كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساءكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية
وشكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،
بسم الله نبدأ ، قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
(82)*1
سابقًا وفي ساعةٍ مُبكّرةٍ من الصباح، نظرتْ لعينيها بحزمٍ لترتبك جيهان تلقائيًا أمام نظراتِها، جـاءها سؤالٌ مولّفٌ بالثقة، لم يكُن سؤالًا في الحقيقةِ بل كان تقريرًا للواقع : تعصبين كثير !
جيهان تعقدُ حاجبيها قليلًا وهي تُشتت عينيها : لا.
رفعَت ندى حاجبها الأيسر : تكذبين عليْ بعد؟
جيهان بضيقٍ تُجعِّدُ ملامِحها : هوّ أنا أقدر ما أعصب؟ حتى الهواء من حولي مستفز.
ابتسمَت ندى رغمًا عنها : شدعوى؟ حتى الهواء ما يستاهل يعصبك.
جيهان وكأنّها كانت تنتظرُ ما تنفجِرُ به، عقدَت حاجبيها بضيقٍ قبل أن تندفعَ برونقِ الحكاياتِ التعبيريّةِ عن استفزازِ اللحظـاتِ لها : كل شيء ما يستاهل بس كل شيء بعد قاعد يلعب بأعصابي وهو ما يستاهل . . حسبي الله بس.
حملَتْ يدها قلمًا لتبدأ بتدويرهِ بين أصابعها تلقائيًا وهي تضيّق عينيها : تقدرين ما تعصبين يوم كامل؟
رفعَت جيهان حاجبيها : أي طبعًا أقدر وش شايفتني؟
ندى بابتسامة : أجل من بعد ما تطلعين من عندي لا تعصبين ولا تتنرفزين من أي شيء وبكرا بسألك لو قدرتِ هاه !
استفزّها التحدِي في صوتها، ليس هو وحسب بل حتى الموضوع بأكمله ، كيف قد لا تستطِيع؟ ماذا تظنّها مثلًا !! . . وافقت ، رغم أنها تثقُ بأنها لا تحتاج لهذا التحدِّي ، فهي تدرك أنها تغضب كثيرًا، لكن ليس للدرجة التي تجعل كلّ أيامها كذلك!
والآن ، تحرّكت أقدامُها من أسفلِ الطاولـة بصمتٍ وهي تحمِل الملعقةَ وتلتهمُ لقمتها، ترفعُ عينيها ليوسف الذي كان يأكل غداءهُ بصمت، لازال هناكَ حاجزٌ التهـم الحديثَ العفويّ بينها وبين والدها الذي كان متباعدًا عنها بعض الشيء، يُزعجها ذلك، لكنّها كانت السبب! كـانت السبَب ولا تُبرِّئ نفسها من كلِّ سوءاتِها ، اندفاعُها المَقيت، مهما كابَرت فتصرّفاتها تناقـض قناعاتها بأنّه مهما ابتعَد لن تفكّر بيومٍ قد تعُود فيه إليه ، لكنّها وبكل بساطة ، تناقضُ كلّ قراراتِها ، وتشتاق.
أنهَت طعامها لتنهضَ وهي تحمَد الله بخفوت، اتّجهت لغسْلِ يدها، وحين كانت واقفةً أمام المغسلـة والماءُ ينسكِب بشفافيّته على كفيها استشعَرت خطواتٍ اقتربَت منها ، حرّكت أحداقها لتسقُط على يوسِف الذي اقتربَ لتسحَب يديها بشكلٍ تلقائيّ وتبتعدُ جانبًا.
تنهّد يوسف وأغمض عينيه، وبحزم : كملي . .
جيهان تُخفض عينيها بتوتّر : خلصت.
فتحَ عينيه ليعقدَ حاجبيه بضيق، وبهدوءٍ منزعج : لا عاد تتهرّبين مني ... يضايقني هالشيء!
