كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
،
انحنَى ظـلامُ الليلِ إلى السمـاءِ ليقبّل صفيحتها بقمرِه الناقِص ويعانقها بسوادِه، نسيمُ الليلِ همسَ بأذكـار المساءِ المحمّلةِ فوقَ ظهرهِ بنبراتِ الذاكرين ، تتلاشَى تغريداتُ الطيُور ، ويولدُ أنينُ الحيـارى على الغائبين.
تدمُع عيناها بلذاعةِ البصلِ الذي كانت تقطّعه ، تُحـاول أن تتعلّم ولو القليلَ حتى يأكلُ من يديها هذهِ المرّة ، وعدَت نفسها أنّ ما ستطبخه اليوم لن يكون مالحًا أو بدونِ ملح! آخر مرةٍ طبخَت كان في رمضـان ولاحظت وجه سلطان الذي تقلّب بعد أن ذاقَ ما طبخَت ، هي شعَرت بغصّة الملح الذي كان في لقمتها في حُنجرتها وكادت عيناها أن تدمعان، فكيفَ بِه؟!
اقتربَت منها سالِي وهي تبتسمُ بتوتر : ماما غزل أنا سوي عشى .. إنت روح فوق.
غزل بحدةٍ تنظُر إليه، وبقهر : شقصدك هاه شقصدك؟ ما تبين أكلي ماهو بعاجبك؟!
شتت سالي عينيها بربكةٍ وهي تبرّر بكذب : لا بس اونيَن في يور عين.
غزل بحنق : مالك شغل خليه يبكيني لبكرا ... تعالي بس قوليلي عشان المصقعة شلون أقطع الخضار؟
اقتربَت منها بيأسٍ وبدأت تعلّمها ما يجب أن تفعلهُ بالضبط، دخـل سلطان بعد وقتٍ حين كانت تصفّف الخضـار في الصينيّة ، وقفَ وهو يغضّن ملامحهُ بعد أن أدرك أن عشاءهم اليوم ستطبخهُ هي ، يبدو أنهم سينامون جياعًا!!
دخـل باحباطٍ في اللحظة التي استدارت فيها غزل مع سالي وابتسمَت بفرح : تعال شوف وش أسوي.
سلطان يبتسمُ بمجاملةٍ لها : أيه شايفه.
غزل تقتربُ منه بعد أن مسحَت كفيها، لفظَت بعمق : هالمرة إن شاء الله ماراح يكُون مالح ..
سلطان " يسلك لها " : إن شاء الله.
غزل : أحاول أتعلم ما أستاهل هدية بالله؟
ابتسمَ رغمًا عنه، وبحنان : الا والله تستاهلين أجمل الهدايا اللي ممكن تُقدّم لِك.
تصاعدَت الحُمرة لملامحها السمراءِ وهي تشتت عينيها وتهتفَ بخفوت : تسلم.
سلطان : الله يسلمك * أمسك عضدها ليُردف بابتسامة * يلا ما تبين تشوفين هديتك؟
غزل تعقد حاجبيها باستغراب : هدية لي الحين؟
سلطان : أيه .. يلا تعالي تراها بالصالة.
تحرّكت معهُ بلهفةٍ وقلبها يُرفرف بسعادة، شهقَت بصدمةٍ حين خرجَت ووجدَت أمامها قطةً تتمشي خارجَ منزلِها الصغير، وضعَت كفّها على فمها بصدمةٍ ودون تصديق، وجّهت نظراتها إليه لتنطقَ ببهوت : جبتها لي؟
سلطان يبتسم : أيه .. بس لا أشوفها قُربي من الحين أحذرك.
غزل ودمُوعها تجتمعُ بعينيها ، لفّت ذراعيها حول خصرهِ وهي تهتف بصوتٍ باكي : شكرًا شكرًا لأنك ما خليتها بخاطري.
سلطان بضحكةٍ قصيرة : الحين وش اللي يبكيك يا بنت؟!
غزل ببكاء : أنت ، دايم تعاملك يبكيني، إن قسيت عليْ بكيت وإن حنيت بكيت.
سلطان يبتسم حتى ظهرت أسنانه : يا ليييييل كل شيء يبكيك؟
ابتعدَت عنهُ ونظرت لوجههِ القريبِ منها، ارتفعَت على أصابع قدميها لتقبّل خدهُ وتهمس : الله لا يحرمني منك.
