كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
-
-
-
الثانية ظهرًا
حين يختلط الواقع بالمحال يصبح المرء في حالة توجسٍ وخوفٍ دائم، وهي أصبحت كذلك.
تهيل على رقمه بالعديد من الرسائل والإتصالات، وهو الآخر يتجاهل كل اتصالاتها له، وكيف عساه يرد وذاك يقول أن زواجهما سيكون باطلًا إن كان متعب حيًّا بالفعل.
زفرت بانفعالٍ وهي ترمي الهاتف على السرير لتكمل غرقها في أفكارها، باتت تكرهه، كيف له أن يكون بكل تلك السادية حتى يمتلكها قسرًا؟
جددت الأكسجين بداخلها لتتجه نحو الباب تنوي الخروج لأمها حتى تجلس معها قليلًا، لتزفر وهي تتخطى الممر تتجه لغرفة أمها، كيف لها كل تلك القسوة حتى تُشعرها بالوحدة وهي معها في المنزل؟ أيعقل أن موت متعب أثر عليها كثيرًا لتبدو كما قال لها شاهين – ساذجة -؟
نفضت تلك الأفكار وهي تشعر بالحنق منه، ورغمًا عنها دعت داخلها عليه بـ " الله ياخذك "
طرقت الباب بخفةٍ وفي خضم الثواني التي بقيت فيها واقفةً تدافعت العديد من الأفكار على مسامعها، أهي بالفعل غير مؤمنة بالقضاء؟ أيعقل أن موت متعب أظهر حقيقة إيمانها!
بللت شفتيها وجفنيها تهدلا بأسى، لا تستطيع تجاوزه، وكيف لها أن تتجاوز أول رجلٍ في حياتها تغلغل حبها له حتى أعماقها. رباه كيف يريدونها أن تتجاوزه؟ كيف لهم كل تلك الأنانية حتى يتمنون أن تتجاوزه فقط ليرتاحوا؟؟ وهل أصبح خوف الأهل يومًا أنانية!!!
فُتح الباب وتلك الأم بقيت لثوانٍ تنظر لملامح الواقف أمامها، أهي أسيل حقًا أم أنها باتت تتخيل طيف ابنتها التي فقدتها؟؟؟
ابتسمت أسيل بارتباكٍ لتنطق بخجلٍ من نظرات أمها المُستغربة : ناوية تخليني واقفة؟ شكلك ما انبستطي بجيتي لك
ابتسمت أمها تدريجيًا، ثم تلقفت جسدها لتحتضنها بحنانٍ وراحةٍ بالغين، وهي الأم التي تتمنى سعادة أبنائها دائمًا وأبدًا، فكيف يمكن أن يكون شغلها الشاغل التخلص من ثقلهم يومًا.
أم فواز بحب : ياحلات هالمساء ، ربي يديم عليك الراحة يا بنتي
ابتسمت بهدوء، أي راحةٍ بالله عليكِ يا أمي؟ وكيف قد تشعر هي بالراحة وهي ستزف قريبًا إلى أخِ زوجها الراحل؟ بل كيف يمكنها تصوير ذاتها مع غيره؟؟
تنهدت وكم تتمنى لو تستطيع إخراج كافة سموم أفكارها من رأسها مع تنهيدتها تلك، باتت شبه فارغةٍ لا يحوي جسدها سوى السموم، وتلك همست وهي تبعد ابنتها عنها قليلًا : أعتقد ردة فعلي من شوفتك بهالشكل خلتك تدركين حقيقة إننا ما نشوفك طبيعية إلا نادرًا … قوليلي الحين متى آخر مرة جيتيني غرفتي؟؟؟
أخفضت عيناها بحرجٍ وبعض الألم، لتهمس : في اليوم اللي مات فيه متعب
قطبت أم فواز جبينها بحزن : الله يرحمه … * ثم ارتخت ملامحها لتردف * أنا ما أجبرك تنسيه لأن هالشيء شبه مستحيل …. أبيك بس تتجاوزيه
رفعت رأسها إليها لتنظر لملامحها نظرةً مُحتاجة، وتلك اجتذبتها من يدها تدخلها لغرفتها فكونها تستشعر رغبة ابنتها بالبوح يكفيها عن كل شيء.
