بسم الله الرحمن الرحيم
البارت التاسع والخمسون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة مساءً
التفتت اليه , ابتسمت وقالت بهدوء
: امك وين ؟
لثوانٍ لم يستوعب ما قالته
نظرَ اليها بضياع
ثمّ جحظت عينيه , اتّسعتا بشدّة
فتحَ فمه وشهقَ نفسًا عميقًا دونَ صوت , لم يصل الى صدره
ارتعدَ جسده , وانصهرت روحه في ثوانٍ
اختلّ توازنه وهو ينظرُ اليها
رفعت حاجبها الأيمن , وقالت بابستفزازٍ بارد
: وينها ؟ وش اسمها ؟ كيف شـ...
شهقت حينَ سقطَ على الأريكة
اسرعت اليه
جلست امامه وقالت بفزع
: سلطان شفيك
ضاقَ تنفّسه وارتجفَ جسده , وعينيه تائهتان
ضمّت وجهه بكفّيها وهتفت
: سلطان !
بعد ثوانٍ نظرَ اليها
فتحَ فمه بمحاولةٍ ان يتحدّث
ولم يستطع لفظَ الأحرفِ من جوفه
تكوّمت وتكاتفت لتقتله
لم يصمت مذ تزوّجها
انّبها وحاسبها وعاقبها دومًا
والآن لا يستطيع سؤالها سؤالًا صغيرًا
سؤالًا من كلمةٍ واحدة
لم يستطع قول " لمَ "
لمَ يا لمى !
هزّته بجنون
: سلطان !
شهقَ بقوّةٍ حينها
بكفّيه ضربَ جبينه وصرخ
صرخ بآهٍ تحرقه الفًا
صرخ من نارٍ تتأجّج في جوفه منذُ أعوام
نهضَ من مكانه وأوقعَ تحفةً كبيرة في طرفِ الغرفة
نهضت وتراجعت بفزع
التفت اليها وصرخَ بجنون
لم يكُن يستطيعُ التكلّم , كان يصرخُ بآهاتٍ حادّة فحسب
انهارَت حصونٌ بناها حوله لأعوام
انهار غضبٌ كان يتقوّى بهِ دومًا
أضاع لسانه الكلام
لهثَ بتعبٍ من الصراخ
تلفّت يبحثُ عن شيءٍ يحطّمه
عن شيءٍ يفرغ المه به
وقعَ نظره عليها
كانت تقفُ بخوفٍ في طرفٍ من الغرفة
اقترب منها بهيجان
احاط رقبتها بكفّيه , تمثّلت له بأوجهٍ حلُمَ بقتلها دومًا
ازرّق وجهها
رفعت يديها وامسكت بيديه بضعف
قالت بصعوبة
: سـ.. سلطان , سلـ..ـطان بمـ..ـو..ت
تركَ رقبتها بانهيار , وجلسَ على الأرضِ أمامها
سعلت بقوّة , ونظرت اليه
كان رأسه محنيًّا , بانكسار
جلست أمامه
رفعت رأسه لينظرَ اليها
قالت بحنوٍّ خافت
: سلطان
لم ينظر اليها
اقتربت بحذر , وسحبت رأسه الى صدرها
ضمّته ومسحت على شعره
قالت بندمٍ شديد
: انا آسفة , اقسم بالله ما اعرف شي ولا اقصد شي , ولا توقّعت يصير هالشي – قبّلت رأسه بعمق – حبيبي والله آسفة
لم يجبها
ولم تتركه
مرّت دقائق , ليبكي !
بكى سلطان !
بكت القسوةُ وانحنت من برجٍ من تعالٍ
بكى جلمودٌ يجهلُ حتّى الابتسام
بكت هي الأخرى حينَ رأته بهذه الحالة
لعنت لسانها الخارج من فمها
لسانها الذي لا تعرفُ ابدًا كيفَ تكفّه !
ضمّته اليها أكثر , ولم تملك شيئًا آخر !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة مساءً
تقلّبت وتنفّست باضطراب
مرّت ثوانٍ لتشهق وتفزّ من نومها
فزِع ورمى الكتابَ من يده وأسرعَ اليها
أضاءَ الغرفة ومسحَ على شعرها ووجهها
: بسم الله عليك وش فيك , خذي اشربي
رفعَ كأس الماءِ لتشرب
أبعده عنها , وأمسك بكفّيها
: بسم الله , لا اله الّا الله , وش صار
قالت وهي تلهث
: كأنّي طحت بالحلم
فتحَ عينيه بصدمة
شهقةٌ صغيرة مرّت على روحه
صرخ بلا تصديق
: تكلّمتي !
انتبهت الى انّها تحدّثت اليه
شهقت بضحكةٍ غير مصدّقة
قالت وهي تشتّت ذراعيها
: تكلّمت !
سحبها اليه وعانقها بكلّ قوّته
تنفّسَ بعمقٍ وهتف
: يارب لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهكَ وعظيمِ سلطانك
تمسّكت به , وأراحت جانبَ وجهها الى كتفه
ابتسمت بسكينة
ابعدها بعد ثوانٍ لينظرَ الى وجهها
نظرَ اليها طويلًا , ثمّ ضحك بسعادة
قال
: فادك هوا الرياض , اسبوعين ونطقتي ولله الحمد
لم تجبه سوى بابتسامة
اقترب منها , أراح جبينه الى جبينها
قال بخفوت
: لا تسكتين
همست
: بتنزعج اذا تكلّمت
ضحكَ بخفوت , ثمّ قبّل أنفها بخفّةٍ وقال
: ما عشقت بحياتي شي كثر الازعاج !
ضحكت هي الأخرى
ارتفعت كفّاها لتعانقانِ وجهه الحبيب
يا سعادتي انت
خلتُ في مقلتيكَ طيفَ أحلامي
أحلامي الجميلة
التي دفنتها مع ابي , التي القيتُ بها من شبّاكِ الطائرة حينَ نفيتُ من بلدي
نظرتكَ الفزعة حينَ أحرقتني
كانت بداية رحلةَ علاجي
ابتسامتك الرقيقة في حرمِ الجامعة
كانت جرعاتِ المخدّر لحينِ استكمال شفائي
مقلتيكَ الباسمتين يا سعود
هما شهيقُ الحياةِ الذي أبقاني
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السادسة صباحًا
حملها , لتقول ببحّة
: ما له داعي اقدر امشي
لم يجبها , ولم ينظر اليها
صعدَ الى المنزل , لتفتحَ خديجة الباب
قالت بأسف
: الحمد لله على سلامتك
قالت بتعب
: الله يسلمك خديجة
تبعتهما حتّى الغرفة
وضعَها على السرير
قالت خديجة من جانبِ الباب
: اجيب لك شي ؟
: لا تسلمين , روحي نامي
: لا بأس طهور ان شالله , تصبحين على خير
تركتهما وذهبت الى غرفتها
عدّل عبد العزيز الوسائد حولها وغطّاها جيّدًا
كانت تنظرُ اليه باستغرابٍ من تجاهله لها
انتهى , وقال دونَ ان ينظرَ اليها
: تبين شي ثاني ؟
قالت
: فيك شي ؟
بجمودٍ قال
: لا , انا بطلع للصالة
قالت بخفوت
: عبد العزيز
حبسَ زفرةً حادّة في صدره , ونظرَ اليها بصبر
قالت بنظرةٍ غريبة
: تعال
هزّ رأسه باستفسار
قالت برجاءٍ متعب
: ممكن !
