لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-12-14, 06:52 PM   المشاركة رقم: 211
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2014
العضوية: 265607
المشاركات: 229
الجنس أنثى
معدل التقييم: حنان الرزقي عضو على طريق الابداعحنان الرزقي عضو على طريق الابداعحنان الرزقي عضو على طريق الابداعحنان الرزقي عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 337

االدولة
البلدTunisia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حنان الرزقي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين

 

شكرا وفقك الله في امتحاناتك . ارى ان علاقة جيهان وفواز وشاهين و اسيل تتجه نحو المسار الصحيح والطبيعي في اي علاقة زوجية بل تتجه اكثر الى التفاهم والهدوء النسبي بعد الثورات السابقة وان كانت جيهان مازالت مصدومة من قبلة فواز فانهابالتاكيد سيكون لها دور في زعزعتها وتغيير بعض من افكارها وتصرفاتها بينما علاقة سيف وديما تشهد في المقابل تازما وديما قاربت ثورتها لذلك على سيف ان يجهز نفسه لذلك وهو الذي يظن نفسه يمتلك زمام الامور

 
 

 

عرض البوم صور حنان الرزقي  
قديم 20-12-14, 04:04 AM   المشاركة رقم: 212
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149639
المشاركات: 74
الجنس أنثى
معدل التقييم: ابنة الحظ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ابنة الحظ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين

 

الف مليون شكر على مجهودك الخرافي عزيزتي ، روعه الاسلوب ونقل مشاعر واحاسيس الابطال بشكل راقي ومعبر يصبرنا على قصر البارت ، فسلمت الايادي كيد ودمتي لنا ...

 
 

 

عرض البوم صور ابنة الحظ  
قديم 26-12-14, 12:17 AM   المشاركة رقم: 213
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين

 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم

صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية



في البداية راح أعلمكم بأن فيه شخصيات أساسية ماراح تظهر :( وهم سيف وديما وأسيل
وأي شخصية ما تشوفونها بالبارت ما يعني شيء كايد! ترى أنا ككاتبة تختلف رؤيتي للبارت وطوله وعمق أحداثه وشموله
أنا مثلًا أعتبر هالبارت متكامل وإن ما ظهرت إحدى الشخصيات
ظهور شخصية عن الثانية ما يعني إنها مهمة أو اني تعمدت ما أظهرها أو طول البارت ما أسعفني :/! بس فيه شيء اسمه زمن، وشيء اسمه تنظيم الأحداث ، فاهميني؟
بمعنى ما أقدر أتخطى الزمن اللي أنا فيه عشان أجيب شخصية معينة تحبونها!
وقد قريت مرة تعليق لقارئة في منتدى على رواية أنا أتابعها : " الكاتب هو اللي يعرف متى لازم يظهر شخصياته "
فخلوا هالجملة في بالكم لأنه صعب بكل مرة أقول لكم الشخصية ماراح تطلع فاعذروني
!

وبسم الله نبدأ
لا تلهيكم عن العبادات


قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !


(26)



قبل ساعات - العاشرةُ صباحًا
لتوهِ دخل المنزل، كان قد خرج بعد أن عاد من المسجد فجرًا ليجلس في البيتِ قليلًا ثمّ ينطلق مبتعدًا عنه، وقد كانت عودته في الأساس ليبحث عن عمته، لشيءٍ ما شعر بحاجتهِ لها الآن، شعرَ بحاجتهِ للحديثِ معها والبحث عن إجاباتِ الأسئلةِ التي تدورُ في رأسه، لكنه ما إن عاد حتى وجدها قد نامت بعد أن أدّت صلاتها، لذا خرج، خرج حين لم يجد من يُجيبه ليُمشّطَ الطرقات يبحث عن الإجابات في الأرصفة، في البيوت وفي الأشجار، في النسيمِ وفي زرقةِ السماء، كالتائهِ في إحدى البراري لا يجدُ إنسًا من حوله ولا جان. بالرغم من اكتظاظ الطرقات في بداياتِ الصباح بالسياراتِ ومزاميرها، بالأرجل التي تتجه لدواماتها مشيًا، بأصواتِ البشر التي تحومُ حول أذنيه، إلا أنه كان يمشي وحيدًا، لا يسمع شيئًا، لا يرى أحدًا، لا يشعر بشيءٍ إطلاقًا فهو وحيدٌ في برٍ منزوٍ عن الحياة، يمشي وحيدًا يبحث عن إجاباتٍ لأسئلةٍ ترَبضت في عقله منذ بداياتِ الصباح.
كم يكرهُ الرياض! كم قال تلك الجملةِ في قلبه عديدًا ولازال يذكرها في صحوتهِ وحتى في منامه. إنّك يا الرياض أرضٌ كئيبة، إنّكِ يا الرياض غُبارٌ غلف مُقلتي ليُهيّظ الدمع فيهما، إنّك يا الرياض مكانٌ قاحلٌ ولا أدري كيف يُحبك الكثير ممن يعيشون في هذا البلد. هل الإنتماء يُعمي إلى هذا الحد؟ هل الإنتماء يُصوّر القبيح بالجميل؟ لا أدري كيف يرونها جميلة، كيف يرون صيفها الحار كربيعٍ تنتشر نسائمهُ العليلة؟
مسحَ بكفهِ على وجهه، ثمّ تحرّك بعد أن كان واقفًا عند الباب، يبحث بعينيه عن عمته وهو الذي يدرك أنها في هذه الساعات لن تكُون نائمةً أبدًا.
سمعَ أصواتًا في المطبخ، حينها زفرَ وهو يتجه إليه، وما إن دخل حتى وجدها تتحدث في الهاتف دون أن تنتبه لدخوله، ويداها كانتا مشغولتين بصنعِ عصير ليمونٍ لها بينما الهاتف حشرته بين كتفها وأذنها.
انساب إلى أذنيه صوتها المُتضايق : محمد وبعدين! . . دام أبوي وافق خلاص مالك حق تردني
انعقدت حاجباه وهو يستمع لكلماتها، ولم يكُن صعبًا على عقلهِ أن يفهم ما المعنى، لم يكُن صعبًا عليه أن يدرك ما سبب الضيق الذي انزوى في صوتها وزرعَ الضيقِ في قلبهِ أيضًا لإدراكهِ ما محتوى الحديث الذي يُلفظ من عمه - محمد -. يريدها أن تعود، بالتأكيد يريد ذلك، فهو قبل أن يكونَ خائفًا عليها من العيش معه لطباعهِ التي سيكون أخذها من والده على الأرجح يكرههُ ككرههِ لأخيه! . . عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يتمنى لو يستطيع قتله، هو ليس وحيدًا ليشعر به، حولهُ عائلةٌ يقضي وقته معهم، لا يهاب الوحدة لأنه لم يجربها، لا يحتقرها لأنه لم يواجهها كما واجهها هو، لذا هو يحتاج سهى، يحتاجها بكلّ الدمِ الذي يجري في عروقه، يحتاجها بعدد الأيامِ الذي بكى فيها حالهُ دون دمع، بطولِ المسافةِ بينهُ وبين راحته التي انسلخ هاءُ الغائب عنها لتضمحلّ عنه.
سهى تتأفأف ثمّ ترد على محمد بكبت : محمد واللي يعافيك خلاص! . . بتجي يعني؟ وعلى بالك برجع معاك؟ تراني مع ولد أخوي ماني مع غريب
نهضت نزعتهُ المُتهورة ليقترب منها بخطواتٍ مُتسعة، وما إن وقف خلفها وانتبهت هي لتشهق وتستديرَ بذعرٍ حتى سحب الهاتف ليضعه في أذنهِ ويتكلم بعجرفة : خييييييير
صمتٌ أطبق على محمد من الجهةِ الأخرى، تتشرّب أذناه الصوتَ ليستوعب قليلًا، لكنّ أدهم لم يُهدِهِ الوقت الكافي حتى يستوعب لرميهِ بكلماتٍ يُردفها على سابقتها : مين؟ أظنّ الرقم غلط!
كانت سهى تراقبهُ بعينين متسعتين وصوتها انساب إليه هامسةً بصدمة : أدهم!!!
رفع أدهم كفهُ ليُسكتها، ثمّ تابع بحدة : لا عاد تتصل مرة ثانية يا أستاذ
ليُغلق من بعد كلماته تلك وهو يشد على أسنانه، بينما تلك شدّت على أسنانها ولازالت معالم الصدمةِ تغزو ملامحها، وبقهرٍ منه انتزعت الهاتف من قبضته لتهتف بحدة : تعرف هذا مين؟
نظر إليها أدهم ببرودٍ ليهتف : مين؟
سهى بحدة : هذا عمك يا غبي
رفع كفه ليرمق أظافرهُ بلا مبالاةٍ وهو يرد : طيب ويعني؟
ازداد اتساع عينيها أكثر وهي تُمسك بعضدهِ بقوةٍ هاتفةً بعنف : أنت جنيت صح؟ .. شوف! بتصل عليه الحين واعتذر له، قوله كنت أظنك واحد مزعج لعاب داشر صايع اي شيء، المهم اعتذر له
ارتفع حاجبا أدهم بحدةٍ وهو ينظر إليها باستنكار، وباستهزاء : يا ســـلام! ما بقي غير أعتذر له!
سهى بحدة : أدهم احترم نفسك تراه عمك
أدهم دون مبالاة : مو معترف فيه مثل ماهو مو معترف فيني
وضعت كفها على جبينها وهي تستدير برأسها للجهةِ اليُسرى شادةً على أسنانها بحدة : يا ليييييل .. أنا قاعدة أحاول أزيّنك عنده وأمدح فيك وانت من جهة ثانية تخرب!
أدهم بازدراء : ومين قالك تزينين صورتي عنده؟ هه! ما بقي إلا أدور رضاه.
قبل أن تتمكن سهى من استيعاب كلماته لترد كان صوت هاتفها يتصاعد، حينها رفعته بسرعةٍ وهي تجزم أنه محمد، وبالفعل كان هو!
رفعت نظراتها المتوجسةِ إليه عن الهاتف، وذاك أدرك معنى نظراتها جيدًا، تريد منه الرد وتفسير ما قاله له بطريقةٍ أخرى، لكنّ ذلك من ضرب المُحال ولن يكون!
صدّ بنظراتهِ عنها، ثمّ تحركَ ينوي الخروج متجاهلًا الورطةَ التي وقعا بها كليهما، لكنّه ما إن تحرك حتى أمسكت بذراعهِ تنظر إليه برجاء، لكنه لم يكن ينظر إليها حتى.
سهى برجاء : أدهم! كلّمه واللي يعافيك ما ودي بمشاكل وياه.
لم يرد، ووجهه مُنتّحلٌ بالجمود واللامبالاة، هل تريد منه أن يتحدث معه بالفعل؟ مع ذلك الذي كان جافًا معهُ منذ تعرّف على الدنيا؟؟
همس بحدةٍ وهو ينفض يدهُ ويتحرك : مو شغلي!


