بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الخامس والخمسون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة مساءً
استلقت على سريرها بتعب
وجلست اختها أمامها
ابتسمت ومسحت على بطنها
: يا الله متى يجي بس
قالت بوجوم
: الله لا يجيبها
اختفت ابتسامتها , قالت بصدمة
: ليه !
رفعت كتفيها دونَ مبالاة
: ما ابيه , الله ياخذه وياخذ ابوه
شهقت بصدمة , اسرعت لتغلقَ الباب , وعادت اليها
قالت بجنون
: وش تقولين انتي ؟
نظرت اليها ببرود
: وش فيك ! غريبة عليك انّي ما ابيه واكره ابوه ؟
ضربت خدّها بخفّةٍ وقالت
: يا ويل ويلك يا سحر , هالكلام تقولينه لعبد العزيز ؟
عقدت حاجبيها باستغراب
: وش رايك انتي ؟ انا ما خبّي في قلبي شي وابيّن شي ثاني , اكرهه وهو اكثر واحد يعرف شكثر اكرهه , وانّي ابي بندر...
قطاعتها بشهقةٍ قويّة , ثم قالت ببطء
: وتقولين له ابي بندر ؟
صمتت لثوانٍ , ثم قالت بهدوء
: ايه
لم تشعر بكفّها الذي ارتفعَ وهوى على خدِّ شقيقتها ناصعِ البياض
التي فتحت عينيها على اتّساعهما بذهول
قالت بلا تصديق
: سحر وش فيك ! ليه ضربتيني ؟
قالت بغضب
: انتي بنت شوارع ؟ بنت ليل ؟ تقولين لزوجك تبين اخوه بكل وقاحة ووساعة جبهة
قالت بدفاع
: هو يدري....
قاطعتها وهي تضع كفّها على فمها بغضب
: اص ولا كلمة , لك عين تتجادلين بعد ؟ لك وجه تتكلمين , يا ويلك من الله يا فجر كانك صدق تقولين للرجّال هالكلام , تحرقين قلب عزيز وانتي تطرين اخوه ؟ شلون عطاك قلبك يا جعل قلبك باللي ماني قايلة , هذا رجّال عنده كرامة , رجولته وكرامته الزم ما عليه , مثل ما شرفك وقلبك الزم ما عليك , لو انّه يكرهك لو انّه ما يشوفك اصلًا , لو انّه ماخذ عليك ثلاث ولا يعرف غير اسمك , يحترق ويموت لو طريتي غيره او طالعتي غيره , ماهو عزيز اللي مدلعك ومهتم فيك وطفله في بطنك , انتي عميا ولا تتعيمين عنّه ؟ ما تشوفين عيونه شلون منتبهتلك , ما تشوفين شلون نبرته تتغيّر لما يكلمك , ما ادري يحبّك ولا لأ , بس يهتم لك , يداريك , رغم بجاحتك يداريك , والله والله والله يا فجر لو انّه غير عزيز , مداه دفنك من اوّل مرّة تطرين اخوه , عنبو ابليسك منوين لك ذي الجرأة والعوابة وتقولين في وجهه انّك تحبّين اخوه وتبينه , خافي الله يا فجر , ان ما كان لنفسك وسمعتك واخلاقك , ان ما كان احترام لزوجك ابو طفلك الطيّب المحترم اللي شاري خاطرك , حطّي الله بين عيونك , حرام يا فجر تفكرين بأي رجّال وانتي على ذمّة رجّال مو مقصّر معاك بشي , حرام يا اختي يا روحي انتي , اخاف عليك من غضب الله اذا استمرّيتي بذنبك اللي تجاهرين فيه , كل امّتي معافى الّا المجاهرون يا فجر , تحبّين بندر ادري , ادفني حبّه معاه , تناسيه لين تنسينه مع الوقت , لا تعطين لنفسك فرصة تخونين زوجك ولا بالتفكير
ظلّت تنظرُ اليها بصمت
بكت سحر رغمًا عنها , قالت بحرقة
: حرقتي قلبي والله وانتي مستبسطة الموضوع لهالحد
ازدردت ريقها
قالت برجفة , وكأنّها للتوِّ تدركُ ما قالته اختها
: ماني مستبسطة , بس...
