بسم الله الرحمن الرحيم
البارت السادس والأربعون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة وثلاثةَ عشر دقيقة مساءً
اقتربا من الباب بتردّد
نظرَ الى ابنه بعطف
شدّ على كتفه
: انت بخير ؟
ازدرد ريقه وشد على قبضته
ان تسألني فأنا لا أعلم يا ابي
هل أنا بخيرٍ لأنّي وجدت ضالتي !
ام انّ قلبي سقمٌ لأنّها ستصبح بينَ كفّيّ اللتان لن تستمعا اليه ولن ترحماها !
قال بوعيد
: بخير يبه
طرق والده الباب وابتعدا خطوات
مرّت ثوانٍ ليفتح بندر الباب
انعقد ما بين حاجبيه بخفّة
ابتسم
: هلا ؟
تبادلا النظرات , ثم قال والدُ سعود
: نبي نقابل خالد الله لا يهينك
دفع بندر الباب ليفتحه مبتسمًا
: حيّاكم
أدخلهما الى المجلس الخارجي , ودخل الى المنزل
اقترب من خالد
: جايينك ضيوف
قال خالد متسائلًا
: وليد ؟
هزّ رأسه نفيًا
: لا , اوّل مرّة اشوفهم
قال خالد
: يمه القهوة الله لا يهينك
دفعه بندر الى المجلس
كان مبتسمًا
حتّى دخل
اختفت ابتسامته تدريجيًّا , ليحلّ محلها الدهشة
رفعَ حاجبيه وفتح فمه ليتحدّث
صمت لثوانٍ ثم ابتسم بذهول
: يا هلا !
نهضا , ليبتسم والد سعود
اقترب ابو سعود ونزل الى مستواه ليسلّم عليه
قال بندر ببشاشة
: ما عرفتني عليهم
التفت اليه خالد وصمت
قال سعود بحدّة
: تحب انا اعرفك على نفسي ؟
قال خالد بهدوء
: بندر اطلع وسكّر الباب
خرج بندر مستغربًا
التفت ابو سعود الى ابنه بحدّة
قال سعود بانفعال
: وش تبيني اسوي يعني ! ابرك على ركبتي واترجى !
قال خالد بانفعالٍ هو الآخر
: اجل تبينا حنّا اللي نبرك لك ونترجّاك ! زوجتك كم لها عندنا وانت ما تدري عنها ! ولا تتصل ولا تسأل فيها
فتح سعود عينيه بصدمة
صمتَ لثوانٍ , وقبل ان يصرخ , قال والده بحدّة
: وش ذا الكلام يا خالد ! احنا اللي ما ندري عنها ؟!
اقترب منه سعود وهو يكاد ينفجرُ غيضًا
: لين في ليلة ظلمة طلعت من شقّتها وسافرت وتركت لي ورقة كتبت عليها انساني , لي شهور ادوّرها ما خلّيت مكان يعتب علي , تركت دراستي وامّي وحياتي وكل شي عشان أدوّر عليها , وهذا كلامك ؟؟ هي اللي قالت لك انّي مو سائل فيها ؟
صمت خالد بصدمة
ثم قال بتأتأة
: حشى ما قالت والله , بس كل ما سألتها تهرّبت وصار ذا ظنّي , بس...
قاطعه سعود بغضب
: جيبها يا خالد , انا حاشم حرمة البيت ولا دخلت وذبحتها
قال ابو سعود وهو يمسك بابنه
: سعود تعوّذ من ابليس يبه
قال خالد بانفعال
: ماني مانعك من زوجتك , بس فهّمني وش اللي صار !
قال سعود بضحكةٍ ساخرة تحرقه
: انا افهمك ؟ ما عندي علم بشي عشان افهمك , اقول لك فجأة تركت لي رسالة واختفت !
صمتَ خالد لثوانٍ , ثم قال
: وفجأة اتصلت علي تبكي وقالت لي تعال رجعني لأمّي , كانت امّي فالمستشفى طايحة بجلطة , وصار علي حادث ونسينا الموضوع , ومن طلعت سألتها أكثر من مرة وكانت تتهرب
ضرب سعود جبينه وأولاهم ظهره
فتح خالد الباب ونادى
اقترب بندر ليشير اليه خالد ان يخرجه
أخرجه وأغلق الباب
قبل ان يتحدّث خالد دخل فيصل الى المنزل
اقترب وقال
: شعندكم هنا ؟
أحاط خالد رأسه بهم , وقال بأحرفٍ ثقيلة
: فشلتني لين
كاد فيصل يسقط من الهلع
: وش فيه !
أشار خالد ناحية المجلس وقال
: هذا زوجها
قال فيصل بانفعال
: وينه بكسر راسه هاللي ما يستحي
قال خالد بحسرة
: اكسر راس اختك هي الأولى
قال بندر بقلق
: وش فيه
قال خالد
: شاردة منّه ! ما يدري عن سفرها , ومن يوم جاتنا هو يدوّر عليها
شهقا بصدمة
قال خالد
: دخلني يا بندر , ما ابي اشوفها , ونادها لزوجها
قال فيصل بغضب
: يناديها لزوجها ؟ تبيها تروح مع زوجها وهي مفشلتنا كذا ! والله انّ...
قاطعه خالد
: لا تحلف , أصلًا ما ادري سعود وش بيسوي فيها ! وله حق في كل شي والله
دخلوا الى المنزل , والى غرفةِ الى خالد
ذهب اليها بندر وقال بوجوم
: لين اطلعي نظّفي المجلس
نهضت بصمتٍ وخرجت
دخلت اليه بهدوء
,
كان يحوم في المجلس بجنون
التفت الى والده
: سمعت ؟ طلعت انا بالشينة وانا اللي ما ادري عنها ! شفت يبه ششفت !!
