كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
،
تقلّبت فوقَ السريرِ بضيقٍ وهي تشدُّ فستانها الذي ارتفعَ إلى فخذيها، لم تعتدْ من قبل أن تنـام بملابسَ كهذِه، وهي منذ البارحـة لم تبدّلها وبعد أن حُبِسَت هُنـا، عقدَت حاجبيها وهي تغُوص بينَ الصحوةِ والمنـام، خطٌ رفيعٌ يفصُل بينهما، لكنّها كانتْ لا تزال تُغمضُ عينيها بغيرِ إدراكٍ عن المكـان الذي هيَ فيه، نسيَت أنّها فوقَ سريرِه، لم تعتدْ بعدُ على ذلك! ومن الطبيعي أن تتحرّك في منامها فوقهُ بكل أريحيةٍ - مُنزعِجة! . . شدّت فستانها إلى أن وصل لأسفل ركبتيها، ومن ثمّ رفعَت كفيها لتضعهما أسفل وجنتها وهي النائمةُ على جانبِها الأيمن وشعرُها يسترسلُ فوقَ الفراشِ من خلفّها . . قبل ساعاتٍ وبعد نومِ سلطـان بنصفّ ساعةٍ تقريبًا كانَ قد تقلّب على ظهرهِ ليشعر بنفسِه فوقَ خصلاتٍ متناثرةٍ أسفله، قعدَ وقد أدرك أنّها لن تكُون إلا هيَ، وتذكّر في تلك اللحظـة يومَ ناما معًا في منزلِ والدتِه وانقلبَ على شعرها لتنهضَ لاعنةً له . . ابتسمَ بسخريةٍ وهو يُحاولُ اختراقَ ملامحها وتبيّنها في الظـلامِ ولم يستطِع، كـانت تبدو مستغرقةً في النوم بأنفاسِها المنتظمة، أليسَت هي من قالت أنها لا تشعُر بالنعاسِ وتريد النزول؟! . . لوى فمهُ بقسوةٍ وهو يمدُّ يدهُ بنفورٍ إلى شعرِها المُتناثِر بكثافتهِ حولها، كـانت تنـام على جانِبها الأيمن، تُقابِلُ ظهرهُ بوجْهِها . . مدّ كفّه الأخرى نحوَ عنقها من الخلفْ، لامسَها بخفّةٍ ليبدأ بجمعِ شعرها خلفها بمساندةِ يدهِ الأخرى التي كانت ترفعُ كتِفها قليلًا من الناحيـة الأخرى، لا ينقصهُ المزيدُ من اللعنِ الذي يُدرك أنّه لو بزغ من شفتيها فسيفقدُ آخر ذرّاتِ سيطرتِه . . استطـاع جذبَ شعرها للخلفِ وهو يمرّرهُ بصعوبةٍ من أسفلها، تركهُ يتناثرُ بأريحيتهِ خلفها وهو يبتسمُ متمتمًا بسخرية : هذي اللي ما ودها تنام صايرة جثّة ما تحس الحين!
ومن ثمّ تحرّك ليعود للتمدّدِ بجانبِها، هذهِ المرّة كـان وجهُه يقابل وجهها، استطاعَت عينـاه التعوّد على الظـلام، وتبيّن القليلَ من ملامحها المُظلّلةِ بغشاءٍ شبهِ شفافٍ من العتمـة، حرامٌ أن تمتلكَ هذهِ الملامح الحادة - والبريئة في ذاتِ اللحظة! أن تطغى البراءة على جمالِ ملامحها التي باتَ يراها قُبحًا دائمًا، انطفـأ صفـاءُ عينيها عنه، لم يعُد يريد تصديقَ البريق السـابق، كان زيفًا! وصدّقه بغبائِه، خدعتهُ وتلاعبت بهِ بكلّ قذارةٍ وهو الذي كـان يتطلّع بالخير الكثير نحوها!!
أغمضَ عينيه بغيظٍ وهو لا يريد التعمّق في أفكـاره السلبيّة الآن ليتضاعفَ قهره ويحترق أكثر، سينام! فقط سيحضى بساعاتٍ قليلةٍ قبل الصـلاة.
