المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
الفرح العربي تحت الإقامة الجبريّة للحزن
الفرح العربي تحت الإقامة الجبريّة للحزن
مع كلّ نهاية سنة ينتابنا الخوف إياه من مواسم البهجة . نرى في كلّ فرحٍ مكيدة ، وفي كلّ هديّةٍ تُزيّنها شرائط العيد ، قنبلة عنقوديّة ستنفجر لاحقاً ، وتتطاير إثرها أحلامنا .
هكذا دائماً ، أفراحنا تكيدُ لنا ، تنقلب على قفاها كلّما رأتنا سُعداء ، وإذ لا وجه لها إلاّ الخيبة . لقد تربينا على الخوف من الفرح ، فكبرنا ونحن نحطاطُ من ضحكاتنا ، ونُسيئ الظنَ بغدنا ، ونرشو المستقبل بتشاؤمنا ، عساه يخالف توقّعاتنا . ذلك أنّنا أباً عن جدّ ، ومنذ الأبد ، لا نصدّق وعود السعادة . جميعنا في حالة رعب ، حتى الذين يُشهرون فائض فرحتهم في نهاية السنة ، ويُنفقون في ليلة بين عامين ، ما لا يكسبه غيرهم في عام ، هم كمن يُصفّر في الظلام ، ليُبعد عنه الخوف مما لا يراه في العتمة . إنهم يفعلون ذلك خوف أن تسلبهم الحياة فرحةً ما . فيُقبلون عليها بجشع الجالس إلى مائدة عامرة ، قد تُرفع من أمامه في أيّة لحظة .
في قمة سعادتنا ، نبدو كالجالس ضاحكاً على عرش خساراته . لا ندري كيف ندفع عنّا أذى الفرح . هل بمصادقته أم بالكيد له ؟ بالمواظبة على خيانته سراً مع الحزن ؟ أم بالإخلاص له ، والانشقاق عن حزب البائسين والمكتئبين من العرب ؟
إنتهى عام 2013 . نحاول وقد بكينا منه ، ألّا يراودنا منذ الآن الخوف من بكائنا يوماً عليه . فلقد قررّنا لمرّة ألاّ نستعيد أمام روزنامتنا الجديدة قول الشاعر " رُبّ يومٍ بكيتُ منه فلماّ صرتُ في غيره بكيت عليه " .
سنتناسى أيضاً قول شاعر آخر " في الماضي حتى المستقبل كان أجمل " ونستبدل به شعاراً شهيراً لتلفزيون المستقبل " قُوم شوف مستقبلك ! " لكن صاحب هذا الشعار رحل من هذه الديار ، وبقيَ لنا النداء الخالد لنزار " قومي من تحت الردم .. قومي من حزنك قومي يا بيروت " وعلينا إذن ، أن نتدبّر رجلين للرقص ، وحنجرة للغناء ، ويدين للتصفيق ، وجيوباً للإنفاق ، وحبيباً للسهر ، ندري مُسبقاً ، أنه لن يقضي معنا ما بقي من العمر ، وأنه بدوره يشاركنا الوساوس إياه ، ويتوقّع مثلنا أن الحبّ لا يعمّر طويلاً ، ويخاف ألاّ نكون معاً في ليلة رأس السنة القادمة .
نحتاج إلى وهم وجود بابا نويل ، كي نبعث له رسالة لن يقرأها ، عليها مطالب ندري أنه لن يحقّقها ، وهدايا لن يأتي بها . وعندما لا يزورنا ، سندّعي أنه ما استطاع النزول ، لأنّ هداياه كانت أكبر من أن تعبُر المدخنة ، وأنّ ما ينتظرنا أجمل . وفي العام القادم ، سنكاتبه من جديد ، و نأتي بشجرة نقتلعها من غابة العمر القاحلة ، نضع عند أقدامها أحذيتنا المهترئة ، وننتظر بما أوتينا من صبر.. المعجزة .
سيّدي صاحب الرداء الأحمر .. ما طلبنا منك هذا العام سوى إيقاف
كل هذا الدم العربي المسفوك . أو عليك أن تُعمي قلوبنا عن رؤية الفضائيّات التي تُقدِّم لنا موت أهلنا مع وجباتنا اليوميّة . لقد اجتهدنا والله في تغييّر جينات عروبتنا ، والإقلاع عن البكاء قهراً أمام نشرات الأخبار ، لكن ما استطعنا هذا العام أيضاً إلاّ أن نحزن ، مادام الفرح العربي ما زال لأعوام أخرى يعيش تحت الإقامة الجبريّة للحزن .
أحلام مستغانمى
|