كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
خرجَت من غرفتها ترتدي بيجاما مُرقّطةً ذاتَ كمٍ قصيرٍ وبنطال " برمودا " يصلُ لأسفلَ رُكبتيها، تُجفف شعرها بمنشفةٍ صغيرةٍ ولسانها يُدندنُ أغنيةً بعفويةٍ تامّة وصفـاءٍ يختزلُ الضيقَ في صدرها بل يُمحقهُ لثوانٍ دونَ أن تنتبهَ لذلك .. لرُبّما تبدّلُ أجواء حياتِها أثّر بها قليلًا، اختلاطها بأناسٍ إيجابيين، باسمِين، تكشّر الدنيا في وجههم فيضحكونَ لها .. لا تدري ما السبب، بل هي لم تنتبه حتّى لتبدّل مزاجها هذهِ الأيـام.
ابتسمَ الآخرُ ابتسامةً صغيرةً وهو يُغلقُ التلفـاز، حينها صمتت فجأةً وفتحت عينيها عاقدةً حاجبيها قبل أن تتّسعُ أنظارُها بهِ ويملأ الإحراجُ ملامحها .. بِحَرج : من متى أنت هِنا؟
سلطان يضعُ جهازَ التحكّم بجانبهِ ويهتف بابتسامة : ليه أنا وين رحت؟ كل اللي سوّيته إني نزلت للرسبشن وحاكيتهم بعُطل السخان
ابتسمَت بخجلٍ وهي تقتربُ واضعةً المنشفةَ على كتفيها، لفظَت بخفوتٍ وهي تجلس على ذاتِ الأريكةِ التي يجلسُ عليها صانعةً مسافةً لا بأس بها بينهما : أيه والله زين ما سوّيت ، المويا الباردة ذبحتني والله
سلطان يقف بهدوء : بترتاحين من كل هذا قريب إن شاء الله
استنكَرت حركتَهُ بعد أن وقف، إذا ابتعدَ عنها وجلسَ في أريكةٍ منفردة وكأنّه يمنع أي جلوسٍ لها قُربه، عقدَت حاجبيها وتجاهلت الأمر فهو لا يعنيها في شيء، وتساءلت بهدوء : وش قصدك؟
ابتسمَ وهى يضعُ ساقًا فوق أخرى : بتعرفين قريب
غزل تضمُّ فمهَا للأمامِ قليلًا بدلال، وبتذمر : ماهو من مصلحتك تفتح هالموضوع وبهالطريقة ، فضولي يعني كثرة حنتي
ضحكَ سلطان بخفوت : وأنتِ تتعاملين مع إنسان صبور إلى حدٍ مـا
رفعَت حاجبيها بلؤم : " إلى حدٍ ما " أظن بتفيدني عشان أستغلها
سلطان يرفعُ كتفيه دونَ مبالاة : جربي مع إنك ماراح تآخذين مني شيء
غزل بامتعاض : نشوف
نظرَ إليها مبتسمًا ليُفرّقَ الصمتُ بين صوتيهما لدقائِقَ في حينِ كانت عيناهُ تنظُران لملامحها التي تنطُق براءةً رُغم حدّة جمالها، رغمَ مكُوثِ التيهِ في أحداقها ولربما كانت البراءةُ ملؤها تكمُن في ذاكَ التِيه.