زفرَ والده , ثم قال بحدّة
: سعود روّق , ما بتعرف تتكلّم حتّى وانت بهالحالة
رفس الأريكة بقوّة واقترب من والده الذي يقف قريبًا من الباب , خلفه تقريبًا.
قبل ان يتفوّه بكلمةٍ فُتح الباب
التفت ليدلف جسدها الناعم الى الغرفة
تراخى كتفيه المشدودين
وفتح فمه باستنجادٍ لذرّات الهواء ان تعانقه
ارتفع حاجبيه ببطء
وعلى صدره وهبط بالمشاعرِ التي تتخَبّط فيه
خرج اسمها من حنجرته بضعفٍ شديد
ناداها برجاء
وبلا تصديق
أنّ بلهفة , وبزفرة
: لين !
التفتت بفزعٍ لتتسع حدقتيها بصدمة
رُبط لسانها
عجزت عن الشهيق حتّى !
خرج ابو سعود دونَ ان يشعرا وأغلق الباب
مرّت ثوانٍ ليسرع اليها سعود ويجتذب ذراعها
رما بجسدها الى الحائط واقترب منها جدًّا !
حتّى أصبح شهيقه الهائج , زفيرها المرتعب !
تأمّلها بنهم
امتدّت كفّاه لتعانقانِ وجهها الشاحب
تلمّس حاجباها الداكنان
وعينينها , سحابتا الدمعِ اللامع !
وجنتيها ورديتا اللون , اللتان سُلب لونهما من ذعرها !
كان صدره يعلو ويهبط بسرعة
وعينيه تتفحصانها بلا تصديق
مرّت دقيقةٌ تتلو دقيقة
اطمأنّ على حالها
هدأت أنفاسه , ثم صبّ بصره في عينيها الغائرتان خوفًا
نظرَ اليها طويلًا
ثم قال بهمس
: هذه انتي !
ازدردت ريقها , وقالت ببحّة عميقة
: سعود !
نزلَ ببصره الى شفتيها المرتجفتان
الجافّتان !
انحنى اليها وكأنّما يُسحب عنوة !
كانت أنفاسه مرتجفة , يشعر انّ جسدها الغض الذي بين ذراعيه
ما هو الّا من صنع خياله
خُيّلَ له ان شفتيها "جنّته "
ليست الّا صورةً أسدلها عقله لعينيه , ليُسكن لهفته !
لامس شفتيها وابتعد , ثم اقترب مجدّدًا
قبّلها , ولم يكُن ينوِي ذلك أبدًا !
قبّلها ليشعر بالحياة تتدفق فيه من جديد
ليشعر برئتيه تتنفّسان , بعد الضنكِ الذي عاشتاه دونها
تناسى لثوانٍ هربها , وتركِها ايّاه
أراد ان يعشقها مجدًّا , بقبلة.
أغمضت عينيها بضعف , سيقتلها لا محال
ارتخى كتفيها وسالت دمعتيّ استسلامٍ على جانب وجنتيها
مرّت ثوانٍ طويلة , ليتركَ شفتيها
أبقى أنفه ملامسًا لأنفها , ولم يفتح عينيه
قال بقهرٍ يدكّ قلبه
: ليش ؟
تمسكت بقميصه وعلَت شهقاتها بالبكاء
قالت برجاءٍ دامٍ
: سعود
عقدَ حاجبيه وعضّ شفته السفلى
أطلقت آهةً كسرته قبل أن تؤلمها
نادته مجددًا
ليهمس بغضب
: ششششش
هتفت برجاء
: سعود تكفى
ارتفعت كفّه اليمنى لتحيط برقبتها بجنون
: اسكتي , اسكتيي لين ششش
احتبست في صدره بقيّةُ الكلمات
اصمتي , لأشبع ناظريّ منكِ
اصمتي , لأروي عيناي وقلبي بكِ
لا تفسدي فتنتكِ يا لين
لا تحرميني سكرةً حلالًا منكِ
ظلّت تشهق بفزع
نظرَ اليها مطوّلًا , ثم افلت رقبتها
ابتعد خطوة
قال ساخرًا
: تمنّيت اكون سافل وناقص وحقير , عشان اتحمّل هروبك واتقبّله , قلّبت كل ذكرياتي معاك بمخّي , ما لقيت ولا موقف يستحق تتركيني عشانه
قاطعته بجنون
: ما...
صرخ بها
: لا تتكلمين
لم تعد تحملها قدميها , جلست وضمّت ركبتيها الى صدرها , ودفنت رأسها هناك !
نزل الى مستواها وهزّها بجنون وهو يصرخ
: ليش سويتي فيني كذا ليش ! ليش رخصتيني في عين نفسي , ليش كسرتيني , ليش خلّيتيني اطلع من سعود اللي تربّيت عليه وكبرت عليه
,
,
المملكة العربية السعودية - الرياض
الثامنة مساءً
فتحت عينيها ببطء
وأغمضتهما مجدّدًا باعياء
أطلقت آهةً قصيرة
ثم قتحتهما
نادت ببحّة , وهي تعجزُ عن تحريكِ جسدها
: يمه – سعلت بتعبٍ ونادت – هدييل
اقتربت هديل من الباب الذي كان مفتوحًا
همست
: رتيل ؟
نادتها
: تعالي
أضاءت الغرفة واقتربت مسرعة
: وش صحّاك !
قالت بتعب
: ما ادري وش فيني مو قادرة أحرّك جسمي
قالت هديل بقلق
: بسم الله عليك , حسبيّ الله ف عدوينك يا تركي كانك عطيتها ذا البلا
قالت رتيل مستغربة
: وشو !