ابتسمَ دون تعليق، بينما استدارَت غزل بلهفةٍ لتتّجه للقطةِ وتجلس على الأرض قُربها، حملتها ووضعتها في حُجرها بلهفةٍ وابتسامةٌ طفوليةٌ تزيّن ملامحها، وبنبرةٍ متلهّفة : كنت بسميها على اسم قريب منك ، بس للأسف مجهّزة اسم من قبل لا تجيبها لي.
سلطان يراقبها وهو يبتسم : يعني كنتِ بتشترين حتى لو رفضت؟
نظرت لهِ بخجلٍ وهي تمسحُ على ظهرها : لا بس فكرت بالاسم وأنا أشوف الصور تقدر تقول من الشفاحة.
سلطان : أيه وأيش الاسم اللي اخترتيه.
رفعَتها غزل أمامها وهي تنطُق بابتسامةٍ عريضة : قوزال ، كلمة قريبة من اسمي ومعناها جميل.
سلطان يُميل فمهُ قليلًا : ماهو ثقيل شوي؟
غزل : حتى لو ثقيل عاجبني . .
سلطان : اللي يريحك ... عمومًا لا أشوفها حولي من الحين أحذرك.
غزل بضحكة : أبشر.
،
صعدَ لسيّارتـه وعقلهُ غارقٌ في التفكيـر في الرسـالة التي وصَلت إليهِ بعد صلاةِ العصـر . . أمسكَ المقودَ ومن ثمّ أخفضَ رأسهُ ليسندَ جبينه على ظاهِر كفّه وهو يفكّر بعمق " هل يذهب؟ "
تذكّر كلمـات الرسـالة التي جاءته من أدهـم ، كلّ حرفٍ وكلّ نقطة ( أبي أقابلَك اليوم ضروري بمطعم **** بعد صلاة العشاء . . إلا إذا كنت خايف مني طبعًا! )
كانت الكلمـات الأخيرة لتستفزّة فقط، ولا يُنكِر أنّها استفزّته . .
رفعَ رأسهِ ينظُر للأمـامِ بتفكير، هل يذهب؟ أم يتجاهله!! ربّمـا تكون خدعةً مـا لإيذائه كما فعلَ بمتعب قبلـه !!
شدّ على المقودِ بكفيْه وهو يشدُّ على أسنـانه .. حرّك السيارة فجأةً وهو يلوي فمهُ في ابتسامةٍ ساخـرة . . من هوَ حتى يتردد في لقائِه؟
،
جلسَت على الأريكةِ وهي تضع المرهم على حرقِ كفّها بعد أن عادتـا صباحًا للصيدلية وأخذتاه، بينما كانت جيهان تجلُس قريبًا منها وهي تقلّب بين القنواتِ بملل، أدارت رأسها إلى أرجوان لتهتف : شرايك نطلع نتمشى شوي .. طفش.
ابتسمَت أرجوان بفرحٍ كون بعضَ تقوقعها حولَ نفسها انقشع، وبالرغم من كونِها لا تشعُر برغبةٍ في ذلك إلا أنها لم تكُن لترفُض. وقفَت وهي تهتفُ ببسمَة : ما عندي مانع .. بشوف ليـان . .
جيهان تقفُ حتى تتجهّز : طيب.
مرّت رُبع ساعةٍ قبـل أن تتنفّسـا شوارع بروكسيل وبعد أن اتّصلت أرجوان بوالدها وأخبـرته بخروجِهم.
أرجوان : تفكرين تسجّلين للدراسة؟ شكلنا خلاص بنظل هِنا.
جيهان تضعُ كفيها في جيبِها وهي تنظُر للأمام : ما أدري .. مالي خلق أكمل دراسة.
أرجوان تلوي فمها : طفشت من هالروتين .. عشان كذا بكمّل.
جيهان : ما أنصحك ... ترى الدراسة طفش وتشيب الراس.
أرجوان : ههههههههههههههههه لأنّك فاشلة قاعدة تقنعيني أكون مثلك.
جيهان بتجهّم : ترى معدلي كان 4.75 إذا نسيتِ .. بس خلاص أحس كل شيء صار قبيح بهالحيـاة.
أرجوان : عيونك اللي تقبّح هالأشيـاء .. لا تصيرين سلبية.
