كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية
تعليقاتكم كلها وحتى اللي ما أمداني ارد عليها قبل البارت اللي فات برد عليها اليوم والخميس ، فيه كم التبـاس حابّة أوضحهم لكم ، سلمان، أحمد، سعود، سالم، تميم .. كلها أسماء مرتبطة ببعضها، وكلهم يرجعون لنفس الخلية وجماعة وحدة ماهم بمكان معيّن/لهم انتشار " سالم وأحمد وسلمان بالسعودية بينما سعود - الأصل - برى السعودية " وما نستبعد إنّه بقى في غير هالأماكن ، باقي تقريبًا سلمان ماقد ظهر بشكل مباشر في موقف بعمليات تدينه ، فننتظر الاثبات من عدمه في البارتز الجاية.
اسم متعب فعلًا متورط معاهم، وسالم هو نفسه اللي قابله متعب قبل كم سنة وشاف عملية من عملياتهم .. إذا جينا لشغلهم الأساسي فهم جماعة " تؤدي أعمال غير شرعية من باب التجارة " سبق ووضحت إن تجارتهم مقتصرة على الأسلحة، المخدرات والخمور ... الخ يعني الممنوعات ، ويركّزون - غالبًا - على فئة الشباب في التجنيد تحديدًا ومعظم الاسماء اللي ذُكرَت لعبدالله - رئيس بدر - كانت الاعمار فيها ما بين 19 لـ 25، نفس الشيء صـار لسند وإبراهيم وسعد طاحوا فيهم وبتعرفون شلون وليه وكيف بالبارت الجاي خصوصًا إنهم ماهم صغار مثل معظم الأيادي اللي يستفيدون منها.
هذا توضيح سريع وبتفهمون كل شيء قريب ، بعلّمكم بسر بعد أو نقول تغشيشة حلوة ، متعب بيرجع لكم خلال الخمس بارتات الجاية تقريبًا " حان اللقـاء بينه وبين شاهين " :""
+ طول البارت السابق كان ضخم مثل ما شفتوا، ترى مو كل بارت راح بيكون بهالطول فلا تطالبوني بهالشيء، بارت اليوم طوله حلو، بس غالبًا البارت اللي بطول الأخير يكون للأحداث المهمة واللي يصير فيها نقلات أو صدمات بنفس البارت لكل الشخصيات وغالبًا بقولكم قبله وبطلب منكم تمهلوني وقت لكتابته مثل اللي صـار ، - نوضّح للطماعين - :*
خذوا البارت وتجاوزا عن كم صدمة بتقرونها * فيس يقلّب عيونه بشر *
فيه أخطـاء بتصدر من بعض الشخصيات وبعضها ممكن تكون " كبيرة " لدرجة مُقززة وممكن بعد تغيظكم بس انظـروا للجانب الكامل للشخصية، ظروفها الحياتية، نفسيتها . . الخ ، وتقززوا بس لا تستنكرون اللي بينقرأ ، كل شيء جائز من الشخصيات اللي تعاني خصوصًا لو كانت ضعيفة وبتفهمون مع قراءة البارت مين أقصد :)
+ يامرحبًا بالحلوين اللي انضموا لنا ، والله يا إن البـارت اللي فات طلّع المستخبين من جحورهم حتى الآسك والسناب شعللوا شكلي بخلي كل البارتز مأساوية لووووول.
كثيرون ماتوا.. بكينا عليهم
أقمنا عليهم صلاة الرحيل
وقلنا مع الناس صبرا جميلا
فهل كل صبر لدينا جميل؟
قرأنا الفواتح بين البخور
وقلنا: الحياة متاع قليل
نثرنا الفطائر فوق القبور
وفي الأفق تبكي ظلال النخيل
كثيرون ماتوا..
أهلنا عليهم تلال التراب
ولكنا لم نمت بعد لكن
لماذا يهال علينا التراب؟!
فما زلت حيا
ولكن رأسي بقايا ضريح
وما زلت أمشي
يقيد خطوي درب كسيح
وينبض قلبي
وإن كنت أحيا.. بقلب ذبيح
* فاروق جويدة
(72)
" حملها أنبوبي ، خارج الرحم .. سبب لها نزيف وانفجار بقناة فالُوب .... "
تتكرّر الكلمـات، وكفّها الآن تحتضنُ بطنها الفـارغ، عينيها تمتلآن بالحسـرة والوجع، تفرغـان من كلّ شيء، بينمـا كـان سيف قد خرجَ من الحمـام وهو يكفكفُ كميّ ثوبِه بعد أن كان يتوضّأ، ابتسـم بأسى، واقتربَ منها حتى جلسَ بجانبها على السرير ليسحبَ يدها ممانعًا لها من احتضـان بطنها بحسراتِها، من احتضانِه بكفّ الألم ، من الصفعـة في مسحـةِ كفٍّ جفّ فيهِ العطـاء. قبّل تلك الكفَّ وهمس : ما ودّك تصلين تراويح اليوم والا شلون؟
نظرَت لهُ بصمتٍ جامـدٍ ويدها الباردةُ تستقرُّ في كفّه بجمود، صدّت عنهُ وهتفَت بصوتِها الجـامد منذ فجعتها تلك : الا الحين بتوضّى.
وقفَت وابتعدَت عنهُ لتنسلّ يدها منـه، تابعها بنظراتٍ متأسيّةٍ وهي تبتعدُ إلى الحمـام، هذا الجمود الذي بات يُلاحمها، يُلاحمُ نظراتها، هذا الجمُود والعتب، الجفـاء بعد كلمـات الطبيبة التي كانت تسأل إن كانت قد حملت من قبل حملًا أنبوبيًا، إن كانت قد أصيبت من قبل بالتهابٍ بالحوض، إن كانت استعملت الموانع، وحين أُجيب بالأخيـرة اكتشفا أنّه السبب في تعرقُل حملها ، لازال يذكُر بكائِها، لومها عليه لحظةً وعلى نفسها لحظةً أخرى، كلماتها المجروحة حدّ الموت : أنت السبب ، أنت السبب ... حرمتني من أوّل فرحـة، من هالفرحة اللي كنت أراكض وراها وأتمناها ، أنت السبب ...
لتُكمل بتشويشٍ وانهيـارٍ وهو يحتضنها بين أضلعه : دعيت على ولدك من قبـل ، وربّي ردّ الدعـاء عليه ... راح ! راااااح منّي يا سيف راااااح يا حسرتي عليه، يا حسرتي على روحي
خسرته، وخسرت معهُ نفسها ذلك اليوم، لامتهُ في جمودها، لامتهُ وعاقبته! لم تطلب الطلاق كما ظنّ في تلك الفترة التي انهارت بها وهي ترى أنّه السبب الوحيد في حرمانها، لم تطلب الطلاق وبقيَت معهُ تؤدي كل واجباتها الزوجية وتُطيعه وكأنّ ذلك مجرّد فرضٍ أو واجب، بينما كانت ديما بعيدةً عنه .. بعيدةً جدًا.
،
مرورُ الأيـام هُنا لا يمحُو الندبـات على الأرواح، ابتسامةٌ من شفتيها حتى في صدقها لم تكُن ممتلئةً بكامِل الحيـاة، علّقت عبـاءتها وهي تمرر لسانها على شفتيها، شعـرت بهِ يدخُل خلفها . . تشعُر بفراغٍ كبيرٍ فيها، بانكسارٍ أخذهـا طيلة الأيـام الطويلة التي مرّت ولمْ تمر، لمْ تمُر! هذهِ الرُوح تضييق، تضييقُ ولا تجدُ متّسعًا يحملها، يُعاملها بحنـان، بحنانٍ ضعفَ حنانِه السابق، لكنّها بالرغم من ذلك تشعر أنّ روحها تضييق أكثـر ، هذا القلبُ يهتزُّ برعشـاتِ الهـوان، هذهِ الرئـةُ يتلاشى منها الأكسجين وتشعُر أنّها لازالت تختنقُ حتى الآن منذُ تلك الليلـة، تلك الليلة التي بكتْها عن كـامل سنينها.
ابتسمَت وهي تسمعُ صوتَ البابِ يُفتحُ من خلفِها . . تغيّر الكثيرُ من نفسِها! تشعُر براحـةٍ روحيّة، لكنّ قلبها يضيق ، مشاعرها، ولن يعرفَ أحدٌ سبب هذا الضيقِ حتى هوَ.
استدارَت وهي تفتحُ شعرها الذي كانت تلفّه خلف رأسها، خلخَلت أناملها فيهِ وابتسمَت حين ابتسمَ لها وهمسَ برقّة : اليوم صليتِ الركعات كلها والا عجزتي مثل أمس وجلستِ لصلاة الوتر؟
احمرّت وجناتها بخجلٍ وهي تعضُّ شفتها السُفلى وتحكُّ عنقها، وبصوتٍ ناعمٍ حرِجْ : لا صليتها الحمدلله بس تعبت.
ابتسمْ : هذا وأنا ناوي آخذك لمكّة في العشر الأواخر، بتعجزين من البداية.
هتفَت بضجَر : وش ذا سلطان أنت تبي تنفّرني من البداية؟
ضحكَ وهو يُحيط كتفها ويجتذبها لصدرِه، وبحنان : أمزح معك بآخذك هاليومين قبل لا ندخل العشر الأواخر وألاقي رجولك وقتها تتراعشْ من التعب بالنسبة لانسانة ما تعوّدت، صلي اللي تقدرين عليه.
ابتسمَت بأسـى، وخدّها يغُوصُ بين أضـلاعِ صدرِه، رفعَت كفيْها برعشـةٍ لتحيطَ بذراعيها خصـره، تشعُر بروحانيّةٍ تدفعها للبكـاء، تشعرُ براحةٍ يُجابهها ضيقٌ آخر، ضيقٌ يجرحها، يجرحها لأجلـه، مرّت الأيـام في أشهر، تمسّكت بهِ بقدرِ احتياجِها له، بقدرِ حبّها ، تمّسكَت بهِ حتى بعد مرورِ الأسـى على ملامحِه، بعد استسلامِه وهوانه الواضحين، بعد ضعفِه! لم ترهُ ضعيفًا كما رأتـه بعد أن أفاقَت من جنون خوفها بعد أيـام، بعد أن استوعبَت كلّ شيءٍ وظلّت تبكِي حياتِها حتى الآن، لازالت تبكِي! بكَت البارحـة، وبكت قبله، وبكَت كلّ يوم، بكَت على صدرِه، وهـاهيَ الآن تبكِي! تسقُط دموعها بصمت، تُكرّر الطقس اليوميّ، تغصّ بعبراتِها، تغصّ بألمها، تغصّ بإيذائِها له.
