كنت هناك شاهدا
كبعض الشباب الطائش والمستهتر وعدم جديتهم في التعامل مع الأمور والضحك على كل شيء كان (وليد) يعيش حياته منذ طفولته البريئة حتى بلغ سن ال28 دون أكتراث لشيء على الرغم من أصرار والديه ومحاولتهم اليائسة ليصبح شاب يعتمد عليه يعرف كيف يصمد ويكون كالجبل الشامخ الذي لايتأثر أمام رياح الحياة القاسية .
قرر والده أن يزوجه عل ذلك يجعله مستقيما ومستقرا ومنتظما في حياته , فالكثيرين ممن يأس الناس منهم ومن صلاحهم ولم يعتقد أحدا يوما بأنهم سيستقيمون في عيشتهم , ولكن حين تزوجوا أصبحت حياتهم أفضل من سابقتها وتحسنت أحوالهم وأخلاقهم , فكان والده يمني النفس كثيرا أن يكمل (وليد) نصف دينه وتتغير حياته بأحدى آيات الله التي جعلها من أنفسهم .
وبعد عناد ورفض متكرر منه وافق كالمجبر على ذلك وراح يطلق حججا واهية بأنه لاتوجد فتيات كما يريد ويتمنى ويحتاج لوقت طويل ليجد من تناسبه , ألا أن والده فاجأه حين قال له : لاتخف يابني , الفتاة أخترتها لك منذ زمن؟ وبالرغم من دهشة (وليد) مما سمع من والده وجعله في حيرة شديدة فالجميع يعرف بأن والدة الشاب هي من تختار لأبنها وليس الأب , راح يفكر ويفكر : من هذه الفتاة ؟ لما أختارها أبي ؟ لماذا لم يخبرني عنها من قبل ؟
لم يشغل نفسه كثيرا بالأسئلة سأل والده :أخبرني عن هذه الفتاة ؟ ألا أن والده لم يقول له شيئا فقط أخبره بأنه سيراها حين يذهب لخطبتها .
غموض والده وحكاية الزواج والفتاة وكأنها أحدى
قصص ألف ليلة وليلة ماجعل (وليد) يعجل فالذهاب لخطبة الفتاة كالغريق في بحرا عميق يريد الخروج منه , فأتفق مع والده على موعدا محدد وذهبوا إلى منزل الفتاة , وحين دخلوا على والدها راح (وليد) ينظر إليه إذ به رجلا طاعن في السن ضعيف البدن ملابسه قذرة يتصرف وكأنه مصاب بمرض نفسي , زاد ذلك من حيرته وكأنه أمام معادلة حين ظن نفسه سيحلها تعقدت أكثر .
لحظات صمته وتفكيره تلك حضرت خلالها الفتاة وجلست , راح يمعن النظر فيها جيدا يمينا شمالا تصرفاته غريبة كوالدها مالفت نظره وجعله كمن يرى الذي يكذب بالدين وذلك الذي يدع اليتيم , صفعة أخرى تلقاها جعلته يستشيط غضبا حين أكتشف بأن الفتاة كانت (مقطوعة الأذن) , شعر لحظتها وكأنه تعرض لخيانة ما أو مزحة , نظر إلى والده ونظر شيئا فشيئا لم يتمالك نفسه فصرخ عليه : ماالذي يحدث هنا ؟ هل هذه خدعة أم ماذا ؟ جررتني إلى هؤلاء لتستهزء بي ؟ أنظر إلى والدها الغبي لم يقل شيئا مذ دخلنا ؟ أنظر إلى الفتاة المشوهة وكيف تتصرف ؟ أحقا تريد أن تزوجني بها ؟
في تلك الأثناء أخذت تبكي الفتاة وغادرت , فقام والده غاضبا ألا أنه تحامل على نفسه ولم ينطق ببنت شفه أمسك بيد (وليد) وخرج معه من منزل الفتاة بسرعة , ركبوا السيارة حدث جدلا وصراخا بينهما سمعه من يقطن ذاك الشارع وبعده وقبله في خضم كل ذلك قال له والده : أما أن تتزوج هذه الفتاة , أو لاأريد رؤيتك في منزلي ولاتحسبني والدا لك ؟ أبتسم (وليد) مستهزء وقال : تريد أن تزوجني هذه الغبية لأنك تعطف عليهم ؟ تريد أن تورطني مع هؤلاء ؟ اللعنة , لاأتشرف بك والدا لي , فخرج من السيارة غاضبا ورحل .
مرت أشهرا 3 ولا أحد يعرف أين رمت به الأقدار وخبأته بين مكاتيبها , فوالده لم يبحث عنه ولايريد ذلك برغم أصرار والدته وشوقها لرؤيته ظل متمسكا برأيه أما يتزوج الفتاة أو لست والده , كمن يسير على صراط أما أن ينجح ويكمل طريقه أو يفشل ويسقط في الهاوية .