أجلستها بجانبها على السرير ذو المفرش العنابي، وبشيءٍ من الحدة مُختلطٌ بالحنان : تكلمي .. في عيونك كلام كثير ريحي نفسك منه …. تعرفين إني طول عمري اعتبرتك انتِ وديما كأخوات لي مو كبناتي، مستعدة أسمعك للنهاية وأكون لك الدكتور اللي رفضتي تتعالجين عنده
ابتسمت أسيل بحزنٍ وأسى : تشوفوني مجنونة؟
هزت امها رأسها بالنفي، وبحب : مو كل شخص يروح لدكتور نفسي مجنون! ومو كل شخص يحتاج يفضفض لشخص مجنون! … المسألة وما فيها إنك تحتاجين شخص يخرجك من القوقعة اللي ساكنتها … وبحاول أكون هالشخص وأساعدك ولو بالقليل وأنا متأكدة إني بكون أفضل من أي دكتور لأني أمك
مالت شفتيها بعبرة، ثم سرعان ما اهتزتا لتسقط دموعها حين رفرف جفناها بشكلٍ غير ملحوظ، وبغصة : يشبهه يا يمه!!
قطبت جبينها للحظات، دلالةً على عدم فهمها، لكنها سرعان ما هتفت بتساؤل : شاهين؟؟؟
أومأت أسيل وهي تمسح قطرات ملحها، وكل ما فيها يصرخ ألمًا، أيعقل أن تكون مريضةً حتى تكون متعلقةً بمتعب إلى هذا الحد؟ وكيف يمكن للحب أن يصبح يومًا مرضًا؟ وهو الذي تغنى به الشعراء فهل كانوا هم أيضًا مرضى؟
أم فواز باستغراب : بالعكس ما أشوف بينهم شبه
هزت رأسها بالنفي هاتفة : لا ، يشبهه، وأنا اللي شايفه الشبه اللي بينهم * ابتلعت ريقها ثم تابعت * عيونه ، هدوءه ، ثقته وطريقته في الكلام .. يشبهه كثير يمه … من البداية ما كنت أبيه والحين صرت مقتنعه اكثر .. شلون بقدر أعيش معاه وأنا أشوفه شخص ثاني؟ بعيد عن كوني ما أبي غير متعب بس صعب والله صعب
تنهدت أمها بتعبٍ من هذا الموضوع، ألن تنتهيا منه؟ ألن تدرك أسيل أن لا خروج لها من عالمها المظلم إلا عبر بابٍ واحد يسمى " شاهين" ؟؟
تشبثت أسيل بكفي أمها حين انتبهت لملامحها التي تغيرت، لا تريد أن تُغضبها منها، لم تعد تقوى على أسى وحزنٍ من قبل أمها، لم تعد تقوى على كلماتٍ قد تجرحها دون قصدٍ منها.
أسيل بغصة : لا تعصبين يمه .. مو قلتي تبيني أفضفض؟ وهذي أنا أتكلم معك فلا تخليني أندم على هالشيء
زفرت أمها الهواء الملوث من رئتها ثم سحبت يديها من بين كفي أسيل لتضع إحداهما على خصلات شعرها المتموجة : ما عصبت … بس أبي أقولك شيء واحد انتِ مو راضية تفهميه، انتِ تدرين إني بنفسي كنت أربي شاهين ومتعب؟ في طفولتهم كنت مثل الأم لهم وتعرفين العلاقة القوية بيننا وبين عايلتهم. إن شفتي شيء بشاهين يمنعك عنه مثل الشبه اللي تقوليه فهذا من تصوير عقلك، انتِ مقتنعة إنك من بعد متعب ماتبين أي زواج وهذا اللي ما يخليك لا انتِ ولا غيرك يرتاح … ما أقول هالكلام لأني ما أحبك أو أبي أتخلص منك، انتِ بنتي ومافي ام ما تتمنى الخير لبنتها.
