أتحبينني بعد الذي كان ...
استيقظت رهف على صوت المنبه فأطفئته وهي بالكاد تفتح احدى عينيها , وبعد مرور نصف ساعه رن هاتفها فامسكت به لترى من المتصل فرأت اسم ابنها وليد عندها شعرت وكأن النعاس غادر عينيها فجأة حاولت أن تتجاهل الرنين لكن وليد ظل يتصل بها عدة مرات لمدة عشرة دقائق ثم توقف الرنين .
نظرت رهف لسقف غرفتها لتتأمله حزينة ومشغولة البال فوليد لم يمل أو يكف عن الإتصال بها , أخذت تقلب الهاتف في يدها فهل تستسلم وتتصل به أم تصبر وترى ما سيحدث .
أخذت رهف تبكي فما يحدث داخلها لم تعد تحتمله فأفكارها ومشاعرها مشتتة ومتناقضة فهي تشعر أن ما تفعله بوليد لا تفعله ام تحب ابنها لكنها لم تجد طريقة لتنتقم من زين سوى ذلك وأرادت بنفس الوقت أن تعاقب وليد الذي اختار والده عليها فذلك ألمها بحق فهي من ربته واعتنت به منذ صغره لقد تخلت عن حياتها من آجل تربيته وإخلاصاً لوالده لكن كلاهما تسبب بجرحها ..
أرادت رهف أن تنهض لعلها تنفض عنها هذا الأفكار فمن الأفضل لها لو أنها تركز على عملها فلم يبقى لها الكثير على المعرضين , لكن في الواقع أنها لا تشعر برغبة في مغادرة سريرها فهي تشعر بارهاق وتعب فهي لم تنم جيداً ليلة امس بسبب تفكيرها بوليد وبزين وبحياتها وما آلت إليه.
الحقيقة أن اقتراب موعد الزفاف هو ما يربكها ويخيفها فهي تشعر أنها تريد أن توقفه بأي طريقة لكنها لا تعرف طريقة مناسبة توقف بها هذا الزفاف بدون أن تظهر ضعف قلبها أمام الأخرين فالجميع وأولهم زين سيعرف السبب حتى وإن أنكرت السبب الحقيقي , لهذا تريد أن تجد سبب معقول لتلغي به الزفاف .
فجأة قطع حبل أفكارها رنين هاتفها فرفعته بسرعة ظنناً منها أنه ابنها وليد لتتفاجأ بأن فارس هو المتصل عندها همست
" عمرك طويل يا فارس "
ثم أجابت " ألو "
" صباح الخير يا رهف "
" صباح النور "
" كيف حالك يا رهف "
" الحمدلله , وأنت كيف حالك يا فارس "
" منذ أن سمعت صوتك أصبحت بأفضل حال "
شعرت رهف بالخجل فهي لم تعتاد أن تسمع كلام الغزل هذا سوى من زين
.......
" رهف هل أنت في منزلك أو مشغلك "
فكرت رهف بانزعاج مشغل إنه دار للأزياء وليس مشغل خياطه ..
" في المنزل لما "
" ألن تذهبي لمشغلك "
" بلى "
" حسناً أذن سألتقي بك هنالك "
" لماذا "
" عندما أراكِ ستعرفين "
" حسناً "
" إلى اللقاء "
" إلى اللقاء "
أغلقت رهف الهاتف وهي تفكر في الشيء الذي من أجله قد يتصل فارس في مثل هذا الوقت المبكر لكنها لم تتوصل
لشيء , فقررت أن تنهض عن سريرها لتبدل ثيابها ولتذهب لعملها
........................
في المكتب ...
وصلت رهف لمكتبها فوضعت حقيبتها وكأس القهوة بجوارها وفتحت درجها لتخرج بعض الأوراق التي تعمل عليها , وظلت رهف على ذلك طيلة فترة الصباح فقد اختارت الفساتين التي ستشارك بها في العرضين ووضعت بعض ملاحظاتها على تلك الأوراق حتى تناقشها مع سمية , وعندما انتهت نظرت إلى ساعتها فوجدتها الساعة 12 ظهراً فهمست
" الآن وقت عودة وليد "
عندها شعرت بألم وحزن فقد اشتاقت لابنها كثيراً عندها أخذت هاتفها وأصبحت تتنقل بين صور وليد التي التقطتها له خلال السنة الماضية فأخذت تقبلها وهي تذرف الدموع .
