل الوجود.
لا تُدركين يا ديما أنّ عينيكِ ملاذٌ آمنٌ كل رجائي ألّا يُبدّل بأرضٍ مُغطاة بالدم! كلّ رجائي ألّا تصيرا يومًا مجرّد دربٍ سأتجاوزه دون أي أثر، وأنتِ التي لم تكُن يومًا مجرد عثرةٍ نهضت منها، أنتِ الإنحناءُ الذي سكن بين حاجبيكِ لأسقط فيه وأنسى النهوض، أنتِ الغرورُ الذي نطَقت بهِ عيناكِ وأنا صريعُه! أنا البدايةُ التي بدأتِ منها والنهاية التي توقفتِ عندها ولن يكُون هناك غير ذلك، تُدركين كما أدركُ أن الشمس تشرق من المشرق، لم تشرق من المغربِ ذات يومٍ فكيف عساكِ تشرقين من الغُربةِ وأنا شرقُكِ وهويتكِ التي لن تتخلي عنها يومًا.
انساب صوتها البارد إلى أذنيه ليكُون الصقيع الذي جعل كل خلاياه ترتعش، جعل مسامعه تنتفضُ بمُناجاةٍ لصوتها الذي كان يشغرُ خطّ الإستواء! : أجيب الحبوب عشان تشوفها وتتأكد؟
عضّ شفته بقوّةٍ وهو يندفع إليها بانفعالٍ جعل ملامحها تتبدّل لتتراجع هذه المرة وقد سكن بعض الذعر عينيها، وفي غُمرة ظنّها أن جنونهُ طفا على عقله وقد يُجرم بها الآن كان لجسدهِ رأيٌ آخر حين عانقها بقوّة.
اتسعت عيناها بتوترٍ وهي تشعر بإحدى كفيه على مؤخرةِ رأسها يدفن ملامحها في كتفه، وأنفاسها اصتدمت بهِ حارّةً لتُضاعف حرارةَ صدرهِ الذي نبض بين أضلُعه فؤادٌ كان يصرخ بها هي فقط.
همس لها بجنونٍ وهو يشدّها إليه أكثر : ما أبي أشوف شيء غير عيونك . . بس عيونك!
فغرت فاهها وهي تشعر بالتناقض الذي يسكنه انتقل إليها تلقائيًا لتضعف عند صوتِه، في لحظةٍ هاهو يتبدّل لتتبدّل معه هي! وهو المُتحكم بكامل شخصِها ما إن تسكن ضلعه! هي الضعيفةُ إليْه في ساعاتٍ غلَّفت القوة وطوته بعيدًا، لم يعلم يومًا ولم يدرِك أنّه الشّق الذي يجتمع فيه الماءُ الدافئ والبارد، التقاءُ بحريْن واحدٌ منهما استوائيٌ والآخر قطبي، يجي في لحظةٍ وقد غلب برده، ولحظةٌ أخرى يكُون فيها دافئًا يتخلخل مساماتها ليُنعشها.
رفع رأسها ليوجّه ملامحها إليه، يتأمل عينيها باحثًا عن ملاذهِ ونظرتها الوديعة التي يعشق، الجاذبية التي تمركزت بحدقتيها وانسلخت عن مركز الكُرةِ الأرضية، محور التناقضات التي أقرّ بهِ وهو الآن يشهد ما أراد وما اعتاد عليه، يشهد التماع عينيها الجميلتين بعيدًا عن تلك الغُربة.
ابتسم بحنانٍ وهو يقترب منها مُقبّلًا عينها اليُسرى ومن ثمّ اليُمنى التي أطال في تقبيلها ليسكنها دائمًا وأبدًا.
,
على سريرها تَمدد جسدها النحيل ورأسها اتجه للأعلى بصورةٍ يستطيل بها عنقها حتى يدخلها الأكسجين بأريحية، ما زال صدرها يرتفع ويهبط حتى يدخله الأكسجين الطبيعي بضراوةٍ بعيدًا عن الأكسجين الذي بخّته لها أمها قبل ثوانٍ.
