كاتب الموضوع :
katy_1989
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 72 - الرداء الأبيض - ساره سيل - دار الكتاب العربى -
*ريــــاح وغيــــوم*
اليوم التالى .. كان يوم الجمعه العظيمه .. ومثل كل سنه يغلق المصنع أبوابه لمدة عشرة أيام .. وتساءلت لورا كيف ستتم هذه العطله فى صحبة آل تريفاين .. كان عليها ان تتقبل الظروف .. ولكن ياللأسف.. بالرغم من كونها غريبه .. كانت تتأثر جديا بمشاكل وقضايا بانسيون .. كما انها كانت تأمل فى المحافظه على مسافه فى العلاقات مع عائلة ابنة عمتها الرهيبه .. لو لم تشعر تجاه دومنيك بعاطفه عميقه حقيقيه !
همست لورا وهى تساعد ميريام فى ترتيب الغسيل فى غرفة صغيره تقع قرب المطبخ : " لم أعد أ عرف شيئا .... "
قالت ميريام بلطف : " ماذا هناك ؟ "
" لا شئ !"
تقلصت لورا اذ كانت على وشك ان تفضح نفسها .. لكن ميريام استقبلت هذا الانقباض بتسامح وقالت : " عندما يكون المرء فى أوج الشباب اليافع يخلق لنفسه المشاكل .. لكن الامور تنجلى فى آخر المطاف .. صدقينى .. عشر مناشف .. دستة وجوه مخدات .. آه نعم يا ابنتى .. هناك دائما حل .. هل تنوى ابنة عمتك البقاء هنا طويلا ؟ "
أجابت لورا وهى تطوى ملاءة : " ستبقى هنا حتى يتم العثور على حل لمشكلة نيكولا .. اما بالنسبة لى .. فأعتقد انه يجب أن أرحل عما قريب .. لم آت الى هنا الا تلبية لطلب كليوباترا وتقديم خدمه صغيره لها ."
" لست فى حاجه الى الرحيل ."
أطل رأس بيرى من الباب المفتوح وأطلق مزحه كريهه .. بينما وصل بالصدفه دومنيك وراءه ولم يكن فى مزاج يقبل المزاح .. فقال وهو يبتعد : " حافظ على هذا النوع من الكلام لأشخاص من طينتك ."
اطلق بيرى صفيرا ساخرا وقال موجها كلامه الى ميريام : " ما الذى أصاب أخى يا ترى ؟ كأن ذبابه قرصته ؟ هل يميل الى لورا الناعمه بالرغم من جاذبية وسحر ابنة عمتها ؟ ان شعوره بالحمايه الأبويه شديدة الحساسيه .. وانا أقول لها هذا الكلام من زمان ."
أكدت ميريام قائله : " دومنيك ورث وحده محبة وحنان وعطف والدته ."
صرخ بها بيرى : " ماذا تقولين ؟ بدأت تنحازين الى صف العدو ؟ "
" هل دومنيك عدو يا بيرى ؟ "
هز كتفيه وقال : " لا ..لا .. انه يثير أعصابى فقط ليس الا ."
كان يشبه ولدا صغيرا مضطرا ان يفصح عن غلطه .. لكنه ما ان لاحظ انزعاج لورا من هذا الحديث حتى استعاد رباطة جأشه وقال : " يا ميريام .. باتت لورا فى صفك واتصور أيضا أنها تكن لسيد المكان عاطفه سريه .. ما رأيك ؟ انظرى ! انظرى انها تحمر خجلا !"
لم تحاول لورا الدفاع عن نفسها من شدة توترها .. فرمقها بنظره حاده قبل ان يخرج الى الحديقه حيث كانت كليوباترا بانتظاره .. واعلن بدون مقدمات بغية احداث صدمه عندها : " أتساءل ما اذا كان السيد الكبير قد وقع فى الحب ."
