الفصل الخامس
امضت آمي الكثير من الوقت خلال عطلة نهاية الاسبوع وهي تحاول ان تحلل عواطفها, ولم تتمكن من ذلك. احيانا تخلص من الاحساس بالمهانة من طريقة تفكير جوليس بها, وتبدأ بالتفكير انه انسان مخادع يحاول ان يتلهى بها من وراء ظهر خطيبته. بعد ذلك تجبر نفسها على الاعتراف ان تفسيرها المحدود للاحداث لا يعطيها البراهين الكافية لتثبت ذلك, وهذا امر مؤسف, لكن من الاسهل لها ان تستمر بالغضب منه.
لا يمكنها ان تلقي كل اللوم عليه مع انها ترغب بذلك, لكن في الحقيقة عليها ان تعترف ان تلك القبلة كانت مفاجأة له تماما كما حدث معها. ربما حقا نسي فيونا في تلك اللحظة, او انه لم يتوقع ان يقبلها. لكن مهما كان لا بد انه تفاجأ مثلها. لتكون عادلة عندما اتهمته انه ينكر حبه لفيونا كان محقا باجابته لانها حاولت تضليله بالنسبة لتشارلي, فحكم عليها بمثل هذا التصرف.
انها تندم كثيرا على طريقة رحيلها, فلقد تصرفت كطفلة غاضبة. لو انها اوضحت فكرتها بسبب تشارلي لكانا افترقا كصديقين. حتى ولو كانت تلك القبلة تصرف خاطئ.
ليس المكتب المكان المناسب لاثارة مثل هذا النقاش. عليها ان تكون هادئة جدا نهار الاثنين, وان تبذل جهدا بعملها لتثبت مهارتها. بعدها راودتها فكرة ارعبتها, هل حظي بسبب كاف ليطردها؟ فهي لا زالت تحت التجربة في الشركة. فبعد تلك الحادثة السخيفة, قد يجد اقل عذر ليتخلص منها كما وانها وبدون شك ليست السكرتيرة المثالية. عليها ان تعمل وبكل جهد كيلا تعطيه اي سبب للتذمر, او حتى التعليق على عملها.
عندها سيعتقد ان ما حدث لا اهمية له مطلقا, وبهذه الطريقة قد لا يحدث اي تهديد لعملها, ولن يكون هناك اي مضاعفات, لكن على رغم كل تلك الحلول المعقولة امضت عطلة نهاية الاسبوع وهي تفكر فيه.
وصل البريد نهار الاثنين باكرا. كان هناك مغلف ابيض كبير على باب بيتها كما ان الخط المطبوع لم يكن مألوفا لديها.
مزقت الغلاف وهي مشغولة البال كالعادة عند الصباح بأخيها والهرة. رأت بطاقة دعوة كبيرة في الداخل, قرأتها قبل ان تدرك تماما ما بداخلها.
السيد والسيدة انطوني هاربر ماكسويل يدعوان الانسة آمي طومبسون الى حضور حفل زفاف ابنتهما فيونا من السيد جوليس بريور في....
ارتجفت يداها وعلى رغم كل التفكير المنطقي الذي كانت تتحلى به, كانت تعيش منذ ليلة البارحة في عالمين مختلفين. في عالم انها وجوليس قد اكتشفا ان هناك حبا قوياً يجمعهما بالصدفة, وفي ذلك العالم الخاص الذي هو بعيد عن المكتب ومشاكل الحياة العامة, كانت تعيش في خيالها الحالم انها تهتم لجوليس وهو يشاركها هذا الاهتمام, وان فيونا غير موجودة... لكن الان وبمجرد وصول هذه البطاقة علمت ان هذا العالم كله مجرد وهم وخيال. ففي العالم الحقيقي هناك فيونا, وعملها في المكتب, ومديرها الذي قبلها, ونتيجة لذلك قد يكون عملها مهددا. وهذه هي الحقيقة التي يجب ان تعيش عليها دائما. مزقت بطاقة الدعوة ورمتها بعيدا, ستعمل جاهدة لتجد عذرا كافيا لعدم وجودها في ذلك الزفاف. انها مجرد دعوة مجاملة, ولن يكون هناك اي فرق بحضورها او عدمه, لم تكن تعرف كيف ستتمكن من امضاء النهار في المكتب او كيف ستواجه جوليس. ووجدت نفسها مستاءة من جديد.