نـام في تلكَ اللحظةِ وهو يتجاهل أنفاسها المنتظمـة، وهاهيَ الساعـة الآن تجاوَزت الخامسـة والنصف بقليل . . تقلّبت هيَ من جديدٍ فوقَ السرير بضيقٍ واضح، حينها ارتفعَ فستانها البيتيّ الناعمِ من جديد، تداخلَت ألوانهُ الربيعيّة مع انعقادةِ حاجبيها ضيقًا، هذهِ المرّة استيقظَت وهي تشعر بفستانها مرتفعًا إلى منتصفِ فخذيها، تأفأفت لتفتحَ عينيها بضيقٍ وهي تجلس، كـان السريرُ خاويـًا في ذلك الوقت ولم يكُن فوقهُ سواها، أخفضَت كفيْها نحوَ فستانها لتشدّهُ إلى ساقيها وهي تُغمضُ عينيها بنُعـاس، لكنّها شهقَت فجأةً وأجفانها تتّسع باستيعابٍ للمكـان الذي هيَ فِيه . . غرفة سلطان!! فوقَ سريرِه !!! إذن كلّ ذلك لم يكُن حلمًا، لم تكُن تحلمُ أبدًا !!!
بللت شفتيها بأسى وهي تفركُ عينها اليُمنى بأناملها، تقوّس فمها قليلًا وهي تبتلعُ غصّتها مع لتراتٍ كثيرة من يأسِها المُذاب، وبخفوتٍ متحشرج : انتهيت ! انتهييييييييت !!!
قاومَت نوبـة بكاءٍ جديدةٍ داهمتها، استنشقَت الهواءَ بقوّةٍ لتمدّ ذاتها بثباتٍ أكثر، ثباتٍ زائِف! كيف عساها لا ترتخِي بما حدَث؟ كيفَ لا تُصبحُ هشّةً بعد كلّ شيء؟ بعد انتهائها/تحطّم الحيـاة في عينيها!!
تحرّكت من فوقِ السريرِ بانكسارٍ واضحٍ وهي تنظُر للأرضِ بأسَى، اتّجهت نحوَ خزانتِه باستسلام، تدرك أنّ سالِي رتّبت معضم ملابسها مع ملابسه، أوّل مشاركةٍ زوجيّة ومن ثمّ السرير، وكم تخشى أن يتطوّر الأمـر أكثر، أن يصلا إلى نقطةٍ تختمُ فيها ببصمةِ النهايـة موتَها!!
بحثَت في الخزانةِ عن بيجامةٍ لها تكُون ساترةً أمام عينيه كمحاولةٍ أخيرةٍ يائسة على الحماية، محاولةٍ تُدرك بطلانها، لكنّها وجدَت أنّ أسترَ ما لديها ذات بنطالٍ يصلُ لنصفِ ساقيها الناعمتين وبلوزةٍ " كت "، لأوّل مرةٍ تندمُ أنّها لا تشترِي ما يسترُ بالكليّة! حتى يومَ تسوّقت مع سلطان وبالرغم من عينيه المراقبتين لما تشترِيه لم يمنعها من أخذِ ملابسَ بيتيةٍ من ذاتِ النمط فهو قد اتفقَ معها من قبل أن ترتدي في البيت ما تريد، كلّ ذلك حين كان لا يفكّر بها زوجة! لم يكُن ليحدثَ المحضُورُ - بإغراء -، أمّا الآن فهوَ سيحدث بهِ أو بدونه، بغضبِ سلطان فقط!!
