لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-01-16, 11:35 PM   المشاركة رقم: 656
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

فصل رائع جدا

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 27-01-16, 03:36 PM   المشاركة رقم: 657
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




-
-

السلام عليكم ورحمة الله . .
مساء السعادة على أرواحكم :$

أعتذر منكم جميعًا مضطرة أأجل البارت يوم زيادة لأنّه للحين ما اكتمل، بينزل بكرا أو نقول ليلة الجمعة ( مابين بعد مغرب الخميس إلى فجر الجمعة )، وشكرًا لكم أتمنى تعذروني ()


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-01-16, 03:10 AM   المشاركة رقم: 658
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافية


راجعت البارت اليوم وأنا بالحيل أفتح عيوني من النعاس، فلو شفتوا حرف أو كلمة سقطَت سهوًا أو شفتوا أي اضافات مشّوها لي.
+ هالمرة ما راح أحط شيء من كتاباتكم او اقتباساتكم أول البارت لأني بنزّله بعجل جديًا يعني :( -> وراها أحلام تناديها :$$


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(66)*1




ملامحهُ القريبةُ من ملامحها، أنفاسهُ التي تُذيب عظامها وأنسجتها، نظراتُه الحـارقة، السهـام التي تنبعثُ من أقواسِ الغضب، فقدَت شعورها بساقيها، بكتفيها المأسورينِ بكفّيه، لا تدري في هذهِ اللحظـة ما الكلمـاتُ التي يجب أن تنبعثَ من شِفاهِها حتى تُنقذ موقفها الآن، كل ما تدركهُ أنّها انتهَت بعد نظراتِه، انتهَت وعاودتها كلمـاتُ أبيها السابقة، عاودها تحذيره، كلماته التي كانَ ينطُقها بثقةٍ أرعبتها الآن حين ذكرتها " أنا أحن عليك منه ، احذريه قبل لا تحذريني "!! ولم تحذرهُ كفاية، لم تحذرهُ كمـا يجب فجاءتها هذهِ اللحظـة التي تُخبرها بوضوحٍ أنّ نظراتِه لا تبشّر بالخيـر، أنها أنهضَت الوحشَ في داخله، الوحش الذي جعل جسدها الآن متصلبًا بذُعرِه بينما هي تذوب في داخلها.
شعرَت بأنفاسها تزدادُ حـرارةً بكلماتِه، وعينيه تزدادُ قوّةً في تصويب سهامها، انفرجَت شفاهُه ليلفظُ من حنجرتِه حممًا اختلطَت بقسوةِ صوتِه واحتقـاره، هتفَ بحدةٍ وهو يشدُّ على كتفيها أكثر وألمها لم تشعُر بهِ في تلك اللحظـات : وش يبي؟ وش اللي يدوّر عليه في بيتي وأنتِ تساعدينه !!
لسانها كانَ مُلجمًا ولم تستطِع أن تنبسَ ببنتِ شفةٍ وأحداقها ترتعشُ بنظرها نحوَ عينيه الغاضبـة، كانت كمن شُلَّ شللًا كاملًا ولسانهُ انعكفَ لا يستطيع قول إلا اللّعثمـات، وهي فقدت حتى اللعثمة!!
صرخَ سلطان حين طـال صمتُها وهو يحرر إحدى قبضتيه ليوجّهها للخزانةِ بجانبها حتى يضربها ضربةً أنّ بها الخشبُ واعترض، وانتفضَت هي لتطوف النفضةُ في كلّ أركانها وتبدأ بالإرتعـاش أمامهُ ذعرًا : احـــكـــــي والا بس فالحة تطوّلين لسانك على الناس وتقللين أدبك وعند الحق ما تعرفين الحكي!!
أخفضَت أنظارها لتسقطَ دمعةً من محجرِ عينِها اليُسرى تشرحُ لهُ الاهتزازَ الذي تشعُر بهِ الآنَ أمـام صوتِه المُرعب، تشرحُ لهُ مدى خداعِه بها طيلةَ الأشهُر التي مضَت ولم تمضي! نسيَ الدم، نسيَ الانتمـاء لأبيها قبله، نسيَ كل شيءٍ وحلّها عن سوءآت والدِها لتأتِي الحقيقةُ قاسمةً لثقتهِ بها، ثقته التي مهما رأى منها الصفات السيئة لم تكُن لتهتزّ! لكنّها اهتزّت وسقطَت اليومَ حينما رأى الحقيقةَ تتجسّد أمامه، تشرقُ لينقشعَ ضبـابُ براءتها الزائفة . . عضّ شفتهُ بقهرٍ والخداعُ لم يكُن سهلًا يومًا عن روحِه الرجُوليـة، شعرَ بأنّها مرّغت بكبريائِه في ترابِ التلاشِي حين تلاعبَت بهِ بهذا الشكل وهو الذي كـان يبتسمُ لها كثيرًا ويبتسمُ لانكساراتِها، لم يُبالِي بذاتِه كما بها! لكنّها لم تكُن تستحقُّ شيئًا! لم تكُن تستحقُّ كل شعورهِ بها، لم تكُن تستحقُّ الحنـان الذي كان يحاولُ إغراقها بِه.
اقتربَ منها أكثر منفعلًا حتى كادَ جسدهُ يلتصقُ بها وهو يشدُّ قبضتهُ جانبَ رأسها على الخزانة، بينما قبضتهُ الأخرى تجمّدت على كتفِها وفقدَت قدرتها على الانقباضِ أكثر، لفظَ بغضبِ عينَيه وملامحه تتصلّب باحتقـارِه : تبكِين؟ على شين علومك والا خوف بس؟ ما ظنّتي الأولى ، حقيرة مثله! حقيرة مثلهم كلّهم وما كنتِ بيوم بالبراءة اللي أشوفها فيك !!
تضاعفَ ارتعاشُ شفاهها وهي لا تستطِيع النظرَ لعينيه، بالرغمِ من خوفِها الكبيرِ في تلكَ اللحظـة إلا أنّ ومضةً في داخِلها كانت تشعُر بصغرها أمامه، بذنبها، ومضةٌ فقط! لم تكُن لتزاحـم شعورها الأكبـر في الخوفِ بتلك اللحظـة، لم تكُن لتشعر بها كما خوفُها.
سلطان بحرقة : احكي ، قولي شيء الحين واثبتي لي إنّك غزل البريئة نفسها أو العكس! قولي شيء يشفع لِك حقارتِك!
لم تجِد ما تقُوله سوى رعشةٍ وتشتيتُ حدقتين، ضربَ الخزانة مرةً أخرى بقبضتهِ وهو يقاومُ انفراطَ أعصابِه بضربِ الجمادات، أعادَ يدهُ إليه ليتنفّس بغضب، وبحركةٍ خاطفـة شعرت بفكّها أسيرَ قبضتِه، قبضتهِ التي رفعَت وجهها إليه لتُقابل حرارةَ عينـيهِ رغمًا عنها وتتنفّس مضطربـة يكاد الأكسجين يتكثّف في الهواءِ ويسقطَ حبيباتٍ دونَ أن يُسعفها بهواء، شدّ على أسنانه وهو يهتف بوعيد : انطقي ، انقذي نفسك مني !
أغمضَت عينيها برعشةِ أجفانِها وشفتيها، وبغصّةٍ تجتذبُ الأحرفَ إليها قسرًا وهي تكادُ تذوبُ بين يديه : ما أدري !!
اتّسعت عيناه أكثر ليصرخ وهو يشدّ على وجهها ويُعيد رأسها للخلفِ ليلصقهُ بالخزانة : ما تدرين؟!! هذا الإجـابة اللي تظنين إنها بتغسل حقارتك؟
غزل بضعفٍ وهي ترتعش : والله ما أدري أكثر من إنّه يبي شيء مكتوب عليه مؤسسة الرازن! بس !!
ارتخَت أناملهُ عن فكّها وهو ينظُر لها بحرارة، في حينِ فتحَت هي عينيها وواجهتهُ بصفيحةٍ شفافـةٍ من الدموعِ أحاطَت بياضَ عيُونها، سقطَت تباعًا على وجنتيها دونَ أن تكُون تلكَ الدمُوع نجاةً هذهِ المرّة، كانت حطبًا يزيد من اشتعال غضبه! كانت ماءً يُصبُّ على ماءِ احتقارهِ فيزدادُ ارتفاعًا وغلاضـة، لا تستطيع أسـر الدموع بعد أن حررتها وأرتها معالم وجهها، لا تستطيع أسرها وهو من علّمها كيفَ تفكُّ القيدَ عن مشاعرها التي تحتاجُ لبكاء! كيف تفكُّ القيدَ عن دمعةٍ تُطفئُ اللهبَ في وجنتها، اللهبَ والمشاعر المتمركزةِ في ضعفٍ وهوانٍ الآن، في خوفٍ من العاقبة!
قوّست شفتيها قليلًا بضعفٍ وهي تُردفُ برجـاء : لا تضربني ، لا تسوي فيني شيء الله يخليك !
تركَ فكّها وكتفَها، تراجعَ للخلفِ وعلى وجههِ إمـاراتُ القرفِ منها، باتَ الآن يرى صورتهُ فيها، بعد أن تذبذبَت كلماتُ سالي في عقلهِ ما بين قول " افتراء " وما بينَ قولِ " فهمتها خطأ "!! لم يضع في عقلهِ ولو لوهلة أنّها بالفعل فاسدةٌ كمـا هو، أنها بالفعل قد تخدع وتخونَ براءة عينيها، لم يُسيء الظن بها أبدًا، كان في كلّ خياراتِه يسيء الظن بسالِي، يسيء الظن بكل شيءٍ عدا فكرة غدرها، ونسي وتجاهل كل علاماتِ الصدقِ أملًا بأنْ لا تخيّب ظنّه !
عضّ زاويـة شفتِه السُفلى وهو يلفظُ باحتقـارٍ يتنامى على صوتِه وينقشعَ بهِ حنانُه ورقّته : يا وضاعتك! يا وضاعة البراءة الكاذبة في عيُونك.
أحاطَت جسدها بذراعيها وهي تُخفضُ رأسها لينسدلَ شعرها حولَ وجهها، تحاول إسكان رعشتها بضمّ جسدها لكن هيهات أن تُغادرها ونبرةُ الحنـان واللطف غادرت صوته أبدًا لتجيء نبرةٌ أخرى لا تعرفها، كلماتٌ أخرى لا تعرفها ولا تناسبه! فقدَت الجمـال الذي كانت تراه الفريدَ في حياتِها المؤقتةِ هنا، وسقطَت كلّ الكذبات حين اعتلا صوتُ الحقيقة.
ماشعورها الآن؟ لا تدري ! فقدت الشعور، لم تعُد تدرك هل هي الآن خائفةٌ وحسب أم أنّها تعزي ذاتِها على فقدانِ تلك النبـرة، تعزّي الأيـام السابقة على حضنٍ انقشـع، هل هي خائفةٌ وحسب أم أنّ صراخَ العزاءِ يرتّل على جسدِها الذي سيفقدُ روحها، عظّم الله أجركِ في ابتسامتـك، عظّم الله أجركِ في فرحتك، عظم الله أجركِ في الحنـان!
شهقَت فجأةً بقوّةٍ واتّسعَت عيونها بذعرٍ وهي ترفعُ رأسها إليه بعد أن قبضَ على زندِها فجأة، نظرَت لهُ بخوفٍ وريبةٍ وهي ترجُوه بعينيها بالكثير، بالكثير الذي ودّ سلطان في تلك اللحظة أن يبصقَ عليه، لكنّه تجاهـل كلّ شيءٍ وهو يجتذبُها خلفه، خلفَ مصيرٍ مجهُول، خلفَ الذي لا تعلمُ سوى أنّه هزّ قلبها وجعل خلاياها تتراقصُ وكلماتها تخرج إليه بلعثمةٍ مذعورةٍ ترجُوه بكلِّ ذلٍ وانكسـارٍ أن لا يؤذيها ، ألّا يحطّم صورتهُ المثاليـة . . .