كان الحماس مسيطرا في المكتب بالتحدث عن بطاقات الدعوة التي تلقتها كل من زوو وجاكي وينافسها تحليل لآخر الاخبار الساخنة التي سمعتها جاكي من صديق لصديقها, انه شاهد فيونا في عطلة هذا الاسبوع ترقص في مقهى في لندن برفقة شاب اشقر وسيم جدا, رفضت آمي الانجرار لهذه الثرثرة, بعد افتراقها عن جوليس ووعدها له بعدم التحدث عن ذلك.
قالت جاكي محاولة ان تثير اهتمامها لتشترك بالحديث "اعتقد لفتاة ستتزوج جوليس وفي غضون عدة اسابيع, يعتبر تصرف فيونا الغالية سيئا جدا. لا بد من حدوث امر ما بينهما. هل قابلت انسان افضل, ام هذا ما حدث معه؟"
تجاهلت آمي كلامها وابتسمت بمرح وقالت "لا استطيع تخيل ذلك!" وعادت لتركز على طباعة رسالة وهي تتقد غضبا.
لم يحضر جوليس نهار الاثنين الى الممكتب, والذي جعلها تشعر بمزيج من الراحة وخيبة الامل معا, اما في اليوم التالي فقد كان مشغولا جدا حتى بالكاد رأته.
لم يتبادلا اي كلمة, وعندما التقيا للمرة الاولى نظر اليها بقسوة, بعد ذلك وبعد مضي بعض الوقت ابتسم لها ابتسامة صغيرة وعلى الرغم من كل تحليلاتها وجدت تلك الابتسامة غالية, وابتسمت له بالمقابل, فمهما حدث في منزله اصبح من الماضي الان فالسكرتيرة التي تعمل هنا لا علاقة لها بالفتاة التي كانت ترتدي ثيابا سوداء جميلة والتي طبخت له العشاء ليلة الجمعة, وجلست مع اصدقائه, وابتعدت عنه قبل ان يستميلها اليه.
اتصلت بها جسي عندما عادت الى المنزل لتخبرها ان شيكا مصرفيا وصل بالبريد الى شركتهما كوكارري غير المحدودة, ولقد عرفت من الامضاء ان "آيوت" كان غلطة كبرى, لكنها كانت متحمسة جدا لتعرف وبالتفاصيل الصغيرة ماذا حدث تلك الليلة. لكن آمي كانت مترددة ولأول مرة لتبحث هذا الموضوع مع صديقتها.
لماذا لم يتحين جوليس اية فرصة ليعطيها الشيك في المكتب؟ كان ذلك وفر عليه بعض التعقيدات لكنه ربما فضل تجنب اي حديث مباشر عن عملها الثاني وعن تذكر ما حدث بينهما.
قالت جسي تشرح لها "لكنه مبلغ اكثر بكثير مما نطلبه عادة, هل تعتقدين انه اخطأ بكتابته؟"
شعرت بالتوتر فجأة. جوليس لا يخطئ ابدا بشأن المال, سألت بقلق "اكثر بكم؟"
"حسنا ليس ضعف المبلغ, لكنه قريب من ذلك. هل اعتقد ان المبلغ المطلوب هو من اجل طباخ واحد وانه يدفع لنا معا لكنه يححسم القليل من المال بسبب عدم وجودي, هل تعتقدين هذا ما قصده؟"
"لا اعتقد انه اعتمد هذا المنطق؟"
"اذاً المبلغ الاضافي اكرامية لا بد انك اعجبته كثيرا."
اكرامية! لقيامها بخدمة اكثر من المطلوب منها, لكن الامر لا يستحق ذلك. ربما هذا الشيك مجرد اعتذار عم انتهت عليه تلك السهرة. وهذا ما جعلها تشعر بالغضب والخجل معا. "جسي لن نقبل بهذا المبلغ!"
غضبت جسي وهي تتحدث معها على الهاتف قالت "لا بد انك مجنونة, لم يكن العشاء قليل الثمن من ناحية, لكن هذا المال اكثر مما نتقاضاع عادة."
اصرت قائلة "انني جادة بما اقوله." شعرت بالضيق وهي تكمل "انها مجرد غلطة, اسمعي احضري لي الشيك الليلة وانا سأسأله عنه في الغد, على الاقل علينا ان نعطيه فرصة ليستعيد اله."