ذات ليله عاد والده إلى المنزل وحين دخل تفاجأ بوجود (وليد) مع والدته يسلم عليها يسأل عن أحوالها , مما أغضب والده كثيرا كمن رأى شخصا ينتهك حرمة منزله
وقال له : أيها اللعين , ألم أخبرك ألا تأتي إلى هنا ؟
وليد : لقد جئت لاأرى والدتي فقط وسأرحل ؟
ظل والده ينظر إليه محتنقا محمر الوجه لشدة مايحمله بداخله على أبنه , لحظات خرج وتركه مع والدته دقائق قليلة رجع بعدها مما أخاف (وليد) شيئا ما , لكن حين نظر إلى والده وإذ به يجده متغير الحال منكسر الظهر منهارا يقاوم دموعه ما أثار غرابته الشديدة فلم يتكلم ,
ثوان وثوان تمر قال والده : أتعرف , فليسامحني الله على ماسأخبرك به الآن .
كان وقع ذلك الكلام على (وليد) يحمل في طياته ذكرى تصرفات والده حين طلب منه الزواج من الفتاة , ظل على هدوءه قليلا
وقال لوالده : أرجوك , لاتخبرني عن الفتاة فلا أريدها , حين أخبرت أصدقائي عنها كان الجميع يضحك ويستهزء منها .
وكأن والده لم يسمع شيئا مما قاله , راح يبكي كمن يحمل هموما تهد جبالا بطول قارات ثلاث , شهيق وزفير متسارع وكأن الكلمات ترفض الخروج منه
وقال لـ(وليد): حين كنت في ال 3 من عمرك أصطحبتك معي إلى منزل صديقا لي , وبينما كنت جالسا معه ذهبت أنت للعب مع بقية الأطفال وبعد برهة من الوقت سمعنا صراخ الأطفال وصياحهم , تسألنا مالخبر ؟ تبين بأنك ضربت أبنة صديقي ورميتها على بعض المعدات الحديدية مما تسبب لها في (قطع أذنها)! هل عرفت الآن لما أخترت لك هذه الفتاة دون غيرها ؟ لأنك من تسبب لها بذلك !
حين سمع (وليد) أنتباته قشعريرة مست كل شعرة في جسده , خارت قواه وكأنه قتل أحد الصالحين راح يردد : ياإلهي , ياإلهي , ياإلهي !
قاطعه والده الذي كان منغمسا في تلك الذكرى التي لم تفارقه لحظة وكأنه يشاهدها تحدث أمامه , وأكمل حديثه وأنهار الدموع تجري على خديه : لم يكن هذا السبب الرئيسي الذي جعلني أصر على زواجك منها , بل لأن والدها كان صلديدا شجاع , صلبا كجلمود , قلبه كالصخر , فلا عينه تدمع ولايهتم لأية دموع , لكن حين ذهبنا إلى المستشفى ورأيت حالته وبكاءه وكيف كان منكسرا محدودب الظهر , لم أقدر على النظر إليه , رحت أعتذر منه وأطلب غفرانه , قال لي بصوت حزين هادىء : لست غاضبا من أبنك , ولكنك تعرف بأن أبنتي يتيمة لاأم لها , أعلم بأن الأمور السيئة تحدث للجميع , ولكن من سيتزوج أبنتي حين تكبر ؟ فخرجت من المستشفى وتلك الكلمات تهزني من الداخل قطعت وجداني , لم أره بعدها لم أملك الشجاعة لذلك لقد هربت كالجبناء , وطوال هذه السنين تدهورت حالته الصحية مع أبنته حتى أصبحوا كما رأيتهما , وقبل سنة أخبرني أحد المقربين بأن الفتاة مصابة بالسرطان في رأسها جراء تضاعفات الجروح في أذنها ولن تعيش طويلا , تمنيت أن أرسم البسمة على شفاهها , ولكنها توفيت الآن , فماالسبيل وماالخلاص من هذه الذنوب , أين سأدفن خطيئتي , لقد دمر أبني كل شيئا في تلك العائلة بمرآء من عيني ولم أحرك ساكنا أو أفعل شيء فقط جلست أنظر إليهم , اللعنة , كنت هناك شاهدا .
ملاحظة : القصة كتبتها في هاتفي وأنا على متن الطائرة , ومن المصادفة كان يجلس بجانبي رجل كبير في السن من أحدى الدول العربية ممن يهتمون بالقراءة وكانت معه أبنته , وفي أثناء حديثي معهما سألني عما أكتب في الهاتف ؟ فأخبرته بأنها مجرد قصة , فطلبوا مني أن يقروأها , فأخبرني الرجل عن رأيه والفتاة أخبرتني رأي مخالف تماما عن والدها , مما شتت ذهني كثيرا وجعلني أغير في القصة مررا , لذا بعتذر عن أي أخطاء بداخلها أو بأنها لم تظهر بالمستوى المأمول , فأنا أعتمد على عدد من الأشخاص في تقييم القصة وأحداثها , لكن بالصدفة أن يكون هذان الأثنان أول من يقرأون القصة ويقيمونها , لذا وضعتها في موضوع منعزل , الطريف بأنهما أتفقوا على أن عنوان القصة جميل .. ولي عودة لاحقا للرد على مواضيعي الأخرى .