والعيون حين يتحشرج الصدر تُشاركه تلقائيًا في حُزنه وخيباته، هناك علاقةٌ وطيدة بين كل عضوٍ وآخر في الجسد، فدائمًا حين يتألم قلبها تبكي عيناها، وحين تبكي عيناها يرتعش جسدها!
سمعت صوت أمها ينبعث إلى أذنيها بقلق : خلاص نامي حبيبتي ولا تتعبين نفسك أكثر
اتجهت عيناها إلى عينيها بضعفٍ والحياةُ مسلوبةٌ منهما، شعرت أن صوتها جُفّ بدرجةٍ ستجعل منه عاملَ احتكاكٍ في حنجرتها فتُجرح! لذا أومأت برأسها فقط لتبتسم أمها وتمسح على خصلات شعرها الخفيفة قبل أن تتحرك مُغادرةً الغرفة.
أغمضت عينيها بقوّةٍ وهي تعود لتوجيه ملامحها للأعلى، تتعلق بسقف التأمل الخاص بمرضى النفوس، بالطبع هي مريضة! تدرك ذلك كما لم يدرك غيرها، مريضةٌ هي بحبٍ تجاوز مرحلة الحُب وبات جوى وإدمانًا ترتجعه كلما حانت منها لحظةُ حزنٍ واكتئاب، كلما حانت منها لحظة خيانةٍ يوخز بهِ قلبها!
تصاعد صوت رنين هاتفها فجأةً لتنتفض وتفتح عينيها وقد كان صوته هو الحبل الذي أنتشلها من بئر أفكارها.
تناولت الهاتف الذي كان قابعًا على الكومدينة لتتحشرج أنفاسها ما إن رأت ( ش ) يتجلى في شاشة الهاتف.
,
استقر الهاتف بجانب أذنه اليُسرى والرنين مازال مُستمرًا، ينتظر وصول صوتها إليْه بعد أن كان هناك ما يُحفّزه منذ نصف ساعةٍ على الإتصال بها، جزءٌ منه كان قلقًا عليها ويأمره بكل ضراوةٍ أن يطمئن عليها ليطمئن قلبه ويسكن قلقه الذي بزُغ من حيث لا يعلم، والقمر لا يبزغ إلا حين يحلّ الظلام!
انتظر لثوانٍ وحاجبيه ينعقدان لتأخر وصول صوتها إليه، بالرغم من كونه قد اعتاد على هذا التأخير إلا أن وطأه الآن كان أشدَّ وكأن جبلًا ما يعلو صدره، كأن الأرض بأكملها ركلته عنها ومن ثمّ اعتلته ليشعر بكلّ هذا الضيق الذي زاوله ولم يرحل ولن يرحل إلا إن سمع صوتها.
وأنا الذي زاولته الحياة حين لمحت - عيناكِ، فلا تكوني سببًا في مزاولة الضيقِ لي لغياب صوتِك عن مسمعي.
من الجهة الأخرى، نظرت لرقمه لثوانٍ طالت وهي تنتظر سكون الهاتف، بشفتين جفّتا وانفرجتا حتى يدخلها الهواء، بعينين تستذكران صورته وأذناها يتكرر صدى صوتهِ فيهما، بكلّ ما أمرها بهِ في خيالٍ وبكل ما أراد، كيف عساها تكُون الممحاة التي تمسح صوته وصورتـه بهذه السرعة؟ كيف سيمكنها هدمُ صداه والصدى في الوادي العميق لا يغيب بسرعة؟ وهي الوادي التي آوت صوته ليتردد بصداه دون توقف، هي الكاميرا الرقمية التي صوّرت خياله حين زاولها ولن تُمسح هذه الصورة من ذاكرتها ولو تبللت بماء البحار والمحيطات المالحة، لن ينجلي الصوت ولا الصورة بماءِ غيثٍ والشمسُ سكنت فوق رأسها وانقشت كل الغيوم، تلاشت الرياح التي قد تُحرّك غيمةً ما مُحملةً بماءٍ تبخّر وثقل عن استطاعتها.
