كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: و بك أتهجأ أبجديتي
بسم الله أبتدأ
يا أحبة ، صلاتكم و الطاعات اولا ❤️
خاء
•
أقرُّ لهُ بالذنبِ ؛ والذنبُ ذنبهُ وَيَزْعُمُ أنّي ظَالِمٌ، فَأتُوبُ
وَيَقْصِدُني بالهَجْرِ عِلْماً بِأنّهُ إليَّ ، على ما كانَ منهُ ، حبيبُ
و منْ كلِّ دمعٍ في جفوني سحابة ٌ و منْ كلِّ وجدٍ في حشايَ لهيبُ
ابو فراس الحمداني
•
بين أروقة الخطايا ، تاه !
رغم أنف نابضه ، أشبع معدته من دلو الذنب ، ذي النية الكُبرى
بـ جور الإقطاعيين ، عث في بساتينها خرابا ، و دمار .. ارهبها فلم تحتمي بـ خوذة حتى تحطمت جمجمة امنياتها ، كـ هي
بكامل الادراك قضى الاسبوع النائب نحبه ، مُشيعا بالصبر و احتساب الاجر ، و كأن بالأعمدة الاربعة للمنزل تخاصمت مع بوحها و السقف .. كل منهم غاص حتى قاع التشبث بالمواصلة
فالأكبر إكتفى بالنأي بنفسه بين طيّات حُزنه القاتم ، مرتدي قناع " اللا وجود " امامهم
في بادئ الأمر إستغرب العائد تعامل نسوة العائلة مع إنطواء الاخ الاكبر ، لكن بعد حين من التصادمات بينهما فهم عدم تقربهنّ من أسلاكه الذابحة
اما الدُر ، فـ خصامها اذاقه زمهريرا .. لا يدري كيف جعل منها طرفا ناشطا في حزب معارضته ، و لكنه نادم حقاً على ما فعله امامها
بينما الأُخرى ، مُدللتهم ، كانت خير مثال للتشرنق على الذات ، لفظته من افلاكها كـ نيزك منبوذ .. أوسعت جسارته إهمالاً ، و إستخلصت لنفسها حياةً حُرة ، مدتها من الايام سبعا .. فإكتفاءه قد وصل منتهاه ، و صبره عبر فوهة غيظه
تعكف على اخذ اولادها الى المدرسة صباحاً - قبل أن يغادره النوم - و بعد زيارة اليقضة تسلمه والدته عهدة المنزل تاركيه بمفرده يصول و يجول بين ذكريات اعوامهم الماضية
ظهرا ، حين مآبهم يكون الملل قد فعل به الافاعيل ، و كأن به لم يذق للوحدة و لا للغربة طعماً من قبل ذا !
زفر معتداً بخلوته الكئيبة ، رافضاً على نفسه اعتراف سالف ، باغياً من لا مبالاته مجالستها ! لتلبي نداه ببالغ التمكن ، فتلهيه عن افكار تشده نحو افراد هذا المنزل الحميم رغم كآبة ساكنيه ، اشغل نفسه مجددا بأتفه الامور ، مُحاكيا هذه و تلك ، ممّن لا تخافّن الله ، الشديد بعقابه
متلاهيا عن اوزاره كان ، مفتعلا لنفسه ضجة من تفاخر زائف ، لن يطول امده الا قليلاً ، فيضمحل معه كُل ضجيج ، جاعلا منه سجين الإلتصاق بهم ، أهله !
وجد انه و بعد درب التلاه الالكتروني ذاك راجعا لواقعٍ أجبر على معايشته ، ترك الحاسب الشخصي مُهملا بعد أن اغلق نوافذ خطاياه جيدا ، فيكفيه ثغرة اعلن عنها قاصدا لتعلن الاختان حدادا على سماحتهما فتقذفانه من بؤرة تآزرهما
استقام من محله ، ليغادر حجرة اخته ، متجها بنية وليدة حيث الحجرة المقابلة ، تلك العائدة لصاحبة ماضيه الشقي ! من كانت عُمراً جُل ما تمنى و ود
تأكد سلفاً من عقارب ساعة يده و الهاتف لئلا يُمسك بفعلته ، و تلك الضخمة المعلقة على الحائط تحذره بأرقامها الكبيرة من مغبة الولوج في المحظور بهذا الوقت القلق ! فلم يتبق على عودة الفوج العائلي الا ساعة يتيمة ، قد تؤدي به الى الفضيحة !
يمناه الراسخة على عتلة الباب الخشبي تنبهت لـ جسارة قلبه الراغب بـ شحنة حنين عنيفة ، علّه يسترجع سالف النبض هنا ، حيث كان يوما في مقتبل الشباب ، و العشق
كانت ذراعه سلاحاً فتاكا على اوجه العدا حين الملاحم ، لم يجدها الآن عاجزة عن فك باب الذكريات ؟ لم يشعر بأن عودته افقدته عمل الاحد عشر عامٍ الماضية ؟ و كأن به ذات اليسّار القديم
جازف بطاقاته الكامنة جميعها ، اذ ليس هناك ما يستوجب اظهارها أكثر من اللحظة الآنية ، فهو يودّ ان يكون مُلما بكل شئ ، محطما جميع الاسوار ، حتى تكتمل العودة ، و ينفض الغرباء !
