بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الثامن والخمسون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
دخلَ الى الغرفة
رفعت رأسها وعقدت حاجبيها
: تبي شي ؟ ولا جايْ تتمشكّل في ذا اللّيل
اقتربَ واستلقى على السرير
قال ببرود
: عساس ما عندي شغل في حياتي غير انّي اتمشكل معاك
قالت بارتباك
: ليش نمت هنا ؟
نظرَ اليها وقال
: وين المفروض انام ؟ مو ذي غرفتي زي ما هي غرفتك !
صمتت , وهي تنظرُ اليه بريبة
زفرَ ثمّ قال
: اوكي نمت كم يوم هناك لأسباب خاصّة ما تعنيك , وبعدين انتي ليش متضايقة منّي وما تبيني معاك , وش عندك ؟
قالت بملل
: ما عندي شي , وماني متضايقة منّك , نام نوم العافية ان شالله
استلقى وأولاها ظهره وقال بوجوم
: قفّلي اللمبة
أغلقت الاضاءه , واستلقت الى جانبه بخجل
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة مساءً
قفزت بجنون وهي تهزّ رأسها بهستيريا
: ماني داخلة المجلس , لو تذبحوني ما دخلت
زفرت رتيل بضجرٍ كبير وهي تضرب جبينها
ثمّ التفتت اليها وهي تحاولُ ضبطَ نفسها
: ما بياكلك , وعد منّي ما راح ياكلك , الرجّال وش طلب يعني ! هديلوه اعقلي الرجّال ملّك عليك وهو ما يعرف شكلك , خلّيه يشوفك الحين حرام عليك
هزّت رأسها برفضٍ قاطع
امسكت ملاكْ بكفّها وقالت
: هدّول حبيبي وش بيصير ان دخلتي يعني ؟ خلّي وحدة مننا تكون طبيعية ! داليا طلّعت قرون علي في ملكتهم ورتيل انتي اخبر شسوّت بصقر...
قاطعتها رتيل معترضة
: شسوّيت
غمزت ملاك لتصمتها وتابعت
: وانا حياتي كلّها على بعضها دراما ومدري شلون صايرة , خلّك انتي الطبيعية بيننا , ما فيها شي رجّال يبي يشوف خطيبته والله عادي , نعدّلك الحين ونكشخك وتدخلين عند زوجك المستقبلي اللي حلال يشوفك وحلال يجلس معاك , اخوانك بالبيت وامّك موجودة
صمتت لثوانٍ , ثمّ نفضت رأسها برفض
: انسوا الموضوع , مستحيل ادخل عند رجّال غريب بدون عباية وغطوة , لا واجلس معاه بعد ؟!
صرخت بها رتيل
: وش اللي رجّال غريب ؟ يا حمارة زوجك
قالت داليا ببرودٍ مستفز
: كلها كم يوم ويشوفك بـ...
صرخن بها جميعًا , لتقولَ بفزع
: وش فييه !
قالت ملاك بعصبية
: انقلعي انزلي تحت
قالت هديل وهي توشكُ على البكاء
: لو تذبحوني ماني داخلة عنده
دخلت ام علي حينها
: جهزت ؟
حينَ رأتها قالت بغضب
: بعدك ما جهزتي ؟
قالت برجاء
: يمّه طلبتك , انا صغيرونتك آخر العنقود حبيبتك وحيدتك تكفين يمّه والله يصير فيني شي ان دخلت , وش بيفيدك وقتها , وش يفيدونك ذولا كلهم
زفرت ام علي بقلّة صبر , نظرت الى رتيل
: لبسيها لا اكوفنها وانزّلها الحين
قالت رتيل
: اعصابك يمّه !
خرجت وتركتها
مرّت ثوانٍ
لتنهضَ رتيل وتقول بحزم
: بتجهزين ولا شلون ؟
قالت بنبرةٍ مهتزّة
: اوكي
زفرن براحة , وبدأن بتجهيزها
,
السادسة مساءً
ألقت نظرتً أخيرة على شكلها
قالت بحسرة
: ليت في حفلة اليوم , حسافة ترتّبت حق عشر دقايق
نظرت الى فستانها الناعمِ بلونِ البنفسج , يغطّي ساقيها عدى أعلى الكاحل بثلاثِ أصابع , بكسراتٍ ناعمة ونفشةٍ صغيرة
بأكمامٍ من الدانتيل , طويلة وضيقة
وشعرها المرفوعُ وخصلٍ رفيعة على جانبي وجهها
شفتيها بلونِ الزهرِ المخملي
ابتسمت لمنظرها
قالت
: والله ما كأنّي هديل
قالت داليا بزفرةٍ مرهقة
: يعني يعطينا العافية والله طلعنا من حيوانة مثلك انسانة ناعمة وجميلة
انفجرت ملاك ضحكًا وهي تحركُ ذراعيها لتجدّد نشاطهما
قالت هديل
: جد تعبتوا ؟
استغفرت رتيل ونهضت
: جعلني ما اشوف حياك يا ملاك , اكتفيت من العاهات اللي فاهمين الحيا غلط
صرختا هديل وداليا باعتراض
: شقصدك
ضحكت بسخرية , وخرجت وهي تقول
: يلا انزلوا
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة مساءً
غسلَ يديه وعادَ الى المجلس
جلسَ وقال بابتسامة
: اكرمك الله عمّتي
قالت بمحبّة
: جعله هني وعافية
التفتَ اليها , احنى رأسه ناحيتها وكأنه سيتحدّثُ اليها
لكنّه قبّل وجنتها قبلةً ناعمة
ثمّ همس
: اشتقت لك
نظرت اليه بصمت
لكنّ عيناها لم تكُن بلا روح !
