صباح الخير جميلاتي
يارب الكل بخير وصحة
اشتقت لكم كثير
مبروك النجاح , والاجازة
,
ردودكم اللطيفة قريتها واستانست فيها , ولعلّي اجاوب عليها في وقت آخر
وبالنسبة للي يباركون لي على المولود
جعلكم سالمين
الطفل ولد بنت عمّي , وولد حماي اخوي زوجي وهو بعد ولد عمّي
وحقيقةً اعتبره ولدي
فرحت لفرحتكم لي
الله يسعدكم
وهذا بارتكم
يارب يعجبكم
,
,
بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الثاني والخمسون
,
,
فرنسا – باريس
الواحدة وخمسِ دقائق صباحًا
ركض اليها بفزعٍ من انهيارها
سقطت أرضًا ليتلقّفها
هتف
: بسم الله عليك , اعيذك بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق , لين حبيبي طالعيني , راح خلاص – التفت الى مادلين وصرخ بغضب – ابعدي هالكلب من هنا
التفت اليها وضمّها اليه ليمنعها من النظرِ الى الرجل
رفع صوته وهو يحاولُ ان يسكن رعبها
: { إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونْ }
حينها هتفت ديلا التي فزعت من نومها من الأصوات
: مسيو المدام منيحة ؟
التفت اليها
: بدخلها غرفتي وارجع , اتّصلي على الشرطة بسرعة
حملها الى غرفته وهو يهمس في اذنها بذكرِ الله
كان سيقعُ من شدّة خوفه ان يصيبها مكروه
انزلها على سريره , قبّل رأسها وأمسك بوجهها
: لين , انتي كويسة ؟
لم تجبه
كانت عينيها هائمتين في الفراغ
أدارَ وجهها ناحيته ورفعَ صوته
: لين كلميني
نظرت اليه بصمت
صرخ بها بفزع
: وش فيك كلميني
لم تتكلّم ايضًا
قبّل جبينها بلهفةٍ وهو يهتف برجاء
: حبيبي لين ردّي علي , وش صار لك
نهض من مكانه وخرج من الغرفة
صرخ بالفتيات
: اتّصلتوا على الشرطة ؟
قبلَ ان يُجبنه , وصله صوتُ صافرات الشرطة
نظرَ اليهن
: وحدة فيكم تنزل تفتح الباب
اقترب من الرجلِ الذي كانَ يتلوّى من الألم
نزلَ الى مستواه , نظرَ اليه لثوانٍ
ثم صفعه بكلّ قوّته , وصرخ بالفرنسية
: ستندم على دخولك الى منزلي , سأقتلك ان اصاب زوجتي مكروه
سمعَ صوتَ رجالِ الشرطة والتفت
قال باشمئزاز
: أخرجوه من هنا ثمّ نتحدّث
قال المفتّش بتساؤل
: هل تضرّر شيءٌ في المنزل ؟
صرخ سعود بجنون
: زوجتي ستجنُّ من الخوف – أشار الى مادلين التي تبدّل لونها ولا تستطيع الوقوف – امسك بالعاملة وكاد يطلق عليها
هزّ المفتّش رأسه بتفهّم
: لا تقلق يا سيّد , خذوه
أنزلوه , ليسأل المفتّش
: من الذي أطلق عليه ؟
قال سعود بحدّة
: انا اطلقت عليه , كانت العاملةُ اسيرةً بين ذراعيه وكاد يتهجّم على زوجتي
قال المفتّش
: هل نستطيع رؤيتها ؟
هزّ رأسه برفض
: لا , على الاقل ليس الآن
هزّ رأسه بتفهّم
استغرقوا نصفَ ساعةٍ وذهبوا
ليسرع سعود الى غرفته
اقترب من لين وجلس على ركبته أمامها
همس
: لين
كانت مستلقيةً في وضعِ جنين
وعينيها تائهتين في لا شيء
مسح على شعرها
: رعبتيني والله , بس كلميني
امسك بيدها وقبّلها , ولم تتحرّك او تُجبه ابدًا
همّ بالنهوض , لتشدّ على يده
التفت اليها بسرعة
فهم انّها لن تتحدّث , وربّما تكون خائفة ولا تريدُ ان يبتعدَ عنها
جلسَ على السريرِ ونادى
: ديلا
مرّت ثوانٍ لتدخل داليدا
: بدّك شي مسيو ؟
شدّت لين على كفّه بضعف
قال بهدوء
: وين ديلا ؟
: معلِش مسيو مادلين كتير تعبانة وديلا عمّ تساويلا شي تشربو
هزّ رأسه بتفهّم
: اوكي , افتحي الدفّايات من السنترال , وقولي لديلا تسوّي بابونج وعصير ليمون بعسل للمدام
ابتسمت بلطف
: على راسي , سلامتك مدام
خرجت من الغرفة وأغلقت الباب
التفت الى لين ولحّفها جيدًا
جلس بجانبها يمرّر أصابعه على شعرها بخفّة
بدَأ بقراءةِ سورةِ البقرة بشجن
وهو يتأمّلها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة وستٌ واربعون دقيقة مساءً
قالت الطبيبةُ بهدوء
: ما شاء الله , حملك جا سريع جدًّا !
