كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
،
قبل الظهيرةِ بقليل ، أغلقَت الهاتفَ بعدَ أن أنهَت مكالمتها مع هدِيل، صعدَت نحو الأعلـى ببعضٍ من التردد، منذُ الصبـاح وهي تتحاشاه، تتهرّب منه بصورةٍ واضحـةٍ بعد أن أفصـح أنّه يريدها ، يريدها عاجلًا ام آجلًا! ولا تعلـم على الوجـه الصحيح ما حدوده في " آجلًا "!
تتقدّم خطوةً وتتراجـع خطوتين، يجبُ أن تذهبَ إليه ، يجبُ أن تحادثـه ، فهو يبدو حتى الآن لا يعلـم وتخشى أن تقول له ويرفـض، لذا قد تحتاج لأساليب تطولُ في الإقناع! زفـرت وهي تُتمتم لنفسِها بأن تمضي ، سحقًا .. سحقًا !! كانت تقول بأنها ستكون قويّةً كفايـةً بعد أن تكون قربه ، أين ذهبَت كلّ تلك القوة؟
عضّت شفتها بحنق، ومن ثمّ نفخَت صدرها بأكسجينٍ زاحمَ هواءها الموبوءَ بالربكـة ، تحرّكت وهي ترسـم على وجهها الإصرار ، وحين وقفَت أمام الغـرفة زفـرت وجدّدت هواءها من جديدٍ لتمدّ يدها للبـاب وتفتحـه ، كـان أدهم في تلك اللحظـة أمامَ حاسوبه، الغـرفة شبه مظلمةٍ عدا من نورٍ قليلٍ من أبجورةٍ بجوارِه .. عقدَت حاجبيها باستغرابٍ وهي تتحرّك نحوه، لازالت متردّدةً بعض الشيء، لكنّها تجرأت واقتربَت منه ، بينما كـان هو قد أدار رأسه إليها بعدَ أن شعر بها عن طريقِ الضوء الزائدِ عن حاجته والذي تسلّل من البـاب.
أمالت فمها باستغراب، وبتساؤلٍ هادئٍ لم تستطِع أن تمنع فضولها : تحضّر جِن؟
ابتسمَ أدهم وهو يرفعُ حاجبيه باستفزاز : ترانِي بكبري جن عاشق !
إلين تُميل فمها دون رضا بوصفِه ذاك : مارد وأنت الصادق.
أدهم يهزُّ رأسه موافقًا : صح.
إلين باستفزاز : أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق.
أدهم : ومن فتنتك.
أطبقَت فمها وصمتت بتشتّتٍ ليبتسـم ، كـان يتوقّع أن تبقى تتهرّب منه لأجلٍ غيرِ معلوم، لذا استغربَ مجيئها إليه! هتفَ بهدوءٍ مستفسر : كنتِ تبين شيء؟
إلين ووجهها يحمرُّ من الانفعـال ، لمَ يخلق فيها هذا الاضطرابَ ببساطـة؟ كيفَ يتجرأ أن يجعلها مرتبكـةً منذُ الصبـاح، تغفو على أسنانِ المجهول! تتوه وتتشتّت لأنه فقط أفصـح عن نواياه بما يحقّ له! . . عضّت شفتها بحنق، هذهِ هي المشكلة ، ما يحقُّ له!!
لفظَت بوجومٍ ونبرةٍ مختنقـةٍ من غيظِها : معزومين عالغداء عند اهلي اليوم .. شكيت إنّك ما تدري فقلت انبهك من بدري.
أدهـم يوجّه عينيه للحاسوبِ وهو يومئ دون مبالاة : كنت أدري من أمس.
فغـرت فمها بصدمة ، ومن ثمّ أطبقته وهي تلفظُ بريبة : تدري من أمس؟
أدهم وأصابعه تتنقّل بين مفاتيح الحاسوب : أيه .. علّمني ياسر.
كشّرت بامتعاض : وما كنت تبي تقولي يعني؟
نظر لها باستنكـار : وأنا وش يدريني إن الأخبار ما وصلتك ماهو أنتِ أربعة وعشرين ساعة متواصلة معهم !
إلين بحنق : عاد بعض السوالف تكون عند الرجاجيل قبل الحريم .. كنت قدّرت هالشيء !
أدهم وقد بدأ يضجر : ما كنت أدري بهالنقطـة .. شكرًا نبهتيني ..
إلين بقهر : أنت مريض نفسي أكيد! أصلًا مين يجلس بهالظلام غير المرضى النفسيين ..
أدهم ببرود : هذي طقوسي .. مثل ما أنتِ تحبين تذاكرين فوق السرير ... إلا أخبار امتحاناتك؟
إلين فجأةً ارتبكَت وخفتَ صوتها باهتمامٍ قلِق : خلاص الأسبوع الجاي.
أدهم باستغرابٍ أدارَ جسدهُ عن طاولـةِ المكتب ونظر إليها ليلفظَ وكأنه استوعبَ نقطةً ما : هو مافيه قبل الامتحانات محاضرات؟ ما أشوفك تداومين !
إلين : إلا بس المادتين اللي أدرسهم خلصناها برمضان فما فيه داعِي نداوم.
أدهم : همممم ..
إلين لم تستطِع ان تمنـع فضولها : وش تسوي؟!
أدهم ينظُر للحاسوب وهو يبتسـم لهذهِ الأحاديثُ العابـرة ، إلا أنها في نفسِه لا تكون كذلك ، لا تكون لأنها تنطقها من فمِها، بصوتِها الناقوسيّ الذي ينسـابُ كخريرِ نهـرٍ عذب . . لفظَ بابتسامةٍ رقيقة : بعضَ الأشغـال المعلقة .. خلاص انتهت إجازتي وبرجع أداوم لشغلي .. عاد يا كثر إجازاتِي أتوقّع بنفصل قريب.
إلين بيأس : وتقولها بكل فخر؟
أدهم ببساطة : أبد .. أساسًا بستغنِي عنّه قريب .. ببدأ بمشروع قريب لي أنا وواحد من ربعِي إذا ربّي سهّل.
إلين بفضولٍ بدأت تسأله عن مشروعهِ هذا ، لتغـرق الغرفـة الشبـه مُظلمـةٍ بأضواءِ الأحاديث الهادئـة، الدافئـة، والتي كـان نورها ينبعثُ من أطرافِ شُعلـةِ شغفٍ وفضـول ، يبتسـم ، هذهِ الشفـاه لا تبتسمُ بهذهِ الشعلـةِ إلا حين يكونُ رفيقها بتلاتٍ ناعمـة ، ذاتَ شموخٍ وكبرياء مثل الزهـرةِ التي أمامه.
،
عـادَ من بؤرةِ اللا استواء! كـان ينظُر قبـل لحظـاتٍ إلى ملامِح سلمـان المسترخيةِ في نومِه بعدَ أن هُدِّئ ألمـهُ الجسدي، الاعترافُ مثلمـا جعله يحتقر نفسه جعله أشدّ صلابـةٍ أمـامه، ربّما ضعفُه السابق يعزوه إلى تشوّشِه ! لم يكُن يعترفُ بانّه لا يكرهه، وكـان يخالفهُ قلبـه ، فلا يجدُ لنفسِه إثباتًا غير أن يغضبَ منه ويبصقَ عليه بكلماتٍ حادةٍ يُثبت فيها أنّه يكرهه! أما الآن فها هو يدرك قبل كلّ شيءٍ ما في داخلـه، يعترفُ بِه، فلا يعيشُ مصارعًا نفسه قبل أن يُصارِع سلمان.
خرجَ من المشفى والساعـة تقتربُ من الظهيرة، صلّى في المسجِد، ومن ثمّ بدأ يتنقّل من مكانٍ لآخر، يحاول أن يُضيع ساعـة الوقتِ ويُسرّع منها ، يتمنّى لو يتمكّن قبل كلّ شيءٍ أن يمضِي بالوقتِ حُقبًا حتى يتجاوزَ أزمانًا وينتهِي من كل هذا، . .
بقيَ يتجاوزُ مسافاتٍ وكيلو متراتٍ حتى صلّى العصـر أيضًا، ومن ثمّ قرّر أن يعودَ للمنـزل، استطـاع مزاجـه أن يستقرّ الآن، لذا قرّر أن يعود، وإن تحدّثت غزل عن ذاك الموضوعِ من جديد – موضوع الطلاق – سيكون أكثر هدوءً ورويّةً معها ولن ينفعـل.
وصَل للمنـزل بعد وقتٍ قصير، دخـل وهو يمرّر يدهُ على رأسه والهواءُ الذي في صدرِه يزفُرهُ متثاقلًا حارًا يُلهبُ شفتيه ويُذوّبهما ، أزاحَ شماغـه عن رأسه ومن ثمّ تحرّك مباشـرةً نحو عتبـات الدَرج، اتّجه لغرفتهما وليسَ للغرفـة التي قضـى فيها ليلته الطويلة والتي لم يستطِع فيها أن ينام! .. فتـح البـاب ودخـل وهو يمرّر أحداقه على زواياها ، لم تكُن فيها ! . . تنهّد ، ومن ثمّ اتّجـه للخـزانةِ حتى يبدّل ملابسـه، ربّما من الأفضـل أن ينـام ولو لساعتين ويترك غزل الآن .. لتوّه أدرك أنّ رأسه يكادُ أن ينفجـر من الصداع !
أخرج ملابسَه البيتية، ومن ثمّ اتّجـه للحمـام ، لكنّه ما إن فتح الباب حتى تصاعدَ في أذنِه صوتُ طرقةٍ على البـاب، عقدَ حاجبيه وتراجـع وهو يرمـى ملابسـه على طرفِ السرير ، لمَ قد تطرق الباب ولا تدخل مباشرة؟ .. اتّجه للبـاب ليفتحه، وكما توقّع لم تكُن غـزل بل كانت سالِي! أمـال فمه باستغراب، بينما ارتبكَت سالِي وهي التي كانت تريدُ أن تكلّمه منذُ رأته يدخُل لكنّها كـانت متردّدةً قبل الآن ! . . سألها بصوتٍ هادئ : وش فيه؟
سالي بربكةٍ تنظُر للأسفـل : ماما غزل يقول أعلم حق إنت ...
صمتَت ولم تُكمـل ، حينها تصلّبت ملامحـه قليلًا ، لم يكُن مخطئًا بغرابـة موقفهما الآن ! نفسُ الوضـع الذي أخبرته فيه قبل أشهرٍ عن تخطيطِ غزل من خلفِه! حينَ كانت الحدودُ وقتها كبيرة، حين كـان بشكلٍ صحيحٍ " في خضمِ اتفاقهما " وكان لها الحيّز الكافي في غرفـةٍ مستقلّة .. لذا استغربَ وقوفها الآن أمامه وكأن غزل واقعـةٌ في " تخطيطٍ ما "!!!
هتفَ بنبرةٍ حادة : دامها قالت لك تعلميني أنتِ فهي طلعت؟!!!
هزّت سالِي رأسها بارتبـاك، حينها شدّ على أسنـانه بصبرٍ وأغمـض عينيه، ما بالها مع تصرّفاتها اللا متعقلة هذهِ الأيـام؟!! .. أشـار برأسه أن تذهبَ وهو يفتحُ عينيه، ومن ثمّ تراجـع للغرفـة ، لا يحتاج تفسيراتٍ عديدة ليفهم أين ذهبَت، بالتأكيد قرّرت أن تتمرّد بما أنه لم يوافق على الطلاقِ ورحلَت بنفسِها إلى أمها ، ما الذي حدثَ لتتّجه لهذِه الخطوة بهذا الشكل المُندفـع؟! .. اتّجـه للطـاولةِ التي رمـى عليها مفتاحَ سيارته لحظـة دخوله، حمله ومن ثمّ خرج مباشرة وهدفهُ كـان غـــزل !!
،
في جهةٍ أخـرى ، ابتسَمت بحبٍّ وهي ترفـع " قوزال " إليها من على الأرض، كانت تتمرّغ برأسها على ساقيها العاريين أسفـل بنطالها القصير، تتمرّغ بدلال، وتشعُر فيها أنّها تشتمُّ من عطرِه الكثير ، تمنّت لو أنها استطاعت أخذَ كلّ التفاصيلِ التي جاءت منه، التفاصيل التي لا تراها سخيفةً أبدًا، لا تبهت، لا يتلاشى حضورها في قلبها ، الملابس التي اشتراها لها، الحقائب، والكثير من الذي لا تُجيدُ الأرقـام حصرها !
جنونٌ أن تبدأ بكلّ تلك الانتفاضاتِ من الشوق! جنون !!.. هذهِ الانتفاضات تعنِي أنّني وصلتُ لأقصى مراحِل الشوق، كيفَ ذلك وأنا لم أبتعد سوى بِضع ساعاتٍ وحسب؟ لم يمرّ يومٌ وأنا أشتاقك فكيفَ وصل بي الشوقُ لأوجِه؟! .. في تفاصيل صغيرةٍ أذكرك، في " قطّةٍ " أفضيتها إليّ يومًا، في ابتسامةٍ تأتِي شفاهي وأدرك أنها جاءت منك بعد أن خلقتها، في نظرةٍ يائسةٍ للحيـاة ، لأنّ لا حيـاة تكفلُ لي فرحـةً من بعدِك.
شعرَت بأمّها تجلُس بجوارها، ابتسمَت ببهوتٍ وهي توجّه أنظارها إليها، ابتسامتها الباهتة تعنِي أنها لم تعتدْ بعد، لم تعتدْ أن تكون امّها قربها ، لا تستطِيع أن تصدّق حتى هذهِ اللحظـة ذلك! لكنّها في هذهِ اللحظـاتِ تحيا ما يكفِي لعدمِ التفكير بهذا الآن.
ابتسمَت أمّها وهي تمدُّ يدها لتمسـح على ظهرِ القطّةِ التي تصلّب جسدها وكأنها لا تريدها ، لفظَت بخفوتٍ حنون : ليه اخترتِي لها هالاسم بالضبط؟
غزل تهزُّ كتفيها وهي توجّه انظارها للقطـة ، وبهدوءٍ تائه : ما أدري .. يمكن لأنها جميلة بزيادة !!!
امها بضحكة : هذا سبب؟
غزل بابتسامة : بس جاء ببالي وقتها.
امها بشرود، لم يُعجبها أنها تحتفظُ بهذهِ القطة وهي ذكرى من سلطـان، لكنّها لم تستطِع أن تعترض على ما تريد ابنتها : ممممم.
غزل ترفـع وجهها إليه، ملامحها غطّاها القليلُ من التردّد وهي تلفظُ بتساؤلٍ مرتبكٍ وتُشتّت عينيها : ممكن أسأل عن شيء؟
ابتسمَت امّها بحنانٍ وشغفٍ والأحاديثُ باتت تعشقها إن كانت ستطُول بينهما : اسألي حبيبتي ..
غزل بتردد : ليه طلقك؟
فترتْ ملامـح امها فجأة وأثلـج صوتُها في حنجرتها فانقطـع اتّصـال الأصوات، شعرَت غزل بجمودها بجانِبها ، حينها رفعَت رأسها بخوفٍ وهي تلفظُ بتلعثمٍ مذعور وتتداركُ ما قالت : آآ .. آسفة خلاص ... اعتبريني ، اعتبريني ما سألت . .
مرّرت أمها عينيها على ملامِح غزل، وابتسمَت بأسى ، ليسَ من السؤال بحجمِ ما كـان بسببِ ردّةِ فعلها الآن لأنها صمتت في لحظـةِ بهوتٍ من سؤالٍ باغتها .. ابتلعَت ريقها بصعوبـة، ومن ثمّ رفعَت كفّها لتضعها على كتِفها وهي تلفظُ بخفوت : ما عصّبت منك .. بس فاجئني السؤال ...
تراجعَت للخلفِ وهي تمرّر لسانها على شفتيْها، وبهدوءٍ ونبرةِ امرأةٍ قويّةٍ لم يكسِرها خذلانُ رجـل : ما تهمنـي أسبابه اللي ما ذكرها أصلًا !! فجأة وصلتني أوراق الطلاق ، وتدرين وش كان شعورِي وقتها؟ الراحة .. بس الراحة!!
قوّست غزل شفتيها للأسفـل وعينيها تُظلمانِ بحزنٍ مرير، لو أنّها مثل أمّها ، تتجاوزُ سلطـان ولا تُجـرح بنصل فراقه؟ لو أنها مثلها .. قد ، قد ترتاح؟! .. أفرَجت شفتيها بعذابٍ وهي تتنفّس من بينهما بتعرقـل، بتحشرجٍ يهوى اختناقها، يهوى أن تصـل لأوجِ الاختنـاق، ومن ثمّ يمدّها بأكسجينٍ في غضونِ ثانيتين، لينقطـع من جديد!! . . كيفَ تعقدُ مقارناتٍ بين سلطـان ورجلٌ كوالدها؟ كيفَ تُسيء لهُ بهذهِ الطريقة ولا وجـه تشابـه بينهما! لن تستطِيع، لن تستطِيع أبدًا أن تتجاوزه، هذهِ الدائرةُ التي تطوفُ في خطوطِها لذيذة! لذيذٌ أن تحبّه حتى الممات ، لذيذٌ هذا العذاب .. لا تريد أبدًا أن يزول ولا تريد أن تتجاوزه إطلاقًا !!
أردفت أمها وهي تبتسمُ بأمـل، تمسـح على خدِّ غزل برقّةٍ وتهمسُ لها بحنان : البيت هذا كان مسجّله باسمي من فترة، شكله كان مخطّط ويمكن أشفق على سنيني معه للحظة !! بس للنهايـة ، أنا ما أبي أعيش على ذكرى منه ، عشان كذا أخطط أبيعه بس بعد ما تتطلقين من سلطان، أبي نبدأ من جديد بعيد عن أي ذكريات قديمة هنا ... شرايك؟
نظـرت غزل لها بعينينِ ضائعتين، كلماتٌ كثيرةٌ تغزوها، تكاد أن تخترقَ حصنها/شفتيها وتمضِي إلى مسامع امّها التي سترفـض بالتأكيد ما يجول في عقلها .. الفكـرة المجنونة! والتي تدرك أنها خطـر ، أنها خطرٌ عليها .. لكنّ جزءً كبيرًا منها يحترق، يتألّم لصمتِها !!
هتفت امّ غزل وكأنها شعرَت بها وبرغبتها في الحديث : تبين تقولين شيء؟
نظرَت غزل لعينيها لتومئ دون شعور، حينها ابتسمت امها وهي تشدُّ بكفها على خدّها وتلفظَ بحنانٍ صافي : قولي .. لا تترددين يا عمري.
غزل بضياعٍ وهي توجّه أحداقها لزاويةٍ بعيدة، لزاويـةٍ غيرِ مرئيـة، لزاويةٍ تحشُر أحداقها فيها وتسحقها، لجزءٍ مُظلمٍ يقتـل ضوءَ الصبـاحِ في روحها : أفكّر .. أفكّر أعلمه بكل شيء ..
تسللت شهقـةٌ من أمّها ، لتبتلعَ غزل ريقها بتوترٍ ودون أن تنظُر لها أردفت بصوتٍ مرتعش، دون أن تُغـادر تلك الزاويـة ، التي تغرق فيها ، وتغرق أكثر : غلظت كثييير .. غلطت بحقه كثير ، ولو طلعت من حياته كذا بغلط بحقّه أكثر ، لازم يدرِي يا يمه ، مثل ما كذبت عليه ومثل ما خدعته .. لازم يدري ... ويكرهني !!
*
لازالت تذكـر ، ليلةً دخلَت فيها غرفتها تبكِي، هذهِ المرّة ، وفي تلك الليلـة ، كـانت قد بكَت، قبل أن تدخـل غرفتها حتى! استسلمَت للدموعِ أمام البـاب ، وسقطَت ، بينما وجنتها ملوّنـةٌ بآثارِ صفعـةِ ما قبل دقائق ، لأنها فقط ، وقفَت في وجهِ والدها ، وصرخت لأول مرةٍ أمامه " ما أبــي أتزوجه "! وكـان زواجها بِه – خلال يومينِ – فقط . . جلسَت على السريرِ وهي تضعُ كفّها على وجنتها وتبكِي بحزنٍ وانهزام ، كيفَ يريدها أن ترتبطَ بهذا الرجلِ وقلبها مرتبطٌ بآخر؟ كيف؟!!!
مدّت يدها للهاتِف الموضوعِ على الكومدينة، ابتلعَت ريقها بغصّةٍ والتهابُ وجنتها لا تشعُر بهِ الآن ، جسدها من الداخِل يحتـرق، لذا كلّ احتراقٍ خارجيٍّ كان لا يعنِي لها شيئًا أبدًا !! اتّصلت بِه هو ، لا أحـد سينقذها من كلّ هذا إلا هـو !!
ردّ عليها بعد رنّتين فقط ، ليندفـع صوتُها المبحوحُ إليه بنبرةٍ مهزومـة : لمتى؟ تأخرت كثيير عبدالعزيز تأخرت .. زواجي بعد يومين متى ودّك تتصرف؟!
عبدالعزيز بهدوءٍ جاد : توني واصـل من السفـر ، بكرا بالضبط راح ننتهي من كل هالسخافة !!
غزل بأمل : وش بتسوي؟!
عبدالعزيز : تثقين فيني؟
غزل باندفاعٍ ودون تفكير : ما أثق بغيرك حتى نفسي!
عبدالعزيز : أبيك بكرا تطلعين معي.
قطّبت ملامحها بربكةٍ مُفاجئة وهي تشتت عينيها باستغراب : بس أنا ماقد طلعت معك من قبل!
عبدالعزيز بثقة : عادي .. سبق وشفتيني من بعيد .. هالمرة تجرئي على اللي بعده .. بنتعشّى مع بعض بمطعم وبحكي معك بالموضوع أفضل!
غزل بترددٍ وخجل : ما يصير على الجوال؟
عبدالعزيز ويدرك أنها لن توافـق بسرعة ، فهو لأكثر من مرّةٍ طلبَ أن يخرجا سويّةً فترتبك وترفض، لفظَ بحدة : منتِ واثقة فيني بعد هالشهور وإلا أيش؟
غزل بخوفٍ من أن يغضب منها : لا لا .. بس يعني مترددة لأني ماقد سويتها..
عبدالعزيز : هالمرة لازم تسوينها .. عشان مصلحتنا * برقة * من متى اللبوات تخاف وتتردّد؟
ابتسمَت بحبٍ وحين يذكر " لبوة " فهو يريدها أن تكون أقـوى ، يريدها أن تكون شرسـة، لا تنكسـر ولا تخافُ شيئًا . . همسَت بنبرةِ المعميّةِ في غياهِب حبّه : طيب بفكر ..
عبدالعزيز بحزم : ردّي الحين .. تدرين أصلًا إنّي جيت قبل سفري بيوم وطلبتك من أبوك بس رفض حتى ما قال مخطوبة أصلًا؟
شهقَت بصدمةٍ وهي تضعُ كفّها على فمها : شلون؟ ما قال لي ولا انت قلت !!
عبدالعزيز : ما حبيت أتكلم وقتها .. فقرّري الحين بنتكلّم بكرا وإلا لا؟ عندي طريقة تخليه يوافق غصب .. بس بشرط تكونين قويّة وتقررين توقفين بوجهه بدون خوف ... تخافين وأنا معك؟!
" تخافين وأنا معك "؟
كـانت مفتـاح السرّ ، لتمضـي إليه بملءِ سقوطِها! .. في اليومِ التالِي وقبل يومِ عقدِ قرآنها بسلطان التقيـا حيثُ قرّر هو، دخلَت وهي ترتعشُ بخوف، لم تشعُر بالخوفِ والتردّدِ من " المرّة الأولى " إلا حين غادرَت المنـزل بعذرِ أنها ستذهبُ لإحدى الصديقاتِ القليلات والتي كانت علاقتها فيهنّ فاتـرة، باردة لأنها أقربُ من الالتزاماتِ التي وقّعت عليها لعلاقـةِ والدها بأبِ تلك ، وعلاقة أمّها بأم الأخـرى ، كانت صداقةً فاتـرة لا تعرفها جيدًا إلا في أوقاتٍ قليلةٍ كالتسوّق والتذرّعِ بها كعذرٍ للخروج وبعض الترفيهاتِ – المملّة -!
اتّجهت للطـاولة التي أخبرها قبل وصولها وحين كانت في السيارة عن رقمها، جلَسا، كانت تعلمُ أنّ طريقه كان مزدحمًا لذا سيتأخر قليلًا، وضعَت حقيبتها جانبًا، ومن ثمّ ضمّت كفيها ببعضهما البعض وهي تزفُر وتحاول أن تُهدّئ من انفعالاتِها ، اهدأي ، لا داعـي لهذا الاضطراب ، اهدأي إنّه عبدالعزيز .. عبدالعزيز الذي تثقين بِه أكثر من أيّ شخصٍ آخر في حياتِك !!
تنفّست بهدوءٍ وهي تقنـع صدرها المُضطربَ بانقباضاتِ قلبها الموبوءِ بالربكـة، مرّت دقائق قليلـةٌ قبلَ أن تشعُر بجسدِ اقترب، كانت كاذبـةً بأنها لن ترتبك، لن تخاف، إذ ما إن شعَرت باقترابِه واشتمّت رائحـةَ عطرٍ رجوليّ نفاذه حتى شهقَت وانتفضت بخوفٍ لتقفْ بجسدٍ تصلّب ! ابتسمَ عبدالعزيز وهو يجلسُ على الكرسيّ المقـابِل لها، لفظَ وهو ينظُر لوجهها الظاهـر مباشـرة : اجلسي .. مقدّر خوفك بس اهجدي حبيبتي لا تفضحينا.
ابتسمَت بارتعاشٍ وهي تجلس، تشعر أن صوتَ نبضاتِ قلبها يصِل كلّ الجالسين ، لم تكُن في يومٍ ما قريبـةً من رجلِ بهذا الشكل! حتى عبدالعزيز لم تراه سوى مرتينِ أو ثلاثٍ ومن مسافاتٍ بعيدةٍ بعدَ أشهرٍ طويلـةٍ من التواصـل بالهاتِف والرسائل، بعد أن عرفتـه عن طريقِ إحدى برامـج التواصـل الإجتماعـي ، كانت المرّة الأولـى مجرّد حوارٍ بسيط " كتابي " ، سمحَت بما هوَ أكبـر ، حتى انصاعَت أخيرًا لمشاعـر لا تدري كيفَ اغتالتها رغـم كونِها في ذاكَ الوقتِ كانت تحتقر الرجـال أجمـع ، كيفَ وقعت! لا تدري !!
هتفَ بصوتٍ ثابتٍ واثـق وهو ينظُر بجرأةٍ لعينيها العسليّتين لتشتّتهما بتوتّر، يتأمّل ملامحها دون أن يُشيح أحداقها للحظـة : شلونك؟
غزل بتوترٍ وخجلٍ دون أن تضعَ عينيها على وجهه الذي تتمنّى لو تتأمّله من هذا القربِ الآن لكنّ ربكتها وخجلها يمنعانها، تنظُر لكلّ شيءٍ حولها، الجالسينَ في الطاولات، النـادل الذي يقتربُ منهما ، مرّرت لسانها على شفتيها وهي تهمسُ بصوتٍ خافتٍ مضطرب : بخير ..
عبدالعزيز بابتسامةٍ رقيقة : ما ودّك تسأليني عن حالي؟
غزل بخجل : شلونك؟
عبدالعزيز : حتى لو ما كنت بخير أنا الحين بأتم خير !
صمتت ولم تستطِيع أن تُجيب وهي تغرقُ في خجلها وحُمرة ملامِحها، عضّ شفتهُ وملامحها ظهرت لهُ أكثـر براءةً وجاذبيةً لعينيه، كـان ينظُر لها بشغفٍ وفجُور ، بنظراتٍ لم تكُن تنتبهُ لها وهي تركّز بأحداقها على كفيهما المضطربتين فوقَ فخذيها.
وقفَ النادِل في تلك اللحظـة قريبًا منهم، استدارَ إليه عبدالعزيز بعد أن وصـل إليه صوته، التوى فمه بابتسامةٍ باردة، ومن ثمّ لفظَ بهدوءٍ وثقة وهو يرمِي إليه نظراتٍ ثاقبـة : عصير برتقال .. اثنين * أدار رأسه إلى غزل ليردف برقّة * ممنوع تقولين لا لأنك تحبينه .. أبيك تروقين قبل لا أطلب العشاء.
أومأت دون اعتـراضٍ ليبتعد النادل عنهما ، شابكت أصابعها ببعضها ليسندَ مرفقهُ على الطاولـة ومن ثمّ خده على كفّه ، يغـرق في تأمّل ملامِحها الصاخبـة بجمالها الحاد والبريء في آن واحد، لا يدري كيفَ تجتمع حدّة الملامح مع براءتها! كيفُ تُفضـى هذهِ البراءة فقط من الضيـاع الذي يشغُر أحداقها ، من ضعفها واهتزازها !
همسَ برقّة : أحب هالجمال !
رفعَت رأسها إليه بنفضةٍ وهي تفغـر فمها بضياع ، وبتشتّت : هاه !
ضحكَ بصخبٍ لتتضاعفَ حمرة ملامحها وهي لا تدري لمَ يضحك! عضّت شفتها لتُخفـض وجهها، حينها لفظَ بتسليـة : وأحبك كثر ما تبلمين !
غزل بحرجٍ : خلاص عبدالعزيز !
عبدالعزيز : أيه قلتِ شلونك؟
زمَت شفتيها بحرجٍ وهي تدركُ أن نبرته هذهِ كانت نبرةَ غزلٍ لا يقصِد بها تكرار السؤال وتفقّد أحوالها من جديد . . لفظَت بخفوتٍ مرتبكِ بالخجـل : اترك عنك هالكلام .. خلنا ندخـل بموضوعنا مباشرة.
عبدالعزيز بمكر : لهالدرجة مستعجلة؟
غزل ترفـع وجهها إليه لتتبدّل نظراته بسرعةٍ بعيدًا عن المكـر والشغف، لفظَتْ بألمٍ مفاجئٍ وغضبٍ خافت : أحر ما عندي أبرد ما عندك!! أقولك زواجي بكرا !! وأنت ولا همّك !
عبدالعزيز بجدّية : مين قال ما همّني؟ بس مو حاب أشوفك بهالشكل! روّقي كل شيء ينحل وأوعدك بكون أن بكرا الزوج مو سلطان ذا.
التمعَت عيناها بسعادةٍ وهي تُفرجُ شفتيها بلهفـة : بكرا؟!
عبدالعزيز بابتسامةٍ رقيقة : أيه .. تثقين فيني؟
غزل وتكرّرها كلّما كرّر سؤاله .. دون تردّدٍ تُجيبه : ما أثق في أحد غيرك .. حتى نفسي !
عبدالعزيز بخفوتٍ لا يُظهِر ما يُبطـن : أيه كذا .. أبيك تثقين فيني دااايم يا عمري ..
ابتسمَت غزل بغرابةٍ من نبرتِه التي جالَت على كلمتِه الاخيـرة، إلا أنها كانت لا تزال مرتبكـة، خجِلة، لذا صمتت وهي تنظُر لقدميها وابتسامتها الناعمـة لازالت ترتسمُ على ملامِحها . .
مرّت لحظتينِ قبـل أن يصـل فيها النادل بكوبي العصير ، وضـع كوبَ غزل أمامها وكذلك عبدالعزيز ومن ثمّ مضى بعد أن أشـار له بكفّه بأن يذهب ، ابتسَم وهو يلفظُ برقّةٍ ويرفـع كوبه ليرتشفَ منه : روّقي .. وراح أبدأ أعلمك وش الخطـة عشان أصير أنا العريس بكرا.
ابتسمَت لهُ بحبٍّ وهي تتناولُ كوبها وترفـعه إلى فمها لتشربَ منه، كـانت تشعُر بالسعادةِ في هذهِ اللحظـة، ثقتـه في الحديثِ جعلتها تشعُر بأملٍ أضـاءَ كلّ ظلامِها ، تشعُر أنها تشعُّ في بحرٍ من الحبُور ، فقط معه .. هذهِ السعادة فقط معه ، لا تستطِيع أن تجِد الوصفَ الكافي لها سوى أنّه باتَ الجانبَ المضيء في حياتِها ، الجانبَ الذي يكادُ يمحقُ كلّ ظـلام . .
وضعَت كوبها بعد أن شربَت منه النصف، ومن ثمّ همسَت بنعومـة متلهفـة : يلا علّمنـي وش بتسوي؟ ما اتخيل أبوي يغيّر قراراته بس أثق فيك.
عبدالعزيز وأصابعهُ تطرقُ على كوبِ عصيرِه الذي شربَ منه القليل : إذا تشوفين أبوك ما يغيّر قراراته أجل أنا مستحيل أتراجـع بشيء أبيه ! .. وأنا أبيك أنتِ!
غزل بربكةٍ تُخفضُ نظراتها المُحرَجةِ عنه، وبنبرةٍ معترضـة : خلاص اترك هالحكِي .. خلنا بالأهم ..
عبدالعزيز بخبث : يا حلو اللي تستحي !
غزل بانزعاجٍ ترفـع وجهها إليه مقطّبًا : عبدالعزيز بطّل هالأسلوب! مالك داعـي والله !
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههه خلنا بس نتزوج بعدها نشوف إذا بتمنعيني أتغزّل فيك مثل ما أبي.
غزل وموضوع " الزواج به " بجعلها تضيعُ اكثـر وترتبك، غرقَت في خجلٍ صاخبٍ أكثر مما كانت غارقـة، ولو أنّ بعدَ قاعِ محيطِ هذا الخجلِ مساحةً لشغرتها ، لم تردّ عليه وهي تعضُّ شفتها السُفلـى بشغفٍ للحظـة التي تكون فيها زوجتـه .. بينما أردفَ عبدالعزيز بجدّيةٍ ماكـرة ما إن رآها تُرخِي عضّ شفتها السُفلى فجأةً وحاجبيها ينعقدانِ باستغرابٍ تجـاهَ أمرٍ مـا : تدرين حبيبتي .. خطّتي مثل ما قلت يبيلها وقفة منّك أنتِ بعد .. بتسوّينها من غير تردّد؟
رفعَت رأسها إلى وجههِ وهي تعقدُ حاجبيها بتشوّشٍ دون أن تفهمه، وبنبرةٍ فاتـرة : أكيد.
عبدالعزيز يبتسـم وعينـاه الجريئتانِ تعبـرانِ ملامحها ، هذهِ المرّة بوضوحٍ أمام نظراتها، دون أن يُبطنها ودون أن يتردّد حذرًا من أن تكشِف مآربـه ، هذهِ المرّة ، طالعـها برغبـةٍ عارمـة وهو يُفرجُ شفتيه ، ويفضِي إليها بخطّته .. ينطقهـا بكلّ فجور .. لتتّسع أحداقها المُرهقـة فجأة ، وتشهق ، ومن ثمّ تقف بصدمةٍ ولم يمكثْ وقوفها سوى ثانيتينِ حتى جلسَت بعجزِ ساقيها المنتفضتين ، وببهوتٍ تكذّب ما سمعت : أيش قلت؟
عبدالعزيز ببرودٍ يبتسم : اللي سمعتيه يا حلوة.
ارتعشَت شفاهها من نبرتِه الفجّة، من نبرتِه التي امتلأت برغبـةٍ جسديّةٍ بها وحسب ، نبرتـه هذه ، والتي لم تسمعها قبلًا !! .. هزّت رأسها بالنفيِ بضعف ، لتهمـس بتكذيب : ما سمعت صح انا ؟!
عبدالعزيز : إلا ..
غزل بلعثمـةٍ غيرِ مصدّقة : تبيني .. تبيني أنـا . .
لم تستطِيع أن تُكمـل الجملة وملامحها تشحُب ، تنفّست بسرعةٍ وهي تسندُ ذراعيها على الطـاولة بينما جسدها شعرَت بِه ضعيفًا ولسانها مُثقلٌ بدرجةٍ لم تجعلها ترفـع صوتها في كلماتِها المُبعثـرةِ تلك وكلماتها الآن : لا .. أنت من جدك هذا هو حلّك؟ تبينا نغلط عشان نحطه بالأمر الواقع؟
عبدالعزيز بسخرية : نغلط؟ لا حبيبتي ماهو غلط .. وبعدين وحدة مثلك وصلت لهالحد تتردّد عند هالشيء البسيط؟
صُدمت من نبرتِه ، ماذا يقصد؟ ماذا يقصد!! هل يقصد بنبرتِه تلك الاحتقار؟ يساويها بإنـاثٍ كُثر ، يقصدُ أنها رخيصةٌ حدّ أن تصـل هنا، أن تقضي جزءً كبيرًا من وقتها في محادثته، أن تجلسَ معه الآن .. فلمَ قد تتردّد في استرخاص " جسدِها " أيضًا وبيعه له؟!!
شعرت بالصدمـة تتكالبُ عليها حدّ أنها شعرَت بالغثيـان، لا تصدّق ، لا تصدّق !! لم تستطِع أن تلفظَ شيئًا وهي تقفُ ببهوت، تقفُ بانهزامٍ لا تكـادُ أن تستوعبَ معانِي كلمـاتها المحتقرةِ لها .. ماذا يعني ذلك؟ هل بالفعـل نيته الزواجُ بها؟ أن يضـع والدها أسفل هذهِ المقصلةِ ويجعله يوافق عليه رغمًا عنه ويتخلّى عن فكرة زواجها بسلطان! هل هذهِ نيته فعلًا؟ أم أنه كـان يهدف .. فقط! لنيلِ جسدِها ومن ثمّ تركها !!
لا .. لا !! عبدالعزيز لن يفعلها ، ربّما يمزح ، ربّما هي تتوهّم ذلك .. لن يقترح عليها اقتراحًا رخيصًا كهذا لأجل أن ينالها !! . . تحرّكت أقدامها دون أن تردّ عليه بشيء ، كـانت أقدامها مثقلـةً بشكلٍ غريب ، لم تكد تتحرّك خطوةً حتى شعرَت بحاجةٍ للجلوس، لكنّها عاندَت حاجتها تلك وأكملتْ سيرها في حينِ كـان هو يتابعها بمتعـة ، تريد أن تهرب ، تريدُ أن تهربَ لصدمتِها بما سمعَت حتى أنها لم تنتظِر لحظاتٍ كي تحلّل أو تسأله وهي تجلسُ أمامه ، لا تريد أن تصدّق ما قاله، تريد فقط أن تبتعد، حتى تكتشِف أنها تائهةٌ في كابُوس .. وستستيقظُ منه حين تسير!!
تسلّل الثقـل شيئًا فشيئًا من أطرافها إلى كامـل جسدِها ، ترنّحت بضعف، ورأسها أصبـح ثقيلًا، عينيها تشوّشتـا لا ترى من حولها كمـا يجِب .. شدّت على كفيْها بضعفٍ وهي تحاول أن تتماسك، لكنّها لم تستطِع ، لم تستطِع وهي تميلُ بجسدها ساقطـة ، لكنّ ذراعيه كانت أسرع، أمسكها وأسندها عليه بعد أن اندفـع إليها لحظـة إدراكه بأنها ستسقطُ الآن لا محـالة ، تأوّهت بغيـابِ وعي ، أغمضَت عينيها، ومن ثمّ فتحتهما بثقلٍ تحاول أن تقاوم .. ما الذي يحدثُ لها! ما هذا الضعفُ المفاجئ ...أنّت بضعفٍ وصوته وصلَ إليها مخضّبًا بالكثيرِ من الإزعـاج المتداخِل حولها، صوته المذعور .. أو المتصنّع لذلك! : طريق لو سمحتوا .. زوجتي تعبانة . .
لا ، لا .. ليستْ زوجته! ليسَت زوجته .. لم تصبح بعدُ زوجته .. ما الذي يقوله؟ ما الذي يفعله بالضبط !!! . . فتحَت فمها تريد أن تعترض ، تريد أن تقول " ماهو زوجي " لكنّها لم تستطِع إخراجَ صوتها بينما كـان هو يُسيّرها ويسندها إليه دون أن تشعر هي حتى بحركتها ... ما الذي يفعله؟ لمَ .. لمَ كذب وقال أنّها زوجته !!!
أنّت من جديدٍ بضعف ، وكتفها كـان في تلك اللحظـة ، يغرقُ أكثر إلى صدرِه ، لم تشعُر بشيءٍ حتى دفئه الذي اقتربَت منه بهذهِ الطريقة لأول مرّة ، لم تشعُر بشيء ... وهي تغيبُ تمامًا عن وعيِها !
بعدَ وقتٍ طويـل ، طويلٍ جدًا ! .. لا تدري كم سـاعةً مرّت ، فتحَت عينيها بثقلٍ والصداعُ يكادُ أن يسحقَ رأسها الغارقِ أسفل أطنانٍ من الجبال! هذا ما شعرت بِه من شدّةِ الضغطِ عليه ، .. حرّكت رأسها بضعفٍ وهي تتأوّه بألم ، عينيها المتشوّشتين لم تدرك بعدُ المكـان الذي كانت فيه ، أغمضَت عينيها ومن ثمّ فتحتهما مرارًا وتكرارًا حتى استطـاعت الرؤيـةَ جيدًا ، مرّرت لسانها على شفتيها الجافتين ، ومن ثمّ عقدت حاجبيها بإجهادٍ وهي ترى المكـان الغريبَ الذي كـانت فيه .. غـ .. غرفة؟!!
حرّكت رأسها بغرابـةٍ نحوَ صوتِ الهاتفِ القادمِ بجوارِها ، كان على الكومدينة !! .. رفرفت بأهدابها وهي تدرك إدراكًا جديدًا .. هي نائمةٌ على السرير! .. متى نامت في هذا المكان الغريب؟
صريرٌ كـاد أن يشقَّ رأسها نصفين ، توقّف صوتُ الرنينِ وهي تنظُر بضيـاعٍ للفـراغ/ للسقف، لا تدري ما الذي تعيشهُ بالضبط، لكنّها بالتأكيد واقعـةٌ في آثار ما بعد النوم ، عقلها نعِس، وصداعها هذا يخبرها أنها نامتْ بعدَ جهدٍ، بالتأكيد ستستوعبُ ما يحدثُ بعدَ قليل .. فقط لتسترخِي قليلًا !
لم تكَد تفكّر بذلك حتى عادَ صوتُ رنينِ الهاتِف يتصاعدُ بعد خمسِ ثوانٍ من توقّفه، عادَت توجّه نظـراتها إليه، ومن ثمّ وبثقـلٍ واستسلامٍ مدّت يدها نحوه ، من سيتّصل بها ؟ .. من غيابِ الإدراك لم يخطُر في بالها عبدالعزيزِ حتى! .. لم تفكر من قد يتّصل بها .. بل مدّت يدها بضيـاعٍ إليه، أمسكَت بِه، لكنّ يدها تجمّدت فجأةً حين سقطَت نظراتها على ذراعِها العـاري ... لحظة! كانت ترتدِي بلوزةً حمـراء ذاتَ أكمامٍ طويلةٍ قبل أن تخرج ، فمتى بدّلت ملابسها! ... تخرج !!! .. عقدَت حاجبيها أكثر، استطـاعت أن تتذكّر أنها كانت ستخرج ، إلى أين؟!
تضاعفَ صداعُ رأسها، وقبـل أن تسحَب الهاتف كانت تفكّر ، متى بدّلت ملابسها؟ . . انزلقَت نظراتها عن ذراعها لتتفقّد دون اهتمامٍ ما لبسَته بعْد تلك، فقط من بابِ محاولة التذكّر ولو قليلًا .. تشوّشها هذا غريب ، لم يحدُث أن نهضَت من نومها بهذا الشكـــ . . . شهقَت بقوّةٍ وصدمـة ، وكفها المُمسكـة بالهاتِف ارتخَت وتحرّكت فوقَ الطاولـة لتدفـع الهاتف دون تركيزٍ ويسقطَ على الأرض .. جلَست بانفعـال ، وفي سرعةٍ خاطفـةٍ كان قلبها يتصاعدُ بوتيرةِ انقباضاتِه وهي ترفعُ اللحـاف إلى صدرها ، نظـرت للأمـام بصدمـة ، تتنفّس بسرعـة ، تكـادُ تموتُ الآن وهي تسترجـع في صورةٍ خاطفـةٍ ما حدثَ قبل أن تنـام .. لا ، ما حدثَ قبل أن تفقدَ وعيها !!! .. الغرفـة الغريبـة ، وهي ... وهي !! ماذا حدّث؟؟؟ لا يمكن !! عبدالعزيز!! لا يمكن !!!
شهقَت من جديدٍ بصدمةٍ وهي تهزُّ رأسها بالنفي ، تكـادُ محاجرها أن تلفظَ عينيها .. لا يمكن! لا يمكن !! لم يفعلها بي .. لم يفعلها بي ... لم يفعلها بي يـــا الله !!!
لم تشعُر بنفسها في تلك اللحظـة وهي تبكِي ! سقطَت دموعها دون انتظـار ، وأحداقها المصدومة تنظر للأمـام غيـر مصدّقة بينما الهاتف يعود للصـراخ .. دون توقّف، لا يمكـــن .. لا يمكـــن !!
من الجهةِ الاخـرى ، شدّ على أسنانِه بغضبٍ وهو يضربُ المقودَ ويزفُر بانفعـالٍ لافظًا بحدة : هذي شفيها ما ترد؟! وججججع ما صحت للحين !
كادَ يُغلـق باستسلام، لكنّ صوتها جـاءهُ فجأة ، صوتها المكلومِ ببحّةِ ضعف ، بانهزام ، صوتها الذي كـان يغرقُ في أنينٍ غير مصدّقٍ وهي تهمـس بتساؤلٍ مجروح : ما غدرت فيني .. صح؟!
عبدالعزيز يلوِي فمه بضجرٍ وقد ملّ من التمثيلِ أخيرًا ليظهر على حقيقتهِ بعد أن حصـل عليها : يووووه فكينا من تصنّعك هذا ! .. خلاص أعرف نوعيتك عارف إنّك الحين مبسوطة بس مسوّية فيها العفيفة الطاهـرة .. خلاص ارتاحي من اليوم كسرت الحاجز اللي مخليك متردّدة ، في المرات الجايـة بتكونين واعيـة! الحين بس اطلعي من الفندق وارجعي لبيتك ، سلّمي المفتـاح للرسيبشن بينتهي موعد الحجز بعد نص ساعة.
لا تصدّق ، لا تصدّق ما تسمع !! .. لا يمكن أن يكون عبدالعزيز ، لا يمكن !! .. ابتلعَت ريقها بصعوبـةٍ وهي تهمسُ بغصّة : في .. في المـ ـرات الجاية !!
عبدالعزيز بجدّية : خلاص يا غزل تراني ملّيت من تمثيلك هذا! خلاص اعترفي لنفسك قبل لا يكون لي إنّك بغيتِي هالشيء بس اللي مخليك متردّدة هو إنك بنت.
وضعَت كفّها على جبينها لتصـرخ دون شعورٍ بانهيـار : حقييير ... حقيييييييييير .. هذا اللي كنت تبيه من البداية! لا يا ربي لااااا مو معقول شلون استغليتني !!
عبدالعزيز يتأفف بضجر : ما استغليتك! من البداية أنتِ اللي عطيتيني المجـال ، لا تتصنّعين العفة وأنتِ من جنبها !
وضعَت غزل كفها على عينيها، لا تريد أن تصدّق ، عبدالعزيز الذي أحبّته! عبدالعزيز !!! .. لم تستطِع أن تمنـع دموعها من السقوط، لم تستطِع أن تمنـع صدرها من البكـاءِ في اللحظـةِ التي كان يُردف فيها بتسلية : بكذا أبوك ماراح يزوّجك ، بس معليش كذبت عليك بسالفة أكون الزوج بكرا هههههههههههههه .. * أردف بشغفٍ ماكر * لقانا الثاني متى بيكون؟ هالمرة مثل ما قلت بكامـل وعيك . . لا تحاتين !!
لم تستطِع أن تستمـع له أكثـر ، تشعر أنّها تتمزّق ، تهوِي إلى شظايـا ، كانت تعيشُ في خدعـة! كلماتُه الآن تعنِي أنّه لم يحبّها يومًا ، نبرته الآن تعنِي أنّه لم يُرِدها هي بذاتها .. بل أراد جسدها !!
أغلقَت الهاتفَ لتصخَب في بكاءٍ منهار ، لم تبكِي يومًا كما الآن ، لم تبكِي يومًا كلحظـةٍ كهذِه انكسـرت فيها ، خُدعَت .. كان يخدعها .. كان منذ البدايـة يخدعها ليحظـى بجسدها بكلّ دنـاءة !!
لم تبالِي بالوقتِ الآن والذي تجاوزَ منتصَف الليل ، لم تهتمّ إن كـان أحدٌ سينتبه لغيابها ، لن ينتبه أحد! لذا مكثَت لوقتٍ طـال .. تبكِي ، وتعزّي نفسها ، بينمـا رسالـةٌ وصلَت إليها ، رسالـةٌ حمَلت توضيحاتٍ ناعمـةٍ منه ، حملَت كلمـاتٍ استفزّتها للبكـاءِ أكثر ( كنت محاتيك وأنتِ نايمة عشان كذا كثّرت اتصالات .. تأخرتِ بنومك وخفت ينتبهوا أهلك لغيابك مع إنّي ما أظـن .. ترانِي مهتم لتفاصيلك كلها! وما اكتفيت منّك للحين )
" يــا الله !!! " .. أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تعضُّ شفتها السفلى ، يا الله! يا الله ما بعدَ هذا الكسرِ آخر! لا يُمكـن أنّها تحيا واقعًا، لا يمكن !!
أخفضَت رأسها وهي تبكِي بشدّة ، تضمُّ الهاتفَ إلى وجهها المحمرِّ وتصرخُ بآهاتٍ متتابعـة ، بآهاتٍ تخبـر عقلها أنّها انتهَت ، بآهاتٍ تئدُ الجبـال! تسلـخ جلدَ المعانِي عن المصطلحات فتتوه ولا يُجادُ تفسيرها .. لقَد انتهَت الآن بكلّ ما تعنيه الكلمـة من معنى! انتهَت !!!
كانتْ الليلـةُ التاليـة هي ليلـة عقدَ القرآن، لا تدري كيفَ عادَت للمنـزل بعد أن اتّصلَت بالسائق وكيفَ لملمَت نفسها قبلًا! .. كيفَ واجَهت امّها التي استنكَرت تأخرها وسألتها بنبرةٍ باردةٍ حين رأتها " طالعة لهالوقت؟ " ومن ثمّ زفـرت وقلّبت عينيها دون رضـا لتذهب .. دون حتّى أن تنتبه لملامحها الشاحبـة ، دون أن تنتبه لعينيها الميّتتين ، دون أن تنتبه لانكساراتها .. دون أن تنتبـه ، لأن غزل فقدَت نفسها حرفيًا !!
لا تدرِي كيفَ تمّ عقد القرآن ، تذكُر أنها فقط كانت تُسيَّرُ كآلةٍ نفدت وقودها وسيّرها من حولها ، زيّنتها أيادي ، وكانت تخضـع لكلّ التوجيهات ، وقفَت في ليلةٍ مخضبـةٍ بالضياع وأجابت على الزواج .. دون أن تشعـر " بالموافقـــــة "!!!
*
عيني امّها كانت تنظُر لها بصدمـة ، لم تكُن تعنِي ما سمعَت ! .. نعم لم تكُن تعنِي ذلك !!! . . هزّت رأسها بالنفي ، وصوتُها الباهتُ يلفظُ بجنونٍ مُرتاب : ما قصدتيها!!
غزل بانكسـارٍ تشعُر أن روحها تتمزّقُ دون أن تفقدَ شعورها بها ، دون أن تفقدَ اتّصالها الحسيّ بأجزائها ، تحترق، ليندلعَ الألـم أكثر! : قصدتها .. أيه قصدتها .. لازم يدري ، أنا وش قاعدة أسوي فيه شلون اطلـع بهالطريقة بدون عقاب؟ شلون تبيني أعيش وأنا غارقـة بهالمعصية! .. مالِي كفارة غير إني أحكِي .. ويكرهني!!!
امها بغضبٍ مفاجئ : نعم !! أنتِ مجنونة! مجنونة !! ..
لم تردّ عليها وهي تضعُ كفّها على فمها ، بينما أردفَت أمّها بجنون : أنتِ تدرين إنّك بس بتقهرينيه؟ ما تدرين شلون قهر الرجـال شين؟ مو بس كره .. بينقهر وبيطيّن عيشتك .. وممكن فوق كذا توجعينه !
زمّت شفتيها بألم ، وقبـل أن تردّ كـانت خادمـةٌ تدخُل للغـرفةِ بهدوءٍ وتلفظ : آم سوري بات زوج ماما غزل فيه اجي.
توقّف نبـض قلبها فجأة ، وقبـل أن تستوعب ، كـانت امّها تقفُ بحدةٍ وحـزم ، وتتّجـه للخـارج .. لتواجهه!!
.
.
.
انــتــهــى
أدري البارت كان منحصر على شخصيات معينة دون البقية وممكن يطلع لكم كانه " قصير " بس نفس عدد الصفحات المعتادة بالوورد ، .. أتوقع إنه دسِم ومن البارتز المنتظرة عمومًا مو؟ :$*
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|