المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
إذا أصيب القوم في أخلاقهم
مررت ببائع الليمون فى طريقى الى فرن شوى السمك و قررت اننى ساشترى منه فى طريق عودتى من الفرن .
عند وصولى عنده فى طريق العودة لم اجده جالسا فى مكانه ووجدت نصف كوب شاى واضح انه كان يشرب منه منذ دقائق على الاكثر .
سالت البائع الجالس بجواره فقال لى انه ذهب الى دورة المياه فى شقته المواجهة و لأنتظره قليلا حتى يرجع. هززت راسى على مضض فالسمك ساخن جدا . تجولت بعيناى متململا من الانتظار . السوق فى منطقة المساكن الشعبية المواجهة لمنطقة الاهالى . الان اصبحت الشوارع داخل تلك المنطقة كلها باعة و تحولت شقق الدور الارضي كلها الى محلات تجارية . تغيرت معالم المنطقة كثيرا عن السنوات الماضية كانت المنطقة مشهورة بالبلطجة و فرض السيطرة و اظهار القوة كان اذا ما اقبل الليل تصبح الشوارع محرمة على اى شخص لا يقطن تلك المساكن و لكن بعد عدة محاولات من الشرطة للسيطرة على الوضع و مع تجاهل الجهات الحكومية عن عمد عدم استخراج هؤلاء تصاريح للمحلات المفتوحة فى الشقق السكنية فتحول البلطجية و اللصوص و تجار المخدرات بالتدريج الى تجار و اصحاب محال و فى نفس الوقت عدم استخراجهم للتراخيص يصبح كارت تستطيع الشرطة ان تتحكم به فيهم. و انا غارق فى تاملاتى هذه . اذا بصرخة مدوية تنطلق من داخل شقة الرجل و تحدث حالة من الهرج فى السوق و يهرع الناس و انا وراؤهم الى مكان الصوت . وصلت الى المكان عبارة عن مدخل عمارة منخفض جدا و رائحة عطنة تدل على بالوعات مسدودة لا يحاول احد من السكان ان ينظفها او انهم تعايشوا مع تلك الرائحة فلا يستغربها القاطنون فى تلك المساكن . وقفت اناظر المشهد خلف الجمع بدافع الفضول لارى ما سبب الصراخ و العويل .
لقد مات الرجل . توفى بعد خروجه من دورة المياة. تقول زوجته شعر بدوار فجلس على كرسى انتريه ممزق و فاضت روحه فى الحال .
جيران الرجل و بعض الشباب من المنطقة يزجرون زوجته الباكية ان تتوقف عن الصراخ و ان يبداوا فى الاجراءات " فاكرام الميت دفنه ".
توقفت السيدة عن العويل لتخبرهم بانه ليس لديهم مقبرة فقالوا انهم سوف يتصرفون . توقفت مرة اخرى لتخبرهم انه لن تتم اى اجراءات حتى يحضر اخوتها من بلدتهم وسط تعجب الجميع من تلك الرغبة نسمع فى خارج العمارة اصوات سيدة ترتفع بالسباب و الصراخ و معها رجال ايضا كلهم قاطنو تلك المنطقة لاعلم من الاحداث انها زوجته الاولى التى انفصل عنها منذ فترة و لا ادرى على وجه التحديد هل طلقها ام مجرد انفصال بسبب زيجته الجديدة ام بسبب ما قيل وقتها من بعض المنحازون للزوجة الثانية انها سرقت اموال و ذهب و تركت البيت لزوجها الى بيت اهلها بدون مقدمات . المشهد كان عبثيا للغاية . المتوفى لا يزال جالسا على الكرسى لم يحاول احد ان ينقله ليتمدد على سرير او حتى محاولا تغطية وجهه .
اصبحت الاحداث اكثر سخونة عندما تواجهت الزوجتان و ما بين سباب و محاولات تهجم من كلتاهما على الاخرى تدخل البعض لفك الاشتباك بينهما فى محاولة يائسة للفت النظر الى الرجل المتوفى منذ عشرة دقائق .
قبل ان ينالنى شئ من الضرب بسبب تدخلى فى عراكهم لان كل شئ ممكن تاجيله لبعد الدفن و الترحم على الرجل نالتنى عبارات تفيد بانه ليس من شانى ان اتدخل . فقررت ان اخرج الى بيتى مترحما على الرجل و على الاخلاق متذكرا قول امير الشعراء : " وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ... فأقم عليهم مأتما وعويلا "
|