تأوّهت بوجع/بيأسٍ شديد
ازدرد ريقه والتفت اليها
غطّت وجهها بكفّيها وهي تأنُّ بتعب
: لا ياربي لاا
نهضت الطبيبةُ بقلقٍ واقتربت منها
: وش صار لك
ضربت بطنها باعتراض وبكت بضعف
: لييش , ليييش ! لاا ياربي ما ابييه
شهقت الطبيبة
: استغفر الله واتوب اليه , يا بنتي ما يجوز اتّقي الله , لا يعاقبك ربّك بكلامك , استغفري ربّك
امسك عبد العزيز بكلتا يديها بقوّة
قال بحزم
: فجر اهدي , نتكلّم اذا رجعنا للبيت , اهدي
نظرَ الى الطبيبة
: وش تحتاج من فيتامينات او ادوية ؟
ازدردت ريقها
: خذها الحين , بسويلها موعد تجي فيه ونتكلّم واعطيها ادوية
ربتت على كتفها
: اهدي يا بنتي واذكري الله
ساعدها عبد العزيز لتنهض
وخرجا من المستشفى
ركبت الى السيّارة وظلّت تبكي بضعفٍ طوالَ الطريق
رقَّ قلبه لبكائها
مذ تزوّجها ورغم قسوته لم تبكي ولم تضعف , ولم تُكسر نظرتها ابدًا
وصلا الى المنزلِ وصعدت قبله
بعدها بدقائق دخل الى الغرفة
كانت تجلسُ على السرير
وكفّها الأيمن على بطنها
التفتت اليه حينَ دخل
نهضت وصرخت به
: هالقرف ما يظل في بطني , ما راح اخلّيه سامع , دام ما فيه روح بسقطه – صرخت بهستيريا – ما يظل , مستحيل اخلّيه
وكأنّ دلوَ ماءٍ باردٍ سُكب على رأسه
صمتَ لثوانٍ بصدمة
ثم تصاعد الغضب الى رأسه
امسك بذراعها بقوّة , وقال بغضبٍ هادر
: اقسم بالله لو يصير للجنين شي بسببك ما يصير لك طيّب , اذبحك يا فجر , والله اذبحك بدم بارد
افلتت نفسها منه لتصرخ
: اذبحني , انا ابيك تذبحني , الجنين ما يظل ولا راح اولده ولو باقي له يوم بذبحه
رفع يده ليضربها , وتراجع ليوليها ظهره وهو يستغفر بصوتٍ عالٍ
صمتَ لثوانٍ يهدئ نفسه
ثم التفت اليها
سحبها لتجلس على السرير , وجلس أمامها على ركبته
قال وهو يحاول ضبطَ هدوئه
: الطفل بيظل , وبتولدينه على خير وسلامة – قبل ان تتكلّم قاطعها – ما راح اقرّب منّك ولا المسك ابد , كل اللي تبينه يجيك , وبجيب خدّامة , واي شي تبينه , ولا لي شغل فيك ابد , ابي الطفل يا فجر , لا تحدّيني على اشياء ما ابي اسوّيها , انتي تزوّجتي يعني لازم في النهاية تحملين وتخلفين , احنا اسرة رضينا ولا قعدنا
اقتربت منه , لتقول بهمسٍ حاد , وببطء
: ما راح اخلّي قطعة مقزّزة منّك برحمي , ما راح اخلّف حيوان منّك , سنين عمري كلّها كنت احلم بطفل من بندر , ودام بندر راح يعني انا عاقر ولا اخلّف
نظرَ اليها بصمت
ثم نهض من مكانه
قال ببحّة
: اللي قلته بيصير , وان ظلّيتي تعاندين انتي اللي بتخسرين , اقسم بالله هالطفل لو بيكلفني روحي وروحك بيجي يعني بيجي بقوّة الله
صمتَ لثوانٍ , ثم قالَ ساخرًا
: وبدال هالحوسة اللي مسويتها ادعي ربّك يكون ولد , لأنّه لو بنت بتضطرين تحملين مرّة ثانية لين يجيني ولد
نهضت وصرخت بجنون
: تخسي يا حقير , اطلع برّى اطلـ...
قاطعها وهو يجرّها الى صدره
فَزع من صراخها
عانقها بقوّة , وهمس
: بس بس , خلاص انا اسف , فجر تعوّذي من الشيطان مو زين عليك
انفجرت باكية وهي تضربه لتبعده عنها
لم يبتعد حتّى هدأت انفاسها
ليحملها الى السرير
وغطّاها جيّدًا
وخرج دون ان يتكلّم
دفنت وجهها في وسادتها
همست بانهيار
: بندر , حبيبي , الحقني يا بندر , وش اسوي ! تكفى تعال لي بالحلم وعلمني , بموت يا بندر بمووت , هذا عبد العزيز اللي كنت تموت فيه ؟ تعال وشوفه , شوف اخوك وش سوّى فيني , الحقني يا حبيبي , ابي اجيك بندر , ابي ارتاح !
شهقت بالبكاء , وظلّت تهذي ببندر
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
مطار الملك خالد
الثانية مساءً
عانقَ شقيقه , ثم التفت اليها
قال بسخرية
:من قايل لك اللي تتزوّج ينبلع لسانها ؟
نظرت اليه بحدّة
ابتسمَ علي
: تريكي لا تحتك
ضحك وقال
: والله جد , قبل لقافتها تصدّع راسي...
سعلت بشدّة لتقاطع حديثه
انفجرَ ضحكًا , وقال
: يلا عاد استانسي عدل , وين يحصل لك يا القملة اسبوع بدبي
فتحت عينيها بغضب , ليقول علي
: تراك ذلّيتنا , لو مهدينا ساعة ولّا عطر ابرك من ذي الرحلة اللي من الصبح تعايرنا فيها
ضحك وهو يقبّل رأس اخيه
: خلاص سكتنا يلا , تروحون وتردّون سالمين , استودعكم الله دينكم وامانتكم وخواتيم اعمالك
ابتسم علي ولوّح الى شقيقه بكفّه , ثم عانقَ كفّه كفّ زوجته
وسارا الى قاعة المغادرين
جلسا , ليقول
: باقي نص ساعة ويفتحون البوّابة , تشربين شي ؟
هزّت رأسها نفيًا
ليفتح هاتفه , ويفتح محادثته مع رتيل
ارسلَ اليها
: رتيل
بعد دقيقة أجابته
: هلا حبيبي , ما طرتوا ؟!