قالت هديل وهي تسقيها ماءً
: اخوك المفهّي جابلك حبّة قوية وبلّعك , بس شلون قمتي ! قال مفعولها اثنعش ساعة الى ثمنطعش
لم تجبها
جلست هديل امامها أرضًا
: وش صار لك ؟
تذكرت لتغمض عينيها بحسرة
همست
: صقر
قالت هديل بغضب
: وش فيه الله لا يوفقه
بكت رتيل
وقالت بلا تصديق
: تخيلي متّصل يقول انا ابوك واخوك ! وزواجنا غلط
شهقت هديل وهي تضرب صدرها
: يا حسرتي يا رتيل خرّف الشايب !
لم تجبها رتيل
صمتت هديل لثوانٍ
ثم قالت بحقدٍ وحزم
: بس انا له , والله لا اوريه , اسمعي يا بنت ابوي الدكتور مشعل متقطّع عليك واخو سمر ذابح نفسه عليك , نضرب عصفورين بحجر يا رتيل , بنت اخت الدكتور مشعل اخذت بنّي من داليا وكلّمتني وقالت خالي يبي رتيل قلت لها رتيل ما تبي تتزوّج الحين , لكن دام ذي علوم ولد عمّك , الخميس اللي بتجي فيه سمر وأكيد هم جايين خطّابة , نخلّي الدكتور واهله يجون , ونقول لبيت عمّك بحسن نيّة تفضلوا لخطبة رتيل وشوفوا اللي جايينها
ظلت رتيل تحملق فيها
ثم انفجرت ضاحكة وهي تشيح ببصرها عنها
امسكت هديل بوجهها وأعادته اليها
: رتيل وربي كف , وش خسرانة يعني !
قالت رتيل بجدّية
: مستحيل العب بأحد على حساب أحد , ومستحيل اتحايل عشان ارجع لولد عمّك , ومستحيل الخرابيط اللي قلتيها تصير اصلًا !
قالت هديل بجدّية أكبر
: اجل تشوفين هالخطاطيب اللي متشفقين عليك , وتستخيرين ربّك فيهم
قالت رتيل بذهول
: انتي جنّيتي !
صرخت بها
: لا ما جنّيت , بس انتي وقفتي حياتك ورهنتيها للكلب صقر من يوم انولدتي , انتي مو طفلة رتيل , انتي لك حياة لازم تبدين تبنينها , الحياة القديمة اللي كانت تبدأ بصقر وتنتهي فيه لازم تنسينها , انتهت يا رتيل انتهت
كانت تكرّر كلمةَ انتهت
تريدُ اقناع نفسها اوّلًا !
تريد تصديق أنّ ملحمة صقر ورتيل انتهت
تعجز عن التصديق
كيف تنتهي , وقد كُبّل قلب كلٍّ منهما بالآخر
وضاع المفتاح !
لن يجدوه , ولن تحطّم تلك الأغلال
ظلّت رتيل صامتة
أحقًّا يا أختي انقضت !
أحقًّا العالم الممتلئ بصقرٍ تبخّرَ وذهب
أخشى الحياة دونه يا اختي
اقسمُ لكِ أني أخافُ عمرًا يخلو منه
ليسَ للحياةِ معنىً يا هديل , ان لم أكن في كنفه
زوجته , وابنته
واسمي تابعٌ له
ان انسلخت منه يجب ان تعلّموني الحياة من جديد
تشيرون الى الأشياءِ وتسمّونها
تمسكون بي لأتعلّم المشي
تحركون السنتكم ببطءٍ لأنطق
ان انسلخت من صقر ستنتهي حياتي
لتبدأ أخرى !
نبهّتها هديل بحدّة
: وين شردتي , طلعيه من مخّك خلاص
قالت بخفوت
: ما اقدر
نهضت هديل
: غصب طيب بتقدرين
خرجت من الغرفةِ عازمة
لن تتراجع عن انقاذِ ما بقيَّ من اختها الوحيدة
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
فُتح الباب ليهتف فيصل
: يا سعود هدْ
التفت اليه وصرخ
: فيصل اطلع من راسي , لا توقفون في وجهي وانتوا خابرين وش سوّت
نظرَ اليها فيصل بعينينِ تكادان تحرقانها
ثم التفت اليه وأمسك بذقنه
: ما عليه امسحها بوجهي , ارتاح بس – التفت اليها وقال بحدّة – قومي داخل
أمسك بها سعود
: ما تطلع من هنا
قال خالد الذي دخل للتوْ
: لا تخاف ماهي طالعة من البيت , ارتاح يا سعود وتقهوْ
صمت وصدره يعلو ويهبط بحدّة
قال خالد بهدوء
: استريح
ابتعد عنها بزفرةٍ وأولاها ظهره
سحبها فيصل لتنهض بارتجاف
أخرجها بخفّة
نظرت اليه برجاء , لكنّه لم يمنّ عليها ولا بنصفِ التفاتة
انتبه الى والد سعود
دفعها بخفّة وقال
: تفضّل يا عم
اقترب ونظرَ اليها
كانَ رأسها منحنيًا
قال بعطف
: شلونك يبه ؟
أطلقت شهقةً صغيرة سرعان ما حبستها
اقترب منها وقال بلطف
: ممكن أكلمها دقيقتين
قال فيصل
باستسلام
: أكيد
دخل فيصل الى المجلس وأغلق الباب
اقترب ابو سعود وأمسك بكفّها
: يبه لين
قالت بانهيار
: عمّي...
قاطعها بعطف
: بسم الله عليك يبه , بسم الله عليك , لا تبكين هدّي , ليش خايفة كذا ؟ خايفة من سعود ؟
لم تجبه
شدّ على كفها
: لا تخافين يا بنتي , سعود الحين في حالة عصبية وطالع من نفسه ولا يدري وش يسوي من الانفعال
هزّت رأسها بضعف , وبقلّة حيلة
جسدها بأكمله كانَ مشدودًا من حضوره
له سلطةٌ على روحها المرهقة
في ثنايا قلبه , يكمن ضعفها
أيّ زلزلةُ مشاعرٍ يستحضرها سعود بعينيه اللتان تتسلطان عليها بلا رحمة
ايُّ سحرٍ يقودها لهلاكها , ينثره سعود على رئتيها , بشفتيه !