سكن صوتُ هاتفها فجأة، لترتسم ابتسامةُ سخريةٍ على شفتيها . . مالي ومال الفُرصِ في الحياة وأنا التي جففها سديم الحب؟ مالي ومال الدُنيا وأنا المعلقة بسقف الأموات أناجي أحدهم؟ بصوتٍ رفيعِ الجفاف ضيّق المسام، بصوتٍ خالَ الإنخفاض أسلوبًا للإقناع حتى يجيء طيفٌ اندثر! إلهي كيف تمكّن منها هذا الضعف الإيماني إلى هذا الحد؟ كيف تمكّنت منها الحياة وملذةٌ واحدة تجسّدت بإنسانٍ جعل الإيمان عندها ضعيفٌ بدرجةٍ مُخزية . . هل يكفر الإنسان حين يتعلق بميت؟ هل يُصيبه الكفر بالقضاءِ والقدر ليخرج من دائرة الإسلام؟
عضّت شفتيها وروحها تلتوي بنارٍ اندلعت في أرجائـها، تستغفر بهمسٍ وهي تُغمض عينيها بلوعةِ الجوَى والهيام، لتتأوه أخيرًا ما إن سمعت صوت الهاتف يعود للرنين، ودونَ أن تفتح عينيها وتتأكد من المُتصل رفضت المكالمة دون تفكيرٍ بأي عاقبة.
اذهب، اذهب واتركني رجاءً، ليس هذا هو الوقت المناسب، لا أُريد أن أنفجر لأنسفك أنت وأنا القنبلةُ الموقوتة التي شارفت على الإنفجار، شارفت على تدمير أحدٍ ما ولن أسمح بأن يكُون هذا الأحد هو أنت! لن أسمح لنفسي بجرحك بدرجةٍ أُدرك أنها لا تليق بإمرأةٍ جرّبت ما معنى التعلق بآخر. فلأنفجر مع نفسي، دعني أنفجر بنفسي وعليها! بعيدًا عن بشرٍ لا أؤذيهم . . دعني الآن وحيدةً أختلي بذاتي وصوت مؤشر القنبلة رفيقٌ لي، يُخبرني بميعاد تفجيري، بالوقت الذي سأُفرّغ فيه ما بداخلي، وكلّ رجائي ألّا يطول هذا الوقت.
من الجهةِ الأخرى، وضع الهاتف أمام عينيه وقد تصلّبت ملامحه وبردت نظراته فجأة بعد ما فعلته، عينيه مُتجهتان لشاشة الهاتف التي أُعتمت ليظهر إنعكاس ملامحه التي غطّتها صلابةُ غضبه في هذه الأثناء!
انطفأ قلقه عليها وانطفأت رغبته في سماع صوتها، وكم من مرةٍ اتّصل بها ولم ترد، إلا أنّه في كل المرات لم يشعر بما شعر به الآن، بهذا الغضب والقهر لتجاهلها إياه بعد كل تلك الدقائق التي كان فيها يفكّر بها وقلبه يُناجي الإطمئنان عليها، يناجي سماعَ صوتٍ طبيعيٍ هادئٍ لا آفة به. إلّا أنها في النهاية كانت بخير! وهو الوحيد الذي لم يعد كذلك!!
عضّ شفته بقوّةٍ وهو يرمي الهاتف على سريره بغضب، ثم هتف من بين أسنانه بوعيد : صابر عليك . . صابر يا أسيل بس لكل صبر حدود!!