: بعد نص ساعة البوّابة تفتح , اسمعي داليا وش تحب تشرب ؟
: تراك قروشتني انت وذي الداليا
: اخلصي
: جب لها سموذي توت , واذا ما في جيب اي مشروب مثلّج , وتراها ما تحب الحار
: مشكورة
أغلق هاتفه ونهض
: دقايق وراجع
ابتعد , لتخرجَ هاتفها وتعبثَ به
مرّ وقتٌ حتى شعرت ببرودةٍ تلامس كفّها
رفعت رأسها بسرعة
قال بابتسامة
: بغيب اجيب لك قهوة وما لقيت , خذي ذا سموذي توت , انا احبّه قلت تذوقينه
رفعت احد حاجبيها
اخذت الكوبَ منه وظلّت صامتة
جلسَ بجانبها وابتسامةٌ لعوب على شفتيه
شربت منه وفكّرت لثوانٍ
ابعدته , وقالت بشيءٍ من الغيض
: اكره احد يستغبيني
التفت اليها بعقدةٍ صغيرة بين حاجبيه
هزّ رأسه
: قلتي شي ؟
تلعثمت , وقالت
: لا , لا ما كلّمتك
ابتسمَ وعاد ينظرُ الى هاتفه
ضربت جبينها بخفّة
ليحبسَ ضحكةً مدوية
نهضَ بعدَ قليل
: يلا داليا , فتحوا البوّابة
نهضت وسارت بجانبه
تنظرُ الى كوبها
تارةً تكاد تلتفتُ اليه وتخبره انّها ليست حمقاء
وتارةً تظنُّ انّها مصادفة !
وهو مستمتعٌ بنظراتها المتردّدة !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الخامسة وخمسٌ واربعون دقيقة مساءً
سقطت ارضًا من شدّة الضحك
لتدفعها والدتها بضحكة
: بس ووجع
تأوّهت وهي تمسكُ ببطنها
ثم هتفت بضحك
: شلون دبّرت الرقم , العرس توّه من ثلاث ايّام والاخت بتجي تخطب , يمممه تكفين متى هالمجتمع يبطّل من ذي الطريقة
تأفّفت والدتها
: بسّك عاد بينفجر قلبك من ذا الضحك , عادي حرمة شافت بنت تحسبها مناسبة لولدها , يا عزّتي لها بس انخدعت بالفستان والتسريحة
انفجرت ضاحكة , وقالت
: لا لا , انا ضيّفت الناس ورحبت فيهم , انخدعوا بالترحيب
ضحكت والدتها وهزّت رأسها منها
نزلت رتيل , لتعقد حاجبيها
: سكنهم مساكنهم ! وش ذا الضحك الله يجعله خير
امسكت بأختها
: تكفين رتيل تعالي شوفي , حرمة خقّت علي وبتجينا تخطبني لولدها
ضحكت رتيل وجلست امامها
: الله يعينه المسيكين
رفستها هديل وهي لا تزالُ تضحك
: عدال يا الخفوق , الّا يا هناه وسعد عينه
زفرت والدتها
: اكيد انّه من الصابرين اللي يدخلون الجنّة بدون حساب
ضحكت وصرخت باعتراض
: يمممااه
انزعجت والدتها
: وصمّه صدعتيني بسّك صراخ
استلقت وأراحت رأسها في حجرِ والدتها
: المهم قولي للحرمة ما عندنا بنات للزواج
قالت والدتها بسخرية
: بدال ما نمسك الناس ونترجّاهم ياخذونك ويفكّونا ؟
ضحكت بخفّة , ثم قالت
: جد مامي , ما ابي اتزوج
عبثت بشعرها
: قلت للحرمة تفضّلي , يمكن يكون نصيبك ما تدرين
هزّت رأسها نفيًا
: من الحين اقول لك ماني متزوجة
صمتت والدتها
لتسألها رتيل
: ليه ذا القرار الحازم !
نظرت الى رتيل لثوانٍ , ثم قالت ببحّة
: ما ابي , ما اتخيّل زوجي ياخذ على راسي ضرّة وانا عندي عيال , وتخلّف ضرّتي وتموت هي وزوجي
صدمت رتيل , فتحت فمها لتتكلّم , ولم تجد ما تقوله
قالت ام علي بصدمة
: هديل !
اعتدلت في جلستها
لتقول بحدّةٍ باكية
: ولا اتخيّل اتزوّج ويختفي زوجي ثمان سنين ويرجع بضرّة , ويطلقني ويردني , واصير ابيه وما ابيه
صرخت بها والدتها
: هديـــل
نهضت رتيل من مكانها , لتصرخ هديل ببحّة
: لا تزعلين منّي , انا كنت ابكي على امّي وازعل من ابوي , وصرت ابكي عليك وعليها , متجاهلين انوثتكم تمامًا ومتعايشين مع اوضاعكم الفضيعة وكأنها ولا شي
قالت رتيل بارتجاف
: هديل بس
: ماهو بس , تعرفين وش معنى رجّال يتزوّج على زوجته ؟ والضرّة تخلّف وتموت , وتطيح بنت الضرّة على مين ؟ تربّيها وتكبّرها قدّامها , وامها سرقت زوجها منها !
شهقت رتيل وغطّت فمها , لتتبلورَ دمعتانِ في عينيها
ضربتها والدتها على ذراعها بقوّة , وصرخت بها
: وش شاربة انتي ؟ وش تخربطين علينا ؟
التفتت الى والدتها
: انتي ورتيل طلعتوا حالة شاذّة بعلاقتكم , انا اتكلّم عن نفسي , مستحيل ارضى , مستحيل اتقبّل بنت الضرّة واربّيها مع بنتي , ولا اتقبّل حقير اسمه زوج يتركني ثمان سنوات ويتزوّج ويرجع
هربت رتيل من الغرفةِ فورًا
وخنجرٌ مسمومٌ مثبّتٌ في قلبها
يأبى ان يسقط
لم تنتظره من اختها الوحيدة ابدًا
نامت على بطنها , ودفنت وجهها في وسادتها
لهذه الدرجة هي ثقيلةٌ على عائلتها !