" سامحني يا وليد لقد قسوت عليك كثيراً بنيّ "
وبينما رهف تضم هاتفها لصدرها وتذرف الدموع اقتحمت سمية المكتب تتبعها فتاتان تحمل كلاً منهن فستان زفاف أبيض فنظرت إلى صديقتها والسعادة تملؤها
" ما رأيك يا عروستنا بهذه المفاجأة "
لكنها فوجئت بمنظر رهف فقد كانت تبكي
" رهف ماذا بك "
.....
ثم استدارت سمية للفتاتان وقالت
" لو سمحتن علقن الفستانين هنالك ثم اذهبن "
" حسناً "
" شكراً "
وبعد أن خرجت كلا الفتاتان اقتربت سمية من صديقتها ثم سألتها والقلق واضحاً عليها
" رهف عزيزتي ماذا بك لما تبكين "
عندها اخفضت رهف رأسها وأخذت تبكي أكثر
" رهف أقلقتني ,, ماذا حدث "
......
" رهف أرجوكِ قولي ما بكِ ولما تبكين "
....
" رهف أرجوكِ "
" وليد يا سمية "
" ماذا به "
" لا شيء لكنني اشتقت له ولضمه وتقبيله هذه أول مرة يبتعد عني هكذا يا سمية "
" ألست أنتِ من قررتِ ألا تتحدثي معه ولا ترينه إلا إذا عاد يعيش معك يجب أن تتحملي قليلاً لعله يتحقق ما تريدينه "
" لكنني لم أعد أحتمل بعده أكثر من هذا فقد مرت ثلاثة أسابيع على ذهابه , لكنني أشعر بأنها سنين وليست أسابيع "
" أذن أذهبي إليه إنه إبنك يا رهف لن يمنعك عنه أحد "
" أعرف ذلك , لكنني أشعر بخيبة أمل منه فقد ظننت أنه بمجرد أن يمر الاسبوع الاول وهو بعيداً عني حينها سيشتاق ليّ وقتها لن يتحمل فراقي فيعود إليّ من تلقاء نفسه , لكن ذلك لم يحدث إنه مثل والده أنانيّ "
" لا تقولي ذلك عنه فوليد مازال طفل فلا تشبهي تصرفاته برجل بالغ , ثم أنتي لا تعرفين ظروف وليد ربما والده هو من منعه عنك ِ "
.........
" رهف عزيزتي لا تبكين أرجوكِ أنتِ تعرفين أن وليد سيعود لكِ لا محالة فأنتِ والدته لكن يجب أن تصبري قليلاً "
" أشعر بفراغ كبير في حياتي يا سمية "
" لقد أخبرتكِ مرة ألا تعلقين سعادتك على أي شخص فإن اختفى اختفت سعادتك وبسمتك معه , أنظري حولكِ الكل يعيش لنفسه فقط حتى وليد لقد اختار من تلقاء نفسه أن يعيش مع والده لأن ذلك هو ما يريده دون أن يهتم بك , حتى إن لم يتركك اليوم كان سيأتي يوم ويتزوج فيه وينشغل بحياته عنك عندها ماذا ستفعلين "
........
" رهف أريدك أن تركزين على سعادتك أنتِ "
" ماذا تقصدين "
" ما أقصده أنه من الضروري أن تتزوجي من فارس فهو الرجل المناسب لكِ فهو رجل طيب القلب , لطيف , وسيم , من عائلة مرموقة في الحقيقة أنا لا أعتقد أن هنالك مثل هذا الشخص هذه الأيام فلا تضيعينه من يدكِ "
" لكنني خائفه من أن أظلمه وأظلم نفسي يا سمية "
" رهف أرجوكِ أنزعي هذه الأفكار من رأسك وركزي فقط كم ستكون حياتك سعيدة مع رجل مثله "
نظرت رهف إلى صديقتها وفكرت فهي لا تشعر أن سعادتها ستكون مع رجل سوى زين فهو الرجل الوحيد الذي تتخيل أن يكون صدره وسادة لرأسها , في الحقيقة أنه هو مصدر سعادتها فبدونه لن تكون سعيدة مهما حاولت فعندما غاب عشرة أعوام عنها حينها أختفت السعادة معه وأظلمت حياتها من يومها , ومهما كانت تحاول أن تتظاهر بالسعادة كانت تعود لغرفتها
أخر النهار لتعيش ساعات حزن طويلة , فكيف لها أن تكذب اليوم على نفسها وتخبرها أن سعادتها ستكون مع رجلاً أخر .