،


اقتربَت من بابِ غرفتها تجسُّ الحـالَ داخِلها، كـانت صامتة، هادئـة، تمنّت لو أنّها في حالةِ ضجيجٍ من الحُزن! كثيرًا ما يكُون الحزن الباكِي مُؤلمًا، لكن الحزن الصامت أشدُّ إيلامًا، يخبرنا بوضوحٍ أنّ عمقَ الحزن أكبر من أن يفرّغ ببكـاءٍ طويل.
قطّبت جبينها بألمٍ من حالها بعد الصدمةِ التي علِمَت بها من والدها، أن يستبدلك الرجُل بامرأةٍ موجع! فكيف أن يجعلها تشارككِ به ! هذا مالا تقواهُ الإنـاث، يستطِعن أن يغفرن كلّ شيءٍ لكن لا يستطعن تجاوزَ الخيـانة.
رفعَت يدها وهي تتنهّد، طرقَت البابَ مرتين لتنتظرَ ردها الذي انحرفَ عنها ولم يجئها، هاهوَ الصمتُ المؤلمُ يصحو فوقَ سريرِ الحُزنِ الوثير، هاهوَ الصمتُ يتوسّد وساداتِ الجراح . . هزّت مقبضَ البـاب، كانَ مفتوحًا! شرّع انكسارها لهـا، رأتها ترسُو بالتهاباتِها فوقَ السريرِ تضمُّ جسدها مغمضةُ العينين حتى تنـام، فتحتهما بهدوءٍ حين شعرَت بفتحِ البابِ بعد أن تجاهلت صوته، نظرَت لأرجوَان بانزعـاج عاقدةً حاجبيها، وببرود : المفروض دامني مارديت اعرفي إني نايمة والا ما أبي أرد!
أغلقَت أرجـوان الباب واقتربَت بخطواتِها منها، كانت تنظُر في ملامحها بتركيز، ترمقُ خطوطَ الحُزن الذي أحاطتهُ بغشـاء برودها الكاذِب، بغشاءٍ شفافٍ يكادُ لا يُرى ولا يُلمس! وطـال صمتُها وهي تشعُر بقلبها ينقبِضُ حُزنًا عليها، على العرُوسِ التي لم تفرحْ بهذا الاسم المُهدى إليها اليوم! على العروسِ التي فقدت ابتسامتها حين صُدمَت برجُلها قبل فرحتهما، عن العرُوس التي ضحكَت خجلًا وفرحًا لتُحال ضحكاتها أخيرًا لتقويسةِ صدمَة.
اقتربَت منها أكثر، وانعقد حاجبيها أكثر، التمعَت عيناها بمواسـاة، وجيهان تنظُر نحوها بصمتٍ جامـد، بملامح يكفهرُّ فيها الاسترخـاء، يصبُّ التشنجُ فيها صبًّا وبمقدارِ الحُزنِ البـارحة واليوم، وغدًا، وبعد غد، وأبدًا مع خيباتِها التي تتوالى!
بللت شفتيها الجافتين وعيناها الميتتانِ تشتتا وهي تزفُر وتتكئُ على كفها لترفعَ جسدها، وبجمود : لا تناظرِيني كذا ، ما همني شخص محى جزء مني فيه واستبدلني بثاني.
أرجوان بألم : تحبينه صح؟
وجّهت أحداقها إليها بوجعٍ يصهرُ رئتها ويخنقها، وبغصّةٍ تتقوّس بها شفتيها : قـادر ربي يخسف فيه من جوّ قلبي ، أختك ما توقف حياتها عند أحد.
ابتسمَت أرجوان بأسى وهي تُدرك الصدقَ في عباراتها، الصدق الذي يجعلها تقلقُ عليها وتطمئنُّ في آن! تستطيعُ تجاوز من يكسرها وهذا جيّد، لكن المُرعب أن لا تستدير لـ " من الشخص "! وهذا يجعلها تقلقُ بشدّة.
جلسَت أرجُوان بجانبها على السريرِ وهي تنظُر لوجهها بعطف، وبرقّة : مافيه شيء يشفع له، بس حاكيه يا جوج وتفاهموا، كل المشاكل تنحل بالتفاهم ولا تنسين إنّه يحبك.
جيهان بقهرٍ تعتدلُ في جلستها وهي تُعيدُ خصلاتَ شعرها للخلف : كذّاب، كل الرجاجيل كذّابين ، لو يحبني كنت بملّي عينيه ما كان بيتزوج علي ويكسرني.
أرجوان بضيق : احكي معه يا جيهان ، لازم تتنازلين شوي خصوصًا إنّ ما عندك قدرة تتراجعين وتكنسلين زواجكم، كل الموضوع بيده الحين.
جيهان بحقد : أتنازل؟ وليه ما يتنازل هو؟ أساسًا أنا بنفسي سامعته يقول إنه ماراح يطلّقها واضح متمسك فيها وأنا ، هه! مالت علي وعلى حظي الأقشر.
عادَت لتتمدّد وتغطّي جسدها بلحافها وهي تردف بحدة : خليني الحين أنـام وراي يوم بيخليني أتنكّد غصب عني يارب صبّرني بس.
عقدَت أرجوان حاجبيها بضيق، من الواضحِ أنّ عقلها متوقّفٌ عن التفكير بتاتًا! فليسَ بالضرورةِ أن يرتبط تنازلهُ بطلاقِ تلك المرأة، كلمـاتها تُبكيها الآن، هي الدليلُ القاطع على أنّ زواجـهُ لم يمرَّ مرور الكرام على قلبها - العاشقِ - له، لذا فهي تندفعُ بحديثٍ لم تذكرهُ أبدًا ولم تقصده، بل تتمنـاه في عقلها الباطن !!


،


تجمّدت بصدمةٍ عند تلكَ الكلمـات، واتّسعت أحداقها ببهوتٍ وهي تترك التفسيرَ يتدفّقُ من عقلها، أهدت حليبها! ولدها الميّت! اسمُها الذي لفظْ، يقصدها! يقصدُ ماضيها الذي رتّلهُ هيثم سابقًا بإيجـازٍ وبطريقةٍ وجدتها مبهمةً بعد كلماتِ أمجد، يقصدهُ بالحقيقةِ التي غابَت عن نبرتِه الحاقـدة . . أهدت حليبها!!! هوَ خالها إذن! خالها فعلًا . . تنفّست بحشرجةٍ وهي لا تدري ما شعورها ذاك الوقت، كان أقربَ للراحـة! فصعبٌ عليها أن تعيشَ لأعوامٍ وهي أسفل صلةٍ مـا لتكتشفَ أنّ تلكَ الصلةَ زائفة! أن ترى والدها يسمحُ باللا حدودَ بينها وبينَ رجلٍ غريبٍ عنها! كانت لتصعقَ لو أنّه لم يكُن فعلًا خالها، كانت لتصعقَ من فكرةِ أن يسترخصَ والدها هذا الموضوع ويسمحُ لها حتى بملامستهِ وتقبيل رأسهِ في المراتِ القليلة التي سمحَ لها فيها أمجد ولم يصدْ!
ارتفعَ صدرها بأنفاسٍ منفعلةٍ وهي تشدُّ على الصينيةِ وترهفَ السمعَ أكثر، وصلَ إليها صوتُ والدها الذي تغلّف بضيقٍ أكبر وهو يلفظُ برجـاء : خلاص قفّل هالموضوع! أخـاف جنان تكون قريبة وتسمع.
أمجد بلا مبالاة : ماراح تسمع ، وحتى وإن سمعَت لا تحاتيها سوسة مثل أمها مافيه شيء يأثّر عليها.
ناصـر بحدّة : أمجد وبعدين معاك؟ كم مرة قلت لك جنان مالها دخل بذنب امها . . احشمني أقل شيء!!
زفَر أمجد بحنقٍ وهو يكتّف يديه، بينما قطّبت جبينها باستنكـارٍ لمـا قال، " سوسة "! ومنذ قليلٍ قـال " زوجتك اللي خدعتنا "، وأيضًا " اكتشفت بنتك "!!! ما هذا الذي يقُوله؟!! قطّبت جبينها وملامحها أكثر وهي تستذكرُ كلمات هيثم التي قالها لها، تذكُرها بالحرفِ الواحـد، وكيف تنساها وهي كالصدى لازالت تتكرر منذ ذاك اليوم.
" كل مافي السالفة إنّ أبوك كان متزوج بالمسيار وجابك من زوجته هذيك اللي محد يعرف أصلها وفصلها، وعاد زوجته هذيك واضح كانت مسكينة وعلى حالها! جابتك وظلت تربي فيك وهو راميك ومتجاهل وجودك وكأنّك مجرد نتيجة لعبة لعبها وانتهى منها "
" أبوك أصلًا ما احترم حتى علاقته بزوجته عشان يحترم علاقته بأبوي وبعدين بأمك أنتِ "
" ونضيف بعد إنّه ما احترمك كمان واعتبرك مجرد نكرة! ما عرفك إلا يوم توفت أمك وقتها أكيد اضطر يآخذك "
تسارعَت أنفاسها بتحشرجِ الأكسجينِ في صدرها، اختنقَت الكلماتُ في حنجرتها وشفاهُها ترتعش، ماهذا التناقُض في كلماتِه وكلمات أمجد؟ ما معنى ذلك؟ هل يعقل أن يكُون كذِب عليها وهيَ صدّقته؟ . . زاغَت عينيها وكفيْها ترتعشان، تكادُ تسقطُ ما تحملهُ من تلكَ الفكرة، هل يكُون لفّق ما قـال وهي صدّقته ببساطة؟ هل كان بارعًا كفايةً لترى أنّه كان يقُول حقيقةً صمّاء!! لا لا مستحيل!! مستحيلٌ أن تحتملَ فكرة هذا الألـم، فكرة أن ترى والدها بغيرِ الحقيقة، هل يعقل أن تجيء كلماتُ أمجد الآن محطّمةً لكلماتِ ابنهِ ومن ثمّ هي!!!!
لفظَ أمجدْ بنبرةٍ قاسيـة وهو يرفعُ إحدى حاجبيه : خلاص بسكت، عشانك بس والا الود ودي تسمع كل شيء بأذنها بعد!
صمتَ ناصِر بضيقٍ وهو يصدُّ بوجههِ عنه، لطالمـا كان مقتنعًا أنّ لاذنب لأمجد بكرههِ لها، لكن لا حقّ لهُ ليفصح بهذا الكره أمـام أحد، لا حقّ لهُ ليمارسهُ على ابنتهِ وهي التي لا ذنبَ لها، فكيفَ يجيء الآن ويهتفَ بهذا الكرهِ على مسامعهِ وهو - أبوها -!
في حين كانت جنان من الجهةِ الأخرى تشدُّ على الصينيّةِ وهي تهزُّ رأسها نفيًا ورجاؤها يكادُ يعلُو لكي يُكمـل . . لا تصمت الآن! أرجـوكَ لا تصمت بعد أن جاءت اللحظـة التي أحتـاج، لا تصمت!!!
لكنّ أمجد صمتَ عمّا تُريد، واستبدلَ الحديثَ بآخر، بدّلا الموضوع بآخرٍ ليعُود صوتُهما طبيعيًا كأنّ لا شيءَ يثير الغليـان قد قالهُ أمجد، كأنّهما اعتـادا الاحتدادَ في هذا الموضوعِ فجأةً ومن ثمّ تدثيرهُ وكأنّهما لم يتحدّثـا بِه.
كَادَت تبكِي وهي تنتظرُ طوقَ النجـاة من أفكارِها الحديثةِ ولا يأتيها، قاومَت دمعها لتعضّ على شفتِها السُفلى وتغمضَ عينيها، ومن ثمّ تحرّكت ببطءٍ بعد دقـائق، طرقَت الباب وهي تُحـاولُ مواراةَ انفعالاتِها واهتزازِها، فتحَتهُ لتدخل بخطواتٍ متعثّرةٍ وهي تنظُر لكل شيءٍ عدا أمجد الذي تكادُ تجزم أنّه الآن يحدّق بها بذاتِ حدّتهِ المعتـادةِ وكُرهه!!