لدرجةِ ان تستثقلها هديل الضاحكة دومًا !
الى ايّ حدٍّ هي عمياء
حتّى لا ترى ضيقَ عائلتها منها
الى ايّ حدٍّ هي حمقاء
لترمي ببكائها وهمّها على قلبِ التي تعتبرها امًّا لها
لتقضيَ ليلًا طويلًا مع اختها الوحيدة
تحدّثها عن كلِّ شيء !
لا تراها اختًا فقط
بل هي روحها ! هي قطعةٌ منها
وكأنّ روحها تُنتزعُ منها بكلماتِ هديل
هديل الحبيبة
كيف تستطيعُ نفثَ كلماتها القبيحة عليها !
لم تكُن لتوجعها يومًا , احبّتها دومًا
فكّرت بحسرة
الى اينَ ستهربُ الآن !
كانت قد هربت من صقر وقسوةِ ما فعلهُ بها الى عائلتها
والآن الى من ستهربُ من عائلتها !
قبلَ ان تسهبَ في تفكيرها الأظلم أكثر , فتح بابُ غرفتها
وجاء صوتُ امّها
: رتيل , رتيل قومي طالعيني
اعتدلت في جلستها , قالت ببحّة
: معليش خالتي اتركيني لحالي
قالت ام علي بعصبيّة
: تخلخلت عظام العدو , من عقلك انتي تتأثّرين بكلام هالخبلة ؟ ترى عقلها ناقص ما عليك منها
مسحت أدمعها , وظلّت صامتة
جلست ام علي بجانبها , وأمسكت بيدها
: انتي بنتي يا خبلة , والله بنتي , وايمان اختي , لا استثقلتك ولا استثقلتها
قالت ببحة
: خـ...
قاطعتها فورًا
: ازعل عليك ان قلتي خالتي
دخلت هديل الى الغرفة
لتصدّ عنها رتيل
قالت هديل
: كنت ادري بتصعدين تختلين مع شياطينك توسوس لك وتجيب لك افكار شينة
قالت رتيل بحدّة
: مو محتاجة اسمع شياطيني , اللي قلتيه كافي
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السادسة مساءً
نظرت اليه طويلًا
حتّى ابتسم ووضع فنجانَ قهوته
: شعندك اليوم ؟
قالت بنصفِ نظرة
: افكّر
: وش تفكرين
: ذا سعود افتكينا منّه , وسلطان بنفتك منّه و...
قاطعها بضحكة
: وش رايك تفتكّين من حسن , انا بدري علي شوي
قالت باعتراض
: ليش ان شالله , صغيرون انت ؟
قبّل كفّها
: ما لقيت بنت تناسبني
شهقت وقالت
: شلون تناسبك ؟ تبي تماشي بنت وتالي تتزوّجها ؟
ضحكَ وقال
: ماهو كذا , بس انا بختار , زواج خبط لزق ذا ما ابيه
لوت شفتيها بانتقاد
: ما عندنا ذي السوالف , تبي تختار بنات عمّك يا كثرهم , ما تبي منهم حنّا نختار لك
ابتسم بصمت
ليقولَ سلطان بهمس
: مبروك من الحين , ماهي عاتقتك
قال مالك بخفوت
: ماني مثلك , انت حطّتك في بالها , انا عادي عندها الّا اذا مصّختها
صمتا لدقائق , ثمّ قال مالك
: عزمني ابو راجح لعرس اخته قبل كم يوم
: رحت ؟
هزّ رأسه ايجابًا
: اعتذرت , ولّا القى سعد قدّام الباب يقول لي ما ابي اروح لحالي , رحت معاه , شفت وليد ولد خالة عيال عم ابو راجح
قال سلطان ساخرًا
: وش ذي اللفّة
ضحك مالك وتابع
: المهم قضّيت اغلب الوقت معاه انا وسعد
هزّ رأسه
: اذكر شفته في عزيمة ذياب , سعود راح سلّم عليه , محترم
هزّ رأسه ايجابًا
: اي محترم واسلوب
صمتا لثوانٍ , لتقول الجدّة بتردّد
: سلطان
حبسَ زفرةً طويلة , وقال بابتسامة
: سمّي يمّه
نظرت اليه بصمت
ليقتربَ ويقبّلَ رأسها
: آمريني
قالت بهدوء
: زوجتك تكلمها ؟
صمتَ لثوانٍ , ثمّ قال
: لا
لم تتكلّم
لكنّه علِمَ ما تودُّ قوله
قال بحنوْ
: بكلمها اليوم
ابتسمت , وسحبته لتقبّل عينيه
قالت بصدق
: جعل ربّي يسعدك يا يمّه ويهنيك
أمّن بهمس
قالت
: ترى مو باقي لعرسك شي , جهّزت نفسك ؟
رفعَ كتفيه
: ما يحتاج
ضربَ مالك جبينه , ثمّ قال
: ما قلنا لك روح قش الأسواق , فصّل كم ثوب جداد , اشتر نعالين وجزمتين , كم غترة كم شماغ , كم عطر , وبس !
قال بسخرية
: وبس !
دخل ابو مالك حينها
نهضا وسلّما عليه
جلس , ونظرَ الى سلطان
: كلمتك الصبح قلت لك عندي لك سالفة
هزّ رأسه بصمت
مدّ اليه مفتاحًا بابتسامة
: هذا مفتاح بيتك , منّي ومن عمّك محمد
صمتَ بصدمة
لتقول الجدّة بابتهاج
: الله يحفظكم , جعلكم سالمين , جعل تطولْ أعماركم ويبارك برزقكم
قال مالك بابتسامة
: خذ المفتاح !