جيهان بملامح متغضّنة : حاولت وعجِزت.
كانت ستقُول لها " أجل وافقي على الدكتورة اللي نصح فيها فواز " لكنّها تراجعَت وهي تتذكّر أنّها خرجَت معها وكلّها أملٌ بأن تسعدَ ولو قليلًا.
هتفت ليـان فجأة : أبي عصير.
نظرت لها جيهان بعناد : لا .. بعدين حلقك يعورك وتنكبينا.
ليان تتجاهلها وتنظُر لأرجوان : أرجواني أبي عصير فراولة.
أرجوان : يا حلو البنات من عيوني.
عقدَت جيهان حاجبيها باعتراض : بتنكبينا معها ترى خصوصًا إن الجو الحين بارد شوي ... الأطفال ما ينعطون وجه.
أرجوان : ماعليه حرام أخليه بخاطرها إن شاء الله ما يضرها * أمسكَت بكفّ ليان وهي تردف * يلا حبيبتي تعالي.
جيهان : جيبي لي شيء حـار . .
وقفَت تنتظرهُما وهي تُخرج هاتفها وتعبثُ بهِ قليلًا، بينما كـانت أرجوان وليان تقفانِ في محلّ العصائرِ الطازجـة، بدأت ليان بالدلالِ في الاختيار بعد أن تراجعَت عمّا اختارتهُ قبلًا، تُشير لصنفٍ وحين تكاد أرجوان تطلبهُ تهتفُ بسرعة " لا لا لا " ومن ثمّ تغيره وتُعيد الكرّة.
أرجوان بضجر : ليان خلصينا واثبتي على شيء!
مطّت شفتيها وهي تلفظُ بامتعاض : خلاص أبي فراولة.
أرجوان تبتسم : زين رجعتِ له في النهاية.
اشترتهُ لها ومن ثمّ استدارتا حتى يتّجهان لمحلّ المشروباتِ الساخنـة، لكنّ ليـان شهقَت فجأةً وصرخَت وهي تسحبُ معطف أرجوان : فوازي فوازي.
أرجوان باستنكار : أيش؟!!
ليان تُشير إلى فواز : فوازي هناك.
رفعَت أرجوان نظراتها حيثُ تُشير لتراه يمشي ومن الواضح أنّه يريد العودةَ لشقّته القريبةِ من هُنا، توتّرت وهي تبحثُ عن جيهان بعينيها تخشى أن تكُون قد رأته، بينما تحرّكت ليـان بفرحٍ طفوليٍّ حتى تركضَ إليه في حينِ غفلةٍ من أرجوان ، شهقت وهي تلحقها : ليان لا تعاااالـــي!
لكنّ ليان تجاهلتها وما إن أصبح قريبًا منها حتى نادتهُ بالاسم الخاصِ بهِ لديها " فوازي "، انتبه للصوتِ الذي يُناديه واستدارَ نحوهُ ليضمّه فجأةً جسدٌ صغيرٌ دفن رأسهُ في بطنهِ وذراعيها الصغيرتين أحاطَت خصره ، تأوّه ضاحكًا وهو يشعُر بشيءٍ باردٍ ينسابُ على ظهره، وبضحكة : ليـان يا شقيّة وش اللي في يدك وغرقتيني فيه؟
ليانْ تسحبُ يدها التي تحملُ عصيرها البارد وذراعها الأخرى لازالت تضمّه : عصيري.
فواز يعضّ شفته : اووووه وصختيني.
حملها بيدٍ ومن ثمّ استلّ عصيرها بيدهِ الأخرى وهو يقبّل خدها المُمتلئ، وبحنان : طلعتي مع بابا؟ وينه؟!
ليان تهزُّ رأسها بالنفي : لا مع أرجواني وجوح.
تغيّرت ملامحه فجأة، في اللحظةِ التي وقفَت أرجوان أمامهم وهي تلفظُ بحرج : معليش فواز . .
وجّه أنظارهُ الجامدةَ إليها مباشرة، لم يشعر بأحداقه التي تمرّدت وتشتت تبحثُ عن جيهان ، وحين لم يجدها أعـاد نظراتهُ لأرجوان وعقله يستغرب عدمَ تواجدها معهم، ابتسمَ ابتسامةً باهتةً وهو يلفظ : شلونك؟
أرجوان بخجلٍ تنظُر للأسفل : الحمدلله .. شلونك أنت؟
فواز يتنهّد : عايشين.
