ألن يعود ما مضى ؟؟؟
فكر زين عدت مرات في زيارة عائلته لكنه تردد ألف مرة قبل أن يتخذ قراره فهو خائفاً من أن يقابلهم فهو خائف من أن يصدونه بدلاً من أن يأخذونه بالأحضان , إن الذكريات والتفكير ليلاً ونهاراً أتعبه فهو هنا يحاول أن يبني ما بناه في الخارج منذ عشرة سنوات وهو إثبات جدارته للفريق الذي سيلعب معه طيلة السنتين القادمتين , ومع الضغوطات النفسية التي يشعر بها أصبح يتمنى لو أن الأيام تمر سريعاً حتى يسافر مرة أخرى للخارج و إلى الأبد هذه المرة فليست له الجرأة بأن يظهر في حياة أحد , حتى أن مدربه لاحظ عليه إرهاقه النفسي فأعطاه إجازة وأخبره أن يخفف عن نفسه من أي ضغوطات يواجهها مهما كانت ظناً منه أن هذه الضغوطات ناشئة عن تغير الفريق عليه , عاد زين لمنزله ذالك اليوم متعباً ومنزعج من أن حالته ملاحظة إلى هذا الحد وضع حقيبته بجوار السرير الذي استلقى عليه ونام بعد أن أخذ نصف حبة منومة حتى يستطيع أن ينام سريعاً دون تفكير وقد اعتاد على أخذها عندما كان بالخارج .
…………..
أشرقت شمس اليوم التالي وخرج الجميع من منازلهم وأصبح الشارع يعج بالأصوات من طلاب المدارس الذين يصدرون الأصوات ممازحين بعض أو يجرون وراء بعض إلى صوت سائق عربة الغاز والخضروات وغيرها من الأصوات وكان كل ذالك كافي لإيقاظ زين من سباته الذي دام طيلة الليل , فتح زين عينيه بكسل ليرى أن الشمس قد انتصفت كبد السماء فما كان منه سوى أن نهض سريعاً متوجهاً إلى الحمام فمن المؤكد أنه قد تأخر على التدريب وما أن حزم حقيبته وخرج من غرفته مسرعاً إلى سيارته , حتى تذكر فجأة أن المدرب قد أعطاه أجازة وأوصاه بأخذ قسطاً من الراحة ,عندها فقد زين كل طاقته للخروج فوضع رأسه على المقود مفكراً إلى أين يذهب بما أنه في إجازة وفي مدينته فقرر أنه من الجيد أن يذهب إلى الشاطئ لاستنشاق بعض الهواء فهو مفيد جداً لمثل من في حالته والذين يشعرون باكتئاب خاصة , عندها قاد زين سيارته قاصداً الشاطئ و بينما كان زين يقود سيارته راودته أمنية وهي أن يذهب لمنزل والده منزل طفولته الغابرة المنزل الذي عاش به هو وأخوته , وهو ذاته المنزل الذي شهد قصته مع رهف وكم من ليلة ظل على سطحه حزيناً مكتئباً لبعد الحبيب عنه وجفاه وهنالك أيضاً أتخذ قراره بالهجرة للخارج بلا عودة أبداً إلى أرض الوطن , استدار بسيارته وقادها بسرعة باتجاه منزل والده شعر أنه يريد أن يصل بسرعة كان مستعد لأن يرتمي بين يدي والده وأخوته ليسامحوه الجميع إنه مستعد أن يفعل ما يطلبونه منه لكنه لم يعد يستطيع أن يحتمل أكثر من هذا.
فالشعور بالغربة بينما أنت في بلدك لأمراً صعب جداً ,وصل زين للشارع العام الذي تقف فيه جميع السيارات لينزل أصحابها هنالك حتى يكملون طريقهم على أقدامهم عابرين الحارة القديمة فأوقف زين سيارته هو الأخر وكان مضطر أن يتركها هنالك , فنزل وهو منزعج من ضيق الشوارع ومعرفته بالأطفال هنا ولعبهم الغير مسئول لكنه ترك سيارته في النهاية مكرهاً على ذالك مستودعاً الله إياها ,مشي زين في الشوارع الضيقة وهو ينظر إلى الجدران التي كانت تمتلئ بخربشتهم عندما كانوا أطفالاً نظر حوله ورأى كم أصبحت حارته قديمة ومتهالكة وكأنها من زمناً غابر , وبينما كان يتأمل زين ما حصل لحارته بعد غياب طويل شعر بالحزن والحنين لها , عندها لاحظ زين نظرات الجميع له فمظهره لم يعد يشبه مظهر أهل هذه الحارات , كان يلاحظ زين توقف الأطفال عن اللعب وتحليق بعض الناس فيه فهمس لنفسه
" بالتأكيد لا يعرفني أحد لكنني لفت أنظارهم بهيئتي فقط "
لكنه فجأة سمع أحدهم يصرخ من خلفه " زين الدين , إنه زيزو لقد عاد زيزو "
توقف زين فجأة ونظر إلى الجميع من خلف نظارته الشمسية دون أن يأتي بحركة واحدة وهو يفكر وعندما رأى أن الجميع ينظرون إليه يتفحصونه فكر زين أنه من الأفضل له أن يسرع خطاه ليصل لمنزل والده بسرعة فلم يبقى الكثير ,وما أن رأوه يسرع في خطاه حتى لحق به الأطفال و الشباب عندها أخذ يبتسم لكل من يقابله ويجيب عليهم بعض الأحيان وما أن وصل إلى باب منزله حتى أخذ يدق بإلحاح فخرج والده وقبل أن يبدي أي حركة أمسك زين بوالده ودفعه برفق للداخل ثم أغلق الباب خلفه فقد خاف أن يصده ويطرده والده أمام هذا الجمع الغفير عندها لن تتواري جريدة ولا مجلة عن تفنن كتابة الخبر في الغد الباكر , وما أن وقف زين أمام والده حتى نزع نظارته الشمسية عن عينيه لينظر إلى والده جيداً , عندها رأى الدمع ترقرق في عيني والده وهو يهمس باسمه
" زيزو , زيزو لقد رجع حقاً "
إن من الغريب أن والده كان لا يناديه سوى بزيزو حتى أصبحت زيزو2 بالنسبة للمشجعين , عندها أقترب زين وأخذ والده في حضنه وهو يقول
" نعم يا أبي لقد عدت "
وعندما سمع والده ذالك أخذ وضمه بكل قوته وهو يذرف الدموع تارة ويعاتبه تارة أخرى ويقول
" كم أنت قاسي , لقد اشتاق الجميع لك , لقد بحث عنك أخوتك وبحثت عنك أنا أيضاً ,, لماذا فعلت بنا ذلك ,, ماكنا نستحق ذلك منك "
