كان أصحاب محل التحف يقيمون فى نفس المسكن فوق المحل, فى بيت مبنى من الحجر و بعد أن ألقت إيفون نظرة على محتويات المحل اشترت صحناً قديماً من الفضة لأمها, و وقفت قليلاً تتحدث مع أصحاب المحل, و أكتشفت أنهم دخلوا حديثاً فى مجال صناعة المشروبات, و اشترت زجاجة من أحدث منتجاتهم لـ ريك.
عادت إلى بيبرز فى وقت متأخر من فترة ما بعد الظهر و هى تستنشق رائحة العشب. و تمتع عينيها بمناظر الريف البديعة.
لم يكن ريك قد وصل بعد عندما ذهبت إلى غرفيتهما و استلقت فوق السرير لتستريح بعض الوقت, و غلبها النوم.
عندما استيقظت وجدته راقداً بجوارها.
تمتمت:
ـ أوهـ.....لقد عدت.
ـ همممم......و أنت فاتنة, حتى فى أثناء نومك.
ابتسمت إيفون و هى ناعسة وسألته و هى تسند رأسها فوق صدره:
ـ هل ذبحتهم مرة أخرى؟ كانت اصابعها تعبث بازرار قميصه .
قال لها بوجوم:
ـ أخشى أن أقول نعم.
ـ لايبدو أنك سعيد لذلك.
ـ لا, لست سعيداً.
قال ذلك بين فترة تقبيل جبينها و الربت على شعرها خلف أذنيها:
ـ لقد أحبونى بدرجة كبيرة, و قد قرروا إقامة حفل عشاء الليلة تكريماً لىّ. لم أستطيع فى الواقه العثور على أى حجة للتهرب منهم.
التوت شفتا إيفون و لكنها قالت بجدية كالعادة:
ـ هذه ضريبة الشهرة.
ـ أنت ايضاً مدعوة لحضور العشاء, هل يزعجك ذلك كثيراً؟
ـ أوه.....حسناً, أعتقد أنه لابد للانسان أن يأكل.
أمسكها و هو يركز النظر إلى عينيها و قال:
ـ أنت تسخرين منى.
قال ذلك موجها لها الاتهام, و لقد كانت تلك هى الحقيقة, فعلى الرغم من أنها كانت تخفى رأسها فى كتفه, إلا أنه أحس باهتزاز جسمها.
سألها بمرارة بعد لحظة:
ـ هل أنا ذلك البهلوان؟
ـ لا.....أنت فى الوقت الحاضر أجمل و أفضل محاضر, و عالم جغرافيا و بارون هذا كل ما فى الأمر, لات غير شعرة من رأسك.
قالت ذلك بلهجة الناصح, و رفعت وجهها نحوه و هى لا تزال تضحك برقة.
حبس ريك أنفاسه و قال:
ـ و أنت........أوهـ, اللعنة!
قال ذلك بغيظ و هو يستلقى فوق الوسائد.
قالت بصوت هامس و قد رفت على شفتيها ابتسامة جديدة:
ـ ماذا الآن؟
ـ لم يعد أمامنا سوى نصف ساعة, هذا و الموضوع!
ـ نصف ساعة الآن, و لكن أمامان الليل بأكمله, لا ينبغى التعجل فى مثل هذه الأمور.
قال لها بخبث و فى عينيه بريق شيطانى:
ـ لا يا ماما.
قالت إيفون:
ـ ربما كان ينبغى لنا أن نأخذ حماماً.
ـ حتى أكثر رخات الدش برودة لا تستطيع أن تخمد بعض الرغبات التى تثيرنها فىّ.
ـ هل أستطيع أن أخذ حمامى أولاً؟
ـ أوهـ, أعتقد ذلك يا مس باترسون.
تركها برهة ثم أمسك بها مرة ثانية و قبلها قبلة حارة:
ـ تستطيعين الذهاب الآن.
فكرت إيفون فى أثناء ارتدئها ثيابها استعداداً لحفل العشاء, كيف تختلف هذه السهرة عن السهرة الأخيرة, كيف اشتركا فى الوقوف أمام مرآة الحمام و كيف أغلق لها ريك سوستة ثوبها الحريرى, و كيف وقف يراقبها و هى تقف أمام منضدة الزينة تضع فى أنيها قرطاً ذهبياً تحف به اللآلئ الصغيرة, ثم و هى تضع ساعتها ى يدها. و فى آخر لمسة من استعدادتها تنثر بعض العطر على قاعدة عنقها.