قال بصدمة
: عمّي , كثير والله
قال عمّه مؤنّبًا
: مثلك مثل مالك وسعود عندنا , انت ولدنا , وهذه هديّتك , جعله بيت عامر
نهض وقبّل رأس عمّه بامتنان
قال عمّه بابتسامة
: مشطّب وجاهز , يبيله بس اثاث , عاد روح له وشوف وش ودّك تأثث
قالت جدّته
: اثاثك عليْ , كلّم عمّاتك يختارون الاثاث ويجوني اعطيهم فلوسه
قال برفض
: لا عاد مو لهالدرجة
ضربت ساقه بعصاها
: اقطع صوتك يا ولد , هذا عمّك واسأله , عيالي اهديتهم اثاثهم , ماهم اعز منّك
قال مالك بضحكة
: كأن صار ودّي اتزوّج
ضحك والده , ثم قال
: اشّر بس
ابتسم ولم يعلّق
,
,
فرنسا – باريس
العاشرة صباحًا
فتحَ عينيه بكسل
نظر الى وجهها القريب
نائمةٌ على صدره , وذراعه اليمنى تضمّها اليها
وكفّها متمسّكٌ بثيابه
قبّل جبينها بعمق
لا يصدّق انّها اخيرًا بجانبه
احتاجَ حقًّا الى معجزة
وقد حصلت
رغمَ حبّه اللا منتهي لها
رغمَ لهفته عليها
لم يحالفه حظّه يومًا ان تكون بهذا القرب
ان يفتحَ عينيه على وجهها الحبيب
شدّها اليه وأغمضَ عينيه مجدّدًا
تحرّكت حينها
فتحت عينيها ببطء , لتستوعب ما يحصل
ابعدت رأسها ونظرت اليه
انحنى وقبّل عينها اليمنى
قال بخفوت
: بونجوغ
لم تجبه
اعتدل في جلسته
: لين من امس ما تكلّمتي ولا كلمة , ردّي علي , خوّفتيني عليك
لم تتكلّم
التفت اليها
: تعاقبيني يعني ولا فيك شي ؟
لم تجبه ايضًا
نهض من مكانه حينها , وهو يتحرّك بعصبيّة
فتحَ الباب ونادى بحدّة
: مادلين
مرّت ثوانٍ , لتصعدَ ديلا وتقترب
: سيفو بليه مسيو , مادلين مريضة اليوم , شو بتؤمر ؟
: جيبي ملابس المدام وعبايتها من غرفتها , وتعالي ساعديها تجهز , واتّصلي على مارت يجهّز السيّارة
هزّت رأسها
: ع راسي مسيو
بعدَ خمسةَ عشرَ دقيقة كانا في السيّارة
جلسَ سعود خلف مارت بجانبها
قال بتوتّر
: اذهب الى المشفى
تحرّك مارت بالسيّارة
التفت اليها سعود
سحبها الى صدره وظلّ ممسكًا بكفّها
لا يعلمُ كيف همسَ لها وبماذا همس
كان باله مشغولًا بها حقًّا
: يا ويلك يكون صار لك شي , ما عشنا لين , تكفين كوني بخير
قبّل رأسها وأغمض عينيه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة وخمسٌ وخمسون دقيقة مساءً
أوقفَ سيّارته , نزلَ يسيرُ ببطء
تجاوزَ البوّابة وتمتم
: السلام عليكم اهل الديارِ من المؤمنين والمسلمين , انتم السابقون وانّا ان شاء الله تعالى بكم لاحقون , نسأل الله لنا ولكم العافية
تخطّى القبور , ليصلَ الى قبره
زفرَ بتعب , وجلس أمامه
: السلام عليكم , شلونك بندر , مشتاق لك يا اخوي , سامحني مرّت فترة ما جيتك , توّها رجلي ترد لها قوّتها , تمنّيت اجيك لمّا قريت الوصية , خيرة انّي ما جيت , كنت معصّب عليك حيل , ما انتظرت منّك ذي الكارثة , ليش يا بندر , لو تعرف شكثر ودّي اعرف ليش سوّيت فيني كذا , انا اخوك الوحيد ! ليش توجعني لهالحد , ليش تبليني فيها !
صمتَ لدقائق , ثم قال بوجع
: ماهو موضوعنا , ابشرك حملت , حملت وتهدّد تطيحه , بذبحها صدّقني ! هذاني قلت لك , تحمّلتها هالفترة وضغطت على نفسي عشان ذا البزر , لو يروح تعبي عالفاضي بذبحها
صمتَ مجدّدًا
ثمّ بكى بضعف
: شلون بكمّل معاها , شلون نربّي الطفل ! شلون اعيش معاها يا بندر – صرخ بحرقة – قول لي شلوون , شلون وانت بيني وبينها , انت في كل شي , انا رجّال وهذه صارت زوجتيي , زوجتي تبيك يا اخوي , زوجتي تحبّك يا قلب اخوك , زوجتي تقول لي المفروض بندر اللي ينام معاي ! وش اسوّي يا بندر وش اسوّي , كتبت لي قصّة عذاب ووقعتها بقلب بارد , شكثر اتمنّى اكون مكانك وتكون انت اللي زايرني تبشّرني بحملْ زوجتك , سرقت حياتك وسرقت زوجتك وسرقت بيتك , وسرقت طفل كان المفروض يكون لك
صمتَ لثوانٍ , ثم قالَ بسخريةٍ باكية
: بس انت ما قصّرت , اخذت سعادتي وراحتي
مسحَ على القبر بصمت
مرّ وقتٌ حتّى قبّل القبر وقال بخفوت
: آسف
ابتسم بحنين
وهمس
: الا يا موت وش باقي , الا منّه رحل بندر !