لم تتحرّك، كـانت ساكنـة، تبكِي بصمتٍ كي لا يسمعها ويضيقَ صدره ككلّ يوم، كلّ يومٍ تفعلها به، كلّ يومٍ تؤذِيه بهذا الألـم. لكنّهُ شعرْ، علمَ أنّها تبكِي ، علمَ من جمودها الذي تُحاول بهِ ألّا يصرخ بكاؤها ويهتزّ جسدها مرتعشًا بوهَنٍ وحُزن . . تنهّدْ، وشعر أنّ ملوحـة عينيها تغصّ بحُنجرته، ذاقَ مرارَة ما تشعُر به، ذاقَ مرارةَ البُكاء الذي تبكِيه، البكُاء الذي يشعر أنّ دمعهُ يحشُر ذاته قسرًا في نبراتِه، في كلماتِه، في صوته الذي همسَ بألمٍ وهو يشدُّ في احتضانها : بس! بس يا غـزل ، لا ترهقيني أكثر، لا توجعيني !
تأوّهت آهـةً شقّت عنـان الصمتِ واعتلَى من بعدها صفيرُ صدرها الواهِن، انسحَبت ذراعيها عن خصرهِ وتمسّكت بصدرهِ وهي تهتفُ بصوتٍ يختنقُ وكلماتُها تتشبّع بالألـم : أحس إنّي حقيرة! بس أحبك ! أحس إني وصخة ، بس بعَد أحبّك ، من بين كل سيئة فيني والثانية أحبّك! الحسنة الوحيدة بحياتي إنّي أحبك !!
سلطان بألمٍ وهو يتخلخلُ شعرها بأنامله ويلفظ وهو يدفن وجهها في صدرها : كافي يا غـــزل !! لا تعذبيني أكثر.
هزّت رأسها بالرفضِ وهي تلفظُ بعذاب : أنا وصخة ، حقيرة ، أنا انسانة قذرة ، أكره نفسي ! أكرهني يا سلطان .. بس أنت تكفَى لا! لا تكرهني على حقارتي، لا تكرهني على قذارتي .. أنا قذرة ، قـــذرة.
سلطان بحدة : غـزززززل يكفي!!
انتحبَت مواسيـةً نفسها من الموتَ الذي يسطعُ أمام عينيها مباشرةً ولم يلتحم بها حتى الآن، هذا العذاب! هذا العذابُ بأن ترى موتكَ كلّ ثانيةٍ لكنّه لا يرحمك من رُعب ملامحهِ ويأخذك، تُرعبني ملامح الموت، ترعبني يا سلطان بعد أن شعرتُ بهِ يزحفُ إليّ ولم يرحمني، تُرعبني ملامحُ الموت، الذي لازال يلتصقُ بأحداقي وآرآها في كل صحوتِي.
رفعَت رأسها إلى ملامحه، نظرتْ لهُ من بينِ دموعها، نظرت لأنفه، لفمِه، لخديْه، لجبينه، ولم تستطِع النظر لعينيه، لا قُدرةَ لها! لا تستطِيع أبدًا أن تنظُر لعينيه وهي تشعرُ بصغرها أمامه، بحقارتها.
ارتعشَت شفاهُها وتساقطَت الدمُوع أكثر لتهمسَ بعذاب : سامحنِي ، لا تكرهني تكفى ، بقدر أتجاوز كل شيء، بقدر أتناساه ، بس مقدر على كرهك!
بقيَ ينظُر لها بملامحَ مبتئِسة، بملامحَ يغطّيها ظِلالُ يأسِها ، بملامح ذوّبتها حرارةُ عينيها الحمراوتين .. هذا الاحمرار يقتله! يقتلهُ كلّما رآه، كلّ يوم! هذا الحمرارُ يذكّره بأنّه الذنبُ الأكبـر في حياةِ من عَرِف، أنّه الانحصـار! لو أنّه لمْ يكِن بعيدًا، لو أنّه مـا كان منعزلًا في خلوتِه تلك الليلة بعيدًا عن المنزل، لو أنّه ما ارتبطَ بِها! لو أنّه ما احتقـر! ما قسى وعاقـب، ليته كانَ يملك القليل من السمـاح، ليته تركهـا للحياة، آذآها كثيرًا كما آذى من قبلها، ضربها بقسـوة، بقسوةٍ أهلكتـه ، بقسوةٍ لازالت تتكررُ وتقتلُه، صورتها ذاك اليوم، الدقائق التي مرّت وهو جامدٌ أنفاسـه تكادُ تتجمد مع أحداقه التي بقيَت تنظُر لبكائِها بضعف، انهزامُ جسده، خيانته له .. لم يستطِع ذاكَ اليوم أن يمسك زمـام قوّته ويكون المُسند لها وهو يراها تنهـار! ضعف، ضعف حتى رآها تكادُ تفقدُ وعيها وتسقُط جانبًا، حينها اهتزّ جموده، تحرّك حتى مع كـامِل ضعفه، تحرّك ليُمسك كتفيها وقلبهُ يضخُّ بالماءِ بدل الدمـاء، ماتَ حيًّا، لا يملكُ متّسعًا ليتنفّس سوى الألـم، سوى فكرة أنّه " قتلها ".
تلك الليـلة كانت من مخاضِ الوجـع، تلك الليلة حين وُلدَت امتصّت البسمـة، تلك الليلةُ سحقتنا! سحقتنا جميعًا وأودَت بجفافنـا الخريفيّ مع رياحِ الشتـاء، ذرتنا الريـاح إلى غيهبِ انكسـار، ذرتنا الرياح إلى ظـلامِ الصبـاح ، كيفَ يشتقُّ من الصبـاحِ - ظـلام -! هذا نحنُ، أشرقت علينا الشمسُ ونحنُ مظلمِين.
أحـاط كتفيها، لامسَ جُرح أحدهما وهو يغصّ بلقمَةِ الانهزامِ من طبقِ الدُنيـا، دنيئةٌ يا الدنيا! دنيئةٌ والبؤسُ فيكِ جائعٌ للبشـر! . . كـان كمن يتفقّدها بأنامله، عنقها الموشوم، أظافرها النازفة في عراكٍ واهنٍ مع كتفيّ المُجرم وهي تُحاول المقاومـة دون فائدة، أجفانُها المنتفخة من البُكاء، شفاهُها المرتعشـة، ووجهها كاملًا أُغرقَ في بحرِ الظُلمـات.
ضاع صوتُه لبعضِ الوقتِ بينما كانت هي ترتعشُ وهي تحاولُ دفعهُ بذعرٍ وتُغمض عينيها بوجع، خائفة، بحجمِ احتياجِها لـ - سلطان -، كـانت تناديه بهمسٍ متألّم، لم تدري في تلك اللحظـة أنّه الذي يحتضنها وليسَ المُجرم، تدفعهُ وتنتحبُ بألمٍ هامسـةً بصوتٍ مبحوحٍ إثر الصرخـة التي نبعت من حُنجرتها قبل أن يخنقها ويزرع فيها الوهن، تهمسُ باستنجادٍ وتئن : لاااااااا ، لاااااا ابعد عني .. ابعد عني .. سلطاااااااااااااااااان !!
تأوّهت وهو يحتضنها بقوّةٍ ويعضّ شفته ودمعةٌ تدفّقت من مقلتِه وتجاوزَت أجفانه، سقطَت، شقّت خدّه وسقطَت، لامسَت شعرها وسكَنت هُنـاك، بين خصلاتِها وعلى رأسها الذي كـان يؤلمها، سقطَت تلك الدمعـة وهي لا تزال تهمسُ مناديةً باسمه وتحاولُ دفعهُ بخوف، تناديه! تُريده أن يأتِي، تريده أن يُنقذها ممّا هيَ فيـه . . لمْ يأتِ!!
غرسَت أظافرَها التي جفّ من حولها الدماء في عنقهِ وهي تدفعهُ بكفّها الأخرى دون أن تستطع تحريكهُ ولو قيد أنملةٍ من شدّةِ وهنها، تتأوّه وهي لازالت تُدافع، لازالت تُقاوم بطريقةٍ زادَت من عذابـه. ودونَ شعورٍ منه شدّ عليها أكثر وهو يهتفُ بصوتٍ مبحوحٍ مختنق وأظافرها التي تكاد تخترقُ جلده لم يشعر بها : جيتك .. أنا سلطان ، أنا سلطااااان لا تخافين محد بيقرّب منك.
حاولت دفعهُ من جديدٍ وكأنّها لم تسمعه، حينها هتفَ بصوتٍ حاول أن يمدّه ببعضِ القوّةِ والحنانِ التائه : أنا سلطان .. غزل .. غزالــة! .. أنا قُربك.
توقّفت عن المقاومـة وارتخَت أظافرها قليلًا لكنّ رعشتها وأنينها لم يتوقّفا، لم يتوقّفا، اسمها الآخر من صوتِه جعل تشنّج جسدها يخفُت، وكأنّه كـان مفتاح السرّ لبعض الأمـان، . . ظلّت تبكِي وهي تتشبّث هذهِ المرّة بصدرِه وتهمس بصوتٍ متقطّعٍ حمَل الكثيرَ من الرجـاء : ما صـ صار شيء! أنـ ـا ، أنا .. نايمة .. أنا .. ما صار شيء . . . بس حُلم ، مزعج ..... صح؟
أغمضَ عينيه بِقوّة، حُرقةٌ تتصاعدُ أسفل أجفانـه ، دمع! وملوحـةٌ لم تسقط بعد تلك الدمعةِ اليتيمة التي استقرّت بين خصلاتِ شعرها، مرارةُ العلقـم سكَنت في حُنجرته، مرارةُ الحسرةِ سكنَت في صدرِه، مرارةُ الذنبِ انهشَت خلايـاه! هذهِ المرارةُ أقسـى ، حطّمها ! قتلــها لأنّه ارتبطَ بِها !!
هتفَ بنبرةٍ ميّتة : أيه .. ما صار شيء .. ما صار شيء.
زمّت شفتيها وأنينُها يخرج من صدرها منصاعًا لهـذا الانشطار/الانكسـار في روحها، اللمسـات في الحلم كانت كالحقيقة، القبلات، الاختناق! الألـم كلّه كان كالحقيقة . . هتفَت بتحشرجٍ وعذابٍ ويدها المرتعشة تشدّ بها على صدرِه : اختنقت بالحلم ! خنقني بيده .. كنت بموووت ، كنت بموووت من الاختناق ... كـان قاسي !