,
التاسعة بتوقيت بروكسيل
فتحت عينيها ببطءٍ لتهاجمها تشوّش الرؤيا، والإستيعاب الذي كان مُغادرًا انتظر قليلًا قبل أن يأتيها، وقد كانت الثواني التي ظلّت بها ساكنةً دون استيعابٍ كافيةً حتى يزول تشوّش الرؤيا وتصتدم عيناها ببياض الجدران. قطّبت جبينها ورأسها يصرخ بصداعه، أين هي؟
رفعت كفها اليُمنى لتضغط بظاهره على جبينها وهي تتأوه من صداعها وثقل رأسها، وخلال ثانيتين فقط، كانت عيناها تتسعان بقوّةٍ وعقلها يتذكر كل ما حدث في الساعات الماضيات، شهقت بعنفٍ وهي تجلس متجاهلةً ألم رأسها، ثمّ بدأت بالتلفت هنا وهناك تنظر لأرجاء الغرفة بعينين ذهب بريقهما، لا أحد هنا! ماذا يعني ذلك؟
عضّت شفتيها اللتين ارتعشا وهي تتذكر كلمات تلك الممرضة، ربما كانت تحلم، ربما كان كل ما حدث من خيال عقلها فقط . . نظرت لساعة معصمها بسرعةٍ لتشاهدها وقد عانقت التاسعة، انتهت عمليته منذ ساعةٍ وذاك التأخير الذي كان وما تبعه من كلام تلك الممرضة لم يكُن سوى حلمًا، بالتأكيد سيكون والدها الآن في غرفتهِ نائمًا بعد تلك العملية الناجحة. ابتسمت لأفكارها وشفتيها ترتعشان، أجل ناجحة، لقد نجحت وسيعود للمشي من جديد.
وقفت بوهنٍ والضعف يُرسل موجاتهُ في خلاياها، لم تستطع الوقوف لثلاث ثوانٍ لتسقط أخيرًا جالسةً على السرير تقبض على مفرشهِ بضعفٍ وهي تُغمض عينيها قهرًا، يجب عليها أن تتحرك وتخرج كي تتجه لغرفةِ والدها وتتفقده، بالتأكيد سيكون مازال نائمًا أو ربما واعيًا وعينيه تبتسمان بسعادة . . ابتسمت لتلك الفكرةِ وعيناها تلتمعان بفرح، وما إن شحذت نفسها بالقوّةِ عن طريق تلك الأفكار ووقفت حتى فُتح الباب.
وجّهت نظراتها لمن فتح الباب لتتيبّس وعيناها توسّعتا بصدمة.
,
الحادية عشرة بتوقيت السعودية
كان مُنشغلًا في حاسوبهِ حين تصاعد رنين الهاتف الأرضي الذي كان على طاولةِ المكتب بجانب حاسوبه، تناول السماعة دون أن يرفع نظراته عن شاشة الحاسوب، ليصل إليه صوتُ الآخر هاتفًا باحترام : استاذ سلمان
قاطعه سلمان بعجله : أي موضوع تبيني فيه أجله لبعدين أنا حاليًا مشغول
أعاد السماعة لمكانها دون أن يترك للآخر مجالًا ليتحدث، ثم عاد للغرق في أعماله.
لم تكد تمرّ خمس دقائق منذ أغلق، حتى تفاجئ بمن يفتح الباب دون استئذانٍ ليرفع نظراتٍ حادةٍ وقد كان أمر الحراس من قبل بمنع أي أحد من الدخول إليْه في غمرةِ عمله.
تحوّلت نظراته من حدّةٍ إلى صدمة في لحظةٍ واحدة وهو يرى أحمد يدخل مكتبه مُترنحًا بثقلٍ غير طبيعي.
هتف بصدمة : أحمد؟؟
أحمد بثقل لسانه وهو يقترب منه بترنحٍ وغيابِ وعي : المفروض تسمح لي أدخل بيتك بدون أذن . . ليه حتى أنا صديقك مو مسموح لي أدخل؟
عقدَ حاجبيه بحنقٍ وهو يربط بين كلماته المُتقطعة، تصاعدت وتيرةُ حدّتهِ وهو ينظر إليه بتقزز، كم مرةً أمره بعدم المجيء إليْه بهذه الحالة؟ وكم مرةً قال له ألا يشرب في تواجده.