كانت عيناها تحاولُ الابتسام
ابتسم واسترخى في جلسته
بعدَ قليلٍ خرجت من المجلس مع والدتها
ليقولَ خالد بقلق
: وضعها مو مطمّني
قال بهدوء
: ودّيتها للمستشفى وعرضتها على أخصائيين أعصاب , قالوا سليمة عضويًّا , كلّها فترة بسيطة ترتاح نفسيتها وبتكون بخير ان شالله
قال بندر بضيق
: الله العالم وش الضغط النفسي اللي تعرّضت له ووصلت لهالحالة
قال فيصل بنصفِ نظرة
: بنيدر
اعتدلَ سعود بجلسته , وقال باهتمام
: ودّي اسمع منّك فنون التعامل مع زوجة هربت من زوجها اذا ما تمانع , ناخذها للأسواق ؟ نودّيها منتجعات عشان تسترخي وترتاح ؟ ولا نغرّقها هدايا ؟
قال خالد بابتسامةٍ هادئة
: أعصابك يا النسيب
أبعدَ نظره عن بندر بعصبيّة
مرّت ثوانٍ , ليقول فيصل
: بس ابيك تعرف انّ اللي صار للين مو شوي , وتصرّفها ماهو من فراغ
قال بزفرةٍ مرهقة
: لا تحسبني مرتاح يا فيصل وانا اشوفها تعبانة وما ادري ليش , هي شرحت لي بس ما فهمتها ولا سمعتها من زعلي , ابي اعرف وش ذا الرعب اللي فيها , ليش ذي القرارات اللي تتّخذها وتصرْ عليها رغم انّها تعذّبها
تبادلوا النظرات
ونهض بندر وأغلقَ الباب
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة مساءً
فتحَ باب المنزل وهو يقول
: ماحنا مطوّلين , عندي سالفة مع جدّتي ونمشي
: اوكي
دخلا الى المنزل , والى غرفةِ الجدّة
سلّمَ عليها سلطان , وابتعد لتسلّمَ عليها لمى
التي قالت بلطف
: شلونك خالتي ؟
قالت الجدّة بشيءٍ من الضيقِ رآه سلطان
: بخير يمّه
قال سلطان بحدّة
: ما علموك تتكلّمين مع الناس الكبار ؟
التفتت اليه بصدمة
قالت جدّته
: ولد !
قال
: الحرمة الكبيرة جدّة زوجك اللي يناديها يمّه اقل شي تنادينها جدّة اذا ما تبين تنادينها يمّه , ماهو خالتي
قالت جدّته بغضب
: من شكالك الحال انت ؟ اجلس لا بارك الله في عدّوينك , ما عليك منّه يمّه ماهو صاحي
قالت اروى بانزعاج
: يمّه وش ماهو صاحي ! وانتي امشي للمجلس لينا بنت عمّي هناك اجلسي معاها
التفتت الى اروى بصدمةٍ أخرى
من تظنُّ نفسها لتتحدّثَ معها بتعالٍ !
مُنذُ رأتها أوّل مرّة تتحدّث معها بتلكَ الطريقة
الخالية من التهذيب !
تجاهلتها لأنّها في همِّ سلطان الآن
بحزنٍ شديد خرجت من غرفةِ الجدّة الى المجلس
أومأت برأسها لتحيي لينا , وجلست
مرّت دقائق لتقول لينا بهدوء
: لا تتضايقين , الكلْ يعرف سلطان عدل , كموقف لأوّل مرّة قدّام اهله وفي بداية حياتكم صعب , بس حاولي ما تضايقين نفسك
نظرت اليها بصمتٍ لثوانٍ
ثمّ قالت بنبرةٍ تؤلمها
: ما يهمني يعرفونه او لا , ما يحق لأحدْ يكلمني بهالطريقة سواء بيني وبينه او قدّام احد
حينها دخلت اروى , قالت دونَ ان تنظرَ الى لمى
: لا تسوينها سالفة , ما قال لك شي بسم الله عليك على طول سويتيها زعلة وجيتي تتشكّين
قالت لمى بحزم
: اروى الزمي حدّك رجاءً , ماني مجبرة عليك ولا مجبرة اتحمّلك
قالت اروى بحدّة
: عفوًا ؟
نهضت لمى وقالت
: تكلّمي معاي بأدب مثل ما احترمك وأعاملك بأدب , اتركي الاسلوب السوقي ذا احنا بينا قرابة , الزمي حدّك رجاءً
عقدت أروى حاجبيها واقتربت خطوة وهي تقول بنبرةٍ مبطّنةٍ بالتهديد
: انتي واعية شلون تكلميني في بيتي ؟
قالت لمى بجديّة
: اللي هو يعتبر بيتي , بما انّه بيت اهل زوجي , ولّا ما تعرفين هالامور ؟
دخلت الجدّة بفزع , وجاء صوتُ سلطان غاضبًا من الخارج
: وش صاير ؟
قالت اروى باستصغار
: سلامتك , شويّة هذرة فاضية وسكّتناها
سلطان ولمى , في آنٍ واحد وبنبرةٍ حادّةٍ قالا
: اروى
شعرت اروى بقلبها يهوي
هل نهرها سلطان من اجلِ امرأةٍ لم يعرفها الّا في أيّامه الأخيرة !
هل صرخ بها أمامهم !
ازدردت ريقها , وبلعت معه أدمعها
التفتت لتخرج من الغرفة
نظرت اليها جدّتها بأسف
هربت من نظرةِ جدّتها , وتجاوزت سلطان لتصعدَ الى غرفتها
قالت لمى بضيق
: برجع للبيت
قال سلطان بهدوء
: دقايق اخلص شغلي مع جدّتي ونرجع , تعالي يمه
قالت الجدّة بحنو
: حبيبتي لا تتضايقين اروى قلبها قطن والله بس يمكنها متضايقة من شي
لم تجبها لمى لأنّها حقًّا في مزاجٍ معكّر
خرجت الجدّةُ من الغرفة
لتجلسَ لمى وتزفر بأعصابٍ متلفة
مدّت لها لينا كوبَ الماء
وجلست قريبةً منها
قالت بعدَ صمتٍ لدقائق
: لمى اذا بتعمرين بيتك لا تعادين اروى
التفتت اليها بذهول
: الحين انا معاديتها ؟ ليش اعاديها اصلًا !