لم يكن يسارا يعرفه من تولى امر كبريائه السخيف و جعل منه احمقا يغمض جفنيه خشية المجهول .. ذاك الذي سرعان ما ضرب فكه بقبضة من زجاج ، تهشمت ، فتناثر بعضها فرارا ، و الاخر استقر في وجهه حتى اذاقه جور الوجع .. فالباب لم يفتح !!!
صدمته لم تكن بالهينة ، قبضته على الاكرة تشجنت اكثر ، و انفاسه الشرسة راحت تسابق للهروب من فورة صدره المشتعل مرجله ! تصمم التمني على إذاقته كُل ما أعدته مسبقا على مر السنين ، فتخمر بعضه ، و تعفن الاخر !
كفاك يا ذا الخطايا بحثا عن رأفة ترجوها من قتيلتك في الهوى ، و النوى !
إنصب خيمتك بعيدا ، فأرض الله تسعك حيثما حططت رحالك و إترك عنك محاولاتٍ عاقر لرد مكانك في صحراء قلب تالف
إبتلع قهراً انسكب في جوفه كمنصهر لاسع ، بينما الغضب فروّح عنه بقبضة يسّاره التي هزت قوام الباب بضربة حُبلى بـ أمله الخائب و صدمة وجيبه الرافض انكساره
ابتعد اخيرا ، معوّج الاضلع ، منحني الكبرياء ، ضائع !
و كأن بجليل مُصاب أحاط بذهنه الراقص في غياهب الإهمال و الإستهتار ، لم يجد بدا من التيه اكثر .. في عقله تدور احداث الايام الاخيرة ، انشغالها المستمر بحياة زائفة ، رفضها الحقيقي لـ وجوده بالقرب من صغيريه .. و اخيرا ، زياراتها المستمرة لرفيقات لا يدرك شيئا عن وجودهن في محيطها
لم يعِ حقاً كم يكون مُزعجا ان تكون امامه و لا يحق له الدنو منها خطوة ! فهم قد احاطوها بشمعٍ احمر حرّم عليه التقرب ، فالإزعاج !
عند قدومه كان بإمكانه الانفراد بها بشكل أيسر اذ ان الدُر كانت بصفه ، اما الآن ، فيداه مكبلتان بخيانة عرّاها بنفسه ظنّا منه فلاحاً فعاد عليه الامر بالخسران الاكبر
انتهت رحلته الكئيبة في المطبخ ، مستلقياً على المقاعد الجانبية بـ توتر ملحوظ ، احداقه تتردد بين شاشة هاتفه و النوافذ المطلة على البوابة الرئيسية
ظل حبيسا لمعاناة اخفاقه بالتواصل معهم لمدة جعلت من تماثيل كرامته رفاتا ، حتى عادوا !
دون زيارة التفكر راح يعتدل جالسا ، مُرحب القلب بـ جميل الآوبة ، مُحاولا خنق صوت لهفته بـ قوة السبعين رجل ، لتبوء محاولاته فشلا برؤيته الوجهين الجميلين ، يال هناء عينٍ تبصرهم
لم يتحرك من محله رغم وجوب الحال ، ليترك والدته الحانقة تقوم بالمهمة بإستخدام المفتاح الاضافي ، ثم يدخل الفوج المتآزر بـ ضحكات حلوة ، كـ قلوبهم
كانت زين اول من تقدمتهم ، راكضة نحوه بلهفة لا تخفى عن الاعمى ، و كأن بقلبها الصغير كان خائفا من ان يكون قد اختفى مُجددا .. يال شنيع فعلته بحق هذين العصفورين ، إنهما يخافان هربه ، رجفة اعينهما فاضحة ، مؤلمة !
استقبلها بجميل الكلام ، و من ثم جر اخيها اليه هاتفا بأهازيج مُرحبة بالقدوم المُبهج
بطرف اللواحظ استرق النظر لعابسة الوجه ، ثم حول بصره لوالدته العاكفة على مراقبته بإهتمام ، ليبادلها التحية ، و من خلفها اضاف بهدوء : جان تأخرتوا بعد ، متت جوع !
تحجج بالجوع ، ادركت الام امره و اعجبها ان يكون الملل رافقه حين غيابهم ، لعلها قطرة اول الغيث ، قبل ان تقول شيئا صاحت صغيرته بحماس : بابا اليوووم خمييس و ماما مستلمة راتب يعني غدا من برااا
دون ان يرف هدبه تحولت انظاره نحوها و النبض الراقص يفضح لوعته ، إلا إنها صفعت خد مشاعره لما لمح انعقاد حاجبيها اكثر ، اغلق جفنيه بتأثر حقيقي ، عاقدا العزم على الثأر ، فكفاه ما لاقى
: لا بابا اني ما اكل من فلوس امكم ، اخاف يصير بية شي ، اتسمم
شعر بالسهم الحاد يخترق كتفه ، لكنه تجاهل الوجع مستغلا طفليه ، ليحاكي يزن بـ حماس واه : يزون حبيبي وين وديت الشاحنة ؟؟ الاي باد خلص شحن ترة
: طبعا ، اكيد يخلص من الاستخدام
تعليقها البسيط ، جاء بمصرع تهاونه .. ليقلب بصره فيلتفت نحوها و الغيظ يفور تنوره برأسه ، راقب بروية تحركاتها الناعمة لتثقب بالونة الغيظ دون ان يعي حقيقة انهزامه امام حنطية الحُسن
ظهرها يقابله بكتفين نائمين حُزنا ، وجد الوجع طريقا ليسكن قلبه عليها ، هذه الفاتنة جعلت العجز و التناقض رفيقي دربه ، فحاله لا يسر منافسيه في الحلبة !
