كاتب الموضوع :
براعم
المنتدى :
القصص المهجورة والغير مكتملة
رد: مذكرات عزوبي للكاتب أحمد الرفاعي
6
أمي.. وحشتيني.. يا ترجعي، يا أسافر لك..
حمدان: أنا قضيتي كبيرة.. صدقني بتروح فها رقاب.. بس أنا خارج، خارج..
- يا ساتر، رقاب مره وحده؟؟ ليش إنت أيش مسوي؟؟
عدل من جلسته وقال بكبرياء وتفاخر: ياخي أنا طلعت قبل يومين، كان معي سلاح الوالد واعترضني واحد بالبر.. تعرف خط تبوك؟؟ حركت رأسي فتابع: هناك إيوه هناك.. مو خط تبوك بالضبط قريب منه.. تعرف الدائري الثالث؟؟ حركت رأسي مرة أخرى فتابع.. إيه هناك، كنت أنا و ولد عمي و محمد حميد.. تعرفه؟؟ حركت رأسي هذه المرة تلقائياً قبل أن أستوعب السؤال فتابع: إيه كان معنا.. ومعنا.. إلخ.. تحدث لعشر دقائق قبل أن يدخل (العريف) لينادي عليه: أنت يا سراق الحذيان (أعزكم الله) تعال هنا.. تعال بسرعه الضابط يبيك..
أبوك على أبو أبوك يا سراق.. حسستني من شوية إنو لو لا عدم إعطاء الفرصة من الجيل السابق لجيل الشباب كنت إنت غرانديزر.. خرج وهو يبتسم لي بغباء فأغمضت عيني من جديد.. هل من المعقول أنني سأبقى هنا بين رجالات المجتمع في هذا المنتزه الجميل، رباه لا أحتمل أكثر من ذلك.
كما كان هناك من يبيع الدخان، كان أحدهم يؤجر هاتفه النقال بالدقيقة.. عشر دقائق بدون شريحه عشره ريال.. عشر دقائق مع الشريحة اتصال داخلي عشرين ريال.. هكذا فهمت منه، لابد لي أن أتصل بالبلدية لأخبرهم أنهم لابد وأن يضعوا تسعيرة أو يفرضون جمارك على المستفيدين حتى لا تصبح سوقاً سوداء..
دفعت قيمة الاتصال مقدماً، ثم أخذت الجوال وأنا لا أعرف ما ذا سأفعل به، طوال حياتي لم أحفظ رقماً واحداً، كيف سأخبر الشباب أني هنا.. جميع الأرقام التي اتصلت بها وأنا أتوقع أن يكون أحدها صحيحاً لم يرد علي منها أحد.. نفد المال.. والقاتل الذي خرج قبل قليل.. عفوا أقصد سارق الأحذية.. ليتني طلبت منه أن يبلغ أصدقائي في الاستراحة أنني محجوز هنا..
بعد ثلاث ساعات متواصلة من العذاب النفسي استطعت أن أغمض عيني.. استيقظت في التاسعة صباحاً لأجد أن بعض الناس قد اجتمعوا أمام رجل.. توقعت في البداية أنه يحدثهم أو يقرأ عليهم بعض الدروس.. كانوا يطلقون عليه لقب المحامي لأنه كان السبب في خروج الكثير من هنا.. اقتربت منهم بعد أن صليت الفجر لأسمع ماذا يقول..
إنت بكره راح يعرضوك على هيئة التحقيق والإدعاء العام.. لو سألك الشيخ شفت اللي حرق السيارة قول ما أدري.. لو قالك إنت تعرف صاحب السياره قول ما أعرفه.. لو قالك وش تتوقع السبب اللي خلاه يحرق السياره قول الله أعلم..!!
اقترب آخر وأشعل سيجارة للمحامي ثم سأله: أنا يا محامي ضربت جاري.. قـ..
قاطعه المحامي: ضربته وين؟؟ - ضربته قدام بيتنا..
المحامي: بسيطه، قول كان يغازل أهلي يا شيخ.. إنت قضيتك مرره مافيها، بالكثير يومين وإنت بره..!!