نهض من مكانه بارتجاف
لا يختفي هذا الألمُ ابدًا
المُ فقدِ الشقيق
المُ فراقه
مرّت أعوام العمر , ولا زالَ بكاؤه وكأنّ بندر يموت في الأمس
الحزنُ التعيس
الذي يملأه عن آخره
قطعةٌ من قلبه ماتت
قطعةٌ من قلبه ممرّغةٌ في التراب , لم يبقى منها سوى عظمةٌ صغيرة تعيسة
شطرٌ من روحه , منذ ثمانيةِ أعوام , وحيدٌ في هذه الأتربة
مدفونٌ في وحشةِ القبور
تحرقه شمسُ الصيف
وتشتدُ به أعاصير الشتاء
لا تنبتُ ازهارُ الربيعِ بجانبه
وتكتسحه أوراقُ الخريف , ولا احدَ يزيحها عنه
شقيقه الوحيد
الذي يحملُ ذاتَ دمائه , ويحملُ ملامحه
ويحملُ شيئًا من قلبه معه
هنا , داخل أسوارِ المقبرةِ التعيسة
وهو يتلوّى وجعًا في الخارج
كم هو مؤلمٌ فراق الأشقّاء !
لم يظنَّ انّه عذابٌ سحيق
دومًا يتصبّر , بأنّ هذا الألم سيمرُّ وينتهي يومًا
لكنّه لا ينتهي ابدًا
لا يمر , لا زال يشتعلُ فيه
لا زال ينزفُ ويكبرُ داخله
لو استطاع لما فارق المقبرةَ ابدًا !
ليبقى بجانبِ أخيه
ودّعه وخرج
ركِبَ سيّارته , وبكى
يبكيه مجدّدًا
يبكيه باحباطٍ كبير
يبكيه مؤنّبًا له !
,
,
فرنسا – باريس
الحاديةَ عشرةَ وسبعةَ عشر دقيقة مساءً
امسكَ بيدها وقال بهدوء
: ما بها ؟
جلسَ الطبيبُ خلفَ مكتبه وقال
: عضويًّا هي سليمة , ربّما صمتها نتيجةُ صدمة , او قد يكونُ عاملٌ نفسي
نظرَ اليها , ثم الى الطبيب
: كيف ؟
: قد تكون محبطةً ويائسة , وداخلها يرفضُ الحديث
تنفّسَ بعمق
ثم قال
: يعني انّها تحتاجُ الى رعاية واهتمام ؟
رفعَ كتفيه
: ليس تمامًا , يجبُ ان تبحثَ عن السّبب وتعالجه
ابتسم بهدوء
انا السبب ايهالطبيب
هزّ رأسه
: حسنًا
خرجا من المشفى وركبا السيّارة
قال مارت
: هل نذهب الى المنزل ؟
نظرَ اليها , ثم قال
: اذهب الى الشانزلزيه
نظرَت اليهِ دونَ تعبير
ابتسم ابتسامةً صغيرة
وظلّ ينظرُ الى عينيها
لم تطل النظرَ اليه
والتفتت لتنظرَ الى الطريق
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
جلست امامها وقالت بجديّة
: شوفي اذا كنتي بتزعلين وتفكرين افكار غبيّة , ذا مو ذنبي , ذنب غبائك , انا ما احمّلك ذنب احد ولا قلت لك انتي عالة علينا مثل ما تفكرين , انتي اختي رضيت ولا اكلت تبن , وانا والله راضية ومحظوظة فيك , اختي الوحيدة , من ابوي , واختي بالرضاعة , امّي امّك , وتركي وعلي اخوانك قبل ما انولد , رتيل انا تكلّمت من نقص فيني مو اتشكّى منّك , لا تصيرين غبيّة تكفين
لم تنبس رتيل ببنت شفة
قالت هديل ببحّة
: انتي سألتيني ليش ما ابي اتزوّج , انا اخاف من كل سنة أكبرها , اخاف يقرّب الوقت اللي لازم يزوجوني فيه , ما ابي اتزوّج , انا خايفة يا رتيل , خايفة والله , ما اتخيّل يصير فيني مثلك ومثل امّي ومثل خالتي , داليا اللي تزوّجت من يومين مكسور قلبي عليها وخايفة عليها , حتى وزوجها اخوي اللي اموت فيه , كل ليلة ابكي لو تخيّلت تركي ولّا علي يجبروني اتزوّج
شهقت رتيل بلوعة وامسكت بكفّي اختها
قالت بحسرة
: ليش يا عيون اختك , ليش
بكت وهي تهزّ رأسها
: اكره الرجال , ما اتخيّلهم الّا حقارة ابو وليد , ونذالة صقر , وخيانة ابوي
سحبتها والدتها الى حضنها
ضمّتها وابتسمت
: يمّه بنيتي ذا تفكيرها وانا ما ادري , يا ريحة اهلي انتي , ابو وليد واحد من عشر , وتراه ندم وتاب وحاول بكل الطرق يصالح عياله , وابوك ماهو خاين يا امّي انتي , ابوك تزوّج وحطني بالصورة , وجابلي ايمان وهي والله عسل على قلبي ومعزّتها من معزّة لطيفة , وصقر
التفتت الى رتيل , التي نكّست رأسها بهربٍ من عينيّ امّها
سحبتها ام علي اليها
لتضمّهما معًا
قالت بحنوْ
: صقر له اعذار وله اسباب , وكلنا ندري انّه يموت على رتيل ويبيع الدنيا ويشتريها
قالت هديل بحدّة
: كذب , ميّت على شينة الحلايا وطلّق رتيل بسببها
: لا تظلمين يا هديل , ما طلّق رتيل عشانها , طلّق رتيل من طولْ لسانها ومن كثر ما ضغطت عليه , ويوم سمع بخطبتها جا مثل المجنون وملّك عليها بنفس اليوم
صمتت هديل
لتقول والدتها بحنوْ
: الرجّال نبينا يا يمّه , نبينا اللي تزوّج تسع ولا ظلم ولا فرّق ولا اشتكوا منّه زوجاته , الرجّال ابوي الله يرحمه ما جاه غيري وغير لطيفة وما قدرت امّي تخلّف غيرنا , والله شالنا ثلاثتنا بعينه , ومات من حسرته على لطيفة , الرجّال عمّك اللي ربّاكم معاي عقب ابوكم الله يغفر له , الرجّال ذياب خوِي صقر اللي ترك امّه وحياته وبيته وشغله عشان صقر , الرجّال عبد الله اللي عادى اخوه عشان رتيل , الرجّال وليد اللي كرّس حياته لأخته الوحيدة , ربّاها وعلّمها وصرف عليها , الرجّال علي وتركي اللي يجيبون راتبهم ويحطّونه بيدي ويقولون يمّه شوفي وش قاصرك وقاصر البنات , الرجّال اب واخ وزوج وابن , حنّيته ومحبته على حريمه , يحوفهم بعيونه ويشيل همهم على ظهره , الرجّال بني آدم مثلي ومثلك , مثل ما فينا عيوب فيه , ومثل ما عندنا تقصير عنده
وصلهن صوتُ تركي من الأسفل
: يمـه , يا بنات وينكم
ابتسمت ام علي بحنوٍّ ومحبّة
ابعدتهن وأشارت الى الباب
: هذا الرجّال , لاحظوه بعد كذا , اوّل ما يدخل يتفقّدنا ويسلّم علينا
حينها دخل
: السلام عليكم
ابتسمن ورددن السلام
اقترب وقبّل رأس والدته
: شلونكم
ضحكن اختيه , وابتسمت والدته
نظرَ اليهن
: وش فيهم ذولا !