زفَرت بألمٍ وهي تضمُّ إحدى البجائِم التي تناولتها، أغلقَت بابَ الخزانةِ لتسندَ جبينها عليه وتتركَ لدموعها السقوطَ مجدّدًا، اسقطِي أكثر، اسقطِي واحملي معكِ كلّ ضحكةٍ كانت يومًا معه، اسقطِي واحملي معكِ فرحتي يومذاك، اسقطِي وأخبريني عن مدى الخسارة التي نلتُها، اسقطي أكثر! أخبريني بثقلكِ أنّ الدنيـا لا تكفِي أمثالِي لأعيش، أنّني لا أستحقُّ الحياة! أنّ الدنيـا ضاقَت ولم تتّسع يومًا إلا للمحظوظين - الذين لم أكن منهم -، اسقطِي علّ في سقوطكِ راحةً مُفادها الممات . . لو أنّ الدمُوع تجتذبُ كلّ الحيـاة في جسدِنا، لو أنّها انتحـارٌ مباحْ! ما امتنعَت عنها يومًا، لو أنّ الدموعَ انتحـار لا يتجاوزُ نطاق ألمِه الحُزن، انتحـارٌ حزينٌ رقيق بالرغم من شدّةِ حُزنه! . . لم أكُن جريئةً لأفعلها يومًا وأخلّص نفسي من الدُنيا بيديّ، لذا أتمنّى في هذهِ اللحظـة لو أنّ الدمعَ يكفي لانتحـارٍ سريعٍ لا يؤلمِ أكثر من حُزنِنا . . إلهِي عجبتُ من ذاتٍ لا تُدركُ في شرعكَ شيء، لكنّها أدركَت أنّ انتحـارها - حرام -، أنّ انتحـارها أكبر من كُفرها.
ضمّت البيجاما إلى صدرها أكثر وكأنّها تستمدُّ منها الأمـان، دموعها تتساقطُ بحرارةِ حُزنها الذي لا يتبخّر، بكرمٍ تعلّمتهُ على يديه وسخَر منهُ أخيرًا في " الله يصبّرني على غلطتي لأنّه شكلي عوّدتك على هالدموع "!!
أغمضَت عينيها بأسى ورموشها تبلّلت حتى تهدّلت بهذا البُكـاء، مكثَت هنـاك في وضعِها لوقتٍ لم تكُن تستمعُ فيه بخشوعٍ إلا لصوتِ نشيجها المجروح، حُنحرتها باتت تؤلمها من حجمِ ما انتحبَت، لكنّها أصبحَت أضعف، أضعفُ بكثيرٍ من أن تثبُت.
احتضنهـا دفء، انتفضَت بهِ خلاياها وتجمّدت فجأةً وعيناها تتّسعـان، كانت كفّا سلطـان تعانقانِ كتفيها وبالرغمِ من برودةِ ملامحهِ في تلكَ اللحظـاتِ إلا أنّ كفّه لم تفقِد دفئها، تنفّست بتحشرجٍ مذعُور، في حينِ أدارها سلطـان نحوهُ ببطءٍ حتى واجهَ ملامحها المرفوعة نحوهُ بجزعٍ وعينـاها ترجوانِه بأن يعود، بأن يكُون كلّ شيءٍ كذبًا .. إلا أنّه تجاهلَ نظرتها تلكَ وهو يرفعُ إحدى كفيْه ويمسحُ دموعها عن وجنتيها مبتسمًا بقسوة، وبصوتٍ صقيعيٍّ أرعشها فوقَ رعشتها : ما ملّيتي من هالدموع؟ أنا ملّيت! عشان كذا بطّليها لأنها ماراح تفيدك بشيء . .
أخفضَت نظراتها عن ملامحهِ القاسية وصوتهُ الأقسى بشكلٍ لا يتماشَى مع لطفِه السابق، لمسةُ كفّه فوقَ وجهها جعلتها تريد الهرب، لكنّها لم تستطِع وهي تدرك أنّه يستطيعُ بكلِّ بساطةٍ أن يثبّتها ولربما أغضبه ذلك وأودى بها إلا ما لا تحمدهُ عقباها . . شعرَت بأنفاسهِ تقتربُ منها أكثر، وتضاعفَ بذلك نشيجها وتنفّسها، كادَت تتراجعَ هذهِ المرّة، لكنّه كان بالفعلِ قد استطاعَ تثبيتها حينَ أحـاط خصرها بإحدى ذراعيه . . لكنّها لم تستسلمْ عن المقاومة! بل أخفضَت وجهها أكثرْ وهي تعضُّ شفتها السُفلى وتغمضُ عينيها بقوّةٍ بعد أن أدركت من اقترابِ أنفاسه أنّ هدفهُ ملامحها، سيُعيد ما فعله بالأمس! ولربما لن يتوقّف هذهِ المرّة عند قبلـة، وستُكتبُ نهايتها اليوم، ستنتهي حكايتُها في فصليْن فقط، في يوميْن رسَمها والدها ولم يُحكِم رسمها.