,


دخل الغرفةَ بعد عودتهِ من عملهِ مُبكرًا، السماء تعكس قُرب انتهاءِ وقت الصباح ليحلّ الظهر بعد وقتٍ وجيز، النوافذ الزجاجية التصق بها ماءٌ تكثف ببرودةِ الأجواء لتتضبب الرؤية إلى الخارج.
وجدها تُرتب ملابسًا بقيت في الحقيبة ولم تُخرجها بعد، وجهها هادئٌ هذا الصباح ولا مشاعرَ محددةٍ به، لكنّ بعض الشحوبِ يشقّ طريقه إليها، بعض الشحوب الذي يغلّف بياضها ويُعكّر صفو ملامحها.
بدأ عقله في هذه الأثناء بالمقارنةِ بين صورتها التي التصقت بجدرانِ ذاكرته قبل وفاة أمها وبعد زواجهم، وصورتها الآن بهذا البهوت والبرودةِ الصقيعيةِ المتملثةِ في بورتريه الموت! زهرته تذبل، وأشواكها المُلتفة حول ساقها بدأت تتلاشى، رحيقها بدأ يتبخر بفعلِ دخان الحزن، ولا دخان دون نار! . . هناك نارٌ فيها تسمى الضياع، هناك نارٌ في جوفها تُسمى الوحدة، هي تشعر بالوحدةِ مع أنه بقربها، تشتاق لعائلتها ويدرك ذلك، تشتاق لوالدها الذي هجرته وتجاهلت حاجتها له، وهو بدوره سيعيدها إليه قبل أن يأخذها بالشكل المعتاد والذي سيرضيها أنثويًا، زهرته ليست أقل من أي أنثى أخرى، بل هي إستثنائيةٌ على وجهِ العموم، إستثنائيةٌ لن تصل أنثى لمقامها الرفيع.
زهرتي تنمو على تربةٍ خصبة، زهرتي تنمو على أرضٍ إستثنائية، تبدأ برعمًا إستثنائي، وتزهر بسرعةٍ إستثنائية، زهرتي بيضاءُ نقية، حمراءُ مغرية، صفراءُ صديقة، زهرتي زنبقةٌ صغيرة/طفلة، زهرتي ذاتُ رحيقٍ خاص، ذات عبقٍ إستثنائي، في كل هذه الأرض لم تنمو زهرةً مُعمرة وجميلة بتناقضاتٍ جما مثلها. إنكِ زهرة فواز فقط، زهرةٌ لا تموت، يزوركِ الذبول ولا ينولك، لكنكِ لا تموتين فأنتِ الزهرة التي نَمت على أرضي، أنتِ الزهرة التي وصلت للصبابةِ تحت ناظري وصارت امرأةً فتيّة.
عقلهُ يدرك تمامًا حجم ما بينها وبين والدها، يُدرك أنها تلومه في موت أمها، لكنه لا يدرك تمامًا كل التفاصيل بل يعلم أنها تلومه فقط دون أن يعلم بالسبب، لم يُرضه أن يلجأ لغير عناد الذي يعرفه أشدّ المعرفة، وهو يُقرّ ويُأكد أنه لو كان عناد قريبًا لسمح بجلساتٍ وجهًا لوجه! فهو عناد، صديقه، لا يثق بأحدٍ كما يثق به، يخاف عليها عند أحدٍ لا يعرفه، لا يأتمن عليها بعد أن حاول السائق أن يغتصبها مرة، حتى وإن أخذها لامرأةٍ ما الذي سيقنعه أنها لن تتآمر مع أحدٍ لتؤذيها؟! هم في بلدٍ أجنبي، تنتشر فيه المساجد بشكلٍ كبير، ينتشر فيه مُسلمون بكمياتٍ كبيرة، لكن ما الذي يجعله يأتمن عليها عند طبيبٍ غير عناد الذي هو صديقه المقرب؟!!
لم تنتبه لهُ في البداية، لكنّه من خطوةِ اقترابٍ منها أصدرَ صوتًا جعلها تستدير بسرعةٍ إليه.
نظرت إليهِ بصمت، وشفتيها انفرجتا قليلًا، تشتت حدقتاها ودون مقدماتٍ بدأت الحُمرة تتصاعد في ملامحها لتصدّ عنه أخيرًا. حينها ابتسم رغمًا عنه لخجلها، ثمّ اقترب ببطءٍ منها ليجلس أخيرًا بجانبها على السرير. صامتًا باسمًا تتدلى ذراعيهِ في الهواء ومرفقيه مستندان على ركبتيه، أذناه تلتقطان صوت أنفاسها المُضطربة جيدًا، يشعر برغبتها في الهرب لتتسع ابتسامته أكثر، وبطرف عينيْه كان يلمح اهتزاز ساقيها توترًا.
أما هي، فقد كان صدرها يرتفع بشهيقهِ ليهبط بالزفير، صوت أنفاسها المُرتبكة تُدرك أنها تصل إليْه، ومعدتها بدأت بالإلتواء بتوترٍ عظيم وهي تتذكر قُبلةَ البارحة التي لازال أثرها على شفتيها، طعمها لازال يجري في فمها، واضطراب قلبها بسببها هاهو يعود ويفرض نفسه مرةً أخرى في صدرها، لازالت تشعر بأنفاسه التي تنفستها، ولازال الهواء مُشبعًا بعطره.
شعرت بهِ يضعُ كفهُ على ظهرها، حينها ارتعشت فقراتها وابتعدت عن نطاقِ كفهِ بسرعة وهي تُدير رأسها إليه لتتراءى ابتسامتهُ الهادئةِ لها، بهدوءٍ بعكس الهواءِ الباردِ والصارخ الذي يتغلغل مسماتهما، بعكسِ النظراتِ الصاخبةِ التي بينهما، بعكس لمستهِ التي كانت كتيارٍ انتقل إلى جسدها.
همس لها بهدوءٍ وهو ينظر في عينيها : جاء الوقت
قطّبت جبينها للحظةٍ بعدمِ فهم، لكنها سرعان ما أزالت تقطيبها وعيناها تتسعان بتساؤلٍ كان بها من التردد الذي منعها من لفظ ما سطع في رأسها.
فواز بهدوء : أعتقد إنك فاهمة كفاية
عقدت حاجبيها وهي تُشيح نظراتها عنه، الضيق والرفض ارتفع على سطحِ ملامحها ليفهم جيدًا عدم رغبتها إلا أنّه أصرّ ورفع الهاتف - الذي هو هاتفها - ليتصل بـ " عنــاد "