زمّت شفتيها من نبرتِه التي تعني الكثير، من الواضـح أنّه يعاني حتى الآن من طلاقِه لجيهان ... صمتتْ ولم تقُل شيئًا، بينما ارتفعَ صوتُ ليان بغنجٍ وهي تهتف : وحشتني.
ليضحكَ فواز دون شعور هاتفًا : لئيمة .. تعرفين شلون تفتنين قلبي فيك.
قبّل خدّها من جديد، ليرتفعَ صوتُ رنينِ هاتفِ أرجوان فجأة ، توتّرت وهي تُخرجهُ من جيبها، تُريد أن ينتهي تواجُد فواز قربهم بسرعـة . . نظرَت للمتّصل لتعضّ شفتها وهي ترى اسم جيهان يُنير أمامها، رفعَت نظراتها المُرتبكة لفواز لتراهُ يحادثُ ليان ويضحكُ لها ، لم تجِد شيئًا إلا الرد، استدارَت عنهم وهي تضعُ الهاتفَ في أذنها وتهمس بتوتر : نعم؟!
جيهان بضجر : وينكم تأخرتوا! أنا عند محل العصير منتم فيه !
ارتبكَت أرجوان أكثر وهي ترفعُ نظراتها وتنظُر لها واقفةً في مكانٍ لو بحثَت بعينيها منهُ ستراهم ! . . تضاعفَ اضطرابها وهي تهتفُ بلعثمة : احنا بالكوفي .. تعالي.
جيهان التي لم تتحرّك بعد : يلا جايتكم ، المهم لا تآخذين لي أي شيء من راسك .. أبي هوت شوكليت.
أرجوان : طيب طيب . .
جيهان : يلا ماراح أتــ أ ....
بُترت كلمتها فجأة ، بينما أسبلَت أرجوان أجفانها وهي ترى أنظـار جيهان تتّجـه إليهم وتبهت .... أخيرًا !!
،
توقّفت سيارتهُ أمام منزلِ ابو ياسِر، وجّه أنظـاره لإلين التي كـانت صامتةً ولم تتحادث معهُ من بعد الذي حدثَ في الظهيـرة، زفـر بقنوطٍ ليلفظ : ماراح أقدر أنزل لهم بوجهي ذا . . .
قاطعتهُ إلين بحدةٍ وهي تفتح الباب : ليه هو أنا كنت بخليك تنزل لهم أصلًا؟ ماهو ناقصني فضايح!!
عضّ شفتهُ في اللحظـة التي أطبقَت فيها البـاب بقوّةٍ ومشَت باتّجاه البـاب ، حكّ جبينه وهو يعدّ للعشـرة ، لن يغضب، لن يفقد أعصابـه ، هو من تسبّب بكل شيء .. هو من تسبّب بهذهِ المُعاملةِ الجافة والحادةِ معه!!
زفـر بصبرٍ وهو يحرّك السيـارة ليبتعدْ، رفعَ أنظارهُ للساعـة ليراها تجاوزَت الثامنـة بقليل ، توجّه للمطعـم الذي ذكـره لشاهيـن . . حان وقتُ اللقـاء وتنفيذِ الخُطّة . .
،
يطرقُ الطاولـة الخشبيةَ بأعصابٍ نفدَت ، وصَل منذ عشرِ دقائق ولازال ينتظرُه، كلّما مرت دقيقتين نظر للساعـة بتوتّرٍ وهو يشتمُ أدهم أقذع الشتائِم.
دخـل أدهم وهو يبحثُ بعينيه بين الطاولاتِ حتى وقعَت على شاهين الذي كان يعبثُ بمفرشِ الطاولـة التي يجلسُ عليها، ابتسمُ ورفعَ هاتفهُ كي يُرسل لمتعب ( صار قدامي )
ومن ثمّ تحرّك نحوَ الطاولـة وما إن أصبحَ خلفهُ حتى لفظْ : السلام عليكم.
رفعَ شاهين وجههُ بسرعةٍ إليه ، ابتسمَ بسخريةٍ بينما جلس أدهم أمامهُ وهو يلفظُ بتهكّم : ردّ السلام واجب.
