بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الثامن عشر
,
,
استراليا – كانبرا
السادسة مساءً
كان يجلس خلف مكتبه
غائبَ الذهن عمّا حوله
يسترجع ذكرى ذاك اليوم القاسِي جداً على روحه
حين رآها مسجيةً على الأرض تشهق بقوةٍ وتزفرُ بِ تعب
أسرع اليها يحاول التحدث معها
صاح بجنون
: وش فييك وش صاير لك !
قالت وهي لا تستطيع التنفس
: لقّني الشهادة , لقّني الشهادة
قال بفزع
: يا بنت وش صاير لك
أمسكت بيده برجاء , والعرق يتصبب من جبينها , وعينيها تتقلب بلا هدف , وشفتيها مبيضتان تماماً
: لقّني الشهادة ما ابي اموت بدون لا أنطقها
صرخ بغضب
: ما تموتين قومي
قالت تبكي برجاء
: ابي أنطق الشهادة طلبتك آخر طلب ف حياتي
لقنها وهو يبكي معها
بمجرد انتهت من كلمات التوحيد , شهقت بقوةٍ وأسلمت روحها
ماتت !
بين يديه
آخر من رآها هو , آخر من كان بقربها هو !
كيف تموتين ! كيف عن هذا العالم ترحلين ! ألم تقولي كثيراً أنكِ تحبينني , كيف اذاً تتركينني !
انهضي , لن أعصي أمركِ , ولن أغيضك أبداً , ولن أسرق الأشياء خاصتك لتغضبي
هناك الكثير لنتحدث حوله , كثيرٌ من أحلامي لم أطلعكِ عليها بعد
هل حقاً ترحلين !
دخول زوجته أعادَه لينتبه لما حوله
قالت مبتسمة وهي تضع له كوبَ شاي
: شنو تسوي ؟
ابتسم بشرود
: أشتغل
صمتت وجلست أمامه
قال بعد قليل
: مها , لو لقنتي أحد الشهادة ومات بعد ما نطقها وش احساسك !
قالت مستغربة
: القن أحد الشهادة !
هزّ رأسه ايجاباً
صمتت قليلاً , ثم قالت بصدق
: اظلّ أبجي باقي عمري كلّه
ضحك بذهول
: يا ساتر ! ليه تبكين !
رفعت كتفيها
: موقف صعب , انت ملقن أحد الشهادة ؟!
صمت قليلاً
ثم قال بابتسامةٍ هادئة
: لا
أعاد نظره لأوراقه دون أن يضيف أي كلمة
,
,
المملكة المتحدة – لندن
الثامنة مساءً
كانت تجلس في غرفة الجلوس تضمُ ساقيها الى صدرها
أرنبة أنفها متوردة , وجفنيها محمرين
هكذا حالها مذ غادر خالد
تشعر بالفراغ الفضيع
مسحت دمعتيها
لم أتيت ان كنت تنوي الذهاب , تتركني هكذا وحيدة مرةً أخرى
ابتسمت بسخرية
كلا , لستُ وحيدة , الذي يسمى زوجي موجودٌ على مقربة
الذي حين رآني بجوار أخي حين أتى ليقله الى المطار لم يرفع نظره اليّ , لم يخصني بالسلام حتى !
لم يتصل ولم يطمئن علي , مضت أربع أيامٍ على عقد قراننا
قبل أن يخطبني كان باستمرارٍ قريباً مني
والآن !
قطع حبل أفكارها صوتُ هاتفها
اجتذبته وردّت دون أن تنظر لاسم المتصل
كان واضحاً في نبرتها أنها بكت طويلاً , اضافةً الى بحتها التلقائية
: هلا
: السلام عليكم
فتحت عينيها بصدمة
أبعدت الهاتف لتنظر لاسم المتصل
عضت شفتها السفلى بأسنانها العلوية
حمحمت وأعادت الهاتف لاذنها
كانت تقول في نفسها
*لو اني طارية أمي !*
قالت بخفوت
: وعليكم السلام ورحمة الله
: شلونك !
:الحمد لله
وصمتت , وصمت هو
كانت تشعر بالخجل
لأول مرةً تتحدث اليه بالهاتف
دوماً كان يرسل رسالةً نصية ليطمئن عليها أو ليخبرها أنه قادم أو في الأسفل لتنزل
قال بعد صمت
: آمم , معليش اليومين اللي فاتت انشغلت
: مو مشكلة
: تجهزين نطلع !
ازدردت ريقها
: م اقدر عندي مذاكرة
قال باصرار
: ما نطول , انا قريب من اجوار رود بشوف عزوز لين تجهزين , طيب !
صمتت قليلاً , قالت بهدوء
: ما له داعي جد ابي اذاكر
: قومي قومي البسي ربع ساعة وأجيك
استسلمت , لا تريد أن تكون عنيدة
نهضت لغرفتها لتغير بيجامتها
بعض الارتباك يسكن قلبها الصغير
للمرة الأولى تلتقي بِه بعد عقد قرانهما
ماذا ترتدي !
وحول ماذا تتحدث !
نفضت رأسها من أفكارها
لن تفكر كثيراً , ستبقى طبيعية هادئة
لفت حجابها بإحكام وزرَرَت معطفها الثقيل
حملت حقيبتها وتوجهت لباب الشقة
وذهنها مشغول
,
دخل لشقة صديقه وجلس دون أن يتكلم
قال عبد العزيز بسخرية
: من وين طالعة الشمس اليوم ؟ من يوم ملكتك ما شفتك
زفر بتعب
: والله من يوم ملكتي ما جيت اجوار رود
صمت عبد العزيز قليلاً ثم قال بجدية
: وزوجتك ؟
: اليوم اول مرة أشوفها من بعد الملكة
قال بذهول
: أول مرة تشوفها ! وأول مرة تكلمها طبعاً !