صمتت , ولم تجد ما تبرّر به
نهضت سحر وتركتها في الغرفةِ بمفردها
غطّت وجهها بكفّيها وبكت بتعب
لم تمرّ بهذا الضعف , منذ وفاة بندر
قلبها العاشق لبندر , يظلُّ ينهار من اجله دومًا
الآن مجبرٌ ان يتجاهله
كم تتألّم لأنّها يجب ان تتوقّف عن حبِّ بندر
لأنّها يجب ان تنهي تفكيرها بحبيبها , زوجها السابق !
يجب ان تتقبّل عبد العزيز ولو كرهته , يجبُ ان لا تغضبَ الله فيه
آهٍ يا بندر
كيفَ تجعلني اتمنّى الموت , لأرقدَ بجانبك
لأتخلّص من وحشة الحياة , لأنفض ثقلها عنّي
لأغمضَ عيناي بسلام , باطمئنان لأنّي معك !
تأوّهت وهي تدفن وجهها في وسادتها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية مساءً
دخل الى الغرفة , قالَ دونَ ان ينظرَ اليها
: لمّي اغراضك , بنروح البيت
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت بتردّد
: فيك شي ؟
قال بوجوم
: وش بيكون فيني يعني ؟
ازدردت ريقها , ثمّ قالت
: يعني كأنّك متضايق او شي
تأفّف , وقال
: ما فيني شي , لا تبطين
تركها وخرج من الغرفة
نظرت الى الباب لثوانٍ
ثم عضّت اصبعيها الوسطى والسبّابة بغيض
نهضت من مكانها وهي تتمتم بغيض
: غبي , وش فيه ذا كأنّه مغصوب , عمى
جمعت اشياءها بعصبيّة
امسكت بمعدتها وجلست وزفرت
استغفرت بهمس وشربت ماءً
نهضت وارتدت عباءتها وتأكّدت من انّها جمعت كلّ شيء
خرجت من الغرفة
قالت بخفوت
: خلّصت
نهض من مكانه دونَ ان يلتفت اليها
: يلا مشينا
وخرج من الغرفة
رمشت بذهول
: قسم بالله مو صاحي , شلون بنزّلها ذي شثقلها !
بالكاد سحبت الحقيبة وخرجت
كان يقف بجانبِ المصعد
قال بضجر
: ساعة عشان تجين
نظرت اليه بصدمة , ولم تجد ما تقوله
دخل الى المصعد , ودخلت خلفه
لم تنظر اليهِ ابدًا
ظلّت تنظرُ الى حقيبتها , تزدرد ريقها وتشدُّ على اسنانها حتّى لا تبكي
خرجا من المصعد , والى السيّارة
همّ بالصعود , لتقول بنبرةٍ مهتزّة
: ممكن تحط الشنطة ؟
دونَ ان يعلّق فتحَ صندوق السيّارة ووضعها
ركبت بجانبه , وصدّت بنظرها الى الشبّاك
قال
: بمر اسلّم على جدّتي ثم نروح للبيت
لم تجبه
اخرجت هاتفها وعبثت به
فتحت محادثة لين
كتبت
" لين "
" صاحية ؟ "
" ادري مانتي مجاوبة يا النفسية "
" وحشتيني والله "
" اليوم فطرت فطيرة لوزين وكوفي "
" تأخّرت بصلاة الفجر راحت عليّ نومة "
" سهرت على مسلسل امس "
" مسلسل تركي يضحك مرّة "
" لمّا صليت الفجر ما قدرت انام "
" الحين نعسانة مرّا "
جاءتها رسالةٌ من لين
" وش صاير "
نظرت الى رسالة لين لثوانٍ , ثمّ كتبت
" طلعنا من الفندق "
" رايحين لبيت جدّته , بعدين نروح بيتنا "
كتبت لين
" لمى , تذكرين لمّا ضعنا في المطر ؟ "
نفثت ضحكةً صغيرة , وكتبت
" اذكر "
كتبت لين
" اذكر لمّا طحتي وانشق بنطلونك من عند ركبتك وانجرحتي جرح صغير , كسرتي خاطري وانتي تحاولين ما تبكين وكل شوي تمسحين عيونك "