تمتمت صديقتها بحزن "انت صادقة جدا." لكنها لم تتمكن الا ان توافق على ما تريده. فكرت آمي فيما بعد, لا انا لست صادقة, انا فقط غاضبة واشعر بالحزن, لأنه يعتقد انه يستطيع ان يعوض عن الاساءة بدفع المال عن امر ما كان يجب ان يحدث.
*********
اجلت لحظة مقابلة جوليس وبدا العمل في صباح ذلك اليوم هادئا, وبدا انه لا هو ولا دنيس لديهما الكثير من المواعيد. اخيرا عندما طلب جوليس القهوة استجمعت قوتها وعرضت ان تقدمها له بدلا من زوو, وقد وجدت لها عذرا انها تريده ان يوقع لها رسالة. كانت المرة الاولى التي يتحدثان بها مع بعضهما منذ ليلة الجمعة.
كان جوليس يهم بامساك سماعة الهاتف عندما دخلت الى المكتب, تجاهل الاتصال, وجلس براحة على الكرسي, واخذ يلعب بقلم على مكتبه وهو ينظر اليها. لم تستطع ان تعرف ما الذي يفكر به.
"نعم آمي, ما الذي استطيع القيام به لأجلك؟"
قالت "لا يمكننا ان نقبل بهذا." ووضعت الشيك على المكتب بجانب القهوة.
نظر اليها مباشرة بعينيه الثاقبتين "لم لا؟ هل نسيت ان اوقعه؟"
كان بامكانه ان يرى انه لم ينس ذلك.
قالت باضطراب "لا لكنه اكثر بكثير من المطلوب."
قطب جبينه وقال "اكثر بكثير؟ اي نوع من الاعمال تقومين به انت وصديقتك؟"
اجابت بوضوح "انت تعلم ان العمل لم يكن يستحق كل هذا المبلغ!"
"حقا! انه يستحق من وجهة نظري. اذاً اعتبري المال الاضافي اكرامية."
هذا تماما ما كانت تخشاه, قالت بسخرية "من اجل عمل اضافي." علمت من خلال نظراته انه لم ينس مثلها تلك القبلة.
قال بطريقة حاسمة "لا علاقة لذلك بموضوعنا."
يمكنها ان تتجاهل الانر لكن هذا لن يدعها تشعر بحالة افضل, كما انه ليس من المناسب ان يتحدث عن هذا الموضوع.
امسك الشيك بين اصابع يديه ونظر اليها للحظة. قال "اسف ان ازعجتك, كنت حقا ممتناً لك آمي... انا حقا ممتن لك لما فعلته في سهرة يوم الجمعة. لقد حولت امسية صعبة بالنسبة لي الى سهرة مميزة. لقد قمت بأكثر مما هو مطلوب منك لانني طلبت منك خدمة, واردت ان اظهر لك انني اقدر لك ذلك. لم لا تشترين هدية لك ولجسي بالمال الاضافي؟ او ان تشتري لنفسك ثوبا جديدا."
لم يكن هناك سخرية في لهجته, لكنها شعرت وكأنه يسخر منها. فتحت فمها لتجيبه بطريقة لاذعة لكنها لم تستطع ان تفكر بما ستقوله بالتحديد. اغلقت فمها بعدها اخذت الشيك من يده الممدودة نحوها.
"انني متأكد ان صديقتك ستتمكن من ايجاد حل مناسب لهذا المال, حتى ولو لم ترضى بذلك." كان هناك شيء من الدفء في نظرة عينيه الان, او حتى شيء من المرح, وكأنه سمح لنفسه ان يصبح لطيفا قليلا, تابع "هل هناك اي شيء اخر؟"
كرهته لانه يهزأ منها, وتضايقت لانها تصرفت بغباء نحو شيء اعتبره ببساطة امرا سخيفا.
تمتمت بكلمات بالكاد تسمع "شكرا لك." وخرجت نت المكتب بسرعة قصوى. عليها ان تعترف انه تحدث عن ليلة الجمعة بكل تقدير واحترام.
عندما اصبحت خارج المكتب تذكرت الرسالة التي ارادته ان يوقعها, وهي لا تزال تمسك بها وتضغطها على صدرها, لم تستطع ان تعودد اليه ثانية. عليها ان تسأل مساعده لكي يوقعها لها فيما بعد.