لكنه لم يتلقى من زين أي جواب وظلا واقفين هكذا مدة ليست بالقصيرة حتى خرجت زوجة والده من المنزل لترى أين ذهب زوجها فقد كانا يتابعان مسلسلاً يعرض عندما سمعا طرق على الباب وما أن أخرجت رأسها حتى قالت بصوت عالي بينما هي تقترب
" يا إلهي زين هنا لقد عدت يا زين أخيراً "
عندها ابتعد زين عن والده واستدار لها بينما كان كلاهما يمسحان دموعهما
" نعم يا خالتي لقد عدت , كيف حالكِ أنتِ "
ثم اقترب منها واحتضنها عندها قالت " الحمد لله على عودتك سالماً , أين كنت طيلة هذه المدة لقد بحثنا عنك في كل مكان "
لم تنتظر من زين جواب بل قالت موجهة كلامها لوالده هذه المرة " لما تقف معه هنا ؟ لما لم تدخله حتى الآن أنت تعرف أنه آتي من سفر "
فرد والده بسخرية " من سفر هل أنتِ غبية أيتها المرأة إنه هنا منذ أشهر لكنه لم يفكر في زيارتنا إلا اليوم "
فردت زوجة والده وهي منزعجة " أقصد أنه بالتأكيد سار طويلاً حتى وصل إلى هنا فأنت تعرف كم منزلنا بعيد عن الشارع العام ولا تصل إلى هنا السيارات "
ابتسم زين بينما كان يسير إلى الداخل وهو يسمع كلاً من زوجة والده ووالده يصرخان ببعض بينما هو في المنتصف يسير بينهما حتى وصلوا جميعاً للداخل لقد كان منزلهم قديماً جداً وبسيطاً فقد ورثه أباه عن جده لهذا يبدوا بهذه الحالة من السوء , جلس زين على أحد الكراسي التي مرت عليه السنون ومازال مكانه لم يتزحزح , انشغل زين عن والده وزوجته وأخذ يحسب عمر منزلهم وأثاثهم ربما آن له الآن أن يسامح والدته على تركها لهم , فقد تقدم رجل ثري لخطبتها بينما كان والده الفقير بل المعدم أب ثلاثة أطفال يريد أن يعيدها رفضت والدته أن تعود وقبلت بالرجل الأخر مع أنه أخبرها أنه سيأخذها ويسافران فوفقت على فور بلا تردد , بالرغم من أنني لم أبلغ الرابعة من عمري بعد تركتنا لمستقبلً مجهول حتى تضمن مستقبلها هي , إن من السخرية الآن أن أعرف الآن أنني ورثت من أمي ليس ملامح وجهها الجميلة بل وحبها للمال والتطلع إلى الأعلى , تركتنا أمي في هذا البيت العتيق منذ ستة وعشرون عاماً لم تراودها حلم العودة أو حتى رؤية أبنائها فهل يا ترى عرفت والدتي أنني أصبحت أحد المشاهير أم أنها لم تتعرف على من حملته تسعة أشهر وربته لأربعة سنوات وأن لها تعرف ذالك وقد تركتنا منذ ربع قرن ؟؟ إنها أيضاً لا تعرف أنه أصبح لديها ابناً طبيب تفتخر به , أو أن ابنها الأكبر أصبح مهندساً كبير !! أم أنها نست ثلاثة أطفال حملتهم ثم أنجبتهم وربتهم وظلت معهم اثنتي عشرة سنة ؟؟! هل يعقل أن من السهل على النساء النسيان لطالما اتصف الرجل بالنسيان والجحود ونكران المعروف , فلما يكون حظي عاثراً مع النساء فأنجب لأم لا مبالية , ثم أحب فتاة تركتني منذ أول عثرة لي , وبينما كان زين شارد الذهن نظر إلى زوجة أبيه التي كانت ماذا طيبة أم لطيفة ربما لم تكن أم مثالية لكنها لم تؤذهم يوماً بل كانت تقوم بدور زوجة الأب الطيبة فكانت تغسل ثيابنا كانت لا تعاقبنا كثيراً تحملت منا الكثير لكنها لم تكن تلك المرأة الشريرة التي كنا نتصورها كانت تعاملنا بطيبة هذه الحقيقة التي لم أراها وأنا طفل , خرج زين من شروده عندما سأله والده إن كان جائعاً فأجبته أنني لم أتناول وجبة الإفطار فنهضت زوجة والدي بالرغم من تقدمها في السن لتحضر لي شيئاً أكله عندها قال والدي
" لا أريد أن أعاتبك ولدي الحق في ذالك لكنك لست أول شخص يهرب من هذه الحياة القرفة "
هل يعقل أن والدي قرأ أفكاري فها هو يشبهني بوالدتي التي فرت ما أن أتتها الفرصة
فأجبته " ألهذه الدرجة أشبهها "
تبادلنا أنا وأبي النظرات ثم قال " أنت تشبهها في كل شيء "
ابتسمت ابتسامة حزينة إنه من المحزن حقاً أن أعرف أنني لست سوى ناكراً وجاحداً لعائلتي لم أفكر في الأمر هكذا عندما تركتهم منذ عشرة سنوات , أراد والدي أن يغير الموضوع عندما رأى تكدري فأنا ومنذ صغري لا أحب أحد يتكلم عن والدتي أو يشبهني بها فقد قررت أن امحيها من حياتي كما محتنا هي من حياتها , عندها قال والدي
" الجميع مشتاقون لك فقد سألاني أخوتك عنك عدت مرات , وإن أتيت أو اتصلت لكنني أجبتهم بالنفي عندها أوصاني أحمد أن أخبرك إن أتيت أو اتصلت فهو ينتظرك في مكتبه وقد ترك لك ورقة في غرفتك وبها عنوان مكتبه وهاتفه "
ثم صمت , شعرت أن لصمته معنى فسألته " وسامر ألم يترك لي شيئاً "
نظر إلي وقال " أحمد رجلاً طيب لكنك أنت وسامر تملكان قلبان قاسيان "
نظرت إلى والدي بانزعاج فلما يشبهنا بها فنحن أكثر شخصين نكرهها وأذكر عندما كان أحمد ينهرنا عن ذالك لكننا كنا نكرها وإن لم نقل , فقلت له بانزعاج
" أبي ماذا تعني بهذا أن سامر لا يريد أن يراني"
والده " لا علم لي , ولا تسألني عن شيء أخطأت أنت فيه "
فقلت له راجياً " أبي أرجوك "
" أسمع سامر ليس لديه قلب كبير مثل أحمد وفي نظره أنك أخطأت في حقه وأنك لست سوى حقيراً , وقد قال أنه لن يسامحك وإن ركعت على قدميك , فشخصا مثلك لا يستحق أن يلتفت إليه وقد طلب مني أن لا أستقبلك حتى لكنك مازلت أبني بالرغم من مساوئك " ثم صمت قليلاً ...