أخفضت أسيل رأسها لا تدري بمَ ترد، بينما أكملت أمها : لو أبوك الله يرحمه عايش تدرين وش كان بيسوي معك لو شافك كذا؟
ارتفعت نظرات أسيل إليها بعينين ضيقتين، لتردف : أقل شيء كان بيسويه هو تجاهل وجودك في هالبيت!!
فغرت أسيل شفتيها قليلًا، ثم أغلقتهما لتزدرد ريقها، لوالدها أسلوبٌ خاص يجبر الشخص على الشعور بالذنب وإن كان غير مذنب!
أردفت أم فواز بأسى : ما عمري تمنيت يكون أبوك عايش مثل ما تمنيتها من بعد اللي صار لك، يوم طحتي منهارة بعد سماعك عن موت متعب حسيت نفسي عاجزة، ما قدرت أكون الأم والأب مثل ما وعدت أبوك قبل لا يموت … كنت أضعف شخص بالبيت وممكن لولا فواز بعد الله كانت حالتك بتكون أردى من كذا.
سقطت دمعة من عينها اليُسرى تتطلع بالفراغ، ذلك اليوم الأسود، السابق لأيامٍ قليلة من زواجها به، من ارتدائها للفستان الأبيض، حين وصلهم خبر موته مُحترقًا في إحدى فنادق ميونخ، لتتحول السعادة في عينيها لحزنٍ سرمدي، لتتهاوى ضحكتها إلى بكاءٍ دامي، يومها فقط أدركت معنى الخيبة والحزن الحقيقيين، يومها فقط أدركت ما معنى أن تكون أرملة.
لم يبكها اللقب بقدر ما أبكاها من ستكون أرملةً له، لم تهتم لما قد يتبع يومها ذاك لأنها أدركت فقط … أنها ماتت!
اهتزت حدقتا أمها وهي تنظر إليها بعجز، لا حيلة لها، لا قوة تعتريها للقسوة كما كان يقسو زوجها ليربح في النهاية بما يريد، لو أنه كان حيًا لما وصلت ابنتهم لهذا الحال، لو أنه كان حيًا لما شعرت يومًا بهذا الضعف والهوان. أهي أمٌ بالفعل؟ أتستحق أن تكون أمًا وهي التي لا تقوى على إخراج ابنتها من حزنها هذا؟
لا تستحق، لا تستحق فمن هي الأم التي لا تفهم ابنتها بالقدر الكافي لتكون لها الدواء من كل آفاتها؟ من هي هذه الام التي لا تقوى على التصرف بحكمة لتُحرر أبناءها حين يُحجزون في قوقعة الأحزان؟
همست بعجز : تدرين وش أكثر شيء يوجع الأم … يوم تشوف عيالها مهلكتهم الحياة وهي عجزانة تخفف عنهم
زمت أسيل شفتيها يخالجها شعورٌ بالأسى والحزن لنبرة أمها المُنكسرة، وكم آلمتها تلك النبرة، أيعقل أن كل مافي أمها وما تخبئه عنهم من ألمٍ هو منها؟
ولطاما كانت تعلم أنها في هذا المنزل ليست سوى ستارٍ أسود يحجب العينين عن الرؤيا، يحجب عن النور وعن كل ماهو محمود، ليست إلا علقةً عالقةً في حناجر عائلتها.