أجابت كليوباترا على الوتر نفسه : " ولم لا ؟ انا مناسبه له .. نحن نؤلف ثنائيا جميلا .. ما رأيك ؟ "
" لا أعنيك أنت بل ابنة خالك ! "
غضبت كليوباترا.. ففرح بيرى وتابع يقول : " تماما .. لقد حققت الهدف الأول .. أما بالنسبه الى الهدف الثانى ..... فهل لديك نوايا تجاه سيد العائله ؟"
" نعم .. انا تعبت من الحياة غير المستقره وأريد الاستقرار .. من أجلى ومن أجل ابنى .. على اى حال .. لست المستوى المطلوب لتربية الاولاد ..مثل تروى .. وانت كذلك يا بيرى .. لاشك ان هذا السبب الذى ...."
" منعنى من الزواج منك ؟ أنت على حق وأنا معجب بصراحتك .. مع ذلك ليست فكرة الولد وحدها التى منعتنى من ذلك .. فأنا مصر على أن أحافظ على حريتى ."
" لا تخترع قصصا الآن .. لو لم يكن نيكولا .. لتزوجتنى من دون تردد."
" ربما .. لكنك لا تدرى حتى الآن أن هناك من ينافسك !"
" تعنى لورا ؟ لا تتفوه بالحماقات يا بيرى ! ما أراه هو أنها تركت نفسها تنجذب الى بطل أحلام سن المراهقه .. وهذا شئ عابر ."
قهقه بيريغرين ساخرا وقال : " كلا.. لم تفهمى بعد .. حسب راى ميريام .. دومنيك يبادلها الشعور نفسه ."
" ميريام امرأة مجنونه ! "
" ليس تماما .. لا شك أنك لاحظت بأى تيقظ واهتمام يرعى أخى شباب وبراءة نعجته البيضاء .. انه لا يسمح لها ان ترتاد الملاهى الليليه و ......"
" لكن هذا لا يدل على أن دومنيك يكن لها عواطف عميقه .. بل انه يتمتع بحس المسؤوليه ويعتقد ان من واجبه السهر على لورا كأنها فتاه صغيره .. وحتى لو كان يشعر تجاهها بعواطف قويه .. فان لورا فتاه ساذجه وليس باستطاعتها الاستفاده من ذلك ."
سألها بيريغرين بفضول يميل الى الاستياء : " بينما أنت تنوين استعمال كل ما لديك من مواهب للوصول الى الزواج منه بالرغم من العلاقات القائمه بيننا حاليا؟"
" لا تقلل من قيمة حظوظى .. اننى أملك الورقه الرابحه .. ذلك أن دومنيك يريد نيكولا ."
" ماذا تقولين ؟ "
" لقد كشف عن نيته للورا بأنه يأمل أن يشرف بنفسه على تربية نيكولا هنا فى بانسيون .. وان لديه مشاريع بهذا الصدد .. ولذلك يحق لى أن أتوقع أن دومنيك قد أدخلنى فى هذه المشاريع .. لكن لو لم يكن مغرما بى فيمكننى على الأقل أن أجعله يرغبنى ويتزوج منى ."
" لا تطلقى أحكاما بسرعه !"
وصلت ميريام لتعلن بأن الغداء سيصبح جاهزا عما قريب وأنها تقترح ارسال نيكولا لتمضية بعض اللحظات معهم .
قالت كليوباترا مازحه وبلطف : " يا لهذا الولد المسكين ! "
وسألت ميريام : " هل سيذهب أحد منكم إلى مينبورث غدا ؟"
استفهم بيرى قائلا : " ولم ؟ ألم تقومى بالتموين اللازم لهذه العطله ؟ "
" بلى .. لدى كل ما يلزم وسأحضر لكم المأكولات الشهيه .. لكن مازلت بحاجه الى البيض ."
" البيض ! ليس أمامك الا الحصول عليه من عش الدجاج !"
" أقصد بيض الفصح .. ففى الوقت الحاضى .. عندنا ولد فى المنزل ."
قالت كليوباترا : " لا سبب للقلق من أجل نيكولا .. لم يسبق أن أستلم أى هديه فى عيد الفصح .. مهما كان نوعها ."
قالت لورا متحمسه بعدما سمعت الحديث : " يا للاسف .. كليوباترا .. هل تتذكرين كم كنا نفرح عندما نكتشف البيض والفراخ الصغيره المصنوعه من الشوكولا .. والتى كانت تقدمها لنا العمه فلورا ؟ هل هناك حافله نهار السبت تذهب الى ميرينبورث يا ميريام ؟ "
اقترح بيريغرين عليها قائلا : " سأخذك فى سيارتى ."