شعر بأنظار الثلاثة متعلقة بجثته الضخمة ، حيرة .. ليسعل بخفة ثم يغير وجهة اهتمامه قسرا نحو والدته الصامتة ، فيحاكيها بـ نبرة حاول ان يجليها من بحتها المعتادة ، ألا انه فشل : يووم سويلي اي شي أكله ، متت جوع
لتتدخل هي دون ان توليه البصر : ماما هسة راح يوصل الاكل من " صاج الريف "
لتعلق زين بـ سرعة : يسسس راح توصل البيتزاا بيتزاا
ثم تستدير بسرعة نحو والدها ، هاتفة بـ بهجة : بابا الجميل انتة هم تااكل بيتزاا موو ؟؟
لم يستطع التفريط بفرحة عينيها ، ابدا .. فمال نحوها بحنان غريب ثم راح يحملها قائلا بعنف ضاحك : اكلللج انتييي همم همم
مقرن القول مع عض خديها و عصر جسدها الصغير ، ضحكتها المرحة انعكست على توأمها و الجدة الحنون ، لتتلوى بقوة باحثة لنفسها عن مهرب من الوالد الجائع ، محاولاتها المستميتة جعلت من مريولها المدرسي يرتفع ليظهر ما تحته ، فيكمل الاب لطافة معاملته بتمثيل الصدمة على الملامح الحادة
توسع محجريه ارهب فتاته لتعلو ضحكاتها خوفا و هو يصيح بإنفعال مرح : هااي شنوو ولللج ؟؟ شنوو هالتنورة القصيررة ؟ خزيتيناااا ، طلع ..
قبل ان يكمل صاحت زين برفض و غيمات المرح تمطر على الجميع - إلاها - ضحكات ملونة : باابااا لتصيييررر هيج عيييب
ابعد وجهها المختبئ في كتفه ليقابلها النظر الحاد و بسمة عينيه تأسر من يلمحها ، خلا من اغشى الوجع بصيرته : العييب علية لو علييج ؟ رايحتلي هيج للمدرسة ؟؟ شسوي هسة اني وين اودي وجهي من النااس ؟
هنا تدخل شبيه العراق بغيرة ثارت بدمه الحبيب ، فراحت يداه تسحب تنورة شقيقته معترضا بـ لطف و البسمة الحلوة رسمت على وجهه المُكور أبهج الصور : بابااا انتتتة رفعتها والله هية مو قصيرة
: طبعااا انتة تداافع على اختك ، سرررسري
هُناك ، حيث هما ، في زاوية المطبخ تقفان .. تحاكي احداهما الاخرى بالقلب و الاحداق ، أخبرتها أن إن إبنك أذية قلبي .. لتجيبها الأخرى و أنتِ قلبه يا صغيرة ، أنتِ قلبه
فلا تأسِ على ما غاب من عُمرك ، إفردي شعر سنينك القادمة تحت اشعة شمس يوم جديد ، ضاحك ، مُشرق
اعتاد الخد الحزين احتضان دمعاته في الآونة الاخيرة ، حتى صار يفتقد غيابها ان طال ساعات ! و ها هي المقل تستجيب لنداءه بدمعتين منبعهما الأذى ، أذى القلب الهائج
بخفة انامل اعتادت عملها حذفت ما قُذف من العينين ، ثم بهزة رأس حاكت حماتها العطوف ، لتتحرك بعدها حيث الحقيبة الموضوعة على احد المقاعد ، فتستخرج هاتفها بهدوء مفتعل
: اففف استغفر الله يا ربي
كانت عفوية في تذمرها و هي تجده مغلقا لأسباب معلومة من قبلهم ، ليعلق حبيبها الصغير و خطواته تقوده نحوها : شنوو ماما الموبايل مابيه شحن ؟
رفعت حاجبها ببسمة اضفت على الوجه الكئيب بعض حياة ، تداعب الـ يزن بالنبرة اللذيذة و شمالها تتوسد الخصر بغنج عتيق : هسة قلي شأسوي بيك
بضحكة مُحببة اخذ منها الهاتف ، مستطردا بالقول الرحب : هههه مو اني البارحة نسيت اشحنه
ثم معاتبا و البسمة لا تفارق وجهه : يعني ماما اذا اني ما اشحنه انتي متشحنيه !!!