عضّ شفتهُ بقهرٍ وألمٍ وهو يقبضُ كفيه ويشعرُ أنّ الدنيـا تدورُ من حولِه، يشعر أنّه يغرقُ في حممٍ لا تبرُد ، تابعَت برعشةٍ وهي لا تشعر بذاتها، كانت شبه فاقدةٍ للوعي : جلست أصارخ وأنـاديك .. ما جيت! ليييه ما جيت بحلمي؟ ليه ما كنت جنبي؟ ليه صوتِي ناداك أنت بس وما لبّيت؟
سلطان بغصّةٍ وهو يُجاريها، يدرك أنّها ليست بكاملِ وعيها وإن نفَى ظنّها بأنه حلم/كابوس قد تدخلُ في حالةِ انهيـارٍ أكبر : كنت بعيد، لو قريب منّك ما خليتك !
غزل برعشةٍ تشدّ عليهِ أكثر وتلفظُ قبل أن تفقدَ وعيها كاملًا : خــايفـــة ... احضني سلطان ، لا تتركني ، لا تتركني.
همس لها بعذاب : ماراح أتركك ... أنا جنبِك.
فقدَت وعيـها وهي ترتعشُ يومها، تركتهُ يشتعل، تركتهُ يتألّم، تركته يغرقُ في بحرِ القهـر، نسيَ في تلك الليلـة أن يأخذها للمشفى حتى! فقدَ عقله، فقد إدراكه .. خـــاف، وهاهيَ مخاوفـة تحدث! خاف قبلًا من من أن تؤذى بجانبه كما حدث لليلى وغيداء من قبله، وحدَث. هذا كثيرٌ عليـه، على روحِه، كثيرٌ عليهِ أن يكُون سوءً . . تلك الليلة شعر بالصعف كما لم يشعُر بهِ من قبل، ماتَ في قهرِه، صُلبَ في وجعِه ، اشتعلَت بهِ النـار ولم تنطَفئ ، لم تنظفئ حتى الآن ، ولن تنطفئ حتى يجد من فعلَ بِها ذلك، حتى يحد من مسّ زوجته بسوء - بسببه -.
شعرَ بـها تبتعدُ عنه، نظرت لوجههِ الحبيب لقلبها وهي تبتسمُ بعذابٍ يُخطّ على ملامحها، وبأسى : سامحني على حقارتِي يا سلطان ، لا تعاقبني بكرهك !
سلطان يزفُر بتحشرج : بس يا غزل ، روحي الحين نامي لك شوي عشان اليوم بنتسحّر عند أمّي.
غزل برجاء : بس ماراح تكرهني صح؟ ماراح تتركني أبد؟ وعدتني ، وعدتني يا سلطان وحلفت إنّك بتظل معي طول عمرك دامني أبي هالشيء ، خيّرتني بينك وبين الحرية، وأنا حريّتي فيك.
سلطان بحدة : خلاص يا غزل ، تدرين إنّي معك وماراح أتركك، ماراح أسامح نفسي.
غزل بابتسامةٍ مستوجعة : توجعني إنها شفقة منك، بس برضى دامني قربك .. عارفة إنّي حقيرة وقذرة وما أشرّفك ، عارفة إنّك تتمنى لو اخترت أبتعد عشان ترتبط بالكاملة اللي ترضيك بس ما قدرت إلا أكون قربك . .
سلطان بصبر : خلاص قفلي هالموضوع يا غزل ، كافي كل يوم تكررين هالكلام عليْ وأرد عليك بنفس كلامي بعد * صرخ وقد نفدَت أعصابه كما مشاعره * يكفي يا غــزل ارحميني من كل هالشيء يكففففففي .. لا ترجعين بكل يوم وتذكّريني بذنبي ، تذكّريني إني السبب.
عضّت شفتها السُفلى بوجعٍ على ما يشعر بهِ قبلًا، والتوى حلقها وغصّت في عبرةٍ ومرارةٍ لتهمس بصوتٍ باكي : مالك ذنب ، الذنب كلّه علـيْ . . . أنتْ دواي يا سلطان * أكملت بصوتٍ باكٍ أكثر * رفضت المستشفيات، رفضت البعد ، لأنّ دواي عندك ، وأنا أصبتك بدائــي ... سامحنِي !
أمسكَ كتفيها لجتذبها إليه ويُحيطها بذراعيه بقوّة، أحاطت خصرهُ وهي تدفنُ وجهها بصدرِه وتنعمُ ببعض الراحـة قُربه، وبهمس : سامحتني على غدري؟
سلطان بعمقٍ صادق : نسيته ، نسيته واعتبرته ما صـار ، نسيته لأنّه السبب في عنادي والسبب باللي صار.
غزل بألم : مالك ذنب ، صدّقني مالك ذنب.
وكيف يكُون لهُ الذنب؟ غزقَت في وجعِ الروح، غرقت في الذكريـات ، في ألمها ذاك اليوم، في ألمها بعد أن استيقظَت ووجدت نفسها في غرفتها السابقة، ابتعدَ سلطان عن غرفته، كرهها ، ولو كان الأمـر بيدِه لأحرقـها ، استيقظَت فيها برأسٍ يكادُ ينفجر، تنظُر لما حولها بضيـاع، بقيَت لدقائق غائبةً عن الإدراك، لم تتذكّر ما حدثَ لها بسرعـة ، وحين تذكّرت وجدَت نفسها تصرخُ بهلعٍ وهي تجلسُ وترفعُ اللحـاف إلى صدرها، صرختها كانت كافيةً لينتفضَ سلطان الذي كـان ينام على الأريكة جالسًا بوضعيةٍ مؤلمةٍ لعنقِه ، اقتربَ منها بتلقائيةٍ ليجلسَ بجانبها ويهتفَ بحنان : ششششش ، لا تخافين ، أنا قربك .. أنا سلطان.
نظرت لهُ بعينين واسعتين وأحداقها تتوهُ في نظرةٍ ضائعة، مكثَت لثوانِي جامدة دون استيعاب، وبعد أن مرّت الثواني أدركت، استوعبَت أنّها في الواقع، أنّ كلّ ما حدثَ كان حقيقيًّا، أن الألـم كان حقيقيًّا، أن الوجعَ كلّه كـان حقيقي ، كان حقيقي !
انفجرَت باكيـةً تختنقُ في آهةٍ نبعَت من صدرِها بملءِ ما انتفضَ فيها السكُون، بملءِ الألـم الذي عـاد ، بكَت بحرقة، بكَت بضيـاع ، ولم يجد سلطان وقتها نفسه إلّا وهو يحاول أن يُنهي كلّ شيءٍ بحضنٍ وكلمـات، كان يتألّم هو أيضًا ، وكانت تبكِي صامتة ، تشتكِي قليلًا ، وتصمُت دهرًا ...
مرّت الأيـام الأولى وهي تنتفضُ كلّما صحوت من نومها، رفضَت أن يأخذها للمشفى بخوف، لم تُرِد أن يعلمَ أحد، أرادته قربها فقط، لم يكن هنـاك طبيبٌ لها سواه ، تتذكّر أنّها فقط عانَت، نسيَت جزءً من المعانـاة - ذهنيًّا - لكنّها بقيَت تذكره بانتفاضـاتِ جسدها، نسيَت ما حدثَ كاملًا .. وحين استرجعَت القليلَ من نفسِها بعد أيـامٍ تذكّرت كلّ شيء ، تذكّرت ، وأشعلها ألـم الضمير بصمتِها، لكنّها لم تستطِع الحديث .. تذكّرت الرجُل الذي جـاء بعد ذاك ، وأنقذها في اللحظـات الأخيـرة .. لكنّها غرقَت وقتذاك في رعبها ولم تستوعب بادئ الأمـر، زحفَت إلى الحمام بضعفٍ حتى تختبئ، زحفَت بصعوبةٍ هربًا، لم تستطِع أغلاق الباب بالمفتـاح من شدّة رعشـتها وسقطَت أخيرًا تحتضنُ نفسها بذراعيها وتبكي ، تذكّرت كل شيء ... لكنّها وجدَت نفسها دون شعور وبعد أيـامٍ من استيعابِها ... تُكمل مسرحيّة المُغتصبَة أمام سلطان !!
،
دخـلا في عراكٍ جديدٍ ككلّ يوم، ابتعد الثالث عنهما بغضبٍ من هذا الروتين اليوميّ وهو يصرخ بحنق : اذبحوا بعض وفكّوني نعنبوكم ما تنفعون لشيء ... كلاب!
لم يبالي بِه سعد وإبراهيم، ابتعد سند يكاد ينفجُر بينما هتفَ سعد بحقدٍ أسـود : الله ياخذك يا النجس ، لا تخليني أسوّيها وأروح أفضحك عند سلطان والله إن يذبحك !!!
إبراهيم يبتسم بلؤمٍ وهو يضعُ كفّه على جانِب عنقه، وبتحدي : قوله ، وبتنفضح أنت بعد ، لا تنسى أهلك ترى سالم ناوي عليهم !!!
سعد بقهر : قـــــــذر!
إبراهيم بحالمية : آآه جميلة! جميلة جعله بالموت كل شيء حلو ياخذه .. ليتك ما خرّبت علي يا الحيوان كنت متلذذ!
سعد بقرفٍ منه : قذر ! هي وش ذنبها يا جبان؟ تنتقم منه في عرضه ليه؟ جبـــاااان
ركلـهُ إبراهيم في ساقِه وهو يبتسمُ بوضاعةٍ ويلفظ : ما يهم قول اللي تبيه كافي إنّها لذيذة وتستاهلني ! هالبنت لازم أدبّر طريقة عشان أقضي معها ليلة كاملة من غير فزعاتك يا ال **** ... * تابع بفجورٍ ومتعة وهو يرى نظرات سعد المتقززة * لذيذة يا سعد ! حتى صراخها ومقاومتها الضعيفة كلها أهلكتني وخلتني أبيها أكثـر !!
لم يشعر إلا وهو ينقضّ عليه صارخًا بشتيمةٍ مقهورةٍ من قذارته، سقط إبراهيم على الأرض وفوقه سعد الذي كان يلكمهُ بحنقٍ وهو يشتمه بصوتٍ عالٍ بينما إبراهيم يدافع بضراوةٍ حتى انقلبَ الوضعُ ليُصبح فوقهُ وهو يبتسمُ بحنقٍ ويلفظ : مقهووور عليها ليه؟ ماهي أوّل مرة أسويها وكنت بكل مرة شبه معاي !