" ههههههه ما كنت بحقّر نفسي بعيونكم وتقولون عنّي بزرة "
" اللي يحبّك عمره ما بينتقصك يا لمى , واللي ما تعرفينه لا تسمحين له يشوف حزنك "
صمتت لمى , وفهمت رسالة لين جيّدًا
قال سلطان بحدّة
: وش فيه ذا الجوّال اللي عينك فيه من ساعة
نظرت اليه بصمتٍ لثوانٍ , ثمّ قالت بنبرةٍ قويّة
: عفوًا ؟
قال ببطء
: قلت وش في الجوال وعينك فيه من ساعة
تنفّست بعمق , ثمّ قالت
: نفس اللي بجوالك اللي عينك فيه من يومين
دُهشَ من ردّها , صمتَ وهو يمنعُ نفسه من سحبه منها
اشاحت ببصرها عنه , وحرّكت شفتيها دونَ صوت
: غبي
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة صباحًا
وضعَ هاتفه ومحفظته في جيبه
وحملَ مفتاحه , ثمّ التفت اليها
: متى تروحين لأهلك ؟
: بعد شوي ان شالله , بس انت أكّد لي اذا بتبات ولا ترد
هزّ رأسه ايجابًا
: ان شالله
اقترب وقبّل جبينها , ثمّ خرج
ركب سيّارته , واتّصل وهو يشغلها
مرّت ثوانٍ , ليأتيه صوتُ شقيقه
: ها وينك
: توني طالع من البيت , وينكم ؟
: حنّا طالعين لبيت عمّي الحين , انت اطلع لهناك على طول
: ماشي
اغلقَ هاتفه , وغيّر طريقه الى منزلِ عمّه
خلال عشرِ دقائق أوقفَ سيّارته امامَ بابهم
نزلَ من السيارة وخلع نظّارته
اقترب من تركي الذي كان يقف أمام سيارته يتفقّدها
قال صقر
: فيها شي ؟
: لا ان شالله , بس قلت اشوفها , سامع فيها صوت امس
قال صقر
: بس سمعت صوت ولا وقّفت عليك ؟
هزّ رأسه
: كنت على طريق سريع وطلع صوت وراح
قال صقر
: ما فيها شي ان شالله – نظرَ الى ساعته – وينهم ذولا بطوا
قبلَ ان يتكلّم تركي وصلت سيّارةُ علي
نزلَ وسّلمَ عليهما
قال صقر مبتسمًا
: خل اشوف عبد الله اذا بيطول تدخل داليا لا تموت من الحر
اتّصلَ به ولم يجبه
وفي ثوانٍ وصلَت سيّارته
حينها دخل تركي الى المنزل ونادى والدته واختيه
قال عبد الله
: صقر امشْ معانا , وشو له طالع لحالك بسيّارتك
: لا اريح لي اطلع بروحي
: براحتك
ركبوا سيّاراتهم , وساروا يتقدّمهم علي
ثمّ تركي وعبد الله
وخلفهم صقر
في سيّارة تركي
قالت رتيل بضيق
: ما قلتوا انّه جاي معانا
قالت ام علي
: عمّك شارْ علي وعلى عمّتك قال من زمان ما طلعنا واستانسنا يبيلنا طلعة عائلية , تبيني اقول له لا تجيب ولدك بنتي ما تبيه ؟
ضحكت هديل وصمتت رتيل
التفتت اليها امّها
: ما له شغل فيك , هو بيقعد في جهة الرجال , وانتي انبسطي مع اختك وبنت عمّك وتناسي وجوده
قال تركي
: لو يفكّر مجرّد تفكير يضايقك ادفنه لك في الصحرا ونفتك منّه
زفرت واستغفرت , ثمّ قالت
: بسم الله عليه , تركي لا تبالغ رجاءً
ضحك وهو ينظرُ اليها من مرآته
ساروا قرابة ساعةٍ ونصف
حتّى توغّلوا في رمالِ الصحراء
توقّف علي امام المخيّم
وتوقّفوا جميعًا من خلفه
تمالكت داليا نفسها ولم تقفز كما تفعل في كلِّ مرّة