قالت كليوباترا : " لا تعتمد على فى مرافقتك .. لست أنوى أضاعة الوقت فى شراء بيض العيد .. سأستغل فرصة غيابك لقضاء بعض الوقت برفقة دومنيك ."
" اتفقنا يا حلوتى .. سنتيح لك المجال لتجربى حظك قرب أخى الكبير .. اما من جهتنا نحن .. لورا وانا .. فلم تسنح لنا الفرصه للخروج معا .. وانى أنوى أن أحقق ذلك ."
فى صباح اليوم التالى .. ذهبت لورا مع بيريغرين .. فرحه مثل ولد سيحصل على جائزه .. وقد سمح لها الطقس الجميل الدافئ أن ترتدى فستانا جميلا .
كانت كليوباترا قد رتبت خططا لهذا النهار لكن الامور لم تجر تماما كما كانت تتوقع .. وبينما كانت تودع باشارات حماسيه من يدها .. لورا وبيرى.. كان دومنيك يراقب من دون حركه خروج أخيه الصاخب .. وكعادته .. أقلع بسيارته فى ضجه رهيبه وسرعه غير عاديه .
فسأل دومنيك : " فكرة من مشاريع التسوق هذه ؟ "
لكن كليوباترا لم تفقد شجاعتها وأخذته بذراعها ورافقته الى المنزل .
" لا يوجد سبب يا دومنيك .. لأن تفسد على لورا هذا العيد الكبير دعها تمرح وتلهو .. فحتى الآن تصرفت بأنانيه .. وخرجت من دونها .. أنى ألاحظ أن لورا معجبه ببيرى كثيرا ...."
قطب دومنيك حاجبيه وقال : " صحيح .. كنت أعتقد أن تحرشاته بها لم تكلل بالنجاح ."
" آه .. لكن لورا تستطيع أن تخفى عواطفها ! ان معظم الشباب فى سنها يخفون انفعالاتهم .. وذلك لأنهم يخجلون .. هل فهمت ؟ بيرى رجل جذاب جدا ."
ارتاحت فى أحد المقاعد فى قاعة الاستقبال .. وتوجه دومنيك الى زاوية القاعه وقال: "نعم .. أخى يتمتع بجاذبيه وسحر كبيرين ."
" وما همك أنت ؟ أنت غير مسؤول عن لورا ."
" وانت ؟ أنت الوحيده التى بقيت لها من عائلتها ."
" لورا ؟ نعم .. أشعر أننى مسؤوله عنها بطريقة ما .. لكن ماذا تريدنى أن أفعل ؟ ماتت العمه فلورا .. ويجب على لورا أن تعيش حياتها .. على كل حال .. لست قادره على أن أقدم لها مسكنا .. إذا كان هذا ما فكرت فيه .. فليس عندى مسكن أنا بالذات ."
" لست من الاشخاص الذين يستقرون فى مكان واحد يا كليوباترا ."
وعاد يسألها : " الم تسعدك الحياة البدويه التى عيشتها فى استراليا ؟ "
تأملت كليوباترا لحظه ظهر دومنيك فى صمت .. فأى جواب يتعين عليها اعطاؤه ؟ بدأت تقول فى حريه : " إنه بلد يستحسنه الشاب ."
" هل ترغبين فى العوده الى هناك ؟ "
" إلى أستراليا ؟ "
أرخت جفنيها وراحت تراقبه عن كثب .. هل تقول ما يرد فى رأسه من أفكار .. من أجل الحديث فقط ليس الا؟ غير أنها تعرف أن دومنيك لم يسبق له أن تكلم من دون أن يعى ما سيقوله .
" كنت أحب أن أعيش فى استراليا لو كان الوضع مختلفا .. لكن تروى مات ونيكولا بحاجه الى استقرار وانا كذلك ."
كان دومنيك يدرسها بإمعان .. وبتلميحها عن نيكولا .. أعطته فرصة عرض مشاريعه التى تحدثت عنها لورا .. لكنه لم يفهم قصدها واكتفى بالاستفهام عن وقت عودة لورا .