شاهين بسخرية : وعليكم السلام ... تهاوشت مع أحد من جديد؟!
أدهم يبتسمُ بتحدي : شخص يده شريفة أقل شيء . .
شاهين دونَ مبالاةٍ بمعنى ما يقُول : لا جديد .. حياتك واضح مالها معنى وقمت تدخّل حريم فيها بعد.
رفعَ حاجبيه : نعم؟!
شاهين بحنق : ما أدري بأي حق مُجرم مثلك يتزوّج وهو عارف حدوده بهالدنيا وين ! بس أكيد تدخل ضمن دائـرة حقارتك .. لهو ولعب بس.
أدهم يضحكُ بعد أن فهمَ ما يرمي إليه : وما الحياة الدنيـا الا متاع الغرور يا عزيزي .. الحال نفسك .. شلون تتزوّج وأنت مجرم؟!
تشنّجت ملامح شاهين وصوتُه الذي لفظَ بتحذير : قفّل فمك الوصخ هذا.
أدهم باستفزاز : ما غلطت! الحقير اللي يتزوج بنت ما سبق وتزوجت والا اللي يتزوّج زوجـة أخوه؟
وقفَ شاهين بغضبٍ وهو يضعُ كفيهِ على الطاولة وينحني إليه بعينينِ تشتعلان، استطاعَ إشعـال النار في صدرِه، استطـاع إغضابـه باحتراف . . لفظَ بخفوتٍ مُحذّر من بين أسنانه ووجههُ المشتعل يُرسل حرارتهُ إليه : كلمة ثانية عن هالموضوع وبتلاقي الطاولة هذي مكسورة على راسك.
أدهم باحتقارٍ يبتسم : طيب اجلس .. مالها داعي توري العالم انفعالاتك.
جلس شاهين وهو يمرر لسانه على شفتيه، وبجمود : شعندك؟ ما أظن جايبني عشان هالمواضيع التافهة!
أدهم : المفترض يكُون عندك خلفية عن سبب تواجدك دام كل شيء واضح لعيون بعض .. ماله داعي التمثيل.
ابتسم شاهين : يسرني طبعًا إنّنا نطلع بحقائقنا.
أدهم : أنا اكثـر طبعًا . . مع إننا ما نثق فيك ، وأكيد بتسوي شيء عشان ينأذى بس بنطّمن دامه محمي . .
عقدَ شاهين حاجبهُ دون فهمٍ لآخِر ما قاله، إلا أنّه لفظَ باحتقار : " ما نثق؟ "، مين المفروض ما يثق؟ هذا أنت تتعامل بأسلوب الجمع وأنا مُفرَد .. واضحة الدناءة اللي بدمك.
أدهم يبتسم : لا تطمّن احنا للحين اثنين .. ما رضَى يفضحك ويتكلّم عنك.
شاهين بسخرية : أقدر أعرف شريكك المُبجّل.
أدهم يرفعُ إحدى حاجبيه : اتفاقنا - بدون تمثيل -.
شاهين : عشان كِذا لازم كل شيء يتبيّن لــي .. أسماء كل اللي معك.
صمتَ أدهم لبعضِ الوقتِ وهو يرفعُ حاجبه الأيسر، ينظُر لهُ نظراتِ احتقـارٍ كونُه لازال حتى الآن يمثّل دورًا لا يليقُ بِه، هو الذي تضاعفَ احتقارهُ لهُ حين علِم من متعب أنّه تزوج زوجتـه! تزوج امرأةً لازالت زوجـةً لغيره! ليتها كانت على الأقلِّ مطلّقـة !
هتفَ بنبرةٍ مُحتقرة : للحين نمثّل على بعض! بس ما عليه بجاريك .. اسمـه متعب .. اسم أبوه نفس اسم ابوك .. والعائلة نفسها .. والقبيلة نفسها .. الأم والدم وكل شيء!!!
بهتت ملامحُ شاهين فجأة ، تشنّجت كفّه على فخذِه وهو يلفُظ بنبرةٍ حادةٍ رغم تشنّجها : للمرة الثانية ... أحذرك .. لا تجيب اسمه على لسـانك .. حقارتك ما تمشي علي بسهولة!.