هزّت لينا رأسها نفيًا وقالت
: اروى ما في اطيب منها , صحيح جادّة وحازمة ومنطوية على نفسها , بس قلبها طيّب وحنونة لأبعد حد , واهم ثلاثة بحياتها سلطان وجدتي وعمّي , هي متضايقة منّك صح ولأسباب تخصها , بس لا تحطّين تصرفاتها بعين الاعتبار , تجاهلي تصرفاتها , لأّنّك ان دخلتي بمشاكل مع اروى انتي اوّل من يخسر , سلطان توّه ما صار له حتّى شهر معاك , وما في شي بالدنيا عنده فوق جدتي واروى وعمّي , واخوي مالك , لمصلحتك حاولي تكسبين اروى او تتجنبين اي مشكلة معاها
صمتتا لوقتٍ قصير
ثمّ قالت لينا ببحّة
: اكسبي ثقة سلطان وحبّه , لأنّ ما بحياته الّا حرمتين يبيع الدنيا ويشتريهم , جدّتي واروى , يعني ما تفرقين معاه اذا ما وصلتي لمستواهم عنده , سوّي المستحيل عشان تصيرين ثالثتهم
قالت لمى بتساؤل
: امّه متوفية ؟ وخوات ما عنده غير اروى ؟
التفتت اليها لينا وعينيها فُتحت بفزع
تلفّتت بخوفٍ من ان يكون أحدٌ سمع لمى
ثمّ قالت بتحذيرٍ شديد اللهجة
: انتبهي , انتبهي لسلامتك يا لمى , انتبهي تجيبين لسلطان كلمة ام , انتبهي
قالت باستغراب
: ليه !!
قالت لينا بحدّة
: قلت لك انتبهي وبس
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة وثلاثون دقيقة مساءً
قالت ببلاهة
: عيدي
تأفّفت بحدّة , اقتربت منها وقالت بجديّة
: والله بصفق راسك بذي الصينية
مدّت شفتيها كطفلٍ سيبكي
ثمّ قالت
: محد يحبني
صاحت بها
: وش يبي لها يعني من ساعة اعلم فيك
قالت ملاك
: رتيل هدّي شوي وش صاير لك ! لك كم يوم اعصابك مولعة
التفتت اليها بحدّة
: ما فيني شي
قالت باستغراب
: اوكي ! خلاص روقي , هديل تعرف وش تسوّي بس من التوتّر مخها انلحس
جلست بزفرة
لتقول هديل
: ملاك عيدي انتي
قالت داليا
: انا اعلمك
صرخت بها
: شكرًا , الّا انتي , شفناك مع علي ما شالله
قالت باعتراض
: اصلًا نجنن انا وعلي كنا رومنسيين مرّة
كانَ علي مارًا من المطبخ
قالَ بصوتٍ عالٍ
: حيل كنّا رومنسيين , مقطعين الرومنسية يا روحي
فهموا من نبرته انّه يذكرها بذلك الموقف
انفجروا ضحكًا , عداها
غطّت وجهها بخجل
ابتسمَ علي وقال
: اسكتوا بفتح الباب للرجّال , هديل خلّك جاهزة
فتحت عينيها بصدمة
وقبل ان تصرخ وضعت ملاك يدها على فمها وهمست
: قال بيدخل الرجّال اص
ازدردت ريقها وهزّت رأسها
حينَ سمعن دخوله الى المجلس
ابتعدت عنها ملاك
حملت الصينية وقالت
: شوفي , بتدخلين انتي اصلًا مستحية فدخولك بيكون هادي , سلمي وقربي منّه ومدّي الصينية كذا , بياخذ كوب , اجلسي مقابلة له او على جنب من جهته وحطّي الصينية قدّامك , بيسألك عن احوالك ويسولف معك كم دقيقة , وتقومين تاخذين كوبه اذا فاضي تحطّيه بالصينية وتطلعين , وبس !
قبل ان تفتحَ هديل فمها
قالت رتيل من بين أسنانها
: ان قلتي عيدي فرمتك هنا
هزّت رأسها نفيًا بصمت
ملأت ملاك كوبين بالعصير ووضعتهما في صينيّةٍ أنيقة
مرّت دقائق ليطرق علي بابَ المطبخ
فتحت عينيها بصدمة
قالت بفزع
: ما ابي اروح , الله يخليكم ما اروح
فتحت رتيل الباب
قال بخفوت
: انا بجلس عند امّي هنا , خلها تروح
زفرت وقالت
: اوكي
التفتت رتيل واقتربت منها
رتّبت شعرها وهي تتجاهل رجاءاتها تمامًا
انتهت من ترتيبها , وقرّبت اليها الصينية
: يلا روحي الرجّال قاعد بروحه
: رتيل !
