كاتب الموضوع :
kirara
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: زهرة النعناع ( جزء الاول )
وفي عتمة الفجر من صباح اليوم التالي .. ما لبثت أن هدأت العاصفة وتوقف المطر حتى سربل الضباب المحيط كله في غلاله الداكنة فلم يعد يرى شيئا، كان أليكسيس واقفا أمام فتحة مدخل الكهف ينظر بنظرات شبه شاردة في جيوش الضباب الجرارة التي كانت تغرق كل ما حولها دون رحمة , إلتفت نحو الأميرة التي كانت ترقد على الأرض الصلبة ملتحفة بردائه دنى منها ووضع يده على جبينها ليرى إن زالت الحمى أم لا لكنه تفاجأ بها وهي تحاول بقوة فتح عينيها والنظر مباشرة إلى وجهه قال لها بصوت هادىء :
ــ هل تقوين على النهوض يا مولاتي ؟ . وبالرغم من ضعفها الشديد أجابت :
ــ أظن ذلك .
فطوق أليكسيس يده حول خصرها وحاول مساعدتها على الوقوف لكنها لم تستطع الوقوف بثبات فقد كانت تتمايل بين يديه كتمايل أغصان الشجر بيدي الرياح لذا رفع أليكسيس يدها اليمنى ووضعها حول رقبته ثم طوق بيده الأخرى خصرها قائلا :
ــ إتبعي خطواتي برفق .. وما أن بدآ بالسير حتى صرخت متألمة :
ــ أشعر بألم شديد في معدتي .. ولا تكاد قدماي تحملانني .
فسارع أليكسيس بحملها ووضعها على الحصان ثم إمتطى حصانه يشق طريقه بحرص وتأن شديد فالضباب كان يزداد إنتشارا وتوسعا.
توجهت مارتنيز المدبرة الأولى إلى غرفة الملك طرقت الباب واستأذنت بالدخول لتجد الملكة جالسة بالقرب من المدفأة تتصفح بعض الصكوك في يديها إقتربت منها وهمست في أذنها وانصرفت بعد إشارة من يدها كان وقتها المستشار الأول لوبيز يعقد إجتماعا سريا خارج أسوار القصر بعيدا عن الأعين بصحبة رجل غريب مريب النظرة لم يكن هذا الإجتماع عادي بل كان يحمل في طياته أحداث مجلجلة سيكون لها أهمية كبيرة في الأيام القادمة؛ توجهت الملكة إلى غرفتها حيث كانت مارتنيز بإنتظارها وبعجل تسأل الملكة كونستانسيا :
ــ هل هي معك ؟
ــ نعم يا مولاتي ولقد حرصت على إحضارها بنفسي .
ــ أحسنت عملا .. أعطنيها. دفعت مارتنيز شيئا ما ملفوفا بقطعة قماش مخملي إلى الملكة التي قامت بدسها تحت ثيابها الفضفاضة ثم أردفت قائلة :
ــ خذي هذه الرسالة واحرصي على تسليمها للمستشار لوبيز .. وكوني حذرة فهناك
عيون تراقبنا بالخفاء هيا إذهبي .
إنطلقت مارتنيز مسرعة والرسالة في جيبها لم يكن الأسقف بريستوف على علم بما كان يجري فقد كان مشغولا بحديث دار بينه وبين الدوقـة إيديث إلا أنّ طرقا على الباب قطع عليهم حديثهم دخلت الخادمة بعد أن أذن لها بالدخول وانحنيت بإحترام قائلة :
ــ عذرا يا مولاتي .. لكن صاحبة الجلالة أرسلتني لأزف إليكم خبر إستيقاظ الملك من غيبوبة المرض وهو يطلب رؤيتكما معا وفي الحال .
وعلى الفور توجه الاسقف بريستوف والدوقـة إيديث لرؤية الملك والإطمئنان عليه دخلا الغرفة معا ليجدا الملكة كونستانسيا بصحبته إقتربت الدوقـة من الملك الذي كان يحاول الجلوس بصعوبة إنحنيت عليه وقبلته على جبينة قائلة :
ــ الحمد لله على سلامتك يا بن أخي لقد أخفتني .. هل تشعر بتحسن الآن ؟
ــ قليلا . الملكة كونستانسيا :
ــ سأنسحب الآن أعلم أنك تود الإنفراد بهم أرجو أن لا تطيلا البقاء فهو مازال ضعيفا .
إنصرفت كونستانسيا وقد إرتسمت إبتسامة خبيثة على وجهها بينما كانت الدوقـة إيديث تنظر بإستغراب نحو الأسقف بريستوف الذي كان يبادلها النظرات نفسها وبعد أن أغلقت الباب خلفها قال الملك :
ــ لماذا لم تبقى بجانبي أيها الأب بريستوف؟ أنت تعلم أنني لا أثق بكونستانسيا .