تجنبت رؤية جوليس فيما تبقى من النهار, ووضعت الشك في حسابها مع جسي في البنك في فرصة الظهر, واتصلت بها عندما عادت الى المنزل عند المساء.
تفاجأت عندما لم يكن لدى تشارلي اي فروض للمدرسة, لكنها لم تشعر بالرغبة للتجادل معه وجلست منهارة امام التلفزيون, وهي تنظر اليه وهي غارقة في افكارها, وبتعمد رفضت ان تستعيد ما حدث في المكتب واخذت تتساءل ما الذي ستفعله في عطلة الاعياد, وماذا ستحضر لهذه الاعياد.
ستمضي يوم العيد مع جسي وعائلتها. انه العيد الاول منذ وفاة والديها, وهي تشعر بالقلق انه لن تمضي هذا العيد مع تشارلي بمفردهما, فالتناقض بين هذا العيد وعيد السنة الماضية سيكون مؤلما جدا.
وجدت نفسها تفكر بالمال الاضافي الذي اعطاها اياه جوليس, انه لمن السخرية ان تشتري كل ذلك الطعام الفاخر للعمل ولا تتمكن من اطعام اخيها بشكل مناسب. لكنها ستستطيع الان ان تشتري بعض الهدايا الصغيرة, واكثرها سيكون مزحة اكثر مماا هي هدايا, والفضل يعود بذلك لجوليس, بالطبع مع ان اخر ما تريده هو ان تشعر بالامتنان له في هذه اللحظة. وهكذا غفت امام التلفزيون.
لم تدر ما هو سبب الم راسها صباح اليوم التالي, هل هو نتيجة التواء رقبتها بسبب امضائها نصف ساعات الليل بطريقة غير مريحة, او بسبب التوتر الذي تعيشه في الايام الاخيرة الماضية.
لم يرحل الصداع على رغم عدد من الحبوب المهدئة التي تناولتها, وبدأت تشعر وكأن هناك اشواكا في حلقها, وشعرت كأنها مريضة والألم يلفها كلها.
قالت زوو يمرح "تبدين مخيفة! هل انت متأكدة انه بامكانك ان تكوني هنا؟"
في هذا الوقت لن تعد تدري اين يجب ان تكون, لم تستطع ان تفهم لماذا لم تكن تشعر بالحرارة وهي ما زالت بالمنزل, كانت تشعر انها بخير بينما هنا, ومع كل هذه الحرارة بالمكتب هاهي ترتجف...
نصحتها جاكي"اسألي دنيس ان كان بامكانك الذهاب الى المنزل, تبدين كأنك مصابة بالانفلونزا."
الذهاب الى البيت. هذا افضل كلام سمعته حتى الان. وانتظار الباص عمل مرهق بذاته, لذا فمن الافضل لها ان تسأل دنيس الان وتغادر في اقرب وقت ممكن, خاصة اذا كانت ستتعرض لنوبات من الحرارة والبرودة الشديدة من خلال الانفلونزا.
لكن لم يكن دنيس مع اهتمامه الدائم هو من صادفته اولا, بل كان جوليس والذي بدا من خلال كلامه العدائي وكأنه يتهمها على طلبها المنطقي.
قال وهو ينظر اليها بقوة "ماذا بك؟ انت دائما شاحبة لكنك الان تبدين كالشبح. ما كان عليك القدوم الى العمل اليوم."
"سأكون بخير ان تمكنت من الذهاب الان."
"وكيف ستعودين الى المنزل؟"
"سأستقل الباص."
لم تعد متأكدة ان كانت تجيبه الان ام لا, كان من الصعب عليها ان تتلفظ بكلمة واحدة, من المهم لها الا تدعه برى انها ترتجف. بدا لها وكأنه غير حقيقي, وكأنه بعيد لكنه يخيفها, ولم تر الا عينيه الثاقبتين. ولم يكن لديها القوة لتواجه اي نقاش. لو انه يتركها لتغادر الان لتصل المنزل بسلام.
قال شيئا لم تفهمه, وبعدها وجدت جاكي تساعدها بارتداء معطفها, بالكاد شعرت انها تجمع اغراضها, مع انها كانت تعلم انها تركت رسالة على آلة الطبع وبحاجة لتكملة. بدأت تحاول ان تشرح لجاكي عنها. قالت جاكي بلطف "لا تققلقي بشأنها, سأكملها عنك. هيا تعالي معي الى الخارج, سأساعدك. لقد ذهب لاحضار السيارة."
