اشكيك لمين ..
بعد أن لبست رهف وسرحت شعرها لم يكن لها الرغبة في الخروج من غرفتها أو مقابلة أحد فذهبت لتجلس على الكرسي المقابل للنافذة التي تطل على بوابة المنزل والحديقة وجزء من المسبح أيضاً , ورأت سيارات زين المصفوفات تحت المظلات فتذكرت زين وصراخه عليها ليلة أمس فانزعجت وهمست لنفسها
" هل يعقل أن هذا كله تخطيط منه أم أن هنالك ما طرأ عليه فعكر مزاجه "
ثم صمتت في حزن تفكر في الشهر الماضي وكيف كانت سعيدة برؤية زين الذي تعرفه قد عاد لها , فقد كان يمر يأخذها من مكان عملها ومن ثم يذهبا للبحر أو السوق ليتمشيا على قدميهما وكان يقتنص الفرصة ليمسك بيدها ويظلا هكذا , حتى يأتي موعد عودة وليد فيذهبان ليأخذانه من مدرسته ويذهبان ليتناولوا الغداء في أي مكان تختاره هي أو وليد , لقد فرش لها الأرض ورود لقد أراها أبواب الجنة التي ستدخلها إن عادت له , لكنها كانت خدعة قذرة منه .
تنهدت رهف بحزن محاولة امساك دمعة كادت تفر من عينيها وهمست لنفسها
" لا دموع بعد الآن ,, فما زالت اللعبة في أولها قلبي يعرفه جيداً ,, مازال هنالك ما يخبئه لي زين "
ثم نهضت من مكانها وخرجت من غرفتها لتبحث عن وليد لكن ما أن سارت في الممر حتى فوجئت بوجود أبواب كثير فما عرفت أين منها غرفة ابنها ففضلت أ ن تنزل للطابق السفلي لتسأل الخادمة عن وليد فإذا بها تلتقي بزين وقد علت وجهه ابتسامة ساخرة وعينيه تتفحصها
" صباح الخير ,, أتعرفين كم أنتي جميلة في الصباح "
نظرت إليه لتعرف أيهما يتحدث معها زين حبيبها أم زين الكريه فكان الأخير هو من يقف أمامها.
" أين وليد "
" لا تخافين إنه في المطبخ يتناول إفطاره , كنت سأصعد إليكِ فقد خفت أن تضعين في المنزل "
نظرت إليه باستنكار " أضيع ... "
ابتسم فقد أراد اغاظتها " لقد تأخرتي فظننت أنك لم تجدي طريقك "
....................
" لما عيناكي حمراوان يبدوا أنك لم تنامي جيداً "
....................
" لا تقلقين انه مجرد وقت وستعتادين على منزلك , وإن لم تعجبك غرفتك فهنالك غيرها نامي أين ما تحبين "
.....
حاولت رهف أن تمسك لسانها وأن تلتزم الهدوء لترى ما لديه فالغضب لن يؤدي إلى نتيجة معه وهذا ما يريده منها وهو أن
يفقدها أعصابها , ففضلت أن تبتعد من أمامه لكنه أمسك بيدها وجرها خلفه وهو يقول
" تعالي لأوريك شيئاً "
توقف زين أمام باب مغلق فقام بفتحه وهو يقول
" تفضلي "
فدخلت لتفاجأ بغرفة كبيرة جداً بها لوح بيضاء كثيرة , وبها مانيكانات , وكتالوجات أقمشة , وألوان وأصباغ , والذي أدهشها أكثر وجود لوحة بيضاء كبيرة على طول الجدار فدهشت رهف لذلك فاستدارت له متعجبة
" ما هذا "
" هذا ما وعدتك به في يوماً ما "
ثم أخذها إلى نافذة كبيرة ليفتحها لتفاجأ ببركة كبيرة رائعة بها أسماك رائعة الألوان وهنالك شجرة بجوارها بها عصافير خضراء وصفراء اللون جميلة فنظرت رهف إلى زين متسائلة
" أي وعد "
" يبدوا أنك نسيت لكنني لم أنساه , هذا كان أخر شي بيني وبينك يا رهف , لقد أوفيت بوعودي لك بعكسك أنتي لم تفي
بما وعدتني "
نظرت رهف إليه ولم تفهم عن أي وعود يتحدث عنها لكنها رأت الحزن بعينيه عندها امسكت بيده وقالت معتذرة
" ربما نسيت هذا الوعد , لكنني لم أنسى حياتي معك ,, لم انسى كيف كانت ايامنا في غاية السعادة ,, لم أنساك لحظة واحدة طيلة عشرة سنوات "
لكن ذلك لم يغير من موقفه وانزعاجه فقالت
" زين لا تظلمني حتى تسمعني , فأنت لا تعرف قصة حياتنا إلا من منظورك أنت , لكنك لا تعلم كيف كانت من منظوري أنا "