: انسى يا حبيبي انسسى ، تعرفني ما استخدمه هواية فأنسى اشحنه
كان خير مُراقب ، و مُنصت لتفاصيلٍ لا تُرى بعين مجردة ، الا بقلبٍ متلهفٍ ، مُشتاق
لو التفتت حدوه فقط ، لو لم تتجاهل قرع الطبول المُنادية لها ، لأبصرت تلك النظرة القديمة ، و ذلك الحنين الفاضح كان ليغرق قهرها حتى بكرة ابيه ، لـ يسارع بإحتضانها هي الاخرى !
لكنها لم تبصره ، و لم توليه اهتماما ، تركته هائما في بحر اوزاره و الشوق ، فتكون ردة فعله على قولها الاخير ضحكة خفيفة ، تُعري إلتصاق سمعه بهمساتها
يزن ، واقفا بمحاذاتها ، يُمدها بالعون ، و الحُب ، منشغلا بهاتفها و بالهم الراكد في تجويف احداقها ، متألما على ضياع ضحكتها ، فلذة كبدها هو ، و نور حياته هي ذاك الذي خفت وهجه منذ قدوم والده ، و هذا ما جعل الوجع يحتله دون رحمة
تحرك بالهاتف حيث مصدر الكهرباء ، ليربطه بالشاحن الموضوع ، فيصل اسماعه حينها قول ابيه الـ " مغتاظ " : حبيب امك قتلك الاي باد خلص شحن مسويت شي امك بس حجت وياك حجايتين ركضت تشحنلها
ببلاهة رفع الصغير حاجبيه ، لترف اهدابه عجبا مما يقوله الغول الاشقر ، كاد ان يعتذر بأدب لولا بهجة العيد التي حلّت عليهم بضحكة التمني ، المتحدية !
دون ان يعي شارك والدته انشراح المبسم ، و عيناه ترقرقتا بالفرح الوليد ، ثم نقل بصره حيث ابيه ، الشامخ بوقوفه حاملا توأمه ، ليجده الاخر أسيرا لـ حُسن البهجة و روعتها
ابتسامته اتسعت ، و نظرته تحولت نحو جدته هذه المرة ، لتغمز له الاخيرة ببسمة أمل ولد تواً بعد عُسر مخاض
اما هو ، اصلع الرأس ، فـ راح خافقه يفور كما المرجل لدى رؤياه وجه الفجر يزيل خمار الليل المُظلم ، فتنقشع الكآبة و تحل على دُنياهم الشمس ، ببسمة تمني !
أي حالٍ أوصلتهم له يا عسلية العينين ؟! أي مياه اسقيتهم حتى صارت بسمتك مضاداً لـ بؤسهم ، و بهجتك علاجاً للـ هم ؟
أحساسها بـ الرماح الزرقاء شدهّا حتى شُلت اعتراضاتها الذهنية ، فراحت الروح تجرجر بنظرات احداقها حيث الـ يسّار .. حين التفكر و التعقل لم تكن أبدا لتهرس كبرياءها تحت اقدام الضعف ، لكنها و عند اللحظة هذه فقدت السيطرة ، و أُبيدت اعتراضاتها
لما تبادلا البصر ، جفلت .. فـ إرتعش !
بصريح النظر أرسلت مكتوبها ، حاملا بين طياته أوجاعها ، مُترجما حال عصفورٍ تُرك مهملاً ، محتجزا ، ضمآن و من الجياع كان
" لا زلتُ أكرهك و وجودك "
قرأها ، تجرع بلعومه زمهريرها المتقيح ، اكفهرت ملامحه ، و إعوج قلبه ، فرّ بعينيه مُنكسرا ، لينزل ابنته ارضا ثم تأخذه ساقاه حيث الطاولة ، رافعا من عليها كأس ماء ، مُلقيا اياه كاملا في جوفه ، علّه يحذف مرارة اللقمة الاخيرة ، و لكن ، لّيت !
هاتف يرن ، و حركة سريعة من الجميع ، و اكثرهم عجلا كانت هي ، من اجابت بنبرة متماسكة ، رسمية الحديث ، شرح مفصل عن موقع المنزل ، فـ سؤالٌ عن الحساب اوضح له تساؤلا اخفاه
اغلقت الهاتف اخيرا ، لتخرج من حافظة نقودها بعض الاوراق ، تسلمها والدته ، فتتحرك الاخيرة مع ابنته خارجا ، بينما شبيه خاله فـ ظل عاكفا على مراقبتهما ، لئلا تُضرم نيرانا جديدة ، فقد اعتاد كما يبدو على الحروب النازية بين والديه !
زفرة طويلة رافقت حركته الكئيبة و هو يعود ليرتمي على الاريكة ، محاولا جهد قدرته الاصطبار على ثقلٍ استحسن ركوب كتفيه
لما عادت والدته و الصغيرة بأكياس الطعام ، سارع يزن بمساعدتهما في حملهم ، و هو عكف على مراقبتهم ، حتى علق اخيرا محدثا امه : يووم تسويلي غدا لو اخابر صديقي يجي ياخذني لأي مطعم
ليحل الصمت ، و العناد !