فأجابته كليوباترا فى غيظ : " لماذا تريدنى أن أعرف .. لست بحاجه لأن تتصرف مثل أب عطوف .. لا شك أن لورا ما تزال ساذجه .. لكنها ليست حمقاء حتى ولو كانت تميل قليلا الى بيرى ."
أجابها دومنيك فى برود : " أنت من يضخم الامور .. سألتك فقط متى ينويان العوده .. اننى انتظر بيريغرين كى يساعدنى فى اصلاح السياج .. هل فهمت ؟ "
هزت كليوباترا رأسها .. كانت مستاءه لأنها أفصحت عن نفسها .. وفى الوقت نفسه ملت من تحفظ دومنيك بدلا من الافصاح عن مشاكله.. ثم قالت أن تجرح شعوره .
" الذى أفهمه هو أن لورا تشعر بالضيق كلما كانت معك ."
أجابها دومنيك بهدوء : " أنا أخيف الصغار والغرباء .. أعرف ذلك ."
أكدت له كليوباترا اعتقادها أنها بدأت تسيطر على الوضع من جديد : " لكنك لا تخيفنى أنا .. باستطاعتى أن أقاوم أى واحد من آل تريفاين ! "
قال فى نظره ساخره : " وكذلك ابنة خالك .. لكن على طريقتها الخاصه ."
بعد أن شعرت كليوباترا أن معركتها خاسره قالت : " طبعا إن لورا تدافع عن نفسها دائما حتى لو كانت مسمره مكانها تحت تأثير الصدمه .. معك .. تتصرف بحذر أكثر من بيرى .. وهذا أمر طبيعى ,, اليس كذلك ؟ إن بيرى شاب لا يبلغ من العمر سوى 26 سنه وهو المفضل ."
لا شك ان ما قالته أصاب الهدف المطلوب .. فقد كان دومنيك قد بدأ يشعر تجاه لورا بمشاعر عميقه .. وانه كان يحيره الفرق الشاسع بين عمره وعمرها .. قالت كليوباترا : " هل على أن أحضر نيكولا الآن ؟ "
لكن هذه المبادره لم تكن سعيده لأن الولد بدا كئيبا فى غياب النجمين المحببين إليه .. وظل لا يبالى بمحاولات عمه الفاشله لارضائه وتسليته .. أخيرا عدل دومنيك عن المواصله فى ارضاء رغبات ابن أخيه وانصرف الى العمل فى الحديقه برفقة آموس .. ولما حان وقت الغداء كانت كليوباتراوحدها مع دومنيك .. حتى هذا اللقاء أمام مائدة الطعام كان مملا وبدأت كليوباترا تندم على عدم ذهابها الى ميرينبورث مع لورا وبيرى .
عادا فى أواخر الظهيره .. وما أن دخلت سيارة بيرى الباب الرئيسى حتى بدأ باطلاق زماميره الصاخبه .. فاسرعت كليوباترا للقائهما .. ووصل دومنيك أيصا رافعا أكمام قميصه .. كانت لورا جالسه فى المقعد الخلفى وسقف السياره مفتوحا .. وكانا يغنيان بأعلى صوتيهما .
كان دومنيك ينظر بصمت الى أخيه الذى كان يخرج من صندوق السياره علبا كثيره من جميع الاحجام .. ثم قال بفرح : " لقد اشترينا عددا من لبيض يكفى لأعالة مئات الأطفال ."
ظلت لورا مكانها غير مستعده للهبوط .. فقال دومنيك مازحا وفى لطف : " لينزل الجميع !"
شرح له بيرى قائلا : " نعجتك البيضاء مترنمه .. مترنمه من الفرح ."
فأعلنت بحماس وفرح : " وجدت أشياء رائعه لنيكولا ."
كانت عيناها تلمعان ولم يسبق أن رأها دومنيك براقه من الفرح .. فشعر بضيق بسيط عندما قالت : " شكرا يا بيرى على هذا النهار الجميل ."
" وأنا لم أصدق أنه بإمكانى أن ألعب و ألهو مثل الأولاد ."
قال له دومنيك بجفاف وهو يحمل العلب الى المنزل : " إنى مسرور جدا لأن نزهتكما كانت ناجحه ."