ثم أكمل والدي قائلاً " لكن كل هذا مجرد كلام من خارج القلب فأنت مازلت أخاه الأصغر وبالطبع سيسامحك كما سامحتك أنا "
عندها صرخت وقد شعرت بالظلم فهذا كثير " غريب أمركم يا أبي , أتظنون أنني سافرت لأتنزه ألم تفكرون ولو قليلاً كم كنت محطم ومحبط , فكيف لي لا أشعر بكل هذا وقد منعت من العمل في عدت شركات أتعرف لماذا ؟؟ بالطبع تعرف بكل بساطة بسبب علاقتهم الشخصية بعائلة حسين رزق ومن أجل حسين رزق أداس أنا وأهان , وليس ذالك فقط بل أنني منعت أيضاً من إكمال الجامعة لسنة وقابلة للتمديد لأنني أصبحت مجرماً يا أبي , ولم تنتهي مشاكلي بل طرد أخي أحمد ومر بما مررت به من رفض عدت شركات توظيفه بينما قامت عائلة حسين رزق برشوة القائمين علي في السجن ليبرحوني ضرباً حتى أطلق ابنته وعندما لم أطلق عملوا المستحيل لتأجل محاكمتي قدر المستطاع , وسامر هل نسيتم أنه ما كان سيصبح طبيباً إن لم أختفي ,والآن ماذا تأتون لتقولوا لي بأنني أشبه امرأة لم تمر بحياة صعبة سوى أنها أرادت فقط أن تملك الكثير من المال لتحيى حياة سهلة ومريحة فأي عدلاً هذا وأي تشابه وجدتموه بيننا سوى أنني ولدها وهل هذا يكفي لأكون أشبهها "
صمت والدي منزعجاً لا أعلم هل هو منزعجاً مني أم علي , عندها أتت زوجة والدي وقدمت لي الإفطار الذي لم أعد أرغب بتناوله فنهضت مستأذن لأن أذهب لكن والدي قال " ابقَ اليوم "
نظرت إليه وأنا منزعج من كل شيء لكنني رأيت الحزن بادياً على وجهه فجلست مرة أخرى , لم أستطيع أن أحزنه أكثر من هذا وبينما كنت أتناول الطعام مع أنني فقدت شهيتي لكنني تناولته لأجل والدي وزوجته , عندها أخبرني والدي عن أن أحمد قد تزوج و رزق بفتاتين الكبرى رنا والصغرى رويدا أما سامر فقد رزق بثلاثة أبناء وهم شاهين وسام وزين وزوجته الآن حامل بعدها تبادلنا النظرات أنا ووالدي فلما يسمي سامر ابنه الأصغر زين إن كان يكرهني جداً فأجابني والدي بابتسامة أي أن سامر يغطي قلبه الحاني بدرع من القسوة يصد به الجميع عنه , ثم فجأة لاحظت أن هنالك نظرات لم أفهما بين والدي وزوجته عندها قلت
" ماذا هنالك يا أبي لما أشعر بأن هناك شيء ما تخفيانه عني "
فقال والدي ناكراً الأمر " ليس هنالك شيئاً مما تتحدث عنه "
لكن زوجته قالت " لا تحاول أن تخفي الموضوع فسيعرف مهما طال الأمر "
فصرخ والدي بها وأمرها ألا تتدخل في أمور لا تعنيها عندها عم الصمت ثم نظرت إلى والدي فصرخ بي مستبقاً تساؤلاتي
" لا شيء نخفيه عنك "
لكنني تأكدت أن هنالك ما يخفيه وهو شيء يخصني , عندها قال والدي وهو منزعج من نظراتي أنا وزوجته موجهاً كلامه إلى تلك الأخيرة " يا الهي ما كان يجب عليكِ أن تتفوهين بهذه الكلمات أنظري إليه يكاد يموت من الفضول "
فردت زوجته منزعجة " وإلى متى تريد أن تخفي الأمر , ألا يكفي غيابه عشرة سنوات إلى متى تريد أن تطول المدة إلى أن يصبح في مثل عمره "
نظرت إلى كليهما ثم قلت " أليس من حقي الآن أن أسأل عن ماذا تتحدثان "
فقال والدي وهو منزعج " كل ما في الأمر أنه بعد ذهابك بمدة ليست بطويلة أتت رهف إلى هنا باحثت عنك وأخبرتني أنها قد بحث عنك في كل مكان حتى عجزت أن تجدك , فلم يكن لديها طريقة أخرى سوى أن تأتي إلى هنا لتسأل عندها قمت بطردها ولم يتحدث معها أحد بالرغم أنها واظبت على القدوم والسؤال عنك وكنا في كل مرة نطردها شر طردة لكنها لم تتوقف عن المجيء إلى هنا وقالت أنها لن تتوقف عن البحث عنك وكانت مصرة على إيجادك وإن كان ذالك أخر عمل تقوم به ومع مرور الوقت سامحتها وسامحها أخوتك ووجدنا أنها فتاة طيبة لكن تعرف يا بني أنكما كنتما صغيري السن عندما تزوجتما وهي كانت مجرد طفلة فلا تحقد عليها كثيراً وتحمل قلبك أكثر من طاقته فالحقد ليس جيداً "