اية سيارة؟ انها لا تعمل. لقد اوقفتها منذ اربعة اشهر!
بدا لها وكأن الدرج يتمايل امام ناظرها وهي تنزله, وكل ما كانت تشعر به حقيقة هي يد جاكي تمسك بذراعها. فلقد كانت بحالة مزرية حقا.
شعرت بالانتعاش قليلا عندما تنشقت الهواء البارد عندما وصلت الى الشارع. وقفت بقرب جاكي على الرصيف حتى وصلت سيارة المرسيدس الرمادية وخرج جوليس منها ليساعدها لتصعد الى السيارة. وجدت نفسها تجلس على المقعد بقرب السائق, وبدون ان تعرف كيف حدث ذلك, اغمضت عينيها والقت برأسها الى الوراء, لم يتحسن ألم رأسها وكانت تشعر وكأنها تسبح في عالم غير موجود لكن على الاقل ليس عليها ان تبذل اي مجهود لتقف, كانت لا تزال تشعر ببرد شديد.
شعرت بأن جوليس قد جلس بقربها, وبدون ان يقول لها اي كلمة. تساءلت الى اين يذهبان فقد اصبحت افكارها مرتبكة. ربما سيستعمل مرضها كعذر ليتخلص منها؟
فجأة وبعد فترة قصيرة قال "نحن الان في ايليكوت, اين هو منزلك آمي؟"
فتحت عينيها فوجدته ينظر اليها قلقا لكن التجهم لم يغادر وجهه "آمي... هل انت بخير؟"
استجمعت قوتها ونظرت حولها, انهما في الشارع الرئيسي. تمتمت بصعوبة "استدر الى جهة اليمين عند اخر الشارع."
"هنا."
"مم.."
اوقف السيارة امام صف من المنازل الصغيرة "اي منهم منزلك؟"
بذلت قوة لتتمكن من القول "المنزل الاخير."
اوقف سيارته مرة ثانية. اقترب منها وفتح حقيبة يدها, اخذ منها رزمة من المفاتيح. رفعها عاليا وقال "هذه؟"
هزت رأسها فخرج من السيارة, توقعت انه سيأتي اليها في الحال لكن عندما عاد الها لم يكن ممسكا بمفاتيح منزلها.
"اقتربي. ضعي قدميك على الارض, هكذا والان دعيني احملك."
قبل ان تدرك انها تطيع اياً من اوامره الحادة, شعرت فجأة انها رفعت الى الاعلى وذراعان قويان تحيطان بظهرها وركبتيها.
"ضعي ذراعك حول رقبتي."
اراحت رأسها على كتفه وشعرت بالراحة والقوة. وتمنت لو انها لا تشعر بكل هذا الألم.
حملها جوليس عبر الممر حتى الباب الأمامي, الذي كان مفتوحا, بعدها الى القاعة. بعدها صعد بها الى الدرج, اغمضت عينيها, يبدو كأنه يعرف اين غرفتها دون أن يسألها.
وضعها على السرير ونظر اليها قائلا "هناك شاب صغير له شعر احمر اشعث ويقول انه اخوك, هل اصدقه؟"
"تشارلي؟ ما الذي يفعله هنا.." عليه ان يكون في المدرسة.."
"ادخلي تحت الغطاء, فالغرفة باردة جدا."
"هناك آلة للتدفئة على الكهرباء في الاسفل." فكرت انها قالت هذه الكلمات, لكنها لم تكن متأكدة من ذلك.
تركها مستلقية على السريرر, تساءلت كيف ستتمكن من نزع ثيابها عنها, وهي تشعر انها لا تستطيع الحركة من شدة الألم. لكن من الافضل لها ان تستلقي, لم تكن تعرف ان كانت ستجد القوة لتنهض ثانية بعد الان.
بدا لها انه مضى وقت طويل قبل ان يظهر ثانية, وقف تشارلي وراءه وهو يحمل المدفأة الكهربائية. ما كان على تشارلي ان يكون في المنزل.
قالت وبألم شديد "ما الذي تفعله في المنزل, بدلاً من المدرسة؟"
بدا مرتبكا وهو يقول "انا... كنت, لم اشعر انني بخير."
قال جوليس بقسوة "تبدو بألف خر بالنسبة لي, اختك من هي مريضة, وليس انت."