اقترب , لتمسك بيده وتسحبه بخفّة
: تعال اجلس
جلسَ بجانبها
رفعت ذراعه , واختبأت تحتها
وأراحت رأسها الى صدره
همسَ بحرقة
: ما له داعي ذي التمثيليّات فجر
قالت بدهشة
: ايشْ !
ابعدها برفق , ونظرَ الى عينيها بقوّة
: ما له داعي ذي الافلام والحركات التافهة
قالت بحيرة
: اي حركات !
تمالكَ أعصابه , وقال وهو يكظمُ غيضه
: داري , والله داري انّي ولا شي عندك , وانّك تكرهيني وانّك ما تبلعيني , ومتقبّل ذا الشي خلاص , وما ادري وش هدفك وانتي تحاولين تتميلحين من شهر ونص...
قاطعته بنبرةٍ لم يفهمها
: مو انت اللي قلت رضينا او لا ذي حياتنا ولازم نتقبّلها ونحسّنها ؟ محاولتي انّي اكون زوجة لك صار اسمها تميلح ؟! وش صارْ لك , لين امس المغرب كنّا كويسين , اللي اعرفه اذا تعب واحد فينا المفروض نتقرّب من بعض اكثر , ماهو ننفر من بعض – صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت باستغراب – ولا انت من النوع اللي تضايقك المسؤولية !
نهض من مكانه وقال بحدّة
: اظنك عرفتي انّي ما اخاف من المسؤولية , فجر انا تعبت , جدْ تعبت , ما ابي اتعبك الحين , حطّي راسك ونامي تكفين , وخلاص , وقفي تمثيل , لأنّ تمثيلك اذية بالنسبة لي اكثر من طبيعتك
تركها وخرج
نظرَت الى خروجه , وشعرت بقلبها يخرجُ معه
لمَ يقولُ لها هذا الآن !
لمَ خرجَ غاضبًا منها !
يا فجر , يا بلاءً على الحياة , ماذا فعلتي مجدّدًا !
بمَ أخطأتي يا فجر ليغضب عبد العزيز
استلقت , وعينيها على الباب
رغبةٌ من أعماقها ترجو بالحاحٍ ان يعودَ الى الغرفة
لا تعلمُ لمَ هي متضايقة , لا تعلمُ لم تريده
لا تعلمُ لمَ تشعرُ باحتياجٍ الى رائحته
تساءلت بغرابة
أتراها أحبّت عبد العزيز !
لا تعلمُ حقًّا ان احبّته , ام انّها اعتادته
لا تعلمُ ماذا يعني ان تحبّ ضحكته كثيرًا , الى حدِّ ان تنتشي بها !
تتساءل عن سببٍ يجعلها في انتظارٍ متلهّف , منذُ التاسعة صباحًا , وحتّى الرابعة ونصف عصرًا
لماذا اصبحت تحبُّ الشايَ مع النعناع , الذي يدمنه عبد العزيز
لماذا لم تعُد وسادتها تريحها , ولا يريحها سوى صدره الدافئ !
كيف ومتى أصبحت مهتمّةً بحضورِ المبارياتِ وتحليلها , ولماذا تتباهى بعلمها أمامه ! وكيف تسعدُ حينَ يحبُّ انّها تشاركه متعته !
أغمضت عينيها
لمَ خرجَ عبد العزيز ! لمَ هو غاضب
تلكَ النظرة لم تكُن تظهرُ الّا حينَ تأتي بذكرِ بندر
حينها تذكّرت بندر
ابتسمت وهمست
: الله يرحمه ويغفر له
فكّرت بحيرة
لا ينتفضُ قلبها كما كان حينَ تتذكّره
لا تضيقُ أنفاسها ولا يتكوّمُ جسدها بحزن
ولا تبكي بمرارة !
زفرت , وهي تنفضُ رأسها وتحاولُ النوم
لكنّها تساءلت لآخر مرّة
لمَ عبد العزيز غاضب !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة صباحًا
سحبت هاتفها وردّت بكسل
: هلا !
: صباح النور
قالت وهي نائمة !
: غلطان بالنمرة
صمت لثوانٍ , ثم ضحكَ بخفّة
: قومي يا بنت
قالت بعصبيّة
: من انت ؟
قال بهدوء
: انا ذياب
: من ذيـ...
شهقت واعتدلت في جلستها
فركت عينيها بقوّة , ثمّ قالت بخجل
: معليش انا نايمة
ضحكَ ثمّ قال
: اي داري انّك نايمة
قالت بتساؤل
: في شي !
: ابد ولا شي , بس بما انّنا سهرنا سوَى للفجر , وانا عندي دوام وقمت غصب عني , لازم انتي بعد تقومين , من باب الانصاف يعني
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت
: انصاف ؟
ابتسمَ لنبرتها , وقال
: انصاف
ظلّت صامتة , وقلبها يصرخ بكلِ شتائمِ الدنيا
انفجرَ ضحكًا وقال
: وش فيك سكتّي
قالت
: اوكي خلاص صحّيتني , اقفل ؟
ضحك بسخرية
: العبي غيرها , انتي قلتي بعظمة لسانك لو قامت القيامة ما تطير نومتك , وما تقومين الّا برغبتك
ضربت جبينها وهمست
: غبيّة
سمعت صوتَ اغلاق باب السيّارة , قال
: وصلت لدوامي
: اوكي اقفل ؟
: لا طبعًا , السمّاعة باذني والجوال في جيبي , مو مشكلة يعني
قبل ان تجيبه , سمعته يقولُ باستغراب
: وش تسوّي هنا انت !
سمعت صوتَ الآخر , الذي ميّزته فورًا
: نمت لي ساعتين من الّليل ولا قدرت اكمل , قلت اجي هنا , منها اشوفك منها اشوف يمكن اردّ لدوامي
: دقيقة وراجع لك
ابتعدَ عنه وقال
: هديل اكلمك وقت ثاني , ارجعي نامي حبيبي
قالت بقلق
: صقر فيه شي ؟
: لا سمعتيه مو نايم بس
صمتت , ليقول بحنوْ
: تمسين على خير يبه
ابتسمت , وقالت بخفوت
: تلاقي الخير
أغلقت الهاتف واستلقت مرّةً أخرى
أغمضت عينيها لتنام
مرّت دقائقُ طويلة
ولم يمرّ النومُ من أجفانها
فتحت عينيها وقالت بحقد
: بذبحك !
