كاتب الموضوع :
براعم
المنتدى :
القصص المهجورة والغير مكتملة
رد: مذكرات عزوبي للكاتب أحمد الرفاعي
4
عندما يصبح التنكيت .. تنكيد..!!
لم أحاول التفكير في أي شيء وأغلقت هاتفي الجوال.. آخر ما كنت أتمناه الآن هو أن أسمع صوت شيء يتحدث.. كل ما فعلته هو أنني خلعت ثوبي المحروق واستلقيت على سريري وأنا أحاول منع نفسي من عمل أي شيء..
نظرت إلى ساعة الحائط فوجدتها تشير إلى التاسعة صبـ....، لا أعلم صباحاً أم مساءً لكنني اكتشفت ذلك عندما حركت النافذة. كنت أشعر بتكاسل يدعوني للاسترخاء فمددت يدي بعرض السرير إلى أن وصلت لهاتفي الجوال.. كانت مفاجأة لي عندما وجدت عشرين رسالة بعد ما فتحت الجوال.. اتصلت بحامد فوراً لأنه كان الأكثر قلقاً لانقطاع أخباري فجأة، فاتصلت به..
حامد - ألو.. فينك ياواد؟؟ إشبك مقفل الجوال؟؟
- السلام عليكم.. كان النوم واضحاً في صوتي..
حامد - وعليكم السلام.. فين كنت..!!
- نايم.. توي صحيت ودقيت عليك..
حامد - والله لو إنك ما نمت من أسبوع ههههههههههههه.. أيش صار لك؟؟
- أقلك خليني أقوم أتوضى وأصلي.. أكلمك لما أصحصح..
حامد - أنا تحت بيتك.. لما تخلص أخرج لي..
- إشبي خويتك عشان تستنى بره.. شويه أفتح لك الباب.
تركته في المجلس وذهبت لأقضي جميع الصلوات.. من الأفضل أنني نمت مباشرة بعد ما حدث لأنني عادة أفرغ غضبي في كل شيء لكنني الآن أفضل حالاً بكثيييير.. دخلت المجلس وأنا أغني.. جلست أمامه وأنا أرى نظرات التساؤل تفر من عينيه فتظاهرت بالغباء.
- ها كيف كان عيدكم؟؟
حامد - يسلم عليك.. إنت فين كنت؟؟!! كسرت جوالك ودقيت الباب وناديت عليك إلين طلعوا الجيران..
- راحت عليّ نومه.. ما حسيت بنفسي.. قلتها وأنا أحاول عدم تذكر شيء قد يضايقني..
شعرت أنه لم يصدق كلمة مما أقول.. يقول حامد أنني أتصرف أحيانا بغرابة تفاجئ الجميع لكنه اعتاد على ذلك بعد تلك السنين التي قضيناها معاً.. الطريقة التي تعرفت بها عليه كانت غريبة بحق.. كانت لدي معاملة في أحد الدوائر الحكومية، وعندما ذهبت إلى هناك وجدت أحد أصدقاء الدراسة القدامى.. جلسنا نتجاذب أطراف الحديث وكان صديقاً لحامد في نفس القسم.. تأخر حامد ذلك اليوم، وكان صديقي يريد أن يصنع فيه أحد المقالب فوافقت.. سيخبر حامد دون أن أعلم أنني مجنون ثم يترك لي الباقي لأثبت ذلك..
حضر حامد بعد دقائق فأشار لي صديقي.. فغيرت محور الموضوع حتى لا يشك حامد في الأمر.. في البداية أدخلت بعض الكلمات الغريبة.. ثم بعض التصرفات، وصديقي يحاول كتم ضحكته لقوة اندماجي مع الموقف.. فسألت صديقي: الحين طلعت لي الورقة؟؟
إيه طلعتها لك، روح وقعها من عند الأستاذ حامد.. أعطاني أحد الأوراق الفارغة فقمت من مكتبه إلى مكتب حامد الذي كان ينظر إلي بريبة.. أكد صديقي ضنونه عندما أشار بيده من خلفي إلى عقله.. يقصد أنني مجنون..!!
نظرت إلى حامد وأنا أمثل محاولة استيعابي لما هو مكتوب في الورقة.. ثم أعطيته إياها وطلبت منه التوقيع عليها..
أخذ الورقة الفارغة و وقع عليها دون أن يتحدث معي فقمت أنا بفتح موضوع للحوار..