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-01-16, 03:13 AM   المشاركة رقم: 659
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 






،


انقضَت الصـلاة، ورنـا إليهِ صوتُه مستغفرًا بجانبِه، نظرَ للأمـام بعقلٍ يتشوّشُ فيهِ الاستغفارُ والذكرُ فلا يعيها لسانُه في هذهِ اللحظـات الشائكةِ بأفكـاره، حتى صلاته لا يستطيعُ حصر عدد المرات التي نفثَ فيها على يساره وتعوّذ حتى يطرد الشيطـانَ ويخشع! وهو مثلها! عريسٌ لم يتوّج بالسعـادةِ في يومِه الخاص.
استـدارَ إليهِ يوسف، بملامحه الهادئـة، الوقورة والتي لا تعكسُ شيئًا من حدّة مشاعره حين لا يكُون الوقتُ مناسبًا لذلك، بلل شفتيه بلسانهِ وتنحنحَ قبل أن يهتف : شلُون أمّك وخواتك؟
أدارَ رأسهُ إليه وعيناهُ الخافتتان تنظُران إليهِ بإرهاقٍ واضح خلّفه السهرُ بتفكيره، حرّك شفتيه باستيـاءٍ ساخرً بعض الشيء : كلنـا بخير.
يُوسف يواجههُ مباشرةً دون لفٍّ أو دوران : لو إن أسيل أو ديما جاتك مرة من المرات تبكي وتقولّك إن زوجها تزوّج عليها وش بتسوي وقتها؟
نظرَ إليه بعجزٍ وكثيرٍ من الرجـاء : لا تصعب الموضوع علي واللي يخليك يا عمي!
يُوسف بجدّية : عندك جواب؟!
فواز باستسلام : أكيد ما بعدِيها لسيف أو شاهين.
يُوسف بحدة : ما رضيتها على أقرب الناس لك ، وأنا ما أرضاها على بنتي!
أغمضَ عينيه وقلبهُ الرابضُ في صدرهِ ينزفُ مرارةً بتضييقِ الدنيـا عليه بعد أن توسّعت، بعد أن رأى الدربَ أمامـه واسعًا مضيئًا تنسدلُ الأشجارُ الخضراءُ نحوهُ لتضللهُ عن حرارةِ شمسٍ فتيّة، وفجأةً انكسرَت الأغصان وسقطَت الأوراقُ جافّة، ضاقَ الدرب، واحتدمَت حرارةُ الشمس، ليذوبَ الآن بتعسّر هذا اليوم، بصعوبتهِ بالرغمِ من السلاسةِ التي كان يحياها قبلَ اندلاعِ تلك الصعوبة.
شدّ على شفتيه بوجعٍ ليهمسَ بانهزام : لا تقول كِذا وتظلمني! هي بنت عمي بعد ، وقبل كذا هي أقرب لي من هالأنفـاس اللي تحييني!
يوسف وملامحهُ تتجعّدُ بحنق : ليه أجل؟ اعطني عذر كافي يشفع لك!! وصدقني وقتها بكُون معك أنت بس وماراح أساندها بأي شيء راح تسويه ضدّك عشان تلمّ نفسها بعد ما كسرتها.
صمتَ فوّاز مطولًا لا يملكُ إجابةً تستحقّ البزوغ، أخفضَ حدقتيه للأسفلِ وهو يتنهّد ويرفعُ كفّه ليضغطَ بأصابعهِ على صدغِه، طـال صمتهُ ليعقدَ يوسف حاجبيه لافظًا بتساؤل : أنت من البداية كنت تبيها؟!
هزّ فـواز رأسه بالنفي : ما كنت أبي كل هالشيء يصير ، بس غصب عني!
يُوسف بشكٍ دفعهُ مع الكثيرِ من الضيق : غلطان معها؟
رفعَ رأسهُ بسرعةٍ إليها وهو يهتفُ بذهول : أعوذ بالله الله لا يقولها.
يوسف بحدة : أجل ليه متزوج؟!
فواز بعتب : اللي يتزوج لازم يكون مسوي شيء غلط؟!
يوسف : سكُوتك قاعد يشككني لا تخليني أفقد أعصابي يا فواز!
صمتَ وكلماتُه تنصـاع لصمتهِ المرغوبِ من قبلِه، شتت عينيهِ عنهُ حتى استقرتا في إحدى زوايـا المسجِد، ينظُر للمصاحفِ المُصفّفةِ داخلَ رفوفِ الكتب، وصمتُه ذاك وصلَ إلى يوسف بجلِّ معانيه، أدركَ منهُ أنّه لا يريد الإفصـاح عن شيء، ولا يريد غسلَ غضبهِ منه بتبريرٍ واحِد، لذا وجد نفسهُ يقفُ بانفعالٍ وهو ينظُر لهُ بغضبٍ عاتِب، تحرّك أخيرًا مبتعدًا لينهضَ من بعدِ فواز بصمتٍ ويتبعه، وما إن وصلَ للسيارةِ حتى كان هو يقفُ منتظرًا لهُ وذراعيه مكتّفين أمامَ بابه، دارَ حول السيارةِ ليفتحها ويدخل ومن بعدهِ يوسف، وما إن تحرّك حتى انبعثَ صوتهُ ببرودٍ وهو ينظُر للأمـام : كل شيء اليوم بيمشي مثل ما هو ، ماهو عشانك بس عشان جيهان لأنّ هالشيء من مصلحتها ، بس بعد هاليوم، ماراح أتدخل بشيء لو جيتني تشكي منها ! أنتَ اللي تسببت بكل شيء لنفسك.


،


حفظَت الغُرفة من عددِ المراتِ التي تفقّدتها فيها بعينيها المذعورتين، كانت تجلسُ عند البابِ مستندةً بظهرهَا عليه وارتعاشـتها التي كان لابد من أن تندثرَ بعد كل تلك الدقائق تضاعفَت، عيناها محمرّتـان من بُكائِها، صوتُها بحَّ للرجـاء الذي كانت تتدفّق بهِ خارجَ تلك الغرفـةِ حتى يفتحَ بابها، حتى يُخرجها بعد أن تنبّأت بخوفٍ ما سيفعلهُ بها، لمَ أحضرها هنا وحبسها؟ لا شيءَ جـال في عقلها سوى الخطـر، لا شيء سوى السقُوط ومعنى ما فعلهُ مُرعب !!!
طـالت دقائقُ غيابهِ إلى ساعتيْنِ أو ثلاث، لم يكُن يسمعُ رجاءها لأنّه ما إن أدخلها الغرفة وأغلقها حتى خَرج، تُدرك ذلك، لكنّ الخوفَ فيها لم يكُن يُدرك، لم يكُن يدرك سوى أن تواجدها في هذهِ الغرفةِ خطأٌ قد تنتهي بسببه.