يقشعرُّ جسدها الهزيل باستشعارها انّه لا زالَ ينظرُ اليها
يعرّيها ليظهرَ ذنبها
استفزّ سعود جوارحها بحضوره
يا حبيب قلبي التعِس
يا بقيّة العمر الذي توقّف مذ رحيلِ والدي
يا سماءَ طموحاتي
ويا انتهاء أحلامي
يا ارتجافي الخائف
هل تسمحُ لي لأقبّل ما بين عينيكَ الباسمتينِ امتنانًا لأنّك وجدتني !
ام تترك ارتاجافي وخوفي ارتعابًا منك !
هل تأذن لي يا سعود , لاستميح قلبك غفرانًا !
تابع ابو سعود
: انتي زوجته , ومردّك بترجعين له , اذا مو اليوم بكرة , اذا مو بكرة بعده , ولا تخافين منّه , اللي يحب ما يأذي , ما بالك بسعود اللي ما يأذي حتى لو كره !
كانت منهارةً جدًّا
اجتذبها وعانقها بخفّة , ووضع على رأسها قبلة
: بس يا يبه مو زين عليك كذا
تركها بعد ثوانٍ , لتدخل الى المنزل
ودخل الى المجلس
نظرَ الى ابنه الغاضبِ المشدود
ابتسم وجلس بجانبه
حبس ضحكته وهو ينظرُ الى ملامحه
قال سعود من بين أسنانه
: يبه روّق
انفجر ضاحكًا , ليبتسم سعود رغمًا عنه
ابتسم خالد بارتياح
قال فيصل
: متى سفرك سعود ؟
: دامني لقيتها ماني مطوّل
صمتا لثوانٍ , ثم قال خالد محرجًا
: ما ادري وش اقول , بس امّي طالبتك تخلّيها عندها لين سفرك
نهض منفعلًا وهتف بحدّة
: عفوًا !
نهض والده وامسك به
: سعود !
التفت الى والده
: ما تسمع يبه ؟
قال والده بجديّة
: معاهم حق ! وين بتاخذها وانت بكبرك قاعد في بيت جدّتك , اتركها تجهّز نفسها وتجلس مع امّها تهيئ نفسها عشان ترجع معك
ضرب جبينه وهو يعضّ على أسنانه بشدّة
دخل بندر بالقهوة مبتسمًا
وضعها ونظرَ الى سعود
: سعود تفضّل داخل , امّي ودّها تشوفك وتسلّم عليك
زفر سعود وتبعه
توقّف حين خرج من المجلس
: بندر
التفت اليه
: سم
قال بعد صمت
: امّك لحالها
عضّ بندر على شفته السفلى , ثم قال
: بس امّي في المجلس , تفضّل
سارَ خلفه ودخل الى المنزل
استقبلته ام خالد عند الباب
بابتسامةٍ دامعة
اقترب ليقبّل رأسها
لكنّها عانقته
همست
: الله يجزاك بالجنّة يا يمّه على اللي سويته مع لين , والله ما اجازيك
لم يجبها
ابتعدت عنّه , لتقول
: بندر روح انت , بجلس مع نسيبي بروحنا
لم يتحرّك بندر
تأففت وقالت
: بنيدر حلال حلال , زوج بنتي يعني ولدي
قال محرجًا
: انا ما ابي اطلع للمجلس
ضحك سعود رغمًا عنه
دفعته والدته برفق
وأدخلت سعود الى المجلس الجانبي
جلس وجلست أمامه
صمتت لثوانٍ
ثم قالت بجديّة
: ما ادري بتصدّقني او لا , والله ما عندنا خبر عن جيّتها بدون علمك , هي أصلًا وصلت من هنا واليوم الثاني على طول انضرب خالد رصاص وطاح بغيبوبة حول شهرين , ولا جا في بالي ابدًا انّها جاية بدون علمك
لم يتكلّم سعود
امسكت بيده
: سعود انا مو راضية ابد عن اللي سوّته بنتي , ومفتشلة منّك ومن اهلك , وتمنّيت نتعرف على بعض بظروف احسن
زفر ولم يجب
قالت بهدوء
: انا اطلب منك , ولي عندك رجا , ودّي تتركها عندي لحين سفرك , والله ما على قلبي احب من انها تمشي معك الحين , بس في امور ما تفهمها انت , هي محتاجتني اليومين ذي
قال وهو يضغطُ على رأسه
: صعب يا عمّة
: حاول يا سعود , متى تمشي انت ؟
: الحين بحجز.
هزّت رأسها برجاء
: ما عليه يا سعود خلها يومين
زفر بحدّة
صمتَ لثوانٍ , ثم نهض من مكانه
: طيّب
نهضت وقالت ممتنة
: الله يرضى عليك
خرجَ مسرعًا ودخل الى المجلس الخارجي
قال بوجوم
: يلا يبه
قال خالد
: ما تسمر معنا !
: مرّة ثانية ان شالله
نهض فيصل وقال بجديّة
: لازم نجلس معك
هزّ رأسه
: ان شالله
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة صباحًا
قال وهو لا يزال يكبتُ غضبه , الذي لو انفجر سيحرق المنزل بمن فيه !