عقدَت حاجبيها قليلًا لنظراتهِ ودون أن تدري تصاعدت الحُمرة لوجنتيها لتُشيحَ وجهها عنهُ وتُشغل عينيها بالنظرِ لجهازِ التّحكم الذي كان بجانبها على الأريكةِ بعد أن رمـاه، حينها تسنّى لهُ الحـالُ ليُدقّقَ في النظرِ إلى ملامِحها بصمت، يتتبّع بعينيه تقاسيمها السمراءَ وكأنّهُ في هذهِ اللحظاتِ بوصلةٌ وهي الشمـال الدافئ، الشمـال الذِي يقُود التائهين في الصحارِي واللّيالِي الباردة. أكمَل عمليةَ التّتبعُ ليصلَ إلى رموشِها الطويلةِ والكثيفة، تُغطِي توهَان أحداقها عن العالِم أجمع، تُعانقُ دموعها كثيرًا ولطالمـا كان يرى منها في البدايةِ عناقًا عنيفًا يمنعها من السقوط، والآن انفكَّ ذاكَ العناق العنيفُ وأصبَح رقيقًا يُطبطبُ على مقلتيها فتبثُّ أحزانها إلى أرضِ وجنتيْها وتسقي جفافها . . عقدَ حاجبيه وأنظارهُ تنجذبُ إلى خصلةٍ سوداءَ متموجةٍ تمرّدَت على شعرها وتسللَت فوقَ عينيها لتُشاركَ رمشَها في تغطيَةِ سفينتِها العسليةِ عنه ... أسنانهُ دُونَ شعورٍ منهُ حكّت بباطِنِ خدّه داخلَ فمِه، أشـاحَ نظراتهُ عنه ليمنعَ نفسه عن المزيد من التحديقِ الذي يرى أنه لا يحقُّ به! زواجهما ليسَ طبيعيًا، وهذه " الليست طبيعية " تُحرِّمُ عليه مثل هذهِ النظـرات، مثل هذا التوتّر الذي أصابهُ أول مرةٍ يومَ كانا في منزلِ والدتِه، في قسم الضيوف، بعد تلكَ الليلةِ التي كَادَ أن يُفتكَ بهما في حادثِ الشاحنةِ الطائشة لولا رحمةُ الله، لازال يتذكّر تلك اللحظةَ بعد أن تجاهلها كليًا وتناساها، بعد أن قالت لهُ " الله يلعنك نتّفت شعري "! وغضبَ منها يومذَاك وصبَّ غضبهُ في حدةِ ملامحه، لكنّه حين انحدرَت عيناهُ نحو أجفانها المتوترةِ خوفًا منهُ في ذلكَ النهارِ ومن ثمَّ انحدرَت لشفاهها المرتعشةِ وجد نفسهُ يبتعدُ عنها ويتركها!! . . . ماهذا الجنونُ يا الله؟! هوَ يمتلكُ الكثيرَ من الثباتِ أمـام أي امرأة، لم يصِل للمرحلةِ التي يتغلبُ فيها جمالٌ على قُدرتِه، ومرّتين توتّرت فيها أنظاره لتبتعدَ عنها لا يعنِي شيء! لا يعني شيئًا إطلاقًا!!
شدَّ على شفتيه وطردَ تلك الأفكَار عنهُ وهو يُعيد نظراتهُ إليها بعد أن غلّفها بالجمُود، اشتدَّ وجههُ نحوها وهو يُقرئ نفسه بأنّ أفكارهُ مجرّد غباء، جنونٌ وقتيٌ والوقتُ بينهما لم يصِل لجعلهِ يتأثّر بها، مضَى على قُربها منهُ أربعةُ أشهرٍ تقريبًا وربما أكثر، والجمـال ليسَ كافيًا حتّى يحرّك من هو مثله، فهي ينقصها الكثير، الكثيرُ جدًا ليُرضيه ويجعله ينجذبُ نحوها.
بلل شفتيه وهو يضوّق عينيه تجاهَ نقطةٍ من الكثيرِ الذي ينقصها، لذا دونَ استعدادٍ منهُ وجدَ نفسه يتطرّق لها ويسألها بهدوءٍ وجمود : كيف عشتي حياتِك؟
غزل رفعَت نظراتها المستغربةِ إليه : شلون؟
سلطان بهدوءٍ تقدّم للأمـامِ قليلًا وأسند مرفقيه على ركبتيه ومن ثم ذقنهُ على كفيه، وبتمهلٍ وضّح مقصده : أقصد البيئة اللي عشتي فيها ، وعشان تفهمين قصدي أكثر * ركّز بنظراته عليها ليُردف بجمود * أنا مستغرب إنك سعودية وجاهلة بالدِين كذا، بالعادة حتى لو لاقيتي شخص ما يصلي بس هو يعرف كيف الصلاة، حتى لو ما يتوضى هو يعرف للوضوء .. أنتِ ما تعرفين شيء فاستنكرت هالنقطة!