هتف سلمان بحدةٍ وهو يضوّق عينيه بقرف : الله يقرفك! أنت شايف شكلك عشان تجيني؟
توقف أحمد أمام المكتب مباشرةً ليضربه بقبضتيهِ وجسده يتمايل يمينًا ويسارًا، ثمّ بصوتٍ عالٍ مُتقطع : لييييه ليييييييييه؟ حتى أنت ما تبي تكلمني؟
عضّ سلمان طرف شفتهِ وهو يهزّ رأسه يمينًا ويسارًا بأسى، ثمّ وقف ليتحرّك مُتجهًا إليه : وبعدين شلون دخلت وأنا قايل محد يدخل بدون أذن؟ ناوي تفضحنا عند العالم أنت؟
أحمد بضحكةٍ مُتقطعة : ومين حضرتك وزير والا أمير والا أيش؟
أتبع جملته الساخرة تلك بضحكةٍ أقوى ليرفع سلمان إحدى حاجبيه بازدراء، ثم تأفأف بعد ذلك وهو يرفع إحدى كفيه ماسحًا على جبينه يُحاول لملمة أعصابه التي لطالما كانت تُفقد عند استهتار أحمد في موضوع لا يقبل النقاش لديه.
رفع نظراته إليه ليهتف بقوّة : شوف أحمد . . مع إنّي عارف إنك منت معاي بس خلني أتكلم، ولو إنّ الموضوع مقرفني بس بطلّعك في غرفة تنام فيها أو تتسبح عشان تصحصح وتبدّل هالريحة المقرفة اللي فيك .....
قاطعه أحمد الذي ترنّح ليسقط على إحدى الأرائك الجلديةِ الفاخرة وهو يرفع كفّه اليُمنى ويلوّح بها دون مبالاة : لا .. لا . . ما ودي أنام ولا أتسبح، تعال تعال خلنا نحكي شوي
تعوّذ سلمان من الشيطان وهو يمسح على ملامحه قابضًا ذاته كي لا يطرده الآن ويرميه خارجًا.
أردف أحمد وهو يطوّح برأسه للخلف، بصوتٍ ساخرٍ يحمل الكثير من البغض : لما أتصل عليها ما ترد . . بنت الكلب تمرّدت من راحت بيت الكلب الثاني وصارت تحتمي فيه * ضحك بسخريةٍ ليُكمل * سألتها يوم دخلت جناحه وهو طالع لا تكونين تحبينه؟ بس ما ردت علي
ارتفع حاجبي سلمان دون فهمٍ لحديثه، إلا أن عينيه برقتا في لحظةٍ وهو يقترب منه هاتفًا بهدوءٍ حذر : مين تقصد؟
أحمد : ميييين غيرها غزل الملعونة ومعاها التيس الثاني سلطان
تقطّبت ملامحه للحظةٍ وهو يقف أمامه، ودون أن يتحدث بشيءٍ أو يعلّق على شتائمه ترَكه يُكمل مافي جعبته : أبيها تفيدني بس هالحمارة شلون تفهم؟ لا عقل ولا شخصية بس فالحة بالفضايح ومصاحبة الرجاجيل
نفخَ بقوّةٍ وهو ينهض عن الأريكة، كاد يسقط إلّا أنه اتكأ على سطح المكتب وهو يهتف بثقلٍ مُغلقًا إحدى عينيه : خلاص بنام . . وين هذيك الغرفة اللي تكلمت عنها
لم ينبس سلمان بشيءٍ وملامحه مُتصلّبةٌ بجمود، تحرّك باتجاه المكتب وهو يأمر أحمد باتباعه ليلحقه الآخر بتعثر.
,
رمى أوراقه وابتسامةُ النصر تتجلى على شفتيه، نفخ صدره وهو يهتف بثقلِ الكِبر الذي سطع على عينيه : ربحت
زمّ الآخر شفتيه وهو يتأفأف بحنق، ثم أزاح كومة الأوراق النقدية إلى سند الذي وضعَ قدمًا على أخرى وهو يبتسم بلؤم : لعبة ثانية؟
الآخر بتكشيرةِ الحنق الذي نفض بهِ نظراته عنه : لا شكرًا اكتفيت اليوم
نهض عن مقعده ليتحرك مبتعدًا بينما ثبت سند في مكانه وابتسامته لازالت مُرتسمةً على شفتيه، هاقد كسب اليوم بضعةَ آلافٍ وما إن يخرج من هنا سيتجه إلى أقرب محلٍ ليشتري شيئًا لأمه يُسعدها بهِ ويعيدها كما كانت غير رسميةً معه منذ ما حدث آخر مرة.
