صحيح أنه يتمتع بذكاء خارق, جعله يتتبع عن كثب تقلبات الأسواق ا
لمالية بحثاً عن صفقات مربحة لزبائنه, و يراقب كل شاردة و واردة تتعلق بأعماله...إلا أنه صد كل تدخل خارجى قد يمس حياته الشخصية, و أحاط نفسه بحائط من الصعب اختراقه...
أجابت ليز محاولة أن تضع حداً لهذا الحديث الغير مجدى:
ــ لا تربطنى به علاقة ود...فانتباهه كله محصور بالأعمال.
و أقرت فى سرها ساخرة, بأن ذلك جعله يقدر براعتها فى إدارة الأعمال وحسن متابعتها للأمور كافة...و لطالما أحست بالإثارة, كلما فاجأته بمعالجتها المتقنة لبعض المسائل...معالجة لم يكن يتوقعها منها...فهو طاغية بكل معنى الكلمة.
نصحتها ديانا قائلة, و فكرة اصطياد رب عملها لا تبارح ذهنها:
ــ عليك أن تزعزعى كيانه ليطرد من رأسه تلك الأفكار المسيطرة عليه
ــ لا يمكنك أن تبدلى نمط حياة المرء.
أجابتها ليز بحدة, و قد ادركت مدى غبائها, حين خيل إليها فى لحظة من اللحظات أنها قادرة على تغيير تصرفات براندن المتأصلة فيه.
تجاهلت ديانا هذه الحقيقة البديهية, و تابعت ثرثرتها وهى تنظر إلى ليز من رأسها إلى أخمص قدميها .
ـ إنه يعاملك و كأنك جزء من أثاث المكتب, لأنك لا تفعلين شيئاً لإثبات العكس...متى كانت آخر مرة انفقت فيها المال على نفسك؟
صرت ليز على أسنانها لدى سماعها نبرة شقيقتها التهكمية...فهى متزوجة من رجل ثرى, يلبى احتياجاتها كلها, و لا تجد نفسها مرغمة على ادخار معظم ما تجنيه من المال لشراء شقة لها فى المدينة...إذ فهمت ليز أنها لن تتمكن أبداً من تأمين منزل خاص بها إلا إن اشترت واحدة بنفسها...
ـ احتفظ بملابس كلاسيكية الطراز للعمل.
اكتفت ليز بالرد على شقيقتها بهذه الكلمات المقتضبة, من دون أن تتكبد عناء التوضيح لها بأن ملابسها الفاخرة لا تلزمها...فهى تفضل أسلوب الحياة البعيدة كل البعد عن الرسميات, مستغلة كل فلس تدخره, لتسافر برفقة براندن إلى أماكن مختلفة, مكتفين بارتداء سراويل جينز و القمصان القطنية.
قالت ديانا مصعوقة:
ـ كم هذا ممل! فجل ما ترتدينه هى البذات السوداء اللون و الاحذية العملية..فى الواقع, أظنك تحتاجين إلى تغيير كامل.
انهت شقيقتاها الأكبر سناً توضيب الصحون فى مكانها, و انضمتا إلى ديانا الجالسة على مقعد قرب حافة النافذة..
قالت لها جاين بنبرة أقرب إلى النقد:
ـ لا أظن أن الشعر الطويل يليق بك...فهو يخفى وجهك الصغير...وعندما تشدينه إلى الخلف تبدو عظام وجهك أكثر حدة...عليك أن تقصيه بشكل مميز يا ليز.
وافقت سو شقيقتها الرأى قائلة: "و تصبغينه أيضاً...فإن كان ينبغى عليك ارتداء بذات سوداء, لا أظن ان اللون البنى الباهت قد يرفع معنوياتك."
"لا أظن أن ارتداء البذات السوداء ضرورى.
قالت ديانا ذلك و هى ترميها بنظرة تحدٍ :
ـ أراهن أنها سلكت الطريق الرخيص لتأمين الحد الأدنى من الملابس العملية, أليس كذلك يا ليز؟
ل يمكنها أن تنكر الأمر...فامتناعها عن زيارة مصفف الشعر بشكل منتظم, وفر عليها الكثير من الوقت و المال, لا سيما و أنها تجد سهولة كبيرة تثبيت شعرها بمشبك عند أسفل عنقها, خلال العمل.
علاوة على ذلك, كان برندان يحب شعرها الطويل, و بزاتها المواتية للمناسبات المختلفة توفر عليها عناء اضاعت الوقت لاختيار ما ينبغى عليها أن ترتديه.
ـ و ما همكن من ذلك؟
قالت ذلك و قد بلغ الغيظ منها مبلغاً, وهى ترى شقيقاتها الثلاث يضعنها تحت المجهر بهذه الطريقة...
ثم أضافت بنبرة لم تخل من التحدى: "و لا أحد ينتقدنى فى المكتب"
ـ الخادمة غير المرئية!
أكملت ديانا هازئة: "هذا ما أصبحت عليه بالفعل...و الحق يقال إنه لا يجدر بك أن تبذلى إلا القليل من الجهد لتبدى مذهلة"
أجابت معترضة ز قد أفقدها هذا الجدل صبرها:
ـ قولى هذا لغيرى! لطالما كنت الأكثر قبحاً و الأقصر قامة فى العائلة.