ازدردَت ريقها بتوترٍ وهي تشتت حدقتيها عنهُ وقد أربكَها سؤاله ككل مرةٍ ترتبكُ فيها لهذا الموضوع، لكنها أجابت بخفوت : ليه تستنكر؟ عادي وإذا كنت سعودية؟ غصب أعرف لهالأمور؟
سلطان يرفعُ حاجبيه بتعجب : لا بس بيئتك مُسلمة، منتِ في دولة كافرة تتواجد فيها أقلّيات وبالتالي جهل كبير من فئة كبيرة حتى من المسلمين نفسهم! أنا ما أستبعد إن فيه ناس ممكن تكون جاهلة حتى وإن كانت عربية من دولة مسملة 100% بس أبي أفهم كيف كانت بيئتك؟ .. ترى أعرف أبوك من مدة طويلة لأنه صديق عمي المقرب، وبالعادة كنا نصلي مع بعض بالمسجد كثير .. صح قلت لك مرة ما أستبعد إن عائلتِك ما تعرف الصلاة كلهم بس شوفي أبوك يعرف يصلي وصلاة صحيحة! ممكن يكون كل هالشيء كذب قدامنا بس هو في النهاية يعرف!
غزل باضطرابٍ دونَ أن توجّه نظراتِها إليه : يصلّي ، وأمي بعد تصلي.
سلطان بهدوء : وأيش اللي اختلفوا فيه عنك؟
غزل تُجيب بخفوتٍ متألّم : كون الشخص يصلي أو داخل بديانة معيّنة مو بالضرورة يكون متأثّر فيها جد، المسيحي ماهو بالضرورة يكون متقبّل دينه بكل جوارحه، ونفس الشيء عند البوذي واليهودي وحتى المسلمين! كثيرين تراهم يسوّون الشيء كعادة، أو لأن بيئتهم فرضت عليهم هالشيء .. ومثل ما قلت قليل تلاقي سعودي وعربي عمومًا ما يعرف يصلي ، بس السؤال هو يعرف لأنه يحب هالشيء والا لأنها عادة أو شيء انفرض عليه كونه بين مسلمين؟ .. نفس الشيء عندي، انفرضَت علي الصلاة بسببك، والا أنا مثل ما قلت لك ما أحس فيها
صمتَ لبعضِ الوقتِ ولربّما كان تفاجئه سبب سكوتِه، لم يتوقّع أن يكُون تفكيرها بهذا الشكل، بالرغمِ من كل جهلها في أمورٍ مهمة إلا أن تفسيرها جاءَ منطقيًا يُدركهُ جيدًا ويؤمن به، ولم يتوقع لوهلةٍ أن تؤمنَ هي به ... هتفَ بنبرةٍ مشدوهة بعد ثوانٍ : من وين جايبة هالتفكير؟
غزل توجّه نظراتها إليه وتلفظَ بنبرةٍ جازعَة : أنا أقدّس الأديـان، ماني جاهلة بهالشكل، والدين إذا ما اقتنعت فيه مستحيل أفكّر أتعمق فيه وأتعلمه لمجرد إن بيئتي تجبرني، ما أحب أنجبر على شيء خصوصًا إذا كان متعلق بدين! ولأني أعرف عظمة الدين وخصوصًا الإسلام لقيت نفسي أنحرج لأني ما أعرف أصلي أول ما كشفتني، نفس الشيء بأول يوم أخذتني فيه من بيت أبوي، لمّا صليت معك ماقدرت أتحجج بشيء يبعدني عن الصلاة - اللي ما أعرف لها - لأني عارفة إنه شيء غريب الشخص ما يعرف للصلاة وهو ببيئة مسلمة! فحصلت نفسي وقتها أصلي معك كتقليد فقط، أسرق منك الحركات وأقلّدها .. يومتها كرهت نفسي!!