: ماني رايح
قالت الأخرى بعصبيّة
: شلون يعني بتفشلني مع الناس ؟ بتروح ورجليك فوق راسك
رمى بالكوب الذي في يده على الحائط بقوّةٍ ونهض من مكانه
صرخ بجنون وهو يجبرُ نفسه ان يصدّ عنها
: قلت لك ماني رايح , مو كافي أجبرتيني على ذا الزواج لا بارك الله فيه , تبيني أروح أشوفها غصب بعد
ارتدّ جسدها الى الخلف بفزع
ظلّت صامتةً بصدمة
اقتربت أروى بقلق
: يمه وش صار لك ؟ - التفتت اليه وصرخت – ياخي انت من جيت وانت تحاول تكرّهنا بجيّتك وتسوي مشاكل بأي طريقة , خلاص سافر منت مجبور تقعد عندنا ! ظنّينا انّك منفعل بالأيّام الأولى وكل شي بيرجع طبيعي , بس مصر تجنّن نفسك
نظر اليها بصدمة
لتصرخ مجدّدًا
: جدّتي ما تتحمّل , تبي تموّتها وترتاح يعني ؟
دخل ابو سعود بفزع
: وش فيكم صوتكم واصل لـ... – قطع كلماته وهتف – يمه شفيك
كانت قد انزلقت من يدِ أروى
أسرع وأسندها , لتجلس أرضًا
قبّل رأسها وكفّيها
: بسم الله عليك يمه وش صار
نهضت أروى وقالت بحزم
: الحين بكلّم عمّتي موضي وتكلّم أهل البنت وتعتذر , يلعن ابو الزواج اللي بيطيّرها من قدّامنا واحنا نتفرّج ونعابل سلطان ونراضيه !
زجرها عمّها
: يا بنت
اقترب سلطان من جدّته وزفر
قال بهدوء
: يمّه , متى قالوا لك أروح ؟
بكت أروى وصرخت
: جد خلاص , تكفين يمّه اعتقيه من حلفك , واحد منكم بيصير له شي والله
التفت اليها وقال ساخرًا
: حدّدي موقفك , يا تصفين معي يا مع جّدتك !
ضحك ابو سعود , ثم قال بحنوْ
: عساك أحسن يمّه
هزّت رأسها بصمت
ثم قالت
: سلطان
: لبّيه
: لا تروح يمّه , خلاص بكلّم الناس...
قاطعها بحنوٍّ وهو يقبّل ما بينَ عينيها
: أبدًا , تبين تلغين خطبتي يا ام سلطان !
قال ابو سعود مغتاضًا
: تعقب !
ضحك سلطان بهدوء , ونهض ليخرج من الغرفة
وجعٌ سمومٌ يتهافتُ على قلبه
يردّدُ دومًا
ليتني مِتُّ قبل هذا !
شعرَ بكفٍّ على كتفه
زفرَ دونَ ان يلتفت
قال الآخر بهدوء
: لا تجبر نفسك , حتّى لو زعلت , يومين وترضى
رفع كتفيه بقلّة حيلة
: لمتى ما أجبر نفسي ؟ زواجي بالنسبة لجدّتي الجنّة , ان كنسلت الحين بتطلع لي بعد كم شهر , بتظل كذا لين أتزوج , ويمكن يصير فيها شي على كثر ما تعصّب منّي , وين بشرد من الزواج يا سعود , وهو أمر واقع لا محالة
زفر سعود وشدّ على كتفه
: مدري وش اقول لك , الله يكون بعونك وييسّر لك يا اخوي
مرّت دقائقُ ليرنّ هاتفُ سعود
ردّ بهدوء
: هلا عزوز
: هلا سعود , انا طالع من المستشفى الحين , تجيني البيت اليوم ؟
قال بزفرة
: عزوز انا مسافر بعد يومين
قال عبد العزيز بصدمة
: مسرع ! توّك جاي بسم الله
ابتعد سعود عن سلطان , وقال ببحّة
: لقيت لين
شهق عبد العزيز بلا تصديق
: متى وشلون ووين ؟
صمتَ سعود , ليقول عبد العزيز بعجلة
: اجل تعال لي الحين نتكلّم
:بس...
قاطعه
: ولا كلمة , انا ابيك بموضوع أصلًا
زفر سعود , ثم قال
: طيّب , أرسل لي اللوكيشن
أغلق الهاتف وصعدَ الى غرفته ليستبدل ثيابه
وتفكيره منحصرٌ في جزءٍ وحيدٍ من عقله
في لين
لين وفقط !
يشعرُ انّه يحلم
سيستيقظ لا محالة
لم يجدها بعد
لا يمكن أن يكون وجدها !
تذكّر عينيها , وارتجافها
تذكر شفتيها المرتعشتين
نبضَ قلبه بشدّة
ينتظرُ ان يمرّ الوقتُ بسرعةٍ ليأخذها ويرحل بها !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ صباحًا
رفعَ كوبَ الشاي ليرتشف منه بصمت
وهو يسمعُ والده يقول
: طيّب ما رجعتي كلّمتي هديل تتطمنين عليها ؟
رفعت داليا كتفيها
: ما ادري كانت تعبانة امس مرّة , بعد شوي برجع اتطمن
قال والدها باستغراب
: غريبة من وش مرضت !