في الخـارج، كانت سالِي تقفُ قُرب بابِ غرفة سلطان وهي تسمعُ نشيجها الخافتَ بعد أن صمتَ بكاؤها العـالي، وعلى الأرجحِ أنّ حنجرتها تعبَت أخيرًا، لا تُنكر أنّها أشفقت عليها، لكنّها في الجهةِ المقابلة كانت تشفق على سلطان أكثر وهي تستذكر مرآهُ يبتعدُ بعد أن أغلقَ الباب، ملامحهُ الغاضبـة سرى غضبها بتيارِه بعيدًا عنهُ ليضمحلَّ بأسآه، عينيه المقهورتين وقهر الرجـال لا يكُون يسيرًا، تحرّك كي يخرج دون أن ينبس ببنتِ شفة، كـانت الكلماتُ تتشاجرُ في حنجرتهِ حتى تطفُو، لكنّه فقدَ صوته، وكيفَ يصهُل الحصـان دونَ صوت؟ كيفَ يرتّل الإنسـان دونَ نبرةٍ ثابتة؟ لم يُرِد الحديث، لم يُرِد الكلام الذي عافَه، لم يُرِد أن يظهر عدَمُ اتّزانِ صوتِه في كلماتِه وآثر التلاشِي لوقت، كـان مقهورًا، وخشيَ من قهرهِ ذاك الوقت! خشيَ أن يتصرّف بشكلٍ خاطئٍ يندمُ عليه فهرَبَ ليُصلّي ويُصفِّي عقلهُ من شوائِب حقدِه، لذا حبسها في غرفتِه حتى يعُودَ وقد وضعَ في عقلهِ إمكـانيّة هروبها إلى والدها، وهذا مالن يسمـح له! أخطـأت حين دخَلت إلى حياتِه بهذا الشكل، ولم تكُن تدرك أبدًا أن دخُولها إليهِ - خطر -! . . ستندمُ على كلِّ شيء ، ستندم !!
تحرّكت سالِي لتبتعدَ عن الغرفةِ وهي تهتفُ بكلماتٍ متأسّيةٍ بلغتها الأم، لم تتوقّع أبدًا أن ترى كلّ هذا منذ أوّلِ يومٍ ستعملُ فيهِ بوجودِ أصحـابِ هذا البيت، توقّعت أن تجدَ ربّة منزلٍ تُشابهُ سلطان في لطفهِ الواضح، لا أن تجدَ النقيضَ منهُ تمامًا !!


،


القمرُ شريكُ الأسى، هاهوَ يبزغُ في ليلةٍ ستحملُ الكثيرَ من الجراح، ستحملُ الكثيرَ من الإنكسـارات، غابَت الشمسُ وغيّبها الشفق، أو أنّ الشفقَ لم يكُن سوى مواسـاةٍ للغيـاب، هذا الغيـابُ الذي يشطُر، هذا الغيـابُ الذي يزرعُ الانحناءآتِ المُبكيـة، يصنعُ بؤرةً من الحُزن، بؤرةً من الوحشةِ تتّسعُ وتتّسعُ وطأتُها.
هـاهو اليومَ يبكِي ورقةً خطّها بأنامِله، لا يبكِيها حُزنًا بل شوقًا، لا يبكِيها يأسًا بل أملًا، لا يبكِيها أسًى وحسب! وحدهُ الأسى لم يُغادره أو يتناقص، لكنّه بات يتشاركُ مع هذا الأمل، مع تلك الابتسـامة.
" كيفَ تُهدرُ الدمـاءُ المشتركة؟ أخبرني يا أخي! كيفَ تَهدرُ دمِي وهوَ فيك! كيفَ تسحقُ العظـامَ وفيها دليلُ صلتِنا؟!
شاهين ! إن الدمَ يغلِي ، ليتكَ لم تفعلها وليتنِي متُّ فعلًا ولم أدري بخيانتِك "
تلكَ كلمـاتٌ يذكُر أنّه كتبها في بداياتِه هُنا وبعد هروبه، كانَ في أوجِ حزنه، في أوجِ انكسـاراتِه، كـان الألمُ يشتعلُ في داخلهِ بأقصى ما يُمكن حدّ أنّه كان ينهزمُ أمام حزنهِ ويسندُ رأسهُ على المنضدةِ ويبكِي أخيرًا!! يئنُّ كما لم يئنّ سابقًا ببكائِه، كـان يبكِي بصورةٍ لم يظنّ أنّه سيبكيها في يومٍ مـا، يذكُر أنّه بكى آخر مرةٍ بأنينٍ ضعيفٍ حينَ ماتَ أبُوه فقط! يومذاكَ أنّ، ولم يكُن ذاك الأنينُ كهذا، لازال يذكُر كيف كان يحاولُ أن يكونَ أقوى رغم حداثةِ سنّه، كيف كان يحتضنُ أخـاه حتى يخفّف عنه . . أخـاه الذي انهاهُ إلى هنا! أخـاه الذي تبرّأ مِن دمِه، أخـاه الذي كان في مكرِ إخوةِ يُوسفَ وأراد قتله، كان يُريد أن يكُون كـقابيل وينجحَ في مقتلِ أخيه، لكنّه كان كإخوةِ يوسف ، ولم ينجح !!
ابتسمَ بأسَى وهو يُوقفُ قلمَ الرصاصِ على نتوئِه، رسمَ خطًا من فراغِ الورقةِ البيضـاء حتى وصلَ إلى اسمِ " شاهين " وقسمهُ لنصفيْن بخطٍ فاصلٍ بين أحرفهِ وكأنّه يشقّهُ عنه، ارتفعَ القلمُ أكثر حين صوّب أحداقهُ على " أخي "، الاسمُ لا يهمُّ ولا يعني شيئًا كتلكَ الكلمـة التي تدلُّ على الانتمـاء، الأسمـاء لم تكُن يومًا دلالةً كما الحقائِق والعلاقة، كنتَ أخِي! لم تكُن شاهين كما كنتَ أخي، وهذا وحدهُ كـان السيفَ الذي قطَع عنقِي . . شدّ على أسنـانِه بقهرٍ وهو يشدّ على القلم، هذهِ المرّةَ قلبهُ ليصوّب الممحاةَ إلى تلك الكلمة، مسحَ الألفَ يرجُو مسحَهُ من صدرِه، مسحَ الخـاء يرجو بترهُ من دمِه، مسحَ اليـاء وهو يتمنّى لو أنّ الخيـانة مُسحَت بزيف، لو أنّها كذبة، لو أنّها وهم، لو أنّه لم يُدركها !!
اقتربَ اللقـاء الذي ينبضُ بهِ قلبهُ ويزيدُ أسـآه، أشهرٌ بسيطةٌ تفصلهُ حتى يراه أمامه أو من بعيد، لا يدرِي ما الذي سيفعله ! هو حتى لم يستطِع أن يذكر اسمهِ لفيصل أبدًا، لم يستطِع أن يثبتَ أنّه في الزاويـة السيئةِ مع كثيرٍ من الأشخـاص . . فما الذي سيفعلهُ بالضبط تجاه خيانتِه وغدره؟ لا يدري ، لا يدري أبدًا !! وهذا وحدهُ يوجعه . .