شعرَت بكفّه تقبضُ على ذقنها بقسوةٍ اعترضَ بها على صدّها عنه، حاولَ رفعَ وجهها إليه إلا أنِها مانعتهُ بمقاومتها وهي تُضاعف شدّها على أجفانِها وعلى شفتِها بأسنانِها، إلّا أن قوّته كـانت أكبر في النهايـة، رفعَ وجهها نحوهُ قسرًا ليقطعَ المسافـة الأخيرة الفاصلةَ بينهما ويلثمَ وجنتها اليُمنى بحدّة، عـادت دموعها للانسيابِ لتُلامسَ شفاهِه، هـاهوَ جسدها يضعفُ من جديدٍ لتحملها ذراعه، ساقيها أصبحا هشّين ويديها المطوّحتين جانبًا تشعر أنّهما ماتتا ولم تستطِع رفعهما لتدفعه، انتقلَت شفاهُه لوجنتها الأخرى ليقبّلها قبلةً سريعةً بعكسِ قبلتهِ الطويلةِ لتلك، ومن ثمّ همسَ بخفوتٍ باردٍ وهو يُلامسها بأنفاسِه : صبـاح الخير يا زوجتي الجميلة . .
تراجعَ للخلفِ مُطلقًا خصرها لتتراجعَ هي بدورها خلفًا وهي تتنفّس بتسارعٍ وعينيها لا تزالَانِ مُغمضتـين، استندَت بظهرها على الخزانةِ وهي تشعر أنّها تكـاد تسقُطُ بضعفِ ساقيْها، ارتفعَ صدرها وانخفضَ بسرعةِ هذا الانهيـار الذي يزحفُ نحوها، وكـان صوتُه الذي جـاء من جديدٍ هو الذي حدّه من الظهورِ أمامـه الآن : صلّي الصلوات اللي فاتتك من أمس بسبب دلعِك ذا وانزلي ساعدي سالي في تحضير الفطور ، ما أبي زوجة كسولة ما تهتم بزوجها مثل ماني ما أبي زوجة تهمل صلاتها! . .
ازدردَت ريقها بضعفٍ وصوتُه البـارد يشطُرها، طـال صمتُها كثيرًا ليرفعَ حاجبيه وهو يبتسمُ بقسوةٍ من هيئتها الواهنـة وهي تستندُ بظهرها على الخزانةِ تكادُ تسقطُ لا محـالة وعيناها مغمضتـان بشدّةٍ وكأنّها تخاف النظرَ إليه ، ليردفَ بأمرٍ حـاد : مفــهــوم؟!!
أومأت بسرعةٍ وهي تشدُّ على قبضتيها جانبًا وملابسها كانت قد سقطَت منذ شعرَت بأنفاسه تقتربُ منها قبل قليل . . لوَى فمهُ باستخفافٍ ومن ثمّ تحرّك خارجًا وهو يهتفُ بجمود : استعجلي وراي طلعة.
،
في المشفى، غـادرَ كلُّ من كـان متواجدًا مضطرّين حتّى يرتاحُوا قليلًا في منازِلهم، بينما بقيَ يُوسف في مكانِه جالسًا ورأسهُ يستندُ للخلفِ بإرهـاق، النومُ يغادرهُ بالرغم من كونِه تجاوزَ الأربعَ وعشرونَ ساعةً منذ استيقظَ في الأمس، لكنْ من أينَ يأتِيهِ هذا النوم؟ لا مجـال لقدومِه وقلبهُ يصرخُ مستوجعًا بضجيجٍ يطردُ كل فكرةٍ للمنـام، لا تستطيعُ عيناه الاسترخـاء في ظلِّ هذا الوجعِ الأبويِّ الذي يلكمُ أضلعه، لا يستطيعُ سوى انتظـارِ خبرٍ يجعلهُ يطمئن، هذا الحـالُ الغير ثابتٍ لا يُريحُ فؤادهُ ولا يُسكِنُ قلقَه.