ثم أخذت نفس طويل وقالت " أنا حملت بوليد قبل أن تضرب رشدي بشهرين أنت وقتها كنت تعمل وتدرس بنفس الوقت وكنت تغيب عني كثيراً فلهذا ربما لم تلاحظ شي وكنت دائماً تظن أن غضبي وانزعاجي بسبب تركك لي في المنزل لوحدي طيلة اليوم , وأعتقد أنك تذكر أن في تلك الفترة كثرة مشاجراتنا على أسباب تافهة بسبب أو بدون سبب وكنت أنا من أفتعلها لكنك كنت تتغاضى عنها وتتجنب فتحها أو مناقشتها وهذا كان يزيد غيظي وانزعاجي منك "
صمتت رهف لتنظر إلى زين فوجدته مصغيا لها عندها اكملت
" زين أقسم لك أنني لم أتخلى عنك بإرادتي ربما لن تصدقني لكن هذا الحقيقة التي سأخبرك بها وهي ما لدي , كان هنالك شي بداخلي ينفرني منك ويشعرني بالكره تجاهك وكان هذا الشعور يزداد يوم بعد يوم لم أكن أعرف ما هو سر هذا الشعور , بعدها قمت بضرب رشدي وقتها شعرت وكأنك فتحت الباب للغضب والكره الذي بداخلي فاستغليت الأمر لأخرج من حياتك , بعدها سافرت مع امي ورشدي وبدأت اقتنع بأنني أخطئت في حبك , لكنني ما أن وضعت وليد حتى تغير كل شيء بداخلي شعرت بأنني اجرمت بحقك لكنني لم أعد أعرف كيف حدث ذلك ولما تملكني ذلك الشعور وكيف زال , فبدء ضميري يؤنبني وكنت أقضي أياما وليالي في البكاء والندم حتى قررا والديّ أن أعود إليك , عندها عودت سعيدة فقد كنت أعتقد أنك تنتظرني بفارغ الصبر , كنت أقول لنفسي سيغضب قليلاً وسينسى كل شي , لكنني فوجئت عندما طرقت باب منزلك وبيدي وليد , فإذا بسامر يصرخ علي ويطردني قائلاً أنك اختفيت منذ سنة وأنهم لا يعرفون ان كنت حياً أو ميتاً وأنني السبب في ذلك "
تنهدت رهف ثم أكملت بحزن
" لا تعرف ماذا شعرت وقتها وكأن هنالك من سكب ماء بارداً علي , أتعرف ماذا يعني أنني لن أراك ,,
أتعرف ماذا يعني أنني السبب في اختفائك ,,
أتعرف ماذا يعني تأنيب ضميرك ليلاً ونهارا ,,
أتعرف ماذا يعني تربية طفل وحدك ,,
أتعرف مقدار خوفي من أن تكون ميتاً ,,
كنت أرجوا من الله أن يعطيني فرصة أخرى لأراك ,, كنت خائفة من وليد عندما يكبر ما سأجيبه إذ سأل عنك "
صمتت رهف قليلا ثم اكملت بحزنً أكثر
" ذهبت الى والدي سألت الجميع استحلفتهم بالله لكن لم يجيبني أحد , حاولت أنا ووالدك وأخوتك أن نعرف لك مكانناً لكننا لم ننجح ,, لكن المؤلم في الأمر أنك استكثرت علينا رسالة أو اتصال تطمئننا عليك , هل كان ذلك كثير في أخوتك.
وأنا ألا يكفيك أنني انتظرتك عشرة سنوات على أمل أن تعود فتجدني منتظرة لك , وقد ربيت ابننا تربيت صالحة وتراني وأنا امرأة ناجحة كما كنت تخبرني , لكنك عندما عدت لم تتعب نفسك وتبحث عن أحدنا حتى أخوتك لما يا زين , لقد تغيرت كثيراً أصبحت شخص لا نعرفه ,,
لما تشعر بكل هذا الحنق تجاهي وتجاه الجميع ,,
لما هذا الحقد كله ,,
لما لا نعيش في سلام وننسى ما مضى يا زين "
" هل أنتهيتي "
" نعم انتهيت "
" أنتي أيضاً لا تعرفين الجزء الذي يخصني من القصة فأنتي لا تعرفين ما مررت به "
" ها أنا مصغية "
" وقت الحديث قد فات , لم يعد بيننا ما أخبرك به يا رهف "
" هذا ما تقنع به ذاتك "
" فليكن ذلك "
ثم تركها وخرج تاركاً إياها حائرة في أمره , فمرة ترى الكره في عينيه ومرة ترى زين الذي تعرفه ومرة تشعر أنه ضائع في أفكاره وكأنه يراجع ذاته لكن عناده الذي تعرفه بالتأكيد هو ما يثبته على موقفه العدائي لها , لكنها يجب أن تحطم جميع الحواجز بينهما يجب أن تحطم الأسوار التي بناها بينهما يجب أن تقتحم قلبه لكن كيف لها ذلك ..
................................