شعرت انّها ستبكي
طارَ النومُ من عينيها
وحلّ محله صوتُ ذياب !
وابتسامةُ ذياب , وضحكة ذياب !
تبًّا !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية مساءً
رنّ هاتفه بالحاح
سحبه وأجابَ بخمولٍ وبحّة
: هلا
قالت بانتقاد
: نايم للحين يا بعدي ؟
ابتسم
: تأخّرت بالنوم امس
: زين ما عليّ منّك , اليوم خميس وعمامك متجمّعين مثل العادة , صار لك اسبوعين من ردّيت وكل يوم تقول بكرة بجيب زوجتي , والله...
قاطعها بضحكةٍ هادئة
: اليوم اجيبها ان شالله
: اشوفك تجي بدونها , اكسر العصا على ظهرك
قال يستعطفها
: هماني سعود حبيبك ولد الولد واعز من الولد وجايب لك ابوي قبل كم شهر
قالت بحنوْ
: اي والله حبيبي واعز من الولد
ضحكَ بمحبّة
: جعلني ما خلا منّك , اليوم ان شالله انا وزوجتي عندك
ودّعها وأغلق الهاتف , ووضعه جانبًا
التفت اليها
كانت نائمة , ووجهها ناحيته
اقتربَ حتى لامس انفهُ انفها
ناداها بهمس
: لين , حبيبي
همهمت
ليقول
: قومي تأخّر الوقت
قالت بكسل
: نعسانة
قبّل أنفها
: داري والله , قومي حبيبي الساعة اثنين داخلة على ثلاثة واليوم بنروح لبيت جدّتي ان شالله
فتحت عينيها ونظرت اليه , وهو قريبٌ الى هذا الحد
قالت ببحّة
: لأيّ حدْ انت نعمة ؟ لليوم ما ادري وش سوّيت وربّي كافأني فيك
عانقها وقال
: وانا ما ادري وش سويت وربي جابك لي
سألته
: مرْ عليك وقت كرهتني ؟
قبّل رأسها
: ما كرهتك , بس حقدت عليك حقد لدرجة لو انّي كارهك كان ارحم
ضحكت وعانقته , زفرت ثمّ قالت
: ما تمنّيت نفترق ولا يوم , ولا ثانية
قال بهدوء
: الحمد لله على كل حال , عسى فيها خيرة لي ولك
صمتا لبعضِ الوقت
ثمّ قال سعود بهدوء
: تكلمنا انا واخوانك
فتحت عينيها فورًا وقلّبتها في الغرفة , عدّلت جلستها لتنظرَ اليه وقالت بحذر
: وش سولفتوا
قال بهدوء
: كل شي
ازدردت ريقها وقالت
: وش يعني كل شي
اعتدل في جلسته هو الآخر وقالَ بجديّة
: يعني كل شي , كان المفروض تقولين لي كل شي , ماهو تحميني بدون لا اعرف السبب , ماهو تعيشين بهمْ وكدر وتبكين كل يوم وانا ما ادري ليش متضايقة , احيانًا كنت اسأل نفسي انا بوشْ مقصّر معاك عشان تظلّين حزينة وعيونك مدمعة دايمًا , احيانًا كنت استنقص نفسي لأنّي ما سوّيت لك الحفلات اللي هي اهم شي عند البنات , والحين الومْ نفسي الف مرّة لأنّي عاقبتك بنصْ ذنب , ومرضتي بسببي
عانقته فورًا , وقالت
: انت ما لك دخل بشي , انت الكمال بحياتي وانت سعادتي , معاك حق لمّا عاقبتني انا تصرّفت من عقلي وما استشرتك ولا استشرت اخواني , ما عرفت اتصرّف الّا كذا , وانا قلت لك اصلًا بفرنسا
قال بجديّة
: تأخّرتي , وقلتي ولا سمعتك من زعلي ولا اهتمّيت ولا فهمت
زفرَ بعمقٍ وصمتَ لثوانٍ
ثم ابعدها وقال
: بعد كذا ما في خوف , باخذ لك حقّك من جاسم , بيتكلّم وبيعتذرون منّك كلّهم , وفارس اللي مطلعينه عمامك بكفالة بنحط لخالد محامي وبينسجن لأنّه شايل سلاح مو مرخّص ولأنّه أطلق على مدني غير مسلّح وتهجّم على بيت بسلاح , وعمامك اللي مدّوا ايدهم وتجاوزا عليك بيتحاسبون وبيتعهّدون للقانون والقضاء انهم ما يتعرّضون لك مرّة ثانية , ما في شي تخافين منّه بعد كذا لين , بعد كذا عيشي , عيشي لنفسك ولي ولأهلك , ابيك لين , ابيك وانتي بخير وانتي تضحكين وانتي مرتاحة
بكت بحرارةٍ ولمْ تعلم بمَ تجيبه
قبّلت كفّيه عدّة مرّات
ليسحبها الى صدره
قال بهمس
: آخر مرّة اسمح لك تبكين , عنبو بليسك هي عين ولا حنفية , عفية عين لها سنين تبكي , عفية قلب متحمّل ذا الهم ويقول هل من مزيد
ضحكت من بين ادمعها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الواحدة مساءً
فتحت عينيها ورمشت بخمول
مرّت ثوانٍ حتّى استوعبت وضعها
نظرت اليه
كانَ يضمّها اليه , ورأسه متّكئٌ على صدرها
نائمانِ على الأرض
في مكانهما البارحة
تحرّكت ببطء
نادته وهي تعبثُ بشعره
: سلطان
مرّت ثوانٍ ليفتحَ عينيه
قالَ ببحّة
: وش فيه !
ابتسمت
: قوم , شوف وين نايمين
عقدَ حاجبيه لثوانٍ
ثمّ ابتعدَ عنها ونهض
نهضت بسرعة , وتمسكت به من خلفه
: سلطان
قاطعها
: لمى , اللي صار امس تمسحينه كلّه من بالك ولا كأنّه صار
قالَ ذلك فقط وتركها وخرجَ من الغرفة
بخيبةٍ جلست على السرير
ظنّت ان ما حصل قد يكونُ سببًا ليقتربا قليلًا
قالت بغيض
: مخّه تنك مستحيل يتعدّل
تمتمت
: غبي
امسكت بمعدتها وعقدت حاجبيها بألم
ثمّ زفرت ونهضت لتبدّل ثيابها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة مساءً
استلقى قريبًا منها
قال
: انا بنام لين يجي الليل ويتجمّعون , عاد صحّيني وقتها
نظرت اليه لثوانٍ
ثمّ قالت
: لقيت بنت ولا اختار لك ؟
قال باستغراب
: بنت ! وش بنته ؟
لكزته بعصاها
: قلت بتدوّر بنت تتزوّجها
صمتَ لثوانٍ , ثمّ انفجرَ ضاحكًا
: لا يا شيخة !..