تقوست شفتيها بألمٍ ودموعها ازداد تساقطها، لتهتف بوجعٍ وهي تمسح دمعةً يتيمة سقطت من عين أمها، وكم آلمتها تلك الدمعة لكونها لم تكن إلا بسببها : وش سوؤيتي يا يمه في حياتك عشان أكون عقاب لك؟
أنا لو جيت أحصي عدد المرات اللي كنت فيها فرح لك ألاقيها ما تساوي عدد المرات اللي ابكيتك فيها بهالسنتين
يمه … معقولة أكون عقاب نزل عليك لشيء سويتيه بحياتك؟؟؟
أو من الأفضل أقول إن شاهين بيكون هو العقاب لي لأني أبكيتك فوق المرة مية مرة بسنتين! ولأني أستاهل … موافقة، موافقة على هالعقاب لأني أستحق، موافقة لأني ما كنت لك إلا وجع … وأوعدك أكون له نعم الزوجة، بكون له زوجه صالحة وإن كان قلبي لغيره، بكون له يمه أوعدك بكون له
انتحب صوتها مع آخر جملةٍ لتخفض رأسها تدفنه بصدر أمها، تقسم أنها سترحل، لم يعد لديها دافعٌ للبقاء، في هذه اللحظة تحديدًا شعرت أنها تريد شاهين فوق كل شيء، احتاجته كما لم تحتج أحدًا من قبل، احتاجته كعقابٍ لها على كل دمعةٍ سقطت من عيني أمها، على كل حسرةٍ خالجت قلب أمها.
وسيبقى وفاؤها لمتعب بقلبها فقط، ستبقى لمتعب حتى تموت، وليكن شاهين هو الزوج لها، المُمتلك لها جسدًا، بينما روحها ستبقى له، لمتعب فقط.
وتلك لُجم لسانها، أوليست هي الأم الفاشلة؟ التي لم تعلم ماذا تفعل حين كُسرت ابنتها لسنتين!، فما عساها تفعل الآن في هذه اللحظات
لم تجد فقط سوى احتضانها، وما مقدرتها على غير ذلك.
,
يلتقط أنفاسه بنهم، لم يشعر يومًا بالإختناق كما الآن، عقله يقول أن كل ما سمعه كذب، خصوصًا أن الموضوع غير محبكٍ جيدًا، وهو ليس ممن يقعون في خداعٍ كهذا، لكن قلبه يقول شيئًا آخر، يتمنى لو يكون كلامه حقيقيًا، ولا بأس بالتأكد بعد أن يرى دليله ذاك.
زفر بقوةٍ يتمنى لو يزفر الشحنات من داخل جسده، كيف بإمكانه أن يوصل هذا الخبر لأسيل؟ بالتأكيد ستفرح … ابتسم بأسى … وهو الذي لا ينكر السعادة التي واتته يوم عقد قرانه بها، أيعقل أنه عشق امتلاكه لها في تلك الفترة القصيرة حتى لم يعد يرغب بحلّ عقد النكاح؟
هو لم يرد إكمال الزواج لأجل أمه فقط، بل الحقيقة والدافع الأكبر أنه يريدها هي … ارتعش عند أفكاره تلك، لن يقول بأنه أحبها فهذا غير ممكن، هو لم يرى ملامحها إطلاقًا ولم يعرفها جيدًا وكيف يحب أنثى تنفر منه، الموضوع حقيقةً يكمن في أنه اكتمل بها، حين تم الزواج شعر أنه اكتمل واكتملت حياته حين وجد أنثاه، لكن ماذا عساه يفعل إن كان زواجهما باطلًا بالفعل؟ بالتأكيد سيتركها، وليس له سوى ذلك فهي ليست له.
أغمض عينيه بقوة، مُشتتٌ هو، وكيف عساه يلملم شتات نفسه والصفعات تأتيه من كل جانب، لكن الصفعة الأخيرة بكلام سند الذي هو شبه متأكدٌ بكذبه كانت لذيذة، رقيقةٌ في وطأتها على قلبه المتلهف لأخيه وشديدةٌ في كونه مضطرٌ لترك تلك الحمقاء التي
انشرح صدره لها يوم عقد قرآنه.