،


دخَل بعد صلاةِ المغربِ وهوَ يدلّك عنقهُ وملامحهُ الجامـدة يتصلّب فيها أي شعورٍ يدلُّ على أنّ صراعًا احتدَم في صدرهِ منذ العصر، أنّ قهرًا تولّد فيهِ لتطوفَ ذكرياتٌ كثيرةٌ فيه، في الغدرِ الأول، في القهرِ الأكبـر، في الصدمةِ الأولى قبل أشهر، حينَما تكُون الصدمةُ الأولى من أقربِ النـاسِ إليك تُصبح بقيّةُ الصدمـات أقلّ وطأة، حينما يستنفدُ ذاتَهُ في انفعالٍ شديدٍ لازال يصاحبهُ حتى هذهِ اللحظـةِ يصيرُ انفعالهُ الباقي لا شيء! وهذا ما أثبتهُ اليومَ أمـام غزل، لم ينفعل كما انفعلَ ذاك اليومِ حتى كادَ يموتُ بحُزنه، لم يتألم أبدًا كما حدثَ سابقًا، حتى مع اندلاعِ القهرِ ومع تدفّق الذكرياتِ لم تكن قسوةُ مشاعرهِ كذاكَ اليوم . . أبدًا !!!
نادى على سالي التي هرولَت إليهِ قادمةً من غرفتها في الطابقِ السُفلي، نظرَت إلى ملامحهِ بتوجسٍ وتوترٍ وهي تلفظُ بربكة : نـ نـعم . .
سلطان بهدوءٍ غريبٍ ونبرتهُ باردةٌ لا تحوي الانفعـالَ الذي خاصمَ بهِ غرل قبل خروجِه : جيبي لي كوب قهوة لغرفتي.
سالي تعقدُ حاجبيه باستغرابٍ من هذا الهدوء : اوكي.
تحرّك حتى يصعد، لكنّه توقّف فجأةً ليوجّه نظراتُه نحوها ويرمقها بامتنان : نسيت أقولك بعد . . شكرًا لأنّك فتحتي عيوني على أشياء ما انتبهت لها طول هالفتـرة.
ابتسمَت بارتباكٍ وهي تومئ برأسها، رمقَتهُ بشفقةٍ لتُردف بعد نظرتها تلك والتي لم توضحها له : أنت واجد كويس بابا سلطان ، حرام هدا يكون زوج إنتَ.
ابتسمَ دونَ أن يرد، ومن ثمّ أدارها ظهرهُ ليتحرّك مبتعدًا، التناقض الذي حدثَ الآن يختلفُ عن الذي كان قبل أكثرِ من خمسةَ أشهر، في يومِ احتراقِ المكتب! يومذاكَ كانَت الخادمةُ هي من ساعدَت الرجلين اللذينِ دخلا للمنزلِ وكاد أحدهما أن يغتصب غيداء، واليوم، الخادمـة هي من نبّهتهُ على خطرٍ يُحيطُ بهِ مفادها زوجته، ليسَ كلُّ النـاس كبعضهم، لطالمـا كرهَ الخادمات خصوصًا بعد تلك الليلة، ولم يكُن ليُحضر خادمةً إلا لأجلِ غزل التي أصرّت، وهاهي وحدها تُنقذه ، هاهي وحدها فقط !!
اقتربَ من بابِ غرفتهِ وملامحه تتصلّب أكثر بقسوة، لا تلوميني الآن على أيِّ شيء! على أيّ تصرفٍ تجاهـك، لم أتوقّع أبدًا أن تري وجهي الذي لم أردهِ أبدًا طيلةَ حياتِنا معًا . . لكنّك وحدكِ من استدعاه ، وحدكِ يا ابنةَ أبيكِ . .
ابتسمَ بسخريةٍ لأفكـاره، هه! ابنةُ أبيها، وسيعاملها كما يجبُ وكما تستحقْ.
وقفَ أمام الباب ليُخرج المفتـاح من جيبهِ ويدخلهُ في القفلِ ويفتحه، سمعَ شهقةً واضحةً من خلفِ الباب الذي كانت غزل تستندُ عليهِ بظهرها وقد غفَت عيناها لتنهضَ بذعرٍ من صوتِ الباب، قفزَت واقفةً في اللحظةِ التي حرّك فيها المقبضَ ودفعَ الباب، رمقها ببرودٍ سـاخرٍ من أسفلِها إلى أعلاها، وتوقّفت عينـاه عند نظراتِها المهتزّة بتوجّسها وخوفها، عيناها المحمرّتان ووجهها المُنتفخِ لبُكائها الذي طـال . . ابتسمَ باستخفاف، بينما كانت هي تقبضُ كفيها المتعانقينِ أسفلَ صدرها، ارتعشَت شفاهُها خوفًا من نظراتِه المتفحّصةِ تلك، اقشعرّ جسدها لتحكّ قدمها اليُسرى بباطِن قدمها اليُمنى في حركةٍ تلقائيةٍ تدلُّ على خوفِها وربكتِها وهي تُخفضُ رأسها للأسفل.
تحرّك سلطان للداخِل أكثر وهو يدفعُ الباب من خلفِه بقدمهِ كي يغلقه، راقبَ نفضتها حين سمعَت صوتَ إطباقهِ الذي ضربَ صدرها بقوّةٍ كي يتكرر صداهُ محمّلًا بخوفُها من خطوتِه الأخرى، رفعَت رأسها برعشةٍ وهي تسمعُ صوتَ المفتـاحِ هذهِ المرّة . . لا ، لا ، لا . . بدأت تلكَ الكلمة تتكرّرُ داخلها وهي تهزّ رأسها بالنفيِ ذعرًا، ترجُوه بنظراتٍ متوسّلةٍ منكسرةٍ أن يتركها، دموعها تعودُ للتدفقِ من مقلتيها وهي تتخيّل صورًا كثيرةً تأتيها متكهّنةً بانتهـائها، هاهوَ اكتشفَ السرّ الأول في النهـار، والليلُ جاء محمّلًا بسرها الآخر ، وإن كـان لم يقتلها للأول فسيقتلها للثانِي . . ماهذا اليومُ يا الله ! هل كُتب انتهاؤها فيه؟ . . لم تكد تنعمُ بتلك السعـادة حتى سقطَت بهذا البؤس! لم تكد تنعمُ بفرحةٍ حتى كُسرَت بحزنٍ والآن بهذا الذعر، خـلقَت والأفـراحُ لا تناسبها، الأفـراح تجلبُ من خلفها المآسي، الأفراح تجرُّ في أذيالها ضحكةَ الغدر.
أصبحَ خوفها ورجاؤها في دموعِها التي كانت تسقُط رويدًا رويدًا، دمعةً دمعة، يقابلها هو بملامحه التي لازالت قاسيـة، بنظراتٍ مستخفّةٍ وهو يسندُ ظهرهِ على البابِ وابتسامتهُ تلتوِي بطريقةٍ أخافتْها أكثر لتسقطَ دونَ شعورٍ جالسـةً على الأرضِ تبكِي دونَ أن تحصر عدد المراتِ التي بكتها هذا اليوم ومنذ تلك الفرحة، الأفراح تجلبُ من خلفها المآسي! ليتني لم أطالب بفرحة ، ليتني لم أطالب بها.
شدّت بقبضتيها فوقَ الأرضِ وصوتُها يشتدُّ في فمها بنحيبٍ مستوجع، لفظَت برجـاءٍ وهي تنظُر للأرضِ بانهزامٍ يعوِي في كلماتها : الله يخليك . . تكفى . . تكفى والله ما كنت أبي هالشيء ، كنت مجبورة والله العظيم مجبورة . . اتــركــنـــي.
رفعَ إحدى حاجبيه دونَ أن يفقدَ بسمتهُ الباردة، وبسخرية : كنتِ مجبورة؟ افـا !! مسكينة والله . .
رفعَت نظراتها إليه بيأسٍ وهي تقرأ السُخريةَ في صوتِه، وبانهزام : وش بتسوي فيني؟ ليه قفّلت الباب؟!!
سلطان بابتسامةٍ قاسية : عشان نحط النقـاط على الحروف.
غزل بتوجسٍ يائسٍ ودموعها تُشاركها اليأس : نحط النقاط على الحروف؟
تحرّك ببرودٍ ليقتربَ منها، حينها انتفضَت ليتحرّك جذعها قيدَ أنملةٍ للخلف، في حينِ انخفضَ سلطان بجسدهِ نحوها حتى جلسَ القرفصـاء أمامها بملامِحه المرعبـة، ليسَ سلطان، هذا الرجُل لا تعرفه، هذا الرجُل ذو الملامح المرعبة لم ترهُ من قبل ولم تضحك معهُ أو تبتسم، لم تبكِي حتى في حضنه!!
أسند مرفقيه على ركبتيه ليسند وجنتيه أخيرًا على كفوفِه، وببرودٍ وهو يتطلّع بملامحها الباكيـة : حاليًا أنتِ بتكونين هالمرة معي .. ماعليه لئيمة بس بنربّيك على السمع والطاعة وبتمثلين قدام أبوك إنك لازلتِ وياه بس أنتِ العكس.
غزل ببهوتٍ وعيناها تتّسعان نظرًا لأحداقه الثابتة بحدقتيها العسليتين : معاك؟!!
سلطان بقسوة : أي ، أجل تظنيني بتركك مثلًا وترجعين له كذا وأنا ما أدري وش اللي كنتوا قاعدين تخططون له من وراي؟
لم تستطِع تصديقَ ما يقُول، بهتَ التفكيرُ في عقلها لكنّ جزءً كبيرًا من الخوفِ انطفأ فيها وهي تهزُّ رأسها بالطاعةِ وتهتفَ بتأكيد : أي أي بكون معك ، بسوي لك أي شيء بس اتركني.
رفعَ حاجبيه بتعجب : وشو؟ أتركك!!! لا لا وش أتركك عيب علي، أنتِ زوجتي ما يصير أتركك بهالبساطة.
غزل بصدمةٍ وأسنانُها تعزفُ برعشتها موسيقى ذعرها مما فهمته : وشو؟!!
سلطان باستخفاف : وش اللي وشو؟ فتّحي عقلك شوي أبي زوجة نبيهة ما أبي مفهيّة!!
غزل بضعفٍ وأنفاسها تغادرها، تتوسّل إليه ببكاءِ عينيها وبحّة صوتها : بتطلّقني صح؟!
جعّد ملامحه وكأنّه يتفكّر بكلمتها تلك، يستخفُّ بها بشكلٍ واضحٍ جعلها تنهارُ ويسقُط آخرُ ثباتها حينَ وصلَت إليها الإجابـة بوضوح، شدّت قبضتيها فوقَ الأرضِ وشعرها الطويل ينسدلُ مغطّيًا جوانبَ وجهها، مغطّيًا انتهـاءها، لا يُمكن، لا يُعقل! جنونٌ أن يبقيها زوجتـه، جنونٌ أن تبقى بقُربه.
انتفضَت بانهزامٍ وهي تشعُر بكفّيْه تُلامسان شعرها ليبعدهما عن جوانِب وجهها ويرفعَ رأسها إليه ببرود، نظرَت لملامحهِ برعبٍ وهي تحاول التحرّك وإطلاقِ سراح وجهها من لمسةِ كفيه اللتين أحرقتاها بحرارتهما، تشعر أنّه أذابَ كلّ شيءٍ فيها حينَ أدركَت أنّها انتهَت، كل شيءٍ بسببه، بسبب والدها، كل سقوطٍ في حياتِها هو السبب، ستنتهي يومًا فوقَ نعشِ الحيـاة لأنّها ظفرت بأبٍ خـان عهدهُ بتلكَ الكلمـة، ستنتهي يومًا ويزيّن قبرها بضريحِ البؤس . . شعرَت بأناملها تمسحُ دموعها وصوتُه يخرجُ ساخرًا إلى أذنها مستخفًا بهذا البُكـاء : هه ! الله يصبّرني على غلطتي لأنّه شكلي عوّدتك على هالدموع.
غزل برجـاءٍ تتجاهلُ كلماته : لا تسوِي فيني كذا! لا تطيّحك من عيني!
سلطان بحقدٍ وزاويةُ فمهِ ترتفعُ بتقرفٍ واضح : بستحقر نفسي إذا كنت بكون شيء في عيُون الحقيرات أمثالك!
غزل تبتلعُ ألمها، لن تهتمّ للإهانـات، لن تهتمّ لكلماتِه، لن تهتمّ لشيءٍ سوى النجـاة! حرامٌ أن يسحبُوا منها حبل النجـاة وتغرق، لمَ لا تفوزُ بحياةٍ ترتـاح بها؟ لمَ لا يريدُون لها الراحـة أبدًا؟ يكفِيها من كلِّ البؤسِ أبيها، لا تأتِ الآن يا سلطان وتمحُو صورتك الأم، صورتكَ الأنقى، لا تُصبح بؤسًا وجلدًا آخر حتى مع خطئِي، لم أكُن أُريد كلّ هذا ، أقسمُ لم أكن أريد كل هذا.
لم يستطِع صوتُها التعبير عن كلّ تلك التبريرات، لم تستطِع سوى التركيز على نقطةٍ واحدة، على معنى أنّه لن يتركها! لفظَت برجـاءٍ ودموعها تسقطُ على كفوفِه : تكفى سلطان لا تسوي فيني كذا ، أنا آسفة على كل شيء، آسفة على كل شيء كان غصب عني ، بس اتركني! الله يخليك اتركني.