قالت هديل قبل ان تنزل
: تلاقين داليا بتموت الحين ودّها تنزل تنطنط
ضحكت رتيل ونزلت
قالت ام علي
: يا بنات جيبوا الشنط للخيمة
حملتا الحقائب وتبعتاها
رتّبتا الخيمة وافرغتا الحقائب
دخلت حينها ام صقر وداليا
قفزت داليا وهي تهتف
: لبييه يا البر
انفجرتا ضحكًا
قالت بزفرة
: ياخي زهق بسيّارة علي مو قادرة اسولف ولا استهبل ولا اضحك
قالت ام علي بضحكة
: انتي تبالغين , لو فالّتها معاه يستانس والله
جلست ارضًا وفتحت كيسَ رقائق البطاطا
: والله ولدك ثقيل واذا ضحك كذا ضحكة شيوخ ثقيلة ماهو ريلاكس , اخاف امزح ويفشّلني
ضحكن منها , ثمّ قالت هديل
: يلا نطلع احنا
قالت ام علي
: وين بتنقلعين , اصبري نجهّز العدّة ونجهّز اغراض الغدا ثم اطلعوا استانسوا
نادى علي من الخارج
لتقول والدته
: تعال يمّه
دخل وقال
: في كيس – قال باستدراك – اوه خلاص بسيّارتي , يلا تبون شي
قالت رتيل
: انتم تبون شي ؟ عشان نطلع نتمشّى
هزّ رأسه نفيًا
: اذا الدجاج متبّل والسلطة والمقبّلات جاهزين واللحم جاهز اطلعوا ما لنا دخل فيكم
قالت داليا بخفوت
: ما بقّى بخاطره شي
قهقهت هديل وهي تمسكُ بطنها
قرصتها داليا
قال علي بابتسامة
: وش قالت ؟
رجَتها داليا بعينيها
لتبتسمَ هديل
: ما قالت شي
تركهنّ وخرج
تساعدنَ واسرعن في التحضير
ثمّ خرجن يتمشيّن
صاحَ تركي
: لا تبعدون كثير
زفرت هديل
: كل طلعة لازم واحد منهم يقول الجملة ذي
كشفت رتيل وجهها وهي تتنفّسُ بعمق
جلسن على الرمل
استلقت هديل في حجر اختها
وغطّت عينيها بنظارتها
تحدّثنَ لبعضِ الوقت
حتّى سمعن الأذان
رفعت رأسها بنفسٍ يشبه شهقةً ملهوفة
أسرَ سمعها بأذانه
ابتسمت وهي تتذكّر انهيارها مرّةً حينَ سمعت أذانَ عبد الله وهو يقلّده
اغمضت داليا عينيها وابتسمت
حينَ انهى أذانه
قالت داليا
: جعلني فدوة لحسّك
قالت هديل ساخرة
: مالت عليه
فورًا صرخت من يديهما اللّتان ضربتا رأسها
اعتدلت في جلستها وصاحت بهما
: يا كلبات ليش تضربون , عمى والله راسي صار يعوّرني
قالت داليا بعصبيّة
: ترا ساكتتلك من جا صقر وانا اقول بتعقل بتحترم نفسها بتقصّر لسانها , بس ماش , كبيرنا صقر اكبر من اخوانك حتّى وانتي لسانك شطوله عليه
قالت رتيل
: اعصابك داليا , واذا كبيرنا يعني ؟ كبيرنا آمنّا بالله بس لا تنتظرين له حب واحترام على سواياه , ولّا وقفتي مع الحق يومين وبعدها قلبتي ؟! – التفتت الى هديل - وانتي احترمي نفسك ولا تتجاوزين
نهضت وتركتهما
لتتبعها هديل دونَ ان تتحدّث مع داليا
امسكت بيدها وقالت
: آسفة مو قصدي والله
زفرت وقالت
: ادري , بس امسكي لسانك
قالت هديل حنوْ
: كأنّك زودتيها على داليا شوي , في النهاية هو اخوها بعد اكيد ما ترضى عليه
لم تجبها رتيل
دخلتا الى الخيمة
نظرت اليهما ام علي , قالت بتساؤل
: وين داليا اجل !