ثم صمت قليلاً ... وعندما لم أجيبه أكمل متنهداً " أخبرناها بأننا لا نعرف مكانك فظنت أننا نكذب عليها لأنك من المستحيل أن تختفي هكذا , فصرخت بها وأخبرتها أنها هي السبب فيما لو حدث لك شيئاً وأخبرتها أنها هي السبب في كل ما نمر به جميعنا وأننا كنا في خير ونعمة قبل أن تدخل حياتنا , فانفجرت باكية وذهبت لكن لم يطل غيابها حتى أتت مرة أخرى لتخبرني أن عائلتها قد قررت سفرها للخارج لعل بعدها عن المكان ينساها إياك وحقاً سافرت لكنها ما أن كانت تعود حتى تسرع لزيارتي وتبدأ في طرح أسئلتها التي لا تنتهي حتى أقسم لها أنه لا جديد عندها تتغير ملامح وجهها من ترقب وأمل إلى حزناً شديد "
ثم صمت قليلاً بينما أخذ يراقبني بعينيه لكنني لم أظهر شيئاً لأنني قررت أن أنساها منذ أن قررت هي تركي ربما أخذت وقتاً طويلاً لتنفيذ القرار لكنني نفذته في النهاية بالرغم من اشتياقي لها أحياناً , أراد أبي أن يباغتني بسؤاله وهو
" هل مازلت تكن لها مشاعر "
نظرت إلى أبي وقلت مبتسما ساخراً من السؤال "لم يعلمني أحداً أن أصفع فأعطيه الخد الأخر , لم أتعلم فعل ذالك بعد "
نظر والدي إلي والحزن بادياً عليه فسألته عن شيء غريب لاحظته وهو لما كانت رهف تبحث عني وبشدة مع أنني لم أسافر سوى بعد سنة فقد انتظرتها طيلة الوقت لعلها تعود لرشدها لكن ذالك لم يحدث , كنت أريد أن أعرف السبب الملح الذي كانت بسببه أخذت رهف البحث عني , لن أقول لأن الفضول يتملكني لأنني لست من هذا النوع من البشر لكن الحقيقة هي أنني أملك قلباً أحمقاً لا يعرف أين يقف .
فأجابني والدي " كانت تبحث عنك لأنها أرادت أن تخبرك أنها عرفت الحقيقة وأنها آسفة عن كل شيء و .... "
صمت والدي قليلاً .. ثم قال وعيناه تحدقان بي " وأنها أنجبت لك طفل "
حدقت بوالدي غير مصدقاً لما سمعته وشعرت للحظات بأن هنالك من وجه لي لكمة في معدتي فقد شعرت بألم يعتصرها بشدة ثم رددت ما قاله والدي كالأبله
" أنجبت رهف طفل ..... ماذا تقصد يا أبي بأنها أنجبت طفل , أبي لقد سافرت بعد أن تركتني بسنة وأنت تقول أنها أتت بعد أن سافرت بأشهر فأين كانت طيلة ذالك الوقت وأنتم ماذا !! سامحتموها , يا الهي أشعر حقاً أنني في وسط مهزلة أقسم أنني أشعر بذالك , إنها تسخر مني أم ماذا هل تظن أنني سأسامحها هل تظن أن لها الحق في أن تخفي شيئاً كهذا عني , ومتى كانت تنوي أن تخبرني إن كانت حقاً تنوي إخباري "
ثم صمت محاولاً أن أتمالك نفسي لكنني لم أستطع فقد صرخت بعد أن نهضت وأنا أشعر أنني أكاد أموت غيظاً فلما فعلت بي هذا ألم يكفها ما أصابني بسببها
" أية مهزلة هذه أصبح لدي طفل في العاشرة من عمره ولا أعرف سوى الآن "
ثم جلست واضعاً وجهي بين يدي لا أعرف ما أقول أو ما أعمله في موقفاً كهذا , أن تخفي عنك زوجتك خبر إنجابها طفلاً لك طيلة سنوات لأمراً صعب جداً , ثم أخذت نفساً عميقاً لعلي أهدئ فراودتني حينها تساءلت كثيرة وهي كيف لرهف تلك الطفلة التي أحببتها وحميتها ووضعتها بين عيني هي من تقوم بجرحي جرحاً تلو الأخر ,وليتها تكتفي عند هذا بل إنها تزيد من عمق جراحي كل يوم يمر , بينما لم أفعل لها سوى ما يسعدها فقد أحببتها من أعماقي عندما تركتني شعرت بأنني سأموت بدونها فصورتها كانت تلاحقني في كل مكان فما كان مني سوى ترك البلاد بدون التفكير في العودة لعلي أنساها ,وعندما كنت أشعر بأنني بدأت أنساها كنت أراها أحياناً في وجوه من أراه لقد كدت أجن لكن في المقابل ماذا أخذت منها سوى الإهانة تلو الأخرى فقد اختفت من حياتي وجعلتها فراغاً من بعدها , وتجاهلتني تماماً بينما كنت في السجن وكنت مستعد أن أسامحها لتعود فقط لي بالرغم من أنها تخلت عني , ولم تكتفي بذالك بل قامت بالوقوف في صف عائلتها ضدي وتخلت عني عندما كنت في أشد حاجتي إليها إنها لم تفكر بأن تتحقق من الأمر يبدوا أن هنالك أمور خلف الكواليس لم أراها وقتها ,ربما كان كل هذا مدبر معها وكانت هي تعلم عن الأمر , يا الهي التفكير بهذا الطريقة قد يصيبني بالجنون فهل يعقل أن هنالك أحمق أخر يشبهني في هذه الدنيا.