ــ لقد حاولت يا مولاي .. لكن الملكة رفضت بقائي وأمرتني بالإنصراف ولم أستطع
معارضتها يا مولاي .
ــ أخبرني هل هناك أيّ أخبار عن أليكسيس ؟
ــ لا أخبار عنه حتى الآن يا مولاي . الدوقـة إيديث :
ــ لا داعي للقلق يا عزيزي ستراه يدخل من هذا الباب بصحبة الأميرة سليما معافا.
ــ أرجو ذلك حقا إن حدث له مكروه ما فلن أسامح نفسي أبدا..
يطرق رأسه للأسفل قليلا ثم يقول :
ــ أيها الأب بريستوف.. لقد أردت رؤيتك حتى أوصيك بأن تعلم أمير مقاطعة دوبلين
الدوق ألفالتسي بما جرى .
ــ ولكن يا مولاي ألا يجدر بنا أن ننتظر حتى عودة الأمير , قد لا نحتاج لأن ننقل مثل هذا النبأ للدوق .
ــ قد تكون محقا ربما لن نحتاج لهذا الإجراء ، لكن من باب الحرص أرسل له دعوتي بأن ينزل في ضيافتنا قد لا تجري الأمور حسب مشيئتنا .
ــ أمر مولاي . وانصرف الاسقف بريستوف من فوره ليعمل بأمر الملك كانت الدوقـة إيديث تحدق النظر بالملك متسائلة :
ــ إنني أتساءل من باب الفضول يا بن أخي , لماذا طلبت رؤيتي؟
ــ لأمر خاص أريد أن أطلعك عليه يا عمتي .
ــ خير إنشاء الله . الملك وهو يشير بإصبعه نحو منضدة فاخرة الصنع من خشب السنديان قائلا :
ــ ستجدين خلف تلك المنضدة زر إضغطيه فيظهر لك درج سري يحتوي بداخله صك ختم عليه بالشمع الأحمر أريد منك أن تحفظيه عندك إلى أن أطلبه منك .
ــ ولماذا تريدني أن أحفظه؟.. هل هو مهم لدرجة تأتمني عليه؟
ــ يمكنك قول هذا فهذا الصك لا يقدَّر بثمن!.. كما أن أمره سر يجب أن لا يطَّلع عليه أحد معك سيكون بأمان يا عمتي .
ــ إذن لا داعي لأن تقلق سأحفظه لك .
كانت الملكة كونستانسيا في غرفتها تحتسي كوب شاي بشرائح الليمون عندما دخل عليها المستشار الأول لوبيز فقال لها :
ــ أَراك اليوم على غير عادتك يا مولاتي .
ــ ولماذا تقول هذا ؟
ــ أقوله لأنَّك لا تشربين الشاي بالليمون إلا في حالتين إما أن تكوني راضية عن شيء ما أَو أنك سعيدة بإنجاز حققته . الملكة وهي تبتسم :
ــ وما أدراك أنت بطباعي أيها المستشار لوبيز .
يقترب منها فيضع يده برفق على كتفها وينحني إلى أن يلامس بخدَّته الخشنة وجهها الناعم قائلا :
ــ هذا لأني أعرفك أكثر من زوجك الكهل يا مولاتي , أَم تُراك نسيت هذا!
الملكة بدلال وغنج صارخ :
ــ صدقت فلا أحد سِواك يَعرفني حقَّ المعرفة يا عزيزي المستشار، ولكن تذكر أنك تعرف فقط ما أريدك أن تعرفه!! المستشار بإلحاح أكثر :
ــ إِذن أَخبريني . الملكة مراوغة :
ــ أُخبرك ماذا ؟ المستشار لوبيز وهو يتمعَّن إلى محاسنها وينظر نظرة الفاحص الماكر.
ــ أَنت أَدرى يا مولاتي .
وعندها مدَّت الملكة كونستانسيا يدها بورقة ملفوفة بشريطٍ أَحمرٍ وما أن فتحها لوبيز حتى شخصت عيناه فقالت :
ــ أأدركت الآن سبب سعادتي يا عزيزي المستشار. المستشار متعجِّبا :
ــ وكيف حصلت عليه؟.. وبخفة سحبت كونستانسيا الورقة من بين يديه قائله:
ــ إنه سري الصغير . المستشار وهو يبتسم :
ــ إن رأَيتني يوما أَحيد عن طريقي وهدفي فنبِّهيني ويشير بإصبعه نحوها فيكمل قائلا :
ــ لأنَّ هدفي هو أَنت . ويضحك الإثنان معا بمكرهما في خُلوةٍ عن الجميع..
كانت جوانا قد إِستعادت عافيتها وبدأت تتماثل للشفاء دخلت عليها إحدى الخادمات بطعام الفطور فسارعت جُوانا بسؤالها :
ــ أَخبريني هل هُناك أَخبار عن الأَميرة ؟..
|