" رهف "
" نعم "
" أين ذهبتي "
" لا مكان يا سمية "
" اذن هيا انهضي "
" لماذا "
" حتى تقيسين فستان زفافك "
" أرجوكِ يا سمية لست بمزاجاً جيدا "
" بل ستقيسهما الآن "
" سميه "
" لا تجادليني "
وحقا قامت رهف بقياس الفستانين واختارت فستان هادئ التفاصيل ليس به تعقيدات كثيرة مثل الفستان الأخر الذي كانت تصر عليه سميه فقد شعرت أن هذا الفستان يناسب مزاجها وحالتها في الحقيقة , فقد شعرت أنه يجدر على من تلبس الفستان الأخر أن تكون عروساً سعيدة حقاً وليس مثل حالتها .
غادرت سمية مكتب صديقتها بعد أن انتهت رهف من قياس الفستان تاركتاً إياها وحيدة , لكن لم يمر سوى بضعة دقائق
حتى اهتز هاتفها فرفعته لترى اسم فارس فتذكرت أنهما تواعدا أن يلتقيا هنا اليوم ..
" الو "
" مرحباً رهف "
" أهلين فارس "
" هل أنتِ في مكتبك "
" نعم "
" ذلك جيد لأني في طريقي إليكِ "
" حسناً ,, أنا منتظرتك "
" هل تغديني "
" ليس بعد "
" ممتاز "
" ما هو "
" أنكِ لم تتغدين بعد لأنني أريد أن أتغدى معكِ "
" لكنني مشغولة ولن أستطيع مغادرة مكتبي "
" لا بأس سأحضر الغداء معي , فهل هنالك نوع معين تحبينه "
" أي شيء سيعجبني "
" حسناً , إلى اللقاء "
" الى اللقاء "
أغلقت رهف هاتفها وهي تفكر أنه يجب أن تجد طريقة سريعة لتوقف هذا الزفاف وهذه التمثيلية فهي في الحقيقة لا تحب فارس ولا تريد أن تظلمه , وبينما هي سارحت بفكرها فتح باب مكتبها بقوة مما أفزعها بشدة
" زين الدين "
" نعم زين الدين "
" ماذا تفعل هنا "
" أتيت لأقابلك "
نهضت رهف وهي تشعر بالغضب من طريقته لاقتحام مكتبها بهذه الطريقة
" لكنني لا أريد أن أقابلك "
" لا يهمني ما تريدينه "
" وهل هو بالقوة أن أقابلك "
" لديّ كلام أريدكِ أن تسمعيه وتعيه وبعد ذلك سأغادر "
" من الأفضل لك أن تغادر الآن فأنا لا أريد أن أسمع أي شيء منك "
" رهف الأمر لن يأخذ الكثير من وقتك "
" لقد قلت لك لا أريد أن أسمعك فأخرج "
" إن الأمر يخص وليد "
" ماذا ألا تفهم غادر مكتبي حالاً "
..........
" ومرة أخرى اتصل لتأخذ موعد مسبقاً فأنا لا أحب الأشخاص الهمجيين أمثالك "
" لما هل سأقابل رئيسة الوزراء "
وقفت رهف أمامه وصرخت به بكل الغضب الذي تكبته داخلها تجاهه
" يجب أن تعرف أنه لا يحق لك أن تدخل مكتبي دون موعد سابق , وإن قمت بذلك مرة اخرى سأتي بمن يرميك خارجاً ,, أتفهم ذلك "
اقترب زين منها اكثر مما افزعها ثم قال " ماذا قولتي حضرتك ,, لم اسمعك جيداً "
عندها استدارت رهف متظاهرة بالقوة وضغطت على زر
" زياد أرسلي رجال ... "
لكن زين امسك بيدها وشدها لتقف أمامه مفزوعة وغاضبة منه فصرخت
" هل أنت مجنون أم ماذا "
.....