احتدّت نظراته وأعتمت عيناه وصورة شاهين في ذاك اليوم تتجلى أمامه، لم يرهُ بعد ذاك اليوم وجهًا لوجه، لكنْ يكفي أنّه يراه في نظرات أمه الحزينة، في حدقتيها العاتبتين عليْه، في جفائها معه، يكفي أنّ صدره يتحشرج حين يتحدث معها وتردّ ببرودٍ والسبب كلّه على عاتق ذاك الـ ....
لم يسمع المتحدثين إليه ممن حوله بعد أن ربح وهو يعضّ شفته بغضبٍ ناهضًا وعيناه تشتعلان بنارٍ هوجاء، كان ينوي أخذ ما ربحه والخروج إلا أنّه توقف وهو يرى رجلًا يقف أمامه.
رفعَ إحدى حاجبيه مُستنكرًا لوقوفه أمامه وما بينهما ليس إلا خطوةً واحدة، النظارة الشمسية كانت تُغطي عينيه في هذا الوقتِ من الليل، يتلثم بشماغهِ وهذه الهيئة المُثيرة للشكّ جعلته يُعيد إحدى قدميه للخلف وهو يرمقه بحذر.
سند بحذر : تبي شيء؟
الرجل بصوتٍ رخيم : الأخ سند؟
سند بذات النبرةِ الحذرة : وصلت
,
للتو غادر سلطان مع زوجته، ودّعه عند الباب مع أمه وغيداء وهو يرسم ابتسامةً هادئة سرعان ما اختفت لتحلّ محلها الجديةُ والوجوم وهو يستدير بعد أن غاب سلطان عن عينيه، تحرّك مُتجهًا لعتبات الدرج ينوي الصعود لغرفته والإختلاء بنفسه قليلًا، إلا أن صوت أمه أوقفه : ودك تنام؟
أومأ دون أن ينظر إليها : أيوا وراي شغل بكره
تابع خطواته إلى غرفته، وعقله الذي كان منذ ساعاتٍ يسبح مُجاريًا تيّار تلك الأفكار يُحاول التركيز والتغاضي قليلًا عن تلك الرسائل التي قرأها حتى يذهب سلطان، هاهو الآن يعود للغرق هذهِ المرة في أفكاره دون محاولةِ السباحة أو التعلق بطوف نجاة.
وصل إلى غرفته أخيرًا، ثم اتجه لسريره ليرمي بجسدهِ عليْهِ ودونَ مقدماتٍ اتجه للأرقام التي دوّنها في هاتفه وتلك الرسالتين كانت قد غُرست في عقله وتشعّبت جذورها لتبقى مُلتصقةً بهِ ولا ينساها.
الأولى " ست "، والثانية " بين الواحد والأربعة "!!
عضّ زاويةَ فمهِ ليبدأ بالكتابة في محرك البحث " قوقل " حتى يتأكد لأي دولةٍ تعود تلك الأرقام، لن يهدأ لهُ بالٌ حتى يفهم ما تلك الرسائل التي تصل سلطان ولماذا؟ لماذا هو تحديدًا ولمَ في هذا الوقت الذي تشبّع بالإحتكاكِ وشرارةٌ يخشى أن تشتعل؟؟
بحث عن مفتاح الرقم الأول، ليظهر له أخيرًا أنها من إحدى دول جنوب إفريقيًا، ثمّ اتجه ليتأكد من الرقم الثاني والذي كان يُدرك مسبقًا أنها من دولةٍ أخرى، إلا أنّه رفعَ حاجبيه مستنكرًا حين وجد أنها من إحدى الدول الأوربية.
كان يتوقع أن تكون من مصر أو السودان أو المغرب أو أي دولةٍ إفريقية بعد الأولى، لكن أن تكُون من قارتين مختلفتين! . . ماذا يعني ذلك؟؟؟!!
لم يطل في التفكير، بل اتجه مباشرةً ليتصل بأصحاب الرقمين أو على الأحرى صاحب الرقمين، اتصل أولًا بالرقم الأول ليجد بدلًا عن الرنين كلامًا لم يفهمه، حينها حزر أن يكُون الرقم لم يعد متواجدًا أو مغلقًا، لذا توجّه للرقم الآخر والذي فهم من اللغة الإنجليزية أنه لم يعد متوفرًا!!