سلطان بذهول : تقدسين الأديـان؟ طيب ماقد فكرتي مرة تتعمقين فيها بدرجة تخليك تعرفين الصلاة شلون؟!!!
غزل تهزُّ رأسها بالنفي : ولا مرّة ، ويمكن أساسًا لأن المواقف اللي انحطيت فيها بشكل يجبرني أصلي مع الناس شبه معدومة فما فكّرت ، وما أظن كنت بفكّر * ابتسَمت وهي تقرأ الذهول في عينيه * ترى مهما بان علي جاهلة وما كملت تعليمي الجامعي أنا وحدة كانت تحب القراءة الذاتية، وكثير أقرأ إن الدين إحساس الشخص بالسعادة والراحة وأنا ما حسيت بهالشيء تجاه شيء أجهله! فطبيعي تشوف فيني هالتناقض مع إني ما أشوفه كذا
أطبقَ الصمتُ على فمهِ للحظاتٍ وهو يقطِّبُ جبينه، لكنّهُ عاد ليسألها من جديدٍ وهو يقدم جسده للأمـام أكثر : طيب كيف البيئة اللي عشتي فيها؟ مع إني أوافقك بكل اللي قلتيه بس ماني مقتنع إن عيشتك هنا ما حطتك بمواقف كثيرة تخليك فيها تصلين قدام الناس غصب
غزل تبتسم بأسى : مين قالك إني كنت أساسًا عايشة بالسعُودية؟ ترى أغلب حياتي كانت بالتنقل ببين الدوَل وعيشتي هنا بالأسابيع والشهور بس .. * أردفَت بابتسامةِ سخريةٍ ونبرةٍ لاذعة * وعشان أوضح لك أكثر ليه أنا جاهلة بالإسلام والصلاة مع إن امي وأبوي يعرفون وش هي الصلاة ترى هم ما عرفوا وش يعني بنتهم! ما اهتموا لشيء يخصني بالمعنى الصحيح
تغضّن وجههُ بحنقٍ وهو يُشيحُ بملامحه عنها ويزفُر، لا يتعجّب! فمن كانت ابنةُ أحمَد لا يُستنكرُ ضياعُها بهذا الشكلِ أخلاقيًا حدَّ أن لسانها مُرِّغَ في القذارَة، هل يوجدُ عائلةٌ بهذا الشكل؟ لطالما قال بأن الأب والأم فطرتهم العنايـة بأولادهم والخوف عليهم، لكنّه اكتشف مع غزل بأن لكل قاعدةٍ شوَاذ، وليست كل عائلةٍ كالأخـرى.
وجّه نظراتهُ إليها وهو يُحاول ترقيقَ ملامحه، وبهدوءٍ ظاهريٍ ابتسم : طيب نقطة بصالحنا إنك تعرفين وش يعني الدين وتقدسينه ، وإن شاء الله الباقي علي، راح أخليك تحبين هالشيء وتبعدين فكرة الإجبـار ذي ، أنتِ عطيتيني الضوء الأخضـر والا؟
صمت لبرهةٍ قبل أن تهزَّ رأسها بالإيجاب، حينها اتّسعت ابتسامتهُ وهو يحوّر الموضوعَ بعيدًا عن هذا المجـال : على طاري الدراسة، قلتِ مرة إنك تركتيها بعد الثانوية
غزل بهدوء : أيه ، ماني من حقين الدراسة
سلطان : عاد بهالزمن الشهادة الجامعية شيء أساسي بالحيـاة