قطعَ كلماته وصمت وهو يعتدل في جلسته
فكّرَ لدقائق , ثمّ استلقى مجدّدًا
قالت الجدّة بذهول
: بسم الله وش جاه ذا !
التفت اليها وابتسم
: فكّرت بشي , يلا انا بنام
: نام نام يمّه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة مساءً
دخلَ الى المنزل وعينيه على هاتفه يقرأ الرسالة
" وليد في اقرب وقت بقابلك , متى ما ناسبك كلّمني "
عقد حاجبيه استغرابًا
أغلقَ هاتفه ووضعه في جيبه , ونادى
: يا ولد
خرجت ملاك من غرفةِ الجلوس
: تعال ما في احد , شلونك اليوم ؟
اقتربَ ليدخل
: الحمد لله , تركي ما رجع ؟ بموت من الجوع
قالت خالته بحنوْ
: يهبى الجوع ويخسي هو وطوايفه كلّ ابوهم
قالت هديل بنصفِ نظرة
: ايه وليد يخسى الجوع , وانا كنتي بتكوفنيني قبل يومين , مؤسف عليك والله يمّه
تجاهلتها وقالت
: تركي بعد عشر دقايق يوصل يا امّي , تعال ريّح جسمك
ابتسم واقترب ليستلقي بجانبِ هديل على بطنه
ورأسه على الوسادةِ بجانبها
قال
: شلونك هدول , شلون ذياب
قالت بخجل
: الحمد لله
ابتسم
قال بعد ثوانٍ
: هديل دلكي راسي , وسولفي لي , شمسوية مع تحضيرات الزواج ؟
حرّكت أصابعها على رأسه برفق
وزفرت وقالت
: والله نتساعد انا والبنات , ان شالله اخلص قبل الوقت
قالت ملاك
: ان شالله بنخلّص , الذهب شروه امّي وخالتي وخلصنا منّه , والملابس ما تكثرين ابد , لأنّ بسم الله عليك كل يومين تنزلين السوق
قالت ام وليد
: اهم شي شوفي حجوزاتك عشان لا تبتلشين قبل العرس
قالت ملاك
: رتيل حجزت عند مصوّرة , وداليا لقت طقّاقة وحجزت , وانا للحين اشوف المشاغل وان شالله بأقرب وقت احجز , والفستان اليوم قال تركي بيودّينا ونشوف
قال بخفوت
: الله يتمّم لك على خير
التفتَ الى شقيقته وزفر
لترفعَ حاجبها الأيمن
: وليد افندي وصلت معاك منّي وما عاد تقدر تتحمّلني وتبي تزوّجني ؟
ابتسم بمحبّة
: ما يمل الواحد من نفسه ويقول ما عاد فيني اتحمّلها
هتفت هديل
: ياربي اخواني صايرين كيوت الفترة الأخيرة , صايرين ينقطون لطافة وحب
ضحكت ملاك رغمَ تأثّرٍ انعكسَ عليها
دخلَ تركي حينها , ونادى
: يا ولد
رتّبت ملاك حجابها , وقالت
: تعال
دخلَ وجلسَ بزفرة
: هلكان جوع
قالت هديل ساخرة
: بسم الله عليكم لا يكون كنتوا تنقّبون ولا تزحفون وهلكانين كذا , كلّكم مكاتب مكيّفة وقهاوي وحلو طول الوقت
قالت ملاك ساخرة
: ذي من صارت تتعشّى ماك وتفطر دونات ما عاد همها شي
قال تركي بضحكة
: وصلت للفطور بعد
ضحكت ملاك
: اي دونات وكوفي , عاد يعطيه العافية ما نسانا معاها
احمرّت بشدّة
ونهضت لتخرجَ لاحقةً بوالدتها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الخامسة مساءً
رتّب شعره امام المرآة , واتّجه الى الباب وهو يقول بوجوم
: استعجلي
اسرعت لتقفَ أمامه
قالت
: جاهزة بس بلبس العباية
نظرَ اليها
فتاةٌ من فتنةٍ يراها
أُسقطَ قلبه بنعومةِ مظهرها
شعرها الذي صففته بكسراتٍ عريضة , وجمعت جانبيه الى الخلف
بنطالٌ كأنّه خُيّط ليتناسبَ مع جسدها , وكنزةٌ عريضة ببساطةٍ جميلة , أحدُ كمّيها مائلٌ عن كتفها
رفعَ الكمّ دونَ ان يشعر , وقال
: يلا طيّب
امسكت بيده برجاء
: سلطان خلنا نتكلّم شوي
سحبَ يده وقال بحدّة
: ما في شي نتكلّم عنه لمى , ما بيننا كلام اصلًا
صدّ عنها وخرج
لتغمضَ عينيها بصبر
قالت من بين اسنانها
: ان ما خلّيتك انت اللي تجري وراي يا لوح , فرحان بعيونه البنيّة ذي اللي مدري كيف تناظر
لبست عباءتها بتأفّفٍ شديد
وتبعته
ركبت الى السيّارة وأغلقت البابَ بكلِّ قوّتها
عقدَ حاجبيه من شدّة الصوت
زفر وحرّك السيّارة
بعد ثوانٍ فتحت برنامجًا في هاتفها لتتفرّج مقاطع , ورفعت الصوت الى أعلى درجة
ابتسمَ ابتسامةً جانبية
تأفّفت حينَ لم يصدر صوتًا
امتدت يدها لتفتح المذياع وترفعَ الصوت الى أعلاه
ولم يعلّق او يتحرّك
توقّف في اشارةٍ مزدحمة
ليتلفت الناسُ الى سيّارته منزعجين ومستغربين
ولم يلتفت الى احدهم ابدًا
تركها تفعلُ ما تشاء !
حتى وصلا الى المنزل
نزلت قبله وأغلقت الباب بكلِّ قوّتها
دخلت لتعقدَ حاجبيها من الحركة المستنفرة
سلّمت على عمّةِ سلطان وسألت
: شالسالفة !