قبل ان تجيباها دخلت داليا
قالت بهدوء
: هذاني عمّتي , انا بصلي وانام شوي , مصدعة
سألتها والدتها
: فطرتي اليوم ؟
: ايه
اتّجهت الى القبلة وكبّرت
زفرت رتيل وجلست دونَ ان تنظرَ اليها
لامتها هديل بعينيها , وتجاهلتها
فيها ما يكفيها , لا ينقصها داليا وهديل الآن !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة مساءً
بتردّدٍ شديد اتّصلت به
مرّت ثوانٍ
حتّى أجابها باستغراب
: فجر !
حمحمت , ثمّ قالت
: السلام عليكم
قال بقلق
: وعليكم السلام , صاير شي ؟
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت
: تقدر تجي تاخذني ؟
نهض من مكانه فورًا
قال بجديّة
: وش فيك ؟
حبست زفرتها وقالت
: ما فيني شي , بس ماني مرتاحة وانا مغيرة مكاني
صمتَ لثوانٍ , اعتلت شفتيه ابتسامةٌ جميلة , اتّسعت حتّى عضّ شفته السفلى
قال بهدوء
: اجيك الحين ؟
: بعد شوي
هزّ رأسه
: ان شالله , متى ما تبين ترجعين ارسليلي مسج
قالت بخفوت
: طيّب
اغلقت الهاتف , ونزلت دمعتيها فورًا
مسحتهما بقسوةٍ على نفسها
لن تتساهل مع ادمعها , ولا مع حزنها وعاطفتها
سيسيرُ كلُّ شيءٍ في مساره الصحيح
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة مساءً
بملَلٍ شديد زفرت
قالت بضجر
: مالت عليّ , قلّك عروس
خرجت من غرفتها ونزلت الى الأسفل
بحثت عنه في غرفة الجلوس
وفي المجلس , ولم تجده
اطلّت على مرأبِ السيّارات
كانت سيّارته تقفُ هناك
صعدت الى الأعلى باستغراب
قبلَ ان تدخلَ غرفتها , انتبهت الى غرفتين في الممرِّ الآخر
سارت بخفّةٍ الى الأولى
فتحت الباب ببطء
كان مستلقيًا على السرير الذي في طرفِ الغرفة
نظرَ اليها حينَ دخلت
شعرت باحراجٍ شديد
قال بهدوء
: في شي ؟
ازدردت ريقها وفكّرت بشكلٍ سريع
: جوعان ؟
: لا , وان جعت بنزل آكل بدون ما تسأليني
شعرت انّها ستبكي من شدّة الاحراج
تركته وخرجت
زفرَ بحدّة
وهو حقًّا لا يعمُ ماذا يفعل
لا يعلمُ ان كانَ يظلمها
ام انّه يجبُ ان يعاقبها !