رفعَ احدَ حاجبيه , وقال بحدّة
: وش فيك انتي ويّاها ؟ ليش باكين , وش مضايقكم ؟
قفزت هديل وعانقته بقوّة
ارتدّ بذهول , ثم ابتسم
: وش فيك يا خبله
قبّلت كتفه وقالت
: ما فيني شي
ابتعدت عنه
لينظرَ الى والدته متسائلًا
قالت بهدوء
: ما عليك منها , اخوك وين صار ؟
: وصل الحمد لله , اوّل ما وصل ارسل لي رسالة يحلّفني انتبه عليكم
التفتت ام علي لابنتيها
اللّتان غطّتا وجهيهما , وبكت هديل !
ضحكت ام علي وعانقتها
قال بجديّة
: لا جد وش فيهم ذولا
قالت ام علي
: تقول بتفقد علي
ابتسمَ تركي
: اي والله حتّى انا بفقده , الله يسعده ويردّه سالم
امّنَّ بهمس , ليقول تركي
: جوعان يمّه
نهضت والدته
: يخسي الجوع يا امّي , يلا يا بنات ننزل نتغدّى
,
,
المملكة العربيّة السعودية – الرياض
العاشرة مساءً
دخل الى غرفة الجلوس , والقى التحيّة
التفتت اليه والدته
: وعليكم السلام , تعال يمّه
جلسَ بجانبها , وأراح رأسه الى حجرها
قالت بحنوْ
: ما تحط راسك فحضني الّا وانت متضايق
نظرَ اليها بصمت , ثم قال
: مو متضايق – التفت الى شقيقته – تهاني وطّي الصوت
التفتت اليه اميرة
: مصدّع ؟
: لا , بقول لكم شي
كتمت تهاني الصوت وقفزت أمامه
: قول يا بعد عوينتي سرّك في بير
دفعها بتأفّف
صمتَ لثوانٍ
ليقول والده بقلق
: وش صاير !
قالت غالية
: فجر فيها شي ؟
نظرَ اليها , ثم قال ببحّة
: حامل
شهقن شقيقاته
وخرّ والده ساجدًا
هتفت والدته بنبرةٍ باكية
: بعد عمري , حبيبتي هي
اعتدل في جلسته لتقترب منه غالية وتقبّل وجنتيه
: مبروك حبيبي
امسكت اميرة بكفّه بابتسامة
: الف مبروك يا عيوني , الله يتمّم لها على خير
نهض والده وقال بتأثّر
: اللهم لكَ الحمد , الحمد لله الحمد لله
ازدردت تهاني ريقها , وقالت
: كمّل كلامك طيّب
نظرَ اليها بصمت
ثم أحاط رأسه بيديه بغم
قال بتعب
: ما تبيه , تحلف وتهدّد تطيحه
نظروا اليه بصدمة
نهضت غالية بغضب
: لا ذي مو صاحية , يبيلها كف يعدّل مخها
امسك بها والدها , واسرعتا اليها والدتها واميرة
قالت اميرة بحدّة
: وش بتسوين يعني ؟ بتزيدين الطين بلّة
التفتت اليها بغضب
: ما تسمعين وش يقول ؟ عزّتي لك يا اخوي دبّسناك في ذي الخبلة , من تزوّجها وهو بنص عقل , جننته الله يجنّنها
قرصتها والدتها
لتقول تهاني بسخرية
: لاا ! وين كنتي اجل يوم...