ابتسمت
: سعود وزوجته على وصول , لهم كثير متزوجين وما شفناها ابد
ابتسمت لمى وذهبت لترى ان كانَ هناك ما تساعدهم به
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السادسة مساءً
أوقف السيارة امام المنزل , والتفت اليها بابتسامة
قال
: قوّي قلبك كذا , كلهم حبوبات ودمهم خفيف وبتتعوّدين بسرعة
ابتسمت ونزلت معه
اقتربا من الباب , لتمسكَ بيده بتوتّر
رفعَ كفّها وقبّله , وقال
: روقي
طرقَ الباب , لتفتحه عمّته , رأى عمّاته وجدّته أمامهم
ابتسم وقدّمها أمامه
قالت بخفوت
: السلام عليكم
قالت الجدّة بسعادةٍ كبيرة
: يا هلا والله , هلا ومرحبًا يا امّي , حيّاك حبيبتي
ابتسمت وقبّلت يدها ورأسها
: هلا فيك يا جدّة , عساك بخير
مرّت دقائقُ حتّى انتهت من سلامها على الجدّة والعمّات
لتقول احدى عمّات سعود
: تفضّلي حبيبتي , البنات منتظرينك
دخلت بتردّد
كانت الصالةُ مزدحمة بالفتيات
ابتسمت وأمالت رأسها بلطف
: مرحبا
كانت لمى منحنيةً الى الأسفل تعبثُ في حقيبتها
فتحت عينيها بصدمة حينَ سمعت الصوت
رفعت رأسها بسرعة
لتحبسَ شهقةً في صدرها
سلّمت لين على الجميع , حتّى وصلت الى لمى , التي لم تكُن تنظر اليها
قالت لين
: مرحبا !
التفتت اليها لمى وابتسمت , وفي عينيها دمعتين
شهقت لين بلا تصديق
لتقفز لمى وتعانقها بكلّ قوّتها
ارتدت الى الخلف وظلّت تستوعبُ لثوانٍ
ثمّ عانقتها بقوّة
قالت لمى بنفسٍ عميق
: اشتقت لك يا كلبة اشتقققت لك
تلمّستها لين لتصدّق انّها هي
قالت بضحكةٍ مذهولة
: وانا اشتقت لك والله , اشتقت لك كثير
قالت احدى الفتياة باستغراب
: تعرفون بعض ؟!
تباعدتا , لتقول لمى بابتسامة وهي تنظرُ للين
: حنّا صديقات من لندن , درسنا سوى
تعالى بعض هتاف الفتياة
لتضحكَ لمى , وتعانقها مجدّدًا
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
نهضت من مكانها بصعوبة , وخرجت من الغرفةِ تبحثُ عنه
دخلت الى غرفةِ الجلوس
كانت مظلمة
والتلفازُ مفتوح
قالت
: عبد العزيز ؟!
رفعَ رأسه عن الأريكة
: هلا
اقتربت وجلسست بجانبه
: شتسوّي هنا ؟
قال ببرود
: انتي وش تسوّين ؟ ليش قمتي من سريرك
نظرت اليه لثوانٍ
ثمّ قالت
: وش صار ؟ شفيك ؟
تجاهلها وهو ينظرُ الى الفيلمِ المعروض
سحبت جهازَ التحكّم وغيّرت القناة
قال بانزعاج
: تابعته من البداية رجعي
قالت بعناد
: انا تعبانة وتوني مسقطة جنيني حشاشة يوفي لا تتعب نفسيتي
قالت ساخرًا
: اي حشاشة يوفك , الله اعلم ان ما كان طاح بسبب لسانك
التفتت اليه بصدمة
صمتت لثوانٍ
ثمّ قالت بنبرةٍ مهتزّة
: لهالدّرجة تحتقرني وتتخيّل ان طفلي يطيح بسببي
ظلّ صامتًا , لتقولَ بحدّةٍ مرتجفة
: صح كرهته وما كنت ابيه , ودعيت عليه , بس انا ام بالنهاية , كان طفلي وطفلك , كان روح بروحي , تكبر فيني وتتنفّس فيني , شلون تتخيّل اكون سبب...
لم يتحمّل نبرتها ولا ارتجافها
قاطعها بضمّها
قال بخفوت
: ششش , خلاص هدّي , عارف عارف , هدّي انتي تعبانة
تنفّست بقوّة وحاولت ان تبتعد عنه
ليحكم عليها عناقه , مسحَ على شعرها وهمس
: بس هدّي
ارتخى جسدها وأغمضت عينيها على صدره
مرّت دقائق
لتقول ببحّة
: عبد العزيز
همهم
لتقول
: ما كنت ابيه يطيح , بيبيْيّ حقّي , والله احبّه , طاح بسببي هو ؟
قبّل رأسها قبلةً عميقة
قال ببحّةٍ هو الآخر
: ادري تحبّينه , ما طاح بسببك , ربّي كتب انّه يروح الحين
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة مساءً
قالت بغل
: كلب , ودّي افرك وجهه بالازفلت
انفجرت ضاحكة , ثمّ قالت بخفوت
: وطّي صوتك الله يفشلك , طيب وش مقعدك معاه دام تقولين انّه كذا
زفرت وأشارت الى قلبها
: وذا الخروف وش نسوّي فيه ؟ كذا لين عيونه اذا ناظرت ودّه الواحد يبوسها , وحواجبه اذا عقدها ودّي اصير حواجب , وصوته , آه يا لين من صوته , نفس اللي يقولون جوهر
سعلت لين من شدّة الضحك
وقالت
: ما عندك صورة له ؟
قالت بحماس
: شلون ما عندي , كل ما شفته صورته بدون ما يدري
فتحت هاتفها والى الصور
فتحت أحداهن وأرتها للين
نظرت اليه لثوانٍ
لين , التي لا تنسى وجهًا رأته ابدًا
فتحت عينيها بشهقة , وقالت بصدمة
: لمى يا ثولة , ما تعرفين من ذا !
قالت لمى بذهول
: سلطان زوجي !
هزّت لين رأسها بسرعة
وقالت
: تذكرين لمّا خطبوا لأخو لمار وقالت نروح للندن آي نستانس ؟
هزّت رأسها باستغراب
لتتابع لين
: ركزي يا مخ , تذكرين واحنا بنطلع صدمنا بواحد كأنّه جدار , انتي صدمتي فيه وصارخ علينا بالشارع , وجا خويه...
صمتت لثوانٍ , ثمّ شهقت وتابعت
: اي اي , انا شفته , مالك ولد عم سعود اخذنا من المطار , بس لمحته , هو هو اللي كان مع ذاك الجدار
صمتت لمى لثوانٍ , ثمّ قالت بصدمة
: هو ! والله هو
نظرت اليه جيّدًا
ثم قالت بحسرة
: مالت على حظّي , ما طحت الا بذا !