فركَ جبينه بقوّة
نهض من مكانه فجأة
ذهبَ الى غرفةِ النومِ الرئيسيّة وفتحَ الباب بقوّة
شهقت وسقطت حقيبتها من يدها
قال بشكْ
: وش تسوين ؟ ليش انفجعتي ؟
صرخت به ولا زالت فزعة
: انت مقتحم الغرفة وتقول ليش انفجعتي
اقتربَ منها
: اللي ما عنده شي ما يخاف
جلست على ركبتها وكفّها على قلبها
تنفّست بعمقٍ لتهدّأ نبضاتها
رفعت رأسها اليهِ بغيضٍ ورمت عليه علبة المسكّن
: كنت باخذ حبّة
اخذ العلبة وتفحّصها
: وش حبوبه ذي ؟ وش تشربين ؟
قالت ساخرة
: مخدّرات
قال بحدّة
: تكلمي عدل لا اعوّق فمّك
نهضت من مكانها واخذت العلبةَ من يده
أخرجت حبّةً وبلعتها دونَ ماء
سحبها منها وقال
: بعرف وش ذي الحبوب اللي تبلبعينها
قالت بذهول
: انت طبيعي ؟ اقرأ مكتوب بنادول
تجاهلها وخرجَ من الغرفة
قالت بغيض
: مختل
التفت اليها بحدّة
: وش قلتي ؟
تراجعت خطوّة
وقالت
: ما قلت شي
تركها وخرجَ
عضّت لسانها وتربّعت على الأرض , واتّكأت بفكّها الى يديها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
جاءتا من خلفها
قبّلتا وجنتيها وجلستا بجانبها
نظرت اليهما بصمت
ابتسمت رتيل
: لا تسوين زعلانة الحين
رفعت كتفيها
: مو زعلانة
قالت هديل ساخرة
: اكيد ما تزعلين , الزعل لرتيل ماهو لك يا ام لسان
نظرت اليها من طرفِ عينها
لتضحك وتعانقها
: خلاص عاد فكّيها , قضيتي اليوم نوم واحنا طالعين بنستانس
سمعن صوتَ عبد الله يبحثُ عنهن
نهضت رتيل وقالت
: عـبـد الله حنّا هنا
اقترب منهن واسدلن هديل ورتيل غطاء وجهيهما
قال باستغراب
: وش مقعدكم هنا , صار ظلام لا يجيكم شي
قالت رتيل
: الحين نرجع
نظرَ اليها وابتسم
: شلونك انتي ؟
: الحمد لله , انت وش اخبارك ؟
هزّ رأسه
: الحمد لله , يلا امشوا
نهضن ومشينَ خلفه
وصلوا الى المخيّم
لتقول هديل
: شوفوا امّي وعمّتي جالسين مع عمّي والشباب
قال عبد الله
: تعالوا انتوا بعد
قالت رتيل بهدوء
: انا بجلس في خيمتنا
قال عبد الله
: بتجين وتقعدين مع خواتك على طرف محّد يقدر يكلمك نص كلمة
سحبتها داليا معها
: يلا يلا امشي , خل نجلس سوَى اصلًا بعد شوي بنرجع
سحبتها هديل
: لا تعترضين
سارت معهنّ بصمت
ليسَ لأنّهنَ اجبرنها
بل لأنّها ترغب , ولكنّها خائفة !