أخرجني صوت والدي من شرودي " زين بني , هل أنت بخير"
أزحت يدي عن وجهي وقلت " وكيف لي أن أكون بخير بعد ما سمعته "
"زين بني لا تفكر في الأمر بهذه الصورة الجميع يخطئون ويجب أن تتعلم أن تسامح , أنت أيضاً أخطأت في حق الجميع عندما اختفيت "
"أبي أرجوك أنا متعب ولا أريد أن أناقش هذا الأمر الآن , لكن الشيء الذي أعرفه أنني لن أسامح رهف على كل ما فعلته بي وسأريها هي وعائلتها وإن كان هذا الأمر أخر ما أعمله "
ثم نهضت وقلت لأبي مستأذنا " سأذهب الآن يا أبي "
لكن والدي أمسك بيدي وقال" الليلة أبقى هنا معنا , فقد اشتقت لك "
فانصعت لرغبة والدي في البقاء معهم اليوم , لكن الصمت كان خيم على المكان وكأن الطيور على رؤوسنا فقد ظللت أنا شارد الذهن بينما أخذت زوجة أبي تحضر للغداء ,أما والدي فقد أخذ يراقبني ومر الوقت بسرعة وحل المساء فوجدت الفرصة أخيراً لأختلي بنفسي فذهبت إلى غرفتي القديمة بعذر أنني نعساً .
لكن قبل ذلك سألته " ما أسمه يا أبي "
" من أبنك "
" نعم "
" لقد سمته وليد , أليس هذا ما كنت تريده "
" هذا لن يغفر لها "
" لا تكن حقد فبدلا ما أن تفكر في هذه الأمور فكر في كيفية أعادتكم كعائلة , فما ذنب وليد أن يعيش هكذا فلا تطل
العناد ,, ولكل مشكلة حل "
" أبي أتلمني أنا , هذا لا يعقل حقاً هي من تخطئ و أنا من يجب أن أتنازل لما "
" من أجل ابنك يجب أن تفعل المستحيل "
" أبني سآخذه شاءت أم أبت حتى تشعر ما أشعر به الآن "
" وما الفائدة الذي ستجنيها سوى أنك ستجعل أبنك يكرهك فبدلا ما أن تعوضه عن سنين الحرمان تحرمه من والدته الذي هو متعلق بها ,, هل هذا كلام شخص يعرف ما يعنيه فقد الأم "
ذهبت بعدها إلى غرفتي دون أن أزيد حرف واحد فقد أردت أن أهرب من مراقبة والدي إلى مكان أستطيع أن أتحدث مع نفسي به دون مراقبة والتي أصبحت عادة من عاداتي السرية , وبينما أنا على سريري الذي احتضنني طيلة عشرين سنة راودتني تساؤلات حول كون أن يكون لي ابنا إن الغريب في الأمر أن هذا الأمر راودني كثيراً من قبل كأمنية , فكنت أقول لو كان لي ابناً من رهف لوجدت عذراً لأعود حتى أراه لكن في الحقيقة هي أن أذهب لرؤيتها هي بعذر طفلي إن من الجميل حقاً أن يملك الإنسان أطفالاً وقد بلغ الثلاثين من عمره عوضاً على أن يقضي بقية حياته وحيداً , لقد كنت أحسد محمد لامتلاكه زوجة وثلاثة أطفال بالرغم من شكواه لكنني أعلم أنه سعيد هنالك من يستقبله هنالك من يخفف عنه وهنالك من يراه كمثل أعلى له ,راودتني تلك الليلة تساؤلات كثيرة أبعدت عن عيني الرقاد ومنها هل ابني يشبهني أم يشبهها ؟؟! هل يعرف أنني والده وأنني مشهور جميع الفتيان يحبون الكرة فهل يعقل أنه يتابعني أم أنها أيضاً لم تتعب نفسها لتخبره عن حقيقة والده ؟؟! إنه الآن بالتأكيد يبلغ العاشرة من عمره ومن المؤكد أنه يشعر بالغيرة من الأطفال الذين حوله لعدم امتلاكه أب مثلهم , إن مجرد التفكير بهذا يشعرني بحزن شديد عليه فما ذنبه هو في كل ما حدث , إن ذلك ذكرني بطفولتي أنا أيضاً فكم من ليلة بت باكياً حزيناً لتحتضن الوسادةِ في صمت دموعي وأحزاني وتساؤلاتي عن سبب تخلي والدتنا عنا , وكم من ليلة بات طفلي وهو باكياً حزيناً وفجأة تراءت لي صورة رشدي بغطرسته التي لازلت أذكرها فهل يعقل أن ابني يشبه خاله ولما لا وقد عاش بينهم , ابني إن هذه الكلمة غريبة علي , غفي زين وهو ينوي أن يظهر في حياة ابنه وأن يخبره أنه لم يتخلى عنه لأنه لم يكن يعرف بوجوده سوى الآن , إن ليست من عادة زين أن ينام بسهولة هكذا لكن ربما لجو الماضي الذي يسكن غرفته دوراً في ذالك ..
استيقظ زين في الصباح وهو يشعر بأن رأسه ثقيل وبالكاد يستطيع حمله لكنه لم يستطيع أن ينام أكثر من هذا بسبب الأصوات المرتفعة فغرفته قريبة جداً من الشارع ويشعر وهو بداخلها وكأنه بالخارج من شدة قرب الأصوات , خرج زين من الغرفة فوجد زوجة والده قد حضرت الإفطار لهم ووضعته في الفناء فناداه والده " زين هيا بني تعالى لتتناول شيئاً "
أجبته وأنا ممسكاً بمعدتي
" لا أريد أن أتناول شيئاً يا أبي ,,فأنا أشعر بأن معدتي مضطربة ولا شهية لدي اليوم "
عندها صرخ والدي " ماذا تقصد بهذا "
عرفت من نبرة صوته أنه لا مفر فذهبت وجلست مجبراً وشعرت وقتها أنني عدت طفل في العاشرة من عمره فقد كان والدي يجبرني أنا وأخوتي على تناول الطعام , وبينما كنا نتناول إفطارنا أنا وأبي وزوجته في الفناء وتحت شجرة العنب التي كان يعتني والدي بها منذ زمناً لا أذكره , سمعنا طرقاً على الباب فأرادت زوجة أبي أن تنهض لتجيب لكنني سبقتها وعندما فتحت الباب وجدت طفلة صغيرة تريد أن تتحدث مع زوجة أبي عندها سنحت لي الفرصة بأن استأذن والدي للذهاب لكنه اعترض قائلاً
" لكنك لم تتناول شيئاً "
" أبي لقد أكلت ما يكفي "
ثم جلست في أحدى زوايا الفناء فقد كنت أشعر بالإرهاق وحمدت الله أنه لا تمرينات لدي اليوم فأنا أشعر بالتعب , أخذت أربط حذائي وأنا شارد الذهن وفجأة سمعت صراخ فرفعت رأسي فإذا بي أرى طفلاً صغيراً يجري فاتحاً الباب أكثر على مصراعيه وما أن رأى والدي حتى ارتمى بحضنه وهو يصرخ
" مفاجأة يا جدي "
فأجاب والدي مبتسماً له "مفاجأة جميلة يا جدوا "
ظننته لوهلة أنه أحد أبناء سامر فقد أخبرني أبي بالأمس عن أنه أصبح لديه أبناءً , لكنني وبينما كنت أتأمل الطفل الذي يصدر كل هذا الإزعاج رأيت امرأة تدخل فإذا بها رهف للحظات ظننت أنها تجسدت لي من كثرة ما أفكر بها مؤخراً لكنها كانت حقيقة ولم تكن أحدى تخيلات , لم تراني عندما دخلت وأغلقت الباب خلفها وما أن دخلت حتى ابتسمت كما كانت تبتسم دائماً ثم ألقت التحية على والدي وزوجته بينما جلست خلفها أراقب ما يحدث ممسكاً بخيط حذائي الذي نسيت ربطه عند رؤيتها.