أغمضَ عينيه بإرهاقٍ وهو يتنهّدُ بألـم، وقفَ وقتذاك إحدى الأطبـاء اللذين أشرفوا على حالتِها، وبهدوء : يا عم ارجعْ لبيتك أفضل ، بنتك ماراح نقدر نضمن استقرار حالتها إلا بعد أربعة وعشرين ساعـة ، حرام تتعب نفسك لهذاك الوقت!
فتحَ يوسُف عينيه لينظُر نحوهُ بعينينِ مُحمرّتان، وبتعب : ما أقدر أتحرّك من هُنا ، بنتظرها . .
هزّ الطبيبُ رأسهُ بأسى ومن ثمّ تحرّك مستسلمًا نافضًا يديه من المحاولـة، حينها عـاد يُوسف لحالـته تلكْ، أسندَ رأسهُ للخلفِ مُغمضًا عينيه.
بعد لحظـات ، فتحَ عينيهِ بتعبٍ من جديد على صوتِ هاتفِه، أدركَ ببساطةٍ من المتصل الذي يصرخُ بتكرارٍ طيلةَ وقتِ انتظـارهم قبل صلاةِ الفجـر، لم يستطِع الردّ عليها وقتذاك وإخبارها بحال أختها العسير، لكنّه لن يستطيع تركها متخبّطةً أكثر بقلقها، لذا رفعَ هاتفهُ هذهِ المرّةَ وقرّر الرد عليها، ألصقهُ بإذنهِ وهو يهمسُ بحنانٍ رغم الإرهـاقِ في صوته : حبيبتي . .
عضّت أرجوان شفتها من الجهةِ الأخرى وهي تُغمضُ عينيها : شلونها يبه؟ سيف قال لديما إن حالها الحين أفضل مع إنه ما استقر ، بس أبي أسمع شيء منك أنت ماهو من غيرك.
تنهّد يوسف بجزع : إن شاء الله خير حبيبتي ، إن شاء الله خير . . يحتاجون 24 ساعة عشان يتطمّنون من استقرار حالتها أو عدمه ، يارب خير . .
صمتتْ وهي تضعُ كفّها على فمها حتى تكتمَ صوتَ أنينها، يصعبُ الثباتُ عليها في هذا الوقت، يصعبُ عليها الاتّزانُ أمام اهتزازِ حيـاة أختها من أسفلهم ، لذا وجدَت نفسها تُطلقُ أنينها بألمٍ تضاعفَ في صدرهِ هو وهي تُردّدُ من خلفهِ بأسى " يارب خير ، يارب خيييير ".
،
الساعـةُ الثامنةُ صباحًا . . تحرّك ذهابًا وإيـابًا في مكتبِ منزلهِ وهو يضع الهاتفَ على أذنه، يستمعُ لكلمات الرجُل من الجهةِ الإخرى بملامحَ حادةٍ غاضبـة، وما إن انتهَى الإتصـال حتى رمَى هاتفهُ بغضبٍ على كرسيّ مكتبهِ الجلدي ليصرخَ شاتمًا بغضب : حيـــواااان ، أجل أنت هوّ يا وليد العلـي . .
بلل شفتيه وهو يستغفرُ ويعبثُ بشعرهِ حتى يدلّك فروةَ رأسِه بحنق، علمَ الآن من وراءَ ذلك الخبـر الذي أُشيع في صحيفةِ الجوهر، كـان أحد الحاضرينَ في عشـاءِ فهد، ذلك الذي دخلَ إليه وهو في المجلسِ بعد انفجـار سلطان وخروجه، إذن فقدْ سمعَ كلّ شيء ، سمعَ واستغلّ ذلك لمصلحةِ الصحيفة التي يعملُ فيها.
تمتمَ بحدةٍ من بين أسنانِه : والله لحرقك أنت وهالجريدة وبورّيكم شلون تعطّلون سلمـان.
،
في حينِ كـان الآخر يجلسُ على سريرهِ وهو يضمُّ كفّيهِ إلى فمهِ بتوتّر، ينظُر لهاتِفهِ مرارًا وتكرارًا، لا تمرُّ ثانيتين إلا وهو ينظُر نحوه . . ظهرتْ من جدِيد! ظهرتْ تلك الطفرةُ في حياتِه مرّةً أخرى ، يا الله ما الذي يحدث؟ ما الذي جلبَ اسمها في حياتِه مرّةً أخرى بعد أن ظنّ أنه ارتـاح منها؟ . . عضّ شفتهُ بغيظٍ وهو يهزُّ ساقيْه، وفي تلك اللحظـة دخَلت زوجتهُ للغرفـةِ وثوبُها البيتيّ الثمين يلتفُّ حول ساقيها المرمريّين، دخَلت وهي تلوِي فمها وتنظُر نحوهُ بحنق، لتلفظَ بصوتٍ حادٍ من بين شفتيها المتلوّنتين بالعنّابي : غريبة جالس لهالساعة في البيت ومارحت تراكض ورى أشغالك اللي مدري من وين تطلع لك دايِم!
رفعَ أحمد نظراتهُ نحوها وهو يُطلق شفتهُ من أسنانه، وبضيقٍ وهو يشير بكفّه أن تغربَ عن وجهه : فكّيني من وجهك الحين.
رفعَت إحدى حاجبيها بحنق : خييير وش قصّة هالأسلوب؟ ماني بنتك عشان تتعامل معي كذا.
اشتعلت نظراتهُ بغضب ما إن ذكرَت غزل التي يتّصل بها منذ البارحة ولا ترد : الله يلعنك أنتِ وبنتك اذلفي عن وجهي يا زفت.
شدّت على أسنانِها وهي تحتضنُ بذراعيها أسفل صدرها، وبقهر : لا تلعنها ، لا تلعنها جعل ربي يحرقك البنت راحت لبيت زوجها اللي بغى يستر عليها وافتكّت منّك وانت افتكّيت منها.
أحمد بسخريةٍ رفعَ هاتفهُ ونظرَ إليه متجاهلًا لها : ماشاء الله طلعت روح الأم فيك.
هيَ بحرقةِ الأم التي لم تمُت لكنّها فتُرت بقلّة حيلتها أمـام بطشِ زوجها، فقدَت حنـانها رغمًا عنها، رغمًا عن كلّ شيءٍ أرادتهُ لتجدَ نفسها تتربّع القسوةَ معهُ في برودها أمامها وأمام القسوةِ التي كانت تتلقِاها من أبيها المريض : قـادر ربّي يحرقك وقادر يخلّيها تنساك وتنساني وتنسى كل شيء عاشته قربنا . .
أحمد بابتسامةٍ ساخـرة : ماراح تنسى أي شيء عاشته قربنا وكوني واثقة من هالشيء ، بنتك بترجع لك وبتغرزني فيها مرة ثانية.
ازدردَت ريقها وهي ترمقهُ بحقد، وبغصِة : أجل جعلني قبلها أترمّل وترتـاح.
لفظَت كلمـاتها تلك ومن ثمّ اندفعَت خارجةً من الغرفـة في اللحظـة التي تصاعدَ فيها رنينُ هاتفه، وكـان المتِصل في تلكَ اللحظةِ هو السكرتير الذي صـار حلقة الوصلِ بينه وبين عبدالله !!
.
.
.
انــتــهــى
موعدنا القادم بيكون مثل هالموعد إن شاء الله ، الجمعة أو السبت، ما أقدر أحدد :""
هالأسبوع عندي ثلاث امتحانات وممكن تزيد، دعواتكم لي ()
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|