المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
مراقب عام قارئة مميزة فريق كتابة الروايات الرومانسية مشرقة منتدى الروايات الرومانسية المترجمة |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
رد: 351 - وجهاً لوجه - أيما دارسي
وسمعت صوتاً يحثها على التحرك من مكانها, فحبست أنفاسها وهى تراه يتوجه نحوها و على ثغره ابتسامة ساخرة...و عيناه تتأملانها من جديد, عاجزاً عن استيعاب صورتها الجديدة.
ـ هل اتصلت لتتأكدى ما إذا وصلت أمى؟
ـ كلا...أرى أنه من اللياقة أن نصل فى الوقت المحدد.
ـ و لكن والدتى ليس من النوع الدقيق فى مواعيده.
وقف إلى جانبها قرب الباب:
ـ و لهذا السبب تحتاج لوجودك معها.
لِمَ أعطى هذا الجدال زخماً أكثر مما ينبغى؟
ـ وعلى أن أثبت لها بأننى جديرة بأن تتكل علىّ, من هذه الناحية.
ردت عليه سريعاً وهى تقسم فى سرها بأنها سمعت تنفسه القوى, وهو يومئ لها بفظاظة لتلحق به إلى خارج المكتب.
حرصت ليز على أن تمشى بوقار مستقيمة الظهر...وكم وجدت نفسها غبية حين شعرت بالنيران تستعر فى قفا عنقها العارى, من تأثير عينيه الباردتين...
لابد أنه كان يحدق بها بإمعان لتضطرب بهذا الشكل.. فهو من النوع الذى يولى كل ما يشغل باله اهتمامه كله. و أحست كأنه وضعها تحت المجهر و تمنت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها من شدة الاحراج.
أطلقت ليز تنهيدة ارتياح حين دخلا إلى المصعد ووقفا فى المقصورة جنباً إلى جنب فيما كان يقلهما إلى الطابق الواحد و العشرين.
تسمر كول مكانه و يداه مشبوكتان أمامه و عيناه مركزتان على الأرقام التى كانت تومض بشكل متقطع فوق الباب...
صحيح أن وضعيته هذه توحى بالاسترخاء إلا أنها أحست بالتوتر ينبعث منه ويمحو الارتياح الذى خالجها للحظات خلت...
لعله يحمل فى أعماقه طباعاً بشرية! أتراها سبب ذلك الخلل فى رباطة جأشه الحديدية أم فكرة لقائه بأمه؟
وشعرت ليز تهذب أفكارها فيما كان رئيس الخدم يستقبلها عند الباب معلناً وصول السيدة بيرسون واختيارها ركناً هادئاً عند المشرب لتجلس فيه.
ـ أظنها قلقة!
دمدم كول بهذه الكلمات المقتضبة فيما كان النادل يقودهما إلى ركن جلست فيه امرأة متقدمة فى السن, على كنبة جلدية رمادية اللون, تتأمل مدينة سيدنى الممتدة تحت ناظريها من خلف الجدار الزجاجى.
كان شعرها أبيض قصيراً, يحيط بوجه ممتلئ الخدين, خال نسبياً من التجاعيد. لم يمح الزمن عنه آثار الجمال الأخاذ الذى كانت تتمتع به فى شبابها.
لم تكن والدة كول قد تخطت العقد السابع, و الطيبة و اللباقة باديتان على وجهها.. فأحست ليز ببعض الارتياح, لأنها لم تر فيها ما يدل على ميلها للمشاكسة أو التصرف بفظاظة.
كانت ترتدى بدلة أنيقة زهرية اللون, و قميصاً حريرية عاجية, تتحلى ببروش من اللؤلؤ و قرطين لؤلؤيين ملائمين, فضلاً عن العديد من الخواتم فى أصابعها.
ـ أمى.
استدارت المرأة لدى سماعها نبرة صوت ابنها الجافة, و قد أجفلت قليلاً من المفاجأة...فحدقت به بعينيها الزرقاوين للحظات قليلة, ثم التفتت بفضول نحو ليز..و إذا بها تقف فاغرة الم أمامها مدهوشة.
ـ أمى!
ناداها كول ثانية بنبرة جافة مفعمة بالغيظ, فأطبقت فمها ساخطة و نظرت إليه بعينين يملؤها الاتهام.
خيل لـ ليز أنها سمعت صرير اسنان كول إلا أنه تمكن من إرخاء فكيه و قال:
ـ أقدم لك سكرتيرتى الخاصة ليز هارت...أمى...نانسى بيرسون.