نظرت الى صقر وقالت بغيض
: شكلها سامعة كلام سمّم بدنها
ابتسم بسخرية , وظلّ صامتًا
بعد دقائقٍ صامتة , قالت داليا بتردد
: شلونها زوجتك
قال ببرود
: طيّبة
نظرت الى والدتها بصمتٍ ثم اليه
قالت والدته بوجوم
: وش عندك من يصبح الصبح لين الليل عندنا , لا يكون متهاوشين
قالت داليا
: يكون أحسن , وع من زينها العجوز
نهرها والدها
: يا بنت
ابتسم صقر رغمًا عنه
ثم قال بهدوء
: ماهي كبيرة مرة , أصغر مني بسنتين او ثلاث
انفجرت داليا ضاحكة
ثم قالت باستهزاء
: عدااال , عساس انت صغير يعني , انت زين انّك للحين تمشي على رجليك أصلًا
تجمّدت ملامحه وقُتلت نظرته
رفعَ عبد الله رأسه بسرعة لينظر الى شقيقه
ازدرد ريقه ثم قال
: ازعجتينا يالنتفة , انطمي
التفت اليه صقر وابتسم بحسرة
نظرَ اليها ثم قال بخفوت
: أبشرك كلّها كم سنة وما عاد أمشي على رجليني
قالتا والدته وشقيقته بشهقة
: بسم الله عليك
قال عبد الله وهو يرغمُ نفسه على الابتسام
: يعنني كبير
نهض بصمتٍ وأخذ كوب الشاي خاصته
تبعه عبد الله وجلس بجانبه
قال بهمسٍ حاد
: وش فيك انت تفاول على نفسك
رفع كتفيه بقلّة حيلة
: ذا اللي بيصير يا اخوي
قال عبد الله بغضب
: صقر وش ذا الكلام ! ما عندك يقين بالله انت ؟
قال بزفرة
: لا اله الا الله , بس تقاريري كذا
: طز بتقاريرك كل ابوها , الله كريم يا صقر , أرحم وأعلم وأكرم , مطّلع عليك ويعرف حالك , توكّل على الله ولا تلتفت لسوالف الأطبّاء اللي ما عندهم ما عند جدّتي
ضحك صقر رغمًا عنه
: الحين يدرسون وتشيب روسهم ويشقون العمر كلّه وانت باردة مبرّدة تقول ما عندهم ما عند جدّتي
ابتسم عبد الله
: اي والله وانا صادق
هزّ رأسه
: طيّب , لا تنسى عشا ذياب الليلة
دخلت داليا وابتسمت من منظرهما
جلست أمامها بصمتٍ تتأمّلهما
قال عبد الله
: خير
هزّت رأسها وزفرت , ثم قال بلطف
: شكلكم سو كيووت
رفع رأسه اليها بسرعة
ورنّت في اذنه نبرتها الرقيقة
ترقيقها للأحرف عمدًا
بصورةٍ سريعة تذكّر الطفل الصغير
" : مشالله تبارك الرحمن , شوفي رتيل البزر
: اللهم صلي على محمد , يهبل يحليله الله يحفظه
هتفت حينها , ورمشيها يتطايران بدلالٍ تمثّله باتقان , وكأنّها تقلدُ أحدهم !
: يااي سسو كيووت ! "
شعرَ بحرقةٍ في عينيه , ضحك ساخرًا من نفسه
وأشاح ببصره عنهما
أشاح ببصره عن الحياةِ ذات اللون الميّت !
أشاح بقلبه عن كلّ ما في الدنيا , التي كفّت عن الابتسام في وجهه
منذ فارقها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ وعشرون دقيقة صباحًا
شرب من الماء , ثمّ لوّح بالكوب وقال
: اي قول وش عندك
قال الآخر بنبرةٍ ميّتة
: بتزوجها
رفع رأسه بصدمة
صمتَ لثوانٍ , ثم قال بهدوء
: متأكد من قرارك ؟
رفع كتفيه بضعف
: وصيّة ميّت يا سعود
ازدرد ريقه , ثم قال
: عزيز لا تجبر نفسك , يا خوفي ما تتوالمون وتطلقها !
قال عبد العزيز
: دامه يبي الولد منها , ان شالله يجي منها , ثم الله كريم
قال سعود بتحذير
: لا تكون حاط في نيّتك الطلاق عقب الولد ؟ ما يجوز ترا
صمتَ لثوانٍ , ثم أشاح ببصره عنه واستغفر بهمس
ضحك سعود بسخريةٍ مريرة
: ما تبيها لا تاخذها , ولا انّك تنوي تاخذها وتخلّف منها ثم تطلّق
قال بخفوت
: ماني مطلّق
صمتا لدقائق
ثم قال عبد العزيز باستدراك
: اي ما قلت لك , دامك لقيت زوجتك وبتسافر , اجل بعجّل خطبتي وملكتي
عقد سعود حاجبيه
: ما ينفع وانت بهالحال , ماهو لازم اكون حاضر , اذا ربّي كتب احضر زواجك
قال عبد العزيز بتحذير
: انت وعدتني , ولي عندك دين ابيك تردّه
قال سعود بهدوء
: عـ...
قاطعه بأمرٍ قاطع
: لا تجادل , ما اسامحك ان ما حضرت وشهدت في العقد
قال سعود بعصبيّة
: ياخي لا تنرفزني , انت تدري انّ قلبي انشلع لين لقيتها , مو قادر انتظر يوم زيادة
صرخ به عبد العزيز
: مالي دخل بمشاكلك الخاصّة , تبي تتركني في أزفت يوم في حياتي , لي حق عليك اذا ناسي
اقترب منه سعود بتهديد
: لا تخليني اكسر رجلك الثانية الحين , متى تركتك عشان تذكرني ان لك حق ؟
حاول عبد العزيز ان ينهض , ليدفعه سعود ويقول
: اقول اقعد لا تهايط علينا وتطيح فالمستشفى اليوم بعد
دخل ابو عبد العزيز , وقال بصدمة
: وش فيكم !