زفر بضيق : الله ياخذك من فكري يا أسيل * ابتسم بسخريةٍ على حاله * واحد ما عرف من الحريم إلا أمه ويوم انكتبت له مرة تملكها بشكل غبي وكأنه مشفوح وش تتوقعين منه؟؟
مرر أنامله من بين خصلات شعره لتتحول ابتسامته الساخرة إلى ضحكات : طلبك الأخير ياللي تسمى زوجتي كان قوي … بس قدرتي تحصلين عليه لأننا وللأسف ممكن ما يكون زواجنا صحيح
قطع عليه سلسلة أفكاره رنين هاتفه، فتنهد ليرفعه وهو شبه متأكدٍ أنها أسيل، وهو الذي يتجاهلها منذ أن سمع ما سمع من سند، فكيف يسمح لنفسه بالحديث مع امرأةٍ قد لا تكون له؟؟؟
قطب جبينه حين تراءى أمامه رقم أم فواز ليبتسم بأسى ويتجاهلها، لكن رنين الهاتف لم يتوقف وطال صياحه، حينها فقط شعر بالقلق ليرد
ما إن نطق بالسلام حتى قاطعته بأنفاسٍ مُجهدة : الحق علي يا ولدي … أسيل … أسيل
تحرك بشكلٍ متوتر لينهض عن كرسيّ مكتبه وقد بدا عليه القلق : وش فيها أسيل؟؟؟
,
بلل شفتيه ثم لواهما بتفكير، ينظر للجالس أمامه والمتحدث بلهجةٍ متلعثمة، يخبره بالكثير وبما هو أخطر، وقد ظهر على ملامحه العجز والحزن المريرين، كيف يصدق ما يسمع، كيف لعقله التصديق، خمسَ عشرة سنة مرت وهم عميانٌ لا يفقهون ما يحدث أمامهم!!
هتف الرجل أمامه بأسى وقهرن بصوتٍ مُتخبطٍ يبلع الكثير من الأحرف : قهرني .. حرق لي قلبي الله يحرق قلبه دنيا وآخره
ازدرد الآخر ريقه وهو يرى الصدق في عيني الرجل، القهر والظلم الكبيرين .. و ( دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب )
أغمض عينيه ثم عاد لفتحهما، وكثيرٌ من الأسى تجلى عليهما، كانوا عميانًا وأغبياء بالقدر الكافي ليقعوا بكل تلك السهولة، وهل يظن سلطان أنه أدرك كل شيءٍ حدث من حوله؟؟
مُخطئ، مُخطئٌ يا سلطان فأنت لا تعلم شيئًا. لا تعلم شيئًا مما علمته اليوم.
زم شفتيه ثم هتف بحذر : طيب .. أنا بقدم بلاغ عشان تنرفع القضية من جديد .. مستعد تقول كل هالكلام اللي قلته لي؟؟؟
نظر إليه الرجل بخوف، وما كان منه إلا أن يهز رأسه نافيًا ليتكلم بذات الطريقة المُتلعثمة والمتخبطة : ماني مستعد … قلتلك أنا بخطر .. باليوم اللي تم فيه قتل عمي فهد مسكني وبدا يعذبني بجرح كل جزء من لساني وشوفني الحين شلون صرت أتكلم! وكله لأني كنت شاهد وشفت الجريمة بعيوني … والحين لو تكلمت تدري وش بيصير؟ هو له مركز كبير وشهادتي ماهي كافيه، يقدر يطلع نفسه مثل الشعرة من العجين وفي النهاية بيرد لي الضربة وبيسوي اللي ما قدر يسويه من 15 سنة وهو قتلي، وهذا أقل شيء ممكن يسويه
صمت عناد وهو يعض طرف ابهامه مُفكرًا، ما يسمعه صحيح، ولا قدرة لهم على شخصٍ قتل قبل سنواتٍ وعاش وكأنه لم يقم بشيء. لا أدلة كافية لديهم.
تنهد وهو ينظر إله بحدة : اوكي .. لك اللي تبيه وأنا بحاول أحميك بهالفترة، هو يدري إنك عايش؟؟؟
هز الآخر رأسه بالنفي : ما أدري … أنا هربت منهم يومتها وما أدري وش صار من بعدها.
اجتذب الأكسجين ببطء، ثم رسم على عينيه نظرةً جامدة ليهتف مُطمئنًا له : فيه احتمال كبير يكون عارف إنك عايش … ولك مني وعد أحميك ولا أحد بيدري عنك ليوم ما ينكشف …. واللي يخلف وعده تحلى بخصلة من خصل النفاق!