,


يجلس في مكتبه، يُقلّب هاتفه بين كفيه مُنتظرًا اتصال فواز في هذا الوقت كما أخبره قبلًا.
يتطلع بالباب الذي يُقابله بهدوء، وأفكارٌ طفَت على سطحِ عقله، أفكارٌ لا تخص سوى " سلمان " لا غير، وسلمان يعني سلطان، الرجل الذي لازالت بعض الحيرةِ تهاجمه في أمرهِ إلى الآن، لكنّ الحيرة بدأت برؤية الضوء رويدًا رويدًا، بدأ يفهم، بدأ عقله يُحلل القليل الذي وصل إليهِ بعد بحثهِ وتطوّره بصورةٍ مُقنعةٍ خلف أدلةٍ تُثبت كل شيء.
التوت شفتيه بابتسامةٍ ماكرة وهو يهمس : والله وطلعت منت بسهل يا عمي العزيز
رنّ هاتفه في تلك اللحظة، حينها رفعه أمام عينيه وابتسامته تحوّلت من مكرٍ إلى ارتخاءٍ ومحبةٍ صادقة، أجاب ليضع الهاتف على أذنه هاتفًا : أهلين يا الحبيب وعليكَ السلام ورحمة الله وبركاته
أعاد ظهره للخلف وهو يردّ بعتاب : أفا عليك بس وشو مشغول وأنا اللي معطيك هالوقت بالذات؟ . . . ههههههههههههه تقصد إني كذاب؟ لا والله محشوم أكذب عليك بس جد والله ما عندي أي موعد أخرته عشانك تراني أمين في شغلي وما أقدّم أخوياي على اللي معطيهم وقتي قبل . . . خلاص طيب مرة ثانية بيكون وقتنا بالليل عشان تصدقني ، اتفقنا؟ . . . * اتسعت ابتسامته ليُردف بهدوء * اوكي هاتها بس خلك بعيد عنها لا تشوفك وأنا أكلمها وتظل ساكتة وهي عندها حكي ، حتى لو شتمت وقالت شيء غلط ما عليك خلها تطلع اللي بصدرها
عبس فواز من الجهةِ المُقابلة وهو يهتف بحدة : لا والله حلوة هذي بعد! شتم وتطلع اللي بصدرها؟!
عناد : ههههههههههههههه شكلك غثيث وبدائي
فواز يرفع حاجبيه مُتعجبًا : يا سلام! صار الشخص لما ما يرضى على نفسه المهانة بدائي!!
عناد : يا شيخ! يا إنك تستغبي أو إنك غبي من جد .. البنت أنت بنفسك قايل عنها مضغوطة نفسيًا ومكتئبة، وبعدك تقول مهانة ومدري أيش؟؟ خلّك رقيق وإنساني شوي واترك الكرامة على جنب
لوى فواز فمه وكيف لعناد أن يفهمه؟ إن ما بينه وبين جنان ليس مجرد شتمٍ منها وقسوةٍ منه، ما بينهما أشد، لو كان الأمر كذلك لعذرها مع حالتها النفسية، لكنّ مابها عنادٌ تظنّه صحيحًا إلى جانب نفسيتها، وعناد سيساعدها على التغيّر ليجعلها مؤهلةً لتقبّله لا ليجعلها تتقبله! هي الآن مضغوطةٌ نفسيًا، لكنّ ذلك ليس سبب نفورها بل التقبُّل من فكرها أولًا وليس من عناد، فعناد سيساعد لكنّه لن يكون السبب الأساسي لتتقبله.
بينما جيهان كانت لا تزال بجانبه، تنظر إليه بحقدٍ هذه المرة وإحدى حاجبيها ارتفعا وهي تفهم تمامًا أنهما يتحدثان عنها بالتأكيد.
" يا مسود الوجه يا اللي ما تستحي يا عديم النخوة "!! . . أرادت وبقوةٍ أن ترشق هذه الكلمات في وجهه، حاقدةٌ عليه لأنها ترى أنه بذلك يسترخصها بجعلها تُحادث غيره، حاقدةٌ عليه في هذهِ الأثناء لأنه يتحدث عنها أمامها وبكل وقاحةٍ ويظنّ أنها لن تفهمه!
استدار إليها فجأةً لتجفل للحظاتٍ ثم تتراجع قليلًا وهي جالسةٌ على السريرِ تنظر إليه بتأهب، حينها ابتسم على نظراتها الحاقدة، كان من الغباءِ أن يتحدث بهذا الشكل أمامها لكن لمَ لا يعبث بها قليلًا؟!!
رفع إحدى حاجبيه وابتسامته لا تزال مُتجليّةً على ملامحه، ثمّ اقترب منها ليُحيط خصرها ويضع الهاتف في أذنها، وبنذالة : بجلس هالمرة معاك ، يا ويلك تسبّين!!
ضحكَ بخفوتٍ وهو يلمح انتفاخ أنفها بغضبٍ جعلها شهيّـةً لعينيه، بينما هي كانت مُغتاظةً من كلامه أولًا، ومن هذا الذي يُسمى طبيبًا!! وصل إلى أسماعها زفير عناد الذي سمع كلام فواز، ثمّ تنحنح ليهتف بصوتٍ ثابت : السلام عليكم
لم ترد عليه، بينما أسند عناد ذراعه على مكتبه ووجهه جامدٌ بعملية، وهي تتمنى لو تُغلق الهاتف، يتغلغلها الحنق وبعض الحرج والخوفِ أيضًا، فهي التي لم تعتد على الحديث مع رجلٍ غريبٍ من قبل سوى من له الإمكانية كوالدها وفواز! وهي التي تشعر أنها لن تستطيع أن تكون بكامل طبيعتها وثباتها عند الحديث مع رجلٍ بعد ما حدث معها سابقًا، بالتأكيد ستضطرب، وحتى ولو لم تكن الحادثة قد أثرت بها كثيرًا إلا أنها لن تكون بكامل تقبلها لأي رجل! وربما لو أنها لا تعرف فواز منذ طفولتها ولولا علاقتها الوطيدةِ به لما كانت ستتقبل قربه بخجلٍ لا غير بل على الأرجح كانت لتضطرب خوفًا منه ولو قليلًا. ربما هذا هو التفسير لتقبلها لفواز - علاقتهما الأكثر من مجرد ابناء عمومة -، أو ربما أنها كانت قويةً كفاية لتتجاوز الحادثة دون أن تحتاج للجوء لطبيبةٍ نفسية مختصة، وعلى الأرجح ليست كل من تتعرض لمحاولة اغتصاب ستتشوه نفسيتها!
لا تعلم، لا تعلم ولا تدرك تفسيرًا لحالتها أو تصنيفًا لها. لا تعلم سوى أنها تشعر بالأمان مع فواز وإن كان رجلًا!
شعرت بفواز يوكز كتفها بكتفه، لذا نظرت إليه وكفيها في حجرها بينما الهاتف مثبتٌ في أذنها بيدِ فواز.
رفع فواز حاجبيه وهو يهمس لها : ليه ما تحكين؟
كشرّت وكم أرادت الصراخ في وجهه " ما تغار أنت؟؟ ". أليست الغيرة متعلقةً بالحب؟ أليس الحبيب يغار على حبيبه؟ لمَ يشذّ عن القاعدة الآن؟ لمَ يزرع الشكوكَ في قلبها بعدم حبه لها؟ هل يتوهم حبه لها أم أنه يكذب لا غير؟؟
شعرت بالحنق لهذه الأفكار التي هاجمتها، تحاول أقناع نفسها بأمورٍ لن تجلب لها سوى - الأرق -، والأرق يُصاحبها في معظم الليالي التي تلجأ فيها إلى السريرِ حزينة، فهل ستجعل أرقها هذا دائمًا بتفكيرها في أمرٍ لن يضرها اثباته من نفيه؟؟!
زمّت شفتيها وحدقتيها تشتتا عن كل شيء، لن يضرها؟ لن يضرها عدم حبه؟؟ . . لمَ تكذب على نفسها؟ لم تخدع ذاتها وهي التي ترى أن حبّه لها وكلمات الغزل والجوى ترويها؟ وهي الزهرة الذابلة التي تحتاج لحبه، تحتاج بأنانيةٍ لأن يحبها ليذهب ذبولها وتصبح ناظرةً زكيّة . . نعم، هي أنانية، حتى وإن لم تحبه تريد منه أن يحبها، تريد منه أن يمدّها بطاقةِ الحب وإن لم تمدّه بها.
زفرت بضيقٍ وهي تغمض عينيها بقوةٍ لشعورها بألمٍ في صدرها، أهو ألم الضمير؟؟
ازدردت ريقها وهي تسمع كلماتًا من الطبيب - عناد - لكنها لم تفهم كلمةً واحدة، لم تفهم وكلّ أمرٍ بات في عقلها مُبهمًا، بات في نفسها الأنانية والحقيرة غير مرغوبًا!