اذ راحت الجدة و حفيداها يتوسلون نظيرة اليسار في قتاله أن إبسطي للسلام يداً ،
تنهيدة طويلة ، شرعت بـ خلع حشاها ، ثم استسلام مجحف بحق غيظها ، و الزعل : ماكو داعي ماما ، الاكل خير من الله
لم يقتدي بفعلتها ، بل اكمل العناد كما الثور : يوووم ما اريد هالاكل ، اخاف يصير زقنبوت " سم "
لتهم والدته بـ الصياح المنفعل : اسم الله امي ليش هالحجي هذا
يقسم بأن الـ " اسم الله " أختلطت بنبرتين ، لم تكن نبرة والدته خالصة .. أيعقل ؟!!
حول بصره نحوها ، لتقابله بحدة البصر ، و القول : لتخاف ، ما راح احط عيني على الاكل ، اكل و ريح بالك
*
إسبوع مضى حال دون ظهورها المستهتر .. لا يدري كيف افلح القلق بالتمكن منه ، ليجد نفسه صباح كل يوم يهرب من مهماته - لبرهة لا اكثر - فينشغل باله بأسباب غيابها !
لا يدري مالذي حدث عند العراك الاخير بينها و بين حسين ، و لكن استمرار انقطاعها عن ازعاجهم بيّن له مدى ضخامة المشكلة
بإستطاعته الاستفسار من سكرتيره ، او من حسين نفسه ، الا انه كان قد قرر النأي بـ نفسه عن ازعاجها المقيت ، عديمة الحياء و التخلق !!
نعم ، قرر
و ليس من سمات العراق العدول عن قراراته ، هذا ما ظنّه حتى يومين مضت ، فراح القلق الحقيقي يسامر ليلتيه ، أ تكون قد حلّت بها مصيبة ؟
أ صارت نهايتها مقززة كـ افعالها ؟!
لم يعتد الانسلاخ عن مسؤلياته ، و لشديد الأسف صارت القرمزية إحدى تلك المسؤليات المعلقة في عنق حياته و كأن بوجود من مثلها ما ينقصه !
اتصال شقيقته كان المُنبه الوحيد على انتهاء وقت الدوام الرسمي ، اذ كان و كما اعتادته حين الصفقات الجديدة منغمس الرأس في بركة العمل
لما ادركه الوقت الراكض نحو اخره ، استقام من محله غير مُبال بتشنج مُعتاد في فخذه ، رفع مقتنياته الشخصية ليضعها في جيب سترته بهدوء بينما العقل فـ طار ركوزه حال ان تفتحت بيبان ذكرى الحمراء عند اللقاء الاخير
وجه انظاره نحو ساعة الحائط ، باحثا عن اي سبب يجعل منه خائنا لعهده ، و لكن لا مفر ، فالوقت لا زال ابكر من ان تكون الزيارة مُعابة
تغضن جبينه بـ ضجر استحل بطانة صدره ، ليتحرك مغادرا و يده تخرج الهاتف من مخبئه ليتصل بـ الدُر ، أخبرها بروية ألا تأتيه ، فعمل - طارئ - قد ظهر له
لما خرج ، قابله الشاب المكافح بـ إهتمام : ها دكتور رايح ؟
تنهيدة خفيفة فلتت من صدره ثم ببحة مرهقة اجاب : اي رايح
انتة هم تأخرت اليوم اعذرني بس شفت الشغل
ليكون الاخر كعادته ، جميل الخصال ، مشبع بالأدب : لا العفو دكتور غير واجبي هذا
الله وياك
هز رأسه بخفة ، ليكمل مسيره ثابت الخطى ، قليلا فقط ثم استدار مستفسرا و حاجبيه لم يزالا متلاصقان كما جنيني رحم واحد : ايهاب
بعد ان جلس ، استقام سريعا ، و بخير تخلق جاء رده : نعم دكتور ، تفضل
بسبابته حك نواجذه ليسعل بغتة ، ممتعض الحال من ذاته ، كاره أن يكون محل شكٍ بين إناسٍ اعتادوا ان يروا جانبه الرمادي ، بنبرة تليق بإقدامه حتى و إن كان غير راضٍ بادر بالتحقيق : جنت موجود بالمشكلة الي صارت بين مدام فرات و دكتور حسين ؟
: اي دكتور ، و بصراحة جنت متوقع تغيب مدام فرات كل هالفترة ورة الي صار
عندها فقط ، إنشغل ذهنه بشكل تام و جاد بما قيل ، ليستدير اكمله فيكون مواجها للشاب اليافع ، دون إهتمام بقرارات قد سلف و أتخذت - حين غضب - تكلم سائلا اياه دون تردد : ليش هوة شصار ؟
بحماس راح يسرد ما حدث : ما اعرف شلون بدا الموضوع ، لكن من دخل دكتور حسين لمكتب حضرتك و شافها موجودة الظاهر صارت بينهم مشادات
: اي و بعدين ؟؟
: بعدين تدخلت دكتورة نهى و علت اصواتهم ، بصراحة اني مفهمت التفاصيل لكن من الي شفته انو قسوا على مدام فرات لدرجة ...
شماله الحاملة لقلم رفيع ، صارت خير مؤشر لما يودّ الشاب ايصاله ، و هو يمد ذراعه نحو احد النوافذ : كسرت الشباك بإيدها و انجرحت
دكتور بوقتها حاولت اوصل لحضرتك الصورة بس ...