ضحكت لين بشدّة , ثمّ قالت
: كسرتي خاطري والله
بعد ثوانٍ , قالت لمى بجديّة
: بس لازم اعرف سالفة امّه , ليش انهار كذا
قالت لين تؤنّبها
: البنت نبّهتك , شلون هانت عليك نفسك وقلتي له امّك , ما خفتي يذبحك ؟
زفرت وقالت
: والله ربّي رحمني وطلعت سالمة
دخلت الخادمة حينها واقتربت من لمى
: مدام , بابا سلطان يقول يطلع
التفتت الى لين
التي قالت بحنوْ
: توكّلي على الله , بعد كذا لا تشيلين هم , الله كريم وبنتساعد ان شالله على ذا الجدار
قالت لمى بنصفِ نظرة
: هي حدّك عاد الّا الحب
ضحكت لين منها
حينها رنّ هاتف لين
اجابت بخفوت
: هلا
قال بهدوء
: نمشي ؟
ابتسمت
: اوكي
أغلقت الهاتف ونهضت لترتدي عباءتها
ودّعتا الجميع , وخرجتا معًا
قالت لمى
: والله احس انّي حاقدة على سعود ودّي اتوطّى بطنه
ابتسمت لين وهي تنظرُ اليه
: حبيبي , ماني زعلانة منّه على شي , انا استاهل اللي صار لي
قالت لمى بسرعة
: لين شوفي شوفي , سلطان جا
كان سلطان قادمًا , وانضمّ الى سعود ومالك
تحدّثوا لبعض الوقت , ثمّ قال سعود مبتسمًا
: خلاص خير ان شالله , اجل بيننا تلفون
صافحهما مالك , وعاد الى المنزل
واقتربا سلطان وسعود عدّة خطوات
نزلت لين حينها الدرجات الواسعة
اقتربت من سعود
قالت بحدّة
: السلام عليكم
قال سلطان دونَ ان ينظر اليها
: وعليكم السلام , هلا
كتمت لمى ضحكتها
قالت لين بنبرةِ من تكادُ تقتله
: شلونك يا ابو مساعد ؟
عقدَ حاجبيه استغرابًا
: الله يسلمك , عساك بخير ؟
: الحمد لله
استغربَ سعود منها
قال بهدوء
: شلونك ام مساعد , عساك بخير ؟
ازدردت ريقها , نظرت الى سلطان , الذي غضبَ فجأة !
قالت بتردّد
: الحمد لله
قال سعود
: عسى دايم , يلا تصبحون على خير
امسك بكفِّ لين وسارا الى السيّارة
وسارت لمى خلف سلطان الى سيّارته
تحرّك سعود , وقال
: وش فيك على سلطان ؟
قالت بهدوء
: ولا شي , انا كنت بسألك
همهم , لتتابع
: سمعت طراطيش عن ام سلطان وكذا , وش السالفة
قال بضيق
: لين لا تدخلينا بهالامور
التفتت اليه وقالت بجديّة
: تدري من زوجة سلطان ؟
قال باستغراب
: شدراني
: لمى , صديقتي اللي ببريطانيا
قال بدهشة
: بالله عليك !
هزّت رأسها ايجابًا , وقالت
: لمى فيها القولون وتهيّج بالمعدة من اقل ضيق تحس فيه , من تزوّجت سلطان للحين معدتها تعوّرها , بفهم وش قصّته
زفرَ سعود , ثم قال
: والله ماهو من طبعي اتدخّل بمشاكل احد او اقول اسرار احد , بس اعتبره من باب اصلاح ذات البين
ابتسمت وقالت
: يلا اسمعك
صمتَ لثوانٍ
ثمّ قال بضيق
: قبل اكثر من خمس سنين , سلطان كان مملّك على لينا اخت مالك , بنت عمّي
رفعت لين حاجبيها , وقالت
: اي عرفتها
تابع
: يعني كانت حياته مستقرّة , كان عنده خوات اثنين رؤى واروى , وامه وابوه , عايلة نوعًا ما مثالية وهادية
هزّت رأسها ليتابع بغضبٍ شعرَ به
: في يوم اكتشفوا انّ رؤى على علاقة بواحد , علاقة كبيرة يعني مو بس تكلمه
فتحت عينيها بصدمة , ليتابع
: المهم هو ماهو سعودي الرجّال , زوجوهم بالغصب , وهو مخالف في السعودية , سلطان سوّى المستحيل عشان يتسفّر وسووله منع دخول , ورؤى كذا انقلعت وطلعت من العايلة بشكل نهائي
صمتَ لثوانٍ طويلة , ثم تابع
" المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
دخلا الى المنزل
قال ابو سلطان بوجعٍ عميق
: الله يسامحك يا...
قال سلطان بغضب
: الله لا يسامحها ولا يغفر لها
زفر والده , وصمتَ لثوانٍ ثمّ قال
: وين صاروا ؟
: وصلوا هناك خلاص , الله لا يردهم
: واروى وين ؟!
: اروى عند جدّتي
هزّ رأسه بانكسار , وقال
: انا بطلع انام , تصبح على خير
قال سلطان بزفرة
: اذا امّي صاحية قول لها تجيني , متضايق بسولف معاها شوي
هزّ رأسه ايجابًا
وصعدا الى الأعلى معًا
وقفَ سلطان يعبثُ بهاتفه , ووالده اتّجه الى الغرفة
فتحها , مرّت ثوانٍ
ليشهق بكلِّ قوّته ويسقط من طوله
جنّ جنون سلطان , وهو يتخيّلُ ان مكروهًا اصابَ والدته
جرَى بسرعةٍ الى الغرفة
دخل مندفعًا
ليراها
تلملم شرشفَ السريرِ على جسدها , ورجلٌ لا يعرفه يقفُ عاريًا يرتدي ملابسه بفزع "
شهقت بكلِّ قوّتها , وجحظت عينيها
صرخت
: كذاب !
زفرَ بقهرٍ كبير
وقال بغضب
: كانت دايمًا تترفّع عن عمّي , تقول له انا شابّة وانت شايب , انا اللي يشوفني مع ولدي يحسبنا اخوان , انا وبناتي كأنّنا صديقات
صمتَ لثوانٍ , ثم قال بحزن
: سلطان كان متعلّق فيها ويحبها حيل , كانت فعلًا صديقة له يسهرون سوى ويطلعون سوى , متفاهمين كثير , يعني يمكن احسن من علاقتي مع امّي , صدمته فيها هدّته تمامًا , هي شردت بنفس اللحظة وللحين ما نعرف لها ارض من سما...