سمعت والدي وهو يقول بصوت سعيد " كيف حالك يا ابنتي , ما كان لكِ أن تقطعي كل هذه المسافة كان يكفي أن تتصلين بي حتى أتي وأخذه من الشارع العام "
فأجابت رهف بصوت ناعماً كعادتها " أنا أيضاً أردت أن أزوركم فقد وعدت وليد أن نبقى اليوم أكثر وقتاً ممكنناً "
" لكن يا ابنتي و عملك "
" ألا يستطيع الشخص الهروب من العمل ولو يوماً واحداً "
" برأي أن تتركيه فأنت لست بحاجته "
ضحكت رهف فشعرت بأن قلبي تخبط لسماع ضحكتها فهمست له أهدئ أيها الغبي إنها لا تضحك لك لكنه بالرغم من ذالك ظل يتخبط بين ضلوعي وهذه المرة بقوة.
" ليس لهذه الدرجة يا عمي أنا أحب عملي لكنه مرهق قليلاً "
أخذت أراقب طفلي تارة وأتأملها تارة أخرى فوجدت أنه يشبهها كثيراً فهو يملك العينان والابتسامة ذاتها وكأنني أرى رهف الطفلة مرة أخرى وبينما كنت أنظر إلى ابني وكم يشبه والدته سمعت أحدهم يهمس باسمي , وقد ظننت لسنوات أن هذا الصوت لن اسمعه مرة أخرى لكنه ها هو يهمس باسمي
" زين "
فقد رأتني عندما همت بالجلوس بجوار والدي لتتفاجأ بي أنظر إليها وأتأملها وقد وضعت حجابها عنها ليكتمل جمالها بشعرها الأسود .
عندها تلاقت نظراتنا شعرت أنه قد مر علينا مئات بل ألوف السنوات منذ أخر مرة رأيتها فيها فها أنا أبلغ الثلاثون من عمري بينما هي الآن في الثامنة والعشرون من عمرها لقد تغيرت فلم يبقى من تلك الطفلة الصغيرة شيء لقد أصبحت امرأة كاملة النضج في تصرفاتها حتى في ضحكتها لقد تغير كل شيء فيها , لم أتخيل أنها ستتغير ظننت أن الجميع يكبر ويتغير ما عداها نسيت للحظات كرهي وحقدي عليها وتوعدي بالانتقام منها نسيت كل ذلك أمام نظراتها وصوتها الذي همس باسمي مرة أخرى لكن هذه المرة اقتربت مني وقالت
" زين .. "
عندها استعدت وعي ونهضت مبتعداً عنها لأقف وسط الفناء فالتقت عيني بعيني طفلي لأول مرة رايته ينظر إلي ثم ينظر إلى والدي تارة أخرى عندها قال والدي
"وليد ألا تعرف من هذا "
فأجاب طفلي بارتباك وصوت منخفض " بلى إنه والدي "
عندها اقتربت منه وقلت " ألا تريد أن تسلم على والدك "
فهز رأسه بالنفي فسألته وأنا حزيناً " لما هل أنت منزعجاً مني "
فهز رأسه إيجاباً فسألته " لما "
" لقد عدت منذ أسابيع لكنك لم تزورني ولا مرة بالرغم من أنني أخبرت أمي أن توقظني إن أتيت في المساء لكنك لم تأتي"
عندها قلت وقد مررت يدي في شعره الأسود الناعم " وإن وعدتك أنني سأعوضك عن كل هذا "
" لا أريد أيضاً "
" لما "
" لأنني لا أحبك "
عندها قال والدي " وليد "
ربما صمت وليد لكنني أعرف بأنه يعني ما يقوله حقاً لما سيحب شخصاً بالكاد يعرفه من الصور والحكايات التي أخبروه عنه لكنه لا يعرف عندها قلت له
" الحقيقة أنني كنت أنوي أن أزورك حتى أنني اشتريت ألعاباً لك كثيرة لكنني أضعت الطريق"
" أذن لما لم تتصل "
" ليس لدي رقمك "
" أذن لقد سامحتك "
عنده قال والدي " وليد ما رأيك أن نذهب لشراء الحلوة "
" حسناً يا جدي , لكن أخاف أن يذهب أبي "
" لا تخاف لن يذهب إلى أي مكان سينظرك أليس كذلك يا زين "
" نعم لن أذهب قبل أن أودعك "
" هل هذا وعد يا أبي "
عندها ابتسمت ونزلت لأقبله ولأحتضنه " نعم هذا وعد يا وليد "
ثم وجه كلامه والدي لزوجته " وأنت جهزي الغداء "
كانت فكرة والدي أن يتركنا أنا ورهف بمفردنا لنتحدث فقد أخذ وليد للخارج حتى لا يسمع شيء وأمر زوجته أن تحضر الغداء. وبينما كنت أقف مكاني وظهري لرهف أفكر من سيبدئ فينا هل أستدر وأبدئ أصرخ بها أم أتركها حتى تأتي إلى معتذرة عن كل شيء وبينما أنا شارد بذهني وقفت أمامي رهف
" زين "
...
