المنتدى :
خواطر بقلم الكتاب العرب والعالميين
لن تربح إلا في الخسارة !
لن تربح إلاّ في الخسارة !
أحلام مستغانمي
مَدينةٌ أنا لأجمل ما حلّ بي ، لتلك المرات التي لعبتُ فيها قدري على طاولة الحياة ، باستخفاف المقامرين الأثرياء ، فقلتُ « لا » حيث كان لابد أن أقول « نعم » . و « بلى » حيث كان عليَّ أن أصمت، فازددت مع كلّ إفلاسٍ ثراءً ، وأصبحتُ لفرط خساراتي كاتبة .
بي افتتان بالخسارات الجميلة ، تلك التي نفقد فيها ما اخترنا خسارته بتفوّق ، على مرأى ممَّن سينحنون بعدنا للملمته . أُمعن في جرائم الهدر ، إكراماً للحظة زهو لا أُشهد عليها سوى ضحكتي ..
لا شيء يستحق الانحناء ، لا خسارة تستحق الندم . هل خبرتم عنفوان الخاسرين ؟
أصدقائي المبدعين.. أصدقائي الجميلين الخاسرين.. هل أواسيكم إن قلت إنّ المبدع غنيّ باستغنائه ، ثري بخساراته ؟ لذا قال هنري ميشو ساخراً من فداحة ما أضاع : « ألقِ أوراقك.. أقل لك.. أنت لن تربح إلاّ في الخسارة ! »
كتَب غوستاف فلوبير إلى عشيقته يقول : « كم من الرذائل كنت سأملك لو لم أكتب » .
مثله اعتقدتُ دوماً أنّ الكتابة تطهّرنا ، وأنّ الحبر يغسلنا . بينما يوجد الخُبث والقَذَارة في زوايا النفوس المريضة ، حيث يكثر عنكبوت الصمت.. والكبت .
لذا ، أشعر بأن المبدع في خطر مادام في حالة كسل . فعندما يُجرَّد الكاتب من أقلامه ، يتحوّل إلى إنسان عاديّ ضَجِر . والضجَر كأخيه الكسل..أبو الموبقات !
أنا القادمة من الميراث التراجيدي للكتابة العربيّة ، كلّ اهتمام أو تكريم يكاد يوجعني ويغتالني بأضوائه ، في كلّ ضوء خيانة للكتابة ، وخيانة لرفاق آخرين يزيد ضوؤك من عتمتهم ، وتزيد عتمتهم من وهمك بأنّك الأهم . فالكاتب مهيّأ للغرور الأدبي . وقد ينتهي به الأمر إلى أن يأخذ نفسه مأخَذ الجد ، بدل أن يأخذ الكتابة مأخذ الجدّ ، وعندها تكون نهايته . كان فولتير يقول : « إنّ الكاتب يموت مختنقاً تحت باقات الورود » . لذا مازلتُ مع محمود درويش أردّد :
« وردٌ أقل.. أحبّتي ورد أقل ! »
سيّدة أفنت عمرها في خدمة الثقافة ، تُدير إحدى كبرى المكتبات ودُور النشر . كانت تسعد برواج كُتبي ، وتسعَد لكلّ قارئ يُغادر مكتبتها برفقة كتاب . تركت لي كلمة اعتذار عندما تعذّر عليها حضور محاضرتي بسبب وضعها الصحّي .
امرأة نَذَرَت عمرها للكُتب.. ونسيت أن تكون كِتاباً فمرضت .
إنها تذكّرني بقول الكاتب عاموس عوز ، أحد مؤسسيّ حركة « السلام الآن » ، الذي يحكي أنّه كان يردّد في شبابه : « عندما سأكبر أريد أن أصبح كتاباً ، فذلك أقلّ خطورة من أن تكون إنساناً . فقد تنجو نسخة منك على الأقل ». لو كانت تدري أنّ مَن راقب الكِتَاب مات همّاً.. لربما غيّرت مهنتها .
كلّما تعمّقتُ في قول عاموس عموز ، كبُرت أسئلتي : هل الأجمل أن تَكتُب.. أم أن تنكتِب ؟ وهل من الأسلم لك أن تكون قارئاً ؟ كاتباً ؟ أم كِتابا ؟
[ يتبع ...
التعديل الأخير تم بواسطة إحسآس الورد ; 26-12-13 الساعة 02:36 PM
سبب آخر: تعديل العنوان "يمنع المد والزخرفة"
|