حرّكت كفّها في الهواء دونَ مبالاة : مو بالنسبة لي ، أهم شيء أعرف أكتب وأقرأ وأحكي كم لغَة وكفاية! أقرأ بيني وبين نفسي عن مليون تعليم غثيث
سلطان تجاهَل كلّ كلماتها ورؤيتها الضيّقة للتعليم ليُركّز بنقطةٍ واحدة، بنبرةٍ مُهتمة : تحكين كم لغة!! ليه أنتِ تعرفين غير العربية؟
غزل ترفعُ إحدى حاجبيها : طبعًا ، والا بس التعلم في المدارس ترى السفر يعلّم بعد ... خذها مني قاعدة الاستماع أول أساسيات تعلّم أي لغة والا ما كنت عرفت تحكي لهجتك الحين من كنت صغير ... كان عندك ورقة وقلم وواحد يدرّسك؟؟
سلطان ضحكَ رغمًا عنه على انفعالها : هههههههههههههههههه طيب شفيك أكلتيني بقشوري؟ ما قلت شيء والله
أطبقَت شفتيها بإحراجٍ حين انتبهَت لنفسها وحشرت كفيها بين فخذيها بقليلٍ من الخجل، ليُردف بابتسامةٍ أظهرت صفَّ أسنانه : تحكين انجليزي؟
غزل تبلل شفتيها دونَ أن تغيّر وضعيتها، وبنبرةٍ بِها بعض التحدي : ?What do you think
سلطان يضحكُ ويرفعُ كفيه مستسلمًا : لا جد جد اليوم هزمتيني ، دامنا بيوم الصدمَات احكي لي بعد وش تعرفين من لغات؟
غزل تبتسمُ ونشوةٌ تُدغدها للإطراءِ الذي تسمعهُ في نبرتِه : هو الإنجليزي اللي أتقنها بقيّة اللغات نقول شوي شوي ، مثل الفرنسية والتركية هذي يبيلي شوي وأضبط وضعي فيها ، ?What about you
سلطان يرفعُ حاجبًا بلؤم : تبين تتفاخرين قدامي والا كيف؟ ترى عادي أغلب العالم صارت تتعلّم انقلش من صغرها بعد بهالزمن
غزل بامتعاضٍ حكّت عنقها : طيب شفيك خلني أكمل احساسي بالعظمَة والا قاعد تتهرّب من سؤالي؟
سلطان : هههههههههههههههه لا كله ولا نتهرّب من أسئلة الغزال العظيم ، بس على فكرة يحق لك هالشعور دامك متعلمة كم لغة وأنتِ ما عندك غير شهادة ثانوية .. عمومًا أحكي انقلش أكيد وفرنسيَة بينما غلبتيني بالتركي
عضّت شفتها وهي تبتسمُ بخجل : ترى مو مرة
سلطان : هههههههههههههه مسرع ما استحيتي وين راح التفاخر اللي من شوي بعظمتِك؟
غزل تهتفُ بامتنانٍ دونَ أن تفقد ابتسامتها : شُكرًا
سلطان بابتسامة : على؟
غزل : لأنّك حسستني بهالشعور ، مو بالعادة أحد يزرع فيني هالفرحـة بأي إطراء ، دفعت فيني شويّة ثقة
سلطان بخفوت : وليه شويّة ثقة؟ منتِ واثقة من نفسك؟!!