لوى فمه وهو يرمي الهاتف جانبًا ويتأفأف مُغمضًا عينيه، وبكفهِ مسح على ملامحه وهو يهمس بكبت : وش يعني كل هالشيء؟ . . معقولة يكون له علاقة موت أبوي فهد؟؟
أنزل كفهُ عن ملامحه وعيناه تتجمدان على الفراغ، بالتأكيد، أن تظهر هاتين الرسالتين وهذين الرقمين في وقتٍ انسلخ منه الهدوء ليعجّ بالفوضى فهذا بالتأكيد كارثة تعلّقت بالكارثة التي وقعت قبل خمسة عشر عامًا! من الذي يعبث مع سلطان الآن؟ يُدرك جيدًا أنه ليس سلمان، إذن من هو؟؟
,
تخطى عتبات الدرج نزولًا بهدوءٍ وملامح ساكنة، كيف يُمكن لوردةٍ سكنها الجفاف أن تعود للحياةِ حين ترتوي بعينين فقط؟ عينين كعيني فراشته التي مازالت في الأعلى لم توافق على النزول معه، هل قال مرةً أن الحياة تبتدئ منها وتنتهي عندها؟ ربما قال ونسي من شدةِ الفتنة! والفتنة حين تتجسّد بامرأةٍ تُصيب الدنيا في معتقلها وتسحق الأرض من مركزها . . كل المخلوقات لا تنجذب لمركز الجاذبية في الأرض، فالجاذبية انسلخت عن قانون الكتلة وتمركزت في عينيها، باتَ قانون الجاذبية كالتالي، كلّما كانت الكتلةُ فاتنة كانت الجاذبيةُ أكبر، انتهى زمنُ الكتلةِ الأكبر والأصغر وأتى زمن الفتنةِ والمَقتل، إنّ عينيكِ قاتلتين حملا دمَ جاك السفاح في القرن التاسع عشر، وكلّ رجائي أن يتوقف سفكهما في دمي، في مجرى أوردتي بلذاذةٍ لا تقبل التنصيف.
ابتسم وهو يرى زياد قد شارف على النوم في حضن جدتـه، حينها اقترب منه ليهتف بخفوت : بتنام يا الذيب؟
أومأ زياد وهو يفرك عينيه، حينها أمره سيف بالنهوض وتتبعه ليأخذه لغرفةِ والدته التي أرادت أن ينام عندها، وما إن تمدد جسدهُ الصغير على السرير حتى بدأ سيف بالعبث بخصلات شعره اللولبية ليُغمض زياد عينيه دون أن يسكن لسانه.
سأله ببراءة : أجهز شنطتي عشان نسافر مع ماما في الإجازة؟
تجمّدت كفهُ للحظةٍ بين خصلات شعره، وزفرةٌ ساخنةٌ تسللت من بين شفتيه شاركتها عيناه حرارتها بمدى الحُزن الذي تجلى في حدقتيه، وهاهو الشعور بالعجز يعود ليُزاوله ويمحق راحته عن بكرة أبيها، هاهو العجز الأبوي الذي شعر بهِ منذ ساعاتٍ وهو يُحدثه يعود ليلسعه بنارِ قسوتها.
همس زياد حين تأخر سيف عن الإجابةِ وهو مُغمض العينين : بابا
أغمض سيف عينيه لثانيتين وهو يعضّ طرف شفته : يا عيون بابا . . * اجتذب الأكسجين إلى رئتيه ليُردف بابتسامةٍ مُهتزة * خلاص حبيبي مو الحين، شوف الإجازة متى بعدها مطولة
فتح زياد عينيه لينظر إليْه بلهفةٍ طفولية أرهقته، ومن ثمّ أومأ بصمتٍ مُبتسمًا ليعود لإغلاق عينيه مُحاولًا النوم.
مكث عنده لدقائق حتى نام، وعيناه تتأملان ملامحه الساكنة بنومه بحزنٍ لتُشاركه كفّه التي تُمشّط خصلات شعره بهدوء . . تنهد بكبت، ثمّ نهض مُتجهًا للباب ينوي الخروج بعد أن أطفأ الأنوار ثمّ عدّل التكييف.
