كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
* القصيدة اليوم على لسان أدهم اقتبـاس الجميلة : ..maysan..
ياعمري اللي راحت أحلامه اوهام
إن كان ماضمت يمينك يميني
وياوجدي إن هبت دعاديع الأنسام
من عضة شفاتي او فركت يدينٍ
.........
وجد الصغير الي داخل دار الإيتام
من بعد موت أمه وأبوه السجينِ
عليك يالي صدتك مثل الإعدام
من بعدها ماعاد تحسب سنينِ
الأمر لله ياهوى حزمة أعوام
كأنك تبي تنكر غلاي وحنيني
هذا وأنا اللي ماسهر لحظه او أنام
الا وذكرك بين نفسي وبيني
(70)
" مـا أقدر أعطيك حِلّي ، أبيك تدخـل النـار بذنبي ، ويا عساك تنحرق بالدنيـا قبل الآخرة ، يا عسى عمرك يطُول بالوجع!! "
يا قسوتُها .. يا عظيـم الحدّة في صوتِها، متى امتلكَت كلّ هـذهِ القسـوة؟ متى انتمَت لـه بهذهِ الطريـقة حتى أصبحَت قاسيـةً مثله، لا تقسي! قـالها لها قبل أن تُغلق بعد كلمـاتها القاسيـة، قـالها لها : ازعلـي، بس لا تقسيــــن.
مـرر أنامـله بين خصلاتِ شعـرهِ ومضى بعينيهِ ينظُر للطريـق الغائِم خلفَ صوتِها الذي لم يُغادرهُ حتى الآن ، لازال يقفُ بسيارتِه في الشـارعِ والرصيفُ يواسيه، الشمسُ تحرق أحداقهُ ولا تحميها الرمُوش/الأهداب، تحترقُ عينـاه، ولا تحترقُ صورتها الأخيـرة التي عانقتها أجفانه، صورتها يوم جـاءتهُ إلى بيته، ملامحها التي زيّنتها ويا ليتـها تركتها حتى يتأملها كمـا هي ، جميلةً أكثر!
زفـر ومن ثم مرر لسانه على شفتيه ليشتت عينيه وقدمهُ تضربُ أرضيـة السيارة بتناغـمٍ أعوجْ، تحرّك فجأةً بسـرعةٍ يحرقُ الطريقَ بإطـاراتِ سيارتِه الغاضبـةِ مثلـه، يحتكّ بهِ فتصرخ إطارات السيـارة محتجّةً على وجـع الاحتراق.
وصـل المنزل بعدَ وقت، دخـل واتّجـه مباشرةً نحوَ الدرجِ وهو يشدّ كفيه بانفعـال، صعد درجتين ليوقفهُ صوتُ سهى المستنكـر : رجعت؟
استدارَ إليها ببطء في اللحظـةِ التي هتفت فيها بهدوء : هذا وقتك بدّل ملابسك وانزل عشان اطرح الغـداء.
زفـر بجمودٍ ليلفظَ بصوتٍ بـارد : مالِي خاطر فيه، بنام لي ساعتين قبل صلاة العصر.
رفعَت إحدى حاجبـيْها وهي تقتربُ منه حتى وقفَت أمـامه تفصل بينهما عتبتيّ الدرج، كتّفت ذراعيها أسفل صدرها وهي تنطقُ باعتـراض : كم مرة أقولك عيب عليك تخليني آكل بروحي؟ ودك تجوّعني مع نفسيتك الخايسة والا كيف؟
أدهم يعقد حاجبيه بضيق : ترى ما نسيت اللي سويتيه ، خليني الحين بحالي مزاجي معفن.
أدار ظهرهُ إليها حتى يصعد لكنّها قطعَت المسافـة الفاصلـة بينهما بخطواتٍ سريعة وتجاوزته لتقف على العتبـة التي أمامه، وبتحدي : تقصد إني خليتك تكلم أبوي؟ عادي وش فيها؟ صارحني لا تخليها بخاطرك لين تنفجـر.