,


الواحدةُ والنصف ظهرًا.
جلست بعد أن وصلا، تنظر لكل ركنٍ من المجلس الذي جلست به، تقيّمهُ بعينيها اللتين حملتا ذوقًا رفيعًا في أناقتها الشخصية وفي الديكورات.
كان المجلس راقيًا، لونه الأزرق الكلاسيكي أرضاها ذوقيًا، يبدو أن عائلته المتواضعة الصغيرة ليست من " الدقات القديمة ".
لوت فمها تُغطي ارتباكها بثباتٍ زائفٍ ونظرةٍ متعاليةٍ في عينيها، شتان ما بين ظاهرها وباطنها، شتان ما بين عينيها الثابتتين وقلبها المضطرب في الداخل، قلبها الذي سينفجر لا محالةَ من ارتباكِ الخوف فيها، يُزعجها كثيرًا أن تكون ضعيفة، يُحزنها أن تتصنع القوة والثقة وهي بعيدةٌ عن ذلك تمامًا، بعيدةٌ عن كل صفةٍ إيجابية وهي إلى السلبيةِ أقرب، لا بل هي السلبية بعينها!
شتت نظراتها بحدتها، ثمّ زفرت وهي تنظر لسلطان الذي أطال في بثّ أشواقهِ لأمه التي تتحاشى الحديث معه بكثرةٍ بحجةِ غضبها عليه، إلا أنها تراه رغم هذا الصدِّ يُمسك بكفها ويقبّلها بدلالٍ انساب من قبلاتهِ وكلماته، حتى جعلها في النهايةِ تبتسم ليضحكَ وهو يحتضنها.
تشنّجت ملامحها وهي تنظر لهما، وعيناها رقّتا بألمٍ ما. هل هي أمّه بالرضاع فعلًا؟ هل هذه المشاعر يبثها لأمٍ لم تلده؟؟ . . تلألأت عيناها وجفّ حلقها وهي تنظر إلى عناقهِ لها وتقبيلهُ لرأسها، تنظر لابتسامتهِ وابتسامتها، تنظر لعينيه اللتين تتلألٓان بمشاعرَ وسعادةٍ خاصة. كلّ هذا لأمٍ لم تلده! كلّ هذا لأمٍ لم يعِش معها كل لحظاتِ حياته!! وهي ماذا؟ لمَ لم تكن أمها كذلك؟ لمَ لم تكن أمها التي ولدتها كأمه التي أرضعته؟؟
شعرت بروحها تتألم، تتألم في لحظاتٍ لن يتوفر فيها دواءٌ يُسعفها، تختنق في لحظاتٍ لن يكون بعدها عودةٌ للأكسجين وستختنق للأبد، إنها تفتقد بورتريةً لن تتشكل ما عاشت.
ما عاد هناك ما يُنتظرُ واللوعةُ تقتلها، ما عادت ترويها الأماني التي انزوت في زاويةٍ تخصّها وفضّلت المكوث هناك، ما عاد هناك غيمةٌ تمشي فوقها، بصحبتها، تُظللها وتُمطر عليها ولو بذرّاتِ سعادة.
شعرت بغصتها تخنقها، ورأسها أطرقته بسرعةٍ حتى لا يظهر ألمها وحُزنها لأحد، حتى لا يظهر ضعفها الفعلي أمامهم، ساكنةٌ كانت في مكانها، كغصنٍ قاسٍ نهايته الكسر، كانحناءاتِ الزهرِ كل ما طال ساقها، وكَذا ستكون نهايتها فهي مهما طالت في تصنعها ما ليس بها تنحني روحها أكثر وأكثر.
اقتربت ام عناد من غزل وهي تبتسم لها برقة : يا حيّ مرة الغالي ، بسم الله ما شاء الله شهالزين؟
توترت من نبرتها وكلماتها، وقد كانت مُطرقةُ الرأس لا تنظر إليها، لم ترد وصوتها تبعثر برغبةٍ منها لأنها لا تريد الرد! أوليست هي من أقرّت قبل أن تأتي بالكثير؟؟
استنكرت ام عناد صمتها لكنها بعفويةٍ وحسن نية استدارت لسلطان الواقف عند الباب تهتف بابتسامة : شكل مرتك خجولة مرة!
ابتسم سلطان بهدوء وهو ذاته استنكر صمتها، وفي تلك الأثناء كانت سحابةٌ شقية ترتمي على سلطان ليفزع ويمسك بها كردةِ فعلٍ عكسية.
أحاطت غيداء ظهرهُ بغنجٍ وهي تهتف بدلال : سلطــاني
ابتسم سلطان ما إن استوعب عقله غيداء وفوضويتها المُدللة، وابتسامةُ ام عناد كانت مشاركةً له لتتحول لضحكةٍ خافتة ومن ثمّ تغادر المجلس. بينما أمسك سلطان بخصرها ليرفعها وهو يلفظ باسمها مُبتسمًا : غيداءتــي
ضرخت غيداء به وهي تضع كفيها على ساعديه : نزلني
سلطان بضحكة : على كم؟
غيداء ووجهها يحتد بحنق : قلت نزلني بتطيحني وبعدين بتعور!!
سلطان : ياااي يا الحساسة
ثمّ أنزلها لتضرب صدرهُ بكفها بقوةٍ وهي تتجهم بغضب : سامج
ضحك سلطان ثمّ انحنى ليُقبل وجنتيها ويضع كفه على رأسها : كيفك يا بعد سلطانك؟
ابتسمت غيداء بحبٍ له : بخير ومشتاقة لك .. تزوجت ونسيتنا هاه!
اتجهت عيناه عشوائيًا لغزل التي كانت بنفس الحالة لا تنظر لأحد، أناملها تعبث بثوبها الناعم، بشرودٍ استشعره في حركاتها العشوائية، وتناقض لون الثوب وبشرتها جعل منها امرأةً فاتنة، فاتنةً للحد الذي يجعل تأمل هيئتها كالنظرِ لبحرٍ عميقٍ في بداياتِ الفجر، في زرقةٍ كزرقةِ المكان، وفي وسطِ هذا البحر تسبح حوريةٌ سمراءَ بلباسٍ أبيض نقي.
رفعت غيداء إحدى حاجبيها بمكرٍ وهي توكزه بمرفقها ذراعه : أكلت البنت بعيونك
نظر إليها بسرعةٍ وتلك رفعت رأسها بعشوائيةٍ تنظر إليهِ بعد تلك الجملةِ التي أطلقت من تلك الطفلةِ التي لم تنتبه لتواجدها إلا الآن.
غيداء تفغر شفتيها وهي تنظر لغزل : واااو يحق لك تنسانا صراحة، أحد يترك هالجمال؟
ركلها سلطان في ساقها بخفة وهو يرفع إحدى حاحبيه : استحي على وجهك يا بنت
ابتعدت عنه وهي تتجهم : رِجل عوراء!!
ضحك سلطان على تعبيرها بينما اقتربت غيداء من غزل متجاهلةً ضحكات سلطان وهي تبتسم لها بدلالٍ طفولي : تصدقين احلويتي عن يوم الملكة
نظرت غزل في عيني غيداء ببرود، لا تذكر أنها رأتها من قبل ولا تذكر أنها لمحت ملامحها. اقتربت غيداء منها أكثر لتعانقها بعفويةِ عناقها لكل من هو قريبٌ منها، وبابتسامةٍ فرِحَة : ياااي مناسبين على بعض
سلطان بضحكة : من بدايتها طيّحت الميانة
كشّرت غزل من قُرب هذه المُتطفلةِ منها بهذا الشكل لتنتزع جسدها بعشوائيةٍ للخلف، ثم اغتصبت ابتسامةً مُتعالية وهي تنظر في غيداء التي فغرت شفتيها بصدمةٍ ثمّ قطّبت ملامحها بإحراج، وبصوتٍ رخيم : مشكورة من ذوقك
تراجعت غيداء وقد تبدّلت ملامح وجهها كليًا، وذاك اتسعت عيناه بصدمةٍ لردةِ فعلها، بينما ابتسمت غيداء باهتزازٍ تُداري احراجها وهي تهمس : بروح أساعد ماما
لتخرج من بعدها وعيني سلطان تتبعانها بتوقدِ نارٍ أحرقت زوايا ناظريه، لم يستوعب ما حدث منذ ثوانٍ، عفوية غيداء! وعجرفة زوجته الوقحة!!! كيف تتجرأ؟ كيف تتجرأ؟؟؟!
استدار بقوةٍ إلى غزل التي تشاغلت بهاتفها، يزمّ شفتيه بغضبٍ ليقترب أخيرًا منها وتلك قلبها بدأ بعزف سمفونياتِ خوفٍ لا تنقطع، عيناها تنظران لشاشةِ الهاتف باتساع الذعر في قلبها، وخطواته المقتربة كانت كمحفزٍ لهرمون الأدرينالين الذي بدأ بالإندفاع في جسدها بقوة.
وقف أمامها مباشرةً، ثمّ مدّ كفه ليُمسك بذقنها بقوةٍ ويرفع رأسها إليه، وبحدةٍ وهو ينظر لعينيها المشتتين في كل زاويةٍ بالغرفةِ عداه : تعرفين وش سويتي الحين؟؟
أغمضت عينيها للحظةٍ تُثبّط ارتباكَ قلبها، ثمّ فتحتهما وهي تتصنّع القوة في بريقهما : ايه عارفة
شدّ على أسنانهِ بحنقٍ ثم ترك ذقنها وهو يهتف بوعيد : بس شكلك منتِ عارفة النتائج!!
عضّت طرف شفتها وهي تنظر لوجهه بارتباك، بخوفٍ وهي تتوقع أن ترتفع كفهُ في أيّ لحظةٍ لتهبط على وجنتها. لم ترد عليه وهي تشعر أن قلبها سيتوقف الآن بعد هذا الجنونِ التي يواتيه، في نبضاتهِ كان أسرعَ من الخيل. إلا إنها وبالرغم من ذلك كانت تنظر له بنظراتٍ تُشبه نظراتها التي كانت في بداياتِ زواجهما، بعيدًا عن الخوف، بعيدًا عن الإرتباكِ والخشيةِ منه، حتى أنّه عقد حاجبيه وهو المعتاد على اهتزاز نظراتها في تصنّعها بالقوة.
لا يدري كم أثرت بها علاقته مع عائلته تلك، لا يدري أنها تتمنى لو كانت مكانه، تنعم بحضن أمها، بدلالها في الحديث معها. لو أنها على الأقل كان لها أختًا تشاركها أحزانها، تخفف عنها وتُنسيها قسوة والديهما. شعرت بعبرتها تخنقها، سبحت في أحلامها حتى قالت " والديهما " ولم تقل " والديها "، سبحت في أحلامها التي لم ولن تتحقق فهي مخلوقةٌ من التعاسة، فتاريخ ميلادها، وساعة ميلادها، والدقيقة التي ولدت فيها ... كلها هي ذاتها التي خُلقت فيه التعاسة وباتتا توأمتين لم يتشاركا الرحم ذاته. وُسمت التعاسة على جبينها وباتت ملتصقةً بها وإلى الأبد.
زفر سلطان بحدةٍ وهو يرفع اصبعه مُحذرًا : الحين تعتذرين منها سامعة؟ وحسك عينك تغلطين عليهم وهم ما غلطوا معك
نظرت إليه بشرٍ وهي تهمس بتساؤلٍ حاد : أعتذر لها!!
سلطان بحدة : إيه
غزل بتحدٍ وهي ترفع إحدى حاجبيها وتتناسى خوفها منه : احلم بهالشيء!!
شعر بالغضب يتدفق إليه بجرعاتٍ خارقة وهو يرى تحديها له، إنها لا تحسب حسابًا لكلماتها ضده، وهو على الأرجحِ قد تساهل معها كثيرًا!
أمسك بها من عضدها ورفعها لتقف، ثم هتف من بين أسنانه بغضب : ما بيصير لك طيب لو ما اعتذرتي ، إلا غيداء، سامعة؟ إلا غيداء ما أسمح لأحد يأذيها
لانت ملامحها وهي تشعر بالحزن يتغلغل أعماقها، هل هم الأخوة هكذا؟ هل هم الأخوة لا يسمحون بتضرر بعضهم؟ هل العلاقة الأخوية بهذا العمق الذي لم تتذوقه؟ يا الله! إنها لم تملك شيئًا قط! لم تحضى بشيءٍ بتاتًا وهي الفقيرة التي ظنّت أنّها بأموال والدها غنية. أنا الفقيرةُ إلى الحب، الفقيرةُ إلى الصداقة، الفقيرةُ إلى مشاعر تقتنصني من براري الوحدة، إنني الفقيرةُ إلى كل مقومات السعادة، والتي وقَعت في بئرٍ جافة. كُسرَ ظهري يا الله بفقرٍ تغلغل قلبي الذي جفّ وتهدل، تهشّمت الدنيا في عيني وباتت صورتها محطمة/نافدة.
لمَ لم تحظى بأخوةٍ من قبل؟ لمَ لم تُرزق بمن يُخفف عليها وطأة الأحزان؟ .. لم هي فقيرةٌ إلى هذا الحدِّ يا الله!!
ظهر الحزن في عينيها، الغضب، القهر، الفقر! ظهرت كلّ تلك الآفآت دون أن يظهر لهُ خوفها.
همست بعذابٍ وهي تنظر في عينيه بملامة : واللي عنده أخ، عادي يهين أحد ثاني عشانه؟؟
قطّب جبينه ويدهُ أطلقت عضدها عشوائيًا، ونظرةُ عينيها التي حملت العديد من المشاعرَ جعلت قلبه يلين قليلًا، جعلت عيناه ترقّان والحُزن في عينيها كقنبلةٍ تفتك بكل شيءٍ حولها، تفتك حتى بحدةِ عيناه وقسوةِ قلبه.
زفر وهو يغمض عينيه للحظة، ثمّ فتحمها لينظر إليها نظرةً اختلفت عما كانت قبل قليل، وبهدوء : أنا ما أهينك يا غزل ولا عمري بفكر بإهانتك ... بس أنتِ، أنتِ اللي تهينين روحك ولو إنه الإعتذار ما يعتبر إهانة
غزل بقهر : ماراح أعتذر ولو إني غلطت
سلطان يرفع إحدى حاجبيه : ومعترفة بغلطتك بعد؟
رفعت ذقنها بتعالٍ وهي تمحو نظرة الحُزن في عينيها بنظرةٍ مغرورة : غزل لو غلطت محد له الحق يحاسبها على غلطتها
سلطان وصوته يعود لحدته، حتى وجهه تشنّج بغضبه الذي عاد للإرتفاع بعد تواقحها : أنا لي الحق أحاسبك ، ويلا انقعلي واعتذري منها والا والله ما بيصير لك طيب
تصاعد انفعالها بجملته الأولى التي كانت كالنسيم الذي أشعل شرارةً كانت بها، شرارةً تولّدت بفعل " لي الحق " قديمًا والآن هاهي تلفظ منه! من سلطان!!
وضعت كفها على صدره في لحظةِ جنونٍ لتدفعه بحدةٍ برقت في نظراتها، ثم بنبرةٍ متحدية : لك الحق؟ هاه! لك الحق؟؟!
اشتعلت عيناه بغضبٍ وهو يرفع قبضته ليُمسك بيدها التي تمادت عليه، ووجهه احتدّ بدرجةٍ مُخيفةٍ بعثت في قلبها الخوف الذي تصاعد لعينيها هذه المرة!
سلطان يلفظ الكلمات من بين أسنانه : يدك هذي ... لو تنرفع علي مرة ثانية أكسرها .... فاهمة!!
ازدردت ريقها وهي تحاول سحب يدها من بين كفهِ القوية، وجهها كان إليه، لكنّ حدقتيها كانتا للأسفل. تكرهه! لكنها تكرهه أكثر حين يكون غاضبًا وقاسيًا.
سمع صوتَ أمه التي كانت تناديه، حينها ترك يدها ووجهه لازال متصلبًا بغضبه، ثمّ استدار عنها ليردّ بصوتٍ عالٍ كي يصلها : سمّي يمه
دخلت ام عناد في تلك اللحظةِ لتتوقف عند الباب وتهتف : عناد جاء .. روح له المجلس على ما نخلّص الغداء
أومأ لها وهو يغتصب ابتسامة، لتردّ له الإبتسامة وهي تقترب من غزل : معليش حبيبتي تركناك بروحك، بس انشغلت بالغداء شوي
سلطان بابتسامة : ما عليه يمه بتدخل معاكم المطبخ وماراح تكون بروحها
اتسعت عينا عزل ما إن سمعت كلماته، وتلك ابتسمت بإحراجٍ وهي تهتف : لا وشوله تدخل المطبخ! توها داخلة العايلة ما تعرفنا عليها كثير عشان نحشرها في المطبخ من بدايتها
سلطان : دامها من العايلة فهي بنتك ما يحتاج وقت
ام عناد بلطف : أكيد بنتي فما ودي أتعبها
ضحك سلطان بخفوت : لو تسمعك غيداء بتقوم الدنيا ولا تقعدها
ام عناد بضحكة : خلها تتعلم السنع للحين ما تعرف تسلق بيض زي الناس! لازم تترك المويا تجف وينحرق البيض كلّه!!
ضحك سلطان بقوةٍ وهو يتجه للباب ينوي الذهاب لمجلس الرجال عند عناد : بقول لها صدقيني
ضربته على كتفهِ بابتسامةٍ ما إن مرّ من جانبها : نمّام
اختفى عن عينيها وهو يضحك، بينما تلك كانت قد تيبّست في مكانها للحظاتٍ وشعورٌ غيرَ مُصنفٍ في قاموسها تدفّق إلى قلبها، قالت منذ ثوانٍ " بنتي "!! . . غابت عن العالم للحظاتٍ وهي تنظر للفراغ بعينٍ زائلة، لا تعلم ما الذي تشعر بهِ تحديدًا في هذه اللحظات، هل تزدرء قولها - بنتي -؟ أم أنها سعيدة؟ أم أنها مصدومةٌ لا غير!! لا تعرف، لا تعرف ما الذي تشعر به! لا تعرف ما الذي أصاب قلبها الذي ينقبض في هذه اللحظات، لا تعرف ما الذي أصاب معدتها التي التوت لتتألم، لا تعرف ما الذي أصاب عقلها الذي فقد التركيز، لا تعرف ما الذي أصاب عينيها . . . لمَ تبكيان؟!!
عيناها تبكيان! عيناها تذرفان الدمع في حضرةِ أحدٍ ما!! عيناها خانتا البند الأول والأخير في حياتها، " لا دموع أمام أحد "، لكنهما الآن تبكيان بفعل - بنتي -!! . . ألهذا الحد يتغلغل أثر كلمةٍ كهذه في قلبٍ لتذرف الدموع من عيونها؟ ألهذا الحد تكون كلمة مكونةً من أربعةِ أحرف ثقيلةً على مقلتيها لتبكي؟
مسحت دموعها بسرعةٍ دون أن ترفع رأسها لأم عناد التي اقتربت منها هاتفةً برقة : ما عليك منه حبيبتي أنتِ ارتاحي وبتجلس معك غيداء ... ماني متأخرة
رفعت رأسها إليها تنظر لها بضياع، ثمّ ابتسمت باهتزازٍ ولسانها انطلق دون إرداةٍ من عقلها : لا ماله داعي .. بدخل معاكم المطبخ
ام عناد : لا لا ارتاحي ما عليك من كلام سلطان
هزّت رأسها بالرفض مُصرّة : لا أبي أدخل وياكم تعبت من الجلسة
ابتسمت لها أم عناد وهي تومئ برأسها وتمشي لتتبعها غزل التي لا تدرك فعليًا لمَ أرادت أن تكون معهم وهي التي لا تجيد شيئًا في أعمال المطبخ، هي التي أقرت أنها " ستتغدى فيهم قبل لا يتعشوا فيها " . . إلا أنها الآن لم تشعر بنفسها إلا وهي مُنجرفةٌ إليهم، بهذا الشكل!!