ابتلعَت غصّةً مسنّنةً وهي تُشيح عينيها عنهُ وترفعُ كفّها المُبلّلة لتُعانق عضدها العارِي، تقدّمَ يوسف حتى وقفَ بجانِبها، يقابِل المغسلة ويديه امتدّتا ليبدأ بغسلِهما وهو ينطُق دون النظر إليها : ما بقول أنتِ الكبيرة ، بس بقول أحب لما تكونين عاقلة وما تغلطين بهالطريقة ، كل شيء مغفور إلا هالأخطاء . . أنتِ تشوفين وقوفك والسوالف معه عادِي؟!
جيهان تُخفض رأسها وهي تشدُّ على عضدها، تنسدِل أجفانُها قليلًا لتَمسَّ شفتيها رعشـةٌ واهنـة، تلتهبُ بحرارة أحرفها وهي تهمسُ بخزي : لا . .
يوسف بهدوءٍ يبتسم، أغلق صنبورَ الماءِ ومن ثمّ استدارَ إليها ونطق : بترجعين تسوّينها؟
جيهان بخفوتٍ تدرك أنّها لا تثق بنفسها وبجنونِ اندفاعها ، لكن لا ، كمْ مرّةً يُفقدُها سيطرتها على نفسها؟ كم مرّةً يجعلها حمقـاء في تحكّمها باندفاعاتِها؟ كم مرةً تسقُط في احتراقِها أمامه وكم مرّةً تشتاقُ اشتياقًا مندفعًا إليه! كم مرةً يهزمنِي، ويخطُّ بجناحيهِ على انهزامِي!
عقدَت حاجبيها وهي تردُّ بخفوتٍ متضايق : لا.
يوسف رغم أنّه يخشى أن تكون إجابتها محضَ " لحظةٍ مُتلاشية " ومن ثمّ تتناساها ما إن تراه ، لفظَ بابتسامةٍ هادئة وهو يقرّر في نفسِه أن يتفاهم مع فواز أيضًا، ليست جيهان المُخطئة وحسب، بل حتى هو تمادى بحركاته الصبيانية ، كيف يقفُ ويحادِثها دون أن يفكّر بالذهاب والابتعاد؟ : هذا اللي اتمناه منك . . هاه تبونا نطلع نتمشّى كالعادة؟ هالمرة باخذكم لمنطقة ثانية حفظتوا هالمكان.
ابتسمَت بزيفٍ وهي تومِئ برأسها، في حينِ تناول يوسف المناديل كي يجفف يديه وهو يهتف : قولي لخواتك يجهزون متى ما خلصوا أكلهم ..
،
" هل تتّصل؟ "
سؤالٌ ألهبَ تفكيرها ، ما عُذرها السخيف؟ إن أرادات إخبارهُ بخطواتِها تكفيها رسالـة، لا تسمعُ عبرها صوتَه ، تكفيها رسالـة ، لا تتقوّس فيها شفاهُها في ابتسامةٍ من نبرتِه التي تشتاقها . . يا الله كم أنتَ بعيدٌ يا سلطان! أنتَ عنّي قابَ عينينِ أو أقصى ، لا أستطيعُ الاقترابَ منك ، مهما طمحت!
وضعَت الهاتفَ على المفرشِ الناعِم بجانبها بعد تردّدها، تنهّدت بضيق، ومن ثمّ أغمضَت عينيها وهي ترفعُ ركبتيها إلى صدرها وتحيط ساقيها بذراعيها، تسندُ ذقنها فوق ركبتيها، تنظُر للفراغِ بصمتٍ وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، تتذكّر كل حديثها مع أمّها ومحاولاتِها للبدء من جديد في الأيـام السابقة، البدءُ من جديد ، في حياةٌ أخرى بالتأكيد ، حياةٌ واحدة، لأنّ البقيَة من معاني الحياة توقّفت عند نقطةٍ مُفردة.
تنهّدت وهي تُغمض عينيها قليلًا، من الجنون أن تتّصل بِه، لذا فالأحـرى أن ترسِل لهُ رسالةً موجزة ، تسألهُ فيها إن كان يقصِد بهذا الانفصال الغريبِ حرّيتها في كلِّ شيء !
مدّت يدها نحوَ الهاتِف وقد قرّرت ما الصيغة المرتبكةِ التي ستُرسلها إليه ، ( صرت حرّة بعد بقراراتي لنفسي؟ ) . .