نهضت نانسى من مكانها و مدت يدها لتصافح ليز, عيناها الزرقاوان تومضان بالإحباط...احباط نفست عنه بقولها:
ـ عزيزتى...كيف يمكنك أن تتحمليه؟
كانت لباقتها و دبلوماسيتها على المحك فى تلك اللحظة!
ـ أنه أفضل رب عمل حظيت به!
أعلنت ليز ذلك بحماسة صادقة ثم استطردت تقول: "أننى أستمتع كثيراً بالعمل معه."
كررت نانسى هذه العبارة بقرف...
ـ باتت رؤيته للأمور محدودة جداً...فهو لا يفعل شئ إلا العمل.
ـ أمى!
جاء اعتراض كول مفعماً بالوعيد فتدخلت ليز لتتجنب العاصفة:
ـ حدثنى كول هذا الصباح عن رحلتك إلى جنوب شرق آسيا, سيدة بيرسون.
رسمت على ثغرها ابتسامة جميلة و أضافت بنبرة مفعمة بالحماسة:
ـ أظن أنها رحلة شيقة!
يبدو أن كلامها لامس وتراً حساساً, إذ تخلصت نانسى من مزاجها النكد وابتسمت لها و هى تشد على يدها فرحى:
ـ هذا ما أظنه أيضاً...إنها شيقة للغاية ولا ينبغى علينا تفويتها.
شدت ليز بدورها على يدها قائلة:
ـ أعجز عن وصف مدى سعادتى لاختيارى رفيقة لكـ....سنزور أماكن مذهلة.
ـ حسناً.
و رمت أبنها بنظرة ماكرة حملت بين ثناياها شيئاً من التأنيب:
ـ إنه يحسن التصرف فى بعض الاحيان.
ـ أريد مشروباً منعشاً...هل أحضر لك شيئاً ليز؟ أتريدين كأساً أخرى يا أمى؟
أجابت ليز على الفور:
ـ أريد كوب من الماء فحسب.
ـ أريد كأس من عصير الصودا.
قالت نانسى ذلك بلهجة الأمر, و ظهر فجأة فى عينيها بريق سخرية خبيثة:
ـ بدأت أشعر بالحماسة, الآن و قد قابلت "ليزتكـ" كول.
"ليزتهـ ؟" ما هى العبارات التى تراه استعملها ليصفها لوالدته؟...لا يعقل أن يستعمل عبارات تدل على أستحواذه عليها.
ـ يسرنى أن أراك سعيدة.
قال كول ذلك بنبرة لاذعة ثم استدار و توجه إلى المشرب.
شدت نانسي على يد ليز من جديد قبل أن تطلق سراحها و تومئ لها نحو ركنها:
ـ تعالى و أجلسي قربي, لأتعرف عليك أكثر.
ـ ما الذى تريدين أن تعرفيه عني؟
قالت لها ليز ذلك برحابة صدر, فيما كانت تجلس على الكنبة الجلدية الوثيرة.
ـ لا أريد التحدث عن العمل.
جاء ردها حازماً.
ـ حدثيني عن عائلتكـ.
ـ يقيم والداي في نو ترال باي.
ـ والدي طبيب...والدتي ممرضة...لكنها...
ـ تركت عملها لتهتم بعائلتها.
ـ أجل...أربع بنات....و أنا الثالثة بينهن.
منتديات ليلاس
ـ رباه! لابد أن العنصر النسائي مهيمن في منزلكم.
ضحكت ليز: "أجل...لطالما تذمر والدي لأنه من الأقلية...و لكن الله أنعم عليه بثلاثة أصهر يساندونه فى وقت الشدة."
ـ تزوجت شقيقاتك الثلاث! كم هذا جميل! حدثينى عن أزواجهن!
استرسلت ليز فى الحديث عن حياة شقيقاتها, أمام تشجيع نانسي الحثيث... ولم تكد تنتهي من كلامها حتي رأت كول عائداً نحوهما, فوضع الكؤوس على الطاولة المنخفضة أمامهما و ارتمى على الكنبة المقابلة....
و بعد أن شكرتاه بلطف, طرحت نانسي عليها سؤالاً لم تشأ أن ترد عليه:
ـ ماذا عن حياتك الاجتماعية يا ليز؟ أم لعلك مثل كول....
و نظرت إلي أبنها ساخرة: "ترفضين الارتباط بأحد؟"
و ذكرتها كلماته, للحال, بالفراغ الذى خلفه ارتداد براندن.. فماطلت فى الرد, و حملت كوب من الماء بين يديها, وهى تتمنى فى سرها لو أنها لم تطرح عليها هذا السؤال, لا سيما بتلك الطريقة, لأنها تعمدت أن تربط بينها و بين رب عملها الجالس أمامها, و كله آذان صاغية.