" لما لا تجيبني "
" على ماذا تريدينني أن أجيبك "
" على سبب قدومك واقتحامك لمكتبي بهذه الطريقة "
" لقد أتيت لأعيدك لرشدك "
" لتعيدني لرشدي لما هل أخبرك أحدهم أني جننت أم ماذا "
" اذن ماذا تسمين امراءة تركت زوجها لتتزوج رجلاً أخر وتركت ابنها الصغير ثلاثة أسابيع دون أن تجيب على اتصالاته , أليس
هذا نوع من أنواع الجنون "
" نعم أعيد ما قولته ,, أنا من تركت زوجي لأتزوج رجلاً أخر وتركت ابني الصغير دون الاطمئنان عليه ,, هل تريد أن تلفق بي تهمن لم أرتكبها,, أم أن هذا ما تقنع به نفسك وتقنع به وليد "
......
" أتعرف الجنون هو أن اقف هنا وأسمع حديثك هذا الدال على الجنون بحق ,, فزواجي بفارس كان بعد أشهر من طلاقنا وأنت تعرف ذلك ,, أما عن عدم اجابتي على اتصال ابني فهذا شيئاً لا يعنيك بتاتاً "
" كيف لا يعنيكِ والفتى تغيرت حاله للأسوء حتى اساتذته لاحظوا ذلك "
" ألم يختارك إذن فليتحمل نتيجة اختياره "
" رهف أنا لا أصدق ما اسمعه "
" بلى صدق "
" رهف إنه طفل فكفِ عن جنونكِ هذا "
" إن كنت جننت فذلك سيكون بسببك "
" رهف صدقيني سيأتي يوماً وتندمين على هذا كله "
" اسمع لقد مللت حديثك فلما لا تغادر "
وقبل أن يجيب زين فتح الباب ودخل فارس وهو مبتسم ابتسامة كبيرة كريهة وكان يحمل في يده أكياس وعلب كثيرة وباقة ورد كبيرة وما أن دخل وقبل أن يلاحظ زين قال
" كل عام وأنتِ بخير يا رهف "
.....
" مفاجأة أليس كذلك "
عندها تنحنح زين من خلفه فاستدار فارس ليجد زين خاف الباب ينظر إليه باشمئزاز عندها استدار فارس برهف وقال
" لماذا هذا الشخص هنا يا رهف "
نظرت رهف إلى كليهما ولم تعرف ما تجيب عندها قال زين
" ألم أخبرك أن هنالك أموراً كثيرة تجمعني بها لهذا حتماً ستراني في المستقبل كثيراً "
عندها هجم فارس على زين الذي كان يريد أي شيء يفرغ به غضبه فأخذ يضرب فارس ويركله بينما فارس يحاول أن ينهض لكن سرعة ضربات زين وقوتها انهكته عندها صرخت رهف
" زين كف عن ذلك ,, كف ,, زين الدين هل جننت "
توقف قليلاً زين ليلتقط نفسه ثم نظر إلى رهف وهو غاضب عندها امسكت بيده رهف
" زين كف عن جنونك هذا "
" اتركِ يدي "
" لا لن اتركك حتى تخرج من هنا "
لكن زين دفعها فاسقطها دون أن يقصد ذلك عندها قال وهو يقترب منها
" رهف هل أنتِ بخير "
" ابتعد عني "
" أنا آسف لم أقصد ذلك "
" غادر مكتبي في الحال "
نظر زين إليها ثم غادر وهو ينظر إلى فارس الذي ينزف دماً من أنفه ويده التي ارتطمت على الجدار وابتسم ساخراً من فارس فقد أحرجه بالتأكيد أمام رهف وهذا ما كان يريده , فالمرأة دائماً لا تحب الرجل الضعيف والذي يضرب وخاصة لو كان من ضربه زوجها السابق.
........................