ابتلعَت ريقها، ومن ثمّ حكّت شفتها السُفلى بأسنانِها وهي تضعُ الهاتف من جديدٍ وتتنهّد، حسنًا ، لمَ ترتعِش؟ هو بعيدٌ عنها - للأسف - فلمَ ترتعش؟
مرّت دقائـق عديدةً قبـل أن تسمَع تنبيهًا من هاتفها، نظـرت إليه بربكة، هاهوَ ردّ عليها ، لكن قد لا يكُون هو ، إذن ممّن مثلًا؟ . . ابتلعَت ريقها وهي تمدُّ يدها نحو الهاتِف ، حملته لتنظُر مباشرةً للرسالة ممّن جاءتها ، لتزفـر أخيرًا زفرةً مرتاحة ، وفي ذات اللحظةِ مُحبَطة! وهي ترى أنها رسالةٌ دعائيّةٌ لا غيـر . .
تمتمَت بكلماتٍ ما لم تُدرك هي بذاتِها ما كانت، ومن ثمّ مدّت يدها كي تضع الهاتف من جديدٍ على السرير ، إلا أنّها انتفضْت فجأةً بذعرٍ وهي تسمعُ صوت الرنين الذي كـان يُعلن عن اتّصـال! . . شهقْت وهي ترى اسمه ، نعم ، اسمه ، يتّصل بها عوضًا عن الردّ برسالة !!!
ابتلعَت ريقها بصعوبةٍ وعيناها تتّسعان دون تصدِيق، توقّف الزمَن لوهلـة ، توقّف على أحرفِ اسمِه في شاشةِ هاتفها، هل تردّ وتسمَح للحياة أن تدبّ فيها من جديد؟ هل تسمـح للبعثِ أن يجيء محمّلًا على قافلةِ صوته لتعودَ لتذوّق الموتِ منذُ البداية حين ينتهِي الاتصـال؟ هل تسمحُ بتجديدِ أوجاعِها؟ ، كلّ الأوجاع التي تتمنّاها مهما كانت وطأتها على قلبها صعبًا، مهما كان احتكاكُها بجلدِها مُحرقًا !!
كانت بالفعـل تهوى عذابَها، لذا ، ودون تردّدٍ .. ردّت ! . . . رفعَت الهاتِف لأذنها، ابتلعَت ريقها بصعوبة، شيءٌ من الروحِ عادَت إليها تتمّةً للحيـاةِ بعد أن قُصَّت زاويتُها، بعد أن بُتر القليلُ منها وكانت الأيام القادمـة مرحلـة القصاصِ إلى النهاية ، شيءٌ من التنهيداتِ الناعمة على مفرشِ الجوى ، على جدرانِ قلبها ، على مسامِع الاشتياق . . شيءٌ من الحيـاةِ في كنفِ ريفٍ هادئ ، لم يصخُب سوى بحبّها له . . كيف أُلجِم الهدوءَ بصخَبِك وأنتَ الريفُ الذي ناقـض مسمّاه ، الريفُ في بذخِ الطبيعةِ الخضراء ، الريفُ في هدوء ، صاخِب !
ابتلعَت عبراتها وهي تعقدُ حاجبيها وصوتُه جاءها باردًا ، متسائلًا ، دون ترحيبٍ ودون كلمـةِ " سلام " : أي حريّة قصدك؟
سلامٌ على قلُوبنا ، سلامٌ على أرواحِنا ، سلامٌ على الشفاهِ التي فقدَت نظارتها بـ : اشتقتك. تلك الكلمـة ليسَت مجرّد كلمة، تلك الكلمـة جفاف، أوراقٌ فقدَت زهوها ، تلك الكلمـة حين تمسُّ شفاهَنا تُثلجها، ومن ثمّ تنزعُ منها كلّ معالِم الحيـاة. اشتقتُك ، سلامٌ من اللهِ على صدرِي الذي ملكتَه.
أغمضَت عينيها دون فهمٍ لنبرتِه، كانت نبرةً مُستهجنة، لم تدركها في معمعةِ اشتياقها . . همسَت بخفوتٍ مختنق : أيش؟
سلطان بنبرةٍ صارمةٍ مُتّهمة : أي حرّية اللي تبينها؟ ممكن أفهم أكثر !