- ممكن لو سمحت تقرأ لي وش مكتوب في الورقة؟
نظر حامد إلى صديقي وهو في قمة اندهاشه فأشار له صديقي وفهم حامد أن عليه (تصريفي) بأي طريقة كانت.
حامد - مكتوب إنك إنت طلبت من البلدية رخصة الفيلا حقتك؟؟
- ياخي أنا طالب رخصة عمارة ما طلبت فيلا!! كيف ياخي خويك هذا ما يفهم.. يضحك علي؟؟
حامد يحاول استدراك الموقف - إيه صح مكتوب عماره أنا ما انتبهت..
اقتربت منه إلى أن أصبح رأسي عند رأسه وزاد ذلك من توتره فقلت له بجدية: فين مكتوب عمارة؟؟
أشار بيده التي ترتجف إلى نصف الورقة وهو يقول بارتباك: هنا.. فاقتربت أكثر من الورقة وقلت له: هنا فاضي.. ثم أردفت وأنا أبين أنني بدأت أغضب: إنت شكلك تضحك علي.. أنا أبغ أكلم المدير.. قبل أن يتكلم ضربت الطاولة بيدي بعنف وقلت: شايفني غبي أنا عشان تضحك عليا وتسرق فلوسي؟؟!!
حامد: أنا .. أنا.. تحول وجهه إلى ألوان كثيرة وبدت علامات الخوف فرأيت أنه من الأفضل أن أنهي هذه الحماقة، خاصة وأنني لا أعرفه ولا يحق لي ما فعلته قبل قليل حتى وإن كان من باب (خفة الدم)..
اقترب وقتها صديق دراستي وعرفنا إلى بعضنا محاولاً كتم ضحكة شديدة فرت منه قبل قليل: يا جماعه.. أعرفكم على بعض.. حامد علي.. وسلمان أحمد.. فمددت يدي بخجل: تشرفنا والله، حياك أخوي حامد، بس والله لا تلومني، خويك شكله حاقد عليك..
بقي للحظات صامتاً قبل أن يستوعب الموقف ويحمرّ وجهه من كثر الإحراج، مد يده مصافحا ثم أمسك بأحد الأقلام التي كانت تزين مكتبه وقذفها على صديقنا الذي سقط على ظهره من شدة الضحك وهو يقول: والهم يا حامد مشيت عليك.. والمجنون هذا زبطها..
حامد: إيوا الله مجنون..
كان هذا الموقف الوحيد الذي جعل حامد ينظر إليّ كرجل غريب الأطوار.. وأصبح (المجنون) لقبي فيما بعد..!!
أوقفنا سياراتنا على شكل دائرة لنحمي أنفسنا من برد الشتاء.. ما أجمل هيبة وهدوء الصحراء.. بقيت لفترة أتفقد المكان من حولي.. الهواء البارد المنعش يحرك ثيابنا والشجيرات الصغيرة هنا وهناك.. أصبحت أرى النجوم الآن قريبة من الأرض تمتد بروعة كأنها عقد ألماس لتختفي خلف الجبل..
كان منظري (بالتيشيرت) والبنطال الجينز مثيراً للاستغراب، خاصة وأننا ما زلنا في العيد.. لم يعلق أحد واكتفى هاني بابتسامته الطفولية ثم تابع..
هاني - أشوف صاير كول يا واد..