ابتعد سعود عن عبد العزيز
قال عبد العزيز وهو عاقدٌ حاجبيه
: اطلع برّى , وعساك لا حضرت ولا كنت موجود
رفعَ سعود كأس الماء , ليرشق عبد العزيز به
شهق عبد العزيز من برودة الماء
وشهق ابو عبد العزيز واقترب من سعود غاضبًا
: صاحي انت
زفرَ سعود غضبه وقال
: معليش يا عم
مسح عبد العزيز وجهه ليخفي ابتسامته التي علت شفتيه رغمًا عنه , خلف كفّيه
ضبط ملامحه وعقد حاجبيه , وأبعد كفّه عن وجهه
قال بهدوء
: اتركنا شوي يبه
قال سعود بحدّة وهو يحمل هاتفه
: انا اللي بمشي , لما تبي تنقلع كلّمني
ما ان عدّى عتبة الغرفة حتّى انفجر عبد العزيز ضحكًا
ليبتسم سعود رغم غضبه
قال مغتاضًا
: كلب
قال ابو عبد العزيز بدهشة
: وش متلبسكم انت ويّاه !
التفت سعود وزفر
قال عبد العزيز
: خير ؟ انقلع يلا
هزّ رأسه ايجابًا , ثم قال بخبث
: عسا ما كان الماي بارد مرّة ؟
رفع عبد العزيز كوب الماء الذي بجانبه
: ودّك تجرّب
اقترب سعود ورفعَ الكوب الى وجهه
همّ بسكبه على نفسه , وعبد العزيز مبتسم
ليباغته سعود ويرشقه به
صرخ عبد العزيز بشهقة
: يا ***
انفجر سعود ضحكًا وابتعد ليخرج من الغرفة
: انا وانت واحد يا قلبي , كأنّي انا اللي جربته
خرج من المنزل ووضع نظّارته على عينيه
ركب سيارته وبقي ينظرُ في الفراغ بصمت
حتّى أراح رأسه الى طارة القيادة وأفلت نفسًا طويلًا مثقلًا بالهم
غضبه الذي رمى به على عبد العزيز , ماهو الّا تنفيسٌ لهمّه
كذلك عبد العزيز
ذروةُ وجعه نفثها في صراخه
كلاهما يدركان ذلك
ويخفيانه بشتيمةٍ او ضحكةٍ حمقاء
أخرج هاتفه واتصل بعبد العزيز
الذي أجابه بغضب
: خير
قال بابتسامةٍ هادئة
: متى بتروح للناس ؟
: مو شغلك
صمت لثوانٍ , ثم قال
: اوكي , اجل انا بروح على طيّارة بعد بكرة
تأفف عبد العزيز , ثم قال
: بكلّم ابوي وارد لك خبر
قال سعود ببرود
: استعجل , عشان أأجل الحجز
وأغلق الهاتف دون وداعه
حرّك سيّارته
يسيرُ بلا هدىً
لم يعلم انّ تفكيره سيقوده الى هناك
الى ذلك البيت بنيِّ اللون
ذو الباب الأبيض الصدئ
ظلّ يرمقه , ويشعرُ بالضعفِ في جسده
يردعه جسده عن الحراكِ لينزل اليها
ويمنعه قلبه عن رؤيتها
كلّ ما فيه يصرخ ان اذهب , لا تنتظرها , ولا تقابلها
ذات العينين , اللتّان أفقدتاه عقله في ثوانٍ
صاحبة الأحرف الناعمة , والنبرة التي تخترقه
أوّل انثى تجذب قلبه , قلبه الذي كان حرًّا دومًا
قلبه الذي لم تستحلّ حرمته أنثى سوى والدته وخالته وجدّته
قلبه , العذراوي !
يا حبيبتي يا لين
يا حبيبتي التي خلقت لي حياتًا , التي بعثتني الى عمرٍ جديد
يا هزيمتي وضعفي , يا انكسار نظرتي اذا ما مرّت على بريقِ عينيكِ
متَى تنقضي الأيّام القصيرة يا لين
ونرحل
نرحلُ الى حياةٍ تخصّنا
حياةٍ , ستكرهينني فيها !
رغمًا عنّي يا لين
لن أستطيع معانقتك , قبل ان أخنقك بكلتا كفّاي
قبل ان استئصل قلبكِ الذي أحضرني من أقاصي الأرض
قبل ان اهذّب قراركِ الأحمق
قراركِ , الذي أرسلني الى جحيم الحياة !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الخامسة مساءً
ارتشف من قهوته , ليتأفّف ذياب
: عزّ الله خلّص البن على ذا الحالة ! صقير قوم لا بركةٍ في العدو
لم يجبه
قال سعد
: ذي ثالث دلّة تسويها وتشربها لحالك ! ماهو زين تكثّر
لم يجبه
اقترب ذياب بعصبيّة
: تراني بروّشك فيها
قال ببرود
: شتبي انت ؟
سحب منه فنجانه
: قم معنا شوف وش ناقص لا تقعدلي كنّك ضيف شرف , واتّصل على عبد الله أكّد عليه يجيب علي وتركي ووليد معه
يعلمُ انّه ان جلس جلسةً كهذه
يظلّ يغوصُ في فكرٍ أسود
حتى يتلاعب به سكّر دمه
سكّر دمه السيء
الذي ما يلبث يراه مهمومًا , حتى يلهو به مستمتعًا
ليزيدَ وجعه وتعبه !
نهض من مكانه وقال بلا مبالاة
: هقوتي علي وتركي ووليد ماهم جايين
: ليه ؟
خرج من المجلس وهو يقول
: اختهم تعبانة
رماه ذياب بوسادةٍ ثقيلة , ليلتفت اليه بغضب ويصرخ
: خبل انت ؟
صرخ ذياب بغضبٍ أكبر
: انا الخبل ولا انت ؟ انا اللي تارك بنت عمّي اللي ما يرتفع سكّري الّا من راشد او من حبها ؟! انا اللي طلّقت زوجتي اللي روحي فيها ؟ انا اللي أكابر على البنت الوحيدة اللي احبها !