و نظرت ساخطة إلى شقيقتها جاين الممشوقة القوام, بشعرها الداكن المتموج المحيط بوجهها البيضاوى الشكل, وعنقها الطويل الجميل.. كانت شقيقتها الكبرى تتميز بعينان بنيتان, و فم ملئ مثير, و قد أشبه بقد عارضة أزياء, تليق به الملابس على أختلاف أنواعها و أشكالها.
منتديات ليلاس
انتقلت عيناها الساخرتان إلى سو التى كانت توازى جاين طولاً, و لكنها تتميز عنها بمعالم جسمها التى تضج أنوثة...معالم يعلوها وجه جميل و عينان كهرمانتان متألقتان, و شعر مجعد, عسلى اللون, يتدلى على كتفيها.
و راحت تتأمل أخيراً شقيقتها الصغرى ديانا...تلك الشقراء صاحبة العينان الزرقاوان التى تجذب الانظار إليها حيثما حلت...فشعرها الناعم الأملس أشبه بستار من الحرير و قسمات وجهها جميلة, وتعلوها دوماً طبقة خفيفة من الماكياج, و قدها نحيل, تُبرز جماله ملابسها الأنيقة التى تحمل توقيع أشهر مصممى الأزياء .
و كيف يعقل أن يغض رب عملها الطرف عن جمالها الأخاذ و لا يقع أسير هواها؟
أحست ليز بنفسها صغيرة أمام شقيقاتها...ليس لأنها متوسطة الطول و صغيرة الحجم فحسب, بل لأنها تشعر بنفسها صغيرة بكل معنى الكلمة... فشعرها الباهت كث, و من الصعب تسريحه, وعيناها بندقيتان, ضبابيتان تفتقران إلى صفاء اللون, و أنفها ناتئ, و عظام خديها و ذقنها بارزة جداً.. وحدها أسنانها السليمة كانت مصدر فخر لها, و الناس يتغزلون دوماً بابتسامتها الجميلة...
لكنها لم تشعر فى تلك اللحظة برغبة بالابتسام, إذ تملكها إحساس قوى بالبؤس.
ـ من المضحك الادعاء بأننى قادرة على أن أبدو جميلة.
أعلنت ليز ذلك ساخرة:
ـ لا شئ مميز بىّ إلا ذكائى الذى تمكنت بفضله من إيجاد وظيفة جيدة.
و لكن من خلال خبرتى الشخصية, لا أستطيع القول إن الرجال لا يحبذون المرأة الذكية فى ما يتعلق بالعلاقات الشخصية.
ـ وحده الرجل الذكى يقدر ذلك ليز.
قالت لها والدتها ذلك بنبرة هادئة.
ـ و كول بيرسون غاية فى الذكاء.
و اسرعت ديانا تضيف: "و لابد أنه يقدر من هذه الناحية."
ـ هلا توقفت عن زج رب عملى فى هذا الموضوع؟
و كادت ليز تدوس على رجلها و قد عيل صبرها من إصرار شقيقتها الصغرى على موقفها...فحتى فى أحلامها, لا يمكنها أن تتخيل نفسها بين أحضان كول بيرسون..
قالت لها جاين بلهجة جدية: "بغض النظر عن رب عملك يا ليز, أجد أن فكرة تغيير شكلك الخارجى ممتازة, لأنك تتمتعين بجمال خاص بك, و لكنك لا تبذلين لإبرازه...فإن اخترت ملابس مختلفة و صففت شعركـ بطريقة جديدة..."
ـ و الظلال الحمراء الصارخة بالتأكيد ستترك حتماً تأثيراً مدهشاً.
ردت سو بنبرة حاسمة :
ــ لو قصصت شعرك بشكل متموج, ستبدين مذهلة...اللون الاحمر سيضفى على بشرتك رونقاً خاصاً فضلاً عن هذا التباين الصارخ سيظهر خضرة عينيكـ.
صرخت ليز ساختا: "لستا خضراوان...أنهما..."
بتت سو الخلاف قائلة أنهما أقرب إلى اللون الأخضر منه إلى الكهرمانى. و اللون الأحمر سيفى حتماً بالغرض...دعينى أحدد لك موعداً مع مزين الشعر, و سأذهب معك لأشرف على الأمر."
أضافت ديانا بلهفة : "يمكننى أن أصطحبك للتسوق, و أختار لك ملابس مدهشة."
أسرعت جاين تقول: "بأسعار مخفضة, صح يا ديانا؟ لا نردها أن تدفع مبالغ كبيرة."
ـ صحيح.
قالت سو بلهجة الأمر :
ـ علينا أن نهتم بشعرها أولاً, ومن ثم نشترى لها الملابس
ـ يستحسن أن تقوم بزيارة مركز التجميل لتختار مساحيق تتلاءم مع لون شعرها الجميل.
ـ و تبرز خضرة عيناها.
ـ و لا تنسى الأحذية...ينبغى أن تتخلص من هذه الأحذية القديمة الطراز.
ـ قطعاً...فساقاها جميلتان و ينبغى أن تعرضهما بتباهى.
ـ و لا تنسى الكاحل الحسن الشكل.
و انفجرن بالضحك و قد سيطرت عليهن الإثارة و كأنهن سيلوحن بعصى سحرية لتحويل شقيقتهن الصغرى إلى واحدة منهن...
استمرت شقيقاتها بتبادل الآراء حول خطة تغيير شكلها الخارجى برمته, و الحماسة بادية على وجوهن... وعلى الرغم من أنها كانت واثقة كل الثقة من حسن نواياهن, وجدت ليز نفسها على شفير الانفجار بالبكاء