قالها بصوت ضاحك وهو يغطي فمه بيده اليمنى وبيده اليسرى حاول رفع خصلة وهمية وقعت على عينه متصنعاً الخجل فانفجر الشباب ضاحكين، ربما كانوا على أهبة الاستعداد لكنهم كانوا ينتظرون تعليق هاني.. ضحكت معهم فلم يكن بيدي ما أفعله غير الضحك.. كلما تأخر الوقت قل عدد المتواجدين، كأنها النجوم تتناقص كلما قاربت الشمس على الشروق.. اكسبنا ذلك بعض الخصوصية فقمنا نجمع بعض الحطب لنكسر بعض الروتين لا أكثر.. أعد لنا حامد (براد) شاهي كمكافأة لنا على جمع الحطب، وبعد العشاء الذي تخلله الكثير من الضحك جلسنا نرشف الشاي ونتحدث فيما يعقل ولا يعقل.. قادنا حديثنا إلى الجن.. عرف عن المدينة منذ قديم الأزل كثرة وجود الجن بها وكثرت عنهم القصص والأساطير فجاد كل واحد بما يعرفه وما سمعه من الآخرين.. أصبح الحديث همساً لأن هدوء الصحراء يمنح الصوت تردداً وصدى أكبر حتى أنه كان بإمكاننا سماع شخص يتحدث بصوته العادي على بعد خمسين متراً.. لم تكن لي تجارب سابقة مع الجن ولم أكن أهتم بهم كثيراً.. كل ما أعلمه أنهم خلق من خلق الله، خلقهم ثم خلقنا وجعلهم شركائنا في الأرض مع غيرهم من الحيوانات باختلاف أنواعها.. أما عن طفولتي فقد كنت أسمع جارنا يقول أن سطح بيتنا مسكون.. نعم مسكون.. يا فرحتك..!! طار بهم حامد بقصصه إلى ألف ليلة وليلة وطرت أنا بعقلي إلى سطح منزلنا العتيق.. في جملة ما قاله جارنا أنه كان يرى رجلاً يلبس الأبيض من الثياب ينزل كل صلاة فجر من سطح منزلنا ليوقض سكان المنزل بصوت خطواته وهو ذاهب إلى المسجد!! لم يره أحد سوى جارنا الذي لم يترك شيئاً لم يحلف به تدليلاً على صدق كلامه.. كان ذلك قبل أن يقوم والدي ببناء ملحق في السطح.
حامد – ها سلمان نمشي؟
- والله اللي تشوفوه، كنت أريد أن أبقى بينهم حتى يطلع النور، فلا أصادف ذلك العجوز وأنا أدخل إلى الملحق.. ستكون ليلة "منيلة بستين نيلة" خاصة وأنني لا أعرف بأي لغة يتحدث لأرد عليه السلام وأسأله عن الأحوال!!
كل ما فعلته هو أنني كنت (أتلكع) في حمل الأمتعة إلى السيارة حتى أأخر الوقت قدرما أستطيع.. إنتوا أيش عندكم لازم تمشوا دحين.. مره مستعجلين، صلوا الفجر ونحرك..
حامد- لو نلحق الفجر في البلد أحسن.. كمان بكره جمعة..
لم أشأ أن يشعروا أنني خائف بعد حديثهم.. يكفي أنني كنت فاكهة الجلسة عندما ارتديت (الكول) إن صح التعبير.
نظرت خلفي عدة مرات وأنا أدخل مفتاحي في باب الملحق، بالرغم من أنني أستطيع النوم بالأسفل إلا أنني اعتدت النوم في الملحق منذ سنين، لم يطل عراكي مع النوم إذ أنني كنت على موعد مع ضيف غريب..
استيقظت من نومي على صوت دق عنيف على باب الملحق.. يالله ما هذا؟ منذ أن سافرت العائلة وأنا أصحو بطريقة (غير شكل)!! فتحت الباب وأنا في قمة عصبيتي ونصف عيني التي لم تفتح بعد يتطاير منها الشرر.. ما رأيته جعلني أفتح عيني عن آخرهما.. شيء أسود يتحرك أمامي.. هو الجني صار أسود يا جماعه!! قبل أن أستوعب ما حدث قالت وهي تبتعد إلى الخلف: أمك من أول تدق على تلفون البيت ما ترد وجوالك مقفول.. تقلك قوم صلي الجمعة..!! (قالت جارتنا لأمي أنها رفعت صوتها عندما رأتني غاضباً.. لم تكن تعلم أني كنت خائفاً..!!) أمي وأفكارها العجيبة، طلبت من جارتنا أن توقظني لصلاة الجمعة.. أغلقت الباب وأنا أضحك بكل قوتي.. يالله.. سامحني، والله كذا زياده عليا..
لم أخبر أحداً بما حدث.. كنت كلما تذكرت ما حصل ضحكت بملأ فمي على ذلك الموقف.. صليت الجمعة في مسجدنا القريب ثم عدت إلى النوم، كنت أصارع رغبتي في إعداد الغداء بنفسي، كانت نفسي تقول: وماله؟؟.. نتعلم!! أما كبريائي كان يردد شامتاً: بالله معقولة بعد تاريخك هذا كله، تكون ضحية قدر ضغط ما عرفت تقفله؟؟
|