في الأسفل.
تخطّى العتبات نزولًا وهو يزفر مرارًا ومرارًا لافظًا جزيئات الهواء التي ثقُلت بالشحنات السلبية دون الإيجابية حتى لا تعتدل، في حين كانت أمه لازالت حتى الآن جالسةً في مكانها تنظر لملامحه التي غلّفها الوجوم والضيق، وما إن اقترب منها وجلس حتى سألته بهدوءٍ قبل أن يبدأ بالحديث : متضايق عشان زياد؟
رفع سيف نظراته الواهنة إليها وهو يتنهد بكبت، لم يرد عليها للحظاتٍ وهي تقرأ كل تعبيراتهِ التي تترسب على ملامحه في هذه الأثناء.
هتف بخفوت : ما اقدر أسوي له شيء! حاس نفسي عاجز وواقف بينه وبين أحلامه . . * ضوّق عينيه بألم * طلبه صعب ، والله صعب
صمتت للحظاتٍ دون أن تنبس ببنت شفة، وصمتها كان الهدوء الذي سبق العاصفة، تلك العاصفة التي تمثّلت فيما نطقت به بعد لحظات : طيب ليه ما ترجع بثينة؟
,
نظرت بصدمةٍ للبابِ الذي فُتح ليظهر من خلفهِ هيثم مُبتسمًا بلؤمٍ ومكر، وعيناها اتسعتا ليذهب كل بريقٍ مُتأملٍ ويحلّ محلّها الذعر . . ما الذي يفعله هنا؟ هي لم تكد تبدأ تغفل عما حدث سابقًا وتحاول التناسي ليأتي الآن بكل بجاحةٍ ويعودَ كسَمومٍ تهب موسميًا!
أغلق الباب من خلفهِ لتتراجع للخلف وتصتدم بالسرير، تعلّقت حدقتيها بهِ وريقها يُبتلع ببطءٍ إلى حنجرتها علّه يمدّ جفافه بالرطوبة ولو قليلًا . . همست بتوتر : وش تبي بعد؟
هيثم بمكر : بس أحكي معك
عضّت شفتها بتوترٍ قبل أن تتهوّر وتصرخ، لتهتف بتحذير : هيثم روح وبلاش فضايح
لوى فمه وهو يرفع حاجبيه لؤمًا، وصدره ارتفع جاذبًا ذرّات الهواءِ النقية ليُحرر ثاني أكسيد الكربون من جسدهِ ويخرجه، وبصوتٍ خاوٍ كما ابتسامته الملتوية : مافيه فضايح يا ستّي . . غرفتك وطلبتهم يغيّروها وقت ما كان فارس عند أبوك، والناس من حولنا أقنعهم بكم كلمة تسكتهم وانتهينا
انقبض قلبها داخل أضلعها، ورعشةٌ سرَت في فقراتها كما يسري نذير الخطر في أذنها لتتمزّق طبلتها بحدتهِ في هذه اللحظات، قلّبت عيناها وهي تهمس بفتورٍ وضعف : وش ناوي عليه بعد؟ تعتدي علي وأنا بنت عمتك؟
تأتأ وهو يُعيد ظهره للخلف يسنده على الباب الأبيض كبياض الغُرفة الذي كان في تضادٍ معنويٍ مع قلبه المُشبع بالحقد في هذه الأثناء، وبازدراء : ما بنزل نفسي لمستواك . . وش تتوقعين بسوي فيك أنتِ؟
بللت شفتيها بارتباكٍ وهي تُريد الخروج من هذه الغرفة الخانقةِ بأيِّ طريقةٍ كانت : وخّر عن الباب
ارتفعت زاويةُ فمه للأعلى قليلًا ونظرةُ القسوة حلّت على حدقتيه : يكفيني أدمرك، مو ضروري أدمر مستقبلك كأنثي و العبرة في قوّة النتيجة . . لذلك شرايك نجرب نلعب شوي بالكلمات؟
.
.
.
انــتــهــى
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|