محجراه توسعا تزامنا مع القول الاخير !!
ايعقل أن تكون الفرات ليست سوى قشرة واهية سهلة التهشم ؟!
أنى لها ان تخسر امام حسين و هي لها من الالسن عشرا تكفيها عند حاجتها للوقاحة
لم تزل المُفاجأة تغشي عقله ، لذا جاءت نبرته شاردة بالكثير مما لم يفقه : ماشي ايهاب ماشي
بس مرة لخ بهيج مواقف حتى لو اني قتلك لتقلي شي انتة ضروري تنطيني خبر
اعتذار جديد اطلقه ايهاب متابعا مغادرة مديره في العمل بخطاه الرتيبة : اسف استاذ ، ان شاءالله متتكرر
اما العراق ، فـ حينها شعر بوخزة ذنب استقرت في جنبات روحه ، بعيدا عن نفوره و سلبية مشاعره نحوها ، ليس من المفترض عليه ان يكون مهملا هكذا
تنهد و ضائقة الحال ازعجته ، شعر دون ان يملك بدا بأن جدران المصعد تضغط على صدره ، تكيل ضميره بـ ارطالٍ من التأنيب ، ابو حسين تركها في عهدته من بعد الله ، اشغله اهتماما بها ، اخذ منه ميثاقاً ، و ها هو في بادئ الدرب ينقض عهده و يتلاهى عند اول مفترق !
بتصميم سريع سلب قراراته السابقة احقيتها ، و جدد أغلبها بـ قائمة جديدة ، اولاها كان ما ينويه حينها .. فـ اوقف سيارة اجرة ، متجها بأطياف الاهتمام كلها نحو منزلها
كان الدرب سالكا لعجبه ، و كأنه الاخر يشاركه القلق ، و يجود عليه بالوصول السريع ، تبادل مع السائق بعض موضوعات الشارع العراقي و اخبار السياسة المتناقلة بين السنة الشعب محاولا جهد ذهنه الانشغال بشئ غير الفرات
لما دلف - قائد المركبة - بهما في الفرع السكني ، اول ما ابصره كان سيارتها قديمة الطراز ، اذ كانت مركونة بإهمال امام المنزل ، ضاق بؤبؤاه محاولا التباحث مع عقله المترجم للصورة الصامتة امامه ! حين وصولهما قرب المنزل اعطى السائق اجرته ثم ترجل متمهل الخطى
ساعات الظهيرة ساهمت في كف برهات التوجس من تفكيره ، فأغلب الجيران يعتصموا حينها المنازل ، و هذا ما ترك له قليلا من حُرية تجعله يحاول جادا فهم ما يحدث !
ما حال مركبتها هذه ؟ مقدمتها متعرضة لضربة قوية جعلت انبعاجها واضحا ، و مُقلق .. مالذي دار معها في غضون اسبوع ؟ اي مصيبة دفنت بها رأسها بهذه السرعة ؟!
ألّن تكتف أبدا !
زم شفتيه حانق الافكار ، راغباً بدق عنق وضاعتها و انحلالها ، فحينها كان من السهل عليه معاملتها بالحُسنى ، ما كان سيتخلى عنها و ان كانت بمهمة عسيرة و لكن اينها من الفضائل تلك الوقحة
ليزفر ضجرا من نفسه و من ضرورة التصاقه بكل شئ هنا ، فيخلي المكان اخيرا ، معتمدا على البصر كان ، قرب احد المنازل استقر واقفا ليتصل حينها بها ، ذات النمش المزعج .. اتصاله كان موءود الامل ، فليست هي من تطيع و ان كانت مقصلة الظلم معلقة فوق عنقها
لم يكن بمخطئ التقدير ، بل حطت برحالها في ذات المقعد النرجسي الذي صنعه لها بباله !
قبل ان يبالغ في تلبيسها ثوب الذنب إشتعل قبس في ظلمات الضمير مجددا ، أن أنى لك رميّها بالإثم و انت المذنب الاول .. بالطبع لن تستقبل كرمك المتأخر بخير ضيافة
جر نفسا طويلا و إكفهرار ملامحه تضاعف ، تعوذ من الشيطان الرجيم بصوت جهوري رافعا هاتفه بغية تكرار الاتصال ، فلم يجد له من الطرف الغاضب مجيبا للمرة الأُخرى
ربما تكون حانقة ، و ربما صادفها الخذلان ، بل و حتى يحتمل ان يسكن منزلها شراً !
عزّم على الوصول اليها حينها ، و لكن حفاظا على نقاوة سمعتها لم يستطع الدنو من بابها ، هذا ما جعل بينه و بين غايته - الهاتف سبيلا فقط - !!
هذه المرة جرب طرق بابٍ اخر ، لربما تكون الرسائل خير موصل ، فراحت يده تحاكيها بـ اهتمام لم يسلبه غلافه السميك " اني بالباب ، ردي عالتليفون "
فإتصال اخر .. دقيقة ، ثم اختها .. لا رد !