ابتسمَ بقسوةٍ لا تليقُ بهِ وهو يُمرر أناملهُ أسفل عينيها ويتلقّى دموعها بأطرافِ أصابعه، حدّق في عينيها بحدةٍ وهو يهتفُ بنبرةٍ باردة : دخُول الحمـام مو زيّ خروجه يا غزل.
غزل وصوتُها يرتفعُ انفعالًا : كان اتفاقنا تطلّقني بعد سنة.
سلطان بحدةٍ يشدُّ على أسنانه وكفيه تشاركانه في الشدّ على وجهها : وأنا غيّرت رأيي ومحيت هالاتفاق من بالِي ، عندك مانع؟!
غزل بألمٍ تقوّس شفتيها وصوتُها لازال مرتفعًا بنبرته : أكيد عندي مانع ، أكيد عندي . . أنا ماني لعبة لك !!
عضّ شفتهُ وملامحهُ تقتربُ من ملامحها لافظًا بوعيد : خفّضي صوتِك ، لا يرتفع علي أقطع لسانك !
طُرقَ في تلكَ اللحظـة الباب، كانت سالِي تقفُ خلفهُ بعد أن أحضرَت كوب القهوةِ التي طلبها، أخفضَ سلطان كفيْه عن ملامحها ليُدير رأسه ويهتف بجمود : حطيه بالصالـة يا سالي.
لم يأتِه صوتُ سالي التي عقدَت حاجبيها وكادت تتذمّر لولا أنّها تذكّرت حالته اليوم وعطفَت عليه، ابتعدَت خطواتها عنهما لتنزل، في حين استدارَ سلطان إلى غزل ببرودٍ ليُمسكَ بعضديها وينهضَ وهو يوقفها معهُ ورعشتها تصلُه جيدًا، لفظَ بجمودٍ لا مُبالي : امسحي دمُوعك وقومي صلّي الصلوات اللي فاتتك أكيد ما صليتي لا العصر ولا المغرب، ومن اليوم تنقلين أغراضِك لهالغرفة لأنّك زوجتي وما ينفع كل واحد فينا بعيد عن الثاني.
ارتفعَت نظراتها الباهتةُ إليه ووجنتيها ممتلئتين بالدموع، ابتسمَ بقسوةٍ وهو يردفُ مستشعرًا انفعالاتِها التي كانت تتضاعفُ بعد ما قالَه : ليه هالنظرة الخايفة يا حلوة؟ لا تخافين ماني مثل أبوك ماراح أضربك ولا بأذيك.
غزل برعشة : ليه تسوي فيني كذا؟ تعاقبني؟ عاقبني بالضرب، بأي شيء بس ماهو كذا!!
سلطان ببرود : أنا أعاقب في حدُود حقوقي وبس! الضرب ماهو من حقِي أبد بس * نظرَ إليها من الأعلى إلى الأسفل بسخرية * غيره يحق لي.
اقشعرّ جسدها من نظراتِه الجريئةِ لتضمّ نفسها بذراعيه وهي تنشجُ بذعرٍ من تلك الفكرة، هتفَت برعشة : نظراتك تقُول إنك تكرهني، تقرف مني !!
سلطان ببرود : وهو ذا !
غزل برعشةٍ تتفاقم وصوتُها يخرج إليه غيرَ متزن : ودك تقرب مني وأنت تكرهني؟ منت بهالحقارة يا سلطان! منت بهالحقارة اللي تخليك تستغل بنت بتتركها بأي لحظة!
ضحكَ بسخريةٍ وهو يرفعُ كفّه ويقيّد خصلةً من شعرها في يدهِ مداعبًا لها بعبث : أتركها؟ تتوقعين للحين إني بطلقك؟ لا يا غزل لا عاد تحلمين بهالشيء أنتِ صرتي مقيّدة فيني وما بتركك إلا على موتي ، مو أنا اللي تستغفلينه وتكملين حياتِك! كل شيء بثمته ، وثمن اللي سويتيه حياتِك.
أغمضَت عينيها ودموعها تثقُل أكثر ساقطةً تشقُّ وجنتها الجافـة ولا تُسعفها ببللٍ من شدّةِ ملوحتها، أنّت بكلماتٍ منهزمةٍ واهنـة وكتفيها يتهدّلانِ انكسارًا : تبي تقمع حياتِي معك وأنت كارهني؟ حرام عليك ، حرام عليك تعيش مع إنسانة تشمئز منها بس عناد وانتقام!!
سلطان باستخفافٍ وهو يُديرُ خصلةَ شعرها حولَ سبابته : مو بس أقمع حياتِك، اللي بسويه فيك أعمق، أعمق من هالبراءة اللي كنت شايفها فيك طول الفترة اللي راحت واكتشفت زيفها! أعمق من غدرِك، من تلاعبك واستخفافِك فيني . . أنتِ يطلع منك كل هالحقارة؟ . . * أمال فمه بابتسامةِ استحقار * وبالنسبة للاشمئزاز . .
انتهَت كلمـاته، واحترقَت وجنتها بملمسِ أناملهِ التي مررها على نعومةِ بشرتها، احترقَ صوتُها في شهقة، وتلاشى الأكسجين حين شعرت بشفاهِه تلتحمُ بشفتيها في قبلةٍ قاسيـة، قبلةٍ جاءتها الآن كأعنفِ صفعةٍ لم تجئها منهُ بعد . . اتّسعت أحداقها وساقيها تذوبـان، كـادت تسقط، لكنّه كان قد أحـاط خصرها بإحدى ذراعيه ليلصقها بِه، وكفّه الأخرى لازالت تلامسُ وجنتها . . تحترق! تحترقُ وكل الدنيا في عينيها الآن عدَم، تحترقُ وكل ما تراهُ الآن أمامها هو ضريحها الباسـم، تحترق والانتهـاء غلّفها في تاريخِ هذا اليوم، تحترقُ والصورةُ الملوّثة بألوانِ العتمةِ تتلاشى بنارِ قُبلتهِ الأولى ، قبلتهِ التي كان المفترضُ بها ألّا تجيء أبدًا، وهاهي تجيئها كعقـابٍ تشاركَ في حرارةِ جسدهِ الملتصقةِ بهِ الآن، خلاياهُ تثورانِ بحممٍ استشعرتها وكان الغدرُ وحدهُ هو الكافِي لإيقاظِ بركانِه الخامل . . فعلتها! فعلتها وأنهضَت السلطانَ الآخر فيه، فعلتها وأنهضَت الوجه الآخر لحيـاةٍ لم تُردها، حياةٍ يخبرها بشفتيه الآن أنّها بدأت وهي من رسمَ فصولها.
كانت ترتعشَ أكثر وهي تشعرُ بهِ يضمّها إلى جسدهِ بقوّةٍ آلمتها وكأنّه يطفئُ قهرهُ فيها، فقدَت القدرةَ على المقاومةِ وهي تتركُ لعينيها الإنطفـاء، تتركُ لدموعها السقوط . . كفّه انتقلَت مبتعدةً عن وجنتِها ليتخلخلَ شعرها أخيرًا ويأسِر رأسها من الخلفِ مثبّتًا لهُ عن أيّ مقاومةٍ قد تقومُ بها، لكنها لم تستطِع! لم تستطِع حتى المقـاومة !!
ابتعدَ عنها لتشهقَ طالبـةً الهواءَ الذي فقدته، شدّ بكفِه على رأسها ليُعيدهُ للخلفِ قليلًا ويرفعهُ حتى تواجههُ بعينيها المُغمضتين وأنفاسها المُتلاحقة، رطّب شفتيهِ بلسانِه ليهمسَ بصوتٍ باردٍ حطّمَ كلّ ما قد يكون تبقّى فيها حتى بعدَ قبلته : أقدر أتجاوزه ، احنـا البشر نقدر نتكيّف مع أمور كثيرة ومنها الاشمئزاز عشان نعيش وبس!
لم تستطِع النظرَ إليه، كانت تُريد الصد، تُريد إدارَةَ وجهها عنهُ حتى لا تُقابل ملامحهُ ما إن تفتحَ عينيها، لكنّه كان يثبّت ملامحها نحوه، يعذّبها أكثر لتدرك أنّ الواقف أمامها لم يعُد هو . . ليسَ سلطان! هذا الرجُل ليسَ سلطان الذي كان حنانُه يتدفّقُ نحوها، ليسَ سلطان الذي بكَت مراتٍ على صدره حتى هدأ حُزنها، ليسَ سلطان الذي وعدها بسعادةٍ وصدَق، ليسَ سلطان الذي وعدها مرةً بعدمِ إيذائها.
قلت لي لن تؤذيَني، مهما حدَث!! لن تكُون ضمنَ قائمةِ من يؤذونني.
اهتزّت أهدابُها المُثقلةِ بالدمُوع، شهقَ صوتُها شهقةَ ألمٍ لترتفعَ أجفانُها وتنظُرَ نحوه بعذاب، أرادت رؤيـة ملامحهِ هو، ملامحه التي لامستها مرّةً، أرادَت رؤيةَ حنانِ عينيه الذي كان يُغرقها بِه، أرادَت رؤيـة ابتسامتهِ التي تبتسمُ لها رغمًا عنها، أرادَت سلطان! لكنّها لم تجِد سوى ملامحَ أخرى قاسيَة، لم تجد سوى نظراتٍ محتقرة، لم تجد سوى ابتسامةٍ مستخفّةٍ بانكسـارها وحزنها الآن.
همسَت بضعفٍ ورعشةُ شفاهِها تلطُم كلماتِها لترتعشَ أيضًا : وعدتني ما تأذيني لو أيش ما صار !!!
أمـال رأسهُ قليلًا وهو يبتسمُ بسخريـة، كانت تدرك أنّه قد يكتشف! كانت تدركُ أنّ ما تفعلهُ خاطئ، كانت تدرك أنها تؤذيه! لذا طلبَت منه ذاك الوعد، لذا أرادت سماعهُ يقولها، قـال لها سابقًا ( أوعدك بكُون آخر إنسان ممكن يأذيك، هذا إذا كنت من قائمة اللي بيضرونك أساسًا! ) . . يا حقارتك! سيظلُّ يكررها بغيظ، سيظلُّ يكررها بقهرِ الأيـام التي كانت تتلاعبُ فيها بهِ وهو لم يُدرك هذا التلاعب والخداع !!
شدّ جسدها إليه أكثر مُستشعرًا حرارتهُ وارتعاشه، ابتسمَ ببرودٍ وهو يمررُ كفّه على شعرها ويلفظَ بهدوءٍ باسِم : متى آذيتك؟ لازلت عند وعدي.
غزل بغصّةٍ وهي تهزُّ رأسها نفيًا ما إن شعرَت بحرّيتهِ من كفه : أنت تأذيني بأكبر طريقة ، بأقواها يا سلطان !!
سلطان بجديّةٍ حـادة : انتهَى الموضوع ، مالك حق تناقشيني في أي شيء لأنّك اللي رسم فصول حياتنا الجايـة وأنا قاعد أثبّتها وبس.
غزل بألم : منت سلطان !!
سلطان يضحكُ بسخرية : ذبحتي سلطان اللي المفترض يعيشْ معاك.
غزل برجاء : اضربني قطّعني سوّى فيني أي شيء الا ذا! ماراح أعارضك على شيء لو تدوسني بعد! بس اتركني ، تكفى اتركني.
دفعَها عنهُ وهو يرمقها بتقزّزٍ واحتقـارٍ نمى في صوتِه أكثر : شخصيتك مقرفة ، كميّة التذلل اللي فيك تلوّع الكبد!!
زمّ شفتيهِ ليردف بصوتٍ زلزلَ كلّ مافِيها وبترَ الراحـة التي يمكن أن تبقى في حياتِها القادمـة : الموضوع انتهى ، أنا ماراح أذلّك ولا بأذيك بشيء ، بعاملك بما يُرضي الله وبتكونين معزّزة مكرّمة في بيتك وماراح ينقصك شيء.
شدّت على أسنانِها تبكِي وكل شيءٍ أمامها يتلوّن بالأسودِ ويتلاشى، نظرَت لهُ بضعفٍ وانكسـار، تريد أن ترجُوه أكثر، لا يهمها شيءٌ بحجمِ الخلاص! لا يهمّها شيءٌ بحجم ما تريد الخروجَ من حياتِه.
رمقَها باحتقـارٍ وهو يتحرّك حتى يمضي، وقبل خروجهِ كان قد لفظَ بسخرية : ولا تشيلين هم إني بعيش مع وحدة أقرف منها أو إني بعد بقمع حياتِي ويّاك ، لو شِفت إني محتاج حياة أنظف بتزوّج محد بيحدني عن هالشيء يعني في كل الأحـوال ماني خاسِر شيء . . أنتِ الخاسرة لأنّك فكرتي تتلاعبين بالشخص الغلط!!
وخرج! وكأنّ لا عاصـفة اندلعَت هنا، كأنّه لم يخلّد نارهُ هنا وفي شفتيها تحديدًا، كأنّه لم يُرِها معنى عدمِ إصرارها على رفضِ ما يريد والدها . . أخبرها الآن بوضوحٍ أنّ والدها كان صادقًا، لم يكذب حين قـال " احذريه قبل لا تحذريني "!! . .

يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-01-16, 03:17 AM   المشاركة رقم: 660
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




،


تُغمضُ عينيها وهي تستمعُ لتأفأفِ خبيرةِ التجميل بغيظٍ أمامها، ابتسمَت بغيظٍ في المقابلِ وهي تهتفُ بشراسة : إذا طفشانة فكّيني منك بلاه التأفف ذا!!
نظرَت إليها بقهرٍ وهي تكادُ تصرخُ في وجهها، لكنّ أرجوان كانت قد تدخّلت لافظةً بامتعاض : جيهاااااان والنهاية معك!!!
جيهان تفتحُ عينيه بحدةٍ لتصرخَ الشابة التي أمامها حيثُ كانت ترسمُ الكُحل على جفنها العلوي في تلك اللحظَة فأفسدت كل شيءٍ بفتحها عينيها دونَ مبالاة، لفظَت بغضب : مرة ثانية وثالثة ورابعة !! أنتِ عروووووس بالله!!!!
تجاهلت كلماتها وهي تبتسمُ بسخريةٍ وتنظرَ نحو أرجوان : مافيه نهاية ، أبد!! قايلة لكم أبي ميك أب خفيف وش له هالقناع الحين؟!!
أرجوان بغيظٍ تكتّف يديها وهي تكاد تنفجرُ فكيف بتلك الشابة؟ : احنا لو نسمع لك بتدخلين القاعة حالك حال كل الموجودين ماراح نسمّيك عروس! اعتقد ودّك تلبسين أسود بعد صح؟
جيهان باستياءٍ تُغمضُ عينيها وتلكَ تمسحُ ما أُفسدَ لها : أي والله ودي لو أنه أسود بس وش السواة؟ حظي شين يا حسرتي.
أرجوان : يا صبر أيــوووووب.
جيهان بوقاحة : وأنتِ بسرعة كملي شغلك ملّيت.
خبيرة التجميل بنفادِ صبر : حسبي الله ونعم الوكييييل!!
جيهان بحدة : لا تتحسبين جعلك البرص.
تأفأفت الشابة التي فقدَت صبرها المعتادة عليه، صمتت تكمل عملها بينما هزّت أرجوان رأسها دونَ فائدةٍ تُرجى منها وهي تدعو الله أن يمدّ تلكَ بصبرٍ كافٍ حتى تنتهي.


،


اقتربَت السـاعةُ المنتظَرة، كانتا تستعدّانِ للنزولِ من السيـارةِ بعد أن أوصلهما سيف، تجلسُ هي في الأمـامِ وأمّها في الخلفِ، تحرّكت ام فواز مبتسمةً شاكرةً له : مشكور يا وليدي ما تقصّر.
سيف بابتسامة : بالخدمة.
نزلَت وديمـا تمدُّ يدها للبـابِ حتى تتبعها، لكنّ يدَ سيف كانت قد امتدّت إلى كفها ليعانقها بكفّه، تجمّدت مكانها وهي تعقدُ حاجبيها باستنكـار، أدارَت رأسها إليه في حينِ كان هو يحرّك إبهامهُ فوقَ بشرتِها يتحسّس نعومتها وهو يهمسُ برقّة : خسارة ما شفت زينتك اليوم.
حاولَت سحبَ يدها وهي ترفعُ إحدى حاجبيها بجفـاء : مو لازم.
سيف بابتسامةٍ وهو يُديرُ رأسهُ إليها وأناملُ كفّه الأخرى تطرُق على المقودِ برتابـة : مزاجي اليوم زين فلا تحاولين.
أمالت ديما رأسها : ماشاء الله يعني أنا اللي أخرّب مزاجيتك دايم!
سيف بنبرةٍ تحملُ عواطِف كثيرة أربكَت مركبَ جمودها وبرودُها : أنتِ اللي تضبّطينه.
توتّرت وهي تزدردُ ريقها وتُشتت عينيها عنه، صوتُه حين يجيءُ إليها هامسًا متغزلًا يكُون بحلّةٍ لا تُقاوَم، غضبَت لتلك الأفكـار فلم تشعر بنفسها إلا وهي تلفظُ بحدة : قهوة إن شاء الله والا منظر؟
ضحكَ حين سمعَ نبرةَ الغيظِ في صوتِها : أنتِ قهوتِي وصباحِي ومنظر ورد وبستان . . هالشيء ما يكفي عشان أروّق؟
ديما بربكةٍ تغلّفها بنبرتِها النزقَة : يا سخفك.
سيف بنبرةٍ " رائقة " بشكلٍ غريبٍ اليوم : أكيد بتشوفين كل شيء سخيف دامك تناظرين نفسك بالمرآية كل يوم ، شلون أجل وأنتِ متزيّنة؟!
رفعَت حاجبيها بتعجبٍ وهي تفغرُ فمها، لم يرى ردّة فعلها تلكَ لكنّها بالفعلِ كانت تستنكرُ هذا المزاجَ الصافِي اليوم . . شعرَت بالقهرِ رغمًا عنها، ليسَ الأمرُ بيدهِ حتى يكون هو صافِي الذهنِ بينما هي متعرقلةُ المزاجِ دائمًا وبسببهِ هو! بسببهِ فقط!!
عضّت شفتها المتلوّنة باحمرارٍ قانٍ لتتنفّس بحنقٍ وتلفظَ معترضةً على حبوره : أنت شارب شيء والا شلون؟
رفعَ كفّها بابتسامةٍ ليُلامسها بشفتيهِ ويستنشقَ رائحةَ المسكِ من بشرتها، رفرفَت قبلةٌ ناعمةٌ فوقَ خلايا جلدها، حينَها ذابَ الغضب، انسدلَت أجفانُها المتشنّجة واسترخَت رغمًا عنها، استرخى كلّ ما فيها حتى كلماتُها التي كانت تشحذها وتشدّها كي تصوّبها إليه حادةً كافيةً لجرحِ هذا المزاج، غضبها انطفأ فجأةً وهي تشعُرُ بملمسِ شفاهِه ترفرفُ على بشرتها بقُبلاتٍ ناعمةٍ كلمسةِ الفراش، يا لقدرتِه الفذّة على إطفـاء كلّ غضبٍ تجاهه! يا لقدرتِه على إثبـاتِ تأثيره، وكم يجرحها ذلك! يجرحها أنّه لازال يستطيعُ بقدرتِه أن يستميل الجانبَ الذي يحبّه فيها، بينما هي حتى في دموعها لم تكُن تستطِيع ذلك! حتى في دموعها لم تكُن تستطيع دفعهُ ليقول " أحبّك " كما ينبعي! وحتى الآن لم تستطِع.
شعرت بغصّةٍ ككلِّ مرةٍ يشعرها فيه بهذا الحُزن، ككلِّ مرةٍ تطوف بعقلها نحوَ الألآمِ التي يزرعها في صدرِها منه، ككلِّ مرةٍ يغرسُ في قلبها نصلَ الحُب المسمومِ ولا تستطِيع هي الانتقـام لذاتِها.
سحبَت يدها ببطءٍ منهُ ورعشتها وصلت إلى شفتيه، أفلتها بإرادتِه وهو ينظُر لملامحها بلطف، وبصوتٍ هامسٍ هتف : أنتظرِك الليلة ترى ماراح أنام لين أشوف كشختك.
صدّت عنهُ بضعفٍ وهي تقبضُ يدها، فتحَت الباب لتندفعَ مبتعدةً عنه وعن تأثيرِه، بينما بقيَ هو يتابعها ببسمةٍ وروحهُ تندفعُ إليها، تشدّهُ بحبائلِها مهما فقدَت الشعور بذلك.


،


تقفُ أمـام المرآةِ وهي تُمسكُ بقلادتِها حتى ترتدِيها وتضعَ لمساتِها الأخيـرة، كانت ترتدي فستانًا فيروزيّ اللونِ يلتفُّ حول جسدها النحيلَ بجاذبية، ولم يكُن ينقصها سوى تزيين نحرها بلمعةِ قلادتها . . كانت تستعدُّ لإغلاقِ قفلهِ وهي تُخفضُ رأسها بتلقائيةٍ حينَ شعرت بملمسِ كفّهِ على يدِها، رفعَت رأسها مباشرةً لتُقابلهُ بعينيها المُزيّنتين بالكحلِ والظلال، رمقتهُ بعتبٍ بينما كان هو قد أبعد يدها وتلقّف القلادة حتى يُغلقها بنفسِه، وما إن وجّه نظراتهُ الباسمةَ إلى عينيها عن طريقِ المرآةِ حتى عقدَ حاجبيه قليلًا وخفتت ابتسامتُه : افا! ليه العيون الحلوة عتبانة علي؟
صدّت بعينيها عنهُ وهي تُلامسُ بأناملها مؤخرةَ عنقها، وبهدوءٍ عاتب : ولا شيء.
انحنى إليها قليلًا ليقبّل مؤخرةَ عنقها ويهمسَ بعد قبلته تلك دونَ أن يبتعد : عشاني ما خليتك تكونين مع أهلك من بداية هاليوم؟
أسيل تُميلُ فمها وهي تستشعرُ أنفاسهُ الحارّة على بشرتها الرقيقة : يعني عارف غلطتك.
شاهين يرفعُ رأسه ويحيطُ خصرها بذراعيه : بغيت أشوفك وأتأمّل إبداع الله في ملامحك، حرام؟
أسيل بغيظ : يمديك تشوفني بعد ما أرجع بس تبي تسوي حركات مالها داعي.
ضحكَ وهو يعانقها ويسندُ ذقنهُ على كتفِها، رائحةُ عطرها تغلغلت أكسجينه وشاركت رئتهُ هواءها، وحرارةُ جسدها تجعلُ جسده يتوازنُ بحرارتِه، تُغادره البرودةُ رغمًا عنهُ حين يتدفّأ بها غطاءها يقيهِ بردَ الشتـاء، همسَ برقّة : صح ، كنت أكذب ما كان ودي أشوفك بس ، بغيت أعيذك بالله من عيُون الخلايق وأنفث دعاي على حُسن ملامحك.
عضّت شفتها السُفلى وصمتت بعد أن هزمها بكلماتِه ككلِّ مرة، قبلَ كتفها واستنشقَ عطرها مرةً أخرى مضيّعًا حاجتهُ للأكسجين الذي اندثَر أمـام عظمتها، تأمّل ملامحها الخجولة من المرآةِ وانعكاسُ صورتها يروي النظراتِ ويبترُ رغبةَ الصدْ، ابتسمَ ليُردفَ بمداعبة : أنتِ كلّش حلوة، تشبهين الشِّعر.
ضحكَت بخجلٍ وهي تُشتت عينيها وتعانقُ كفيه على بطنِها بيديها : اللي ما تعرف له.
شاهين بمداعبة : أصير لك نزار عشان أعرف أصفصف أبيات تناسب عيونك عيب ما أعرف أكتب لك والله!