سعد وهو يتنفّس بقوّة : سكوتي على اللي تسويه ما يعني إنّه عاجبني ! لو عاجبني شاركتك بأفعالك.
إبراهيم بضحكةٍ مستفزّة : امّعه ! مالك شخصية . . بساعدك عشاني شفقان عليك .. * أخفضَ وجههُ إليه وهو يبتسمُ بوقاحة * شرايك نخطفها ونتسلّى فيها؟ بتعجبك صدّقني ، أظنّك هذاك اليوم ما ركزت فيها صح ، عليها وجه وجسم! نااااااااااااااااار . .
شدّ على أسنانِه وهو يدفعهُ عنهُ ويضربه، وبقرف : اتّقى ربّك في البنت ، وش دخلها يا جبااااان؟
إبراهيم يضحك : دخّلها إنها زوجته قبل لا تكون جميييييلة هالحيوانة.
سعد بحدة : ما عندك مرة من بين أهلك تخاف عليها؟ ما عندك يا حقيييييير؟!!!!
إبراهيم بوقاحة : عندي بس ما تقدر ترخص نفسها بأي شكل عشان يطولها أحد والا بقص رقبتها.
سعد بصدمة : الحين أنت تشوفها أرخصت نفسها؟
إبراهيم بحقد : أي أرخصتها لما تزوجته.
سعد بقهر : لا تنسى إنها ممكن ترجع بأحد من أهلك !
إبراهيم : وأنت؟ كنت عارف وساكت عن كل علاقاتي السابقة اللي انتهت بالإكراه ، تظن ماراح ترجع بأختك؟
ابتسمَ بوضاعـةٍ لتتّسع عينيْ سعد بصدمة، قبل أن يشتدّ فيه الغضب ويرتفع معدّله فوق المعقول، دفعهُ بقوّةٍ عنه وارتكز فوقه ليبدأ في ضربِه كما لم يضربه من قبل، ضربهُ بأعنف ما يستطيع، بقهرٍ جعل إبراهيم أمامه لا شيء! لم يستطع هذه المرّة أن يتكافئ معه ، بل وجد نفسه يحاول المقاومة دون أدنـى فائدة.
نزفَت أنفه، وامتلأ وجههُ بضرباتٍ ستبقى على مدى أيامٍ طويلةٍ في صورةِ كدمـات، لم يبتعد عنه إلا حين شعر بمَن سحبَه من كتفهِ بعنفٍ ليتلقّى صفعةً حادةً ومن ثمّ صرخة من حنجرة سالم : مبـــــزررررة .. صارت مصخرة كل يوم بنفس الحال ، أنتوا ما منكم فايدة غير النباح والصراخ ، شكلكم ناوين على نفوسكم !
مسحَ سعد على فمهِ وهو يتنفّس بعنف، نظر لهُ بغضبٍ وحقدٍ ليصرخ في وجههِ مفرّغًا كلّ غيظِه : أنت تبلع لسانك وتذلف مالك شغل فينا .. حدّك على وصاختك وبس!! حياتنا الشخصية ما تخصّك ...
سالم يبتسم ابتسامةً مستفزّة : حياتكم الشخصية بعيدة عني لو ما تضرني، أما المصخرة اللي كل يوم فهي تخصني ونص ولو ما تعدّلتوا بتصرّف معكم بنفسي .. * ابتعد وهو يهتف بحدة * بزرااان.
زمّ سعد شفتهُ بحنقٍ واستدار ينظرُ لإبراهيم الملقي أرضًا يتنفّس بقوِةٍ وإجهاد، شدّ على أسنانه ولم يستطِع تجاهل أن يركلهُ في خاصرتِه ومن ثمّ يذهَب تحت وطءِ آهتهِ المستوجعة.
ابتعدَ عنهُ ليدخُل للمبنى ومن ثمّ يتّجه للغرفة الخاصة فِيه وهو يستذكر ما كان قبل أكثـر من شهريْن، كـان يراقبُه، وكأنّه شعر بأنّه يخطط لمـا هوَ سيء، غـابَ عنهُ قُرب الحيّ الذي كـان يعيشُ فيه سلطان، لم يستغرق كثيرًا ليدرك أنّه قد يكُون فعلها، قد يكُون اعتدى على منزلهِ بأيّ شكلٍ من الأشكـال. ألـم الضميرِ كان يحرّكه، انسانيّته لم تنطفِئ، لذا وجدَ نفسه يتّجه للمنزل حتى يتأكّد، وجدَ العامـل يقفُ قربُ البـاب يتفقّد حزمة نقودٍ في يدهِ كانت من فئة الخمسِ مائة، رفعَ إحدى حاجبيهِ بشكٍّ ومن ثمّ اقتربَ منه لينتبهَ لهُ العامل ومن ثمّ يرفعُ الصورة التي كان يحملها ويدقّق النظر في ملامح سلطان ومن ثمّ ملامحَ سعْد، وحين وجدَ اختلافًا صمتَ وتجاهلَ تحرُّك سعد باتّجاه البـاب ليدخل، ظلّ سعد يرمقهُ بطرفِ عينِه بصمتٍ وابتعدَ حتى وصل للباب بحذرٍ وهو يخشى أن تكون شكوكه خاطئة ومن ثمّ يتورط فيما لا يُحمد عقباه، تردّد قبل أن يفتح الباب، لكنّه فعـل وازدادَت شكوكُه كونهُ لم يكُن موصدًا والمنزلُ هادئ، تنفّس باضطراب، وكـاد يتراجع خوفًا من أن يكون كلّ ذلك وهمٌ من عقله وقد يظهر لهُ سلطان فجأة أو أحد الساكنين هنا، حينها ما ستكون صورته؟ كـاد يتراجعُ ويخرج، لكنّ صوتُ أنينٍ جـاءهُ من مكانٍ قريب، عقدَ حاجبيهِ وأدارَ رأسه يبحثُ عن مصدر الصوتِ حتى رأى باب غرفةٍ مجاورة، مرر لسانه على شفتيه بتوترٍ ومن ثمّ اتجـه لها، كـانت مغلقَةً بمفتاحٍ تدلّى على قفلها ! فتحهُ ودفعَ الباب ليُصدم ويندثرَ الشكُّ باليقينِ وهو يرى الملقيّة على الأرض شبه فاقدةٍ الوعي .. اتّسعتْ عينـاه وهو يتنفّس بسرعة، انخفضَ يتفقّد جرحها الذي لم يكُن غائرًا بشدّة لكنها كانت تنزف، ضغطَ عليه بيدهِ يحاول إيقاف النزيف، شدّ على شفتِه السُفلى بأسنانه وهو يشتمهُ بغيظ، وحين رأى النزيف يتوقّف ارتفعَ ليبتعدَ ويبحثَ في المنزل بانفعالٍ عنـه، اتّجه للأعلى بعد أن تفقّد الطابق السُفلي بسرعة، وجدَ مُعظم الأبوابِ مفتوحةً وكأنّه كان يبحثُ عن شيءٍ محدّد، هرولَ وهو يتابع الغرفَ بأنظـاره حتى وصل لآخر غرفةٍ مفتوحة قبل غرفةٍ أخرى مُغلقة، وجدَ تلك فارغـة، دارَ حول نفسهِ بجنونٍ وهو يتساءل أين هو؟ هل فعل ما أرادَ ومن ثمّ رحـل؟!!! .. خرج من تلك الغرفـة ليُجابَ على أسئلتهِ بصرخـاتٍ ضعيفةٍ في صورةِ آهاتٍ مقاومـة، تختلطُ بأنينٍ مستوجِع، اتّسعت عينـاه للصوتِ الأنثويّ المُقـاوم الذي نبع من الغرفة المجاورة والتي كان بابها مغلقًا، ارتعشَت أطرافـه وأدركَ بسهولةٍ ما يحدث، أدرك حقـارة إبراهيم ، أدركَ الانتقـام الذي مارسـه بكلّ قذارة !! اقتربَ من البابِ وهو يرتعشُ ويتنفّس بانفعال، سمعَ هسيس إبراهيم الساخر من مقاومتها، ومن ثمّ ارتفعَت يدهُ بغضبٍ ليضربَ البـاب في طرقةٍ عاليـةٍ أثـارت نفضـةَ هـلعٍ في الداخـل من إبراهيم، ابتعدَ عنها وهو يتنفّس بسرعةٍ ويبتلع ريقه خوفًا من أن يكون سلطان، لكنّ صوت سعد الذي جـاءَهُ غاضبًا صارخـًا أثـار القليل من الراحة والكثير من الحنق : يا حيــواااان ، اطلع ، اطلع واترك البنت الله يخزييييك . .
سحبَ قميصهُ واتّجه للبـاب وهو يشدُّ على أسنانِه بغضب، فتحهُ ليصرخ بقهر : من وين طلعت لي أنت من ويييييين؟!!
نظرَ لهُ سعد بتقززٍ وهو يقبض يدهُ التي أرادت ضربه، وبصرخة : وش سويت فيها ؟!!
إبراهيم بغضبٍ مقهور : هوّ حصلت وقت؟
أمسكَهُ من كتفِه ليسحبهُ بقهرٍ وهو يغضّ بصرهُ عنها، عن التي زحفَت بصعوبةٍ لطرف السريرِ لتسقطَ أخيرًا على الأرضِ وهي ترفعُ قميصها المتمزّق وتسترُ ما ظهرَ منها، سقطَت ليكتملَ أنينُ جسدها، سقطَت وهي تبكِي ذاتـها ، ودونَ شعورٍ بجزءٍ منها بدأت تزحفُ للحمامِ بذعرٍ وصعوبـة، تزحفُ كدفـاعٍ أخير، تزحفُ هربًا من المخالِب التي نهشَت لحمـها وكادَت تأكلهُ كلّه ، فقدَت من قوّتها الكثيرَ وهي تتمسّك بآخر حبلِ نـجاة، لم تكُن تدرك أنّها أُفلتت منه، كانت شبه فاقدةٍ للوعي، كـان عقلها الباطن هو ما يحرّكها للهرب ، فقط.
في الخارج، نزل خلفه قسرًا وهو يتذمّر بغضبٍ بينما كان يرتدي قميصهُ من الجهةِ الأخرى ويلعنه ويشتم : من وين طلعت لي؟ من ويييين ؟!!
التفت إليه ليصرخ : كفاية عليك كذا .. شوفة زرجته بهالحال تكفّي عشان تقهره ارحم البنت !