ابتسم له الآخر ليتلقف كفه : الله يرفع من شانك يا ولدي
ابتسم عناد بهدوءٍ ليستأذنه ثم يخرج من الشقة التي استأجرها باسمه، يهمس بسخريةٍ لاذعة : غلطت يا سلمان … غلطت غلطة عمرك باللي سويته
,
زفر بمللٍ وهو يستمع لثرثرة تلك التي لم تنتهي منذ عودتها، تحكي له عن كل ما حدث معها صباحًا وكأنما كانت في مغامرةٍ لا في روضة.
ديما بسعادةٍ وهي تسرح شعرها أمام المرآة : آآآآه ياسيف يجننون وبسرعة حبوني
ابتسم بهدوءٍ وهو مُنشغلٌ في هاتفه مُستلقٍ على ظهره فوق السرير ذو المفرش السكري، ومن ذا الذي لا يستطيع أن يحبك؟؟
تابعت بابتسامةٍ تنظر لملامح وجهه المُبتسمة من المرآة : شكرًا
ارتفعت نظراته المُتسائلة عن الهاتف إليها، ليُثبّتها على عينيها الناظرتين إليه عبر المرآة، علامَ تشكره؟؟؟
نهضت لتتجه إليه وشعرها مُنسدلٌ على كتفيها، لتجلس بجانبه شبه مُستلقيةٍ إذ كان ظهرها يستريح على ظهر السرير ويدها ارتفعت تعبث بشعره، سعادةٌ خالجتها لعملها، والسعادة الكبرى كانت لموافقته هو.
أتحبه لدرجةٍ تجعلها تتعلق به أكثر مع كل مبادرةٍ جميلة من قبله؟ هو إن كانت سلبياته تغلب أيجابياته إلا أن تلك الإيجابيات لها دورٌ كبير في جعلها تتشبث به إلى الأبد، في جعل قلبها يريده، هو النصف المُضاء من حياتها وإن كان النصف الآخر مظلمًا بسببه! هو مصباحها الذي ينير ضحكاتها في أوقاتٍ نادرة، ولطالما كانت تتساءل حين تشعر أنه مبهمٌ رغم عيشها معه لثلاث سنين ( من أنت يا سيف؟ من أنت؟ )
كيف له القدرة على ابكائها وبث الحزن إلى قلبها وفي لحظةٍ واحدة يحيل كل ذلك الحزن إلى رماد كي تنساه ولا يخالجها سوى الفرح؟ وكم تتمنى لو يطول فرحها معه.
ثبتت نظراته على عينيها السعيدتين، المُنبثق منهما هيامٌ يرضيه، وهو من الجهة الأخرى يتساءل
( من أنتِ يا ديما؟ كيف لكِ ألا تشابهي كل النساء؟ لمَ أشعر أنكِ مُختلفة وفي ذات الوقت يخاطبني عقلي بعدم التصديق؟ كيف لكِ كل تلك البراءة التي لم أجدها في تلك؟ .. أتكون براءتك خادعة؟ أتكون عينيك كاذبتان كما عينيها؟ ومن عساي أصدق … قلبي؟ أم عقلي؟ )
انحنت قليلًا لتقبل جبينه بامتنان، وبعينين غلب عليهما الحب : ماراح أنسى لك اللي سويته وانت اللي كنت تقدر تمنعني بكل سهولة
لم يسطع الا الإبتسام ولا شيء غير الإبتسام، ثم تلقف كفها المداعبة لشعره ليهمس بشيءٍ من الغرور : لا تنتظرين مني أكثر من كذا
رفعت حاجبًا لتسحب يدها : ما منك فايدة
ضحك بخفوتٍ وهو يهز رأسه يمينًا وشمالًا : انتِ اللي ما منك فايدة … زوجك جوعان وانتِ ماهمك غير البربرة عن روضتك وأطفالك
قطبت جبينها : انت اللي رفضت تتغدى معنا وطلعت
اجتذب خصلةً من شعرها ليشدها بشيءٍ من الحدة : مو زوجتي العزيزة هي السبب
؟تأوهت بألم، وبدفاع : وش سويت أنا
طوّق اصبعه بخصلتها هاتفًا بشرود : مالك شغل
كشرت بملامحها لتجبره على اطلاق سراح شعرها ثم خرجت من الغرفة تنوي إحضار الطعام له، وهو تنهد ليضع كفيه تحت رأسه، كان قد ذهب لإحدى الجمعيات الخيرية حتى يكفر عن يمينه بعد أن أوصلها، وهو الذي لم يكن راضيًا عن عملها أتم الرضا، لكنه وبعد أن رأى تلك السعادة التي تشع بها خالجه بعض الرضا، وما أجمل أن يرى السعادة تخاويها وهو الذي لا يستطيع تقديمها لها بكل سهولة.