,


تناول لقمةً من الأرز، ثم رفع عينيه لينظر لأمه التي تجلس أمامهُ مبتسمًا، إلا أن ابتسامته تلاشت وهو يراها لم تتناول شيئًا من طعامها، والتجاعيد فرضت نفسها بحدةٍ أكبر على جبينها.
وضع شاهين الملعقة وهو يقطب جبينه تلقائيًا بدوره، ثم بتساؤلٍ قلق : ليه ما تاكلين؟
رفعت نظرها إليه لتبتسم ببهوت، حينها ابتسم وهو يغمز لها : آه فهمت .. منتظرتني أأكلك هاه!
هزّت رأسها بالنفي وهي تدفع الصحن قليلًا عنها : لا حبيبي ، أنتِ كل بالعافية عليك
انعقد حاجبيه بشدةٍ وتلاشت ابتسامته، وبنبرةٍ مُستنكرة : ما ودك تاكلين؟
هزّت رأسها بالنفي وهي تبتسم : مالي نفس لوى فمه بضيقٍ ليدفع صحنه بدوره : أنا بعد انسدت نفسي
عُلا بحدة : شاهين! عن الدلع عاد
رفع شاهين كتفيهِ وهو يعيد ظهره للخلف ليسنده على ظهر الكُرسي، ثم بلا مبالاةٍ هتف : لازم أتدلع إذا تدلعتي أنتِ ... ودك آكل كلي أنتِ بعد
تأفأفت بقوةٍ وهي تقف، ثم هتفت بحدةِ الغضب : كيفك
تجعّد جبينه بشدةٍ والإستغراب يعلو وجهه وهو يراها تبتعد بمزاجٍ لا يراه بها عادةً، منذ جلس وهو يشعر أنها اليوم مُتعكرة المزاج، لا مُزاح ولا ضحك ولا دلالَ في كلماتٍ تُطلقها إليه. يُقلقهُ كثيرًا أن يرى أمها هكذا، لا يُرضيه أن تبتعد البسمة عن شفتيها وتضيق نظراتها، حزنه من حزنها، وفرحه من فرحها، كيف لا وهي أمه؟ كيف لا وهي روحه التي استحلّت جسده؟ كيف لا وهي الوحيدةُ التي تبقّت له؟ إنها جنته وناره، نبض قلبه فكيف يرضى بضيق قلبه وهو الذي سيموت بهذا الضيق؟
وقف ليتجه قاطعًا المسافة إلى غرفتها بخطواتٍ واسعة، ليدخل أخيرًا دون أن يطرق الباب الذي كان شبه مفتوحٍ من الأساس، حينها رآها جالسةً على سريرها مُنكسةَ الرأس تنظر للأرض بشرودٍ حزين، يا الله! من يُحزن هاتينِ العينين؟ من يخلعُ نظرة السعادةِ من عينيها الحنونتين ليحولهما لحزينتين؟ من " استرجى " على إحزان أمه؟ . . يقسم بكلّ أسماءِ الله وصفاته، بكل ما أحلّ على الإقسام به! لو كان من أحزنها إنسًا لخلع عينيه في هذه اللحظة.
تقدّم إليها ليجلس على الأرض أمامها، ثمّ وضع كفيه على ركبتيها لثوانٍ وهو ينظر لوجهها الحزين . . نظر لثوانٍ لعينيها اللتين اتجهتا إليه للحظة، ثمّ عادت لتنظر للأسفل إلى حُجرها. وفي لحظةٍ كانت إحدى كفيه ترتفع عن ركبتها وتُمسك بذقنها رافعًا وجهها قليلًا، هامسًا بصوتٍ حنون : ام متعب دايم راسها مرفوع
أسند ذقنه على ركبتيها برقةٍ وهو يُكمل وشبح ابتسامةٍ حنونة ارتسمت على شفتيه : لذلك لا عاد أشوفك تطالعين الأرض
ابتسمت له ببهوت، ثمّ رفعت إحدى كفيها لتخلخل بأناملها خصلات شعره، وهو أدار وجهه ليُريح وجنته على فخذيها، وقلبه وعقله وكلّ حواسهِ وما فيه يدركون أنها ستتحدث الآن من تلقاءِ نفسها، ولأنه المحتوي لها دائمًا وأبدًا، ولأنها المُحتويةُ له دائمًا وأبدًا، كان لابد أن تشكي لهُ ويشكي لها، تُعاتبه ويعاتبها، تمازحه ويُمازحها، هما اثنان ليس لهما إلى بعضيهما، على الأقل قبل أن تأتي أسيل. وكما توقع هاهي بدأت بالحديث بصوتٍ هامسٍ حزين : بتسافر
قطّب شاهين جبينه دون أن يرفع رأسه، وأناملها الحنون توقفت عن تمشيط شعره مُتخلخلةً لخصلاتهِ باستكان. تابعت بصوتٍ شابه الحزن والعجز : سوزان بتسافر
رفع رأسه بسرعة، ثمّ نظر في وجهها باستنكارٍ وهو الذي نسي أنه ليس وحيدها الذي تشكي إليه، ليس وحيدها الذي تتسلى معه بل هناك مخلوقةٌ كم يبغضها تشاركها به!!
أخفى حنقه وغيرته الغبية وهو يهتف باستنكارٍ أقرب للزمجرةِ وملامحه تعطّفت بحقد : هي قالت لك؟
لم تنته لنظراتِ الحقد في عينيه وهي تؤمئ برأسها، ثمّ هتفت بذات الصوت الحزين الذي ضاعف جرعاته لتزداد جرعات غيرته الطفولية التي لا تناسب رجلًا بالغًا : تقول بتسافر ، بعد زواجك بيومين ... وبتكون فيه ممرضة بدلها
تنفس بعمقٍ وهو يُحاول تعقّل الجنون الذي هاجمه فجأةً والذي استنكرهُ هو بنفسه، هل بالفعل يغار؟ وممن؟ من سوزان! وعلى أمه؟؟ لطالما كانت هذه الغيرة تظهر في أوقاتٍ قليلة، لكنها كافيةٌ لتظهر لنفسه مدى صغر عقله.
كشّر من أفكاره وهو ينظر لأمه يُحاول جعل صوتهِ متزنًا : طيب شصار يمه؟ خليها براحتها، صعب نجبرها على شيء ما تبيه وهي ماهي ملزومة بالقعدة!
عُلا بضيق : بس أنا تعودت عليها، وصارت مثل بنتي . . . صار لها هنا قرابة السنة وشلون بتعود على بعدها؟
شاهين بهدوءٍ ظاهري وهو يُمسك بكفيها بين كفيه : مثل ما تأقلمتي مع تواجدها راح تتأقلمين مع غيابها
علا : فيه فرق
شاهين بلطف : تقدرين تنهينَه
أردف وهو يبتسم لها بعد أن قبل كفيها بحُبٍ وحنانٍ بالغ : طيب وأسيل؟ نسيتيها؟؟!
رقّت ملامحها قليلًا عند ذاك الاسم الذي التصق بمتعب قبلًا وهاهو يلتصق بشاهين، ذاك الاسم الذي ترى فيه مالا تراه في أي اسم فهو الذي تعلّق بابنها الراحل وهاهو يتعلق بالآخر أيضًا، رائحةٌ قديمةٌ وحديثة، ذكرياتٌ جميلة تعلّقت به تُريد بأي ثمنٍ أن تكون صاحبةُ هذا الاسم بقربها. همست وقد تهدّج صوتها قليلًا : أكيد ما نسيتها .. بس بعد ما يقوى علي بُعد سوزان حبيبة قلبي
شاهين بابتسامةٍ وهو ينظر ليدها المُجعدة بين كفيها يُداعب أناملها : بس ما تقدرين يا يمه تمنعينها من حياتها عشان تكون قربك .. أنتِ نقدر نجيب لك ممرضة بدالها، ترعاك وتحنّ عليك وتكون زي بنتك مثلها تمامًا، بس هي ما تقدر، من لها بديل عن أهلها وبلدها؟!! فكري بواقعية يمه هي مو شيء ينباع وينشرى!
صمتت ولم ترد، وتنهيدةٌ مكبوتة انطلقت من صدرٍ مُثقلٍ بالكثير، من صدرٍ هاجمه الحُزن مرارًا ليبث الفرح والحنان بعطاءٍ كبير.
وقف شاهين ليُقبل جبينها، ثم هتف بمزاحٍ مُهددًا : ترى بقول لأسيل إنك ما تبينها ووقتها برري لها
رفعت نظراتها إليه لتبتسم ابتسامةً صغيرة، وهو بدورهِ ردّ لها الابتسامةَ بعطاءٍ هاتفًا : والحين يا ست علا بتقومين وتاكلين؟ ... ترى قطوك شاهين جوعان