: ايه
غضب عبد العزيز
: سعود انت تزوجتها عشان تهتم فيها , مو معقولة اربع أيام ما تدري عنها
زفر ثم قال بهدوء
: كنت تعبان شوي
: الله يرضى عليك خل البنت بعيدة عن ضيقتك وتقلبك الدائم , لين محتاجة رعاية مستمرة , تلاقي قلبها مليان منك الحين , قم انقلع شوفها
ابتسم ببرود
: انا جاي عشانها بس قلت أمرك أول
: كثر خيرك مريتني يلا قوم
نهض وهو يضحك ويرتدي معطفه
: يلا أشوفك على خير
: الله معاك
خرج من شقة صديقه وتقدم بسيارته وهو يتصل بِ لين
ردّت بهدوء
: نازلة
أغلق الهاتف وانتظرها لثوانٍ حتى خرجت من بوابة العمارة
نزل من السيارة وهو يبتسم
اقترب منها ومدّ يده ليصافحها
بتردد واضح مدت كفَها وصافحته
شدّ على يدها وقال باعتذار
: معليش والله غصب عني انشغلت
: مو مشكلة
اقتربا من السيارة وفتح لها الباب , ركبت ثم أغلقه
جلس في مقعده والتفت لها مبتسماً بِلطف
: وين نروح ؟
قالت بارتباك
: براحتك
حركَ السيارة وهو يقول
: وش اخبارك ؟
: الحمد لله
صمتَا لثوانٍ قبل أن يقول ضاحكاً
: الله يسلمك انا طيّب الحمد لله
قالت محرجة
: عساك
عادَ الصمتُ يسود السيارة
هوَ لا يعرف ما يقول , يبدو أنها غاضبةٌ منه حقاً !
وهيَ محرجةٌ وحانقة وتودُ ضربه !
أوقف السيارة وقالَ بلطف
: يلا
التفتت تنظر حولها
قالت بذهول
: البارك مقفل الحين !
: موجايين للبارك , بنتمشى على التايمز شوي
نزلت ونزل ليقترب منها
مدّ يده وأمسك بيدها بخفة
تسارعت نبضات قلبها وتصاعدت الدماء لرأسها واحمرت مقلتيها خجلاً
التفتت اليه باضطارب
لم ينظر اليها رُغمَ أنه منتبهٍ لنظراتها
شعرَ بِ رجفة كفّها الصغير
سارا معاً على الجسر الطويل أعلى نهر " التايمز "
حين طغى دفئ يديه على برودة جسدها بأكمله , وتحكمَ في رجفة قلبها , ونظم أنفاسها
هدأت واستكانت
استندا الى حاجز الجسر
قالَ سعود مبتسماً
: أحب التايمز ! أحسّه جبّار ومسيطر
ضحكت بخفة
: انا ما احب ولا شي في لندن
نظر اليها وعينيه تلمعان في الظلام
: ليه !
رفعت كتفيها بلا مبالاة
: الديرة اللي ما فيها امي واخواني تنعاف
ابتسم ولم يعقّب
اشتدّ البرد فلفت يديها حول جسدها
: سعود برد !
نظر الى نفسه ثم اليها
حك رأسه
: تبين جاكيتي ؟!
قالت بسرعة
: لا لا , بس خل نرجع للسيارة
أمسك بيدها وسارا ببطئ
حتى قالت بشهقة
: مـطـر !
رفعا رأسيهما وتتالت قطرات المطر حتى اشتد
نظرا لبعضيهما ثم أمامها
وانطلقا يجريان للسيارة وضحكاتهما تلفت انتباه المارّة !
,
,
المملكة العربية السعودية – الشرقية
التاسعة مساءً
خرجَ وليد من غرفته
وفي ذات اللحظة خرجت زوجة أبيه من غرفة فهد القريبة
أشاح ببصره عنها واقترب من غرفة شقيقته يطرق الباب
قالت بكسل
: مين ؟
: انا
فتحت الباب وابتعدت عائدةً الى سريرها
قال بكسلٍ هو الآخر
: نطلع نتعشى ؟
: وليد ما فيني حيل , جيب عشى انت بخلي الباب مقفول
جلس على الأريكة
: حتى انا تعبان , بس جوعان
رفعت رأسها بسرعة
: انا بموت من الجوع
ابتسم بحنان
: بسم الله عليك , طيب بأتصل أطلب , وش تبين
قالت مغمضةً عينيها بتلذذ
: بيتزا كبييرة
ضحك بخفة وأشار الى عينيه
: حاضر
أخرج هاتفه واتصل بالمطعم
ثم استلقى على الأريكة
قالت بعد صمت
: طليت على فهد شفت وضعه وصحته ؟
: لأ
كادت تتكلم لولا صوت هاتفه الذي قاطعها
ردّ بمحبة
: حيّ هالصوت
: الله يحييك حبيبي , كذا تقطعوني لا تتصلون ولا جيتوا الاسبوع اللي فات ولا ذا الاسبوع !
: بعد عمري سامحينا , صار ظرف منعنا
قالت بقلق
: عسى ما شر !
: ما يجيك الشر , فهد اخوي
هتفت
: وش فيه
: مريض , ادعي له
: وش مرضه !
صمتَ قليلاً قبل أن يقول
: الخبيث
شهقت بقوة , ثم قالت بصدمة
: انت صادق
زفر بتعب وهمّ هو الآخر
: ادعي له
صمتت قليلاً حتى سمعَ بكاءها
قال بهدوء
: تحبينه ؟
: طبعاً ! متربي معكم كان دايماً يجيني وينام مع عيالي وياكل من يدي
قال بحنق
: ما يستاهل محبتك
قالت بحزم
: وليد اعرف حدودك , عنبوك اخوك ذا انت ما فيك احساس !