إبراهيم بقهرٍ توقّف : عجبتني ، حتى لو كنت أفكّر بس أخوّفها أو أعطي سلطان قرصة أذن مع إني ما فكرت بهالشيء بس كنت بغيّر رأيي بعد شوفتها وأبيها.
أمسكهُ من كمّ قميصه يسحبه بازدراء : ماراح أسمح لك .. امشي جعلك الموووت.
إبراهيم بحدة : لا تتحداني.
هدأ سعد قليلًا ونظر لهُ بحقدٍ فهو يخاف أن يعاند فيعود لها، لذا قرر أن يجاريه بهدوءٍ حتى يضمن سلامتها، هتف بنبرةٍ هادئة وكأنّه يحاول تهدئة طفل : خلاص اهدأ ، قلتلك صورتها الحالية بتقهر سلطان كفاية وتخليه يحترق ، اتركها الحين يمكن يرجع بهالوقت.
صمتَ إبراهيم يزمّ شفتيه بقهر، ضربهُ في كفّه ومن ثمّ هرولَ متجاوزًا بقيّة عتبـات الدرج، اتّجه للبـاب الخارجيّ لكنِه توقفَ فجأةً حين رأى الغرفة التي فيها سالي مفتوحة، لوَى فمهُ مبتسمًا بلؤم، ومن ثمّ اتجه للباب وعاد ليُغلقه وهو يهتفُ بنبرةٍ مستهزئةٍ لـسعد الذي نظر لهُ باحتقار : أخاف تصحى وتتّصل بالشرطة ، خلنا نبعد أوّل.
،
يبتعدْ ، في نظراتِه صدْ، هذه المرّة هوَ من صد! هو من صدّ عنها وليسَت هيَ . . تنظُر لهُ وهو يُحادثُ أرجوان ويداعبها ويُبدي شروطهُ فيما ستطبخُ للسحور، تضحكُ معه أرجوان ومن ثمّ ينحني ويقبّل وجنتها بحنـانٍ وحُب ، هذا كثير ! كثيرٌ عليْها هذا العقـاب ، كيف لهُ أن يحتمـل الصد حتى هذا الوقت؟ كيف؟!! .. التوَى عنقها بوجعٍ وهي تتذكّر في لحظـةٍ خاطفةٍ أنّها صدّت أطـول من هذا الوقت .. أخفضَت وجهها ليسقطَ شعرها على جانبي وجهها بينما خرجَ يوسف بعد أن انتهى حديثهُ الحميميّ مع أرجوان ، وهي! باتت كالغريبة، يعاقبها بجعلها كالغريبـة!!
نظرت نحوها أرجوان وهي تبتسم، لكنّ ابتسامتها تلاشَت فجأةً وتوتّرت وهي تنظُر لها تفرك كفيها ببعضهما بانفعالٍ واضح، وجهها يتّجه للأسفل، كان واضحًا عليها الاضطرابُ والبؤس . . تنهّدت بجزعٍ وهي تُدرك سبب كلّ هذا، لذا هتفَت : بيدّك تراضينه !
نظرَت إليها جيهان لتميل شفتيها في ابتسامةِ حُزن، وبغصّة : ما عندي القدرة ، ما عُمره زعل منّي، حتى يوم كنت أغلط عليْ ما زعـل!
أرجـوان : غلطك هالمرّة كبير ، ماراح يتجاوزه بسهولة.
جيهان ولازالت تُكابُر أمامهم، تُكابر بعكسِ خلواتها : ما غلطت ! ما غلطت .. يستاهل اللي صار ، هو السبب بكل شيء هو السبب.
أرجوان بعتبٍ تقتربُ منها لتجلس بجانبها : لو لعن امنا الله يرحمها ، وش كنتِ بتسوّين؟
ارتعشَت شفتيها لتشدّ على أسنـانها في نوبةِ بُكاءٍ جديدة، شتت أحداقها وكفوفها ترتعشُ لتشدّ عليهما أكثر وتلفظَ برعشةٍ تُناقضُ مكابرتها السابقة : ندمت على هالشيء بس ! ما كنت بوعيي.
أرجوان تعقدُ حاجبيها بعتب : ماهو عذر ! ثقتك بنفسك معدومة عشان كذا دايم تستخدمين لسانك.
نظرَت إليها جيهان بقهرٍ لتنفجرَ لافظةً بحدّة : يكفّيني هوّ ! يكفيني المريض اللي قاعد يوصّي أبوي عليْ على أساس شايل همّي ... يبيني أروح دكتورة نفسية وصّى عليها صديقه ! يخسي هو وصديقه المرييييض هذا اللي ناقصني يمارسون عقدهم عليْ.
أرجوان بذاتِ العتب في نبرتها : ليه ما تعترفين إنّ العقَد فيك؟ * أردفت حين اشتدّت نظراتها غضبًا * جيهان لا تفهميني خطأ ، عارفة إنّك بهالفترة حاقدة عليْ عشان أبُوي قاعد يتجاهلك وأنا لا .. أنا أختك وأحبّك وأخاف عليك لا تنسين هالشيء ! مستحيل أضرك.
تقوّست شفاهُها بألـمٍ لتحشـر كفيها بين فخذيها تخفي رعشتهما، سقطَت دمُوعها لتغطّي وجناتِها التي كان يلامسها بأناملهِ ويعشق، كان يلامسها بشفتيهِ ويذُوب ، أين رحـل كلّ هذا؟ أين؟ كيف فعلتها بِي يا فوّاز؟ كيف فعلتها بي وخذلتني .. ها أنت رحلت، رحلت إليها واخترتها عوضًا عن حبّك الذي نُقِشَ منذ الطفولة !!
همسَت بصوتٍ يرتعشُ وحنحرتها تغوصُ في العبرات : ضروووني .. كلهم ضرووووني وخاصّة هو .. ضرّني يوم تزوجني، ضرّني يوم خلّاني أحبه، ضرّني يوم تزوّج، وضرّني يوم طلّقني ! ليه يصير فيني كل هالشيء؟
عضّت أرجوان طرفَ شفتِها وهي تُحيط كتفها وتضمّها إلى صدرها، مسحَت على شعرها الحريريّ بينما غاصَت جيهان بين أضلعها بملء احتياجها لمن يمسّد التواءَها، لمن يمدّها ببعض الحنـان، أحاطتها وبكَت ، بكَت الضلع السابق، الصدر السابق الذي كـان لها، الصدر الذي رحـل واختار غيرها، الصدر الذي تخلّى عنها وهو كما يقُول - يعشقها -!!
هتفَت بصوتٍ باكٍ ونبرةٍ يشُوبها الحسرات : تركنــي .. اختارها، اختـارها .. تزوّجني في الرياض وبعدها هرب ، وطلّقني في الرياض وبعدها هرب! هالمـرة لحضنها .. كرهت الرياض، كرهتها يا أرجوان، كرهتها لأنّي بكيته فيها مرّتين! كرهتها لأني خسرت فيها أمي وهوّ ! ما عاد أبيها، من حق أبوي يعوفها .. عفتها .. ما عاد أبيها ، ما عاد أبي غير حُضن بروكسيل الرياض غدرت فيني . .
أرجوان بحُزنٍ عليها : بس ! بس يا جيهان ذبحتي نفسك بالبكاء . . ليه طيب تكابرين وتقولين تكرهينه وما تبينه؟ ليه طالبتي بالطلاق من البداية؟
ابتعدَت عنها وهي تمسحُ على أنفها وتمسحُ دموعها، وبكبرياءٍ مطعون : ما أحبّه ، بس مقهورة في النهاية، مقهورة لأنّه اختارها علي . . * أغمضَت عينيها بقوّةٍ قبل أن تردف * يمكن الحين هو عندها ، يمكن ، يمكن بيوم نلتقي بهالشوارع يا أرجوان ! أشوفه يمسك يدها ، تمشي بجنبه!! يا ويــله ، يا وييييل بروكسيل تجرحني مثل الرياض! يا وييييييلهم !!
أرجوان بابتسامةِ أسى : هو ولد عمّك ، في النهاية لازم يصير وتشوفينه حولك بيوم.
جيهان بقهرٍ مجنون : معها لاااا ، ما أبي أشوفه معها ، مع الحيوانة اللي أخذته ، ما أبي!!
بغيرةٍ مجنونة : أصلًا هو يحبني ماراح يحبها ، ماراح يتهنّى بحياته ويّاها وجعلهم ما يتهنّون .. بحرقه مثل ما أحرقني! بتزوج ، وبقبل بأوّل شخص يجيني بعد عدّتي ... بخليه يحترق مثل ما أحرقني !!
ابتعَدت وهي تتوعّد أن تتزوج بعد أن تنقضي عدّتها خلال أيـام ، كانت تبتعدُ وهي تعرجُ من ساقِها التي لم تهتمّ بها كفايةً فطـال مشوارُ شفائِها ، بينما تنهّدت أرجـوان بأسى وهي تتابعها بنظراتِ حسـرة، متأكّدةٌ أنّها الآن سترمي ذاتها على سريرها، ستتقوقعُ حولَ مفرشها، ستبكِي ذاتها، ستبكِيه! وتعبّر عن ندمها بما فعلَت بدمُوعها بعكس ما تُكابر أمامهم، لم تعترفْ بخطئِها ، لكنّها تُدركه.
وكـانت بالفعل قد قامَت بما جزمَت بهِ أختها ، ضمّت جسدها، وتقوقعَت حولَ حُزنها، دمُوعها تسقُط تباعًا، هذا الفُقدان، هذهِ الخسـارة! لا تنكُر أنّها لم تُرِد ما حدَث، كلّ ذلك أرادَت بهِ الدفـاع عن كبريائِها، تُريد أن تراه يتمسّك بِها، أن يترك تلك وكانت لترضى! انتظرت إثباتًا يغفرُ له، ولم يأتِ! بل طلّقها وذهبَ لتلك، تمـادت، تعترفُ بذلك، وربّما لو أنّها لم تُغرق لسانها بالقذارة لظلّ يتمسك بها ويحاول أن يضمّها إلى جناحيـه ، ليُطلق تلك!
عضّت شفتها تبكِي ، تُسقطُ الدمُوع والكلماتُ تحملها في بلّوراتِها، في قطراتِها، كلمـاتُ حسرة، كلمـات حزن .. لا تحبّه ، تكرهه ، منذ استبدلها وهي تكرهه . . . من تُخادع؟!
،
تأفأفت بضجرٍ وهي تقلّب الأوراق وتشتمُ نفسها في داخلها، استدارَت إليها هديل التي كانت متربّعةً على سريرها وتتابع إحدى البرامج الرمضانية في اليوتيوب، ابتسمَت بشماتةٍ لتهتف : ذاكري بدون صوت خليني أركّز.