استغربت من سرعة بديهته وذكائه، لكن كيف يستطيع أن يخرج الجميع من هنا ليبقى هو.. أمر غريب جداً لكنه لم يثر اهتمامي كما أثارني شيء آخر في طرف الجلسة.. رجل في العقد الرابع من عمره.. على وجهه علامات الوقار،ربما هذا ما جعلني أقترب منه يسبقني فضولي لأعرف قضيته.. كان (صاحب كاس) في كل ليلة كان يحضر إلى هنا في حالة غياب عن العقل.. يدخله العسكر وهو يشتم ويسب جميع الأشياء ثم عندما يستعيد وعيه في الصباح يوقع تعهداً بعدم الشرب ليعود في الليلة القادمة.. كان أخو زوجته هو المسئول عن إخراجه كلما دخل هنا، لكن عندما استفحل الأمر طلب منه أن يطلقها لكنه رفض، فقام بالضغط عليه من خلال إبقائه هنا وهو ما زال تحت عناده وإصراره بأن لا يطلق.. قال لي وهو يصرخ بغضب: يبغوني أطلق..!! هاااا؟؟ والله ماني مطلق.. ثم يحرك رأسه ويصرخ ليقول كلمته الشهيرة (بالمشمش.. والله ماني مطلق..).
في الطرف الآخر جلس شاب على وجهه آثار النعمة.. أخبرني العجوز بأن هذا الشاب هنا منذ ثلاثة أسابيع.. اتهمه الوكيل الشرعي لأمه باختلاس ربع مليون ريال من الشركة.. وبالرغم من أن والدته حضرت إلى القسم وأقسمت باستعدادها أن تدفع (بدل المليون أربعه مقابل خروج ابنها)، إلا أن الوكيل الشرعي لم يتنازل. طوال عمري لم أكن أعلم أنه إذا تنازل المدعي فلا يصبح المدعى عليه طليقاً لأن هناك ما يسمى بالحق الخاص والحق العام، الذي هو حق الدولة.. وفي حال تنازل صاحب الحق عن حقه، يبقى حق الدولة في الحبس أو التغريم.. مشاكلهم أنستني ما أنا فيه من المشاكل.. كنت أشعر أنني في عالم آخر غير العالم الذي عشت فيه وأعرفه.. وأنا في غمرة أفكاري وتساؤلاتي جاءني صاحب الجوال.. أخبرني أن أحد الأرقام التي اتصلت بها يتصل الآن.. كان حامد.. أخبرته بمكاني فحضر على الفور..
ركبت معه السيارة وأنا أضحك، أعلم أنه كان يتوقع العكس تماماً، لكن العالم الذي كنت فيه قبل قليل يدعو إلى الضحك.. وشر البلية ما يضحك..
عدت إلى منزلي وأنا لا ألوي على شيء سوى الراحة والنوم.. أمسكت بقلمي الأخضر وأخذت التقويم وكتبت على ظهر ورقة تاريخ اليوم 13/12/1427هـ بخط عريض.
النتائج المترتبة على قضاء خمسة أيام عزوبية:
• كاسة (ضيوف) مفقودة.
• ثوب محروق.
• رجلي تفقت عن اللحم بقطعة زجاج.
• شماغ موشوم بمثلث أسود ناجم عن أداة الكي.
• 3 بيضات محروقة.
• حروق وجروح سطحية ناتجة عن سوء استخدام أدوات المطبخ بكافة أنواعها..!!
• كوابيس مزعجة ومواقف لا أحسد عليها.
• فقدان الشهية في الأكل و قضاء ليلة في التوقيف.
• جوال غير قابل للاستخدام جرّاء سقوطه في الماء.
• أخيراً وليس آخراً أوراق ثبوتية غير قابلة للاستخدام ولا بد من مراجعة الدوائر الحكومية لاستخراج بدل تالف.
أمسكت سماعة الهاتف وطمأنت والدتي التي كانت تتصل منذ الصباح، وعندما دخلت تحت فراشي أحسست أنني لم أنم منذ أشهر.. أغمضت عيني وأنا أتذكر كيف كانت الأيام الفائتة دون عائلتي.. أمي.. المرأة الحنونة التي تقيم الدنيا ولا تقعدها إن شعرت أن أحداً قد قصر في خدمتي.. أختاي اللواتي يصغرنني بأعوام قليلة واللاتي لا يألون جهداً في خدمتي وإخراجي بأحسن المظاهر.. وأخي الصغير مصدر الإزعاج والبراءة في هذه العائلة.. ولا أنسى قائد أركان هذا البيت اللواء/ والدي. حفظهم الله أينما حلوا.. حياتي من غيرهم سَلَطَه..!!
فشكراً لهم خالصة من عميق أعماقي على كل ما قدموه من أجلي وكان سبباً في نجاحي بعد الله عز وجل، علمت حينها أنه لا يشعر الإنسان بقيمة من حوله إلا بعد فقده لهم. اللهم لا تفرقنا إلا على حق، وأجمعنا في جنان خلدك.. برحمتك يا أرحم الرحمين.
تمت..
|