سيارة مرّت امامه لتستكين امام احد المنازل القريبة ، و نظرة فضول من صاحبها جعلت لزاما عليه فض بكارة الانتظار المقيت هذا ، ليس ممن يتسم بالإلحاح كأحد خصاله الرعناء ، و يبغض حقا مُتصفيه ، لكنه حينها إضطر ان يفعل ما يكرهه ، ها هو يتصل مجدداً بها ، قاهرا ذاته الرافضة
تغير نمط التعامل حينها ، فترفض الاتصال ، ثم تغلق الهاتف !
قد يُرى الامر من احد شطري الزاوية حاداً ، ليكون هو على الطرف الاخر و بعيني متمرس وجدها مُنفرجة ، فـ فرجت عليه عُسر الحال بفعلٍ أخبره ألا تقلق على من مثلها ، لا زالت بذات التواقح و العنجهية
نظرة اخيرة رمى بها على نوافذ المنزل ، لتطمئن نفسه تماماً لما لمحت نواظره حركة الستارة السريعة
أولاها و مصائبها و مزاجيتها ظهر اهتمامه ، و تحرك مبتعدا حيث نهاية الفرع السكني ، اذ ينتهي في تقاطع الشارع الرئيسي ، متخذا لرحلته سيارة اجرة تجود عليه بالنأي عن هذا المكان و ساكنته
*
أُنس وجودٍ أشقرٍ لمّاع لا يوازيه أُنس و لا سمرُ .. الصغيرة بإشراقة عُمرها دوما ما تُسيطر على مجلسهم الراكز ، بـ جديلة مهملة قصيرة تعكس أشعة الشمس ، و نظارته البيتيه ذات العدسة الكبيرة اغدقت عليها بكرم طابعا كارتونيا تحبه
على المقعد الثلاثي يجلس منتصب الكتفين ، منشداً لـ حالاتها الجنونية بـ احداق فؤادٍ يشتهي العمى ، يغلف ظاهره بكثير من انشغال ، بينما الباطن فكله ينصب دلو تركيزه في واحتها الزرقاء
يشاركهما المجلس جداها ، الحاج مصطفى و الحاجة نهلة تلك التي تشغل من يراها بمرآها ، فتجعله يرسم بفرشاة المخيلة صورتها الشابة ، و ان إلتفت بعد انهاءها ليجدها امامه ، و بصورة حية ، مجنونة !!
: قيصر حبيبي اليوم تاخذني لبيت ام غسان موو ؟
كانت الحاجة من تحدثت بنبرتها العطوف و بصرها منصب عليه ، بعضه بدهاء النسوة و اغلبه حبهنّ ، لتعلق الصغيرة بضحكة حلوة تميل ذات يمينها حيث العجوز شامخا بحضوره : جدووو لأم غسااان و بنات ام غسااان
شاركها الضحكة بوقار ، مربتا على كتفها المُدلل و نبرته الفخمة حملت قوله الصريح محاكيا به القيصر : روح وية امك قيصر روح ، هالمرة اسمع كلامها وليدي
ببسمة لطف معتاد اجابه محركا وسادة المقعد من خلف ظهره لشماله ، فيسند عليها جنبه : يابة امي متجوز من سوالفها ، خليها بواهسها اوصلها لباب البيت و أفلت - اهرب -
: لا والله
سكتتلك هواية اني ، بس اني امك هالمرة و تشوف كلمتي لو كلمتك
اعلنت المُسنة المتلبسة دور القاسيات قلوبهن اعتراضها ، و لكن دون جدوى فسرعان ما يلين فؤادها حتى العصر حين التقاء بصرها بـ احداقه الشاردة ، البائسة دوما
اودت نظرته بشدتها طريحة العلل ، فالموت ، لتكون احنُ عليه من نفسهِ الصامتة ، و قلبه الحزين
اذ راحت تحاكيه بلين القول و الفعل ، متوجهة من محلها نحوه بصعوبة الستين عام ، ليستقيم هو بعجل مرحبا بها ، مقدما لها جسده تتوكأ عليه ، هذه الحنون ، جعلها الله سببا في إنتشاله من فقدٍ و فقر ، إحتوته كما لم يفعل بشرا ، و لن يفعل
لو قدّم روحه قُربانا لها ، لمّا افلح بإيفاءها بضعة حقٍ لها عليه !
لم يترك الروماتيزم بها جلداً للحركة الهينّة ، لكن لها من خلق الله شابا حبيباً لا يترك بها حاجة لغيره من بعد الله ، تقرأ دواخل نفسه دون ان يدلي بها
تستشعر آلامه بـ قلب منفطر ، تود إخباره بأن وجوده من انقذها ، بحق .. لكنها لا تقوى على فتق ما رُتق على مر سنينا بالغت في طمر احداثهم العتيقة تحت كُثبان شهورها
اجلسها على الأريكة ثم جاورها ، ناطقا بـ لهجة تداعب روحها المُرفرفة على نوافذ وجوده : يعني يا عيني ليش هالتعذيب هذا ؟!
بضحكة حلوة علقت و كفها تمتد لتفرك ساقها و - كيدهنّ - إستلم بطولة المقطع : شفت بعينك ؟ حتى مشي ما اقدر امشي و انتة متقبل تتزوج و تجيبلي وحدة تساعدني تشيل عني البيت شوية
: ليششش بيبي ليييش مو اني موجودة ؟ عوفيه لخاالي الا تزوجيه !!