,


طرقت باب غرفة فارس بهدوء، وفي عينيها بريق الحزن لم يختفي بعد، لم يردّ عليها لتطرق من جديد، إنه يتجاهلها، تدرك ذلك، لا يريد الحديث معها ولا مواجهتها، وكم آلمها ذلك جدًا، فهي المعتادة على فارس الذي يعبث بشعرها قبل أن يذهب إلى عمله، هي المعتادة على فارس الذي يجلس في الجهةِ المقابلة لها على طاولة الطعام، يمدّ قدمه ليوكز ساقها، ثمّ تنظر هي إليه لتبتسم بينما يرفع هو حاجبيه لها. لكنه اليوم لم يعبث بشعرها قبل أن يذهب، لم يوكز ساقها، لم يتلاعب بحاجبيه أمامها.
عضّت شفتيها وهي تفتح الباب حين تجاهلها تمامًا، يُدرك طرقاتها ويميّزها من بين أخوتها كلّهم، تُدرك هي أدراكهُ لهذا لذا هي تعلم أنه يتجاهلها دون سواها وهي التي لم تعتد تجاهله لها، لم تعتد قسوته عليها بحرمانها من دلاله.
حين دخلت وجدته جالسًا على سريره يتصفح كتابًا بين يديه، حتى دخولها تجاهله!!
جنان بصوتٍ باهت : فارس!
أدار رأسه إليها بهدوءٍ ليلفظ نظراتٍ باردةٍ إليها، وبهدوء : نعم
قطّبت جبينها وهي تقترب منه، حتى نظراته كانت قاسية، أقسى من تجاهله لها، أقسى حتى من صوته البارد الذي وصل إليها. جلست بجانبه على السريرِ وهي تُمسك بإحدى كفيه بين كفيها، ثم بعتاب : اليوم مهم يا فارس، أهم يوم بالنسبة لنا كلنا
تنهد فارس وهو يهتف لها بنفس الصوت الذي نخر عظامها بقسوته : والمطلوب!!
جنان برجاء : لا تكون كذا! أبوي اليوم محتاجنا، محتاجنا مع بعض، مثل كل يوم فلا تخذله!
تنهد فارس مرةً أخرى وهو ينظر لها ببعض الحدة : طيب شسوي فيك إذا كنتِ تنرفزين؟؟
زمّت شفتيها وهي تُطوّق عضدهُ بيديها، ثمّ أراحت رأسها على كتفهِ وهي تهمس بصوتٍ تجلّى بهِ الحزن : ما أقدر على زعلك ، ولا يهون علي بيوم ما تعوّر لي ساقي أو تخرّب عليْ شعري
أغمض عينيه للحظةٍ وقلبه يرقّ قليلًا لأميرته الصغيرة، قلبهُ الذي ما غضب مرةً عليها لأكثر من ساعتين، دائمًا ما تكون الكمال الأخوي له، والضحكةُ له حين يكون وجههُ متجهمًا عابسًا، فكيف لقلبهِ أن يغضب عليها لأكثرَ من عشر ساعات؟ كيف لقلبهِ أن يقسو عليها وصوتها الحزين والعاتب ينساب إلى أذنيه؟!
جنان تردف بعد موجةِ صمته الغيرَ مرغوبٍ بها : طيب وش تبي مني أسويه لك عشان ترضى؟ وأنا أوعدك أسوي أي شيء .. المهم أشوف فارس حبيبي ، مو اللي ساكت الحين
ارتسمت على شفتيه شبح ابتسامةٍ وهو يُميل رأسه قليلًا إلى رأسها المُستقر على كتفه، بصمتٍ وهو يستمتع بهذا التدليل منها بهدفِ إرضائهِ فقط. وقد غزته بعض الأفكار " النذلة " رغم أنّ قلبه الآن راضٍ عنها ولطالما كان قلبه يرضى عند أخطائها الصغيرةِ منها والكبيرة دون انتظارٍ لأمرِ عقله.
رفعت رأسها عن كتفه لتبتسم وهي تقرص وجنته : يلا فروسي قاعدة أذل نفسي عندك وبعدك ما رضيت؟ . . طيب ...
قاطعها دخول رامي دون أن يطرق الباب وهو يهتف بملل : أنتِ هنا وأنا أدور عليك؟ أبوي يبيك
زفرت بحنقٍ وهي تنظر له بشر : الحين هذا وقتك؟؟
رامي بمكر : قصدك الحين هذا وقت أبوي؟ * ركض خارجًا وهو يصرخ * والله إني قايل له اليوم
صرخت جنان وهي تقف لتركض خلفه : يا كذّاب يا نمّام
ضحكَ فارس بقوةٍ وهو يسمع ردّ رامي عليها بصوتٍ عالٍ وهو يدخل لغرفة ناصر : أنتِ اللي قلتِ ما كذبت


,


دخلت المطبخ وهي ترتدي ثوبًا طويلًا بلونٍ بنيٍ أشبه بعباءة، و " آيشارب " وضعته على كتفيها للحيطة إن دخل ياسر أو عبدالله!
هذه المرة كشفت شعرها وتمشّت في البيت دون أن تغطيه ليس لشيءٍ سوى لمحاولة إرضاء عبدالله الذي ترى في عينيه الضيق كلما رأى هذا التحفظ منها، وأيضًا ... محاولةٌ فاشلة للتكيّفٍ في بيئتها الجديدة، والإنسان إن لم يتكيف بهوياتهِ المتجددة وبئته المتغيرة كيف عساه يعيش؟ تحاول إقناع نفسها بذلك وهي التي تعدّ نفسها من الأموات! لم تكن تدرك قبلًا، ولا في أحلامها حتى أنها بهذا الضعف! بهذا اليأس الذي خلب حياتها، لم تكن تُدرك أنّها إنسانةٌ مُهتزّة الشخصية، تسقط بسرعةٍ وتهوى في دون قاع، لم تكن تُدرك أنها من بضع عقباتٍ ستتعرقل وتسقط دون أن تحاول النهوض حتى!
فتحت الثلاجة وحدقتيها تهتزّان بضعف، تزم شفتيها تُوقف ارتعاشهما استعدادًا للبكاء الذي بات مرافقها وصديقها، هي نفسها ملّت من ضعفها، تنظر لنفسها بعين الشفقة لأنها تُثيره! إنسانةٌ بائسة، تكسّر ساقها، بل قُطعت جذورها وانتهت! فماذا تنتظر بعد؟ ماذا تنتظر وهي التي تحاول إقناع نفسها بأنها ستستطيع لملمة نفسها ولو قليلًا عند أدهم؟! ماذا تنتظر وهي التي وضعت أمامها أنّ أدهم هو الذي سيُعيد هذه الجذور كما كانت؟ أدهم الذي تخلى عنها في المقابل وسلخها من حياته بكلّ بشاعة! أدهم الذي كان له من القسوة الكثير، كان بهِ من البرود ما جعل قلبه لا يهتزّ بها حتى! . . لكنّها بالرغم من ذلك لن تتوقف عن دهس كرامتها وستعود للمحاولة معه لتعيش عنده قسرًا إن لم يكن برضائه.
تناولت قنينة ماءٍ ثم أغلقت الثلاجة، تحرّكت تنوي الخروج، لكنها توقفت فجأةً وهي تنظر للواقفة أمامها، بعينٍ اشتعلت رغمًا عنها وخطوةٍ عادت للخلف، شدّت على القنينة بيدها وقلبها ينبض بعذابِ الألمِ الذي مازالت تتذوق مرارته إلى الآن، تتجرع حرارته التي تحرق جوفها، تحرق فمها قبل أن تصل إلى بلعومها، إنها اللعبة - الطفلة - التي لعبَت معها دور الأم، إنها اللعبة التي تسلّت بها لتشعر بأمومةٍ غير غريزيةٍ ستزول بالتأكيد، إنها ليست ابنتها الحقيقة، فما المعنى من إيذائها؟ هي ليست أمها الحقيقية، فما المانع من اللعب بها قليلًا؟ وتلك القلّة امتدت لسنوات، لاثنتانِ وعشرون عامًا عجافٍ على قلبٍ ظنّ أنه بنعيم استوى أخيرًا نقمة، على قلبٍ يرفرف بين عائلةٍ اقتربت من حدود الحقيقة لولا الإسم فقط! لولا الإسم الذي ينتهي دون لقبٍ لصدّقت أنها ابنتهم، لصدقت أنها بين عائلةٍ حقيقية وليست شبه حقيقية!
بينما كانت هالة تنظر إليها نظرةً تحمل الكثير، تحمل كثيرًا من الندم، كثيرًا من الرجاء، وكثيرًا من الحنان والحب!!
" يا شيخة! "، هل حبٌ أمومي يجيء مع تنكيلٍ بحي؟ هل خُلق حبٌ في هذه الأرض بتهشيمِ قلب؟ هل وُجدَ حبٌ وضع في قاموسه تمزيقَ الروح؟ وهل وجد حبٌ كان من بنوده تكسير نفس الإنسان إلى شظايا؟
زمّت شفتيها بعبرةٍ وهي تهمس بتحشرجٍ تصاعد مع موجاتها الصوتية : ابعدي شوي.
هالة بحزمٍ وهي تنظر لانحناءات وجهها بحزن : مو قبل ما أحكي معك
اهتزّت حدقتاها بحقدٍ وهي تنظر لوجهها بملامة : وش تحكين فيه؟ ما يكفيك اللي سويتيه؟
هالة بصوتٍ ثابتٍ جعل المثل القائل " شين وقواة عين " مطابقًا لها ليتقطّب جبين إلين بقهر : أنتِ منتِ فاهمة شيء ، منتِ عارفة شيء ... ما تعرفين نفسك كثر ما أعرفك لذلك لازم أحكي!
لم تُبالي لكلامها، لم تلتفت له حتى، ونزيف قلبها يتضاعف، جُفّ قلبها وتهدّل، جُفّت أوردتها وانكمشت، جفّ جسدها وباتت " جلدًا على عظم "، ألا ترى ما خلفته بها؟ ألا ترى ما أعلمتها هديل به : " نحفانة وصايرة جلد على عظم "
ألا ترى ما خلفته بها في فترةٍ وجيزةٍ كانت كقرن؟ ألا ترى كلّ هذا البؤس والمعاناة في عينيها؟ يا الله! كم لها من الجور لتُتابع الحديث معها بكل بجاحة؟ كم لها من الشرّ كي لا تهتزّ بما فعلت؟ أبوءُ لكَ بضعفي يا الله، أسعفني بالصبر، مدّني بالطاقةِ لأصبر أكثر ولا أصفعها بكلماتي وأنا التي كما قال فاروق جويدة - يئست من الصابرين -.
همست برجاءٍ وكفّها تشدّ على القنينةِ في يدها : اتركيني بحالي
هالة بإصرار : مو قبل لا تعرفين
أغمضت عينيها بقوةٍ تشدّ على أسنانها التي وطأت على الحروف فسحقت مخارجها : ما أبي أسمع ... اتركيني
هالة تقترب منها خطوةً وهي تهتف بعينٍ وصوتٍ ثابتين : قلت مو قبل ...
صرخت وهي تفتح عينيها وزجاج الصبر الرقيقِ الذي كان بينهما تحطّم وتحوّل لشظايـا : ما أبي أسمـع .. ما أبـــي أسمـــع ... اتركيني في حالي ما أبيــك ما أبي شوفتك