" هنالك كلام كثير يجب أن يقال و أريدك أن تعطيني فرصة لتسمعني ومن ثم لك الحق بما تقرره بعدها "
.....
وعندما لم ترا مني أية استجابة قالت من بين دموعها " زين أنا آسفه حقاً متأسفه ,, في الحقيقة منذ عشرة سنوات وأنا أتخيل هذه اللحظة التي سأقف أمامك ولقد تخيلت مئات الحوارات التي ستدور بيننا لكن الآن لا أعرف ماذا أقول وعن ماذا أعتذر فقد أخطأت في حقك ما كان يجب أتخلى عنك هكذا وكان يجب أن أعطيك فرصة للدفاع عن نفسك لكنني كنت صغيرة وقتها ,, لكنني أقسم لك أنني عدت بعدها أبحث عنك في كل مكان وكنت خائفة ألا أراك مرة أخرى ,, كل ما أريده منك أن تعطيني فرصة أخيرة "
نظر إليها زين بعينين كلهما حقد وغضب لم تراهما سوى في أخر يوم بينهما " ماذا تقصديني فرصة أخرى هل تعتقدين بمجرد اعتذارك أن هذا سيحل كل شيء ,, هل تعتقدين بأن هذا يكفي لأن تعيديني لكي راكعاً ,, أنت لا تعرفين كيف كانت حياتي طيلة العشرة سنوات لكن ما أعرفه أنك أخر شخص أريد مقابلته ,,, حسناً لنترك الماضي كله ولنمسك شيئاً واحد وليد لما فعلتي بنا هذا "
.....
وعندما لم أتلقى جواب سوى نظراتها ودموعها التي تتساقط بغزارة صرخت بقوة حتى أنني ولأول مرة أرها فزعة هكذا " لما ,, أخبريني لما أخفيتي عني وجود أبني "
" لأنني خفت "
" خفتي من ماذا من أن أخذ طفلي أم ماذا "
" زين مهما شرحت وقولت لن يحل ذلك المشكلة "
" أتعرفين أنت لست سوى أمرأه خائنة وليس هنالك جدوى من الحديث معك فأنا أكره النساء أمثالك "
" زين لا تظلمني قد كنت صغيرة وماكنت أفهم ألاعيب رشدي وما كنت أعيها فمهما حدث لا يزال أخي ولن أتخلى عنه"
" أذهبي من أمامي "
وعندما استدرت أمسكت بي بقوة وهي تبكي " زين أرجوك "
عندها أمسكت بيدها وقولت " ترجوني على ما أذكره أنك رهف ابنت حسين رزق من هم أمثالك لا يترجون "
" زين ألا يكفيك عشرة سنوات ألم تكن كافية لتمحو الخطايا ولتغفر أنت من ماذا مصنوع "
عندها لا أعرف كيف مسكتها وأخذت أهزها بكل قوة وأصرخ " هل أنا من تخلى عنكي , هل أنا من بلغت عنكي ورميتك في السجن , هل أنا من أمرت بضربك أمام الجميع لأذلك و لتنصاعي لأوامر حسين رزق مجبرة , هل أنا من أغلق جميع الأبواب في وجهك أنت وعائلتك , هل أنا من طلب منك ان تختفي من البلد وعن كل من تحبينه إن أردت أن يعيشوا عيشة هنية , أم أنا من أخفى عنك وجود طفلنا ,,,, أخبريني الآن من هو الحقير بيننا الذي لا يستحق مغفرة الأخر له "
عندها أجهشت رهف في البكاء فمعرفتها ببعض ما مر به آلمها حقاً وإن لم يصدقها زين عندها دفعها زين بعيداً عنه ربما خوفاً من أن يضعف أمامها
" بعد كل هذا تأتين وبكل بساطة تطلبين الصفح , هل ترين أمامك شخص بدون كرامة , ربما في ماضي استطعتوا أن تدوسوني وتهينوني بما فيه الكفاية لكن اليوم لا لن أسمح لأحداً منك أن يتجرأ على ذلك "
......
نظر إليها وكان يغلي من الغضب ودموعها كانت تشفي بعضاً من غليله ولا يعرف كيف قال " لطالما تمنيت لو أنني قتلك أنتي وأخاك رشدي ربما لكان ذلك شفي غليلي "
" أتريد قتلي يا زين "
" نعم "
نظرت إليه غير مصدقه وأخذت تتأمله في الحقيقية أنه لم يعد يشبه زين الفتى الذي أحببته بشي فشعره الطويل الى رقبته والذي يربطه ما كان زين الذي أحببته ليعمله فقد كان يحلقه باستمرار , حتى جسده أصبح أكثر ضخامة حتى نظراته كلها حقد وكره طريقة لبسه لقد تغيرت, في الحقيقة لم يعد فيه شيء واحد يدل على أنه زين حبيبي وزوجي الذي أتيت باحثة عنه.
عندها قامت بمسح دموعها وقالت بصوت حاولت أن يكون ثابتاً " أنا كنت أحاول أن أتحدث مع من تزوجته وأحببته , لكن يبدوا أنني فقدته منذ عشرة سنوات لقد أخطئت حينها , لكن خطئ الأكبر ما أفعله الآن وهو أن أقف أمامك باكية راجية منك المغفرة بينما أنت ترمي علي كلاماً قاسياً دون إحساس , يبدوا أنني أنا من هي المغفلة "
عندها شعر زين بمشاعر متضاربة فابتعد ليقف بالقرب من شجرة العنب عندها همت رهف بالخروج لكنها ما أن خطت إلى باب المنزل حتى سمعت صوت وليد وجده يهمان بالدخول فذهبت مسرعة إلى داخل النزل فأخر شيء تريده أن يراها ابنها باكية ومكسورة ..