قاطعته لين وهتفت
: لا يكون هي اللي مساعدة بنتها باللي سوّته ؟
ابتسم رغمًا عنه
: لا مو لهالحد , هم طريقهم كان واحد بس ما يدرون عن بعض , المهم انها اختفت , وعمّي مساعد انشل من ذاك الوقت , لما دخل المستشفى سلطان من الجنون وما عاد يدري وش يسوّي , راح لأروى يبي يذبحها , قال لها ابوي بيموت من طيحته ذي , وانتي مستحيل اخلّيك تعيشين وراه , ان مات تموتين معاه , فكّوها منّه بالقوة , راح وطلّق لينا , وما طوّل اسبوع الّا وهو مخلّي ابوه واروى امانة عند جدّتي , وهجْ لاستراليا
صمتَ لثوانٍ , ثمّ قال بمحبّةٍ وتأثر
: وتخيّلي من اللي لحقه وما خلّاه ابد
قالت وهي تنتظرُ صدمةً اخرى
: مين
: مالك , اخو لينا , سلطان ترك لينا من هنا , ومالك مسك فيه من هنا , لحقه للمطار بدون شنطة وبدون اي شي , تهاوش مع الامن وقلب المطار فوق تحت الّا يركب ذيك الطيّارة , كان فيها مقاعد فاضية , دفع اللي فوقه واللي تحته وركبها , وما ترك سلطان ابد , سلطان ما طبْ للسعودية اربع سنين , ومالك كان الثلاث سنين الاولى يجي كل ست اشهر اسبوعين ويرجع , والسنة الرابعة ما جا , بس جوا مع بعض في نهايتها
نزلا ودخلا الى المنزل
جلست لين على الأركية , بحزنٍ شديد
نظرت الى سعود وقالت بغصّة
: قلبي تقطّع عليه
جلس أمامها وقال
: حتّى اروى , جدّتي تقول تغار من لمى وتتمشكل معاها , اروى كانت صغيرة حيل لما صار كل ذا , وصارت عليها مسؤولية كبيرة , وفقدت امها واختها الوحيدة واخوها الوحيد بوقت واحد , يعني تدمّرت هي بعد , وما صدقت انّ سلطان رجع , وما كانت تبيه يتزوّج , لأنهم فقدوا كل شي وما بقى لهم الّا بعض , ما كانت تبي حرمة تدخل حياة اخوها وينشغل فيها , وهي واثقة انّ ما بيحبها ولا يبيها , يعني بيتعب عالفاضي
تنفّست لين بعمق
حمقاءٌ يا لمى
كيفَ أتيتي بذكر المرأةِ أمامه !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ مساءً
جلست في الصالة العلوية على وسادةٍ كبيرة على الأرض
امام الطاولة
قلّبت في القنوات بملل
ثم أغلقت التلفاز واتّكأت بذقنها الى الطاولة
تأفّفت ونظرت الى تحفتين صغيرتين زجاجيتيْن
بشكلِ دُبّبٍ لطيفة
ابتسمت لهما , اهدتها ايّاهما ابنةُ خالتها
فجأة اعتدلت في جلستها وسحبت اوراقًا وقلمًا
قالت تتحدّث الى التُحف
: اسمعوا انت وياه , انتوا احكموا يعني
صعدَ الدرجَ وعقد حاجبيه من وضعها
اطلّ برأسه ويظنّ هاتفًا بيدها
قالت
: شوفوا انا تزوّجت... – قطعت كلماتها واعتدلت في جلستها ثمّ تابعت – انت بسمّيك ديدو وانت دودو , المهم
زفرت , ثمّ قالت
: ديدو انت يرضيك ذا سلطان ابو عيون حلوة – تنفّست بعمق – غبي ليت عقله مثل عيونه
ابتسمَ واتّكأ الى الجدار , وقد فهمَ ما تفعله
تابعت
: انا تزوّجته وعبالي بعيشْ ايّام حلوة مالت عليّ وعلى حظّي , ومن ايّام الملكة تخرفنت عليه
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت
: دودو ساعدني , ذا ما يحبني ولا يطالعني ابد , ما يعرف يسوّي شي غير يهاوشني , وانت تعرف عمري محد هاوشني , بس لمار ولين حبيباتي عشانهم صديقاتي عادي , وهم يهاوشون بحنيّة , ذا بغى يكسر ظهري وبغى يذبحني
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت
: طيّب لا تهاوش – بدأت تشرحُ على الورق وتشير بذراعيها – لي شهر متزوّجته , ووالله ما سوّيت شي غلط انّي احبّه , يعني انت قول لي بالله عليك لو تزوّجت ما بتحب زوجتك ! ياخي بالقرآن مكتوب وجعلنا بينكم مودّةً ورحمة , من سلطان عشان يخالف القرآن يعني ؟ يعني انا والله شسوّي , يعني ما عرفت رجّال غيره بحياتي , ولا تكلّمت مع رجّال غيره ولا انخطبت لغيره
ابتسمت بحبٍّ جميل , وأمالت رأسها جانبًا بنعومة
: وسلطان دخل حياتي – رفعت كتفيها ببساطة – رجّال , ما ينقصه شي , يكفي اذا ناظرني , عصبي صح , بس احب عصبيته , ماهو الخبال اللي يسوّيه طبعًا
رفعَ حاجبه الأيمن
تابعت
: صوته اذا ناداني , و – صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت – بقول لكم سر
اعتدل في وقفته بجديّة , ينتظر السر
قالت بحب
: صرت احب اروح لبيت اهله , بس لأنّه يضحك هناك , لأنّه يتكلّم بحنيّة مع عمّاته وجدّته , مع انّ اروى ما تطيقني , انا ما اكرهها , لأنّ سلطان يحبها , سلطان يحبها فوق العالم وفوق كل شي , اتمنى يحبني سلطان ربع حبّه لأروى , اتمنى يمسك يدّي مثل ما يمسك ايد جدّته , اتمنّى يحضني مثل ما يحضن عمّاته , ديدو انا حبّيت زوجي , ومستعدّة امسك ايده وامشي معاه لين يحبني , بس اذا ظلْ كذا , ما يبيني ويشكْ فيني , وما يعطيني اي اشارة ولو صغيرة انّه يتقبّلني , شسوّي وقتها ؟
صمتت لثوانٍ طويلة , ثمّ قالت بحزن
: ما ابي اتخيّل ان سلطان ينهي زواجنا اللي ما بدأ , ما اتخيّل تمرْ كم سنة ويتزوّج سلطان ويعيش بسعادة مع زوجته , ما ابي يطلع سلطان من حياتي
كان كتفيه مرتخيان , وعينيه تنظرانِ اليها بنظرةٍ غريبة
تعبثين بقلبي الكهل يا لمى
تراقصين مشاعري التي جفّت منذ اعوامٍ طويلة
كيف استسلمت وسلّمت لكِ قلبي
كيف عصفت بي مشاعري , وانساقت اليكِ
كيف تفتنين قلبي وعيناي بكِ
كيف تطربين روحي بنطقكِ لاسمي
وكيف تطمأنيني بقربكِ , وتفزعيني بابتعادك
اشكُّ بكِ كثيرًا يا لمى
شكٌّ يرقى الى اليقين احيانًا
شكٌّ قد كبرَ يا لمى ويدمّرني الآن
لو كنتِ زوجةً فقط , لكان ذو حدّةٍ أخف
لكنّكِ قد توغّلتِ بهذا القلب , قد تملّكتي هذا الحب
ان تحقّقَ شكّي بكِ , سأقتلك الفًا يا لمى
سأقتلك واقتل نفسي معكِ
سنموتُ معًا , ويموتُ ثالثنا
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة صباحًا
فتّشت في حقيبتها عن مسكّن ولم تجد
تأفّفت وفتحت الأدراج تبحث
ثم ذهبت الى جهةِ عبد العزيز
فتحت الدرج وبحثت فيه عن مسكّن
رفعت ورقةً لتبحثَ تحتها
وجذبتها رائحتها
تعرفها جيّدًا !