كما العادة ، تقلد نفسها شرف تعيينها محامِ دفاع للأسمر الكتوم ، ذاك الذي لو البسوه جُرماً لما علّق و رضي بحبل الإعدام متهالك الأنفاس !
: انتي باجر عقبة رايحة لبيت رجلج ، عوفيني القي حل لإبني
قالتها الجدة بعناد لذيذ ثم التفتت كاملة نحوه ، ربتت على ذراعه و كُلها مشغول البال به : امي و ابوية انتة دسمع كلامي هالمرة ، و لك والله شايلة همك ، اني و ابوك مدايميلك ، افتحلك بيت و خلي يصير عندك طفلين يشيلوك من تكبر يا ابوية
رأسه يتدلى نحوها بـ بالغ الإحتياج ، هذه المرأة درست تفاصيله حتى حفظتها عن ظهر قلب ، يعلم جيدا بأن الفرق بينها و زوجها يضاهي بعد مشرق الارض عن مغربها .. لكنها تكفيه ، لم تُرضعه حليبا حتى السنتين ، لكنها اكرمته بمشاعرٍ عُظمى كان من قبلها صائماً دون ميعاد إفطار ، و ها هي مُكملة بدرب الجود ، فـ لا يتردد من اشباع معدته حين وجودها - بعد الله - خشية فطام
لتسترسل بـ قراءة الموشح الشهري ، فتجد من فضائله ادبا يدعوه للإنصات التام لكُل ما تقله و ان لم يعجبه : شوف ايهم ما شاءالله ولده كبروا و هسة سنة سنتين تشوفهم بطوله ، تعلم منه ، غااار يا ابني غاار من عنده و قلده
ضحكة حلوة يخصصها لها و لها فقط ، كانت من نصيبها ، شقراءه المُسنة .. كم تتلو عليه قصائد الخوف من المستقبل ، و كم يرتضي الإستماع دون التنفيذ
ظل مواكبا لفتوحاتها ، فهي من زوجّت عامر ، و اختارت عروس فوزي ، حتى هادي العازف عن الزواج نجحت في اقناعه بعد ان وجدت له الزوجة المُناسبة ، اذ ان صولاتها بهذا المضمار مشهودة بالخلف الطيب
: يعني قلي هسة عمامك و خوالك شيقولون ، زوجت ولدهم و ابني ما اقدر اقنعه ؟ يا امي ييزي عاد - يكفي - صارلي دهر انتظرك
ليتدخل حينها الحاج بسلاسة قول قد يتسم ببعض لا مبالاة : ام صالح كافي يا عيني هسة قابل ابنج صغير !
هذا قراره و الي يريده خلي يسويه
فتستدير حينها نحوه ، و بكف يمينها تنهيه عن مواصلة تحطيم مجدافٍ يجرجر قاربها نحو برٍ بعيد : حجي .. عندك كلمة زينة احجيها ما عندك اسكت و خليني بدردي - همي -
انتة شهامك ؟ لا تفكر بيه و لا بـ كبرته ، مخلي الظيم و القهر الية
تشارك الاسمر ضحكته مع شقرائهم الصُغرى ، نسخة جدتها .. مستمتعين بحرب اندلع فتيلها توا ، اذ راح الجد يحاورها بـ برود غير متعمد ، فتنقض على تصرفاته ملئ ضعف بدنها
جلسة عائلية يغزوها الدفئ المُحبب ، كما كُل الحياة ، لابد لها ان تنتهي ، و لربما تُنغص مثلما الآن ،
فالغصة غلبت الضحكة ، و عادت به هرباناً نحو جحره ، مكثفاً من ابخرة الفرار و الانزواء !
فها هي حسناء المبسم تفز من محلها رافعة هاتفها الذي رنّ توا ، رفة جفن و لمعة عين اخبرتاه هوية المُتصل ، ليجد المراهق بداخله يثور بمنجله ، مُقطعاً اغصان شجيرات الصبر النابتة منذ اعوام توازي سنوات عمره ، و لربما تُضاعفها
لما اختفت من مداره ، راح بصره يجول في الصالة الكبيرة ، متلاهي عن وجود المسنين ، عائلة ثرية ، لها وزنها ان كان الحديث عن الحسب ، نسبها يعود لشرفاء العهود السالفة
قديما ، انقلبت طمإنينتهم فقدانا ، و أمانهم حسرةً و ضياع ، اذ خسروا الكثير ، و راحت ارواح العديد قرب خالقها الرؤوف في ليلة واحدة حملت لهم أوجاعا مُقدرة من الرحمن ، علّها تُخفف لهم ذنوب عُمرهم و تُنقيه
و هو ، الفاقد لكُل شئ كان خير مُسلٍ لهم ، فضلّه الله بهذا الأجر ، و رزقه ثواب إسعاد خلقه ، و أمانه
" خوالك ، عمامك ، إبنك و إبنج "
مسميّات تثقب الأفئدة الترفة بـ أحزانها حتى تسيل شجناً بعد شجن ، و من خلفهم كومة من شجن ، و إنتقاص ذات !
*
|