و إذا به يهب لنجدتها, علي نحو غير متوقع, و يقول لوالدته بفظاظة:
ـ أنت تتدخلين فى أمور شخصية للغاية...دعيها و شأنها...
تأففت والدته من كلامه, وردت عليه قائلة:
ـ أم يخطر في ببالك أن شابة ذكية و جميلة مثلها مرتبطة حتماً, و قد يعترض صديقها على سفرها برفقتي؟
اكفهر وجهه كول و رماها بنظرات مفعمة بالاتهام وكأن الذنب ذنبها, ثم التفت نحو والدته بنفاد صبر و سألها:
ـ ولِمَ تراه يعترض؟ فهى لن تغيب عنه إلا أسبوعين, و لا أظنه قد يعتبرك مناقسة له.
اسرعت نانسي تجاوبه وكأن حججها كانت مهيأة سلفاً:
ـ لا تنس بأننا لم نعلمها إلا قبل أيام قليلة من الرحلة...و لعهما مرتبطين بمواعيد سابقة...هل تكبدت عناء سؤالها هذا الصباح أم اكتفيت بإصدار الأوامر منتظراً منها أن تنفذها بحذافيرها؟
أطلق كول تنهيدة استهجان, فلم تجد ليز أمامها خياراً آخر سوى أن تقاطعهما:
ـ سيدة بيرسون.
ـ ناديني نانسي يا عزيزتي!
ـ نانسي...
حاولت أن ترسم على ثغرها ابتسامة رضي لإخفاء حالة الذعر التى سيطرت عليها.
ـ ليست مرتبطة فى الوقت الحالى...إنني حرة, و لن أرفض الفرصة التى قدمها ليّ كول هذا الصباح...فلو كنت مشغولة لأعلمته بذلك.
دبلوماسية...لعبة...لكنها كشفت النقاب عن فراغها يشكل مهين.
قال كول لوالدته: "هل أنت راضية؟"
ابتسمت له: "كل الرضي."
جاء ردها مفعماً بالاعتداد بالنفس و كأنها ربحت الجولة.
شعرت ليز بالحيرة وسط التلميحات المبطنة التى كانت الوالدة و أبنها يتبادلانها....ووجدت نفسها أشبه بطابة يحاول كل واحد منهما أن يرميها فى ملعبه... اسرعت تضع حد لهذه الأحاديث و تغير دفة الحديث.
ـ لم أزر كوشينغ من قبل, و لكننى سافرت مرة إلى ماليزيا.
و لحسن حظها, أحبت نانسي حديثها عن تجربتها السابقة, و تدبرت ليز أمرها طوال فترة الغداء ساعية بمهارة كبيرة إلى تهدئة التوتر الذى ساد الأجواء قبل قليل.
تناول طعامه بصمت, مكتفياً بالمشاركة بشكل مقتضب فى حديثهما...
على الرغم من أنه كان يرمى ليز بين الحين و الآخر بنظرات تقدير عن الجهد الجلى الذي تبذله لكسب رضي منتديات ليلاس والدته.
لم تكن المسألة صعبة إلى هذا الحد, لأن نانسي لم تحاول أن تخفى ميلها إليها...فكانت عيناها تتلألأن فرحاً واستحساناً كلما تفوهت ليز بكلمة.
من جهتها, كانت ليز أكثر تيقظاً لحضور رب عملها, الذى كان يراقبها, و يصغى إلى كلامها باهتمام بالغ...و كلما التقت عيونهما, قفز فرحاً, للتفاهم الساري سراً بينهما.
أنها المرة الأوي التى يحصل فيها ذلك, و حاولت ليز أن تحلل أسبابه! أترى والدته هى السبب, لأنها تناولت مواضيعه الشخصية؟ أم لأنه بات ينظر إليها من زاوية مختلفة, و يرى المرأة الكامنة خلف سكرتيرته الخاصة؟ أم لعلها بدأت تحذو حذوة, و تنظر إليه على أنه ابن نانسي و ليس رب عملها؟ كانت المسألة مربكة و مقلقة فى آن معاً...و لم تشأ أن تدع هذا الرجل يؤثر فيها أو يحرك مشاعرها...فهو قادر حتماً على استعادة برودته المعتادة فور انتهاء هذا اللقاء مع والدته.
ـ هل أنت متفرغة هذا السبت يا عزيزتي؟
طرحت نانسي عليها هذا السؤال, فيما كانوا يقدمون لها القهوة.
ـ نعم.
ترددت ليز قليلاً فى الرد, و هى تتساءل عما تريده منها.