أدهـم وكأنّه ينتظـر كلمتين فقط حتى ينفجر فعلًا، اتّسعت عينـاه والانفعـال والغضب الذي لم يستطِع اظهاره في محادثتهِ مع إلين أظهره أمـام سهى الآن ، نطقَ بصوتٍ عـالٍ بعض الشيء يكاد يلامسُ الصراخ : طبعًا أكيد بتشوفينها عـادي عندك ، أبُوك وهو صح، تخلّى عن أخوك وصح، تخلّى عن ولد أخوك وكمان هو صح، ما وضّح ولو بدرجة بسيطة حزنه على موت ولده ولازال صح، كل هالجفا والقسوة عذره تـافه أساسه كبت منه على أبُوي اللي تزوّج مـرة ما دخلت مزاجه كونها أجنبيـة، طبعًا صعب بعد يحبني ويعترف فيني كحفيد له وأنـا دمي مختلط، ولد الكافرة! ولد العُرف مثل ما يشُوفون . . ، ما يتشرف! حتى أبوي بنفسه ما كـان يتشرف وما لقى غير ينسبني لزوجتـه المصونة المسلمة الخاينة رقيّة بعد ما طلق امي اللي ماقد شفتها بحياتِي غير بالصوَر! . . آخرتها الكافـرة صانَته والمسلمة لا ، الكـافرة عفيفة والمسلمة لا ، الكـافرة مسلمـة بأخلاقها والمسلمـة لا . . !!
كـانت قد فغرت فمـها بصدمة، لم تستوعب أين وصـل بالحديث، كيف خلطَ أمورًا بأخرى وكأنّه انتظـر انفجـارًا، ازدادَ انعقـاد حاجبيها وعينيها الواسعتين تضيقان قليلًا بصدمـة، بينمـا تحرّك هو بغضبٍ حتى يتجـاوزها وملامحه تتشنّج غضبـًا، يسكُن الانفعـالُ تجعيداتهِ بفعلِ عضلاتِه الغاضبـة . . ابتعدَ عنها حتـى وصل لنهاية الدرج، لكنّها لم تكُن في تلك اللحظـة قد تتركه، بل هتفت بصوتٍ باهتٍ مُستنكـرٍ لكُلّ مـا قال ولم تجد لهُ تفسيرًا إلا واحدًا : قابلتها اليوم؟
وقفَت خطواتهُ وظهرهُ يُقابلها، شدّ قبضتيه أكثر وملامحهُ تتصلّب أكثـر حتى تكـادُ تكسرها صفعة! عضّ طـرف شفتهِ السُفلى بقوّةٍ قبـل أن يرخيها ويهمسَ بضعف : كلّمتـها بس!
سُهى : توقّعت دامك دخلت رقية بموضوعنا.
أدهم دون أن يستدير إليها، لفظَ بأسى : تكرهني ، تكرهني مرة يا سهى!
ابتسمَت بمواسـاة : أنت زرعت وأنت اللي بتحصد . .
أدهم بندم : كـانت طفـلة ، ضايعة عني سنين ، امها ما رضَت تعلمني بالعايلة اللي كفلـتها ، وأنـا قبل لا ألقـاها تغيّرت وصرت سيء . . آذيتها كثير!
سهى تقتربُ منه وتصعد العتبـات الباقيـة بينهما حتى وقفت أمـامه، وضعَت كفّها على كتفهِ وهي تُخفضُ حاجبيْها بأسى . . وبهمسٍ رقيقٍ أرادت بهِ مواسـاته : إذا عرفتـك بتحبّك ، أنت مهما كـنت جاف وجلف الطيبة تطلع من عيونك غصب عن تصنعاتك كلها.
زفـر بقنوط : تبي الطـلاق . .
سهى تبتسمُ بمشاكسة وهي تضغطُ كتفيه بأطراف أصابعها بقوّة حتى آلمته ، وبتحذير : وبتطلقها إن شاء الله؟
أدهم وهو يرفعُ يديه كي يبعد يديها : وخري يدك لا أكسرها ، عوذة ماهي يد مـرة.
سهى ترفعُ إحدى حاجبيها وهي تضغطُ أكثر وتقاوم أصابعه التي تحاول فكّ يديها عن كتفيه اللذين كادت تخترقُ جلدهما انتقـامًا من كلماته الأخيرة، وبحدة : بتطلقها؟
انتصر على يديها ليقيّدهما وهو يضغطُ عليهما بقوّةٍ انتقـامًا لكتفيه من الجهـة الأخرى ، وبثقـة : مستحيل.
سهى بألـم : آآه وجـــع يا الخـايس.
تركها وهو يضحك : أنتِ زرعتي وأنتِ اللي بتحصدين.
سهى بقهر : خلها بس تجي وبخليها تكرهك أكثـر.
أدهم بغرور : خليها بس تجي وبزرع طريقها ورد وأنتِ شوك بإذن الله.
سهى بحنق : حيـــوان وربي.