ابتسمَ أدهم بسخرية وهو يرفعُ هاتفهُ ويتّصل بمتعب في هذهِ اللحظة بينما شاهين يراقبُه بعينٍ محتقرةٍ وغاضبـة، وقفَ يُريد الذهـاب وهو لا يضمُن كفّه التي تريد الاتجـاه إليهِ وتحطيمَ وجهه، لكنّ أدهم قاطـع ذهابـه بصوتِه الذي اتّجه إليه بتحدي : لحظة وين ودّك تهرب ... تعال والله ما ناكـلك.
وقفَ ووجّه أنظـارهُ إليه بحقدٍ بينما هتف أدهم بهدوءٍ في الهاتف : هاه كلمـه.
شاهين بعينين مستنكرتينِ وحرارةُ الغضب تطوفُ في زواياهما : أكلمه!! مين؟
أدهم ببساطة : متعب بعد يعني مين.
لم يشعرْ سوى بكفيه تنقضّانِ على عنقهِ بغضبٍ وهو يصرخُ دون مبالاةٍ بمن حولهم : بذبـــحححححك .. بذبححححك وأشرب من دمّك الحقيييييير.
ابتسمَ أدهم بسخريةٍ وهو يُغمض إحدى عينيه باختنـاق، كان يستفزّ شاهيـن دونَ أن يشكَّ للحظةٍ أنْ يكون لغيـر كونِ حياةِ متعب تغيظه ، بينما كـان شاهين يرى في حديثهِ استخفافًا بالموتى ، يرى منه تنقيصًا من " متعب " لذا لم يُبالي إن كـان قد يقتله في هذهِ اللحظـة أم لا ، لم يُبالي وهو يضغطُ على عنقهِ أكثـر . .
كـان صوتُ شاهين يصلُ لمتعب عبر الهاتِف ، شعرَ بضعفٍ في كفّه التي ارتعشَت وطغَى ضعفه على خوفِه من أن يقتل أدهم فعلًا ، أغمضَ عينيه وأنفاسُه تتصـاعد ، هاهو سمعَ صوتهُ أخيرًا بعد سنينَ وأشهـر ، سمعَ صوتهُ بعد خسرانٍ طويل ، سمعَ صوتَ الذي يشاركهُ بالدمْ ، هذا الدم الذي هدرهُ بكل بساطة ، دونَ مبالاةٍ بأنّه نفس الدم!!
جلسَ على أقربِ كُرسيٍ وهو يرتعش بوهن، وصَل إليه صوتُ رجـال الأمن بعد أن تدخلوا وقرروا طردهما من المطعم، لكنّ أدهم اعتذَر وهو يدلّك عنقه بعد أن ابتعدَ شاهين عنهُ قسرًا ، تركوهم وهم يحذرونهم من أي شجارٍ آخر.
تراجعَ شاهين وهو يتنفّس بقوةٍ ويلفظَ بحقدٍ واحتقـار : صدقني ذبحك على أيدي بأقرب وقت.
أدهم يبتسمُ ووجههُ محمرٌّ من يد شاهين التي كادت تقتلهُ فعلًا، مدّ الهاتف إليه من جديدٍ دونَ أن يبالي بردّة فعلهِ الأولى، وباستخفاف : خذ .. بيهمك هالاتصـال.
شاهين ينظُر لعينيه بغضبٍ مُستقر ، كـاد يتجاهله أو يصفعَ يدهُ ليسقط الهاتف ومن ثمّ يبتعد، لكنّ يدهُ امتدّت أخيرًا ليستلّ الهاتفَ من يدِه بحدة، وضعهُ على أذنهِ لتصله الأنفـاس المتسـارعة تلك ، الأنفـاس التي يكادُ صاحبها أن يمُوت بألمِه ويكاد الدمعُ أن يفرّ من عينيه من حرارةِ محاجره.
عقدَ حاجبيه باستغرابٍ من صوتِ الأنفـاس تلك ، ليهتف : ألو ..
بأنفاسٍ مُجهدةٍ أغمضَ عينيهِ وهو يسندُ ظهرهُ للخلفِ بهوان، كـادت كفّهُ أن تُسقطَ الهاتف من شدّة رعشـتها، كـاد أن يسقطَ هو بطولهِ ويحكِي معاناةً طويلةً منذ سنين .. لا يستطيع إنكـار أنّه اشتاق إليهم جميعهم ، لأصواتِهم .. حتى لصوتِه اشتاق! لصوتِ قاتلـه ، اشتـاق لهذا الصوتِ الذي لم يُفارقهُ حتى قبل ثلاثِ سنينَ إلا قليلًا ، لم يُفارقه أبدًا ، وحين اختار بنفسهِ طريق الغدرَ كـانت تلك الصفةُ هي الحائـل بين دميْن ، اشتركَا في كلّ شيء ، بين جينات ، حمَلت صفاتًا من نفسِ الأبِ والأم .. مِن ملامحين تشابهـا .. لطالما كنتُ أشبهك وتشبهني .. كثيرًا ... لكنّ ذلك لم يكُن يكفِيك.
غصّت دمعةٌ في محجرِه وتكثّفت حتى سقطَت وهو يسمعُ صوتَ شاهين يكرّر باستغرابٍ حاد : نعم ! بتحكي والا شلون؟
متعب بصوتٍ يختنقُ بشوقِه المحرّم لقاتـله : شاهين!!
ذلك الاسم ، حينَ لُفِظَ بصوتٍ مـات منذ سنين ، الصوتُ الذي لن ينساهُ أخْ ، الصوتُ الذي يبقى خالدًا وتُنسى كل الأصواتِ عـداه ، الصوتُ الجاثـم على القلبِ جثمًا لذيذًا ، صوتُ التوأم الروحي ، الأخْ ... كيفَ يُنسى؟!
اسم " شاهين " جـاءَ بصوتِ الأموات ، جـاء ليقتل ، جـاء ليتشنّج الجسدُ وتزيغَ الأحداق . . شهقَ باختناقٍ والهاتفُ يسقُط من يدِه ... ما الذي يحدثْ؟ أيّ لعبةٍ هذِه؟ ما الذي يحدث!!! كيف يأتِي صوتُ الأمواتِ من القبُور؟ كيف يسمعهم الأحيـاء؟ . . نظَر لأدهم بضيـاعٍ ورعشـةٌ غزَت جسده ، شعرَ بالدنيـا تطوفُ من حولِه ووجههُ يبهتُ ويشحبُ كشحوبِ الأمواتِ الذي ظهر منهم الآن صوتٌ لا يُستنسَخُ في أيّ بشري ! هل للصوتِ شبهٌ أربعُون؟ لا !! قلبي الذي ينبضُ الآن بشدةٍ لا يُكذّب صوته، قلبي الذي يكادُ يتوقّف الآن لا يُخطِئ
تنفّس بسرعةٍ وهو يشعر أن الأكسجينَ ينسحبُ من رئتيهِ ودمه ، راقبهُ أدهم بجمودٍ وهو لا يدري أنّ ما يصير لجسدهِ الآن قد يقتلهُ ويوقفُ قلبه ، الأمواتُ لا يعودون ، أصواتُهم لا تعود .. فكيف جـاء هذا الصوتُ الذي لفظَ اسمي !!
غشى عيونُه ضبابٌ جعلَ ملامح أدهم والمكانَ مشوّشة . . أمسكَ بطرفِ الطاولـة بكفيْنِ تشنّجتـا ، وجههُ احمرّ من شدةِ الاختناق يبحثُ عن هواءٍ يُسعفه ، حمَى جسدهُ من السقُوط عبر الطاولـة التي أمسكها، لكنّها لم تكُن بالقوة التي تكفِي ، وهوَى جسدهُ وصوتُ متعب يتكررُ في أذنـه لافظًا اسمه ليختنقَ أكثـر ، صوتُ الأمواتِ يتكرّر .. ليدخُل جسدهُ في غيبوبةِ الممات.
.
.
.
انــتــهــى
حاولت ما يكُون فيه قفلات بما أننا بننقطع أسبوعين تقريبًا بس ما قدرت :( يارب تكون خفيفة عليكم - ما أظن - :" مع إنّ البارت بغيته تصبير للي بعده بس شكله بيكون العكس :)
قراءة ممتعة ، وسامحوا نذالة البارت واللهِ مُش مني أنا :( :$
+ سنابي فيه مشكلة من ثلاثة أيـام فعذرًا للي ما أعقبت على تعليقاتهم ، واللي مارديت على رسائلهم ، :$ إن شاء الله أحلها خلال هاليومين ()
ودمتم بخيـر / كَيــدْ !
|