ـ جيد ! أريدك أن تحضري إلى منزلي فى بالم بيتش, لتساعديني علي توضيب أغراضي...اعتادت جويس أن تفعل ذلك, دوماً, حتى لا أحمل معي أغراضاً كثيرة لا أحتاج إليها...ألديك سيارة؟ من الصعب الوصول إلى المنزل بواسطة وسائل النقل العامة...إن كنت لا تملكين سيارة...
قاطعتها ليز بسرعة قائلة: "لا عليك, سأتدبر أمري"
لم تفكر يوماً باقتناء سيارة...فوسائل النقل العامة أسرع و أقل كلفة من السيارة الخاصة.
صحيح أن بالم بيتش بعيدة بعض الشئ و تقع في الطرف الشمالي لشبه الجزيرة لكنها لن تجد صعوبة فى الوصول إلى هناك.
ـ كنت سأطلب من كول أن يوصلك.
ابتسمت لابنها و استطردت تقول: "يمكنك أن توصلها يا عزيزي, أليس كذلك؟ و لا تنس موعدك مع الحرفي الذى سيعطيك سعراً بشأن البلاط الجديد حول بركة السباحة, نهار السبت."
وقطبت جبينها و أضافت: "هل قال إنه سيأتى عند الحادية عشر أم عند الواحدة؟"
تنهد كول .
ـ سآتي يا أمي و سأصطحب ليز معي.
قال ذلك بحدة, و قد عيل صبره!
رائع! كانت ليز تفضل أن تستأجر سيارة تاكسي علي أن تشعر بنفسها عبئاً ثقيلاً على كاهل رب عملها.
و لكنها أدركت بأن اعتراضها سيذهب هباء, وما عليها سوى أن تتحمل الأمر علي مضض, و تبتسم ابتسامة عريضة...ابتسامة قد لا تروق لـ كول, الذي ضاق ذرعاً من تدليل والدته..
ـ يستحسن أن نصل باكراً...قبل الحادية عشرة.
وابتسمت ليز و أضافت: "سنتناول الغداء معاً...استمتعت كثيراً معك اليوم...علينا أن نحرص علي توضيب كل الملابس اللازمة للرجلة."
فكرت ليز أن تأخذ معها سراويل فضفاضة و قمصاناً قطنية لنهار, فضلاً عن بعض الملابس العملية للمساء. إلا أنها فضلت أن تلزم الصمت حول هذا الموضوع لغاية نهار السبت, لتكتشف ما تتوقعه منها نانسي...
من المؤسف أن كول سيكون موجوداً أيضاً...لابد أنه يفكر بالشئ نفسه عنها....
فى الواقع احست ليز بأن نانسي بيرسون تحاول أن تجمعهما معاً عمداً, لتسجل نقاطاً أكثر من أبنها...
لعلها لا تحسن التعامل مع الوقت, ولكنها تتعامل مع الناس بذكاء حاد... وها هى نظرة الاعتداد بالنفس تظهر ثانية فى عينيها. سألها كول ببرودة: "هل أنت راضية يا أمي؟"
ـ أجل.
وابتسمت له برقة: "شكراً يا عزيزي...إنني واثقة من إننى سأقضي وقتاً ممتعاً برفقتك يا ليز...يسعدني أن تتخلي عنها من أجلي...أظنك ستشعر بالضياع من دونها."
ـ يمكن الاستغناء عنها!
سرت قشعريرة على طول عمودها الفقري...و نظرت إلى كول بعينين مشوبتين بالقلق, وقد خشيت أن تفقد عملها بسبب تقربها من والدته. فهي لا تريد أن تخسر وظيفتها التى تضمن لها حياة هانئة, لا سيما في هذه المرحلة من حياتها.
تقابلت نظراتهما, فقطب كول و قد قرأ فى عينيها مدي تأثرها بكلامه:
ـ اعترف بأنني أجد صعوبة كبيرة في العصور علي شخص قادر علي
أن يحل محل ليز.
و نظر إليها بطرف عينه و كأنه يفترض بها أن تعلم ذلك.
ـ في الواقع, خطر لي أن آخذ إجازة خلال غيابها, لأوفر علي نفسي ضغط العمل.
حدقت به نانسي و ليز مذهولتين, لا تصدقان ما تسمعانه.
إنها المرة الأولي التي يفكر كول بأن يأخذ إجازة من العمل.. فهو يأكل عملاً, ويشرب عملاً و يرقد على فراش العمل.
لا شك أن المفاجآت كانت كثيرة و متلاحقة اليوم. أما أفضلها على الاطلاق, من جهة نظر ليز, فهو تقدير كول الواضح لها, الذى اثبته مرات عدة...مما جعلها تشعر بحالة أفضل...جعلها ذلك تشعر بأنها مميزة....و مميزة جداً.
نهاية الفصل الثالث
قراءة ممتعة للجميع
|