،
أصبحَنـا غُربـاء كمَا كُنّا، وكما سنكُون دائِمًا، هذهِ النظـرات المرتشقةُ بيننا لا تليقُ بابنةٍ وام، لا تليق! أسـأنـا كثيرًا لمصطلح الام/العائلة، أسأنـا كثيرًا لهذا المعنى وكنّا غربـاء! نلتقِي في سطرٍ فتنبثقُ النقاطُ رغمًا عن كلّ شيءٍ حتى تُنهي لقاءنـا.
كـانت مشدوهةً بتلك البسمـة الغريبةِ عنهـا، مشدوهةً بتلك النظـرة، بـ " ما ودك ترحبين بـأمّك؟ "!! مشدوهةً بتصرّفـاتٍ لم تجيء يومًا من غريبٍ كتـلك!
شعرَت بالغصّة تُهلكُ حنجرتها، شعرت بها تضغطُ محاجرها حتى ينبثق الدمع أمـام التي لم تبكِي أبدًا أمامها كمـا والدها، لكن صـار! بكت مرةً وهي تُحادثُ والدها بعد أن استبدّ بها الوجَع وغـادرها الجمود، لطـالما كانت تُخفي أوجاعها أمامهما، أمـام العالـمِ أجمع، لكنّ معزوفـة البُكاء استرسلَت باختناقها إلى أذن والدها، والآن تريد ذلك أمـام أمّها ، فماذا فعلتَ بِي يا سُلطان؟ لمَ أضعفتني؟!
ازدردَت ريقها وهي تُقاومُ دموعها ورعشـة البُكـاء التي احتلّت أطرافها وسبَت ثباتها، تحرّكت بصمتٍ وأدارَت ظهرها لوالدتها وهي تهمسُ بوهن : تفضلي يمه.
مررت امها لسـانها على شفتيها بأسى واضـح، ومن ثمّ تحرّكـت أقدامـها لتتبعها بصمت، بينمـا عينيها تطوفـان في المنـزل برضـا، وكم تتمنّى أن تكُون حياتها تتجاوزُ المظـاهر وترضيها في كلّ شيء.
أدخـلتها مجلـس النسـاء ومن ثمّ خرجَت بربكـةٍ واضحـة حتى تُخبر سالِي بأن تجهز العصير ومستوجبات الضيافة، ومن ثمّ عـادت إليها وهي تمسكُ بطرفِ بنطـال بجامتها وتشدّ عليها بتوتر، لم يكُونـا سوى غريبتين، فقـط، وكلّ ما يصيبها الآن وأوّله الصدمـة بتواجدها يثبت ذلك.
اتّكـأت على الجدارِ بجانبِ باب المجلـس فغابَت عن عيُون امّها ، لمَ جـاءت؟ لمَ ظهرت فجـأةً من حيثُ التلاشِي، كـانت شفـافة طيلة الاربعـة والعشرين عامًا قُربها، فلمَ جـاءت اليوم تغلّف نظراتها بشيءٍ لم تفهمه! أسـى! جـاءت باترةً جزءً من شفافيتها!
دخَلت بعد ترددٍ وصـراعٍ مع ذاتِها، لم تنظُر نحوها وهي تقتربُ منها لتجلـس بجانبها، بينما كانت نظـراتُ امّها تتبعها بصمتٍ بائِس، ابتسمت ما إن جلسَت بجانبها لتهتفَ بصوتٍ خافت : شلونك مع سلطان؟
عقدَت حاجبيها باستنكـارٍ لسؤالها المُهتم، لكنّها أخفَت استغرابها لتهتف بصوتٍ خافت : تمـام.
ام غزل بقلق : متأكدة؟ ما يضرّك؟ ما يأذيك بسبب الغلط اللي سويتيه؟ معقولة ما حاسبك عليه؟!
شتت عينيها ونفضةٌ سرت في أطرافها ما إن تحدّثت امها عن هذا الجانِب، نظـرت نحو البـاب بقلقٍ من أن تسمعهما سالِي لتهتفَ برعشـة : لا ما حاسبني ، هو تزوجني وعنده علم وبنفسه رضى فيني بوضعي فما حاسبني.
تنهّدت امها براحـة : الله يجزيه بالخيـر.