قالت إيفون و هى تستدير نحوه:
ـ كفى.......
تخلل ريك شعره بأصابعه و اعتدل فى وقفته, و كان يميل بجسمه مستنداً على باب الحمام يرتدى الجاكيت الأنيق فوق قميص بدون ياقة و كان شعره يحتاج إلى تقصير, و فكرت فى أنه بحاجة إلى ملابس أكثر مراعاة للأصول.
قالت إيفون:
ـ أ....هل قلت شئ؟
ـ كان يبدو أنك تريدين ذلك, كما لو أنك أوشكت أن تفتشى على أذنى!
ابتسمت إيفون ابتسامة مرة و قالت:
ـ أنا آسفة.
قال ريك برقة:
ـ تعالى هنا.
تحركت نحوه و لكنه لم يمسك سوى يدها و قال :
ـ هل يسوءكـ أننى واحد من أولئك الأشخاص غير المنظمين كلية؟
انفرجت شفتاها فى دهشة و هى تفكر, فيما إذ كان باستططاعته قراءة أفكارها. و قالت بعد تردد برهة قصيرة:
ـ لا.
ـ قولى إن كان هذا رأيك و سوف أحاول إصلاح أخطائى.
ـ ريك. هذا حوار غريب ذلك الذى تبدؤه الآن!
ـ منذ هذه اللحظة فصاعداً, سوف أبدأ فى تعليق ثيابى!
ـ هل نذهب الآن؟ لقد تأخرنا عشر دقائق بالفعل.
تفرس فى عينيها, و كانت عيناه قاتمتين بشكل غريب لحظة سريعة . ثم ظهرت عليهما ابتسامة بطيئة و قال :
ـ لا بأس, سوف نترك الحديث فى هذا الموضوع الآن.
ثم قال بلهجة بطيئة:
ـ ما الذى يقولونه عن تجاذب الأضداد؟
عبرت الحيرة وجه إيفون و قالت بصوت فيه بحة:
ـ لست متأكدة, ما الذى يقولونه؟
منتديات ليلاس
هز ريك كتفيه و تخلى عن قبضته على يدها و قال:
ـ إن ذلك محتمل بدرجة كبيرة, و أنهم فى بعض الأحيان يشبعون حاجة كامنة فى كل واحد منهما, تذكرى ذلك.
ـ ريك.....
أخذت نفساً عميقاً:
ـ .....لا تفعل .........
إلا أنه لف ذراعه حولها و قال:
ـ أبقى بجوارى الليلة. سوف أشعر بوحشة شديدة من غيرك, و هل تفعلين شيئاً أخر؟
تفرست فيه و قالت:
ـ مـــــــــــــاذا؟
ـ ابتسمى لىّ الآن, لىّ وحدى.
ارتعدت شفتاها, ثم ابتسمت و أغمضت عينيها لحظة وجيزة و هو يحتضنها بقوة. ثم تركها و هو يبتسم ابتسامة ملتوية و قال :
ـ آسف أن كنت قد أفسدت زينتك.
قالت له مبهورة الأنفاس:
ـ لا أظن أنك فعلت ذلك.
لكنه فعل ذلك بدرجة كبيرة فيما بعد.
كان عشاءاً لطيفاً و استطاعت إيفون الصمود حتى نهاية الحفل, بحكم خبرتها فى مجال الدعاية و الإعلان, و إذا كان عقلها قد شرد فأن احداً لم ينتبه لذلك غيرها, و كان من الصعب عليها وضع اسم بسبب ذلك الشرود, ثم أدركت أنه نبع مما قاله ريك عن الاختلافات القائمة بينهما, و كان ذلك عندما أخشوشن شرودها و تحول إلى فكر واضح, فكرت: هل يمكن ان يحدث ذلك؟ و لكن كيف يمكن حدوثه فنحن مختلفان من نواحة كثيرة, المغفلون وحدهم هم الذين يؤمنون بأن الحب يقهر كل شئ. و هو ما يعنى......أوهـ, و لكن لماذا تكونين عمياء يا إيفون؟ ألم تتعلمى شيئاً؟
تحركت المجموعة إلى الشرفة لتناول القهوة, حيث طرأ على خاطرها اكتشاف آخر على الرغم من كل الجهود الطيبة التى قام بها ريك, فقد كان مفترقاً عنها, و لكنه لم يكن يبدو كذلك - من ناحية المظهر الخارجى على الأقل – و هو يجلس بين سيدتين جذابتين يضحك و يتحدث. و لكن على حين كانت تراقبه كان باستطاعتها أن ترى أعجاب السيدتين و حيويتهما الزائدة و هما تنظران إليه. و كيفية علاج ريك للموقف فى هدوء. منتديات ليلاس و أحست إيفون بموجة غيرة تجتاحها حتى أعماق نفسها. رشفت قهوتها و فكرت: إذن فنفس الشئ يحدث لىّ مرة أخرى, و لكننى لن أبقى فى هذه المرة حتى النهاية القصوة. ليلة أخرى......ذلك كل ما سوف أسمح به لنفسى, ليلة واحدة أخرى .
ـ أعطهم بنساً!
قفزت إيفون و هى تنظر إلى عينى ريك الخضراوين الغريبتين و قالت:
ـ أوهـ أنا.....كان ذهنى يسرح بعيداً.
ـ هذا ما لاحظته, سوف اعتذر لننصرف الآن, أعتقد أننا أدينا واجبنا, هل أنت قادمة؟
ـ نعم............نعم.
قالتها بطريقة مشوشة, و وضعت فنجانها على المائدة و وقفت. لقد كان ساحراً و لطيفاً, إلا أنه أصم اذنيه أمام كل الاحتجاجات بأن الليل لا يزال فى أوله و قال:
ـ شكراً جزيلً لكم جميعاً. و لكننى فى حاجة إلى النوم بالفعل .
و عندما بدا على رئيس المجموعة أنه يريد أن يلقى حديثاً بادره ريك بضحكة قصيرة و تمتم:
ـ كان هذا من دواعى سرورى حقاً, يكفى أن تتصل بىّ إذا أحتجت إلى المزيد من المعلومات, و سوف يسعدنى أن أقدم المساعدة للجميع!
ثم لوح لهم بيده و جذب إيفون من الشرفة إلى الحديقة, ثم دار حول ركن المبنى ليختفيا عن الانظار, و عندئذ احتواها بين ذراعيه و قبلها قبلة سريعة و قال:
ـ لنبتعد عن هذا المكان.
قطعا الطريق الأطول حول المبنى و سارا فى الحديقة الشرقية. ثم وقفا ليستمتعا بمنظر القمر.
قالت إيفون و هى تشير إلى الأضواء اللامعة فى السماء :
ـ أوهـ, أنظر إلى تلك الطائرة إنها تسير فى خط طيران عبر القمر.
تمتم ريك :
ـ هكذا أنا أيضاً.
ثم جذبها نحوه برقة ليتواريا فى ظلال شرفة غرفة البحيرة التى كانت مغلقة الآن, و غارقة فى ظلام الليل, و قال بصوت هامس:
ـ هل تعرفين أن فكرة خيالية روادتنى لممارسة الحب معك فوق العشب, من الأفضل أن يكون ذلك تحت ضوء الشمس, و لكن ضوء القمر ليس بديلاً سيئاً.
تنفست بصعوبة و هى تسند ظهرها إلى الحائط بينما بدأ ريك فى تقبيلها من جديد, قالت:
ـ لا, لا نستطيع ذلك!
ـ إذن أخبرينى ما الذى أفعله معك؟
قالت بصوت هامس فى حيرة مذهلة:
ـ أنه كما لو....لم يحدث لىّ ذلك من قبل. كأنما عدت طفلة صغيرة........و أنها المرة الأولى, إننى لا أتوقف عن التفكير .......ما الذى سوف أفعله بنفسى؟ ماذا........كيف حدث هذا؟
ـ هل تسمحين لىّ بأن أخذك إلى غرفتنا, و أمارس الحب معك كما لو أننا كنا هنا؟
لم تجب إيفون و كان ذلك ما فعله ريك تماماً.
لكن فى صباح اليوم التالى كان ريك مستيقظاً عندما فتحت إيفون عينيها و رأى فى عينيها وميض ذكريات العاطفة المشبوبة التى جمعت بينهما فى الليلة الماضية, تنهد و جذبها لكى تزداد اقتراباً منه, و قال:
ـ هل تقبلين الزواج بى؟