وخلال العشاء لم تلاحظ لورا أنها تزعج دومنيك بينما كانت تتحدث عما حدث لها خلال النهار .. فهى مازالت متأثره بسحر الرحله و للمره الأولى لم يحاول بيرى تحديها كما هى عادته .. فقد تصرف نحوها بلطف غريب حتى أنها لم تعد قادره أن تفرقه عن أخيه .. مثلما حدث لها ذلك المساء .. لكن خيبة أملها كانت فى أوجها عندما التجأ دومنيك الى مكتبه .. وفى الحال شعرت لورا أن وجودها سيزعجهما فقررت الذهاب الى فراشها.
وقبل الصعود الى غرفتها مرت بالمكتب لتتمنى لدومنيك ليله سعيده وتقول له انها قامت بشراء البيض كما يجب .
قالت له : " تصورت أنك لن تفكر بشراء البيض .. لا شك أنك لم تحلم من زمان بأن تتلقى هذه الهدايا الصغيره."
أجابها بعنف : " لا يجب أن تذكرينى بأننى رجل مسن كلى لا أنسى طفولتى !"
انتفضت لورا وقالت متلعثمه : " لم أكن أعنى ذلك ."
نهض دومنيك واقفا .. يبدو أن مشكله ما تشغل باله .. فقال : " لو كنت أعرف هدف خروجك مع بيرى اليوم .. لكنت رافقتكما .. ادخلى أذن يا لورا ."
" ألم تعلمك كليوباترا بالأمر ؟ فكر بيرى أن نذهب كلنا معا .. لكن كليوباترا رفضت ذلك .. هل ترغب فى معرفة ما هى هديتك ؟ "
قال فى مراره : " لا أعتقد أنى سأنال محبة أبن أخى بواسطة بيض الشوكولا .. وفراخ الدجاج البلاستيك !"
" ليست الفراخ المصنوعه من البلاستيك ! الدجاجه جميله وناعمه .. كما اشتريت أرنبا من جلد الفرو .. لكنك إنسان كريه ! "
" هل جرحت شعورك يا لورا الصغيره ."
جلس على مكتبه وأفرغ محتوى غليونه فى المنفضه و أضاف قائلا : " لم أكن أقصد أن أؤذيك ..ولا أزعج نهارك."
لكن نهارها بات فاشلا وشعرت لورا ان دومنيك ينتابه القلق والهم .
لقد قضى قسما كبيرا من النهار برفقة كليوباترا .. ماذا جرى بينهما ؟ لا شك أنه أعلمها بمشاريع .. وكما أن كليوباترا تعرفه تماما .. .. فقد راحت تضايقه فقالت له باحترام : " لم تزعج نهارى ."
" بلى ! لقد تصرفت بعصبيه وفراغ صبرلأسباب لا يمكنك فهمها .. ادخلى ."
" أنا أفهم تماما ."
ظلت جامده على عتبة الباب لم تحاول التقدم خطوه .
" صحيح ؟ هذا يدهشنى ."
" تصبح على خير يا دومنيك .. ليله سعيده ! "
ثم اختفت بسرعه هائله .
خابت آمال الجميع بالنسبه إلى يوم الفصح الذى كان ممطرا .. واجتاح المزاج العكر جميع سكان بانسيون الذين اضطروا الى البقاء داخل المنزل طيلة النهار .. والعيد الصغير الذى تمنته لورا لنيكولا كاد أن يكون مأساه حقيقيه فانتصر بيرى على دومنيك فى استمالة عواطف نيكولا وعلم بمزاجه المرح وألعابه وطريقة تفخيم هداياه .. لكن كل الجهود التى قام بها دومنيك لجذب انتباه الولد باءت بالفشل .. وبصوره استثنائيه تم التوصل إلى أن يتناول الصبى طعام الغداء برفقة العائله .. لكن هذه البادره انتهت بالبكاء وشعر الجميع بارتياح عام عندما اصطحبته لورا إلى غرفته فى فترة القليوله.
اقترحت لورا على دومنيك قائله : " يجب عليك أن تذهب الى غرفته وتقص عليه قصه كما فعلت من قبل ."
أجابها بلهجه بارده : " لا أنوى أن أستعطى محبة نيكولا .. لقد اهتممنا به كثيرا اليوم وهذا يكفى ."