قال بغضب
: ولدهم ! فيه دمهم
صرخت به بغضب
: لا ترفع صوتك
قال بخفوت
: سمي
قد يكون متجبراً متصلطاً ظالماً لا يرحم ! قد يكره ويستهتر , قد يكون سيئاً ! لكنه أمامها طفلٌ لا يفقه سوى خوفه من غضبها , يخشى أن تغضب منه فتوليه ظهرها وتقاطعه , يهلع من عبوسها في وجهه , هي فقط من يبرها , ويحبها حبّ الأم والأب والخالة والعمة والجدة وكل القربى , أبداً لا يعصيها ولا يُثني كلمتها ولا يرفع عينيه الى عينيها ان خاطبته
قالت بحدة
: لا تكون ظالم اتقِ الله , وانت ما فيك دمهم يعني ؟! هذا اخووك عضيدك ان جارت الدنيا عليك محد يوقف في وجهها الا فهد , ان شهرت الأيام سيفها بوجهك ما بيكسره الا فهد , ان عبست لك الأقدار ما بيصدها عنك الا فهد , لا تظلم الظلم ظلمات يوم القيامة , وهذا مو واحد من الشارع تظلمه ! أخوك دمك ولحمك والأقرب لك من بد هالبشر , ابوه غلط وعمامه غلطوا هو ما غلط , هو كان طفل مثله مثلك وقتها , فهد طيب وحنون وان قطعته وصلك , لا تصد عن اخوك يا يمه , لا تشد ظهرك ب تركي وعلي وتعدهم اخوانك وتقصي فهد
صمت ولم يجبها
قالت بعد صمت
: الله يهدي بالك , سلم على ملاك , السلام عليكم
أغلقت الهاتف دون أن تسمع ردّه
رفع رأسه ليرى عيني شقيقته غارقتان بالدمع
قال مبتسماً
: وش فيك
: هاوشتك خالتي !
: عادي – اختنق صوته وهو يقول بوجع – الأم تهاوش ولدها
انفجرت باكية وهي تقول
: الأم ! الأم ي وليد مب الخالة , امنا اللي ما عرفناها لا كبار ولا صغار , امنا اللي ماتت وانا اجهلها , امنا اللي سرقتها الأيام منّا , امنا اللي ما اعرف وش سوولها عمامي وابوي وبسببهم انت مقاطع فهد , امنا ي وليد اللي اشتاق لها وانا ما اعرفها
اقترب منها ليدسها في حضنه
حضنه الرحب , الذي يتلقاها منذ كانت ابنة العامان , كلّما بكت استندت اليه , كلّما فرحت تعلقت به , صدره الذي كبرت عليه , صدره الذي شهد نموها وتغيراتها وعرف كل حالاتها , قلبه الحنون الذي يبكي معها , ويضحك لضحكها
تمسكت به وهي تنتحب
قال بحنان
: بس يا بعد وليد , ملاك , خلاص ي بابا روقي
قالت برجاء
: وليد انا تعبانة ! خل نروح لخالتي نقعد اسبوع او اسبوعين تكفى
قبّل رأسها
: بحاول آخذ اجازة بعد اختباراتك , بس هدّي ي روحي
هدأت شهقاتها , وانتظمت أنفاسها , وتوقف دمعها
لكنها لم تتبعد عنه
قال بمرح
: عجبتك القعدة
اجابته بمحبة
: الله لا يحرمني منك ي وليد , انت أمي وابوي واخوي وكل شي ف حياتي , جعل يومي قبل يومك
قال مبتسماً
: ما قلنا بلاها هالدعوة !
لم ترد سوى بتشديد يديها حوله ودفن رأسها أكثر عند موضع قلبه
ضحك وأبعدها
: بنت وش فيك اليوم
ضحكت وسحبت علبة المناديل القريبة لتمسح دمعها
قالت بعد صمت
: وش تقول خالتي !
: أبد تسأل عنّا وشالت هم فهد
: أها
رنّ هاتفه يعلن عن وصول عشائهما ف نزل يحضره
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
قالت بارتجاف
: يمممآآ باقي صفحتييين ما ذاكرتهم للحيييين
ردّت الأخرى بهدوء
: داليا اذكري الله وهدّي نفسك , سوي لك كوب كوفي واشربيه على رواق وكلي حبة شوكولا , وارجعي ذاكريهم
صرخت بجزع
: انهبلتي انتي ! الساعة تسسسعة متى يمددي اراجع ومتى اذاكر الصفحتين
تأففت رتيل وقالت بملل
: يا بنتي قلتلك هدّي اذا توترتي ما بتقدرين تركزين , وبعدين واذا يعني بقي صفحتين ! انتي مذاكرة الكتاب كلّه جات على صفحتين ! عندك الليل بطوله ذاكري فيه الصفحتين
نهضت داليا وهي تتكلم بتوتر وغضب
: الله ياخذ هالبرود اللي فيك , من اللي قاعد معك
تركتها وخرجت لغرفة شقيقها
فتحت الباب ورمت بجسدها في حضنه وهي تهتف
: عــبد الله
قال بفزع
: وشش فييه
: بققي صفحتيين ما ذاكرتهم الوقت يمششي بسرعة , انا خاايفــة
تنفس الصعداء ثم دفع رأسها بعصبيةٍ خفيفة
: خبلة طيرتي قلبي
: اهئ , بقي صفحتييين
تأفف ثم مسح على شعرها
: خلاص ابعدي , وريني الصفحتين اساعدك فيهم
ابتعدت ف نظر الى وجهها
كانت شفتيها تنمّان عن خوفٍ طفولي
ضحك ثم قال
: داليا متى تكبرين
كشرت وهي تمدّ ب كتابها له
: لا يكثر وشوف
ابتسم وهو ينظر الى الصفحتين المنشودتين
جلس معها أرضاً يشرح لها ويلخص ما في الصفحتين في أقل من صفحة وخلال نصف ساعة
حين انتهى عانقته بسعادة
: شكراً حبيبي انت أحسن أخ ف العالم
ابتسم بحنان
: العفو , يلا قومي لغرفتك راجعي , الله يوفقكم ويفرحني ب نتايجكم
نهضت مسرعة وخرجت من غرفته الى غرفتها
مضى الوقت سريعاً حتى أشارت الساعة الى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل
مددت رتيل أطرافها
ثم وضعت يدَها على بطنها
الآن فقط شعرت بالجوع , لم تأكل طِوال اليوم انشغلت في استذكار دروسها وفقط
نهضت لتنزل الى المطبخ
مرّت بغرفة الجلوس وكانت فارغة مظلمة الى من ضوءٍ خفيف من الشباك
كان ينعكس على الصورة أعلى التلفاز
ابتسمت واقتربت
قالت بهمس
: صباح الخير , صاحي ؟! انا توني خلصت مذاكرة , جعت ونزلت آكل , بعدين ابي أنام ساعتين وأصحى اراجع
صمتت تتأمله
كأنها ترى شفتيه تتحركان لتردّان عليها
كأنها تسمع صوته
كأنها تشعر بيديه تمتدان لتداعبان أنفها وشعرها
كأنها ترى عينيه تبتسمان لها
كأنه يقترب ليعانقها
قالت بعد صمت
: اشتقت لك صقر
سمعت صوت الباب الخارجي والتفتت فوراً
قالت بتساؤل
: مين ؟!
اقترب عبد الله وهو مشيحٌ ببصره بعيداً عنها
: رتيل ! وش مصحيك
قالت محرجة
: جوعانة !
ضحك بخفة
: توقعت القى وحدة منكم صاحية , جايب سندوتش اذا تبين , بحطّه في المطبخ
قالت ممتنة
: ما تقصر
ابتسم وابتعد
عادت تنظر الى الصورة
قالت بهمس
: تصبح على خير
ارسلت له قبلةً عبر الهواء وهي تشعر بالخجل وابتعدت فوراً
,
,
المملكة العربية السعودية – حائل
التاسعة مساءً
أطل يوسف برأسه داخل الغرفة
: يلا تعال
وخرج
تبعه عمر ثم ابتسم ابتسامةً واسعة
: الله , يَ زين ذي الجلسة
ضحك يوسف وجلس
اقترب عمر ليجلس قريباً منه
في باحةِ المنزل الخارجية أشعل يوسف النار بالحطب ووضع ابريقَ شاي وفرش سجاداً طويلاً ليجلسا عليه
قال عمر
: ناقص فروة
: عندي , تبي ؟!
: لا خلاص المرة الجاية
راحا يتحدثان مستمتعان بالأجواء وبانتظار اصدقائهما
قال عمر بهدوء
: احس اني جلست هالجلسة قبل !
قال يوسف مبتسماً
: طيب حنّا دايم نجلس هاتس
هزّ رأسه نفياً
: لا , لمن أسرح كأني أشوف ذي الجلسة وفي وجوه بس ما اذكرها
زفر يوسف ثم قال
: همَاني قايل لك نروح للدواير الحكومية ننشدهم عنك
قبل أن يجيبه دخل اثنان من أصدقاءهما ف تراجع عن الحديث
نظر اليه يوسف بنظرةٍ تحمل كثيراً من المعاني ثم نهضا يرحبان ب رفيقيهما
,
,
المملكة المتحدة – تشيلسي
العاشرة صباحاً
اقترب من غرفة الطعام ليسمع همس والدته
: بأنتظره يطلع
دخل باستغراب
فصمتت فوراً
: صباح الخير !
ردّا والده ووالدته بارتباك
: صباح النور
اقترب ليجلس وهو يسأل بريبة
: وش فيكم ؟
قالت والدته
: ولا شي حبيبي , يلا افطر
نظر اليهما ولم يرد
رفع كوب العصير وشربه دفعةً واحدة
قال بهدوء
: تبين تطلعين يمه ؟
: لا وين بروح يعني !
هز رأسه متفهماً
انتهى من تناول طعامه ونهض
: انا رايح للجامعة , وبعد الظهر بروح شغلي , المغرب راجع ان شالله
ابتسمت والدته بحنان
: الله معاك
خرج من المنزل وهو قلق بشأن والديه
سار بسيارته مبتعداً حتى تذكر أنه نسي أوراقاً تخص الجامعة
عادَ أدراجه ليرى سيارة والدته الخاصّة يقودها السائق ووالدته خلفه
رفعَ حاجبيه وكادَ يتبعها
نظرَ الى ساعته وتراجع عن ذلك , لديه امتحان بعد ساعة ونصف من الآن لن يسعه الوقت
نزل من سيارته مسرعاً الى المنزل
صادفه والده حين دخل
قال والده بصدمة
: انت ما رحت !
اقترب منه وقال بجدية
: وش فيكم ؟ أمي وين رايحة ؟
ارتبك والده ليقول
: ما في شي , اتصلت عليها صديقتها تبي تقابلها في السوق وراحت !
رفع حاجبه الأيمن بعدم تصديق
قال ببرود
: يَ شيخ ! تسوق أمها علي !