لحظـة ! هل .. هل يخشَى أن تقصد . . . اتّسعت عيناها بصدمة، أجفلَت ملامِحها والذهول انتزعها وقد فهمَت جيدًا ما قصده ، أيّ حريّة ، أي . . . ارتعشَت شفاهُها باختناق، ارتفعَ صدرها بعلوٍّ نُزعت منه القدرةُ على جذبِ الهواءِ ليهبطَ بحشرجةٍ وهي تهمسُ بخفوتٍ مختنق : شاك إنّي ... إنّي بكرّر اللي . .
سلطان يقاطعها بازدراء : أنتِ من جدّك تطمحين بثقتِي فيك؟
غزل بصوتٍ واهنٍ وكفّها تشتدُّ على الهاتف، والأخـرى على الفراغ! : ما أسمح لك.
سلطان بنبرةٍ مُخيفة : نعم !
غزل بصوتٍ ارتفعَ فجأةً بقهر : ما أسمح لك .. يكفي ... يكفّي سلطان !! أنا ما ألومك على ظنونك بس لا توضّحها لي بهالطريقة! يكفي إنك كنت تقذفني وكأنّك واثق إنّك ما تغلط وإنك قاعد تقول الصح! إذا ما تشوفني ضمن المؤمنات وإنّ القذف والظنّ السيء بالنسبة لك حلال احترم نفسك على الأقل.
سلطان يرفعُ حاجبًا : مو كأنّك صايرة تتمادين بالكلام معي !
غزل وكفّيها ترتعشان تجاهلت ، كيف تتجاهل؟ هي لم تتجاهـل بل كان كلّ صراخها المقهور وكلّ حسراتِها في صدرِها، يمتدُّ منفعلًا إلى أطرافها المرتعشة وصوتُها الذي لفظَ بكبت : الحرية اللي قصدتها كل شيء! لو فكرت أكمل دراستي أشتغل أو أي شيء ثاني أبيه . .
سلطان ببرود : وش المقصود برسالتك طيب يا ستّي . . الدراسة أو الشغل أو أي شيء ثاني !
ابتلعَت مرارتها من صوتِه المستخفّ بها ، وباختناق : بشتغل.
سلطان : وشو؟
غزل : مع أمّي ، هي مصمّمة وعندها بعد مشاغل وتبيني أشغل وقتِي معها.
سلطان بنبرةٍ تُشعلها بالحِزن في عدمِ مبالاته : ما يضر.
غزل بنبرةٍ واهيـة، تريد أن تطيل وقت سماعِها لصوتِه رغم كل شيء، رغم إيلامهِ لها، تريد سماعه ، سماعه ، إلى أن ترتوي أسماعُها من نبرتِه : يعنِي أقدر أكون حرّة بشكل نهائي؟ ما أعلمك عن شيء صح !
سلطان باستخفافٍ يبتسِم : أنتِ وش تتمنّين؟
غزل بخفوتٍ تُخفض نظراتها ورموشها ترتعشُ رعشةً سريعة : اللي تشوفه أنت.
سلطان : بكون وقتها مرتاح من حنّتك ، عشان كذا حياتِك لك مثل ما قلت قبل ، مالي شيء فيها غير إنّي بقيدك باسمي وما تطلعين من الزواج بالربح اللي تبينه.
شتت عينيها بضيقٍ وهي تقبضُ كفيْها بقوّة، إن كان سبب سؤالها لهُ واستشارته بالموافقة قبلًا خوفًا من غضبه إن فعلت ما تريد دون موافقتهِ فلمَ تضايقت الآن حين فكّ الحبـال الباقية ووجودُه في تفاصيلها الصغيرة؟
همسَت دون تعبير : ظنّك بتستمر بدون ما تطفش وتطلّقني؟
سلطان : عشان ما أطفش أنا أحلِّك من تدخلي بقراراتك .. قلت لك بتكونين شيء مرتبط فيه اسمًا وماله تأثير بوجوده.
عقدَت حاجبيها وهي تهتفُ بغصّة : شيء !!
سلطان تململ : تبين شيء ثاني؟
كتمَت شهقَة خيبةٍ مُختنقةٍ وهي تقوّس فمها للأسفلِ بحسرة ، يرتعشُ ذقنها لتصطكّ أسنانها ببعضها أسًا وحُزنًا ، ومن ثمّ تهمسُ بصوتٍ حاولت جعله طبيعيًا إلا أنه وصل لمسامِع سلطان متباينًا بضيقِه أشدّ التباين : سلامتك.
أغلقَ دون أن يُضيف شيئًا لتُغمـض عينيها بقوّةٍ وهي تتركُ لشهقتها تلك أن تُخلقَ من الكبتِ انفجارًا من أنينٍ تالِي، شدّت على أجفانِها كستارٍ ثبّتتهُ خيوطٌ سوداءُ بالنافذةِ بعد أن اخترقَت زجاجها دون تحطيمها، خيوطٌ مسمومـة، نزفَت باحمرارِها في أجفانِها ، مُعلنةً انتهاءَ قصّة تأمّل سحابٍ تائِه من عينيْ طفلةٍ ضاحكة . . الغريبُ أنها تشعُر ببوادِر البُكاء، لكنّها لم تبكِي! الغريبُ أنها لم تعُد تبكِي، وفي الأيام التي رحلَت لم تنزِف مقلتيها بدمعة! هل جفّت أرضُ حزنها من العطاء؟
،
تجاهـل صرخاتِ اعتراضها المُختنقـةِ وهي تحاولُ دفعهُ عنها بينما كان هو قد أمسك كتفيها ليثبّتها مِنهما على البابِ وهو يبتسم : وين بتهربين منّي؟
إلين بغضب : ابعد ، أنت وش؟ مراهق !!
أدهم يبتسمُ باستفزازٍ لها : مراهق في سبيل الحُب ، تعرفين يعني الحب يخلينا مراهقين.
إلين بقلّة صبر : مو وقتك أدهم واللي يعافيك يعني !
أدهم يُدير وجهه ليُخفض رأسه ويقرّب خدّه منها دون أن يُشيح عينيه عنها : صح مو وقتي عشان كذا خلصي نفسك كلها بوسة صغيرة.
اشتعلَت ملامحها من جديدٍ بحُمرةٍ خجولةٍ تُسكرِه، يبتسِم رغمًا عنهُ وهو يجِدُ في حُمرةِ ملامِحها بحرًا تلوّن بألوانِ الغروب، تُضِيع النهارَ والليلَ في لحظتـها ، تخلبُ النظرات بفتنتها ، تحطُّ في شُعلتها فراشـةٌ لا تحترق ، بل تُضيء بنورِ شفقٍ أضـاء ملامِح رقّتها . .
إلين باستياءٍ وهي تصدُّ عن ابتسامتهِ الماكرة : ابعد أدهم ... شكلك سخيف والله.
أدهم بإصرارٍ يشدُّ على كتفيها ويقرّبها منهُ دون أن يحرّك وجهه الذي كان يقابلها بِه بخدِّه : أبي أكون سخيف ، وريني أشوف.
تلاشـى خجلُها في غُمرة الغضب ، شدّت على أسنانها بحنقٍ وهي تهتفُ بكلماتٍ تسلّلت من بينها مختنقةً غاضبة : ترى بعضّك .. متأكّد؟
أدهم ينظُر لها من زاوية عينيه : عشان أكسر راسِك ... قلنا بوسة مو عضّة بشرية مستكلبة.
إلين : وتقول لا تسبين واحترميني ومدري وشو؟
كتم ضحكته : ما سبّيتك .. بكون سبيتك لو صار وعضّيتيني . .
إلين تضعُ كفيها على صدرِه، تحاول دفعه عنها وهي تُتمتمُ بامتعاض : يا سلام بس ! * ارتفع صوتها بغضب * ابعد عني والله والله ما أبوسك لو بتموت علينا بعد !
مطّ فمه باستياءٍ وهو يُخفضُ كفيه عن كتفيها ويتراجع للخلفِ قليلًا بينما ملامحه توجّهت كلها نحوها وليس فقط خدّه : بعتقك عشانك حلفتِ بس . .
إلين تضربُ قدمها على الأرضِ بغضب وابتسامتها المُنتصرة كانت تُظهرها خاسرةً من فرطِ غضبها، رغم أنّه في النهاية تركها كما تُريد : وغصبًا عنّك بعَد.
لوّح بكفّه وهو يَستديرُ عنها وأقدامه تتوجّه نحو الحمّام ، وبتململ : اقلبي وجهك بس ... أتفاهم معك بعدين وأشوف وقتها كلام مين بيمشي.
رفعَت حاجبها الأيسر بحنق ، ألم تقُل له بأنه لن يستطيع إغضابها اليوم بعد أن رأت درجاتِها؟ حسنًا ما الذي حدَث في النهاية ولمَ ينتصر عليها دائمًا باستفزازِه !!
،
سكَب من الشاي في كأسهِ ومن ثمّ مدّه إليه وهو يُجيب على سؤاله " متى رايح " بصوتٍ هادئ : بهاليومين ، بس ما راح أطوّل كثير إن شاء الله يومين وراجع . . شلونك أنت اليوم زاد وجَع ظهرك؟
سلمان الذي كان شبهَ مُستلقيًا ، يسندُ ظهره على الوسائد وهو يتناولُ الكأس من يدِه : أتوقع بضطر للعملية ، هذا كلام الدكتور ... الله أكبر على هالعجز بس ..
عناد يبتسِم : تحسّ بالقهر وأنا اللي أخدمك؟
سلمان يرفعُ حاجبه : الله يغنيني عن خدماتك لو بتتمنّن علي فيها.
عناد : هههههههههه أمزح شدعوى ، شفيك هالأيام علي صاير ما تقبل مزاحِي !
سلمان بجمود : للأسف أنت داري إنه مو وقتك.
عناد : للأسف لأني داري؟
سلمان : يا زينك جاهل . . بس وجه نكبة.
ابتسمَ رغمًا عنه : هذي جزاتِي جالس معك بعد؟ للأسف أنا اللي بوجه المدفع دايم .. لا منك ولا من سلطان الثاني ، صاير نفسية.
غضّن جبينه تلقائيًا ما أن ذكِر اسمه، وبجمود : بيتعلّم من كل هذا.
اختفَت ابتسامةُ عناد تدريجيًا ليتنهّد أخيرًا وهو يحمِل كأسهُ ومن ثمّ يتحرّك نحو أقربِ مقعدٍ ويجلس ، وبهدوء : ما أشوفه يتعلّم ويصير أقوى .. أنت تأذيه وتبدّل شخصيته بس ، ليه ما تقوله وتريّح عمرك وتريحه هو بالمقام الأول . .
سلمان بحدّة : كم مرة قلت لك لا تتدخّل بمواضيع ما تخصّك ! وصلت لمرحلـة على كثر ما حذرتك منها عاندتني .. الحين وش تبي بعد؟
عناد يتنهّد بهدوء : شكل نفسيتَك مخيسة مثله.
سلمان بحزم : عناد !
عناد يبتسِم : سلطان ترك مرته.
عقدَ سلمان حاجبيه فجأةً دون استيعاب، إلا أنه سرعانَ ما زفـر بيأسٍ وهو يضعُ كفَّه على رأسه ويلفُظ بنبرةٍ خافتة : وش الحين بعَد !
عناد : لا تلومه ، في النهاية أنت اللي غلطت لما ما اخترت له إلا بنت واحد مثل أحمد، أنا الثاني كنت غبي لما ظنيت ماراح تتأثر علاقتهم فيه.
سلمان يرفعِ وجهه وهو يُميل حاجبيه في عُقدةٍ خافتة، ابتسمَ بسخريةٍ ليلفظَ أخيرًا بتهكّم : طلع مافيه منكم رجّال ..
عناد بصدمة : أنا وش سويت؟
سلمان : دام هذا اللي طلع من سلطان بيطلع منك اللي يشابهه ... ما ربيتكم عدل للأسف.
عناد يبتسم : أفا بس ما هقيتها منّك .. وش دخلني بقرارات سلطان أنا؟
سلمان بحدة : طلقها؟
عناد : ما أتوقع ، يمكن ناويها.
سلمان : بكسر راسه لو سواها ... أنا اللي بشوف شغلي معه.
يُتبــع ..
|