,


جالسٌ بكل أريحيةٍ يضع ساقًا على أخرى وعيناه متجهتان لهاتفهِ ينتظر قدوم سلطان، ابتسم ورفع رأسه ما إن سمع خطواته، ليتراءى أمامه سلطان المبتسم والذي ألقى السلامَ فور دخوله.
عناد بابتسامة : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ... تو ما نور البيت
اقترب بخطواتٍ متّزنةٍ إليه وهو يرد بغرور : معلومة قديمة
ضحك عناد بخفوتٍ ثم لفظ وابتسامته تكشف عن صف أسنانه اللؤلؤية : يا شيخ! تعال بس سلم على عمك
اقترب سلطان برحابة صدرٍ لينحني إليه ويقبل أنفه ثمّ جبينه باحترامٍ ومحبة، ثم ابتعد عنه وما إن كاد أن يجلس حتى هتف عناد بخشونة : لحظة ... نسيت كفوفي وركبتي
ضحك سلطان وهو يدفعه بخفةٍ وبالرغم من بساطةِ دفعهِ له إلا أن عناد سقط جانبًا ليستند على ذراعه في حين ارتختاءٍ من جسده.
سلطان : هههههههههههههههه نحفان والا وشو يا سمرون؟
اعتدل عناد في جلسته وهو يهتف بتكشيرة : غش ، ما كنت مركز معك
رفع سلطان كتفيه وهو يجلس مُسترخيًا : مو شغلي
عناد بوعيدٍ وهو يرفع إحدى حاجبيه : مردودة بس صبرك علي


في جهةٍ أخرى
دخلت المطبخ مع ام عناد، وعلى وجهها تعبير الغرابة، من نفسها قبل أن يكُون من تصرفها وانصياعها لعواطفها! هل جنت؟ هل فقدت عقلها لترقّ معهم ومن ثمّ يضربون ضربتهم!!
لا بأس، لتكن حذرةً فقط، وما إن تشعر بخطوةٍ منهم حتى تردّ قبل أن يضربوا ضربتهم. إنها في معركة، بالتأكيد هي في معركةٍ لابد لها فيها أن تحذر، هي في معركةٍ اعتادت دائمًا فيها الإستسلام وجعل من حولها يضدهدها ويسبيها، لكنها هذه المرة ستكون أكثر حذرًا.
ام عناد بابتسامةٍ وهي ترى غيداء تُديرهم ظهرها تُقطع السلطة : يمه غيداء ...
قاطعتها غيداء بتجهمٍ وهي تُقطع الجزر في آلةِ تقطيع الخضروات : تكفين يمه ما ودي أروح وأجلس معاها ... هالبنت ما تستحي
قطّبت غزل حاجبيها وقد هاجمها بعض الحرج إلا أنها أخفته، بينما ابتسمت ام عناد بتوترٍ وحرجٍ وهي تنظر لغزل : معليش يمه خليك منها هي لسانها من زمان متبري منها
استدارت غيداء بسرعةٍ وهي تفتح فمها بدهشةٍ لرؤية غزل، إلا أنها عبست وهي تعود لتصدّ عنهم دون أن تتحدث، فيما تنحنحت غزل وقدميها تحركتا لتقرتبا منها، دون أدنى أمرٍ من عقلها ودون أن تفكر حتى، بل إن عضلات قدميها تحرّكت دون أن تلجأ لعقلها، ودون أن تفكر في أمر سلطان لها بالإعتذار، لمَ لا تتناقض كما كل مرةٍ وتنظر ما سيحدث إن هي تعاملت معهم باللين؟!!
حسنًا هذه استراتيجيةٌ أخرى، بما أن ام سلطان قالت لها " ابنتي " وبما أن غيداء فرحت بها واحتضنتها في أول لقاءٍ بينهما لمَ لا تلين كتمويهٍ في البداية؟ لمَ لا تستخدم الخداع في الحرب؟ فإما أن يكونوا بالفعل كما تتمنى - وذلك مستحيل -، وإما أن يكونوا كغيرهم حينها ستوجه فوّهة المدفع إليهم.
وقفت بجانب غيداء ببعض التردد وهي تهمس باعتذارٍ غير مباشر : أنا ما أحب أحد يقرب مني .. ممم دايمًا مع صديقاتي لما وحدة منهم تحضني مباشرة أعطيها كف
أدارت غيداء إليها رأسها وهي ترفع حاجبًا بحقدٍ طفولي : ماني صديقتك أنا
غزل بإحراجٍ حقيقي : ولأنك منتِ صديقتي زين وقفت على هذيك الحركة
لوت غيداء فمها وهي تصدّ عنها وتُتابع عملها بينما ابتسمت أم عناد وهي تتجه للأرز الذي مازال على النار لتتفقده، تعرف ابنتها جيدًا وتعرف أنها خلال ثوانٍ ستبدأ بالحديث مع غزل بكامل عفويتها.


,


جلس أمام والدهِ بارتباكٍ واضح، كان أمجد يجلس في غرفةِ مكتبهِ على أريكةٍ جلدية بلونٍ بيجي، يضع ساقًا على أخرى وفي يدهً كوب قهوةٍ بينما كان هيثم أمامه يفصل بينهما طاولةٌ زجاجية تربّعت باستطالتها لتمنع احتكاكهما، يكفي احتكاك نظراتهما، ويكفي حدة هذه النظرات.
كان أمجد هو أول من تحدّث ببرودٍ يعاكس نظراته الحادة والقاسيةَ إليه : أولًا .. من وين جايب الكلام اللي قايله أمس لفارس؟!
ازداد اضطراب هيثم وهو يُدرك مقصدهُ جيدًا، لكنه تعمّد الصمت وهو يشتت نظراته عنه، حينها تنهد أمجد بهدوءٍ وهو يضع الكوب على الطاولةِ بقوةٍ جعلته ينتفض وينظر لوالده بقلقٍ وخوف، إن كانت الطاولة الزجاجية لم تُكسر فيكفي أن سكون قلبه قد كُسر وتناثر، وهو المدلل الذي اعتاد الحرية والإنطلاق دون قيود، هو الذي لم يكن والده ينظر إليه بكل هذه القسوةِ العارمة والحدة، السبب جنان، السبب في كلّ هذا هو جنان!!
أردف أمجد بحدةٍ وهو يشدد على الكلمات ليشدّ حبل الخوف على قلبهِ أكثر : قلت لك من وين جايب الكلام اللي قلته أمس؟
تلعثم هيثم وهو يتحدث مُشتتًا نظراته عنه : أي .. أي كلام؟
رفع أمجد إحدى حاجبيه وهو يميل بجسدهِ إلى الطاولةِ وكفاه على سطحها، وبخفوتٍ مُحذر : صح ، أي كلام؟؟ هو أنت تدري وش تهبب؟ تدري وش العاقبة طيب؟؟
بلل هيثم شفتيه بلسانه، ثمّ ازدرد ريقه يشعر أن حلقه قد جف وانتهى. بينما أمال أمجد رأسه قليلًا للجهةِ اليُسرى وهو يهتف وكأنه يُفكر بصوتٍ مسموع، نظراته المُخيفة كانت إلى عينيه المُضطربتين مباشرة : طايش، صايع، لعّاب، قدامي بصورة ومن وراي بصورة ثانية مُخزية ... مين كان يظن إن ولد أمجد بهالدناءة اللي تخليه يلعب ببنات الناس، ومين؟ بنت عمته!!
زمّ شفتيه وهو ينظر للأرض، وقبل أن تُبادر ذهنه أي فكرة كان صوت أمجد يخرج مندهشًا : آآه صح نسيت ... مو هي ماهي بنت عمتك مثل ما قلت ومثل ما قصدت؟؟!
أوكي .. أنت جنيت على نفسك
وقف بحدةٍ لترتفع نظرات هيثم المرعوبة إليه، ووجه أمجد الصارم كان مرعبًا لهُ بدرجةٍ مُريعة، يخترق جسده بنظراتهِ الحادة التي كانت بمثابةِ سيفٍ ينغرس به.
أتبع أمجد بحزمٍ وأمرٍ انبعث له كالصاعقة : رحلتك اليوم الساعة 10 للدمام، راح تعيش بهالفترة عند أمك اللي ما خربك الا دلعها لك وكأنك بزر ما تفرّق بين الصح والخطأ، وانسى بروكسيل لين ما أقرر أنا إنك تذكرها
وقف هيثم بصدمةٍ وعيناه تتسعان، عقابٌ قاسٍ من أبٍ يُدرك جيدًا تعلق ابنه بهذهِ المدينة التي عاش بها أغلب سنين حياته، لم يعتد العيش في الدمام بالرغم من محبته لأمه، لكنّه مُعتادٌ على الحياةِ هنا، مُعتادٌ على استنشاقِ هواء بروكسيل وهو كالسمكةِ سيموت بالتأكيد إن غادر موطنه دون رجعة!
انفرجت شفتاه وعيناه تتوسلانه : يبه تكفـ
قاطعه أمجد بحدة : اصصصص ولا كلمة .. على بالك اللعب على بنت عادي! وكونك في بلد غربي مُباح لك تغلط وتتعدى حدودك! أنت في النهاية أيش؟؟! خاف ربك بدل هالخوف من إنسان مثلك
عضّ هيثم شفته بقهرٍ وكلّ الحقد في قلبهِ تجلى على من كان السبب، بينما مشى أمجد بهدوءٍ بعكس ما خلّفه في ابنه مُتجهًا للباب : اليوم عملية ناصر ... كم ساعة وبطلع من البيت للمستشفى، والخدامة قلت لها تجهز شنطتك وأكيد قرّبت تخلّص.
بس والله والله يا هيثم لو أدري انك عصيتني لأحرمك من بروكسيل طول عمرك
رشق بكلماته تلك ومن ثمّ خرج ليُطبق الباب من خلفه بقوة، ولم يتنظر سوى ثانيتين، لحظتين اشتعلت فيهما عينيه نارًا وجحيمٌ تمركز في صدره.
ركل الطاولة الزجاجية بقوةٍ لتسقط وتتحطم لشظايا، وأسنانه وطأت على شفته السُفلى بقوةٍ بينما كان صدرهُ يرتفع ويهبط بجحيمٍ هوائيٍ تستنشقه أنفه ومن ثمّ ترشقهُ ملوثًا.
وبحدةٍ وحقدٍ همس من بين أسنانه متوعدًا : ودك أسافر؟ طيب .. ماعندي مانع ... بس والله لخلّي صورتي في عقل من كان السبب ما تنتسى ، والله لدفعك الثمن يا جنان بهاليوم!! وما أكون هيثم لو ما خليتك تبكين بدل الدموع دم!!