ثم أدار لها ظهره وذهب إلى الحديقه للقيام بنزهه مع الكلاب برغم تساقط المطر .
لم يظهر دومنيك الافى المساء .. التقته لورا على السلالم .. فتوقف بضع درجات أسفل منها ولدى رؤيتها شعره الاسود مبلل والشعث تتخلله شعرات بيضاء .. شعرت بالذوبان يحتلها .. فرفع نحوها عينيه الزرقاوين الجميلتين : " هل تعرف أن فى رأسك شعيرات بيضاء ؟ "
أجاب بلهجه ساخره : " آه نعم .. إن مرأتى تظهر لى هذه الحقيقه المخيفه .. صباح كل يوم ."
تغير تعبير وجهه عندما لاحظ ظلال دموع على وجه لورا .. فسألها : " ما بك ؟ "
أسرعت تقول لتطمئنه : " لاشئ .. لا شئ ..."
" هل بكيت بسبب بيريغرين ؟ "
كانت تعاستها ناتجه عن تصرف بيريغرين وكليوباترا .. لكن دومنيك وياللأسف لم يتمكن من تفسير صحة جوابها .. فقال لها فى صوت قاس كأنه يذكرها : " بيريغرين شاب جذاب .. وفى الوقت نفسه شاب فاسق أيضا .. لا تنسى ذلك يا لورا ."
لم يكن دومنيك طبيعيا هذا اليوم وعاد يصعد السلالم من دون إضافة كلمه .
الريح طردت الغيوم خلال الليل وفى اليوم التالى كان الطقس جميلا وجافا .. ذهب بيريغرين ينزه الكلاب وكان دومنيك يعمل فى انحاء البيت مع آموس .. فقررت لورا اصطحاب نيكولا فى نزهه صغيره .. ولدهشتها أعلنت كليوباترا رغبتها فى مرافقتها .. هذا ما كانت تخشاه لورا .. أن تضطر إلى تحمل وقاحة ابنة عمتها واصرارها على استقصاء الاسرار من لورا .
قالت كليوباترا : " اعتقد أنك أفدت جدا من خروجك مع بيريغرين نهار السبت ..وانا فى هذا الوقت نجحن فى مهمتى يا حبيبتى .. ان الظروف بدأت فى التحسن ! "
" صحيح ؟"
انتظرت آمله الا تتأخر كليوباترا فى خوض الموضوع .. وسرعان ما صرخت تقول : " تخلى عن دومنيك يا لورا !"
فوجئت لورا وقالت : " اسمعى يا كليوباترا .. دعينى وشأنى .. لست أنا من سيؤخر تحقيق مشاريعك .. وسبق أن رددت على مسمعى بأن دومنيك ليس مهتما بى ولا يهمه أمرى ."
تغلبت كليوباترا على اضطرابها وأمسكت بذراع ابنة خالها وقالت : " لا أريد أن أجرح شعورك يا حبيبتى .. لكنى أشعر فقط بأنك تميلين الى دومنيك قليلا ولا أريدك أن تتألمى .. لكنى أحذرك بأننى إذا قررت أن أغريه .. فليس لديك أى حظ ينافسنى ."
" إذن .ز عرض عليك دومنيك مشاريعه ؟"
" اتفقنا على مستقبل نيكولا .. هل أنت مسروره الآن ؟"
أجابت لورا باشمئزاز : " كلا .. أنت على علاقه مع بيرى .. ولا يمكن أن تفكرى فى الزواج من دومنيك قبل أن تقطعى مع بيرى .. ألا تشعرين بواجبات تجاه دومنيك ؟ "
وبختها كليوباترا قائله : " آه اسكتى ! لا تتدخلى فى شؤون لا تعنيك !"
وران صمت ثقيل .. ثم اخيرا قالت كليوباترا : " لنتصالح يا لورا .. أنت أصبحت فتاة ناضجه وبالرغم من أن الخبره تنقصك .. فباستطاعتك أن تعرفى مدى تعقيد الوضع الذى أجد نفسى فيه .. اليس كذلك ؟ "
أجابت لورا فى نعومه : " طبعا .. بيريغرين بالنسبه اليك يجسد لك ترويلوس .. ولا يمكن التخلى عنه من أجل دومنيك الذى يستحق كل الحب والحنان ."