،


وقفَت بعنـادٍ وفستانها يُثقلها، كانت تُحادثُ أرجوان بصوتٍ أقربَ للصراخِ وهي تشدُّ على عباءتها التي كانت تغلّف بياضَ فستانِها عن العيُون، الدليلُ الوحيد على كونِها عروسًا هو حجمُها أسفلَ العباءة، مكياجها الذي أظهرها بجاذبيةٍ وأضافَ إليها نعومةً لا تتوافقُ مع حدّة صوتِها الآن، لفظَت بغضبٍ وهي تشدُّ على الهاتف : لا ، قلت لاااا ، عندك أحد ممكن يجيني غيره؟ أي كلب بس فواز لا.
أرجوان باستياء : أي كلب؟ لا حووووول ماهو في النهاية أنتِ بتكونين معاه أصلًا ؟
جيهان بغيظ : بس ماودي أروح ويّاه للقاعـة.
أرجوان برجاء : تكفين جوج بلييييز عن العنـاد الحين.
جيهان بقهر : طيب كلّمتي خالي ذيـاب؟!
أرجوان بضيق : كلّمته ، وقـال بعَد مشغول مع الرجـاجيل.
جيهان : أجل بجلس بمكاني ما ودي بزواج وطقطقة أصلًا وجات من الله.
تأفأفت أرجـوان بصبرٍ وهي تتمنى في هذهِ اللحظـة لو أنّها لم تتركها وتذهب للقـاعةِ حتى تُشرف على كلِّ شيء وتطمئن للتحضيراتِ بنفسها .. المُشكلة أنّها لا تريد الذهاب مع والدها أصلًا!! ولا تريد الذهاب مع سائقٍ لوحدها! ما الحـل إذن مع معضلتها هذِه؟
هتفَت من بينِ أسنانها بغيظ : جيجي ترى جدتي قاعدة ومتحمّسة متى تجين عشان تدخل عندك قبل الزفـة، أسيل وديما وهديل وكل البنات وصلوا من بدرِي بعد ومتلهفين يشوفونك! ماهو حرام عليك تكسرين لهفتهم كذا؟!
لم ترقّ ملامحها وهي تشتت أحداقها بقهر، وبنبرةٍ شرسـةٍ كان تواري من خلفها الكثيرَ من الألـم : ليه رحتي وخليتيني أنتِ أصلًا!! سخيفة وحمارة وما منّك فايدة . . أصلًا كلكم لازم تزعجوني فيه! كلكم لازم توقفون بصفه وكأنّه ولدكم وأنا الغريبة عنكم.
لفظَت كلماتها تلكَ بغضبٍ كان دلالـة انهيـارها أخيرًا، كـادت تبكِي في تلك اللحظـة، كادَت دموعها تتساقط، لكنّها قاومَت ضعفها، قاومَت انهزامها حتى لا يظهر له، لن تجعله يحفلُ بانهزامها، لن تجعله !!!
ابتلعَت ريقها بغصة بينمـا كانت أرجوان من الجهةِ الأخرى قد أُلجمَت بكلماتِها تلك ونبرتها، كادَت تتحدّث إلا أنّ جيهان قاطعتها بحدّة : خلاص خلّيه يجي وبوريه شلون يفكّر يكون قُربي أصلًا.
أنهَت كلمـاتها تلكْ بأن أغلقَت ساحقةً أيّ صوتٍ قد يخرجُ من حنجرتها، في حينِ تنهّدت أرجوان بعجزٍ وهي تضعُ كفّها على جبينها ، " الله يستر من هالليلة ، الله يستر من هالليلة !! ".


،


سيارتهُ تقفُ منتظرةً لهـا، كان يرتدِي حلّة العريس، ثوبهُ الأبيضًُ وغترته، والبشت الأسود الذي كان ينسدلُ عليه فيُظهرهُ بصورةٍ رجوليةٍ جذّابـة . . يضربُ بأنامله على المقودِ وهو ينتظرُ ظلّها أن يجيئه، يدرك بأنّ صوتها سيندفعُ إليها بعد لحظـاتٍ صارخةً بحدّةٍ ومُطلقةً شتائِم لا حصـر لها ، ولا بأس! . . سيبتلعُ كلّ ماقد تقول، سيتجاهلـه فلربما انطفـأ غضبها بالكلام . . ابتسمَ بسخرية ، سيكون غبيًّا إن فكّر بذلك! .. لم يعُد لديه سوى الدعـاء فقط، الدعـاء بأن يلهمهُ الله الصبر والقدرة على امتصـاصِ غضبها.
مرّ على وقوفه عشر دقائق، يدرك أنّها تتأخّر عمدًا! لكن لا بأس ، لا بأس!!
ظهرَ ظلّها أخيرًا، واسترخَت نظراته رغمًا عنهُ وهو يعقدُ حاجبيه وينظر لهيئتها التي تفضحُ أنّها عروسٌ اليوم، عروسٌ ليست كغيرها، جميلة! جميلةٌ يكاد يجزم أنّه سيفتنُ بها حتى قبل أن يرى ملامحها . . تنفّس بحشرجةٍ وكلُّ الانفعـال الذي قد يُبديه انطفَأ، بقيَ يراقبها وهي ترفعُ الفستان الأبيضَ قليلًا حتى لا يتّسخ ، وأخيرًا هاهي تتلحّف بالبيـاض له! أخيرًا جاءت الليلةُ التي انتظـرها مهما انقشعَت عنها المشاعـر، جـاء ما كان يحلمُ به، جـاء محملًا بالقمرِ والنجوم، كلّها شاهِدة! كلّها ستوقّع اليومَ على استثناءِ هذهِ اللحظـات.
وقفَت عند السيـارةِ وهو يتابعها، عقدَ حاجبيهِ قليلًا حين رآها تقفُ عند البـاب الخلفي، لم يحتَج لأكثر من ثانيتين حتى يستوعب، بهتَ قليلًا لكن سرعـان ما غادرهُ البهوتُ وهو يُقفل الأبوابَ الخلفيّةَ بحنقٍ من تصرّفها الطفولي.
حاولَت فتحهُ لتجدهُ مغلقًا، حينها تأفأفت لتنظُر باتّجاههِ وترى نظرات الغضبِ على ملامحه، ودّت بتلكَ اللحظـة أن تعانده! لكنّها تحرّكت أخيرًا بشموخٍ لتفتحَ البـاب الأماميَّ وتجلس . . هكذا ببساطة !!
نظرَ فوّاز باتّجاهها بحنق : وش تعني هالحركات؟!
جيهان تلوِي فمها وهي تحرّك كفّها بلا مبـالاة باردة بشكلٍ مستفزّ : أي حركات؟ وبعدين مو وقت النقاش الحين تأخّرنا.
عضّ شفتهُ بغيظٍ وهو يتعوّذ من الشيطـان ويتحرّك . . مرّت دقائقُ صامتـة عدا من صوتِ التأفأف الذي كانت تطلقه كل ثانيتين من فمها وكأنِها تشعر بالضيقِ من تواجدها معه، عضّ شفتهُ وتصرفـاتها الطفوليّة تقوم بمفعولها رغمًا عنه، تستفزّه!!
عـاد ليتعوّذ من الشيطان وهو يبلل شفتيه ويحاولُ إسكـان كلِّ خليةٍ استطاعَت استفزازها فيه . . مضَت دقيقتين قبل أن تتأفأف هذهِ المرّة بصوتٍ عالٍ وهي تلفظُ بوقاحـة : لا حـول وش هالضيق اوووف!!
عقدَ حاجبيه وهو يدير رأسهُ إليها ويضوّق عينيه، لكنّه عـاد لينظر للطريقِ بصمتٍ وهو يقنع عقله بأنّها مجرّد طفلةٍ في هيئة شابة!! لن تستفزّه، لن تستفزّه أبدًا.
لكنّ كل كلماتِه كانت كذِب، استطاعت الاستمرارَ في استفزازه، واستطـاعت ببراعةٍ دفعهُ للفظِ بحدّةٍ في النهاية : وبعديـــن معـــاك أنتِ وهالمبزرة اللي جايبتها لي اليوم !!
رفعَت جيهان إحدى حاجبيها وهي تنظُر نحوه باحتقـار : نعم؟ تكلّمت يا أخ؟!
إلى هنـا وكفى!!! . . استـدارَ إليها بعينينِ غاضبتينِ تشتعلُ نيرانُه فيها، رمقتها برضا لتبتسمَ بانتصـارٍ لم يظهر لهُ ومن ثمّ صدّت عنهُ بغرور، لكنّ نظرتها ماتت فجـأة، اتّسعَت عينـاها بذعرٍ وهي تشهقُ بصوتٍ صارخ : انــــتــــبــــه.
إلا أنّه لم يكُن ليستوعبَ صرختـها بسرعةٍ حتى ينتبهَ في تلكَ اللحظـة ، لم ينتبه . . لم يــنــتـبه !!!


.

.

.

انــتــهــى

للأمـانة البارت اليوم ما أرضاني أبد! حاسة إنّه من أسوأ البارتز اللي كتبتها ، جديًا حاسة إني أنزّله وأنا ما أبي! بس نقُول قراءة ممتعة لكم في كل الأحوال ()

+ موعدنا القادم راح يكون يوم الثلاثاء بإذن الله :$


ودمتم بخير / كَيــدْ !



 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 02:09 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية