كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سوادٌ ليلي، وفترةٌ صباحيـة، أذانٌ يرتفعُ ويُدغدغُ أسماعـه، الصـلاةُ خيرٌ من النوم، الصـلاةُ خيرٌ من النوم . . يردّدُ مع المؤذنِ ورأسه يستكينُ على وسادته، ينتهي الترديدُ ويذكر الله قليلًا ومن ثمَّ يدعوه علّ تلكَ البدايـة تدوم، تدومُ لتغسلَ كلَّ ذنوبِه الماضـية، ليغسل كلَّ ماضٍ وكلَّ أذيـةٍ سابقـة . . يدعو الله أن يجيء ذلك النورُ على حياتِه في صورةِ طفلةٍ كبرَت وبقيَت طفلةً في صدره، اليـومَ قد ينتهي كلُّ شيء، كل الانتظـارِ الماضي، وهذهِ المرة لن يتردّد!
جلسَ حتى تتدلّى ساقيهِ باتّجاهِ الأرضِ التي نظرَ إليها بصمتٍ في الظلام، كادت سهى ترغمه البارحة على اتمـام كل شيءٍ بحجة أنه يجب عليه ألّا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، لكنّه استطاعَ اقناعها بأن يكُون كلُّ شيءٍ اليوم، بأنْ يستعد قليلًا، ويمررَ الأكسجين إلى رئتيه قبل الإنقطـاع الذي سيحدث حين يُحادثُ عبدالله ، كيفَ ستمرُّ الأمـور؟ كيف؟ هل ينتهي كل شيءٍ بأن تُصبح له؟ بأن يمرر أنامله على وجنتيها من جديد؟ يقبل عينيها؟ يُداعب شعرها؟ . . لمَ أنتِ حُلم؟ وأجمل أحلامي! لمَ أنتِ غنـاء؟ وأعذبُ السمفونيات! هل بدأتِ تتحققين لي كحلمٍ اقتربَ في واقعي؟ هل بدأ صوتِك بالبزوغ على مسرحٍ فنّيٍ لن يستحلّه أحدٌ بجمالهِ سواك؟ تخلقينَ وراءكِ ربكةً مجازها أنّكِ شلالٌ يندفعُ بقوةٍ ويسقطَ فوقَ سطحي الراكد! تشتتينني يا نجلاء! بكلِّ عنفوانٍ تشتتيني.
بلل شفاههُ التي ابتسمت بربكـة، أفضـلُ حلٍ أن يتّصل بعبدالله في المساء، لن يُقابله، فهوَ يكاد يجزمُ بأنه سيقيّد عنقه بكفيه ويخنقه إن سمعَ مالم يقُلهُ في المرّة السابقة!
نهضَ ليتّجه للحمام حتى يستعدَّ للصـلاةِ ويذهب للمسجدِ باكرًا طاردًا كل أفكـاره اللذيذة!
،
هدوءٌ سلبيٌ يعمُّ السيارة، رأسها استراحَ على النافـذةِ البـاردة، تنظرُ للأنوارِ المصطفِة في الطريقِ بشرُود، أناملها تداعبُ حقيبتها بتِيه، والأنفـاسُ تفصُل الصمتَ بحركةِ موجاتٍ متوترةٍ بعضَ الشيء.
بجانبها ليـان، على الطرفِ الآخر أرجوان تنظُر للطريق من النافذةِ بشكلٍ مماثِل، هي حتى لم تُسلّم عليها! لم تنطُق ببنتِ شفةٍ والقهـرُ تنامى في صدرها على ملامحِ والدها التي كان ضوؤها يغادرُ بعد صدها، بعد أن تجاهلت كل حديثهِ المشتـاق، كيف تجرّأت وضاعفَت الحُزن لألفْ؟ كيف تقسو؟ أتظن أنها لا تستطيع القسوةَ من الجهةِ الأخرى انتقامًا لوالدها؟ أتظن أنها ستضحك معها وتعانقها متجاهلةً كل خيبةٍ وألمٍ تزرعها في صدره؟ هيهات! هيهات والله يا " جوج"!
توقّفت السيـارة أمامَ بيتهم الذي يطوفُ من حولهِ الظـلام، الوحدة، لا تزورهُ سوى الرِيح، بيتهم الذي اشتاقت، اشتاقت حدَّ الوجع!
نظَرت لهُ بعينين تلتمعانِ شوقًا لكلِّ مافيه، لغرفتها، لحديقتهم، للأشجار والزهور التي كانت تعتني بها وتسقيها في كلِّ يوم، لهذا المنزل الذي سقاهم سنينَ بالسعـادة، لتنكسِر في النهايةِ بخطأٍ من أمها! . . . فغَرت فمها تكتمُ آهةً صامتـة، تدعو الله لها بالرحمـة والغفران. تحرّكت كفها لتفتحَ الباب بعد أن نزل والدها الذي كان يجلس في الأمـامِ ومعهُ فواز، كادت أن تترجّل عن السيارةِ لولَا كفُّ جيهان التي أمسكَت بيدها، حينها استدارت إليها بجفاءٍ ظهر من عينيها وبينهم تسكُن ليـان التي انتظرت نزول إحداهما حتى تنزل من خلفهم، لفظَت جيهان بغصّة : أبي أسلم عليك! ما عطيتيني فرصة وأنا أشوفك تتجاهليني!
ارتفعَ حاجبها بصمتٍ وهي تشعر بالغيظِ من بساطتها بعد الجرح الذي خلّفتهُ في صدر أبيها، شدّت كفها لتسحبها بقوّةٍ وقسوة، ومن ثمَّ استدارَت لتترجّل عن السيـارةِ وهي تلفظُ بصوتٍ بارد : يلا ليـان
تحرّكت ليـان من خلفها والنُعاس يعاود السيطرة على أجفـانها، في حين بقيَت جيهان في مكانها والجفـولُ والجفاف ينعقدانِ في ملامحها، ترتعشُ شفاهها بألمٍ لتزمّهما وتُغمض عينيها وهي تُعيدُ ظهرها للخلف، تسندهُ على ظهرِ المقعد، سامحةً لآهاتها التي كانت تحبسها بالخروج في صورةِ آهةٍ وحيدةٍ عميقةٍ مجروحةٍ للنخـاح، تمسّدُ كل الأوجـاعِ ولا تتلاشى.
لمَ فعلت ما فعلت؟ لمَ نفرت؟ وكلُّ مافيها يُريده، يحتاجه، لكنّها تعصِي رغباتها واحتياجاتها، تعصِي كلَّ السعـادة السابقة لمجيئهم، إصراها على فواز ليجيء بها معه حتى تراهم! حتى تعانقَ هذا البُعد وتُسكن كل شوقٍ ولوعةٍ في صدرها، فلمَ تراجعَت في النهاية؟ لمَ؟
وجدَت نفسها تعضُّ على شفتِها، تشدُّ على أجفانها فوق حدقتيها، تتحشرجُ أنفاسها وتنفلتُ دمعةٌ وأخرى من زوايا عينيها المُطبقـة، تحتاجـه، تحتاجـه! فلمَ تفعل بنفسها هذا؟!!
مضَى الوقتُ سريعًا، وانكسَرت الدقائقُ في ظرفِ ثلاثٍ إلى خمس، سمعَت صوتَ البابِ الأمامـي يُفتح، ليدخل فوّاز بغضبٍ وعنفٍ هزّ السيـارة ويغلق البابَ بشدةٍ افزعتها، صارخًا : وما تنزلين بعد!! جالسة بروحك في السيـارة وأنا اللي ظنيتك ورانا؟!! كل هذا مكابر وغرور ياجيهان؟ حتى السقف ما تبينه واحد فوقكم؟!!!
أردفَ صارخًا بعنفٍ وغضبٍ أقوى وعيناه تكاد تخرجُ من محجريها باحمرارهما الغاضب : انزلي واركبي قدام
بللت شفتيها دونَ رد، فتحَت الباب بصمتٍ وقد كانت تجلس خلفِه ونظراته تتعلّق بها في المرآة، استدارَت حول السيارةِ من الأمـامِ حتى وصلت وفتحَت الباب ودخلت، وما إن أغلقَت البـاب حتى تحرّكت السيـارة بعنفٍ احتجّت عليه إطارات السيارة ولسانهُ ينطلقُ بقهرٍ وهو يشدُّ على المقودِ وموجاتُ صوتِه تهزُّ أوتـار صمتها : أصريتي تجين وأنا اللي قلت لك لا! تتبوسمين على أساس فرحانة بس من جينا بدا هالغرور يرجع يعصِى ويتمرد! حسبي الله على إبليسك ، حسبي الله على إبليسك وعصيانِك!!
،
السمـاءُ بدأت الزرقةُ تغتالُ سوادها، تجلسُ على سريرها والسُجـادةُ تفترشُ الأرض أمامها، تشعر بالصداعِ يداهم عقلها بقضيّةِ نُعـاس، أزعجـها سلطان قبل ذهابه للمسجد وبقيَ يطرق الباب بمشاكسةٍ حتى صرخَت غاضبـةً ليضحكَ ويذهب وهو يوصيها بنبرةٍ ضاحكةٍ أن تصلي ومن ثم تنام من جديد، تجاهلته وحاولت النوم، لكنّهُ طارَ فوقَ جنـاحِ ازعاجاتهِ لها لتتأفأف وتنهضَ متّجهةً للحمـام، والآن هاهي تجلس برأسٍ يكاد ينفجر، لم تصلي بعد، وجسدها يرغب بالإرتمـاءِ للخلفِ والعودة للنوم متجاهلةً كلَّ شيء.
بدأ رأسها يثقل أكثر، تكـاد تسقطُ للخلفِ لا محـالة وذراعيها المعانقتانِ لرداءِ الصلاة ترتخيـان، حان منها تراجعٌ طفيفٌ للخلفِ حين هزمها الخمول لكنَّ طرقةً رقيقةً على الباب جمّدت جسدها وجعلتها تفغر شفتيها وتعقدُ حاجبيها وتنظر للبـاب بخمول.
سلطان بابتسامةٍ من خلف البـاب : نمتي والا للحين صاحية؟بفطّرك برى.
شعَرت بالحقد تجاهه، بينما فتحَ الباب هذهِ المرة ونظر لهيئتها الخاملة وهي تنظر إليه لتتّسع ابتسامته، وبرقة : تقبل الله
بقيَت تنظر لهُ بجمودٍ للحظـات، بعينين كسولتـان وملامحَ ساكنـة تزورها ربكةٌ لذكرى من البارحـة، ذكرى جعلتها تتنحنحُ بتوترٍ وتُشيحُ برأسها عنهُ وهي تهمسُ بصوتٍ مشدود : باقي ما صليت
رفعَ حاجبيهِ ومعهما معصمهُ حتى ينظر للسـاعة، وبهدوءٍ ونظراته لم ترتفعْ إليها بل بقيَت تترقّب حركة العقـارب : أجل صلي شوي وتشرق الشمس
هزّت رأسها بالإيجاب بتوترٍ وهي تُريد خروجهُ بسرعة، يداهمها شعورٍ بأنها عاريةٌ أمامه بعد كلِّ ما اكتشفهُ عنها! بعد انسـلاخِ تلكَ الدروعِ التي حاصرت نفسها بها، يداهمها شعورٌ مُهلكٌ بأنّ صوته ورائحـة عطره القوي كدروعٍ أخرى، أقوى وأشد من سابقها! بأنّه أمــانٌ آخر! وهذا الشعور تخافه وبشدة.
سمعَت صوتَ خطواتهِ تقترب، حينها انتفضَت بقوةٍ ووقفَت دونَ أن تنظر إليه وهي تشدُّ على رداءِ الصلاة، وقفَ بجانبها مباشرةً وأمسكَ بكتفيها وهو يبتسم، وبخفوتٍ وهو ينظر لموضعِ السُجـادة : لمّا تصلين ، بين كل فرض والثاني بدّلي موضع السجادة ولو خطوة!
شعَرت بحُمرةٍ تغزوها من حيث لا تحتسب، جسدها اقشعرَّ وتوترَ لكفيْه المعانقتين لكتفيها لتحاول شرخَ تلك الربكةِ باستفسارٍ مرتعش : ليه؟
سلطان بخفوت : لمّا تسجدين الشحنات اللي براسك تتفرّغ بالأرض بقدرة الله سُبحانه ، كل هالشحنـات ممكن تسبب أمراض وصداع شبه دائِم بالراس، فلمّا تتفرغ بالسجود احتمـال تجلس بالأرض لفتـرة، فلو صليتي الفرض الثاني بنفس المكان ممكن ترجع لراسك دامها لهذاك الوقت بقيت بالأرض! عشان كذا بكل مرة غيري مكان صلاتك، حرّكي سجادتك بس شوي عن المكان اللي صليتي فيه قبل.
عقدَت حاجبيها باهتمـامٍ وارتفعَت عيناها بفضولٍ إليه، انتفضَت الربكـةُ عنها لتهمسَ بانشداد : أول مرة أدري بهالشيء.
سلطان يبتسم : ماقد سمعتي بقصّة الرجـال الغير مسلم اللي شاف مسلم يسجد سجود شكر في إحدى المطارات الأجنبية؟ فرح وقرب منه وبعد ما رفع المسلم راسه سأله إذا كان عندك نفس مرضي! اللي علاجه هالحركة؟ فقال له المسلم إنه يسجد ومافيه مرض! وهالشيء موجود عندنا في ديننا . . سبحان الله شوفي عظمة ديننا! كل شيء فيه علاج . . كثير أندية حول العـالم تخلّي الشخص قبل لا يبدأ أي تمرين يسوي تمرين يرفع يده بمحاذاة أكتافه أو أذآنه، يركع، يسجد، يجلس جلسة الشهـادة، يسلم ، هالتمارين عرفوا انها مفيدة للجسم، بس ما عرفوا إنها أساسًا موجودة بعقيدتنا. الله ما فرض شيء عبث! ولا خلق شيء عبث . . * ابتسم بمشاكسة * وفي خلقهِ شؤون، شوفيني أنا ما خلقني عبث، جيت مرسول خصيصًا لك عشان أمشيك في السراط المستقيم وأمسك بيدك للجنـة بإذن الله
انقطَعت سلسلة انشداهها بالمعلومـات التي كان يسردها، عقدَت حاجبيها بتجهّمٍ مما قالهُ وضمّت شفاهها بحنقٍ لتلفظَ بصوتٍ ساخر : سبحان الله ، وهالمرسول قاعد يهذر على راسي وبتشرق الشمس على قولته وأنا ماصليت ، أنت شكلك تبيني أطيح من السراط المستقيم للنـار أو أخطي للجنة زاخفة!
ضحك : لا بسم الله عليك إن شاء الله نلتقي في الجنـة وفي فردوسه ونشرب من الكوثر ونكون من اللي يمشون فوق السراط بسرعة البرق ، أنتِ بس صلي السنة وبعدها الفجر ، لا تنسين!
هزّت رأسها بالإيجاب لتجاريه بينما هي في الأسـاس لن تصلي سوى الفرض، تحرّك باتّجـاهِ البابِ وهو يُردف برقة : إذا خلصتي لا تنامين على طول، نجنب نفطر وبعدين نرجع تمام؟
،
ضوءُ الأبجـورةِ يتمرّد بجانبـه، هاهو يُعيد تلكَ الرسـالةَ للمرّة العاشـرةِ ربّما، عينـاه تُضيآن ببسمةٍ مستمتعـة، بمكرٍ وعبثٍ لا يُغادرانه.
( أستاذنا الفاضل تميم ، أول شيء السلام على وجهك الكريم .. ثاني شيء ؛ نقول قصدك من " ست " عرش وملك! إذا تطرّقنا لهالمعنى فنحط في الإعتبـار إن قصدك ينصب على فكرة مكـان يصدر منُه الرأس الكبير " ملك " كل الأوامر، أو نقول المصائب! ما علينـا . . على هالأسـاس فهمت إن اللغز الثاني بيكون توضيح لهالمكان اللي تقصده . . بين الواحد والأربعة! 2 و 3 ، المكان أكيد موقع معروف أو دولة أو مدينة! قلت في البداية شلون أستخرج منه المطلوب؟ ضرب؟ جمع؟ طرح؟ وما طلع معاي غير لملمة الرقمين ، - 32 - ، مفتاح دولة بلجيكا! اللي أنت فيها! . . فهل أصبنا أستاذنا الفاضـل؟ )
.
.
.
يتبــع في الجـزء القـادم يوم الثلاثاء أو قبله () + احتمال أفاجئكم فيه بعد يومين عاد نقول احتمال :$$
شكرًا لعيونكم الحلوة وربي يسعد أرواحكم.
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|