ما كان عليها أن تكون صريحه هكذا .. فقالت كليوباترا التى أحمر وجهها : "لا تعتبرى نفسك العمه فلورا لايمكنك أن تحكمى على الصفات الحسنه لدى كل من بيريغرين ودومنيك ."
خاب أمل الفتاة فنادت نيكولا أن يقترب منها .. وفى الوقت نفسه ظهر بيريغرين مع الكلاب التى هرعت بفرح الى الصبى الذى انبطح أرضا وراح يطلق صرخات مرعبه .
هتفت لورا غاضبه وقالت : " مر الكلاب ان تبتعد عن الصبى .. أنت تعرف تماما أنه خائف !"
" لن تؤذيه الكلاب ."
لكنه أمرها بالسكوت والابتعاد عن الولد فاقتربت لورا من نيكولا وركعت قربه محاوله أن تهدئه وهو لا يكف عن البكاء .
فقالت كليوباترا مشمئزه : " يا له من جبان ! يا بيريغرين .. اصنع منه رجلا شجاعا ! "
فقال مادا ذراعيه للصبى : " تعال يا نيكولا ."
وبالرغم من صدمته .. تقدم الولد بتردد من عمه الذى كان يشجعه مرددا " تعال .. تعال !"
وبعدئذ حمل بيريغرين نيكولا على اكتافه ومشى حتى طرف الصخره .. فصرخت لورا فى رجاء قائله : " توقف .. لقد أصيب بدوار ."
لم يعى بيريغرين وكليوباترا قسوتهما .. كانا يشعران معا بلذه بدائيه ليبرهنا على جرأتهما ووقاحتهما فى الاضرار بانسان أضعف منهما .
فجأه رجعت الكلاب التى كانت تلحق بيريغرين الى الوراء وهى تهز بأذيالها .. فالتفتت لورا الى الوراء و رأت دومنيك يتقدم فى خطى سريعه وهو يصرخ : " ماذا يجرى هنا ؟ لقد وصل صراخ نيكولا حتى المنزل ."
أجابت كليوباترا ضاحكه : " آه .. قامت قيامته ولم يعد يتوقف عن الصراخ والبكاء لأن الكلاب لحست وجهه .. وبيرى يعلمه الآن أن يصبح رجلا ."
قالت لورا فى صوت خفيض : " الشراسه والعنف لا يحدثان الا الخوف ."
لاحظ دومنيك شحوب وجهها .. فنصحها فى نعومه قائلا : " اجلسى على العشب يا لورا .. سأهتم بك بعد قليل ."
ثم التفت الى كليوباترا من جديد وسأل بقسوه : " أريد ان اعرف تماما كيف تنوين أن تشفى ولدا من خوفه من الكلاب وهو على الاكتاف ؟ "
بانفعال وقفت كليوباترا مظهره بعض الارتباك لرؤية قسوة دومنيك الواضحه.
اضاف قائلا لبيريغرين :" هل جننت يا بيريغرين ؟ انصرف من هنا بسرعه .. سأهتم بالصبى !"
قال بيرغرين ساخرا : " حتى الآن لم يقبل منك أن تهتم به ."
كان نيكولا واقفا من دون حراك مثل العصفور الخائف .. مسمرا فى الارض بفعل الرعب .
قال له دومنيك فى لطف : " تعال .. لن تؤذيك الكلاب .. انى اعدك بذلك .. تعال .. فسنلعب لعبة حصان القارن وسأعيدك الى المنزل ."
قال بيريغرين وهو ينخنى ليحمل الولد فى ذراعيه : " من الأفضل أن تأتى الى العم بيرى ."
فصرخ الولد وهو يجرى نحو دومنيك : " كلا.. كلا ! سيكون عمى دومنيك حصانى الى الأبد ."
لم يقدر بيريغرين أن يخفى تحديه وقال صارخا : " يا لك من ولد سافل ! لنذهب يا كليوباترا .. يبدو أن ليس لنا ما نفعله هنا !دعى دومنيك مع نيكولا ! لورا ؟ لا .. أعتقد انها ستبقى .
تأبط ذراع كليوباترا ومشيا من دون مبالاه .
*نهــاية الفصــل الســابع*
|