ابتسمَ ابو صقر حينَ اتينَ الفتيات
قال بحنوْ
: وهذولا بناتي جوا , الحين تكتمل راحتي
قالت داليا بدلال
: لهالدرجة مالية عينك وتجمعني بكلمة بناتي وانا وحدة
ضربت هديل رأسها لتتأوّه
قالت هديل بتشفٍّ
: احسن , سبحان الله ربّي جابها وردّيتها لك ولا ما كنت بردها
قال علي
: هديلوه
قال صقر مبتسمًا
: علي ما لك شغل بهديل
امالت شفتيها جانبًا وهمست لرتيل
: عشتو , عايش الدور
ابتسمت رتيل وجلست بجانبِ امّها
وهديل وداليا بجانبها
نظرَ اليها مطوّلًا
حتى لكزه تركي وقال بهمسٍ حاد
: اكسر عينك
قال بهدوء
: زوجتي اذا تلاحظ
: باقي في بيت اهلها ما صارت عندك
ضحك صقر بغبنة
: والله اذا كذا لو انتظر عمري كلّه ما بتصير عندي
ابتسمَ تركي بتشفٍّ منه
قال ابو صقر
: ما عندكم سالفة قصيدة
قالَ صقر بزفرةٍ عميقة
: ما تكفي القصايد يبه
ابتسمت من تحت نقابها والتفتت الى هديل التي همست
: الله يفشلك عيونك انسحبت من الوناسة
عضّت على شفتها لتمنع ضحكتها
قال علي
: اي والله يا عمّي , ما عادت تكفي القصايد
ابتسم تركي وقال
: عيالنا صايرين خرفان ترى
ضحك ابو صقر , ثمّ قال
: عقبال اشوفك خروف
ابتسم وقال
: ما عاذَ الله
صمتوا لبرهة
حتّى دندن صقر
: واتسبدي اللي من الهجران منفطره
واعيني اللي من الاحزان ما جفّت
قال عبد الله ساخرًا
: بسم الله على تسبدك
زفرَ بعمقٍ وقال
: اي والله ياخوك تسبدي تعبانة
تابعَ وهو ينظرُ ناحيتها
: وا روحي اللي من المحبوب منشطره
وا كفّي اللي عن الأبيات ما انكفّت
رفعَ ثلاثتهم أصواتهم معه
: واتسبدي اللي من الهجران منفطره
واعيني اللي من الأحزان ما جفّت
قاطعتهم ام علي
: اعوذ بالله من كدركم , بسم الله على كبودكم وعيونكم وارواحكم
قال صقر
: دوانا عيّا لا يجينا يا عمّة
قال ابو صقر بهدوء
: صقر , قمْ نام يابوك شكلك تعبان
التفت الى والده بابتسامةٍ مهزومة
: تعبان يبه , من سنين تعبان , من فتحت عيني على الجدران البيضا واللبس الأزرق وريحة المعقمات , من خيّروني بين الموت او الموت , من...
قاطعه عبد الله وهو يسحبه معه
: قوم نتمشّى , الجو صار حلو
تنفّسَ بعمقٍ ثم قال
: خلاص اجلس , ما فيني شي
نظرت اليه بوجع
اغرورقت عينيها بدمعٍ مر
كم من البكاءِ الحزينِ في صوته
كم من الحزنِ الأسود في نبرته
كم من الأسى في نظرته المرهقة
التفت اليها وضحك بهدوء
هزّ رأسه وقال بحنوْ
: لا تبكين
قال والده بجديّة
: صقر
ضحك ونهض من مكانه
: خلاص خلاص , قوموا شباب ناخذ لنا فرّة
نهضوا معه , وابتعدوا عن المخيّم
قال ابو صقر
: تعالوا يا بنات
نهضن واقتربن منه
جلسن حوله , يتحدّثنَ اليه
وبالهم جميعًا في كلماتِ صقر , التي لم يفهموا منها شيئًا !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الواحدة وعشرون دقيقة صباحًا
مستلقيةٌ على بطنها على السرير
تعبث بهاتفها بملل
ارسلت لها ابنةُ خالتها عدّة مقاطع وصور
وكتبت
" شوفيهم اذا فضيتي يا عروس "
قالت بسخرية
: قالت عروس
شغّلت المقاطع , وكانت لبناتِ خالاتها في يومِ زفافها
رقصهن وزفّتها وبعض المقطاع حين كانوا في المشغل
تفرّجت باستمتاعٍ وهي تضحك
عادَ الى المنزل بعد ان اطمأنّ بأنّ الحبوب ليست الّا مسكّنًا كما كتب عليها !