إلين بحنقٍ تنظُر نحوها في حين كانت تجلس على كرسيّ مكتبها : أنتِ ابلعي لسانك والا قومي من سريري وروحي تفرّجي بغرفتك.
هديل بشماتة توقف الفيديُو وتركّز النظر بها : مقهورة لأني مرتاحة وأنتِ تدرسين صيفي .. مهملة ، هذي الخطوبة طيّرت عقلك وخلتك تحملين مادتين.
إلين بقهرٍ تكادُ ترمِي عليها قلم الرصاص : لا تحوّرين المواضيع وتكذبين فيها !
هديل بتحدّي : احلفي إنّ الخطبة ما أثّرت بعقلك! وزود عن كذا زواجك قبل امتحانات الفاينل هههههههههههههههه اااخ يا قلبي إذا الخطبة خلتك تحملين مادتين هالمرة الزواج بيخلي الجامعة ترفسك.
إلين بقهرٍ تكـاد تبكي من تكدّس الضغوطات عليها : انقلعي من وجهـــي .. اطلعي الله ياخذك يارب تحملين خمس مواد المستوى الجاي يا حيوااااانة.
هديل : ههههههههههههههههه انفجرت انفجرت.
رمَت إلين قلم الرصاص ليصتدم بجبينها، حينها تأوّهت هديل وجلسَت بغضبٍ لتنطقَ وهي تضعُ كفّها على جبينها : جعلك الكسر يا نفسيــة
إلين بقهر : آمين وياك ... انقلعي الحين ماني ناقصتك كفاية معدّلـي طاح !
نزلت هديل عن سريرها وهي تحمل حاسوبها وتهتفُ بغضب : من نفسيتك يا نفسية .. لو إنّك تاركة درامتك وبالعته ما صار اللي صار .. خبز خبزتيه يا الرفلا اكليه ... مالت عليك وعلى غرفتك أستاهل أنا اللي جيت عشان أخفف عليك شوي وأونسك.
اتّسعت عينا إلين بذهول : تخففين عليْ؟!! تخففين علي!!!! يا كبرها عند ربّك اذلفي بس اذلفي ...
خرجَت هديل لتطبق الباب من خلفها بقوّةٍ وبحنقٍ واضـح، في حين كانت إلين تنتظرُ خروجها فقط، حتى تنفحر وتفرّغ قهرها في دفترٍ جامعيٍّ فارغةٌ بعض أوراقه، قطّعتها وهي تشدّ على أسنانها بغيظ، لو أنّها تستطيعُ البُكـاء لبكَت، لكنّها وعدَت نفسها، ولن تنقضَ الوعـدْ، تشعُر بنيرانٍ تشتعلُ في أوردتها ولا تنطفئ، تبخّر الدمـاء لتجفّ وتتهدّل، كلّما تذكّرت أنّ الموعد اقترب، تُدرك أنّها انتحرَت بتهوّرها ، تدرك أنّها وأدَت نفسها في مقبـرة أدهم ، تناقضٌ حلَّ على محيا أفكـارها، تدرك أنّها تسرّعت بعض الشيء، أنّ النقصَ يهزمها دائمًا لذا تأتي قراراتها حتى تجبُر النقص ولا تفكّر في أنّها قد تكون أخطأت، قد تكتمِل، لكنّها ستمُوت بعد الكمـال ، لا يُمكنها التراجـع ! قرّرت، وأبحَرت في مُحيطِه وتحطّم الميناءُ من خلفِها ، لن يستقبلها مينـاءُ عودَة ، لن تستقبلها وجوهٌ بشوشـة ، بسبب هذا النقصَ خسرَت بعضَ أبيها ، خسرت البعض من عبدالله الذي يُعاتبها كثيرًا بنظراتِه ، يبتسمُ لكنّ ابتسامتـه فقدَت رونـقها، رفضَ في بادئ الأمـر واشتدّ في رفضـه ، لكنّها كـانت تكرّر بألـم على مسامعه، بانهزامٍ حتى هزمتـه " حياتِي ما عادت بيدينك ، آسفة لهالشيء " وكـانت تقصدُ أنّه ليسَ والدُها وليسَ وليّ أمرهـا ، وهذا وحدهُ هو القشّة التي قصمَت ظهرَ إصـراره ، كلمـاتها هذه، كـانت كافيةً لينسحبَ بانكسـارٍ وأسـى.
أخفضَت رأسها لتسندهُ على الطـاولة وتغمضَ عينيها بألـم، آسفـة لكلمـاتها، آسفةٌ لوقاحتها ، آسفةٌ للعينـين الحنونتين ، سيكسرُها أدهـم، تُدرك أنّه سيخذلها ، لكنّها جُنّت ، جنّت وفقدَت قدرتها على إصدار القراراتِ لأجـل لمّ شملِ فُتـاتها، أجزاؤها المنشقّة عنها ... آسفةٌ لعيُونه ، لخيبتـه ، أنا واللهِ أدرك موتِي بعد أن أرحـل من هنا، لكنّني على الأقل سأمُوت وقد لملمت شملي ، آسفةٌ يا " يبـه ".
،
صلّى التراويـح في أقربِ مسجدٍ منـه، عـاد مُهلكًا بالأوجـاع ككلّ رمضـانٍ يمرّ، هذا هو الرمضـان الثالث الذي يمرّ بهِ وحيدًا ، يعبُر كأقسى الشهور، يعبُر وهو يغرقُ في الأوجـاع .. رمضـان، والعيديْن، يجلبونَ لهُ مشاعرَ جوفـاءَ تقتله.
اتّجه للحمـام ما إن دخـل شقّته ليتقيّأ كل ما أدخله لجوفِه في فطورِه والذي كـان تمرًا ومـاءً فقط، سعل وهو يمسحُ على ملامحهِ بالمـاءِ ومعدتـه تشكُو، تشكُو الفراغَ من طعامِهم الرمضـاني، تشكُو وحدتها في الغـذاء ... تمضمضَ وتوضّأ يُجدد وضوءه، لكنّه ما إن خرجَ من الحمـام حتى استدارَ وهرول للمغسلـة من جديدٍ ليتقيّأ سوائل معدته بلوعـَةٍ تغزوه، يتقيّأ وكأنّه يُخرج لوعتـه ووجعهُ ككلّ رمضانٍ وعيـد، يبقَى هكذا ، مُرهقًا حتى يمرْ، وبعدَ أن يمرْ، يتضـاعف إرهاقـه عن بقيّة أشهر السنـة، هذا الشهرُ يحمل فيه الكثيرَ من الذكريـات، الكثيرَ من رائحتهم، الكثير من لمسـاتهم، الكثيرَ من كفّها الحانيـة، والمشاكسـات منه ! كفّ امه، رائحتها، كلماتها، دعواتها وقت الإفطـار، مشاكسات شاهين، دعواته التي تمتلكُ شكلًا آخر " الله ياخذك للجنة/الله يقهر ذنوبك/الله يسد نفسك عن كل معصية ... " ، دعواته الكثيرة التي يلقيها عليه، دعى لهُ بأن يؤخذ للجنـة ، وهاهـو دفعهُ لجحيمِ الدُنيا، قُهرَت ذنوبُه! قُهرَت ، من شدّة الأوجـاع والأيام التي كان يمرضُ فيها ولا يجدُ فيها رفيقًا غيـر المرضْ! لا يشتهِي المعاصي، لكنّه يئِس ! يئِس وكاد يقنطُ من رحمـة الله ، لذا يجبُر يأسهُ بالطاعـات.
مسحَ وجهه، وعـاد ليتوضّأ وهو يُقاومُ حرقـة عينيهِ المُحمرّتين، تمضمضَ بإسرافٍ يشعرُ بالقرفِ من ذاتِه ومن هذا الحُزن، تناول المنشفة ليمسحَ وجههُ بعنفٍ ومن ثمّ خرجَ ليتّجه لهاتفهِ بانفعالٍ ويبحث عن رقمِ فيصل ويتّصـل به، ردّ عليه سريعًا ليصرخ بانفعالٍ لم يستطِع السيطرة عليه : متــى !!! متـــى يا فيييييصل ارحمني بموووووت من باريس بمووووت .. ريحتها مقرفتني، تقتلني !
فيصل يُحاول تهدئته : خلاص ، ضبّطنا كل شيء، بعد العيد بترجع.
متعب بجزع : بعد العيد؟ تبيني أعيش الوجعْ بالعيد بعد؟ بثالث عيد فطر يمر؟ بخامـسْ عيد؟
فيصل يتنهّد : خلاص هانت.
متعب بأسى : ما تهون ، سنتين وبكمّل الثالث ما تهون ! يا قسـاوة العيد ! أبي هالعيد يصير أحنّ! أبيه بريحة الرياض، حتى لو ما رجعت لهم على طول ، أبيه بريحتها ، بريحة بلدي! ما يصير؟
فيصل : اصبر يا متعب ، راح الكثير وبقى القليل اصبر.
متعب بيأسْ : ملّيت من الصبــر ، مليت يارب اغفرلي وارحمني ..
،
مكثَ في المسجدِ بعدَ الصـلاةِ لساعةٍ كاملـة يقرأ فيها من القُرآن، يشعر بانشـراحٍ كبيرٍ في صدره، ابتسامتهُ تطفُو على مُحيطِ ملامحه، وضوءُ الأمـل يشعُّ في عينيه.
وقفَ وهو يضعُ المصحفَ على الرف، خـرج من المسجدِ ينفضُ ثوبه بحركةٍ تلقائيـة، عبر الشـارع باتّجاه سيّارته، وأثنـاء عبُوره وجدَ امرأة، كانت تجلسُ قرب المسجد، تتكئُ بظهرها على الجدار، صورةُ فقيرةٍ مُحتاجة تتجلّى أمـامه .. ازدردَ ريقه بتلقائيةٍ واقتربَ منها لينفضَ كلّ ما في محفظتهِ ويُعطيها، ابتعدَ عنها ودعواتُها الباكيـة تلحقُه، ابتسم بأسـى ، ودعا الله في صدره بحقّ هذا العملِ الصـالح أن يكتبها لهُ حتى النهايـة ... اقتربَ الوقت، ولا يكـادُ يصدّق حتى الآن أنّها وافقَت عليه، أنها رضَت بِه ، دون شدٍّ وجذبْ، دونَ حربٍ كان ليجعلها تندلعُ دونَ مبـالاةٍ بأيّ خسـائِر - سواها -، اقتـربَ وقتُ عنـاقِ نجلاءَتِه، وأخيرًا ، اقتربَ الوقتْ.