التفتت اليها رتيل وهي ستنفجرُ من شدّة الغضب
: هديل دام النفس عليك طيبة , اقسم بالله واصلة لحالة ما تتخيّلينها يعني باقي لي تكّة وافجر فيك , سامعتني ؟ , خلّك عاقلة احسن لك
اقتربت ملاك منها وقبّلت وجنتها بنعومة
: يلا حبيبي خطيبك يستنى , يختي خذي الموضوع من جانب رومنسي ولطيف
نهضت عنوة , حملت ملاك الصينية عنها وسارت أمامها
قبل ان تدخل الى الممر أعطتها لها وقالت
: الباب مفتوح , يلا قود لاك
قالت بهمس
: هو ما يعرف شكلي , ادخلي بدالي
كادت ملاك تصفعها بما في يدها
لكنّها زفرت وقالت
: خذي وادخلي للرجّال , متّى يعدّي ذا اليوم بسس
حمحمت بخفوت وقالت
: شكلي حلو
: تهبلين , اخلصي
أخذتها , لتبتعد ملاك
لكنّها نادتها بهمس
: ملاك
التفتت اليها بصبر
قالت برجاء
: ما ابي ادخل
تجاهلتها ملاك وذهبت
كادت تبكي , رفعت عينيها الى الأعلى وتنفّست بعمق
ثم سارت بخطىً صغيرة الى المجلس
سمعَ خطواتها , تذكّر كلماتِ صقر
" : ترا مطفوقة شوي البنت , انت راعي ذي النقطة , لأن ممكن تطلع من بيتهم باصابة او جرح او فلعة , يعني حاول تحترم نفسك لين تتعوّد عليك ويروح حياها , ذيك الساعة تخلّيها تحت سيطرتك "
اخفى ضحكته , لأنّها دخلت
سمعَ صوتها خافتًا , وخجلًا
: مسا الخير
ابتسمَ دونَ ان يرفع رأسه , وأجاب
: مسا النور
اقتربت منه بهدوء , ومدّت اليه الصينية
قالت بنبرةٍ فيها شيءٌ من الاهتزاز
: تفضّل
أخذ الكأسَ ووضعه أمامه
وجلست هي في الجهةِ المقابلة له
لم يرُق له بعدها كثيرًا
رفعَ رأسه ببطء لينظرَ اليها
كانت تجلسُ بنعومةٍ بالغة
تضع ساقيها جانبًا وكفّيها مجموعان في حجرها , وعينيها عليهما
ورأسها مرفوعٌ قليلًا
ابتسمَ دونَ ادراك
قالَ بلا شعورٍ منه
: كم عمرك !
رفعت عينيها اليه باستغرابٍ من نبرته , وكأنّه يتحدّثُ الى طفل !
ثمّ انزلتهما فورًا
قالت بخفوت
: ما دخلت اثنين وعشرين لسّا
قال وقد استفزّها دونَ ان يشعر
: وا قلبي ! انتي بنتي كذا !
حمحمت بجديّة , ليحبسَ ضحكته
استرخى في جلسته , وقال بابتسامة
: شلونك ؟
أومأت برأسها
: الحمد لله
: قالوا لي تخرّجتي السنة
هزّت رأسها ايجابًا , ليسألها
: وش كنتي تدرسين ؟
حمحمت , ثمّ قالت
: نحو
ابتسمَ , ثمّ قال
: لك نيّة تشتغلين ؟
حبست ضحكةً مدوية , وقالت
: لا , الشهادة اخليها ليوم العازة , ما اظن راح احتاج شغل الحين
قال بابتسامةٍ جميلة
: ما تحتاجين ان شالله
,
كانتا محشورتانِ عند المدخلِ الممر
قالت داليا بهمس
: ملاك عدّلي المراية خل نشوف ذياب
قالت ملاك بهمس
: مو مبين , شكله بطرف المجلس
: شوفي الكلبة طلعت عيونّا من الصبح , وشوفيها شلون ريلاكس وهادية ونزل عليها العقل فجأة
ضحكت ملاك بخفوت , ثمّ همست
: انا اعرفها زين , اذا طنشناها تتسنّع , بس رتيل الله يهديها متشنجة
قالت داليا بسخرية
: عدااال ياللي ريلاكس ولا توتّرت ولا هاوشت
تجاهلتها ملاك وهي تنظرُ الى هديل من المرآةِ الصغيرة التي وضعتاها في الممر
قالت بحنوْ
: حياتي , شوفيها شلون كيوت وتهبّل
دقّقت داليا , ثمّ شهقت بهمس
: الله يفشّل ابليس , الفستان مرتفع شوي
قالت ملاك بعدم فهم
: شلون مرتفع , هو ماكسي اصلًا
قالت داليا محرجة
: لما شالت بالحلاوة الصبح , شالت مع حدّ الفستان بالضبط
التفتت اليها ملاك بصدمة
شتّت نظرها , لتقول ملاك بعصبيّةٍ هامسة
: ما يحتاج استغرب واسأل من شارْ عليها ذا الشور المعفّن
مدّت شفتيها كطفلة
لتدفعها ملاك وتنهض
: قولي ان شالله الرجّال عينه مو طويلة ويلقط الشعر , عاد من الغباء ما حسبتوا حساب ينرفع الفستان شوي وشلتوا فوق شوي , عالأقل ساقها بس لو شلتوه
عضّت داليا شفتها السفلى وهي تحبسُ ضحكتها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ مساءً
قال سلطان بذهول
: والله الرجّال ذا فريد فعلًا !
قال مالك
: والله كثر ما احترمته قبل احترمته الضعف الحين , يعني لو ما انّه يغلط على ابوه بس
قال سلطان بزفرة
: وابوه حيوان بعد يستاهل , بس ما قلت لي انت من سولف لك
ضحكَ مالك
: سحبت لسان سعد خلّيته يسولف
ابتسمَ سلطان
: سعد وش درّاه
: من جدّك انت ! اي شي يخصْ ابو راجح واهله يعرفونه ذياب وسعد
قال سلطان يؤنّبه
: بس ما كان له داعي تصير كأنّك من حريم الحارات اللي يموتون على السوالف
: والله سلطان اسمحْ لي بس الأكشن اللي شفته ما خلّاني اعرف لا نوم ولا راحة , اقول لك الرجّال شكله محترم وذولا انهدّوا عليه , شوي ولّا البنت طالعة بطرحتها تبكي وتقول خذني , اخوها حضنها وولد خالتها يحلف عليها ما تروح , فلم !
ضحكَ سلطان بسخريةٍ مريرة
: الكل تمرْ عليه افلام بحياته
صمتَ مالك , ثمّ قالَ بهدوء
: اجل اخلّيك انا , تصبح على خير
قال بهدوء
: تلاقي الخير
أغلقَ الهاتف
ونظرَ اليها
قال
: وش تسوّين هناك ؟
لم تجبهُ ولم تتحرّك
نهضَ باستغراب واقترب منها
كانت متلفلةً برداءِ الصلاة , ومتكوّمةٌ على الأريكة
أبعده عن وجهها , ليرى عينيها مغمضتان بسلام
كانت نائمة !
مسح على حاجبيها الدقيقيْن بابهامه
انحنى حتّي قبّل انفها , وعينيها , ووجنتيها
تنفّسَ بعمقٍ وشفتيه قريبةٌ من وجنتها
ثمّ ابتعد
هزّها
: لمى قومي , قومي نامي على السرير
ظلّ يناديها لثوانٍ
حتّى فتحت عينيها وقالت ببحّة
: وش فيه ؟
: قومي للسرير !
قالت بضيقٍ يلحظهُ للمرّةِ الأولى في صوتها
: ما ابي مشكور
عقدَ حاجبيه , وقال
: ليش ان شالله ؟
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت بجديّة
: سلطان ضروري تتعلّم تحترم نفسك معاي , مانت مشتريني ولانت وارثني عشان تتجاوز حدّك , انت واختك , ان ما احترمتوا انفسكم بضطر ادخّل اللي اكبر منّي يوقفكم عند حدكم
قال بحدّة
: وش ذا الكلام ؟ نغمة جديدة ذي
اعتدلت في جلستها ليحتدّ صوتها
: سلطان بيني وبينك اذا فلتت أعصابك ممكن اطوّف وأتصيمخ , بس قدّام ناس توني اعرفهم والمفترض اكون قدامهم بمظهر لائق وراقي دايمًا , تتجاوز وتصرّخ كأنّنا بحراج , معليش ما اسمح لك , واختك ما احترمت نفسها ابد وهي تتكلّم معاي...
اقتربَ منها بقوّة وقالَ بغضب
: لمممى , والله اطلع لسانك من فمّك وأقصه , اعرفي حدّك يا بنت...
صمتَ حينَ احمرّت مقلتيها بشدّة
استغفر بقوّةٍ وابتعد , ليقفَ أمامها
قال بعد ثوانٍ
: قومي للسرير
قالت بنبرةٍ مهتزّة
: ما ابي
التفت اليها وعقدَ حاجبيه بشكْ
: ليش ما تبين تنامين معاي على السرير ؟ وش تبين تسوّين ؟ وبعدين وش ذي الحجج اللي تتزعّلين عليها ؟ ما تتحجّج...
قاطعته بيأس
: اللي عندها شي , ما عندي شي والله
قال بعصبيّة
: اجل تحرّكي قدّامي نامي – نظرَ الى السرير , وقال بتفكيرٍ خافت – وش اسوّي , اربطها في السرير عشان اضمن ما تقوم !
نهضت من مكانها وهي تتمتم
: ما عليه يا لمى , مو صاحي تحمّليه تكسبين اجر
استلقت على السرير وتغطّت , ثمّ قالت بابتسامةٍ مكرهة
: خلاص انا على السرير , تقدر تتفضّل تنام
اقتربَ واستلقى بجانبها
أولته ظهرها لتنام
وظلّ ينظرُ ناحيتها , حتّى غفت عينيه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ واربعةَ عشر دقيقة مساءً
أسندها اليهِ وغسلَ وجهها بالماءِ الفاتر
قال بحنوْ
: خلاص ؟
بتأوّهٍ همهمت بنعم
حملها عن الأرضِ وأخذها الى سريرها
جلس بجانبها ومسحَ على شعرها
قال بحنوْ
: بسم الله عليك
قالت ببحّة
: كرهت نفسي من ذا الوحام
ابتسم
: هانت , انا سألت الطبيبة قالت بعد الرابع يخلّص الوحام عند أغلب الحريم , يعني باقي لك شهر ان شالله
قالت
: كمّل عشاك , سدّيت نفسك
قبّل جبينها
: شبعت الحمد لله , انتي ارتاحي الحين وبعد شوي نادي خديجة تجيب لك عصير وخفايف عشان لا ترجعين
التفتت اليه
: بتطلع الحين !!
: عندي مشوار ما اطول عن وحدة
أراحت رأسها الى كتفه
قالت بخمول
: لا تروح
ابتسم , واستلقى بجانبها
: نأجله
ابتسمت بهدوء وأغمضت عينيها
اعتادت على عبد العزيز نوعًا ما
يطلّ بندر من داخلها كثيرًا
لكنّها تتعامى عنه , يجبُ انّ تحبّ عبد العزيز
شاءت ام أبت
ضمّها اليه
وشرد , كان سيذهبُ الى المقبرة
لأوّلِ مرّةٍ يتراجع عن الذهاب حينَ يقرّر
من اجلها أجّل الذهاب
عادت ذاكرته أعوامًا الى الخلف
تذكّر صوته وضحكته وكلماته
" الرياض – الثالثة مساءً
دخلَ بندر الى غرفةِ المعيشة
عقدَ حاجبيه ومدّ شفتيه كمن يكلّم طفلًا
: شفيك مبوّز وزعلان
زفرَ عبد العزيز الذي كانَ شابًّا اقربُ الى مراهق
قال بضيق
: سيّارتي خربانة , القير ما يشتغل , وما عندي اصلّحها
ابتسمَ بندر
: بس !
مدّ يده الى جيبه وأخرج محفظته
ليقفز عبد العزيز ويهتف
: اقسم بالله ما آخذ منّك ولا فلس
نظرَ اليه بندر بغضب
: ليش تحلف ؟
: اقسم بالله ما آخذ ولا اسمح لك تصلّحها , عنبو بليس عرسك مو باقي له شي ! عبالك تصليح القير بسيط يعني
ارتخت ملامح بندر
قال بزفرةٍ وقلّة صبر
: آه يا عرسي
ضحكَ عب العزيز , وقالَ بشقاوة
: بتخلّيها تكشف عندِي صح
رمقه بنصفِ نظرة
: تخسي الّا انت
صمتَا لثوانٍ
ثمّ قال بندر
: باخذ سيّارتك وتاخذ سيّارتي لين يصير عندك فلوس وتصلحها
قبلَ ان يتحدّث عبد العزيز
قال بندر بحدّة
: والله ان حلفت علي انّي اتوطّى في بطنك , انا اخوك الكبير احترم كلمتي , هات مفتاحك
قال بضيق
: بندر والله ما يصير
رمَى اليهِ مفتاحَ سيّارته وقال
: جب المفتاح اخلص "
أغمضَ عينيه بحسرة
ليتني لم اعطِكَ ايّاه
ليتني أقسمت ولم تمتدّ يدي الى جيبي وتخرجه لك
ليتني أغضبتك بحلفاني , وتكونَ معي اليوم
مرّ يومانِ فقط
ليتعرّضَ لحادثٍ ولم يستطع السيطرةَ على السيّارة
وتوفّيْ !
حينَ هرعوا الى المشفى وصرخوا برجاءٍ ان يكون بخير
قال الطبيب
" : هو في العناية المركّزة الآن , بس قبل ما يفقد الوعي قال شي
سألوه بلهفة عن الشيء
ليقول , ويحرقَ روحَ عبد العزيز
: قال قولوا لعبد العزيز لا تتّهم نفسك بشي لا اتوطّى في بطنك "
انهارَ في ذلكَ اليوم
ماتَ الفَ مرّةٍ حينَ أخبروهم عن وفاته
ضاقت به الأرض
انطبقت السماوات السبعُ على قلبه
تنفّسَ بضيقٍ ونظرَ الى فجر التي غفَت على صدره
أبعدها بخفّة
نهض وخرج من الغرفة
دخل الى الحمّامِ ليغسلَ وجهه بالماءِ البارد
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة صباحًا
قالت تؤنّبه
: اكثر من وثقت فيك انت , امّنتها عندك وما عرفت ترعاها لي ؟
قال بانكسار
: وش اسوّي ! حاس انّي انتهيت , ما عادني عارف اتصرّف والله , علميني
قالت بحنوْ
: بتعرف تتصرّف , انت اللي لقنتني الشهادة , وانت اللي ترجّيتك بآخر انفاسي تهتم فيها , طلبتك صقر قوْ نفسك عشان بنتي
فزّ بشهقة
لهثَ ووضعَ كفّه على قلبه
نهضت بفزع وأضاءت الغرفة
مدّت اليه كوبَ الماء وهي تقول
: بسم الله عليك , اشرب بسم الله عليك
شربه دفعةً واحدة
ثمَ زفرَ زفرةً طويلة
قالت مها بقلق
: شفيك ؟
نهض من السريروقال بهدوء
: كملي نومك ما في شي
خرجَ من الغرفةِ , واتّجه الى الشرفة
أطلّ على شوارعِ الرياض
التي لا تهدأ ولا تسكنُ ابدًا
تنفّسَ بعمق
همسَ قلبه بتعب
" : وش اسوّي يا ايمان ! أمنتيني عليها بآخر أنفاسك , وأمّنت نفسي عليها بأوّل انفاسها بالحياة , بس فشلت ! فشلت يا ايمان , مشتاق لرتيل والله , مشتاق احضنها مشتاق احس فيها , مشتاق انزّل ثقل الثمان سنوات عن ظهري بضحكتها وصوتها وعيونها , بس رتيل ما تجي , ما ترضخ يا ايمان
ابتسمَ بحبٍّ كبير
وقالَ بخفوت
: بنتي ما ترضخ يا ايمان , حتّى لي !
بضعفٍ أخرجَ هاتفه واتّصلَ بها
مرّت دقيقة , ليأتي صوتها من سباتٍ عميق
: ها
ظلّ صامتًا
لتقول وهي لم تصحوْ بعد
: وش ؟
قال بخفوت
: اشتقت لك
قالت بوجع , وهي تظنُّه حلمًا
: وانا اشتقت لك
صمتَ لثوانٍ , وعلم انّها لم تستوعب
قال بحنين
: ما بترجعين ؟
: انت ما رجعت
: رجعت , وانتظرتك , بس زعلك طوّل
قالت بحسرة
: ما رجعت لي نفس ما رحت , رجعت اناني وقاسي , رجعت ما تحبني
قال بنبرةٍ ثملةٍ بالعشق
: يموت اللي ما يحبّك يا رتيل , انا مريض فيك , انا عمري قضى وانا احتريك , انا عيوني ما تعرف من الجمال غيرك , وقلبي ما يدل غيرك , انتي بدايتي ونهايتي يا رتيل , انتي اوّلي وآخري
قالت بضعف
: كذّاب يا صقر , ما عدت اصدقك من رجعت وورى كتفك زوجتك , من تركتني أطيحْ بسببك ولا شلتني ولا خفت علي , من اوّل يوم تركت بيت عمّي ولا لحقتني وأجبرتني ارجع معاك , عرفت انّي انتهيت عندك , وانّك لازم تنتهي عندي
: لو تموتين , والله لو تموتين يا رتيل , لو تموتين ما تركتك ولا طلعت من حياتك , انتي من فتحتي عينك على الدنيا زوجتي , انتي اوّل انفاسك كانت ريحتي انا
صمتت
ليقول بحنوْ
: نامِي يا اهلي كلّهم
استلقى على الأريكة , وأبقى الهاتفَ على اذنه ليستمعَ الى أنفاسها
حتّى غفى !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة وثلاثون دقيقة صباحًا
ضحكَ بعمقٍ لتبتسمَ وهي تعضّ شفتيها
حمحم وصمتَ لثوانٍ , ثمّ قال
: لنا اربع ساعات نسولف , والله ما حسّيت
صمتت
ليقول
: يعني ما توقّعت انّي زين في امور مكالمات الخطبة وكذا !
ضحكت بهمسٍ وصلَ اليه , ليبتسم
سمعَ حينها صوتًا منزعجًا
: هديل الله ياخذك كل ما غفيت فزّزتيني , شتسوين بهاللّيول
شهقت هديل وأبعدت الهاتف لتعنّفها , وسمعها ذياب
: يا كلبة اكلّم ذياب الله يفشلك حسبيّ الله عليك لازم تفشليني يعني من اوّل مكالمة
نهضت ملاك النصف نائمة
: ومسوية مستحية ومقروشتنا طول اليوم ورجّال غريب ولو تذبحوني ما دخلت
قالت هديل بهمسٍ مغتاض وهي تكادُ تبكي
: تشوفين بكرة يا زفت , ان خلّيت شعرة في راسك ما اكون بنت عادل
خرجت ملاك من الغرفة وتركتها
تنفّست باحراج , ثمّ وضعت الهاتف على اذنها
سمعت ضحك ذياب الهامس
ضربت جبينها , وصمتت لثوانٍ
ثمّ حمحمت وقالت
: الو
حمحمَ وقالَ بصوتٍ لا زالت الضحكةُ عالقةً فيه
: هلا
ظلّت صامتة
لينفجرَ ضحكًا , ثمّ قال
: اي وين كنّا
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السادسة مساءً
ارتشفَ من القهوةِ وهو يفكّر بعمق
قالَ الآخرُ بملل
: لك ساعة ونص قاعد وسرحان كذا
التفتَ اليه بانتباه
قال بعدَ ثوانٍ
: افكّر بوليد
عقدَ حاجبيه
: وش تفكر في وليد !
قال بتفكير
: ما يشيل ذا الهم الّا رجّال حقيقي
ابتسمَ وقال
: اي والله رجّال
صمتَ لثوانٍ , ثمّ قال
: عطني رقمه
نظرَ اليه لثوانٍ , ثمّ قال بهدوء
: سلطان وش تفكّر فيه ؟
: هات رقمه ماهو شغلك
مدّ اليه الهاتف وقال
: اظن انّي عرفت
تجاهله سلطان وأخذَ الرقم
ثمّ نهض وقال
: بروح آخذ زوجتي
قال مالك
: سلطان ما لها ساعتين عند اهلها , خلها تستانس
التفتَ اليه بحدّة
: اخليها هناك تستانس وانا احرق بنفسي هنا وما ادري وش تسوّي ومع مين ؟
هزّ مالك رأسه بأسف
: لا حولَ ولا قوّة الّا بالله , الله يهدي سرّك يا اخوي ويعقلك ويكفيك شر نفسك , خفْ على بنت الناس شوي حرام اللي تسوّيه بنفسك وفيها
تجاهله وخرجَ من المنزل
ذهبَ الى منزلِ عائلةِ لمى
واتّصلَ بها
: اطلعي انا عند الباب
قالت بصدمة
: الحين !
صرخَ بها
: وليش مو الحين ؟ وينك انتي وش قاعد تسوّين ؟ تكلّمي
نهضت من جانبِ بناتِ خالاتها
قالت وهي تكتمُ غضبها
: سلطان تعوّذ من ابليس وامشي , البنات متجمعات عشاني
نزلَ من السيّارةِ لا يرى ما أمامه , وتفكيره منصبٌّ انّه سيرى ما لا يسرّه
او يرى ما كانَ يبحثُ عنه مذ تزوّجها !
طرق الباب بقوّة
ليفتحه الحارس بصدمة
: عمْ سلطان...
تركه وانطلق الى الباب الداخلي يطرقه
فتحته الخادمة , ليدفعها جانبًا وهو ينادي
: لمى , لمى
خرجت ام لمى من الغرفةِ الجانبية بصدمة
: سلطان وش صاير ؟ احد فيه شي !!!
التفتَ اليها بغضب
: وين لمى
نزلت لمى من الأعلى
بخيبةٍ كبيرة جلست على الدرج وقالت
: انا هنا
التفتَ اليها
تنفّسَ بقوّة , وارتخى كتفيهِ حينها
قالت ام لمى
: وش فيك يمّه ؟
هزّ رأسه متلعثمًا
: لا , بس مستعجل وباخذ لمى
: الله يهديك فجعتنا على بالنا صار شي بأحد , خلْ لمى بنات خالاتها متجمعين عشانها , تتعشّى معاهم ولو ما تقدر تجي تاخذها السوّاق يردها
قالت لمى بهدوء
: مو مشكلة يمّه برجع
قال بنبرةٍ فيها شيءٌ من الخجل
: بستناك بالسيّارة
نهضت وقالت بنبرةٍ مبطّنة
: لا بس البس عبايتي , نطلع سوى أحسن , أأمن
زمّ شفتيه ونظرَ اليها بنظرةٍ لم تفسّرها
تركته وصعدت الى الأعلى
وخرجَ هو ليقفَ أمام الباب
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة مساءً
بعثرت الحقيبة عدّة مرّات
ثمّ قالت
: مكياجي صاير قديم
قالت فجر بحماس
: بنزل اجيب شنطة مكياجي والعب بوجهك
التفتت اليها وكأنّها تذكّرت شيئًا
: اي والله انتي جنيّة بالميك اب , قومي قومي جيبيها
نهضت وخرجت من الشقّة
قبل ان تنزلَ الدرج رأت عبد العزيز في الأسفل , لتبتسم
ابتسمَ هو الآخر وقال
: توّك طلعتي , كنت بطلع لكم
هزّت رأسها وهي تنزلُ الدرج
: اي برجع , بس بجيب....
صرخت حينَ تعثّرت بالدّرج وسقطت
بجنونٍ شهقَ عبد العزيز وأسرع اليها ليتلقّفها
كانت قدْ سقطت
رفعها وهزّها بارتجاف
: فجر
شهقت شهقاتٍ متتالية , باختناق وعينيها تتقلّبانِ بلا هدىً
خرجتا ام بندر وتهاني بفزع
صرخ
: كلميني فجر
ظلّت تشهقُ باختناق
لتصرخَ والدته
: تهاني جيبي عباتي وعباية لفجر , وانت قوم قوم ناخذها للمستشفى
في دقائق لفّتها ام بندر بالعباءة وحملها عبد العزيز الى السيّارة
أسرعَ وهو يلتفت اليها بخوف
: يمّه وش فيها ؟
تنفّست والدته بارتباك
: ما ادري
وصلوا الى المشفى , وحملوها على السريرِ الى الطوارئ
وضعَ كفّيه على رأسه وسارَ بضياعٍ أمام الباب
اقتربت والدته ومسحت على كتفه
: بسيطة ان شالله حبيبي , بسيطة كلّها طيحة درج ما عليها شي ان شالله , بس هي صار فيها كذا من الحمل
مرّ وقتٌ لتخرجَ الطبيبة وتقترب منه
: زوجها صح ؟
قال بلهفة
: وش صار عليها ؟
قالت بأسف
: فقدنا الجنين مع الأسف , طيحتها أثّرت عليه كثير , نحتاج ندخلها للتنظيف الحين
ظلّ واقفًا بصدمة
قالت ام بندر باكية
: لا حولَ ولا قوّةَ الّا بالله
قالت الطبيبة
: الله يعوضكم خير , تفضّل وقّع عشان ندخلها للتنظيف , بعدها تقدر تشوفها
قال ببحة
: هي كويسة ؟
: ان شالله كويسة , بعد التنظيف بنعمل لها كشف , وخصوصًا لرحمها , ونتأكّد
سارَ معها ليوقّع , ثمّ عادَ الى والدته
جلسَ بجانبها وعينيه محمرّتين
أراحت والدته رأسها الى كتفه بحزن
: الحمد لله على كل حال , الله يعوضك يمّه
لم يجبها
بعد دقائق قال
: قومي ارجعك للبيت , وآخذ ملابس لفجر وعباية وارجع
: خلني عندها
هزّ رأسه نفيًا
: ما يحتاج يمّه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة مساءً
أجابت هاتفها بخفوت
: هلا
ابتسمَ من صوتها , وقال
: تعالي للباب
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت بحذر
: اي باب ؟
قال ببساطة
: باب البيت
قالت بصدمة
: ليش ؟
: يلا تعالي
أغلقَ الهاتف
نظرت الى هاتفها لثوانٍ
ثم ذهبت الى البابِ لتفتحه
تلفّتت , ليطلّ عليها بوجهه
قال بخفوت
: سلام
فزّت والتفتت اليه
ازدردت ريقها وقالت
: هلا
لعنت نفسها الفًا لأنّها لم تبدّل بيجامةَ النوم , ولم ترتّب شعرها
لكنّه احبّ بساطةَ مظهرها !
انحنى بحذر , وقبّل وجنتها بخفّة
شهقت وابتعدت عنه
ليضحكَ رغمًا عنه , ثمّ قال
: تأخّرت شوي , بس دخلت بزحمة , تفضّلي
مدّ لها الكيس
لتفتحَ عينيها بدهشة
قالت بلا تصديق
: جبت لي ماك !
هزّ رأسه ايجابًا بابتسامة
ثم همسَ بشقاوة
: يعني يوم سولفت معاك امس من غير ما تدرين قلتي لي عن كثير اشياء تحبّينها , وما كان صعب اكتشف انّك تحبّين الأكل !
احمرّت وجنتيها وفركت جبينها
ابتسم ووضعه في يدها
: بالعافية , تبين شي ؟
هزّت رأسها وقالت بخفوت
: سلامتك
لوّح بيدهِ وابتعد
لتدخل الى المنزل
نظرَت الى الكيس لثوانٍ
ثم ابتسمت وضمّته لها
قالت بتأثّرٍ لطيف
: ياا يجنّن والله !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ مساءً
كانَ رأسه مرتاحًا على الكرسي , وعينيه مغمضة بخمول
حينَ سمعه أنينها
فتحَ عينيه بسرعة وفزّ اليها
سمعَ صوتها مبحوحًا , ولا زالت تحت تأثير المخدّر
نادت بضعف
: يمه
امسك بيدها وقبّلها بحنوْ
: فجر , حبيبي الحمد لله على السلامة
نادت مجدّدًا
: يمه
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت بنبرةٍ باكية
: بندر
فتحَ عينيه بصدمة
افلتَ كفّها من كفّه
قالت بضعف
: يمه , بندر
ازدرد ريقه , نظرَ اليها لثوانٍ وروحه تبكي
امسكَ بكفّها مجدّدًا
وقال بخيبةٍ كبيرة
: يا روحه , ارتاحي , بنادي الممرضة
خرجَ من الغرفة ليصادف الطبيبة
قالت
: دوّرت عليك لمّا نقلناها للغرفة
قال بهدوءٍ حزين
: ايه , كنت بالبيت ولمّا جيت دخلت عندها على طول , بالمناسبة تراها قامت
: اوه , بدخل اتطمّن عليها
قال
: لحظة دكتورة , بس علميني هي بخير ؟
هزّت رأسها
: الحمد لله رحمها سليم , بس عندها رضّة في ذراعها الأيسر
قال بخفوت
: الحمد لله , تفضّلي دكتورة
سارت من جانبه وتركته
في الأصلِ يا طبيبة , انا من يحتاج الى علاج
انا من يحتاج لأن يستأصلها منه
انا من يحتاج لأن يُعالجَ قلبه !
شعرَ بحزنٍ وخيبة
ليتها بقيت كما كانت
ليتها بقيت بلسانٍ طويل وخلقٍ سيّء , واسمُ شقيقه لا يقعُ من لسانها
لم يكن ليتوجّع كما الآن
جلسَ على مقعدٍ وتركَ بصره ليضيع في الممرّ بلا هدىً
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
خرجت بعد دقائق وسارا الى السيّارةِ معًا
ركبا وذهبا الى المنزل
انتظرَ ان تتحدّثَ طوال الطريق
لمى , الفتاةُ الثرثارة التي لا تسكتُ عن حقّها ابدًا
ظلّت صامتة
دخلا الى المنزل
خلعت عباءتها ووضعتها جانبًا
وهو ينظرُ اليها
نظرت اليه , ابتسمت وقالت بهدوء
: امّك وين ؟
,
,
الى الملتقى :)