في الأصلِ احد ثيابها ما تزالُ ذاتُ الرائحة عالقةً فيه !
فتحتها بارتجاف
سارت عينها على السطورِ بسرعة
فتحت فمها بشهقةٍ صغيرة , وغرقت عينيها بالدمع
قلبت الورقة بصدمة حينَ رأت انّه ثمةَ وصيّة
قرأتها , مرّة واخرى , وثالثة
بصدمةٍ كبيرة
اختلّ توازنها
ارتخى جسدها وسقطت الورقة من يدها
تاهت عينيها في الغرفةِ لثوانٍ
قبل ان يدخلَ عبد العزيز الى الغرفة
عقدَ حاجبيه وقال
: فجر ليش جالسة على الارض ؟
نظرت اليه طويلًا
ليقول بقلق
: فيك شي ؟
بأدمعٍ كثيفة , افلتت ضحكةً تحرقُ روحها
ضحكةً صغيرةً ساخرة
قالت بنبرةٍ تؤلمُ داخلها
: تزوّجتني عشان بندر ؟ عشان وصية بندر ؟
صمتَ لثوانٍ , ثمّ سحبَ نفسًا عميقًا وزفره بقوّة
قالت بألم
: يعني أخذتني مكره , وقرّبت مني غصب عنّك , وخلّيتني احمل , عشان بندر
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت
: كأنّي لعبة بيدك انت وبندر , تتقاسموني وتتعازمون عليّ , وللحين مخلّيني عندك وانت ما تبيني , ويمكنّك تنتظرني اخلّص الاربعين عشان تقرّب منّي واحمل مرّة ثانية , صح !
ظلّ صامتًا
نهضت بصعوبة , قالت بتعب
: خلني بروحي , بلم أغراضي وارجع لأهلي – التفتت اليه وقالت بحدّةٍ مهتزّةٍ وحزينة – وبتقول لهم انّك ما تبيني وانّك بتطلقني , سمعت ؟
قال ببحّة
: فجر
التفتت اليه برجاءٍ حزين
: اتركني لحالي عبد العزيز , اتركني عشان خاطر الطفل اللي كان بيني وبينك
تراجع وخرجَ من الغرفة
زفرَ وفركَ جبينه
لمَ حزنت الا هذا الحد
الم تكن لترتاح بعض الشيّء اذا علمت لمَ اجبرت علي
الن تكون سعيدة حينَ تنفّذ طلبًا لبندر !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ صباحًا
انفجرَ ضحكًا وقال
: حرام سلطان بذاك اليوم جاي بيقطّعني تقطيع
ابتسم وقال
: حبيبي سلطان والله , كان ما يرضى عليّ ابد , بس انت اثول وش تسوّي رايح لمكتبي
: ياخي نسيت اوراق لي مع سعد وهو مخلّيها بمكتبك , قلت محد بينتبه باخذها واطلع بسرعة
قال صقر
: اي وشافك سلطان وزين ما ودّاك بستّين داهية
قالَ سعد
: ولمّا تنيذلت انت وقلت لصقر يرسل مالك معاك
قال صقر بحقد
: والله لو داري انّك مخطّط تروح للقناة بس عشان تحرج راشد ما خلّيته يروح معاك , مسكين رجع ووجهه مسفوط من الفشلة
قال ذياب وهو يجلس
: واوّل اجتماع حضرته , انا وصقر نتراسل , ونطالع بعض
زفرَ سعد
: والله الحمد لله ما فضحتونا انت ويّاه , كأنكم بزارين يا متجادلين يا شوي وتضحكون وتدقّون حنك , كان غلط اصلًا انكم تكونون مع بعض , المفروض مرسلين واحد ثاني بدال ذياب
قال ذياب ساخرًا
: عساس بخلّي غيري يعني
قال صقر
: لا احسن شي انّ ذياب اللي كان معاي , ولا وش يصبرني
قال سعد بنصفِ نظرة
: وانا وش شغلتي هناك يعني
قال صقر بمحبّة
: حبيب قلبي انت
قال ذياب
: انت ما جا منّك فايدة الّا روحتك وجيتك للسعودية تتطمّن على اهل صقر
قال سعد وهو يرفسه
: حقير طول عمرك
انفجر ضحكًا ونهض ليقبّل رأسه
: خلاص لا تزعل , قلبوش انا
قال سعد بنصفِ ابتسامة
: صقر , ما تلاحظ...
أكملَ صقر بدلًا عنه
: من ملّك على...
قال سعد باستفزاز
: هــدديييل
ضربَ ذياب رأسه
ليتابع صقر
: صاير بايخ ومتزعزعة رجولته
قال ذياب ببرود
: يعني عصّب يا ذياب وهاوشنا واقلب القسم على روسنا , بس ماني راد عليكم
تجاهلهما وخرجَ من الغرفة
أخرجَ هاتفه واتّصل
ليجدَ هاتفها مغلقًا
ضحك بخفّة
كانت قالت له قبل ان تودّعه فجرًا
" : ولا تفكّر تزعجني الصبح , لأنّك ما بتلقاني
: اي هين , ما دام انّي ما انام انتي بعد ما تنامين
ضحكت ولم تعلّق "
علمَ ما قصدته بضحكتها
أغلقَ الهاتف وعاد الى الغرفة
نظرَ الى صقر الذي كان شاردًا
جلسَ أمامه وسأله
: شفيك
نظرَ اليه , ثمّ بحث عن سعد بعينيه
قال ذياب
: سعد طلع يدخّن , شفيك
تنفّسَ بعمق , ثم قال
: طالت السالفة
ابتسم ذياب
: بيدك تنهيها
رفعَ كتفيه بحيرة
: شلون
قال ذياب بحدّة
: فكّر شلون تنهيها , كم عمرك صقر ؟ ومانت قادر ترجّع زوجتك البزر
قال بنصفِ نظرة
: لا تقول بزر
: يعني ماهي بزر بالنسبة لعمرك ؟ صقر فتّح مخّك , والحين قبل بعد شوي المفروض تروح تمسكها وتفهّمها كل شي
نظرَ اليه لثوانٍ صامتة
ثمّ أشاح بصره عنه عنه بزفرة
,
,
الى الملتقى :)