ردّ والده ساخراً
: ما ودك تعطيني كف بعد ؟
ضحك ببرود وترك والده صاعداً الى غرفته يحضر أوراقه وذهنه مشتت
حين خرج كان يفكر في أمريهما
حتى طرأت لين على باله
ابتسم لذكرى الأمس وسحب هاتفه ليكلمها
اتصل ولم تجبه
فاستنتج أنها قد تكون في محاضرة
وضع هاتفه جانباً وقبل أن يرفع يده عنه رنّ بنغمة رسالة
فتحها وابتسم
( صباح الخير , معليش سعود أنا في محاضرة , اذا طلعت كلمتك )
ردّ عليها
( ولا يهمك , انا جاي للجامعة أشوفك ان شالله )
وضعَ هاتفه وتابع طريقه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة صباحاً
كانت رتيل ممسكةً بكتابها وتجلس متربعةً على طاولةٍ في المطبخ
وداليا تتحرك بتوتر وهي تقرأ في كتابها
دخلت أم صقر وابتسمت بحنان
: فطرتوا ؟
: لا
: بسوي لكم لقمتين تاكلونها مو زين تروحون بدون أكل
لم تجيباها
كانت عينيهما تلتهم الأحرف بخوف
ضحكت بخفة منهما
قالت بتمتمة
: دام هالتمريض صعب وش رازكم فيه
أيضاً لم تجيباها
حينها دخل أبو صقر للمطبخ
قال بذهول
: وش تسوون في المطبخ ؟! أحد يذاكر هنا !
ضحكت زوجته وأجابته
: داليا ورتيل طقوسهم غريبة في المذاكرة , تحت الدرج ! في المطبخ ! فوق السيارة !
انفجر ضاحكاً
وحينها تأففتا بصوتٍ عالٍ
تراجع أبو صقر معتذراً
: خلاص خلاص , الله يوفقكم
بعد نصف ساعة ناداهن عبد الله بعطف
: بنات تأخر الوقت ! يلا أوديكم للكلية وكملوا هناك
هتفتا بجزع
: لااا
: بسم الله عليكم ! خلاص براحتكم مو لازم تختبرون
صرختا مجدداً
: لااا
ضحك عبد الله بذهول
: وش تبون طيب !
قالت داليا بخوف
: ما ادري
ازدردت رتيل ريقها ثم قالت بارتباك
: يلا بنطلع نلبس الحين
صعدتا الى غرفتيهما وانتهيتا بسرعة لتنزلا وأيديهما تحتضن الكتب
اقتربتا من أم صقر وقبلتا يدها
قالت بحنان
: بالتوفيق حبيباتي الله يفتحها بوجيهكم ويسهل عليكم وينجحكم ياارب
أمّنوا جميعاً بصدق وخرج عبد الله مع الفتاتين
حين وصلوا قال بحنان قبل أن تنزلا
: لا تنسون اللهم لا سهل الا ما جعلته سهلاً وأنت تجعله الحَزن اذا شئت سهلاً , الله يوفقكم
نزلتا دون تعليق
حين أغلقتا الباب انفجر عبد الله ضاحكاً وهو يهز رأسه بيأس
: مهبل والله !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة صباحاً
قال بانزعاج
: بس هديل عندها اختبارات !
: هذا الاسبوع ما عندها الّا اختبار واحد يوم الأربعاء , نروح اليوم ونرجع الثلاثاء الصباح
: ومتى تذاكر ؟! تراها اختبارات نهائية يمه مو لعب
: تذاكر هناك ما عليك , لازم نروح نتطمن على الولد
: طيب روحي مع تركي وخلينا انا وهي
: انت ما تبي تروح براحتك , بس هديل أخته بالرضاعة لازم تروح تشوفه
زفر ثم قال
: اسأليها وسوي اللي يريحك
حينها دخلَ تركي الى غرفة الجلوس , قبّل رأس أمه وجلس بجانبها
: وش عندكم على هالصبح
قالت متضايقة ولا زالت آثار البكاء على ملامحها
: فهد أخو وليد مريض
عقد حاجبيه
: عسى ما شر !
تهدج صوتها وهي تقول بتأثر
: الخبيث
هتف بفزع
: لا اله الا الله !
قال علي بهدوء
: يمه الله يطول عمرك قلتلك انا متصل على وليد قال معاه اللوكيميا وفي بدايتها ان شالله يسيطرون عليها ويتعالج
قالت بنحيب
: يا حبة عيني يا فهد توّه صغير , من وين جاه ذا المرض
قبل تركي رأسها ويدها
: استغفري الله يالغالية ما يجوز تقولين هالكلام , لا تعترضين
قالت بهمس وهي تمسح عينيها
: اللهم لا اعتراض – رفعت يديها باتجاه القبلة وقالت بصدق – يارب يا كريم يا رحمن يا رحيم منّ على فهد بالشفاء يا من عندك الدواء يا مجيب الدعاء , قومّه بالسلامة وابعد عنّه المرض والسقم , واهدي وليد وحنن قلبه على أخوه , ألف بينهم يارب , واصلح عيالي وبنياتي وبنت أختي ملاك , يارب
أمنَ ابنيها بابتسامةٍ حنونة
قالت ببحة
: تركي يمه نادي على أختك تقوم تجهز شنطتها نمشي بعد شوي للشرقية
نظر تركي الى علي
: تروح بهم ولا أوديهم أنا ؟
تنهد ونظر الى أمه , كانت نظرتها كفيلةً أن يقول
: نروح كلنا , بس خلوا خبر عند رتيل لا نسافر وهي ما تدري
ابتسمت بامتنان
وبادلها مبتسماً بحنان
نهض تركي الى غرفة شقيقته
أزعجها حتى صاحت به
: وش تبي !
: لا تصرخين , فزّي بنروح للشرقية , بسرعة ما في وقت
فزت بفزع
: وش فيه ! ملاك ووليد بخير ؟!
نزلت الدرج دون أن تنتظر ردّه وهي تهتف
: يممما , ماماا
نادتها بقلق
: تعالي وش بك !
: ملاك ووليد وش فيهم ؟ وش صاير لهمم
هزّت أمها رأسها باستغراب
: ما فيهم شي !
: أجل ليه بنروح للشرقية
قال علي بهدوء
: عادي طالعين نشوف اقاربنا ! ما فيها شي
نظرت اليه بريبة
: علي صار لنا سنين ما طبينا الشرقية وش طرا عليكم نطلع لها الحين على الاختبارات
ابتسم بهدوء
: فهد تعبان شوي
قالت بحذر
: وش فيه ؟
زجرتها والدتها بغضب
: وش لك بكثر الأسئلة انقلعي جهزي شنطتك ولا تكثرين حكي
قالت بتذمر
: شايفة عصبيتك ذي تأكد انّ صاير شي
قال علي ببطئ وبهدوئه ذاك الذي يخبرها فيه أنها ان لم تُطِع حالاً فإنها ستُعاقب
: هديل اطلعي جهزي شنطة حقة يومين بسرعة
أولته ظهرها وصعدت الى غرفتها وأطرافها ترتجف من القلق
جلست أم علي على الأريكة وهي تتكلم بعصبية وتعبث بهاتفها
: ما ناقصني الّا هديل – وضعت الهاتف على اذنها لثوانٍ حتى قالت – السلام عليكم
ردّت رتيل بارتباك
: هلا يمه وعليكم السلام
: شلونك حبيبتي
: الله يسلمك طيبة
: متى اختبارك أجل ؟
: بعد عشر دقايق بندخل للقاعة
: الله يوفقك حبيبتي , مذاكرة زين ؟
: على الله نقول ان شالله انتي بس لا تنسيني من دعواتك , سمّي يمه ؟
: بغيت أتطمن عليك وبقولك حنّا طالعين للشرقية بعد شوي وبنرجع الثلاثاء الصباح
قالت بقلق
: عسى ما شر ! ملاك ووليد طيبين ؟!
قالت بتعجب
: ياربي شفيهم هالبنات مفاولين على ملاك ووليد ! لا ما فيهم شي
ضحكت وهي تقول
: وش صاير ؟
: أختك الخبله قلنالها قومي بنطلع للشرقية قامت تصارخ وش صاير ووش فيهم ملاك ووليد
ضحكت ثم قالت
: بس جد وش صاير ليه بتطلعون
: اذا شفتك قلت لك , المهم انتبهي لنفسك يا يمه
: ان شالله , درب السلامة الله يحفظكم , سلمي عليهم هناك
: يوصل حبيبتي , استودعتك الله
ودعتها وأغلقت الهاتف , ثم نهضت لتُجهِز عدّة السفر
,
,
استراليا – كانبرا
الحادية عشر وخمسون دقيقة صباحاً
قالت بابتسامةٍ مرنة وبظهرٍ معتدل
: اذاً مشاهدينا هُنا تنتهي حلقَتُنا , نلتقي بكم في الحلقة المقبلة , الى اللقاء
ظلّت على ابتسامتها لثوانٍ حتى أُطفِأت الكاميرة الموجهة عليها
قالت الأخرى التي تجلس خلف الكواليس
: فوراً بعدَ الإعلان تبدأ نشرة الظهيرة
نزعت السماعةَ من رأسها ونهضت مسرعةً الى المقهى
اقتربت من الطاولة وجلست
قالت باستغراب
: عواش شفيج اليوم ؟
قالت بابتسامةٍ شاردة
: ولا شي
قالت باصرار
: تحجي شصاير , كلش مو مركزة اليوم ألف مرة أنبهج للكاميرة , وجم مرة تضيعين النص وتطالعين بالورق ! مو عوايدج
قالت بعد صمت
: أكو واحد متقدم لي
ابتسمت بابتهاج
: صج ! وناسة
رفعت كتفيها
: ما ادري مو متقبلة الفكرة
: ليش !
: الريّال كويتي
: انزين !
: لا قصدي انّه انولد وعاش وكبر بالكويت , ابوه يعرف ابوي وجي , واذا صار نصيب يعني أعيش بالكويت
همهمت منال , ثم قالت
: انزين مها درت ؟
: ما ادري اذا ابوي قال لها او لا , بس انا ما علمتها للحين
قالت منال بحماسه
: شرايج نروح لها ورى الدوام ؟
هزّت عائشة رأسها باستحسان
: اوكي
نادى أحد الموظفين بعجل
: آنسة منال بقي ثوانٍ لينتهي الإعلان
نهضت بسرعة وسقط كأسٌ على الأرض من عجلتها وكادت تسقط هي أيضاً حتى وازنت نفسها , قالت هاتفة
: ويي نسيت روحي
ضحكت منها عائشة
: دومج متخسبقة
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة مساءً
دخل للمنزل وسار ناحية غرفته
ناداه شقيقه مستغرباً
: بندر ؟
التفت اليه بشرود
: هلا !
اشار اليه بأن يقترب
: تعال , وش فيك صاير ما تنشاف
اقترب وهو يهزّ رأسه نفياً
: ما في شي
: من رجعت ما شفتك زي الناس ! توقعتك بتتحمس لأخبار لين بس ماش مو هامك شي
قال ضاحكاً
: الّا أكيد مهتم , بس منشغل بالدراسة خلاص مو باقي شي لازم أنتبه
قال خالد متفهماً
: الله يوفقك , اذا تحتاج شي كلمني
ابتسم ثم قال
: طيب تصبحون على خير
أولاهم ظهره ودخل غرفته
قال أم خالد بعد صمت
: قلبي مو متطمن من ناحية بندر
ازدرد خالد ريقه ثم ابتسم قائلاً
: تعوذي من ابليس ! ما في شي
نظرت اليه بعمق
: ما ودّي أحلف انّ حتى انت مو مرتاح
ضحك بقلق
: ملاحظ عليه دايم سرحان طلعاته كثرانة جواله على طول مشغول , واذا سألته يقول صاحبي !
قال فيصل
: طيب عادي كلنا مرينا بأيام كذا
هزّت أم خالد رأسها وهي تتنهد
: الله يستر
قال خالد
: يمه لا تكبرين الموضوع , خليه كم يوم على راحته , انا أثق انّ بندر اذا احتاجنا بيجينا
زفرت ثم قالت
: يارب
,
,
المملكة المتحدة
اقتربت منها بقلق
: ماذا حدث ؟ مالذي دهورَ حالتكِ !
ردّت الأخرى بتعب
: أظن أن أجلي اقترب
نهرتها وهي تمسح دمعاتها
: لا تقولي هذا , ستكونين بخير
استعدلت في جلستها وهي تمد لها بيدها
: اقتربي , يجب أن أخبرك بكل شيء , أخشى أن يحدث أمر يمنعني
اقتربت منها وهي تشد على يدها وتستمع اليها بحزنٍ ووجعٍ عليها !
,
,
استراليا – كانبرا
العاشرة صباحاً
قال بجمود
: ماذا تعني ؟
ردّ الآخر بأسف وهو يرفع نظارته عن عينه
: نحتاج عاماً آخر حتى يتعافى ظهرُك وننزع المعدن من قدمِك وذراعك
ازدرد ريقه وهو يغمض عينيه ليسطير على رباطة جأشه
قال بهدوء
: لمَ ؟ قلت من قبل أننا سنحتاج الى ثمانية أشهر وقد مرّ عامٌ ونِصف !
رفعَ كتفيه وهو يقول بتشتت
: لا أعلم كيف حدث هذا ! جسدك لا يتجاوب مع العلاج , اذا مرّ عامْ ولم تتحسن قد نضطر الى اجراء عدة عمليات , و – صمت قليلاً ثم قال بصعوبة – واحتمالية نجاح العمليات 50% , وإن لم تنجح , فـَ...
صمت ولم يستطع المتابعة
قال مبتسماً
: أكمل , مالذي سيحدث ان لم تنجح العمليات ؟
قال بخفوت
: شلل !
ضاقت الغرفة به , لم يعد به " اوكسجين " لا يستطيع التنفس , حتى عينيه بدأتا بالتخبط بلا هدف
هكذا المصائب !
دوماً لا تأتيه فرادى
مرت أعوام وهو يتخبط في المصائب والهموم
يارب , ارحمني !
أثلج صدري وانزع منه الهم
أريد التنفس ! سأسقط صريعاً
أين ذهب الهواء , كيف يستطيع هذا الرجل الذي أمامي التنفس ببساطة وأنا أكاد أموت وانا أبحث عن ذرة هواء !
أم هو الهم استحكم بمعصميه الشديدين حول رقبتي ليمنعني عن استكمال حياتي !
فرج شفتيه ليتنفس بعمق وهو يغمض عينيه ويردد بهمس
: لا اله الا الله , استغفر الله استغفر الله استغفر الله
قال الطبيب بقلق
: هل أنت بخير
ظلّ على وضعه لثوانٍ ثم قال بتعب
: كيف ! لم أكن بهذا السوء
: أنا حقاً آسفٌ لأجلك
هزّ رأسه بصمت ثم قال
: متى سنبدأ بالعلاج ؟!
: الاسبوع المقبل , يَومَيّ الثلاثاء والخميس
هزّ رأسه موافقاً
: حسناً , أشكرك
نهض وغادر الغرفة
نزل بالدرج ليخرج من المشفى
تمشي برجليه في الحديقة الخاصة
اقترب السائق بخوف
: سيدي هل أنت بخير ؟
: عُد الى السيارة , أريد أن اختلي بنفسي
ابتعد بطاعة
: حاضر
جلس على أحد الكراسي المنتشرة
هو حقاً لا يُريد أن يشل
ولا يريد الموت
ليس لتمسكه بالحياة !
بل لأنه عازمٌ على أمرين
يجب أن يفعلهما ويكافح من أجلهما لآخر نفسٍ في صدره
ويبدو أن هذا النفس قد اقترب كثيراً !
ويجب أن يطول ليكمل ما عزمَ عليه
تنفس بعمق وهو يردد
: لا اله الّا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين
: لا حول ولا قوةَ الّا بالله
: انّا لله وانّا اليه راجعون
: اللهم آجني في مصيبتي واخلفني خيراً منها
رنّ هاتفه , نظر الى اسمها ولم يجب
مرت دقائق ليرنّ مجدداً
نظر الى الاسم ف زفر ثم رد بهدوء
: هلا
: السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله
: شلونك طال عمرك
: الحمد لله , انت ومالك شلونكم ؟
: طيبين الحمد لله
: آمر يا سلطان وش بغيت
: أتطمن عليك , مو اليوم موعدك في المستشفى عشان النتايج ؟
ابتسم بهدوء ثم قال
: الحمد لله
علِمَ سلطان من نبرته أن سوءً أصابه , ولم يشأ أن يضغط عليه فودعه وأغلق الهاتف
بقيّ بعض الوقت بمفرده حتى عاد للمنزل وهو يستغفر ويحمد الله
,
,
المملكة العربية السعودية – الشرقية
الواحدة والنصف مساءً
نزلَ وليد على الدرج مسرعاً
نهضت زوجة أبيه متسائلة
: وصلوا ؟
قال بعجلة
: ايه , بطلع أفتح الباب
خرج مسرعاً وهو يهتف
: عم عبدو افتح الباب
أسرع العم عبدو الى الباب , فتحه وابتعد لتدخل السيارة
اقترب منها وليد مبتسماً
توقفت السيارة ونزلوا منها
قال مرحباً
: هلا والله , تو ما نوّرت الشرقية والله , الله يحييكم
اقتربا منه تركي وعلي ليعانقاه بمحبة
ابتعدا واقترب من خالته
قبّل كفّها وجبينها
: الحمد لله على سلامتك , عسى ما تعبتي
عانقته بحنان
: الله يسلمك حبيبي , الحمد لله ما تعبنا
ابتعدت عنه لتقفز هديل وتتشبث به هاتفة
: اشتقققت لك
ضحك وأبعدها بعد أن قبّل رأسها
: مبدئياً البنت هذه ما تشوف فهد لا تجلطه
لكزه تركي لينتبه
قالت مستغربة
: شدخل فهد ؟!
ابتسم ب " وهقة " وهو يقول
: لا ولا شي بس صاير عصبي ما يحب البثارة
رفعت حاجبها الأيمن دون تصديق
ابتسم وهو يتقدمهم
: تفضلوا ينتظرونكم داخل
ساروا معه ليدخلوا للمنزل
استقبلهم ابو وليد مبتسماً
: الله حيّهم هلا وغلا
سّلما عليه تركي وعلي وهديل ملتصقةٌ بوالدتها بخجل
لكزتها والدتها وهي تهمس
: الله يفشلك سلمي على الرجال
همست وهي تقترب من أمها أكثر
: ما ابي
قال ابو وليد بحنان
: وين بنيتي أجل !
ابتعد وليد قليلاً لتظهر مع أمها من خلفه
قالت ام علي بنبرةٍ لا ملامح فيها
: شلونك يا ابو وليد
أخفض رأسه قليلاً وردّ مبتسماً
: الحمد لله بخير يا جعلك بخير , شلونكم انتم وش أخباركم
قالت بخفوت وهي تدفع ابنتها
: الحمد لله
قالت هديل بهمس
: شلونك عمي
مدّ بيده اليها
: هلا هلا والله , تعالي يابوك
نظرت الى شقيقيها محرجة
قال علي ضاحكاً
: أي يجوز تسلمين عليه ابوك بالرضاعة
احمّر وجهها وهي تقترب
كيف لها أن تعانق رجلاً لم تره الا مراتٍ قليلة في طفولتها !
كيف لجسدها العذري أن يمسه رجلٌ تجهله !
رجلٌ كلّ عائلتها تبغضه
رجلٌ سمعت كثيراً أنه مجرم
تشعر أن عينيها تخترق قناع لطفه لترى بشاعته وقبحه
لترى اجرامه وعنجهيته
كيف يسمحُ لها اخوتها الثلاثة أن تقترب من هذا الوحش !
كان قلبها ينبض بشدة , وأنفاسها مضطربة بخوف
تكاد تهرب الآن
تماسكت واقتربت
ضمّها اليه بمحبة
كشرت بوجهها
كيف لمجرمٍ مثله أن يكون صدره حنوناً ونبرته رقيقة !
: وش اخبارك ؟ كذا تقطعيني بالمرة تراي أبوك ! لي حق عليك
لم تجبه
التفت وليد الى خالته بنظرةٍ ساخرة
كأنه يقول لها
هذا الماكر !
قتل واحدة , ويريد أن تسلميه ابنتكِ ليقتلها أيضاً !
هذا الذي يجدر به أن يكون أحب خلق الله لي
لكني لا أبغض أحداً بقدر ما أتمنى موته !
كان يعلم أنه يناقض نفسه !
في أعماق روحه مشاعرٌ مكبلة
تفيض وداً وعشقاً لهذا الرجل
لكنه يخنقها ان حاولت الظهور
ولا يظهر سوى تلك التي تحُيله أكثر رجال الأرض حقداً
قرصت ذراعه وهي تهمس
: استح على وجهك لا أطلع عيونك من محاجرها
ابتعد ابو وليد
: تفضلوا ارتاحوا , تعالوا يا شباب نجلس في المجلس
تبِعاه علي وتركي وهما يتحدثان معه حتى غابوا عن النظر وتخافتت أصواتهم
نزلت ملاك مسرعة الى حضن خالتها وهي تهتف
: خاالتيييي
ضمتها خالتها بشوقٍ كبير
: يا بعد خالتك وكلها
وخرجت أم فهد وابنتها روان من المطبخ مبتسمة
: الله يحيي أم علي , أسفرت وأنورت
أبعدت ام علي ابنة أختها لتسلّم على أم فهد
: الله يحييك ويخليك , تسلمين النور نوركم والله
جلسوا جميعاً ووليد لا يزال واقفاً على مقربة
التفتت اليه ام فهد بتساؤل
: وش فيك ؟ القهوة والشاي في المجلس
هزّ رأسه نفياً
: منتظر فهد يسلم على أخته وخالتي ونروح للمجلس
قالت أم فهد لروان
: قومي نادي أخوك
بعد دقيقتان كان فهد يحمحم على الدرج لتغطي أم علي وجهها وتقول بمحبة
: تعال يمه
نزل مبتسماً
: حيّ خالتي , شلونك يا بعدي وش أخبارك
: الله يسلمك يمه , انت شلونك عساك بخير
أومأ بخفة ولا تزال ابتسامته تُزين محياه
: الحمد لله بخير
نظر الى هديل ورفعَ حاجبيه
: هديل !
قال وليد بسخرية
: شفت شلون كبرت وصارت بطولك ؟
ضحك فهد وهو يمد يده اليها لتقترب
: مشالله تبارك الله , شلونك هدول ؟
اقتربت وصافحته بخجلٍ شديد
: الحمد لله
قال وليد بغيرة تتضح لعيني خالته
غيرة من أن يلمس كفّ أخته
رُغم أنه أخيها أيضاً
لمنه لم يعتد رؤيهما سوياً أبداً
فيشعر أن فهد غريب !
: امش يلا للمجلس
ابتسم فهد
: نورتينا خالتي
: الله يسلمك
سار بمحاذاة أخيه لينضما لعلي وتركي ووالد وليد
,
,
الى الملتقى :)