حدقت به والتقت عيناهما, لم تستطع ان تقرأ ما كان يفكر في تلك العينين الرماديتين الغامضتين. بعدها وبسرعة شد الغطاء عليها.
"هل ستكونين بخير ان بقيت بمفردك, او ان هناك احدا استطيع الاتصال به؟ صديقتك جسي؟"
قالت بصعوبة "انني بخير, وهنا ايضا تشارلي."
"اه, تشارلي."
بدا لها وكأنه راض عن اخيها, لكنها لم تستطع ان تحزر ماذا يقصد, لكنها كانت مريضة جدا لتهتم بذلك. وتحت دفء الغطاء كانت تشعر بالامتنان انها تستطيع ان تغيب عن الوعي ولو لفتة قليلة.
قد يكون مضى دقائق او ساعات عندما شعرت بوجود اخيها قربها وهو يحمل بيده كوبا في شيء ما قال "يقول لك ان تشربي هذه."
وجدت من الصعوبة ان تدرك ماذا يقول, قالت "من؟"
"جوليس, مديرك, اخذني الى الصيدلية في القرية. قال من المحتمل انك تتعرضين لانفلونزا قوية وان لم تصبحي افضل في الغد علي ان اتصل بالطبيب."
اخذت تفكر فيما سمعته, لكن بقيت الحقائق تطفو في مخيلتها من دون ان تجد اي منطق مما يحدث معها.
"واين هو الان؟"
"قال انه ذاهب الى اجتماع."
كان من السخافة ان تتمنى, لكنها تريده ان يعود. فلقد كانت تشعر بوحدة قاتلة. كان هناك شيء ما يجب ان تتذكره, شيء ما لتقوله لتشاارلي. شربت ما قدمه لها, شعرت بمرارته, لا بد انه اسبرين. ربما عليها ان تفكر في وقت اخر ما الذي ستقوله لاخيها.
استيقظت بعد مرور وقت طويل. لم تشعر انها احسن حالا لكنها تستطيع ان تفكر بطريقة افضل الان. لقد احضرها جوليس الى المنزل!
"تشارلي؟"
ظهر اخوها قرب الباب بسرعة.
"اتصل بجسي وقل لها انني مريضة, وان تكلمت معها بطريقة لبقة قد تقنعها بالحضور لتطهو لك بعض الفاصوليا.
اجاب ببرودة "لا بأس, استطيع القيام بذلك بنفسي."
"حسنا اتصل بها بكل الاحوال." ترددت قليلا قبل ان تتابع "هل اعادك جوليس الى المنزل من الصيدلية؟"
"نعم."
لا بد انه غير طريقة حياته ليتمكن من مساعدتها, تذكرت تعليق ماكسين انه الطف الناس, لكن مع كل تلك المشاجرات كان من الصعب عليها ان تعرف كيف عليها ان تفكر به. اغمضت عينيها وقالت بلهجة انتقادية "لقد كان وجودك مفيدا جدا عندما احضرني الى المنزل, قد يكون غريبا صادفني على الطريق, كان عليك ان تعرف من هو."
قال اخوها بقلق "بدا وكأنه يعرف ما الذي يفعله بكل الاحوال, كنت بقربك فهو يعلم من اكون واراد ان يعرف لم لم اكن بالمدرسة."
انتظرت لفترة بعدها قالت "و....."
"لم اشعر اني بخير. ولم ارد ازعاجك في المكتب."
نظرت اليه, يمكنها ان تعلم انه يكذب من نظرة عينيه. تفاجأت انه ذكر الموضوع, ربما يريد التخلص من هذا المأزق لأنه يعرف الا قوة لديه لتتشاجر معه.
بعدها شعرت وكأن قلبها يغوص في صدرها. ل تستوعب بعد ان جوليس احضرها الى المنزل ولم يتسن لها الوقت لتحلل هذا الامر, لكن شيئا واحدا واضح امامها, انه قابل اخاها, وان كان هناك شيء لا تستطيع البوح به فهو مشاكلها العائلية. لقد طلب منها مرة ان تثق به, لكن حدث هذا قبل تلك السهرة المصيبة. وان اخبرته الان ان لديها مشاكل مع اخيها ستكون كمن يقدم له عذرا مناسبا على طبق ليتمكن من التخلص منها!
قالت بضعف "كن اخاً رائعا واتصل بجسي."
نهاية الفصل الخامس
انتظروا الفصل السادس