مرر لسـانهُ على شفتيه وابتسامتـه تتّسعُ بسعـادة، أخرجَ هاتفهُ من جيبِ ثوبهِ ما إن جلسَ في السيارة وأغلقَ البـاب، فتـحهُ بعد أن كان يُغلقه وقت الصـلاة، التمَعت عينـاه ببريقِ الـشغفِ وهو يذهبُ للرسائل ويقرأ آخر رسالةٍ أرسلها لها ، هو من أرسلها بداية شهر رمضـان، ولم ترد ( مبارك عليك الشهر ، ماهو حرام عليك تخليني أفكر بأني أدعي يمشي بسرعة عشان تصيرين قُربي؟ )، لم ينتظـر منها ردًّا يومها فهو يُدرك أنّها ستتجاهل، وقد كان من قبلها قد أرسل رسالةً لها بعد أن اتّصل بهِ عبدالله وأخبره على مضضٍ أنها وافقت عليه ليشعر أنّه عانـق السمـاء ( علّميني هالفرحة طبيعية؟ بتقتلني والله ).
تضخّم صدرهُ وارتفعَ وهو يُغمض عينـيه بقوّةٍ ويبتسمُ بنشوَة، انخفضَ بعد تضخّمه ليفتحَ عينيه ويحمد الله من جديدٍ مئاتَ المراتِ في اليومِ الواحـد ، مشـوارهُ طويل ، يُدرك ذلك ، لكنّه قصُر ولو بمقدارِ إنشٍ واحـدٍ حين وافقت عليه زوجـًا.
حرّك السيـارة وهو يُمرر لسانهُ على شفتيه، ابتسمَ بمشاكسـةٍ وهو يبحثُ عن رقمِ سهى في هاتفه، وجدهُ سريعًا ليتّصل بـها، وما إن ردّت حتى لفظَ بـمزاجٍ " رايق " : جهّزي العشـاء للعريس.
سُهى باستنكارٍ تعقدُ حاجبيها : لا حول ولا قوّة بالله توك قبل كم ساعة مفطر فطور وجامد بعد !
أدهم : العريس يجوع كثير ، اعذريه.
سهى : مالت ، ما أقول غير الله يعينها إذا بتجيك وبطنك كذا.
أدهم : بطني رايق عشان كذا يستقبل كثير.
سهى : وش تبي يا روحي تدلّل احنا وش ورانا غيرك وغير بطنك.
أدهم يضحك : أبـي شوربة حامضة!
سهى بصدمة : الله أكبــر !
أدهم بحالمية : وقعت في عشق شربتك هذاك اليوم، جلست تدغدغ حلقي وتغازله.
سهى : ههههههههههههههههههههههههههههههههه الله لا يبعد عنّك هالروقان ... الا متى بيجهز فستاني؟
أدهم : اليوم أروح له وأخليه يطلّعه من عيونه افا بس كم سهى عندنا؟!
سهى : الله يسامح نجلاء خلّت عنصر الهياط والكذب يكبر عندك ... المهم شربتك بتجهز الحين وبخلّي الحموضة فيها دبل.
أدهم : هههههههههههههههه لا تكفين والله أمزح ، جهّزي لي بس حلا وقهوة اشتهيتهم.
،
ارتدَت عبـاءتها في اللحظـة التي فُتحَ فيها البـاب، ابتسمَت بحبٍّ حين رأتـه، وبتلقائيةٍ اتّجهت إليه وهي تُريح الطرحة على كتفيها، وقفَت أمامه وردّ هو لها البسمـة بفتُور، ارتفعَت على أصابعِ قدميها حتى تصل لطوله ومن ثمّ انحنَت شفاهُها إلى فكّه الأيسر لتقبّله، اتجهت لأذنه لتهمسَ بحُزن : سامحنـي.
زفـر بغضب، وانقبضَت كفوفهُ بحدّةٍ طـالت صوتهُ من هذه الكلمـة التي باتت تحضُر بينهما كثيرًا، تلومُ نفسها على ما حدث، تطلبُ منه السمـاح على - قذارةٍ - لم تكُن ذنبها ! تطلقُ الكلماتِ القاسية على ذاتِها وتؤذي نفسها أكثـر وتؤذيـه ، يكفي ! طفـح الإيذاءُ فيها. هتفَ بحدةٍ وغضب : للأبـد مصرّة تعصبيني منّك !!
زمّت شفتيها وأغمضَت عينيها لتدفنَ وجهها في عنقهِ بجرأةٍ جعلته يتوتر دون أن يظهر ذلك عليه . . اقترابـها منه بدافـع الحبّ باتَ يؤذيه أيضًا، هذا الحُب ، وهذا الاحتيـاجُ منها ، يخاف عليها ! باتَ يخافُ عليها من حبّها لـه بعد الانكسـار الذي حدثَ لها ، من خذلانه لها، من أن يؤذيها كمـا أوذيَت من قبـل بسببه . . لم يتحرّك أبدًا وبقيَ ساكنًا، يولّف أفكـاره في عقلهِ فقط ولا يُظهِرُ لها سوى العطف ، كفيها كانتا قد لامستا شعرهُ وهي تهمسُ بخفوتٍ واهـن : آسفة ، بعصّبك مني أكثر بس هذي الحقيقة .. إذا قرفان مني يا سلطان علّمني وبوخّر عنك !
زفـر بغضبٍ وهو يرفعُ كفيه ليُمسك كفيها ويبعدها عنهُ بحدّة، تراجعَ للخلفِ ليرفع اصبعهُ محذرًا بغضب : يكفي ! كلمة ثانية وبتشوفين تصرّف ما يعجبك !!
ابتلعَت غصّتها وابتسمَت : ليه أنت حنون عليْ كذا؟ قرفان مني ، عارفة ، ودّك لو تطلقني وتتزوج اللي تشرّفك .. بس بنفس الوقت حاسس بالذنب وشفقان علي .. عارفة كل هالشيء، تطعنّي ! بس حبّي لك ما يسمح لي أبعد عنّك !
سلطان : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، ترجمتي كل أفعالي الحين على كيفك؟
غزل بتملّك : ما أبيك تطلّقني ، ولا بخليك تتزوّج ! سامحني يا سلطان على كل شيء ، سامحني !
سلطان بغضب : لا عاد تكررين هالكلمة !!
غزل تتابع دون مبالاةٍ بتحذيره : هالشهور اللي مشَت تربّيت على أيدك ، تعاملني مثل الأب ! ما تبي تكون زوجي ، عارفة هالشيء ، ما تتشرّف بوحدة تملّكها رجّال قبـلك و . . .
صمتت حين صرخَ بغضبٍ برزت بهِ عروق عنقه : انخــــــرســـي
تراجعَت برجفةٍ وهي تُشتت عينيها عنه، بينما قبضَ كفّه بقهرٍ واشتعـالٍ يأكُل أعضاءه، نـارٌ هوجـاء، تشتعلُ فيه كلّما تذكّر، كلّما ظهرت على عينيها إمـاراتُ الحزن والضيـاع، كلّما قرأ بين أهدابها الانكسـار، كلّما ذكّرته بكلماتها الحزينـة و " سامحني "! في ماذا يُسامحها؟ هو لن يسامح نفسه وحسب، لن يسامـح نفسهُ بحجمِ الارتعـاشاتِ التي كادت تقتلها ذاك اليوم، بحجمِ الدموع التي لازالت تذرفها، بكلّ الانكسـار فيها ، باحتياجـها لهُ وحبّها الذي يقتله، يُضعفه فلا يجدُ دربًا صحيحًا يسلكه .. بات مشتّتًا ، رجُولته تزأر، ماذا يفعل؟ يريد فقط أن يعلم ماذا يفعل؟ منذ تلك الليلـة فقد القدرة على التصرّف بحكمـة ، نسيَ بعد إغمـاءتها أن يأخذها للمشفـى ، ربّما ارتعبْ ، ربّما خافَ عليها ، ربِما خجـل من نفسهِ إذ أنّه لم يكُن الحامـي لها وترك زوجتهُ تنهشها الذئـاب البشرية ! فقدَ القدرة على التصرف منذ ذاك الوقت ، حتى في حُزنها وانكسـارها لم يفكّر في أن يجعلها تلجأُ لمن يمكنه أن يُخرجها من تلك الحادثـة ، واعتمد فقط على نفسه ... يا للخيبة ! لم تحمِها ، فكيفَ تُريد علاجها؟!
أدار جسدهُ عنها وهو يتنفّس بانفعـال، زمّ شفتيه لترتفعَ كفّه اليمنى التي انقبضَت بتشنّجٍ ليضربَ بها الجدارَ أمـامه . . أظلمَت نظراتها وهي تتراجـعُ للخلف، تشعُر بقلبها يتألّم، تشعُر بأنّ روحها تندلعُ ثورةً على انكسـارهِ وقهره، هذا القهر الذي يكـاد يفتكُ بصدرِه ويفتّت عظـام صمتِه، كثيرًا ما يبتعدُ فجأةً ويخرج، تدرك أنّ ذلك يكون في حالاتِ القهر التي تأتيهِ كثيرًا ممّا حدَث، من زوجتهِ التي امتُهنَت، يبتعد حتى لا يؤذيها دونَ شعورٍ منـه، يبتعدُ ويُطفئ اشتعـاله بعيدًا .. ما الذي تفعلهُ بِه؟ ستقتله بهذا القهر ! ستقتله، هذا الشعور الذي يأتِيه كلّما فكّر بما حـدث لها، فكيف إن علمَ أنّها كاذبـةٌ وأنّها فقدَت نفسها قبلًا بملء غبائِها ووعيها، الفرقُ في أنّ الأولـى يرى نفسه المسؤول فيها، والثانيـة لن يغفر! قد يقتلها مباشرةً ولن يمدّها بالعطفِ كمـا الآن، العطف الذي احتاجته وأرادتهُ منـه ، هاهوَ جاءها، فكيف تُفسد على نفسها ذلك؟ تستطيع جعلهُ يحبّها، تستطيع جعلهُ يرضى بها زوجـة، ومن ثمّ ستعيشُ معهُ فقط ... إلى المـمات!
ابتسمَت لتلك الفكـرة كطفلٍ بحثَ عن لعبـةٍ أرادها زمنًا طويلًا وجاءته، لكنّ سلطان لم يكُن لعبة، تشعُر بالذنب، لكنّ لهفتها للحيـاة قربه أكبـر ، لذا تصمُت ، وتتجاهل ألـمَ الضمير. سلطان لم يكُن لعبـة طفل، بل طموحَ امرأةٍ عشقَتْ.