,


صراخها كان عاليًا بدرجةٍ كافية حتى يصل لمسامع من في البيت معهم، اقتربت منها هالة بصدمةٍ وهي تراها بدأت بالإنهيار ونحيبها ارتفع بينما غرق وجهها بدموعها في لحظةٍ واحدة.
تراجعت للخلف وهي تراها تقترب، صدرها يئن بوجعه، وقلبها ينزف بألمه، صوتها بُحّ بحشرجته، مُرتفعًا صارخًا ببحةٍ تكاد تُقسم هالة أن حبالها الصوتية ستُقطع لا محالة : ابعــدي .. ابعدي عني ، أنتِ السبب في كل شيء .. أنتِ السبب
ضيعتيني ، خليتيني أجهل نفسي ، خليتيني حتى روحها ما أعرفها
تصاعد القلق على وجه هالة وهي تقترب أكثر تحاول إمساكها وكلّ مافي نيتها هو زرعها في صدرها لتهدئة هذا الموج المنهار الذي أمامها، إلا أن إلين صرخت بنحيب وهي تغمض عينيها بعذاب : وخــري لا تقربين ... لا تلمسيني ما أبيك
دخل في ذلك الوقت عبدالله الذي كان لتوه عائدًا من عمله ومعه هديل التي فُجعت من صراخ إلين الذي وصل حتى لغرفتها.
صرخ عبدالله بغضب وهو يرى إلين تجلس على الأرضية الباردة بضعفٍ وانهيارٍ بينما كانت هالة تنوي السقوط إليها بإصرار : هــــــالـــــة!!
استدارت إليه لترمقه بنظراتٍ حادة، ثمّ عادت للنظر لإلين وهي تهمس برويةٍ جالسةً بجانبها : إلين حبيبتي ...
قاطعتها إلين وهي تُغطي وجهها بانهيار، وكل ما فيها يصرخ بوجع : ماني حبيبتك ، ولا بقلبك علي رحمة! الكلام ببلاش لا تتصنعين شيء ماهو فيك
سعلت بقوةٍ وحلقها يصرخ باستنجادٍ بعد موجات الصراخ تلك، ثمّ نظرت إليها بوجعٍ وهي التي تشرّب جسدها الوجع عبر مسماتها ليُصبح جزءً من دمها، من هرموناتها، من كلّ ما يكوّنها. والوجع ليس إلا دهونًا فائضةً عن الحاجة، يُتخم قلبها بالنزيف وعينيها بالدموع، يُسمنها بمشاعر سلبيةٍ فلمَ لم يكن لجسدها القدرة على طرده؟ لمَ كان جسدها ضعيفًا إلى هذا الحد الذي جعل مناعته مسلوبةٌ ضدّ الوجع، لا يستطيع طرده، لا يستطيع أيّ دواءٍ معالجتها منه، لا يستطيع أي مضادٍ تخليصها منه.
أتبعت وهي تقوّس شفتيها ببكاء، وخصلاتٌ من شعرها الناعم التصقت بدموعها : تظنين إنك كسبتي فيني أجر بهالرضاعة؟ تظنين إني بفرح يوم تعطيني عائلة حقيقة ومحارم حقيقين؟ . . أو كنتِ من البداية تبيني؟ مشتهية أكون بنتك؟ هاه! بس بعدها ندمتي صح؟ قلتِ وش فيني جنيت! وش فيه عقلي اختار وحدة لقيطة أخذتها من ميتم؟ وش فيها لحتى أعطيها شرف مشاركة عيالي بحليبي؟ * أكملت بأسى * هالبنت لقيطة، حتى اسمها ماهو اسمها، هالإسم منسلخ ومتبري منها فـ أيش أبي بوحدة زيها! ليه ألوث نفسي بإعطاءها الحق في مناداتي - يمه -؟
اقترب عبدالله منها وكلماتها تهزّ قلبه بشدة، عيناه ضاقتا وهو ينحني ليُمسك بكتفيها ويرفعها، وبحنان : إلين ...
قاطعته وهي تُنزل يديه عن كتفيها، ثم مسحت على أنفها وعينيها وهي تهتف بإصرار : بطلع ، هالمرة بطلع يا عمي ولا راح تمنعني .. وما عاد لي رجعة . . . ويا تعطيني الجوال أتصل أو أوقف تاكسي يوصلني ، وتراني عارفة البيت وين يعني بكل الحالات مافيه شيء يمنعني أروح له
اتسعت عينا عبدالله ببعض الحدة بينما اندفعت هالة بصدمةٍ وهي تهتف بتساؤلٍ قلق : بنتي إلين وين ...
رفعت إلين إصبعها إلى أنفها وهي تهزّ رأسها بالنفي مُقاطعةً لها بتحذير : لا .. هششش .. لا تغلطين على نفسك وتقولين لي يمه! لا تنزلين مستواك لمستوى لقيطة انتبهي! مستواك رفيع فحافظي عليه
أظلم وجه هالة بينما كانت هديل منزويةً عند الباب تُطالع ما يحدث بصدمة، لا تستوعب أن إلين وصلت إلى هذا الجنون في الحديث وهذا اليأس! قلبها ينبض بقوةٍ في صدرها ووجعٌ أصابها لما هي بهِ من ألمٍ ينبض في عينيها، لما هي بهِ من ضياعٍ ينتشر مع موجاتِ صوتها.
نظرت إلين إلى عبدالله وهي تبتسم له باهتزاز، ثمّ باختناق : ما ودك تعطيني؟ يعني أوقف لي تاكسي صح؟
لم يرد وهو ينظر إلى وجهها بحدةٍ تراها في عينيه وإن كان هناك ألمٌ عليها و" شفقة " !! .. لا ، لا تريد شفقةً منه، ولا من أي أحد، الشفقة داءٌ لا دواءَ له، الشفقة تظهر في لحظةٍ لتختفي في آنٍ ويظهر محلّها الندم، الشفقة شرٌ لابد من إمحاقه، لذا هي لا تريد شفقة أحد، لا تريد رحمة أحد ... لا تريد أي أحد! فليبتعدوا عنها وحسب، فليتركوها في شأنها!!
تحركت مبتعدةً عنه، تنوي بحنونٍ نهض في عقلها أن تذهب إليه، بقدميها!!

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا إن شاء الله بعد ثلاث أسابيع
تراني ملخبطة شوي في مواعيد الإمتحانات بس الأكيد إنه أول ما تنتهي الإمتحانات راح يكون عندكم بارت عن كل أسبوع أو بارت بطول ثلاث بارتات



ودمتم بخير / كَيــد !





 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-12-14, 02:00 AM   المشاركة رقم: 214
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين

 

فصل رائع جدا

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 05-01-15, 04:41 AM   المشاركة رقم: 215
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Dec 2012
العضوية: 248410
المشاركات: 428
الجنس أنثى
معدل التقييم: ترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالقترانيم الصبا عضو متالق
نقاط التقييم: 2549

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ترانيم الصبا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

كيد ابدعتي ورايتك تستحق المتابعه اسلوبك جدا راقي وكتابتك ناضجه رغم ان البداية صادمة وقوية

سلطان وحياته الحزينه وقاتل ابوه يكتشف بعد سنين انه عمه ما اتوقع ان سليمان سواه الله لايبلانا
جيهان وانتحار امها ونفورها من ابوها حياتتهم صدمه ووتوجع القلب
اسيل موت خطيبها وزواجها من اخوه مأساه خلصو الرجال يعني بس مدري ليش احساسي يقول انه ما مات
ديما وسيف وش هالعيشه الي عايشينها ليش متحمله سيف من زين الخلق عشان تصبر يضرب الحب شو بيذل

كان ودي افصص ابطالك بس ودي اكمل قرأت البارتات وان شاء الله لي عوده بعليق مفصل بتوفق

 
 

 

عرض البوم صور ترانيم الصبا  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 11:21 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية