كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
،
رأسها ثقيل، أجفانُها انتفخَت حتى جادَت في وجهها كتلةً أثقلتها، صريرٌ يتصاعدُ في مسامِعها وهمهماتٌ لا تعيها .. عيونٌ تراقبها، وصمتٌ يندلـع من فراغِ صدرِها بينما الضجيجُ من المحيطِ الذي يكتـالُ على السكُون.
بينما عيونٌ خفقَت تراقبُ تجعّد ملامحها في المنـام، اكتواءُ شفتيها اللتينِ تمتدّانِ بآلامٍ مـا، عُقدةُ الحاجبينِ المرتّلانِ بأحاديثِ الأسـى . . وضعَت كفّها على جبينها وهي تبتسمُ بحسرة، مسحَت عليهِ حتى ربّتت أخيرًا على شعرها المنسابِ كليلٍ طويل، ليلٍ لا ينتهي أبدًا ، ليلٍ عانـد الطبيعـة ومضى، دون أن يقِف .. يولّد مجازهُ في ظلامِه، يُنبِتُ في سكونِ الأجفـانِ عن لمعـانِ الحيـاة فيبقى مُظلمًا دون شفافيّة.
كانت ابتسامتها المتحسّرة تحكِي الكثير ، وعودًا، وعهودًا قطعتها، لن تتركها لدى سلطـان، لن تجعلها تتوجّع أكثـر، إن كـان هذا الخطأ سيُلازمها طوال حياتها إلا أنها لن تتركها تُعاقَبُ عليه ولن تسمح لسلطـان أن يعلم بما فعلت .. زمّت شفتيها بألم، بينما أحداقها تراقب غزل التي أضاءت - بظلام - عينيها لها، رفعَت أجفانها الثقلةَ لتتأوّه أخيرًا لخمولٍ بعد بُكـاء، جسدها المسجّى على السرير شبـه ميّت، بينما الصداعُ يكادُ يقسـم رأسها نصفين. سقطَت أنظـارها على أمّها لتزدادَ عقدة حاجبيها وكأنها تفاجأت برؤيتها، عقلها المشوّش توقّف عند محطّة ما قبـل مجيئها، وشيئًا فشيئًا ، اتّسعت عيناها بعد أن استوعبَت لمَ هيَ ترى امّها الآن ولمَ تنـام في غرفةٍ لم تمتلكْ عطرَه ! كم تؤذي التفاصيلُ أركاننا حين لا نجدها في شيء! كم تؤذينا منذ البدايـة حين ترتبطُ بحواسّنا، هاهو أنفها اعتاد رائحة عنقه التي التحمَت بِه مرّاتٍ قليلـةً حتى الآن، عيناها باتتا ترى الدنيـا من عينيه فقط، وإن غابَ عنها ستفقد البصر، مسامعها باتت تسمع في كلّ موسيقى - طبيعيّة - نبرتهُ هو، ولسـانها يتذوّق كلماته، أصبحت ظلًا منه وأصبحَت كلّها هو.
عادَت لتغمضَ عينيها بأسى بعدَ أن استوعبَت، ارتفعَ صدرها بتنفّسٍ حزين، لم تكُن في غرفتها القديمة، وكأن أمّها أدركت انّ تواجدها فيها الآن لن يكون سوى خطأ، ستنبثق الأحزانُ أكثر، وستسمـع صوتها في كلماتٍ قديمةٍ لازالت تقبّل الزوايا، سترى طيفًا لها وكأنّ تلك الغـرفةَ المهجورةَ ليسَت إلا وكر أشباحِها الماضي! أشباحها التي تعايشَت في كنفِ القسوةٍ هنا.
تحرّكت لتنقلِبَ على جانِبها الأيمـن وتُدير ظهرها لامّها، ابتسمَت رغمًا عنها ، هوَ ينام في هذا الجانب، الله ما أجمل تفاصيله!! . . . ابتلعَت امّها ريقها من قسـوةِ حركتها العفويّة الآن، لكنّها ابتسمَت، تستحقّ الصد وتستحقّ غزل أن تصبر! . . همسَت بخفوت : قومي كلي لك شيء .. أكيد ما أكلتي من الصبح.
غزل تهمسُ بخفوتٍ ميّت/بارد : أكلت.
امّها بتأكيد : الصبح !
غزل : أيه ومكتفية . .
امّها بإصرار : غزل . . .
قاطعتها غزل بجمودٍ بعد أن اعتدلّت لتستندَ على ساعِديْها بينما كفّها تُزيح خصلاتِها عن ملامحها : أعتقد لبّيت لك اللي تبينه وانتهت خدمتي لك ، بتّصل على سلطان يجيني.
ليسَ الآن، ليسَ الآن وهي حتى لم تستطِع أن تغيّر شيئًا ! ليسَ الآن ولا بعدَ الآن أيضًا ، غزل لن تعود له ، لن تعـــووود!! . . . لفظَت بحدةٍ لم تستطِع أن تبترها من صوتِها : بترجعين له حتى بعد ما علمتيني شلون كذبتي عليه؟
جـال الحُزن على ملامِحها ، ابتسمَت ، ابتسامَةً كـانت زواياها ذابلة، ابتسمَت ، وعيناها تُظلمـان أكثر بينما جسدها يشعُر بالبردِ من فكرة نفي " بترجعين له؟" ، كيفَ لا؟ هل تستطيع غير ذلك؟ غير أن تسيرَ في حلقةٍ لا تدري ما نهاياتها، ما تعاليمها وتضاريسها، تهرولُ بين عينيهِ لا تدري ما المصير معه، لكنّها تريد أن تهرول، تريده للأبد. أجابتها باختنـاقٍ مبتسم : أيه .. برجع له ، وبظل أستمرّ بكذبتي ، وبظل أمشي في سبيله بدون هدَف غير إنّي أعيش!
امّها بأسـى : هايِن عليك وأنتِ تكذبين عليه بهالشكل؟
غزل تغمضُ عينيها وهي لا تجدُ سوى المرارةَ والحرقـة ، يُردف الاختناقُ خمارهُ على صوتِها، بل أكثر من خمارٍ واحد، ستائرُ متينة، ستائرُ تحجبُ ضياءَ الأمـل ولا تجدُ من نفسها سوى اليأس، انهـار صوتُها الجامـد، اختنقَ أكثر ليخرج إلى مسامِعها مشوّشًا مغلّفًا بالضيـاع : هاين علي؟ شلون وأنا لما قرب منّي ما قدرت أقبلها بحقه .. أنا أصغر منه ، حقييييرة عشان يعطيني هالمكانة . . . * أردفت بيأس * فيه مجال يتقبّل الصياد غزال كلّه أوساخ؟ فيه مجال غير إنّه يغسله من أوساخه؟ شلون طيّب وأنا اللي فيني أكبـر من إنّه يروح، شلون؟
عضّت طرفَ شفتِها وهي ترى هذا الحبّ والاحتيـاج الصارخ في أحداقِها، الذي غزاها هذهِ المرّة بأقصـى قوّةٍ وقسـوة .. " شلون؟ "، هذا السؤال الذي علِق بينهما لوقت، علقَ بينهما للحظـاتٍ طالَت ، كيف؟ هل هنـاك مجالٌ ليرضى بها؟ هل هنـاك طريقةٌ تجعلها تعيش ، تعيشُ معه بطبيعيّةٍ تامـة ودون أن ينقّصَ على حياتهما شيء؟ دون أن تتعرقـل ودون أن تنكتَ فيها نكتةً سوداء؟ ... كيف؟
مرّرت غزل لسانها على شفتيها وهي تجلسُ بشكلٍ معتدل، سقطَ اللحافُ لتسقطَ معها كلمـة ، فكرة ، لم تجئ من حنجرةِ غزل بل جاءت من امّها التي لفظَت بنبرةٍ متردّة ، بنبرةٍ كان فيها عدم الاقتنـاع واضحًا : تقدرين تغتسلين من اللي كـان . .
نظرَت لها غزل بسرعةٍ وهي توسّع أحداقها دون تصديق ، وبأمل! أيّ حلٍّ قد يبزغ؟ أيّ حل؟ .. هل هنـاك فعلًا ما سيجعلها تبقى معه وتعيشُ بسعادةٍ دون متعرقلات؟ هل هنـاك؟!!
لم تستطِع أن تسألها، صوتها المتحشرج لم ينصـاع، بينما أدرفت أمّها بخفوتٍ وهي تشتّت عينيها : عملية ترقيع ..
لم ترى في تلك اللحظـة نظرات غزل التي صدمَت، كفّها التي ارتفعَت لتغطّي فمها وهي تهزُّ رأسها بالنفيِ غيرَ مستوعبـةً اليأس الذي يحيطُ بها، إن كـان هذا هو الحلّ الوحيد .. فلا حلول! لا حلول أبدًا إن ظلّت تستمرُّ في الخـداع ، إن كـان هذا هو الحلّ الوحيد ... فلن تبقى ! هذهِ هي الإجابة ، سلطان ليسَ لها، ولن تكون له أبدًا ، سلطـان سيمضِي في طريقٍ بعيد، في شُعبٍ آخر بعيدًا عنها، سلطـان الذي خلقَ فيها الحيـاة، سيموتُ من حياتِها! لتموتَ من خلفِه.
رفعَت كفّها لتغطّي بِها حُزن عينيها، ابتسمَت بيأسٍ حتى ظهرتْ أسنانها . . . محطّمـة، هذه الأقـاويلُ تنسكِب، لتحطّمها اكثر وحسبْ! الحلولُ المبتورةُ ساقها، كيفَ عساها تحملني إليك؟ كيفَ تكون الأمل الذي لا يمضي؟ .. انسكبَت النهايـة منذ البداية، قبل أن ألتقيك ومنذُ أذنبت في حقّ نفسي، انسكبَت النهاية منذُ كُنت غزل ولم أكن " غزالتك " البيضاء ، كم هو قاسٍ أن تكون النهايـةُ مكتوبةً لنا، ونحن حتى لم نبدأ! .. لي الذنبُ ولكَ الكمـال، لي الحسرةُ ولك الصد، لم تأتنِي قبلًا ولطالما كانت حسرتِي بذلك تتكرّر، لم تأتنِي قبلًا!! لو أنّك جئت أبكر! لكنت الآن أحضى بكَ وأتمرّغ في أحضانِ عينيك . . .
تلاشَت ابتسامتها لتزمّ شفتيها أخيرًا وهي تُخفضُ كفّها عن عينِها الدامعـة، لي الذنبُ في حقّ نفسي، ولوالدي أيضًا ، كم من القسـوة يملك حتى يستغلّ امرأةً أمام رجلٍ مثله؟ ألم يخشى منذ البدايـة أن الوقوع في عينيهِ سهل؟ أنّه واللهِ كامـلٌ حدّ أن تجدَ الإناث البذخ لديه .. كيفَ فعلها بِي؟ وجعله يحضى بقلبـي ومضى؟ كيفَ سلّمني إلى أنقى الرجـال وهو مطمئنٌّ أنّني سأعودُ كما أنا؟!
الآن ترى الظـلام ينتشـر أكثر بانتشـار اليأس ، وهي تدرك إدراكها الأخيـر " لا حـــلول ، انتهيــــنا منذ ابتدأنــا "!!
لم تردّ على اقتراحها ذاك، وكـان صمتها وحدهُ إشارةً للرفض، الصمتُ الجاف هو الذي لا يعني الموافقـة بحجمِ الرفض .. تنهّدت أمّها بيأسٍ مماثـل، مسحَت على وجهها، ومن ثمّ لفظَت بالذي تريده منذ البدايـة والحلّ الوحيد " لتبدأ من جديد " وليس لتمضي معه : اتركيه .. هذا الحل الأول والاخير .. اتركيه ، إذا ما ودّك تخدعينه أكثر وإذا ما يهون عليك ... ودامك ظليتي طول هالفترة متزوجته فهذا يعطيك المجـال عشان تبدأين من جديد، محد بيعرف عن شيء ومع الزمن بترجعين تحبين اللي يسعدك .. راح يكون طلاقك منّه بداية جديدة لك.
ضحكَت بسخرية، ودمعها أثقل أهدابها حتى اهترأت وسقطَ لتشعر أنّه حمّل الهدَب المُهترئ بملوحتِه معه، هزّت رأسها بالنفي، ولم تستطِع أنْ تمنـع نفسها من أن تغصّ في خيباتِها وتبكِي من جديدٍ أمامها، لم تستطِع إلا أن تنفجـر ببكاءٍ صاخبٍ وهي تضعُ ظـاهرَ كفيها على عينيها، تشرح خسارتها من جديدٍ وتنطُقـه ببكائها، تشرح مقدار اليأسِ الذي لم يجلُب لها حلًّا، كيف يُقـال بأنّ لكلّ مشكلـةٍ عشراتُ الحلول وأنا أبحثُ عن نصفِ حلّ يجعلني أحضى بِك ولا أجد؟
انخفضَ السريرِ بجانِبها، كانت أمّها التي جلَست حتى تحيطَ بها أخيرًا وتتركها تبكِي على صدرِها، زمّت شفتيها وهي تشعر بالألـم يغزوها من بكائِها، بينما عادَت غزل تتمسّك بها، تحتاجُ صدرًا تبكِي عليه غير صدرِه، تحتاج صدرًا آخر كي تستطِيع الانحلالَ من صمتِها وتشكو من كلّ شيءٍ دون تحفّظٍ خائفٍ من أن يكتشفها . . . انتفضَ جسدها وهي تشهقُ وتتمتمُ بحسرةٍ وخيبة : طلاقي منّه بداية جديدة؟ شلون تقولين إنّ نهايتنا بداية لي وأنا أشوف إنّي ما بديت إلا عنده! .. بدايتي ونهايتي عنده هو بس .. شلون بقدر أبعد؟
امّها بحسرة : الحب ماهو كل شيء!
غزل : أدري .. بس أقسى شيء! لأنّي أبيه بس ما أقدر بسببي .. بسببي أنا وبس !! أبيه بسبب هالحب .. ليه عرفته وسوّاها فيني أبوي؟
رفعَت رأسها لتنظُر بملامح عينيها المتضبّبتانِ بالدمعِ إليها، ارتعشَت كفوفها، ونبرتها تخفت بحزن، عينيها تسكبان الدمـع بينما أجفانها ترتخي أخيرًا وهي تردف بشكوى صادقـة، تشتكِي لأمها وتعترفُ بالتفاصيلِ التي أهلكتها، تعترفُ بالماضي الذي أحال حاضرها ومستقبلها وحبّها إلى خراب! : بتصدّقيني .. لو قلت لك ما كنت راضية ! .. والله العظيم حبّيته بس ما كنت راضية باللي صـار ..
عضّت سبابتها وهي ترتعش، تستعيدُ كلّ شيءٍ وتبكِي حسرةً أكبـر، لم تجِد يومذاك من تقولها له، من تخبره الحقيقة ويصدّقها، لم تجِد من ترتّل عليه ذنبها وذنبَ ذاك دون أن يصدّق أحد، لم أكن راضية! هل هذا يكفي؟!!!
دفَنت وجهها في صدرِ أمّها بخزي، تحشرج صدرها بشهقاتِها وهي تتكوّر بين أضلعها كطفلةٍ أذنبَت وتخجل من ذنبها، أردفَت بغصّة : كـان يواسيني كثير ، كـان يحس فني عكسكم ، كل ما بكيت رحت أعلمه وأقوله عنكم ، أقوله شلون تجرحوني كثير وشلون تأذوني وشلون كنت أمسك نفسي عشان ما أبكِي قدّامكم بس أبكي من وراكم .. هو الوحيد اللي كـان يدري عن حزني وقتها! بس أزعل أتّصل فيه وأشتكي له، بس أعصّب أتصل فيه وأفرّغ عصبيتي عنده وهو بس يقولي لا تكتمين . . . ليتني كتمت !
عضّت شفتَها وهي تنتحبُ أكثـر وتُغمضُ عينيها بعذاب، وصوتها يكاد أن يتلاشى، يخفت، يصير عدمًا : كذَب علي يا يمّه ، كذَب علي !
ومصير هذهِ الكذبـة ، أن التصقَت بها حتى هذهِ اللحظـة ، أن التصَقت بها لتخسـر الصادق والنقيّ ، لتخسـر سلطـان ، بسببِ كذبةٍ وخداع ! .. والآن هاهي تكذبُ أيضًا ، هاهيَ تكذبُ وتخدع كما فعل معها غيـرها ، هاهي تكذبُ على شخصٍ نقيٍّ كمـا كذب عليها شخصٌ قبلًا وهي منكسرة ! استغلّ انكسـارها ، لتخسر كلّ شيء !!
لم تستوعِب في تلك اللحظـة أنّ أمها كانت قد بكَت معها أيضًا وهي تضمّها إليها بذنب، الكُل مخطئ، وهي خطأوها أكبر، الكلّ مخطئ، حتى غـزل ، لكنّها كـانت البعيدةَ جدًا، المهملـة، والتي لم تكُن بجانبها، التي لم تحمِها ولم تمارِس عليها عواطـف أمٍّ مخضَت فيها وتألّمت حتى انجبتها .. الكلّ مخطئ ، لكنّ خطأها أكبـر !!
انحنَت لتقبّل جبين ابنتها بأسى، أطالت في قبلتها بينما غزل تشدُّ على كتفِها وكأنها تحتاج هذهِ القبلـة الحنونة ، من غير سلطان! تحتاجها حتى تسكبَ الأكثر من أحزانِها، وليسَ الكثير وحسب.
مسحَت أمّها على شعرها ، ضمّت وجهها إلى صدرها، ومن ثمّ هتفَت باختنـاقٍ يائس : خلاص ، طاح الفاس بالراس وكل شيء صار وانتهى ، ما ينفـع الندم ، لازم تندمين ونندم، ولازم نحزن بسبب اللي صار بس مافيه فايدة من كل ذا غير إنّنا نوجع نفسنا أكثر ..
غزل بيأس : طيب أبي أندم وأحزن وأوجع نفسي .. بس سلطان . . .
قاطعتها امّها وهي تهزّ رأسها بالنفي : للأسف يا غزل ، اقنعي نفسك إنّه مافي لكم حياة مع بعض .. ماراح يرضى، ولا أنتِ بترضين تكملين خداعك له ... مالكم غير الفراق.
،
نـزل من الأعلـى وهو يتثاءب، نـام مطوّلًا، يستيقظُ على صوتِها عند الصلاةِ ومن ثمّ يذهب للمسجِد ويعودَ ليغرقَ في نومِه . . وجهه شبـهَ منتفخٍ الآن ومُبلّل، لم يقم سوى بتفريش أسنانِه وإغراق وجههِ بالماءِ ومن ثمّ نزل . . بحثَ بعينيهِ عنها وبضجر، وجدَها تجلسُ أمام التلفـازِ وفي يدِها " نسكافيه " ترتشفُ منه، لـوى فمه، لم تنتبه له بينما تحرّك هو باتّجاهِها حتى وقفَ بجانبِها ليتثاءبَ من جديدٍ ومن ثمّ يلفظ : هييي بنت ..
شهقَت إلين بذعرٍ من صوتِه الذي جاءها فجأة، نظـرت لهُ بنظرةٍ مُجفلةٍ لتلفظَ أخيرًا ببهوت : أنت صحيت؟ يعنِي ما مت للحين؟!!!
زفـر بغيظٍ ومن ثمّ مدّ يدهُ بشكلٍ مفاجئٍ ليأخذ كوبها ويتحرّك مبتعدًا عنها : لا حالف ما أموت قبل لا تموتين فيني.
إلين بسخريةٍ تنظُر لكفّه التي تحمل كوبها بحقد : لا تحلم حتى ... اففف وش ذا الحظ وأنا قالة بخاطري أكيد تسي تسي قرصته وبيموت قريب.
أدهم ينظُر إليها وهو يرفعُ أحد حاجبيه : تسي تسي بعينك ... وينا فيه؟ بأفريقيا!!
إلين تضعُ ساقًا على أخرى وهي توجّه جهاز التحكم بالتلفازِ نحو الشـاشة لترفـع صوتَ الفيلمِ إلى أعلى درجةٍ بعناد، وبصوتٍ عالٍ كي يصلهُ بينما الأحاديث اعتلّت من التلفازْ باللهجـة الامريكيّة البحتـة : البيت هذا صحراء شال كل حيوانات الصحاري فيك أنت.
أدهم يهزُّ رأسه بالنفي " يأسًا " : قليلة أدب ما تتعدلين لين يجيك كف يقلب وجهك.
لم تسمعه جيدًا، لكنّها تبيّنت " كف " و " ووجهك " لذا استنتجَت ما قال .. أغلقَت التلفازَ لتنظُر إليه وهي ترمِي جهاز التحكّم بجانبها وتلفظ بامتعاضٍ وقِح : جرب وأنا برده لك عشر.
أدهم يرتشفُ من كوبها بـ " روقان " ومن ثمّ يخفظه ليردف ببساطة : متزوج لي رجّال ..
إلين تريد أن تغيظه وبروده يستفزّها : أرجل منك والله.
أدهم يتحرّك مبتعدًا : أدري ... بغينا أنثى بس للأسف خاب الظن.
إلين بقهر : الله ياخذك.
أدهم : يا حبي لك بكل أشكالك المُحبطة .. بالله في مرة توها متزوجة تلبس لزوجها هاللي لابسته؟
نظـرت إلين بغيظٍ لملابسها، رفعَت حاجبها، كـانت ترتدِي قميصًا طفوليًا بلونٍ زهري يصِل لكاحليها وفي منتصَف صدرها يرتسِم عليه صورة " تويتي " ، شعَرت بالحرجِ رغمًا عنها، تباسَطت فيما ترتدي بشكلٍ طفوليٍّ لأنّه نائمٌ وأطال في نومِه فلم تتوقّع أن ينهضَ قبل أن تبدّل ثيابها . . . انفجـر ضاحكًا رغمًا عنه من وجهها الذي احمرّ من الاحراج، وبتسليـة : فديت البزرة .. دمّرتي كل مفاهيم الموضة والأناقة بهاللبس، باقي فيه أحد يلبسه؟
إلين بحرجٍ تنظُر إليه لتلفظَ بامتعاض : انقــــــــــــلع !! حصلته من امي.
أدهم الذي يدرك أيّ أمٍ تقصِد : مع احترامِي لها بس ذوقها .. ممم ما عندي تعليق.
إلين تقفُ بغضبٍ وكأنّها تريد أن تقاتل الآن لانتقادِه : ولا كلمـة ، جابته لي من سنين بس ما كنت ألبسه، كان وقتها طويل علي.
أدهم : هههههههههههه أنتِ قصيرة أصلًا شلون كنتِ قبل؟
لوّت فمها ووجهها اشتعل بغيظِه : مالك شغل ، قصيرة بس أرجل منّك.
أدهم يهزُّ كتفيه ومحاولة استفزازه لا تجلبُ لها نتيجة : سبق وقلت أدري !
إلين تصراخُ صرخةً مكتومـة لتُردف بقهر: عصّب طيب لا تقهرني كذا !!
أدهم يبتسم حتى ظهرت صفّ أسنانه : وإذا عصّبت خفتِ مني وشفتك تتنافضن ، سكتنا رجعتِ تسبين وتناقضين خوفك وهكذا دواليك . . . المهم يا حلوة كثرتي حكي بزيادة اليوم، قومي سوّي لي شيء آكله جوعان.
تحرّكت وهي تكاد أن تنفجـر، وبحنق : فوق منت ماخذ كوبي تتشرّط .. بس هيّن والله لخليه كلّه فلفل.
أدهم : هههههههههههههههههههههههههه بزرة بس تراني أحب الأكل الحار على فكرة.
ابتعدَت للمطبخِ دون أن تردّ ليردف بضحكة : المهم ما تعرف إنّ الأكلات الحامضـة عدوّتي والله إن تذبحني.
تحرّك ليجلسَ أخيرًا حيثُ ما كانت تجلُس، تنـاول جهاز التحكّم ليفتح على ما كانت تُطـالع، ابتسم، بينما جانبٌ من كوبِها طُبع عليه لونٌ زهريٌّ باهِت رسمَ جزءً من شفتيها، المخادعـة تباغتـه بألوانِ " مرطّباتِ شفاهٍ " لا يلحظها، لا تتغنّج لهُ بزينـتها ككلّ النسـاء، حسنًا حالهما ليسَت طبيعيّةً حتى الآن ومن المضحِك أن يفكّر بذلك.
شربَ من نفسِ الموضِع الذي كانت تشربُ منه، بينما مرّت لحظاتٌ حتى بدأت أنفُه تشمُّ رائحة ما تطبـخ، ابتسم ليتمتم : الوقحة زين ما تفكّر بعد تجوعني .. لا فيه أمل تتعدّل.
قلّب بين القنواتِ وقد بدأ الملل يجتاحـه، نظر للساعـة من هاتِفه ليرى أنّها لم تتجاوز حتى الربع ساعـةٍ منذ أن ذهبَت، مطّ فمـه، وفكّر بأن يذهب لها ويستفزّها من جديدٍ لكنّه تراجـع عن ذلك وهو يتّجه تلقائيًا للأسماءِ المسجّلة لديه، ابتسم ابتسامةً خافتـة وهو يتّجه لاسمه، يدرك الحـال الذي تركه فيها آخر مرّةً ويتمنّى أنه الآن أصبـح أفضل ، انتظـر للحظاتٍ طالّت، حتى وصلَه الرد ليهتفَ مباشرةً بمشاكسـة : يا هلا بالغثيث مـاجد . . .
قاطعـه صوتٌ آخر لم يكُن صوتَ متعب : معك شاهين مو ماجد ذا ..
اتّسعت عينـاه بصدمـة، ومن ثمّ حرّك الهاتف باتّجاه أذنـه ليتأكّد من الرقم الذي اتّصل بِه، شحبَت ملامحه حين رأى أنّه رقم متعب، ومن ثمّ أعاد الهاتف إلى أذنه ليلفظَ بخفوتٍ متوجّس : وش جاب جواله لك؟
شاهين بسخرية : أنت يا حبيبي. .
أدهم باستنكار : أنـا؟!!
شاهين : أيه .. علّمته باللي قلته لك صح؟
أدهم يعضُّ شفته وكأنه يخشى ما سيردفه الآن : يعني أيش؟
شاهين : كانت غلطتك إنّك ما سمعت لشكوكك ووصّلت الكلام له ... كذبت عليك ومتعب صدّق .. لهفته لهالفكرة خلّته يجرّب يصدق هالمرة ...
وقفَ أدهم بسرعةٍ وعينـاه تتّسعانِ أكثـر، ألمٌ أحرق أحشاءهُ وهو يتنفّس بانفعـالٍ غلّف كلمـاته التي خرجَت سريعةً بذعرِه : وينه؟
شاهين يحرّك كفّه ببرودٍ وهو يلفظ : أبد .. جاني وصار الحين - بح -!!
شعر بجسدِه يرتخِي فجأة، نفسُ ردّة الفعـل، نفس الفراغ وذاتُ الصدمـة ، تغادره أنفاسه ويختنقُ فجأة، تنطفِئ أعينهُ كمـا حدثَ يومذاك ، حينَ ظنّ أنه ماتَ على يدِ فيصل .. لا ، لا يمكن أن يكون الآن ماتَ على يدِ - أخيه - هذهِ المرة! لا يمكن !!!
تراجـع للخلفِ بصدمةٍ ليسقطَ جسدهُ جالسًا على الأريكـة وهو يستعيدُ كلّ هوانِه في تلك اللحظـاتِ وحُزنه، كيفَ يحدثُ ذلك؟ كيفَ يعيشُ معاناةٍ موتِ شخصٍ ما مرّتين؟ كيفَ يحدثُ ذلك؟ لا يعقــل !!!
كـان تنفّسه يصِل بعلوّه إلى مسامِع شاهين الذي كـان يبتسمُ بينما متعب أمامه لم يكُن راضيًا بالرغمِ من موافقتِه لخدعةٍ ما منذ البداية لكن ليست هذِه! . . ابتلعَ أدهم ريقهُ بصعوبةٍ ومرارةُ صديدٍ حُشرت في حنجرته، وباختناق : بذبحك !
شاهين يكتم ضحكته المتسلية : اوووه خوّفتني.
أدهم بغضبٍ ينفجر صارخًا فجأةً : بذبحك يا **** والله لوريك نجوم الليل بعزّ الظهر . .
خرجَت إلين في تلك اللحظـة مذعورةً من صراخـه، وقفَت عند بابِ المطبـخ وهي توسّع عينيها لافظةً باستفهامٍ وخوف : شفيك تصارخ؟!!!
أدهم يتحرّك بحدةٍ نحو البـاب وهو يصرخ في وجهها : انخرسي أنتِ !!!
لم ينظُر إليها وهو يتّجه للبـابِ بغضبٍ ونارٌ تصاعَدت في صدرِه، لفظَ بوعيدٍ بينما أجفل شاهين هذهِ المرّة لصراخِه الأخير الذي ألقاه على إلين : وينك أنت؟ لو واثق من نفسك علمني بمكانك عشان أوريك العلم الصح.
شاهين يبتسم تدريجيًا بتحدّي حتى لفظَ وهو يشيح بوجهه عن متعب الذي كان يحذّره بحدةٍ بعينيه : المكـان اللي شفت فيه متعب بالمرة اللي فاتت ... تعال عشان تلحقه.
،
" لو ما تجي باخذ معاي الليل والنجمة وأجي "
تلك الكلمات كانت مطبوعـةً على ورقةِ شفتيها اللتينِ تمتمتا بِها، وبغيرها من الأبياتِ والنصوص والأحاديثُ " الفارغـة "، بالنسبةِ لها باتت فارغـة! لا تزيّن الحب التافـه إن خلا من مقوّماتِه، العطـاء والمبادلـة، أو كما آمنت ... الحبّ دائمًا لا يكفي إن أصبح دون احترام، أن يحبّ الانسان شخصًا تملكًا ويجرّده من حقوقِه وأساليبِ سعادته.
سكَبت تلك الكلمـاتِ على ورقـةٍ مصفرّةٍ كعينيها، تتلاعبُ بقدميها أسفل الطاولـة وهي تُريح هاتفها على الطـاولة وتقرأ كلمـاتٍ ثمّ تجرّب كتابتها على الورقِ بخطٍ مـا دلالة الضجـر.
" نحنُ قومٌ إذا مسّنا الحب لم نتركه يتغلّب على كبريائنا "
لتتبع في نفسها بسخريةٍ مُرّة - يبدو أنّني لم أكُن يومًا شرقية -!! . . . أو ربّما الموضوع مجرّد " عدم التعميم "، هل امتلكتُ نفسًا غير شرقيّةٍ حتى خسرتُ كبريائي أمامك؟ الأمـر سيان، وأنا في النهايـة حمقاءٌ في كلا الجهتين.
رمَت القلمَ الأسودَ بجانِب الدفتـر لتزفُر بضجرٍ وتُعيد ظهرها للخلف وهي تغمضُ عينيها، أمالت رأسها للوراءِ حتى استطال عنقها وساقيها يمتدّان إلى الأمام ، تمتمَت " تدندن " : لو ما تجي باخذ معاي اللي والنجمة وأجي . . . أتوقع ماراح أجي، مين تكون أصلًا؟
لامست جبينها شفاهٌ دافئةٌ قبّلتها لتشهقَ بذعرٍ متفاجئةً وهي تفتحُ عينيها وتتحرّك باضطرابٍ كادت بِه أن تقع من الكرسيّ إلا أنه أمسك كتفيها وثبّتها وهو يضحك : أكون النجمة والليل اللي بتاخذينهم.
نظرت لملامحهِ ببهوتٍ وقلبها يضربُ قفصها الصدريّ بذعر، تنظُر لهُ بفتورٍ ليعتلي بضحكاتِه وهو يشدّها كي تقفَ مُردفًا : فيه شيء حلو لك تحت ... تعالي.
تحرّك قبلها، لتُميل فمها وهي تلفظُ بببرود : مشغولة حاليًا.
سيف يبتسمُ وهو يدرك أنها تكذِب : لو ما تجي بآخذ معاي الليل والنجمة وأجي.
ديما بجمود : احنا نهار ، مافيه نجوم ولا ليل.
ضحكَ بعمقٍ ليردف : مجرد مجاز وأسلوب مبالغة ، محد يقدر يشيل النجم والليل من الأساس.
ديما باعتراض : المعنى أعمق من كذا.
سيف : أجل شوفي كلامي من ناحية العمق .. لا تفكرين بالمنطق.
ديما بسخرية : المنطق اللي ما جابك؟
سيف بابتسامة : المنطق اللي ما كان معك في حبّي.
ديما بانزعاج : تعترف إنّك سيء؟!
سيف يهزّ رأسه بالإيجاب : سيء وأومن إن الحب يخفي هالسوء عشان كذا حبيتيني بعيد عن المنطق.
ديما : تراني أشوفك سيء!
سيف يرفع حاجبيه دون أن يفقد ابتسامته : في الوقت الضائع شفتي . . . امشي قدّامي أشوف.
ابتسمَت بغيظٍ واضحٍ لتقفَ ويسقطَ الوشاح الخفيفُ عن كتفيها بلونِه البنيّ المُحترق، ظهر جزءٌ من كتفيها المرمريين من " البدي " الأسود، بينما تحرّكت أقدامها وجزءٌ من ساقِها ينكشفُ من بنطالِها القطنيّ الأسودِ أيضًا، رفـع أحدَ حاجبيهِ متسلٍ بتأمّلها بينما لفظَت بصوتٍ باردٍ أخفت منه غيظها الذي كان يراه بوضوح : حاضر يا بعلي.
سيف : ههههههههههههههههههه من أي عصر جيتي؟
ديما ببرود : العصور الوسطى.
سيف بحبور : وأنا أشهد ، أخذتِ من هالعصر فتنـة تضاريسه.
تجاوزته بجمودِها وهي تردّ : هالعصر كله كان تعذيب ودماء !
سيف يتابعها بنظراتٍ عابثـة : لعلمك تراك قاعدة تعذبيني أصلًا !
لوَت فمها بضيقٍ لتلفظ أخيرًا : وش عندك خلصني؟
سيفْ بابتسامة : امشي قدامي يا حلوة ...
ديما تكتّف يديها : ما أحب هالغموض ..
سيف بإصرار : امشي !
تأففت ، ومن ثمّ تحرّكت أقدامها نحوه بينما سقطَت أنظـار سيف فجأةً على الدفتـر، توقّفت بعد أن تجاوزَته ووصلت للبـابِ دون أن تسمَع خطواته من ورائها، استدارت باستنكارٍ لافظـة : شفيك وقفـ ...
سيف الذي أخرسها ما إن رأته يحمل الدفتـر، ابتسم وهو يتمتم بالكلمـات التي كتبتها بخفوت : يبدو أنّني لم أكُن يومًا شرقية !
،
وصـل للمكـان الموبوءِ وهو يشعُر بضغطٍ على كتفيه، يشعُر أنّه كسِر من جديدٍ كما حدَث سابقًا بسببِ ظنِّ فقدْ، فهل حدثَ ذلك الظنُّ فعلًا؟ هل حدثَت مخاوفه و - قُتِل -؟!! . . زمّ شفتيهِ بقهرٍ ما إن سقطَت أنظـارهُ على شاهين الذي انتبهَ لهُ لكنّه تصنّع عكسَ ذلك، يتّكئ بكتفِه على السيارة، يهزُّ ساقهُ بضجرٍ ويدندنُ قصيدةً ما . . تصاعدَت أنفاسه أشدّ مما كـانت عليه، كفيهِ كانتا تنتفضان بانفعالٍ دامي بينما قلبه ينبضُ بشدّةٍ تكادُ أن تفجّره، تُشعله الشمسُ التي تصقُل غضبه أكثر، الحرارةُ تنجذبُ إلى جسدِه وتنبعثُ منه أيضًا، كانت حرارةَ غضبٍ جعلت شاهين يبتسمُ رغمًا عنهُ وهو ينظُر لهُ من زاويـة عينيه ويتذكّر السؤال الذي ألقاه على متعب " إذا عصّب ممكن يقتل؟ " ليضحك متعب بعد سؤالِه المتوجّسِ ذاك وكأنه شعر بعظمـةِ خدعته له، مجيبًا بتلاعب " ممكن! مرات أخاف من ردة فعله إذا عصّب "..
شاهين يتمتم بخفوتٍ وهو يبحث بعينيهِ إن كان يحملُ سلاحًا ما للقتل : أتوقع إنّي من جد سخيف يومي كذبت هالكذبة على مجنون وغبي مثل ذا !
استدار بسرعةٍ متوجّسًا ما إن اندفـع إليهِ أدهم بخطواتٍ حادةٍ منفعلـة وهو يتمنّى قتله فعلًا، لكنّه تباطأ قليلًا وهو يُمرّر أنظـاره الحاقدةَ على ملامِح شاهين، يبحثُ عن خدعـةً ما، ربّما لم يقتله وفقط ... فقط ماذا؟ .. عضّ شفته بينما رمقـه شاهين بحذر، لكنّه لم يتراجع وهو يسأله بسخريةٍ لاذعة : بتحترق من العصبية ، ماتبي تشرب شيء بارد قبل لا نسولف؟
أدهم بعصبيّةٍ بالغـة وهو يقتربُ منه بخطواتٍ بطيئةٍ تُنبِئهُ بنيّةٍ سيئة : عصبية ونسولف؟ وصف ناعم .. ناعم مرررة يا أخوه !!
قال " أخوه " بسخريةٍ ليكتمَ شاهين ضحكته، تراجـع بتوجسٍ وحذر وهو يراه يقترب، يبدو أنّه بالفعـل سيقتله ! .. أدهم بخفوتٍ حاد : ذبحته؟
شاهين يلوِي فمه وهو يريده أن يغضَب أكثر متجاهلًا بعضَ القلق الذي هاجمه وهو لا يدرك ردّات فعله وإجابـة متعب كانت شاملةً فقط، أيْ أنّه بالفعل قد يقتل إن فقد أعصابه ! : يعني منت مصدّقني مثلًا؟
أدهم بوحشية : تدري وش ممكن أسوي فيك لو كانت الإجابة أيه؟
شاهين يضحك ضحكةً صغيرةً متهكّمة : وش بتسوي يا حلو؟
وصـل غضبـه حدّ أن شدّ هاتفه الذي في كفّه ليرفعه أخيرًا دون أن يبالي بالنتيجة، رمـاه نحوه بأقصى ما يستطِيع لتتّسع عينا شاهين بصدمةٍ وقبل أن يتدارك كـان قد اصطدم بجبينِه بشدّةٍ جعلته يتراجع للخلفِ وهو يتأوّه ويضعُ كفّه على جبينه صارخًا بشتيمةٍ غاضبـة : يا حمـــــــااااااااار
اندفـع أدهم نحوه بحدّةٍ في حينِ كان جبينهُ قد جرحَ إضافـةً لكونِ الدوارِ أصابه، لذا لم يتحرّك وبقيَ يُمسك بجبينِه وهو يغمضُ عينيهِ بألمٍ وجسدهُ اتكأ على السيارةِ ليتوازن، وصـل أدهم إليه، أمسـك بمقدّمة ثوبِه ليشدّه نحوه وهو يهتفُ بصدرٍ لازال يشتعل : وهالحمار بيوريك العلم الصح شلون !!
شاهين يشدُّ على أسنانه وهو يفتحُ عينيهِ قليلًا وكفّه لا تزال تضمّد جرحه : أقسم بالله لو ما تبعد يدينك الحين بخليك أنت والأرض واحد وماني مهتم إذا كنت اللي ساعدته أو لا ... * ركله في ساقهِ بقوّةٍ ليردف بغضب * وخّر يدك الوصخة هذي . .
أدهم يشدُّ هذهِ المرّة على عنقهِ بقوّةٍ وهو يهتفُ بابتسامةِ شرّ : لاااا يا الحبيب ما بدينا للحين ....
أمسك متعب في تلك اللحظـة بكفيْ أدهم حتى يبعدها عن عنقه وهو يلفظُ بوجوم : والله إنّك تستاهل ما جاك قلت لك لا تبالغ بهالشكل بس عييت.
شعـر بكفّي أدهم تتصلبان بصدمةٍ حتى أنه أستطاع ان يبعدها عن عنق شاهين بسهولـة، ابتسم رغمًا عنه لينظُر لملامحه الشاحبـة وهو ينظُر لهُ دون تصديق، وبضحكةٍ بريئة : كنا نلعب معك بس ، كان شاهين صادق وكلنا انخدعنا.
تراجـع أدهم للخلفِ بملامـح جمدَت، يتنفّس بقوّةٍ وهو ينظُر لمتعب بنظراتٍ كانت تحاول أن تتأكد إن كان فعلًا أمامه أم أنّه يحلـم ، يحلم بانّه حيّ! وأنّ شاهين كذَب فعلًا !! . . . عضّ متعب شفته وهو يدرك أنّ لعبة شاهين كانت وضيعةً بعُمقٍ وهو يرى ردّة فعـل أدهم أمامه الآن ، تباطأت أنفاسه أخيرًا، ومن ثمّ شتت عينيهِ وكفيه بدأتا ترتعشان من جديدٍ رغمًا عنه، بينما أخفضَ شاهين كفّه عن الجرح الذي كان صغيرًا لينظُر لأدهم بحقدٍ ويلفظَ بوجوم : للأسف ... أنا مديون لك بشكر ... مشكور على اللي سويّته لمتعب للحين.
لم ينظُر له أدهم وكأنه لم يسمع كلامـه كما يجب، في حين ارتبكَ متعب قليلًا وهو يميّز نظـرة أدهم التي انقلبَت رأسًا على عقِب بعد أن استوعبَ أنّه لا يحلـم، كـان لايزال ينتفضُ بانفعـالٍ من فكرةِ موتِه، لكنّ ملامحـه باتت صلبـةً حـادةً انتهَت بها نظـراته في اللحظـة التي تحرّك فجأةً ليبتعد .. تأوّه متعب بيأسٍ وهو يناديه لكنّه تجاهله وهو يركبُ سيّارته بغضبٍ أكبـر، كـان يتوقّع في تلك اللحظـة أن يضربه من شدّةِ غضبه بعد الانفعـال الذي أصابه، ولم يتوقّع أن يذهبَ بصمتٍ وكأنّ غضبه هذهِ المرّة تجاوز الضرب الذي لم يكُن كافٍ لشرحِه، تأفّف متعب وهو يضعُ كفّه على رأسه بعد أن حرّك أدهم سيّارته بسرعة، نظـر لشاهين الذي كـان يحمِل هاتفَ أدهم من الأرضِ وهو يلفظ : كان بيفقع عيني الكلب.
متعب بتجهّم : والله إنّك تستاهل .. قلت لك بلاش هالحركة السخيفة وغيّرها بس رفضت ، الحين وش بسوي معه يعني غريبة ما قام يصارخ ويضرب.
شاهين بسخريـة وهو يقلّب الهاتف " الآيفون " في كفّه وينظُر لشاشته : لو ضرب كنت بضرب بعد الأمر سيان . . . وجع ما انكسر وأنا على بالي كسر جمجمتي فيه ، ماهي يد طبيعية ذي ولا الجوال بعد.
متعب يلتقطُ الهاتف من يدِه : هاته بآخذه له بعدين .. الله يستر بس.
شاهين يُميل فمهُ وهو يتّكئ على بابِ السيارةِ لافظًا : ياخي خلّه يعصب وش بيصير يعني؟ هذا ماهو انسان شكله جاي من العصر الحجري اوووف ما يتفاهم . .
متعب بسخرية : بس هو؟
ابتسم شاهين رغمًا عنه : شلون يرجعون الأموات؟
ابتسمَ متعب ابتسامـةً خافتـةً تكادُ لا ترى، نظـر للأرضِ وهو يتلاعبُ بالهاتِف في يدِه التي كانت تتدلّى بجانِب فخذِه كما الأخرى، بل كيفَ تعود الحيـاةُ برمّتها؟ كيفَ تعودُ بعد أن ظنّ موتها في عينيهِ وأنّه حتى وإن عاد لأمّه - فقط - لن يعود كما كـان، لن يبتسم، لن يرى الحيـاةَ سوى ثغـرةً سيعبر من خلالها ليعودَ ويموتَ من جديد، وهذهِ المرّة يموتُ ليحال لحيـاةِ البرزح، وليـس لبقايا دُنيـا!
همسَ يُجيبه بخفوت : الأموات ما يرجعون ، إلا إذا كان موتهم موتة حياة بس ، ماهي موتة روح.
أحاطَ شاهين عنقهُ وهو يبتسم : راسي يوجعني من ضربة صاحبك الفاشـل .. بس اليوم فيني حيل أدور فيك بشوارع الرياض ، بعلمك وش تغيّر ووش ما تغيّر.
ضحك متعب : ليه هو أمداها تتغير؟
شاهين : لا والله ، بس ودي أستكشفها اليوم معك .. أحسها رجعت حلوة ، قبل كئيبة.
،
رأسها يتّكئ على الأريكـةِ " المورّدة " والتي كاد أن يشملها اللونُ الأبيض، تنظُر لسقفِ غرفـة الجلوسِ بنقوشاتِه ببهوت، تشعرُ بقلبها يؤلمها وأنّ هنـاك ماهوَ غريبٌ يحدث ، ماهو موجِعٌ ربما - لها - هي !
وضعَت امّها كوبًا من الليمون على الطاولـةِ وهي تلفظُ بنبرةٍ متداعيـةٍ بأسى : اشربيه ، لك أيام ما تاكلين شيء ووجهك مصفّر.
أسيل تنظُر لها بنظرةٍ جامـدة، مدّت يدها نحو الكوبِ لا تريد أن " تردها "، حملته لتشربَ نصفَه مرّةً واحدة ومن ثمّ اعادته للطاولة لتزفر أمّها وهي تصلبُ جسدها وتضعُ كفيها على خصرها : لا تشربينه عشان ترضيني .. اشربيه عشان نفسك.
أسيل تنظُر للأرضِ نظراتٍ صامتـة بعكسِ حنجرتها التي نطقَت ببؤس : لا تحاتين نفسي .. ترى مو قاعدة أعاقبها ولا أضرها بشيء .. أنا بس متضايقة، وتعرفيني لو تضايقت ما أشتهي آكل.
ام فواز بأسى : ترجعين لنفس وضعك؟
ابتسمَت وهي تقفْ : جسمي صار متعوّد . . .
وجّهت أنظـارها الحزينة لملامِح امّها قبل أن تتّسع ابتسامتها بخيبةٍ وتُردف : زعّلني منه !
ام فواز تتنهّد بيأس : ما رضى يقول شيء؟
أسيل تهزُّ رأسها بالنفي : قال مو الحين ... بس قلبي قاعد يقرصني ، أحس فيه شيء غريب ! ليه بيسوي كذا يعني؟
عضّت شفتَها السُفلى وهي تشعُر بثقلٍ على كتفيها وجسدِها كلّه، زفـرت بألمٍ لتقتربَ منها أمّها وتُمسك كتفيها هامسـةً بضيق : يكفي .. إذا هو مزعّلك لا تزعلين نفسك أكثر.
انحنت برأسها لتُلامسَ كتفَ أمّها أخيرًا، أسندته عليها ومن ثمّ أغمضَت عينيها بحزن، هامسـة : ماراح أسامحــه . . .
،
بعدَ حلول الليل - الساعـة الحادية عشرة.
خرجَت من المنزلِ وعيُونها تسقُط على سيّارة سلطـان التي تنتظرها، ابتـسامةٌ تتحوّر، والحُزن فيها يتضاعف ، تكتشفُ يومًا بعدَ يومٍ أنّ لا حدودَ لهذا الحزن، أنّه لا ينتهي كما بدأ، لم يكُن أزليًا لكنّه كان أبديّ! لا يريد الانتهـاء ولم يعترف بهذا المعنـى في قاموسِه . . صعدَت للسيـارة لتصطدم بأولى المقوّمات لحاجتها، لرائحته التي باتَ أنفها يعتبرها حاجةً لهُ كالمـاء! .. ومن بعدِ رائحتـه كـان يمدُّ إلى أذنيها حاجتهما، " صوته "!! .. هتف بخفوتٍ حنون : وين السلام؟
غزل تبتسمُ رغمًا عنها وهي تُغلقُ باب السيارة، وبخفوتٍ بائس : السلام علكم.
سلطان : وعلى جمالك السلام ورحمة الله وبركاته.
غصّت بشيءٍ مـا، ربّما كـان صديدًا، ربّما كـان الوجَع! لكنّها كانت تعلم فقط، أنّ مذاقَهُ مرّ! هذهِ المرارةُ تقتلني لأجيبَ عليك بيأسي " علي رحمة الله، يارب ارحمني! "، من كلّ هذا العذابِ ارحمني، ارحمنِي من هذا الحُزن وهذهِ الخيبات، أن أحتاجـه ملء الحيـاةِ التي لا تريدنا أن نبقى سويّةً ، ملء الحيـاة الطويلة ، الطويلـةِ جدًّا لكنّها بالرغم من ذلك تمدّنا بالخيباتِ المميتـة فلا نحضى بجزءٍ منها ، يا الله ارحمني من محنـةِ الماضي هذهِ ومن الذي فعلته بنفسي حتى الآن، كيفَ وقعت! حدّ أن أتمنـى محضَ " ملاك " ولا أجده! هذهِ التعبيراتُ كاذبـة، ظالمـة، لا تليقُ بِه، لا تليقُ بما هوَ عليه من بذخ!
كـانت السيارة قد تحرّكت ولم تنتبه لها، دسّت كفها أسفل النقـابِ لتمسحَ على أرنبةِ أنفها وعلى خديها الباهتين، مرّرت لسانها على شفتيها وهي تعترفُ أنّه يحتـاج رحمـة الله أكثر منها ربّما! ليسَ لضعفٍ منه بحجمِ لؤمها هي . . تذكّرت كلماتًا قالتها لها امّها ما بين الأحاديثِ التي كانت طويلة بينهما، معظم الأحاديث كان من امّها، وهي لها الاستماع.
" كنت أحبه .. أحب أبوك، تزوّجته وبعد زواجنا بفترة بسيطة ما حسيت بعمري إلا وأنا أحب أراقبه وأحب أسمع صوته كل وقتي! باللحظة اللي يتكلم أترك أي شيء كنت مركزة فيه وأظل أركز بصوته وبس .. الحب أعمى للأسف حتى قبل لا يصير، كان أعمى من البداية عشان أحبه وما انتبه لعيوبه أو إنّي كنت عاطفية بزيادة عشان أحب أول رجّال بحياتي . . بس أيش استفدت في النهاية؟ بعد سنين من هالحب كل المساوئ اللي فيه طلعت لعيوني مع إنها من أول كانت موجود بس أنا أتجاهلها، أول شيء وأهم شيء كان أنتِ .. جيتِ بعد حب طويل من طرفي أنا وبس! بعد ثلاث سنين تقريبًا ، في البداية كان يصدمني إنّه ما يهتم فيك ، ما أشوف فيه اهتمام الأب ولا حبه، بارد ! بشكل أكبر من بروده معي أنا . . ثلاث سنين ، وبعدها انصدمت فيه أول صدمة ملموسة غير بروده معك قبل لا يكون معي .. * ابتسمَت بأسى لتردف دون أن تذكر ما كانت تلك الصدمة * .. الحب ما كـان كل شيء! هذا اللي اكتشفته بعدين ، هالحب اختفى بعد وقت لما كنت أشوف تعامله معك وأسكت ، ما أقدر أقوله شيء! في البداية اعترضت وكنت اتهاوش معه كل ما ضربك بس بعد فترة تبلّدت وصرت ما أعترض ، أيش كانت فايدة اعتراضي وهو وحش؟ . . أعتذر منك حبيبتي ، أعتذر ، ما كنت أقدر أسوي شيء، عشان كذا صرت باردة معك ... وخسرت احساس الأمومة معك . . "
أسندت رأسها على النافذة بحزنٍ وهي تتذكّر الكثير الباقي من كلماتها " الحب ما كان كل شيء ، ودائمًا ما يكون كل شيء، إذا ما كان فيه مقومات بيموت أو بتصير مشاعر مؤذيـة وبس ... وأنتوا مالكم حياة ، حتى لو كان هو يحبك بعد ، ماراح يستمر وبيتحوّل حبه لاحتقار وبعدين كره ".
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تبتلعُ ريقها، يتحوّل لاحتقار! الاحتقـار الذي كانت تسأله عنه كثيرًا " تقرف مني؟ " لشيءٍ لم يحدُث لأنها كانت تخشى أن يكون في صدرِه حتى وإن أقرّ في نفسه أن لا ذنبّ لها، الاحتقـار بعد الحب، كيف إن كان في الأصل - لا يوجد حب -؟ أيّ أنه سيكون أكبـر ، سيدمّرهما معًا ، وهي أكثر!
زمّت شفتيها وهي تتنفّس بانفعـال، حرّكت وجهها وهي تبتعدُ عن النافـذة لتنظُر إلى ملامِحه التي تعشقُ النظـر إليها مطولًا، ابتسمَت بأسى، اتّخذت قرارها وانتهى الأمـر. همسَت بصوتٍ باهت : رجعني.
نظـر سلطان إليها نظرةً خاطفـةً وكأنه تفاجأ بصوتِها الذي جاءَ فجأةً من الهدوء، ابتسم وهو يلفظ : وش قلتِ؟
غزل تبتلعُ ريقها بحرارةٍ وهي تشعر بأنّ حنجرتها تذوب، تشعُر بالمرارة، تشعر أنّها تنتهي : رجعني لها .. لأمي.
سلطان باستنكارٍ يعقدُ حاجبيه : بتنامين عندها اليوم؟
تأوّه صدرها دون أن تكون آهتها الأقرب للأنينِ مسموعـة، ترتدُّ تلك الآهةُ وتتكرّر، ألـم، ألـم .. ماهذا الألـم الذي لا يُحتمـل؟ أشعر أنّه يمزّق صدري وكأنه يثبت إيمانِي بأن نهايتي لن تكون إلا حين ننتهي . . ألــم ، ألــمٌ لا يطاق يا سلطان لكنّني بتُّ أخشى ألمًا أكبـر منه يصرعني في لحظتـه .. أأحاول قولها؟ ننتهي الآن أو أنا فقط من ستنتهي في كلّ هذا؟ لا أريد أن أستمرّ، ولا أريد أن أبدأ من جديدٍ وأكون امرأةً استغلّت اسمك وحسب ! لاسمك قدسيّةٌ في شريعتي الباهتـة، وحدها أحرفه ساطعـةٌ من البهوت، لاسمك قدسيّةٌ يا سلطـان وأنا حين أقدّس شيئًا يخصّك لا أمتهنهُ بقذارتي! .. لا أريد أن أبدأ من جديدٍ لأنّني من بعدِ عينيكَ أنتهِي وتموت البدايات . .
شعرّت بقلبها يتمزّق، بأضلعها تتحطّم، شعـرت أنها تهوِي في حفـرةٍ امتلأت بغبـارِ الوجَع الذي خنقها ، حصـر أنفاسها في كلمةٍ من خمسةِ أحرفٍ أطلقتها إليه بعد جملةٍ فاترة : مو بس اليوم ، بنام عندها من اليوم وللأبد ..... طلّقني !
.
.
.
انــتــهــى
أعتذر منكم عن بارت الأحد، هالبارت خليت ميعاده الجمعة عشان أقدر أخلصه بدري وأبدأ بجزء الأحد بس ما قدرت أخلصه اليوم من ضيق وقتي.
موعدنا الأربعاء إن شاء المولى، ومن بعدها بحاول ألتزم بالموعد اللي قلته وإذا ما قدرت بغيّره :(
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|