صمتت ولم تردْ، بينما تغاضَى هو عن هذا الموضوعِ لوقتٍ آخر يكُون مناسبًا أكثر، وقفَ واتّجه إليها مُحطمًا المسافـة القليلةَ بينهما، وهذهِ المرةِ جلسَ بجانبها لكنَّ مسافةً لا بأس بها تفصُل بينهما، وبهدوءٍ ونظراتها تتّجه إليه : قلت لك من قبل إنك جميلة، والحين بضيف على الجمال بناءً على حواري معك اليوم إن فيك جانب مُثقف ولو إني ما عرفت حجمه للحين ، لكن هالاثنين كافيين عشان تثقين بنفسك
تهدّلت أجفانها وأسدلتها على عينيها بصمت، في حين ابتسمَ ليُردف : عمومًا مو هذا موضوعي الحين ، أعطيني ايميلك عشاني برسل لك شيء فيه
رفعَت نظراتٍ متسائلةٍ إليه : وشو؟
سلطان بابتسامة : قلتِ إنك قارئة كفاية عشان تعرفين عظمة الأديان ، بس واضح إنك تآخذين الموضوع بالمُجمل ما تعمقتي كثير، فاليوم برسل لك قبل لا أنام مجموعة فيديوهات نقول ممكن تخليك تعرفين العظمة الكاملة للصلاة بعد الله، واحتمال أرسلها لِك بالواتس بعد بس أفضل يكون بإيميلك ، وأبيك تشوفين الفيديوهات وتسمعينها كاملة ، ومو أي كلام! إذا كنتِ تقدّسين الدين فاسمعي الحكِي اللي فيه كامل عشان تعرفين قدسيته كاملة
،
في الصبـاحِ الباكِر
قعدَت على السريرِ بعد أن نهضت وهي تفرُك عينيها ونسيمُ الصباحِ الباردِ كمنَ في رائحةِ عطرهِ الذي غلّف الغرفـة، عقدَت حاجبيها قليلًا وهي تنظر إليه، يقفُ أمامَ المرآةِ يُعدّل " نسفة " شماغهِ بعد أن وضعَ العطرَ على الكومدينة ولم ينتبه إلى استيقاظها بعد، توجّهت نظراتُها لساعةِ الحائطِ ليزدادَ انعقادُ حاجبيها وهي ترى عناقَ عقارب الساعة للسادسةِ والنصف، ودُونَ شعورٍ لفظَت ببهوتٍ وهي تُعيد توجيه نظراتها إليه : الساعة ستة ونص وما صحيتني؟ وماشاء الله متجهّز وخالص وواضح بتداوم وتخليني بعد!!
استدارَ إليها سيف متفاجئًا لنهوضها، عقدَ حاجبيه وهو يتناولَ الكبكَ ويرتديه، وبهدوءٍ يوافقُ هدوءَ الصبَاح : وش مصحيك؟
ديما تُزيحُ اللحافَ عنها وتقف، بقهر : ليه ما صحيتني؟!
سيفَ بذاتِ الهدوءِ وهو يرتدي الكبكَ الآخر : بعد ليه ما صحيتك؟ أكيد ما أبيك تداومين
شدّت على أسنانها بحدّةٍ وعينيها تتّسعان قليلًا، وبعدوانيةٍ باردَة وهو ترفعُ إحدى حاجبيها : مو بكيفك
سيف : لا بكيفي عشان بعد كذا ساعة تتّصلين علي تبكين و * يقلد نبرتها الراجية * سيف تكفى بسرعة بطني يعورني خذني للمستشفى
شعَرت بالقهرِ وشدّت شفتيها من سُخريتِه، تحرّكت باتّجاهِ الحمـام وهي تهتفُ بصوتٍ عالٍ بعضَ الشيءِ تتجاهلُ أمره : عشر دقايق وبكون جاهزة
شدَّ سيف على أسنانهِ بغضبٍ ليلفظ بحدة : ديما ، عن العنـاد من هالصُبح ، قلتلك منتِ مداومة يعني منتِ مداومة ، إذا منتِ مهتمة لحملك خليني أهتم له أنا شوي
استدارَت إليهِ وهي تضعُ كفيها على خصرها ونطقَت بعنفٍ طفوليٍ وهي تجعّدُ ملامحها وتضوق عينيها : نعـــــــم!!! تهتم فيه شوي؟ ليه على أي أساس!
سيف بتحدي : ولدي
لوَت فمها بسخريةٍ باردة وهي تلفظ : أنا امه وابوه
سيف بسخرية : أجل أنا ولده وما دريت؟ * أردفَ بغضب * عن المبزرة وارجعي نامي
ضربَت قدمها بالأرض بقوةٍ وهي تهتف بعناد : ما أبي
سيف يزفرُ بقلة صبر : لا حوووول ، يا الله صبرني على تقلبات هرموناتها لين ما تولد بالسلامة
ديما بعناد تتجاهل كلامه : بداوم
سيف بغضبٍ اشتدَّ وهو يرفعُ اصبعًا بتحذير : ولا كلمة ثانية! بطّلي عناد وانثبري
ديما بقهر : بداوم
سيف بحدة : وبعدين!
ديما : بداوم
عضَّ شفتهُ بغضبٍ لتتحرّك قدماهُ باتّجاهها، حينها نظرَت إليه برعبٍ إلا أنها أخفت رعبها خلفَ ستارةٍ رقيقة وبقيَت ثابتةً في مكانها تنظرُ إليهِ بحقدٍ باردٍ مستفز، وقفَ أمامها مباشرةً وهو يرفعُ إحدى حاجبيه، وبخفوتٍ مُحذر : طيب ، لك اللي تبينه ، وإذا اتّصلتي علي بعد كم ساعة عشان آخذك المستشفى اعرفي إنك لو لحستي الأرض ما جيتك
قال كلمَاتهُ تلكَ ومن ثمّ استدارَ عنها ليتّجه نحوَ البابِ حتى يخرج، بينما رفعَت هي ذقنها بانتصارٍ وابتسامةٌ باردةٌ ترتسم على شفتيها، وما إن رأته يفتحُ البابَ حتى انطلقَ لسانها ليلفظَ ببرود : لا تتعّب حالك لو صار لي شيء بطلب من أحد غيرك ياخذني للمستشفى ، الفرّاش على سبيل المثـال
شدّ على مقبضِ البابَ واستفزازها ينجحُ في الوصُول لما يُريد، إلا أنه لم يستدِرَ إليها وهو يردُّ بنبرةٍ حادةٍ محذّرة : أذبـحـك !
ليخرجَ ويُغلقَ الباب من خلفهِ لتعضَّ هي شفتها السُفلى بغيظ.
،
في بروكسيل
أغلقَت البابَ بعد أن خرجَ يُوسف، جزيئاتُ البردِ تتخلخل عظامها وتُرعِشُها، لا تدرِي إن كانَ من التكييف أم أنّ الثلجَ يقطُنُ في جسدها بعد أن شلّها الشتـاءُ عن الصيفِ والدفء. رفعَت كفّيها إلى فمها ونفخَت من أنفاسها الدافئة عليهما، ثمّ فركتهما ببعضهما لتتّجه نحوَ جهازِ التحكمِ بتكييف الصالـة وتُغلقه بالرغم من كونِه لم يكُن مرتفعًا.
عادَت لغرفتها وقد قررت أن تأخذ لها حمامًا دافئًا يُعيد حياةَ الدفءِ في جسدها، بينما كانت ليان في هذهِ اللحظاتِ نائمةً وقد غادرها المرض، لازالت تذكُر كيفَ أن والدها قد عادَ البارحة بعد خروجهِ بنصفِ ساعةٍ تقريبًا أو ساعةً إلا ربعًا .. وجههُ كان مقلوبًا رأسًا على عقبٍ بدرجةٍ أفزعتها وطرأ في عقلها أن ذاكَ الشاب كما كان فظًا معها كان مع والدها، ولربما بصورةٍ أكبر! اتّجهَت لسؤالهِ عمّا حدثَ ليُخبرها بجمودٍ أنه التقى بأخِ الفتـاة، وسلّمه الحقيبة بعد أن اعتذرَ منه الشابُ لسوء ظنه، فقط! قصةٌ لا تدري لمَ لم تقتنِع بها، لكنّها رأت فيها تباعدًا عن ملامحِ والدها، ودونَ شعورٍ منها بقيَت تشتم ذلك الرجلَ بقهرٍ وهي تتخيّل أنه آذى والدها بكلمةٍ ما كما كان معها.
زفَرت بحنقٍ وهي تتناولُ روبَ الحمامِ المُعلّق، ثم اتجهَت للحمـام وهي تحاولُ طردَ صوتِه المُزعِج وكلماته الأشد إزعاجًا عن عقلها.
يتبــع ..
|