قاطعها والدها بحدّة
: بس انتي وهي , ما عاد فيه حشيمة لي ولأمكم ؟
زفرت غالية وجلست على الأريكة
جلست ام بندر بجانبِ عبد العزيز
مسحت على كتفه
قالت بحنوْ
: اكيد انها معصبة الحين ومصدومة من الخبر , كم يوم وبتتعلق في ولدها وبتندم على كلامها
التفت الى والدته وقال بغضبٍ يكبته
: وش يضمّن لي انّها ما تأذي الجنين في هالكم يوم ؟ وش يضمن لي ما انزل القاها مطيّحته اصلًا
ضربت اميرة على صدرها بشهقة
: لا اعوذ بالله , فاول خير عزيز وش ذا الكلام
قال بتحذير
: ورب الكعبة لو تضر الجنين اذبحها , هذاني علمتكم , كل ذا الهم اللي انا فيه عشان الجنين , لو يصير له شي بسببها بذبحها
قال والده بحدّة
: استغفر ربّك ولا تتكلّم كلام ماله معنى , لا تخلّي الشيطان يلعب بمخّك
استغفر بهمسٍ حاد
ربتت والدته على كتفه
: قوم يمّه انزل لها , تطمّن عليها , حسّسها بأهميّة صحتها وصحة جنينها
أشار بيده بلا مبالاة
لتقول والدته بصبر
: لا يمه , ما يصير حبيبي , هذه فيها قطعة منّك الحين , بكرة تولده بالسلامة وهمّك وهمها يصير واحد , همكم ذا الطفل , وكل واحد منكم همّه ان الثاني يكون مرتاح وبخير , عشان الطفل لا ينقص عليه شي , هذه هي العشرة يا يمّه , هذه العشرة اللي تجيب المودّة , قوم حبيبي قوم يا امّي انت
زفرَ ونهض
قبّل رأسها , وهمّ بالخروج
ثم التفت باستدراك
: يمّه نبي خدّامة , قلت لها ما ابي منّك شي كل اللي تبينه يجيك واجيب خدّامة , بس تنتبهين للطفل
هزّت رأسها
: بسيطة , بكرة خديجة تنزل لكم , تظل عندكم لين نجيب غيرها
سعلت تهاني بصدمة
التفتت الى والدتها وقالت
: يـمـه !
ضحك عبد العزيز رغمَ ضيقه
ابتسمت والدته , وقالت
: خير
قفزت امامَ والدتها وقالت برجاء
: تكفين يمّه , ماهو عشان ذي الشحيمة ام شعر تعذبيني ! تكفين
فتحَ عبد العزيز بدهشة
: وش شحيمة وام شعر !
قالت غالية بضحكة
: شحيمة كناية عن شدّة البياض , وام شعر اختك تغار من شعر فجر
ضيّق عينيه وقال بنبرةٍ غريبة
: اي والله يا عليها شعر بنت الذينَ
تبادلوا نظراتِ ذهول
ليستدركَ نفسه
قال بهدوء
: تصبحون على خير
قالوا بهدوئه ذاته
: وانت من اهله
نزلَ وضربَ جبينه
قال بهمس
: غبي
دخلَ الى شقّته
دخلَ الى المطبخ ليشربَ كوبَ حليبٍ بارد
ثم اتّجهَ الى غرفته
فتح البابَ بخفّة
أضاء الغرفة
كانت تجلس على السرير وتضمّ ساقيها اليها , عينيها هائمتان في اللا شيء , وتتحرّكُ بهستيريا
ناداها
: فجر !
التفتت اليه , وتوقّفت عن الحركة
اقتربَ منها
: اكلتي ؟
قال ببحّةٍ عميقة
: مشالله حيل يهمّك انّي آكل ؟
شدّ على قبضته وجلسَ أمامها
قال بهدوء
: لا تخلقين مشاكل مو رايق , اكلّم امّي ينزلون لك عشا ؟ ولا تبين اطلب لك
ابتسمت بسخرية
: باقي ما بيّن فيني الحمل بدري عليك ذا القناع
فركَ وجهه ليكبتَ غيضه
قالت ببرود
: مو مشتهية
نهض من مكانه
: يكون احسن
بدّل ملابسه وأغلق نورَ الغرفة
ثمّ استلقى على ظهره
التفتت تنظرُ اليه
لم يعرها اهتمامًا
قوّتها تستفزّه
يصدم منها احيانًا
لكنّه يتذكّر انّها تصغره بأعوامٍ قليلة
امرأةٌ ناضجة
امرأة جريحة !
يجبُ ان يحذرَ منها
لا ان يستفزّ جراحها
التفتَ اليها بجسده
قال بهدوء
: ما بتنامين ؟
قالت بحدّة
: شتبي منّي ؟
ابتسم
: ما ابي شي , انا وعدتك
: اجل لا تسأل
صمتَ ليفكّر
مذ تزوّجها يفكّرُ بمدى المه بزواجه منها
يفكّر انّه مظلوم , وانّه مرغمٌ ويفعلُ من اجلِ بندر
ولم يفكّر بفجر ابدًا
كم أحبّت بندر
وأجبرت على شقيقه
على الأقل هو يعلمُ لمَ تزوّجها , لكنّها لا تعلم
مذ تزوّجها عكسَ غضبه من شقيقه عليها
عنّفها وضربها وأجبرها
يستطيعُ تخيّل مدى المها
تخيّل لو انّ احدى شقيقاته في مكانها
سيقتلُ زوجها لا محال !
تنفّسَ بعمق
لا تستحقُ فجر ان يؤذيها
فجر كأسدٍ مُصاب
يهجمُ بكبرياءٍ مجروح
أغمضَ عينيه
ليهمس قلبه برجاء
يارب أعنّي على نفسي
يارب انّي ابتغي رضاكَ فأعنّي
علّك تنجيني باحساني اليها
فتحَ عينيه ومدّ يده بتردد
ليمسك بيدها
كادت تسحبُ يدها بغضب
لكنّه لم يفلتها
قال بهدوء
: ما ابي لك الأذيّة , ابيك تكونين مرتاحة صدقيني
قالت بحدّة
: ما اصدقك
شدّ على يدها
قال بحنوْ
: فجر , بتظلين زوجتي باذن الله , انا امدْ لك يدّي عشان نصلح حياتنا , حاولي معاي
سحبت يدها وقالت بغضبٍ مرتجف
: ما ابي اصلح معاك شي
نهضت من مكانها وخرجت من الغرفة
شدّ على رأسه وزفرَ بقوّة
كم هو عملٌ مرهق !
ربّما لأنّه لا يشعرُ بما يقوله
لأنّه خالٍ من المشاعر
لم تتقبله !
,
,
الى الملتقى :)