والد زين " وليد أذهب لجدتك و أخبرها بأن تأتي لنا بالشاي والفاكهة "
جرى وليد للداخل ليقوم بما طلبه جده أثناء ذلك خرجت رهف من المنزل وقالت " مع السلامة يا عمي سأعود في المساء لأخذ وليد "
وما أن همت بالخروج حتى أمسكت بيدها زوجة والدي وقالت " لا لن تخرجي اليوم ستتغدين معنا "
" شكراً يا خالتي لكن في الحقيقة لا أستطيع لدي عمل "
" لا تتعذري بالعمل ستبقين ولقد انتهى النقاش "
وحقاً جلسنا جميعنا تحت الشجرة وليد يلعب أمامنا مع والدي بينما أنا أراقبهما أما زوجة أبي فكانت تحضر لنا الغداء ومن ثم خرجت لتنضم إلينا وجلست بجوار رهف التي جلست في الطرف الأخر والتي لم ترفع عينها عن الكأس الذي في يدها منذ أكثر من ساعة
" ما الذي تفكرين به يا ابنتي "
" لا شيء "
جهز الغداء وجلس الجميع ليتناول الطعام فتعذرت رهف بالذهاب لتأتي بكأس ماء لكنها لم تعود وبينما أنا أتناول الطعام غصصت فنهضت لأذهب إلى المطبخ وعندما وصلت وجدت رهف تجفف دموعها وتفاجأت بقدومي لكنني قولت لها بصعوبة
" ماء مااااء "
عندها فهمت فأسرعت بكأس من الماء لتعطيني وعندما لم تنزل أخذت تضربني على ظهري بكل قوة وعندما انتهى الأمر قولت لها " هل أنت تنتقمين مني أم ماذا ,, لماذا تضربينني هكذا "
" كنت أريد أن أساعدك ,, هذا جزائي "
" شكراً لك ,, لكن مرة أخرى وحتى إن كنت أموت أمامك فلا تساعدينني مفهوم "
" حسناً "
.....
شعرت رهف أنها اكتفت اليوم من كل ما جرى فجففت دموعها وخرجت من المطبخ , وطلبت من وليد أن يستعد للمغادرة فنهض وليد وذهب ليغسل يداه ويلبس حذاءه عندها قال زين " سأسير معكم "
" لا داعي لذلك "
" أنا أتحدث مع وليد "
عندها خرجت رهف مسرعة فقد شعرت بالإحراج يلحق بها وليد وهو يصرخ " انتظريني يا أمي "
وزين يسير خلفهم عندها استوقفه والده قائلا " رفقاً يا بني بها لا تجعل الغضب يعميك "
" حسناً "
سارا كلا من رهف وزين متباعدين بينما طفلهما وليد يسير في المنتصف ممسكاً بيدا كل واحد منهما وعندما وصلا للمنعطف توقف زين وودع وليد وقبله واحتضنه ثم قال
" اعتني بنفسك حسناً "
" هل سأراك مرة أخرى يا أبي "
" بالطبع يا روحي , خذ رقمي الخاص سأنتظر منك اتصال حسناً "
" حسناً "
ثم تركهما وسار لمنعطف أخر في الحارة فطريقهما كان مختلفين عندها لحقت رهف به وقالت دون أن تشعر
" زين "
لم أكن أريد أن التفت إليها لكن جسدي خانني واستدار ليقابلها بينما هي تحاول أن تخرج صوتها بثبات أكثر فهي امرأة الثامنة والعشرين عادت أمامه كفتاة الثامنة عشرة لم تستطع أن تقول شيء سوى أن تهمس باسمه فقط هذا ما استطاعت أن تنطق به
" زين "
نظر زين إليها بنظرات شعرت بأنها تحرقها من شدتها عندها لجم لسانها عن الحديث فلم تعد تعرف ماذا تقول لكنها تخاف أن يذهب ولا يسمعها وعندما أرادت أن تتحدث معه لم تخرج منها سوى
" زين "
عندها أجابها بصوت سارت معه قشعريرة بجسدها كلها كره وحقد ونفور هل يعقل أنه نساها وأنها لم يعد لها وجود في حياته
" أرجوك سيدة رهف أن تعرفي أننا وسط الشارع والجميع يمرون إنه ليس من الجيد أنه تنتشر عني شائعات منذ البداية أي شيء تريدين أن تخبرينني به فأخبري والدي عنه وهو سيخبرني بالتالي "
ثم وضع نظارته الشمسية بكل غطرسة وواصل سيره متجاهلاً إياها في الخلف لقد قرر أن لا يقابلها مرة أخرى فهو يخاف إن قابلها مرة أخرى أن يستسلم لها و أن يسامحها على كل شيء ويعود لها لقد تأكد اليوم كم قلبه وجسده ضعيفان أمام عينيها إنه يشعر بأن قلبه ينبض كما لو أنه في أحد المباريات وصل إلى سيارته وهم بقيادتها عندما رأى في المرآة الجانبية
رهف وهي تقف خلفه هل لحقت به كل هذه الشوارع هل يعقل ذلك , لكنها لما توقفت هنالك هل تظن بأنني سأستسلم بهذه السهولة وأعود لها زاحفاً بينما هي تقف هنالك بكل كبرياء إن كانت حقاً تريدني لكانت لحقت بي إلى هنا لكانت تمسكت بي للأخر , عندها همس وعينيه لم تفارقان المرآة
" إن كنت تريدينني فلتأتي إلي ,, أنا لن اذهب إليك بعد الآن أبداً ,, بل سأقف هنا وأنتِ التي ستأتين إلي "
وعندما لم تقم رهف بأي حركة تدل على تقدمها أخذ زين يقود سيارته مبتعداً تاركاً رهف خلفه تقف هنالك تراقبه حتى تأكدت من عدم عودته , عندها لم تصدق أن من تركها الآن وذهب هو ذاته الذي عرفته فيما مضى الذي قال لها سأمسك بيدك إلى الأبد حتى إن أفلتني أنتِ سأظل باسط كفي لكِ حتى تعودين وأمسك بيدكِ مرة أخرى ,سقطت دموعها وهي تتساءل إن كان لا يعني ما قاله لما أخبرني أن أثق به , لما طلب مني أن أصدق كل ما يقوله ومهما يقوله لأنه يعنيه ولأنه لن يكذب عليّ أبداً , لقد أخبرني أنه مهما فعلت سيسامحني لأنه لا يوجد أي شخص أخر يحبه مثلي فهل يعقل أن هذا الشخص وجده أخيراً وهنا أصبحت رهف تذرف الدموع أكثر من قبل وتساءلت بينما سارت عائدة إلى المكان الذي تركت ابنها وليد فيه , هل يعقل أن يعود بيننا ما قد مضى ؟؟؟
****************************