زمّت شفتيها بضعفٍ وهي تُريد الصـراخ وسؤالهـا، لمَ جئتِ؟ لمَ جئتِ؟ ألهـذا السؤال؟ لتطمئنّي أنّه سيؤذيني؟ لا تكذبي وتقولي أنّك ارتحتـي لراحتي، لا تكذبي! افرحـي لأنّني لست بخيـر، لم يعلم بشيء، ولستُ بخير! آذآني يامن تُسمّى امي قبل أن يعلـم بشيء، يؤذيني بقسوته! قسوتهُ موجعَة، موجعَة! لم يكُن والدي مثـله، كـان يؤذيني بضربِه القاسِي، لكنّه يُجيدُ إيذائي بقسوةٍ فقط! قسوةٍ دونَ ضرب . . كيف يفعلها بعد أن أبكـانِي وأرآح صدري؟ كيف يفعلها بعد أن جعلنِي أبتسم وأضحكُ بفرح!! كيف يفعلها !!! أخبـرته أنّني أُجبِرت ، ولازال يؤذيني . .
صرخَت داخـلها، ولم تحكِي! لم تُخبرها عن أوجـاعها، لم تُخبـرها عن هذا الألـم الذي يزرعهُ سلطان فيها بطريقةٍ مُختلفـة، لم تُخبرها عن إهاناتِه لها، لم تُخبرها عن قُبلته! تلكَ التي أخبرها أنّها تُثبت أنّهُ يستطِيعُ بها أن يقتربَ أكثـر ، ولازال يشمئزُّ منها!
ازدردَت ريقها بضعف، بينما كـان الصمتُ هو معضمُ هذا اللقـاء الغريب ، هل همـا امٌ وابنـة؟ ياللسخريـة !!
،
اقتربَت سيارتهُ من المنزلِ وهو يرسُم الغضبَ في أوداجـه، استطـاع اليومَ أن يجعلهُ يثُورُ أضعـاف ما ثـار سابقًا منه. شدّ على المقودِ ومن ثمّ بدأ بضربهِ بانفعـالٍ عالٍ وهو يشتمهُ اليومَ بأريحيـةٍ لم يكُن يمتلكها قبلًا، يشتمهُ ولا يترددُ بفعلِ العلاقـة التي كـانت، يشتمهُ وهو يشعُر بالكرهِ ينبثقُ محتضنـًا معهُ وجعًا أكبـر من هذا الكُره، وجعًا يُحرقُ صدرهُ وعينـاه، يحرقُ رؤيتـهُ بصورتِه الشبيهةِ بأبيه وبِه! لمَ سرقَ حتى الملامح؟ اضطهدها، مرّغـها بالأوجـاع ليجعلهُ كلّما نظرَ لوجههِ في المرآة – قطّب جبينه ألمـًا لذكرى خمسـةَ عشرَ عامـًا!
أدخـل سيارتهُ من البوابـة التي كانت مفتوحةً متجاوزًا سيارة رقية الواقفة خارجًا، أوقفـها ليتراجعَ بظهرهِ للخلفِ ويُغمضَ عينيه وكلّ ما حدثَ قبل ساعاتٍ يعُود ليتكرر في عقـله، يُغرقه بقهرٍ آخر، بغضبٍ أكبـر.
بعد ما حدثَ أمـام مقرّ الشـرطة وقبل أن يطلبَ توضيحًا جـاءهُ صوتٌ من خلفه، صوتُ الذي غـدر فأحسـن غدره، جـاءهُ صوتُ سلمـان الذي كـان يبتسمُ بعبثٍ وهو يقتربُ منه : يا محـاسن الصدف.
استـدار سلطان بسرعةٍ بعد أن سمعَ صوتهُ وهو يوسّع عينيه بحقد، اتّسعت ابتسـامة سلمان وهو يقفُ أمامه مباشرةً ويرفعُ كفّه ليضعها على كتفهِ هاتفًا بوداعـة : شايف شلون القَدَر قاعـد يثبت إنّ الرابـط بيننا مو بس الدم ، حتى أرواحنـا تنادِي بعض.
لفظَها باستفـزازٍ وابتسامـةٍ ساخـرة، حينها شدّ سلطـان على شفتِه وعينيه تُطلقـان شررًا من حِقد، وبنبرةٍ حاقـدة : لك يد صح؟
سلمـان وقد فهمَ قصده، اتّسعت ابتسامتـهُ ليلفظ : زين إنّك ما خسرت ذكاءك للحين مع إنّي أتوقع ثلاثة أربـاعه راح . .