,
في بروكسيل
تطلعت في ملامحها عبر المرآة وهي تستمع لجيهان تتحدث مع جدتها، وتلك الطفلة ليان كانت قد فضحتها عند والدها وسردت له كل ماحدث لها صباحًا، حتى أنه قد منعهم من الخروج مرةً أخرى خارج الشقة بدونه، وكل ذلك كان ليس إلا خوفٌ عليهم بينما جيهان لم يعجبها كلامه لكنها لم تعلق.
رفعت الكحل لترسم داخل عينها اليُمنى تشعر بالملل، بينما تلك أغلقت الهاتف ثم زفرت لتنظر إلى أختها.
ارتفعت نظرات أرجوان إليها لتنتبه لنظراتها الشاردة : شرايك تتدربين علي؟؟
انتبهت لها جيهان لتقطب جبينها : نعم!
حملت أرجوان حقيبة المكياج لتستلقي على السرير وتغلق عينيها : يلا ابدي
لم تجد أي ردة فعل من جيهان، وطالت الثواني وهي تنتظر لتفتح عينيها مُستغربة، لتجد زوجًا من الأعين تنظر لها بسخرية : لا والله وش شايفتني قدامك؟؟
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتيها لتجلس، وبمرح : قولي إنك من يوم يومك فاشلة بالمكياج .. قلت أسوي فيك خير وأخليك تتعلمين علي قبل لا تتزوجين وتفضحينا عند زوجك
كشرت جيهان وقد تغافلت تمامًا عن فواز، وبتحدي : انتِ اللي جنيتي على نفسك
ضحكت أرجوان وهي تعود للإستلقاء وإغماض عينيها، بينما تلك بدأت بالرسم على وجهها بشكلٍ غير متقن، وعدم تناسقٍ بالألوان كان في ظلال العين، وتلك مستسلمةٌ لها تمامًا تضحك تارةً وتعلق تارةً أخرى هاتفة " ترسمين على لوحة رسم والا وجه إنسان؟؟ "
بينما الأخرى تنهرها عن الكلام " لا تتكلمين بعدين أتلخبط "
وتتصاعد ضحكات أختها تعلق بسخريةٍ فما دخل الحديث في فشل أناملها بالتزيين؟
زفرت بعد أن انتهت وكأنما كانت تقوم بمواجهةٍ ما في حلبة مصارعة : انتهيت
جلست أرجوان وهي تضحك : ياساتر الله
لتتلقف المرآة تنظر لوجهها، ثم ترتفع ضحكاتها أكثر وأكثر : يادبه ، الله يسامحك بس على هالتخبيص
جيهان بغرور : والله إنه حلو … شيء من يدي أكيد بيكون فتنة
أرجوان بضحكة : خفي علينا يا أم الفتنة … خربتي وجهي حسبي الله على ابليسك بس
ابتسمت جيهان وهي تتناول أحمر شفاهٍ وردي لتلون شفتيها به، وبعدم مبالاة : مو شغلي لو ما عجبك … مع إنه حلو بس تستاهلين انتِ اللي بغيتيني أتدرب عليك
ابتسمت أرجوان برضا، وكل ما تريده هو أن ترى أختها تعود كما السابق، وهاهي بدأت تنجح في ذلك
تنهدت بابتسامةٍ لترفع منديلًا وتبدأ بمسح الحاجبين العريضين اللذين رسمتهما لها.
*
يتـبع |.
[/CENTER]
|