اقتربَت منه وهي تُخفي رعشـة شفتيها، أحداقها التمعَت، واهتزّت بأسـى وهي تبتسم، هامسةً بحب : سلطـــان.
سلطان بحدّة : لا تقربين ، ابعدي عنّي يا غـزل ، ابعدي عنّي.
غزل : ماراح تأذيني ، أنـا واثقة بهالشيء.
سلطان بقهر : تستفزّيني بهالموضوع وتقولين ماراح أأذيك؟
غزل بثقةٍ عميـاء : ماراح تأذيني ، أثـق فيك أكثـر من نفسي.
سلطان بأسى : انكسـر ظهري فيك يا غـزل !
غزل بحنانٍ تُلامس كتفيه بكفيها وتلفظ : يأذيك ارتباطك فيني؟
سلطان يبتسمُ ابتسامةً صفـراء : يأذيني اللي صـار لك ! مالك ذنب.
غزل تُريح خدّها على ظهره : تبيني أتجاوز تجاوز أنت بالأول ... ترضى فيني؟
سلطان يتنهّد : ما أشوف فيك عيب ، بس بدري على هالكلام.
غزل بألمٍ تبتسم : أبي أظل منّك ، أنا من نفسِي ميتَة.
تحشرجَ صدرهُ ليستدير أخيرًا ويحيط كتفيها بذراعيه، ضمّها إليه بحنانٍ لتدفُن وجهها في موطِنها الغنيّ بخيـراتِ الأرض، تُغمض عينيها ومشـاعرها تفيضُ حتى تمتلئ بالحُزن، تُحاول أن تبتعد عن فكرةِ غدرها الجديدِ به، تُحاول أن تنعمَ بقُربه ، بكلّ أنانيّةٍ تُريده ! كـان كالأبِ لها طيلةَ الأشهـر التي مضَت حتى الآن، كـالأبِ فقط، لا تريده مجرّد أب! تريده أن ينتحلَ كلّ شيءٍ لأجلـها، تريده أبًا، وأخًا، وزوجًا ! وستكُون حمقـاء إن ظنّت أنها ستكسبُ الأخيـر في هذا الوقت . .
زيّن الشيطـانُ لها سوءَاتها، تغيّرت كثيرًا ، تغيّرت ، بعد أن اندفعَ إليها الموتُ تلك الليلة ، بعد أن بكَت نفسها، بكَت الحياة التي ضاعَت بملذّاتها، بكَت الصـلاة التي عاندَتها، بكَت غزالـة سلطان ، وبكَت سُلطـان ، لكَم آذتـه ، وعادَت لتؤذيه بقذارةٍ أعظـم ، في موضوعٍ كهـذا ، لكنّها لم تستطِع إهـدار الفرصة الأخيـرة، تغيّرت ، وندمَت على كلّ شيء، لكنّها لم تستطِع إهدار هذهِ الفرصة.
ارتفعَت ملامحها لوجههِ الحبيبِ لقلبها، ابتسمَت بحزنٍ واهتـزاز، نـظراتها قتلته، هذا الحُزن، ظنّه للانكسـار، لم يدري أنّه لـ ما حاكته، لم يدرِي أنّه للـزيفِ في هذا الاقتـراب، نظـراتها الحزينة قتلته ، بينمـا كانت هيَ ، تقتلهُ ببطء، بجنونِ حبّها هـذا ، بجنونِ ما تفعل.
سامحنـي ، يا حبيبي ، سامحنــي ، لأنّني أريدك ، لأنّني أنانيـة ، لأنّني ما ظفرتُ يومًا بما أحببت ، فكيف أضيع فرصتي هذهِ بأجمـل ما حدَث في حياتِي ، بـ الذي ابتدأت حياتِي عند عينيه . .
تنهّد ليُشيح نظراتهُ عن وجهها المتألّم وابتسامتها المُنكسـرة ، وبخفوتٍ يائس : يلا نمشي بنأخّر سحورهم.
غزل تبتعدُ عنه وتلفظُ بهدوء : وسالي؟
سلطان يبتسم ابتسامةً ميّتة : أرسلتها لامي قبل كم ساعة ، والله يا إنها فرحَت ما عاد تبي هالبيت أبد.
غزل تعقدُ حاجبيها : صايرة تحب بيت خالتي ام عناد كثير ، عاد ما تنلام والله.
،
حمدَت اللهَ ووقفَت في اللحظـة التي تركَ فيها الملعقـة وقد شَبِع، لم تأكـل كثيرًا كمـا كان يُلاحظُ منذ أيـامٍ طويلة ، تنهّد بـأسى ، وهذا الجمُود فيها يقتله ، عـاجز، وهذا العجزُ يُشعره بأنّ ضعفـه هذه المرّة مخزِي أكثـر من أيّ مرةٍ سابـقة ، لاكهـا ذاك اليومُ في أفواهِ الانكسـار، هذه المرّة انكسـارها صامت! موجعٍ أكثر من أيّ انكسـارٍ كـان قبلًا.
بقيَ يتابعها بنظراتِه العاجـزةِ حتى اختفَت من عينيه جهـة المغاسـل، أشـاح عينيه عن البـاب بحسـرة، وكانت امّه في تلك اللحظـات تراقبـه بعينٍ تُدرك ما اختلجَ في صدرِه، هتفَت ما إن اختفَت ديما عن أعينهم : بيدّك تراضيها ..
نظـر نحوها بأسى ليتنهّد : هالمـرة ديما ضاعت ، مالي وجه!
ام سيف بابتسامةِ حسرة : هذا اللي ربّي أراده حتى لو ما كان لك يد بطريقة غير مباشرة.
سيف : يائسة من مسألـة إنها بتصير ام! بعد العملية بأيـام حاكيتها أحاول أواسيها ، وقالت لي بالحرف الواحد " ما أبي ، ماراح أحمل مرة ثانية ، هالشيء صار مستحيل "
عقدَ حاجبيه بألمٍ ليُردف : مع إنّ الدكتورة مطمّنتها إنها تقدر تحمل بس بعد كم شهر ، حملها ما صارت نسبته بسيطة ! قنـاة وحدة تأدي الغرض ، بس ما اقتنعَت بهالشيء ! انكسـرت ديما يا يمّه ، وأنا اللي كسرتها!
ام سيف تنهرهُ بلطف : لا تقول هالكـلام ، أزمـة وبتعدّي ، أنت بس احتويها وبترجع لك أحسن من الأول.
سيف : بنكمّل ثلاث شهور ، أنا وش كنت أسوّي بالضبط فيها؟ ماهو نفس اللي تقولينه؟ صارت باردة! ماهي نفس الأوّلة ، لو ترجع بنفس انفعالاتها أوّل أنـا راضي ، بس أهم شيء ما تظـل كذا باردة!
دخـلت في تلك اللحظـة ديما التي التقطَت آخر حديثهم، لم تُبـالي وهي تحملُ الماء وتصبُّ منه ومن ثمّ تمد الكوب لام سيف هاتفةً بهدوءٍ جامد : ما بقى على الأذان شيء.
تناولته منها امّ سيف وهي تتنهّد بحسرة، نظرت ديما نحوَ سيف وهي تصبّ من المـاء في كوبٍ آخر لتمدّه لهُ أخيرًا : اتّصلت عليْ أسيل قبل السحور بنص ساعة ، امي تعبانة شوي .. أقدر أروح لها بعد الفجر؟
عقدَ سيف حاجبيهِ وهو يتناول كوبَ الماء منها، وبقلق : عسى ماشر وش فيها؟
ديما : مصخّنة وما تقدر تقوم من سريرها ، أسيل عندها وأبي أكون ويّاها بعد.
سيف يقف وهو يرتشفُ آخر ما بقيَ في الماء ومن ثمّ يضع الكوب على الطـاولة : أبشري ما طلبتِ شيء ، كوني جاهزة بعد الصلاة ولو تبين تظلين عندها كم يوم ما عندي مشكلة.
ديما وكأنّها كانت تنتظرُ خلاصًا كهذا : أي ، يكون أحسن والله.
نظـر لعينيها وقد بهتت ملامحهُ بعض الشيء، قرأ قصدها بوضوح، قرأ الخـلاص الذي أرادته، وانتفضَ قلبـه باعتراض، ارتعشَت أحـداقه بأسـى في اللحظـة التي أشاحتْ فيها نظراتها عنه وابتعدَت حتى تجهّز نفسها قبل الصـلاة.
،
انقضَت السـاعاتُ وانطـوت، حتـى وجدَ نفسهُ فيما قُبيل المغربِ بقليل، يجلسُ في مجلسِ الرجـال والحديثُ لا ينطفِئ، لم يستطِع اليومَ رفضَ الدعـوةِ التي جـاءته من والدها، جـاء يرتدِي قنـاعًا ليسَ له، لكنّه كان لابد له من انتحـالهِ حتى يخرجَ من عندهم بوجـهٍ سعِيدٍ أمام الوجـه المبتئِس . . مرّت اللحظـاتُ القليلة قبل أن يُوضَع الفطُور ، ضجّت غرفة الطعـام بالأصواتِ الرجُولية، الأصوات التي كـانت تسمعها هيَ من الخـارجِ لتعقدَ حاجبيها بأسـى وتتنهّد ، ذاكَ هوَ صوتُه ، صوتُ فوّاز الذي دُعيَ كثيرًا إليهم هذا الشهـر وكانت ترفُض لقاءه، ترفضُ لأنها لا تقبل بأن تكُون زوجتـه ، لا تقبـل ، فهي دخـيلة ، دخيلةٌ يجب أن ينتهي اسمها من علاقته بزوجته الأولى اليوم !! ستحــادثـه !!
.
.
.
انــتــهــى
وموعدنـا القادم بليل الاثنين بإذن الله
* عرفتوا مين أقصد بكلامي بداية البارت؟ طبعًا كنت أقصد غزل ، ماراح أحكِي عن هالموضُوع كثير وبترك التوابع تجيكم بالبارتز الجـاية ، صح الموضوع قوي، ما يحتمل التلاعب بس لا تنسوا إن شخصية غزل ضعيفة وحاجتها كبيرة لسلطان واستغلّت هالشيء بكل غبـاء :""
نلتقي على خير ، لي جلسة للتعليقات بالليل والبنات اللي تأخرت على تعليقاتهم بالآسك والسناب السموحة منكم * متفشلة * :(
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|