صعد الى الأعلى
اقتربَ من غرفتها ببطء ليستمعَ الها
سمعَ ضحكها
عقد حاجبيه وفتح الباب بقوّة
شهقت وطارَ الهاتفُ منها
التفتت الى البابِ بجنون وصاحت
: انت وين كنت عايش ؟ كذا تدخلون على الناس من غير ما تدقّون الباب ولا تستأذنون ولا حتّى تدخل شوي شوي , لازم كذا تتهجّم
اقتربَ منها
: وش تسوين
قالت بعصبيّة
: ارقص
قال بحدّة
: تكلّمي عدل , من كنتي تكلمين
قالت باستغراب
: ما اكلّم احد !
كان صوتُ المقاطع واضحًا
اخذَ هاتفها لتصرخ
: لاا
اشتعلَ غضبًا ونظرَ اليه لتسحبه منه برجفة
: اترك
دفعها بقوّة واخذه منها لينظرَ فيه
كانت هيَ تسيرُ على المنصّة , ونسوةٌ من حولها يرتّبن ثوبها
ازدرد ريقه وابعدَ عينه عن الهاتف
كانت على الأرض متكوّمةً على نفسها
اغلقَ الهاتف وهربَ من الغرفة
انّت بوجع
ولم تستطع النهوض
خرجَ من الغرفة دونَ ان يغلق الباب
ظلّ أمام الباب وسمعَ انينها الموجوع
تذكّر انّه دفعها بقوّة
عادَ الى الغرفةِ بسرعة
نزلَ اليها وقال بارتباك
: لمى صار لك شي
كتمت أنينها
ليحملها عن الأرض , ويضعها على السرير
سألها
: وين تعوّرتي ؟
لم تجبه
قال بحدّة
: سألتك وين تعوّرتي
نظرت اليه ووجهها محمّرٌ من شدّة الألم , قالت بعصبية
: انت شتبي منّي ؟ تعوّرني وتهاوشني !
: اي اعورك واهاوشك واسألك وغصب عنّك تجاوبين
قالت بعنادٍ مضحك
: ماني مجاوبتك بشوف وش تسوي – عقدت حاجبيها وهي تمسكُ بظهرها , قالت بوجعٍ حقيقي – آه يا ظهري
ضحكَ رغمًا عنه
انتبه الى انّ عينيها غارقتين بالدمع , وتجاهدُ الّا تبكي
زفرَ بتأنيبِ ضمير
: معليش
قالت بضيق
: وين اصرفها ذي
قالَ ببرود
: سوّيت اللي علي
نظرَت اليه بصمت
ظلّ ينظرُ اليها
لأوّلِ مرّةٍ يتأمّلها
وأخيرًا استوعبَ انّها اصبحت زوجته
انّها بين ذراعيه , حليلةٌ له
نظرَ الى عينيها ذاتا اللونِ الكستنائيّ الجميل
الذي يتناسبُ كثيرًا مع بشرتها القمحية
حبّتي الكستناءِ كانتا مبلّلتانِ ببلورتينِ بلونِ الزجاج
اسرتاه في ثوانٍ !
انحنى ببطءٍ اليها , وقبلَ ان يقبّلها مرّ طيفٌ من ماضٍ مظلمٍ امام عينيه
اغمضت عينيها باستسلام
ليبعدها عنه بسرعة , وينهض من جانبها
اتّجه الى الباب , وقبلَ ان يخرج قال بحدّة
: لو فكرتي تسوين اي شي راح آخذ روحك قبل ما تسوينه
خرج وأغلقَ البابَ من خلفه
ظلّت تنظرُ من خلفه بحيرة
صمتت لثوانٍ طويلة
ثمّ قالت بتصميم
: لا الرجّال فيه شي , والله ماهو صاحي
,
,
الى الملتقى :)