سلطان بحنق : شلون دريت باللي كنت بسويه؟
سلمـان وقد تمنّى في هذهِ اللحظـة لو يكشفَ عنـاد وينتقمَ بذلكَ منه ، لكنّه تراجـع وهو يلفظُ ببساطـة : ماهي صعبـة علي وأنت أدرَى.
سلطان : تظن إنّك كذا وقفتني؟
سلمـان : تدري بعد إنّي أقدر على اللي أكبر! اللي صار الحين يثبت لك إنّ لـي علاقات حتى مع الشـرطة فأنـا متطمن على حالِي من أي شيء ممكن تسويه حتى لو كانت نيتك الأساسيـة تقلب القضايـا القديمة وتفتحها من جديد.
رفعَ حاجبـه الأيسر وهو يبتسمُ بمكر، بينمـا اقتربَ منه سلطـان بتلقائيـةٍ بعد أن اشتعـل جسدهُ غيظًا، وبنبرةٍ مخنوقةٍ تسللت من بين أسنانه غضبًا : حقييييييييير !!
عضّ سلمـان طرف شفتِه : بتندم على هالكلمـة وقلّة احترامـك لأبـوك صدقني.
سلطـان بغضبٍ وقد أشعلتهُ كلمـة - أبُوك - أكثـر : تهين هالكـلمة كثير لما تنسبها لنفسك الحقيرة! ما تتشرف فيك.
سلمان : يعني ما كنت غلطان لما ظليت ناسك لهالعُمر.
سلطان بحقد : لو تزوجت كنت بشفق على عيالك.
سلمان : عيال عمّك وأخوانك.
سلطان بازدراء : معصي!
سلمان : بتآخذهم بذنبي؟
سلطان : أي ، خلاص آمنت إن الولد مثل أبوه ما يغدر بدمه.
رفعَ سلمان حاجبهُ بحدة : غــزل !!
احتدّت نظـراته تلقائيًا ليبتسمَ بسخريـة : خسارة عليك هالاستيعاب السريع . .
سلمان بجمود : وش فيها غزل؟
لمْ يكُن يريد منه أن يعلـم بأنّه اكتشفـها، هو مع أحمـد، وبالتأكيد يعلم، كيف لا يعلـم وهو من سانـدهُ بالزواجِ بها؟ .. حكّ شفتهُ العُليا بأسنانهِ ليثبّت عينيه بثقةٍ في عينيْ سلمـان ويلفظ : ماهي عاجبتنـي ، أخلاقها زفت مثل أبوها، تحتاح تربيـة جديدة وأنا قدها وبعيد تأهيلها بهالشهُور قبل لا أطلقها وأريح راسي منهـا.
سلمان باحتقـار : راضي عن نفسك وأنت تتكلم عن زوجتك بهالطريقة قدامـي يا الرخمـة !!
شتت سلطـان عينيه بحنقٍ قبل أن يلفظ : تدري وأدري إنّ هالـزواج لعبة ! وفوق ماهو لعبة حقيرة قاعد يقيّدني في انسانة شبيهة بأهلها ..
سلمان بحدة : ما عرفتك بهالحقـارة تتكلم عن مرة بهالشكل!
سلطان ينظُر نحوه بسخرية : منكم نتعلـم.
سلمان بتحذير : لا تآخذها بذنبنـا!!
سلطان باستفزاز : محاتيها كثييير ، شكلك كنت أبوها الروحي بعَد.
سلمان يبتسمُ ابتسامةً ضيقة : بيضرك انتقامك منا فيها ، قاعـد تخسر نفسك.
سلطان يضحك بقهر : خسرتها وانتهيت ، تدري رفعت يدي مرة عليها !
اتّسعت عينا سلمان بصدمة : ما تسويييها !!
سلطان بقهر : لا سويتها وكنت أنت السبب يومتها ، بس ما ضربتها ، انتبهت للي كنت بسويه بس كافِي إنّي نويت!
اقتربَ منهُ سلمان وهو يعقدُ حاجبيه بقلق، وبنبرةٍ خافتـة : انتقـم فينا وريّح عمـرك بس لا تضر اللي مالـه دخل، لا تخسر نفسك بهالطريقة.
تراجـع للخلفِ بازدراءٍ مبتعدًا عنه، وبقهر : يهمك ما أخسر نفسي والا يهمك ما أضر غزل؟!
سلمان : الاثنين.
زمّ شفتيه بقهرٍ وعينيه تشتعلان كرهًا وألمـًا، وبحنق : انتهت المسرحيـة يا عمي العزيز .. لا عاد تمثّل الاهتمـام فيني!
سلمـان بجدية : قلت لك من قبل أنا مستحيل أأذيك ، خلّك بعيد عني وأنـا ماراح أأذيك .. ربيتك سنين وهالسنين ما تخليني أغيّر أهدافي بس تكفي عشـان ما أرضى بأذيّتك.
سلطـان بقهر : قاعـد تناقـض نفسك ، قلتها من قبل وللحين ما نسيت ، مو كنت تحتاجني لشيء عشان كذا ما تبيني أمُوت؟
سلمان ببرود : نقطة ثانيـة .. بس في النهاية أنـا ماراح أتمنى موتك ، لذلك خلّك بعيد عشان ما أضطر.
سلطان بتحدي : بظل قريب ، وبفضحك ، خطتي ما راح أتخلى عنها ، ما عندي اشكاليـة أخلي الصحف تنشر مليون دليل وبساعدهم ، ما عندي اشكاليـة أطلع بالقنوات وأحكي ، ظنّك منعتني لما حطيت حاجز بيني وبين وليد؟
سلمان بحدة : أنت كذا تكتب موتَك.
سلطان : مثل ما سويت بأبُوي؟ لأنه كشف حقيقتك قتلته؟
سلمـان : هذا يثبت لك إني بنسى من تكون وإني ربيتك ، عشان كذا خلّك بعيد.
ضحكَ ونـارٌ تشتعلُ في صدرِه : قلتلك ماراح أظل بعيد ، هالشيء يزيد حرقتي أكثر ، أبي آخذ بثار أبوي وأرتــااح !!
ابتسم سلمـان بجمود : عشـان كذا .. خلّك بعيد.
تحرّك سلمـان ينوي الدخُول إلى مقرّ الشرطـة، لكنّ سلطـان تحرّك بالمقابـل ليقف أمامه مباشـرة، وبتحدي : أيش طبيعة أهدافك وأعمالك ذي؟ تجـارة ممنوعة؟ مافيـا؟ تبي تضر البلـد؟ وش تبي بالضبط؟
سلمان بابتسامةٍ مُستفزّة : أبي اللي يريحنِي.
زمّ سلطـان شفتيه وردّه استطـاع استفزازهُ أكثر، لذا هتفَ بحرقة : وراحتك كانت بأنّك تقتل أخوك؟
سلمان ببرود : بالضبط.
سلطان بغضب : الله يحرقك بجهنّم، خنته وهو عايش وخنته وهو ميّت . . تقول ما تبي تضرني بس كنت بتضرني ، ما نسيت الحادث اللي كان بيصير لي بسببك، شاحنـة باسم مؤسسة النامـي فرع سلمان! ليتك استخدمت من فرعي أنـا بس لا !! بكل قوّة عين تستخدم اسمك في مخططاتك .. وغير كِذا الحريق اللي صـار من قبل بمكتبة أبُوي ، وما أنسى بعد الـدم اللي حصلته مغرق مطبـخ الجنـاح اللي كنت مستأجـره قبل لا أرجـع بيتي ، حتى الفنـادق ما سلمت منّك؟!
بقيَ سلمـان ينظُر لهُ بنظراتٍ لا مباليـة، بينمـا كان سُلطان يُريد أن يُكمل، أن يقُول - غزل -، الفتـاة التي يهتمُّ لأمـرها ولا يريده أن يمسّها بسـوء، الفتـاة التي أخبره عن معاناتِها، التي أخبـره أن والدها مريضٌ ساديٌّ كـان يعذّبـها ، والآنَ هوَ يتعـاون مع والدها الذي يُجبرها أن تساعدهُ وتغدر به ، من حـاول إسعادها لتجيء بطبيعتها المـاكرة وتطعنـه .. رفـع كفّه ليضعها على فمهِ وهو يشعر أن الانفعـال يُرعِش جسده أمامه رغمًا عنـه، أمـام عينيه يضعُف، يظهرُ له بهذا الانفعـال الذي يُضعف استقامتـه.
كـانت تفضلُ بينهما نصفُ خطوةٍ أو أكثر بقليل، نصفُ خطوةٍ قـرأ بها سلمـان كل ما يختلجُه وكل الضعف الذي يواتِيه ولا يستطيعُ إخفـاءه . . رمقهُ من الأعـلى للأسفـل ببرودٍ ومن ثمّ تراجـع للخلفِ قليلًا راسمًا بسمـةً ساخـرةً أردفها بنبرةٍ مُستفزّة : قبل لا ترجع وتفتح أوراق اللي سويته واللي ذاكره كويّس عالـج ضعفك وبطّل ترتعش قدامِي كذا حتى لو رعشـة غضب! .. كثرة العصبية ضعف .. انتبـه يا طفــلِي الحبيب.
استدَار ليُلقي ظهرهُ إليه، تحرّك مبتعدًا عنه بينما اتّسعت عينـا سلطـان وهو يشدُّ على قبضتيه يُسكنُ رعشتـهما، لم يستطِع أن يُضيف شيئًا، امتدّ ضعفـه إلى الوجـع/القهـر/اليأس .. لم يستطِع أن يصـرخ بأعلـى نبرةٍ لـه أنّ غضبـه يقوّيـه . . وعلى من سيكذب؟ كيف يظنّ أنـه سيقابلهُ بمزاجٍ جيد، سينظر لهُ ولا يغضبُ لسنينه التي احتضنته، لا يغضبُ لهذا الحُب في صدرهِ والذي يريد التحوّل لكـره وهاهـو يتحوّل ببطء، ببطءٍ مُهلك! الحقـد لا يعني الكُره ، ليته يعني! ليتهُ يثبت أنّه لن يتألـم إن رآه ، والألـم بذاتِه لا يعني سوى شيءٍ واحـد ، أن الجـرح جاء ممن نحبّ!
يرتّلَ الذكـرى بعينيه الخافتتين .. تجـاوز ما كان قبل ساعتين ربّمـا ، وسافـر إلى ماقبـل سنتين ، ثلاث، أربـع ، ثمـان، خمسة عشـر ! . . احتضنـه يومَ مات والده/يومَ قتله .. بقيَ الليل يُشاركـه سريرهُ الصغيـر ويخبره أن الأبَ لم يمُت ، فهد حي، بـاقٍ فيه . . فهـد أنـا يا سلطان ، وأنتَ ابني! لمَ تبكِي يا حبيبي؟
" أنت رجّـال .. تبكِي ليه وتزعّل أبوك؟ . . أنت رجـال ، ما خسرت أبوك ، والله ما خسرتْ "!!
قـال له تلك الليلة الكثير ، كفكَف دموعه الزائفة كي يكون قويًا لأجلـه - كما ظن -، ارتـدى لبـاس الأب ، وقـال أنـا فهد الثانـي ، أنـا الأب ، أنـا من سيُمسك يدكَ ويرافقكَ في دربِ الحيـاة . . لم يكُن! ظنّ أنـه كـان ، ولم يكُن!!
استرجـع ليـالٍ طويلة ، وتلك الليلـة كـانت أطول ليلةٍ قضـاها مع عمّه/والده، علّمه كيف ينطـق " يبه " لغيـر فهد ، وصـار فهد ، صـار أبوه، معلّمه، صـار كلّ شيء ، علّمـه كيف لا يبكِي ، وأبكـاه من جديد، علّمه كيف يدعُو لوالده بالرحمـه ، والآن بـات يترحّم حتى على نفسـه " رحـم اللهُ الموتى وأنـا ".
رحمـةُ الله عليّ ، أنتـم السابقُون ، وأنا بجانبكم ، ولازلت في الدنيـا .. هل أنـا سابقٌ أم لاحِق؟ لم أعـد أدري.
بعـد عـام ، وعاميـن، بعد أن كبُر أكثر ، كـان قد تعلّم منه كيف يرفعُ كفّه إلى السمـاء في صلاة الوتر ، يدعُو الربّ المغفـرة لأبية ، ويُلحق " أبوه الآخر " بمحبّةٍ بأن يحفظـه له . .
بعد أعـوامٍ أكثـر ، بعد أن كبُر أكثر ، كـان قد تعلّم منه كيف يذكر في المجـالس إن قـال لهُ أحد " الله يرحم أبوك " : رحمـة على الميت والا الحـي؟ عندي اثنين ، واحد الله خذاه للجنـة وواحد أنـا ضنـاه وماسك يديني عشان نلحق أبوي فهد للجنـة . . الله يرحـم أبوي وأبوي . .
بعد خمسةَ عشر عامًا ، أصبح ذو سبعٍ وعشرين، وصـار لهُ أبٌ واحـد ، صـار يدعُو لواحد ، وصـارت الرحمـة للميّت فقط ..
كـان واحد، وأصبح اثنين ، والآن عـاد واحـد . . يا لقـســوةِ الأرقـام!
بـلل شفتيه بأسـى ومن ثمّ مـد يدهُ كي يفتحَ السيـارة ويخرج، وفي تلكَ اللحظـة كـانت ام غـزل تخرجُ من البـاب، اصتدمَت عيُونه بها وبغزل التي كـانت تقفُ خلفها بجمـود، عقـد حاجبيه قليلًا واقتربَ منهما ، تصـادمَت عيناهما بهِ لتتوتر غـزل رغمًا عنها وتنكمشَ أصابعُ قدميها فوقَ الأرض، وقفَ سلطان أمامهما مباشرةً وابتسم بمجاملـةٍ بعد أن تعرّف عليها ، بالرغم من كونِه صُدم برؤيتها بعد الأشهـر التي مضَت : يا حيّ الله ام غـزل.
قبّل رأسها لتبتسمَ لهُ بتلقائيةٍ وتهتف بصدقٍ وامتنـان : الله يحييك يا سلطـان شلونك؟
سلطان : نشكر الله شلونك أنتِ؟
ام غزل : الحمدلله.
سلطان : وين ماشية؟ ادخلي تو ما جيت ماراح تمشين الا بعد ما تتغدين ويّانا.
ام غزل : كثر الله خيرك مرة ثانية إن شاء الله.
سلطان : لا تخليني أحلف عليك!
ام غزل : ولا لك لوا بس مستعجلة تأخّرت على البيت.
سلطان : براحتك أجل خلينا نشوفك مرة ثانية.
ام غزل وهي تتحرك مبتعدةً عنهما : إن شاء الله.
نظـر سلطـان نحو غزل بعد أن تحرّكت سيارة امهـا وغادرت، توترَت لتشتت عينيها من برودةِ نظـراته الجامـدة، بينمـا تحرّك هـو ليتجاوزها بلا مبـالاةٍ بوقوفها، دخـل لتدخل من خلفهِ باضطرابٍ وتُغلق الباب، بينما توقّف هو فجـأةً ليهتفَ وهو يُديرها ظهرهُ بينما كانت هي باتّجـاه الباب فكـان ظهرها يواجه ظهرهُ بالمقابـل : امّك مشاركة معاكم؟
أخفضَت أجفانها بتوترٍ وقد فهمته جيدًا، وبخفوت : لا ، ما تدري عن شيء.
استدار سلطان إليها بجمود : متأكدة؟ ما تكذبين.
غزل : والله ما تدري عن شيء ، هي انبسطت بزواجي أصلًا ما كانت تدري إنه لغايـة.
لوَى فمهُ باحتقـارٍ ومن ثمّ تحرّك حتى يبتعد عنها ويتّجـه لغرفـته، لكنّ صوتها المتردد جـاء إليه ليجعلهُ يتجمّد في مكـانه متفاجئًا ممـا قالته : مصدّع صح؟
استدارَ إليها وهو يرفعُ إحدى حاجبيه استنكارًا لسؤالهـا، في حين كـانت هي في ذلك الوقت قد استدارَت تنظُر لظهرهِ المبتعد، وما إن نظرَ إليها حتى شتت عينيه بربكـةٍ وهي تضمّ كفيها أسفـل صدرها، لا تدرِي لمَ سألتـه، لم اهتمَت ما إن استنبطَت من ملامحه ذلك، انفلتَ لسانها منها لتهتفَ بسؤالها ذاك دونَ شعورٍ وتندم بعد ذلك .. لم ينطُق بشيءٍ وهو ينظُر نحوها بنظراتهِ الجامـدة، لذا أردفَت بتبرير : شفتك مضيّق عيونك وعاقد حواجبك ، حسيت إنك مصدّع عشان كذا سألتـك.
مرر لسانـه على شفتيه ليبتسم بسخريـةٍ وقد فهم مقصد سؤالها : يعني إنّك تعرضين خدماتك علي؟
ارتعشَت شفاهها وصمتت، حينها ضحكَ ضحكةً قصيرةً ساخـرة ليردف باستخفاف : ودّك تداوين الحقد اللي بصدري تجاهك والا كيف؟
أغمضَت عينيها بحرجٍ من استخفـافهِ بها ولم ترد، بينما اعتلَت صوتُ خطواتهِ مبتعدًا عنها وهو يهتفُ بصوتٍ بـاردٍ غيـر مبالي : قولي لسالي تجهز لي قهوة وتعـالي .. ماراح أرفض خدماتك دامها جتني ببلاش.
يُتبــع ..
|