قفز صقر ليخنقه وهو يهتف
: يا حيوان
أمسك به سعد وهو يهتف
: صقر تعوّذ من ابليس , يقصدك ما يتكلّم عن نفسه
قال صقر بجنون
: لا تتدخّلون فيني , ما لكم دخخل ما لكم دخل , انا ما طلّقت الا وانا مقتنع
لكمه ذياب وهو يصرخ
: كذّاب , كــذااب
وقف سعد بينهما وقال برجاء
: تكفوون تكفون بس , واللي يرحم والديكم والله ما يصير , عندنا عزيمة ومحتاسين وانت ويّاه تتذابحون ! لو دخل علينا أحد الحين ما يقول مهابيل !
تراجع صقر خطوتين , وهو ينفث بغضب
: انا طالع , قلعة تقلعكم وتقلع عزيمتكم
خرج ليتبعه سعد
: صقر , صقر لا تصغّر عقلك وش صار لك
أبعده وخرج
عاد سعد الى شقيقه
قبل ان يتكلّم قال ذياب بتهديد
: والله تاكل ضربة أخس من اللي أخذها ذا الورع اللي انقلع
حملق سعد فيه بصدمة
ليقول
: من الورع !! لا يكون صقر !
قال ذياب بحدّة
: سـعـد
خرج وتركه
ليسمعه يقول
: اتّصل على سلطان اكّد عليه , وجه البوم اكيد بيسحب ويسوي نفسه ناسي
قال سعد ساخرًا
: اذا اللي مسوّي له العزيمة هج وخلّاك من بيجيك
قال ذياب
: قلت شي ؟
تأفّف سعد
: لا
,
,
المملكة العربية السعوودية – الرياض
الخامسة وخمسٌ وثلاثون دقيقة مساءً
بعصبيّةٍ بالغة أخرجت العصا الزجاجية من علبة العود
لتمرّرها خلف اذنيه , وعلى ساعديه
أغلقتها ورمتها أرضًا
لتأخذ المبخرة وتبخّره
ابتعدت أخيرًا , لتسمع صوته خافتًا
: مشكورة
التفتت اليه , همّت بالحديث لكنّها تراجعت
وخرجت من الغرفة
قالت جدّته بزفرة
: يمّه اذا بتروح عشاني خلّك...
قاطعها بقبلةٍ هادئة وضعها أعلى رأسها
وخرج بهدوء
قبل ان يفتح باب المنزل رنّ هاتفه
أجاب بهدوء
: هلا
صمتَ لثوانٍ , ثم قال
: انا عندي مشوار الحين , اذا رجعت منّه بشوف عمّي
تبادلا بعض الكلمات , ثم أغلق الهاتف وخرج
ركب سيّارته وسار حتّى توقّف أمام منزلِ " خطيبته "
تردّد في النزول
ثم أجبر نفسه ونزل بغضب
استقبله عمّ الفتاةِ الأصغر
وأدخله الى المجلس
لينهض والدها مبتسمًا
: حيّا الله ولدي سلطان , يا هلا والله
قال بنبرةٍ ثقيلة
: الله يحييك , جعلك تسلم
صافحه , وقبّل رأسه
ليجلس في صدرِ المجلس
ضيّفه عمّها الأصغر وجلس قريبًا
بعد دقائق , قال والدها
: مهند نادْ لمى
كتم تأفّفه وضجره
ودّ ان يقول للرجلِ ذو الشعيرات البيضاء الوقورة في شعره ولحيته
لا أريد ابنتك !
لم تُرخصها الى هذا الحد
لم لا ترفض وتريحني وترتاح وتريحَ ابنتك الوحيدة !
لستُ رجلًا مثاليًا تطمح به لابنتك
انا رجلٌ مليءٌ بالعقد
انا رجلٌ مجنون !
انا رجلٌ لا زالَ جرحي ينزف , لم اتعافى بعد
سمع خطواتٍ سحبته من أفكاره السوداء
لم يرفع رأسه , رغم سماعه لهمسها بالسلام
جلست أمامه , قريبةً من والدها
قال عمّها
: سلّمي بصوت عالي ما سمعك
حمحمت باحراجٍ وسلّمت مجدًّدا بصوتٍ أعلى قليلًا
قال بخفوت
: وعليكم السلام
ولم يرفع رأسه !
مرّت ثوانٍ , ليحمحم والدها
حبسَ زفرته ورفع رأسه
نظرَ اليها ببرود
شعرَ لوهلةٍ أنّه رآها من قبل
شعرَ أنّ وجهها مألوفٌ لعينيه
لم يشأ ان يشعر بالألفة ناحيتها !
مسحها بعينيه , وكأنّه يتأمّلُ تحفةً ليبدّدَ ملله
شعرٌ حالكُ السواد يغطّي كتفيها , وتطلّ أطرافه بخجلٍ على جانبي خصرها
بشرةٌ قمحية لذيذة
عينينِ واسعتان , بلون الكستناء
حاجبان طويلان , بلون شعرها
ابتسامةٌ صغيرة , وأنفٌ كأنفِ طفل
بدت له قصيرةً جدًّا أمامه
تذكّر كلماتِ جدّته وعمّته الكبرى
" : حاول تبتسم الابتسامة صدقة
: اسأل البنت عن أحوالها
: اسألها عن دراستها عن خططها
: بيّن لها اللطف مو تكلّمها بجلافة "
سحبَ نفسًا عميقًا
ثمّ قال بهدوء
: شلونك
قالت ببحّة
: الحمد لله
لم يهتّم بأن يسألها عن أمرٍ آخر
نظرَ الى والدها بصمت
قال والدها بمحبّة
: يلا بابا
نهضت بارتباك , خجلةٌ من أن تسيرَ أمامه
ذاك الذي لم يكن ينظرُ اليها اصلًا !
خرجت من الغرفة ليتحدّث مع والدها لدقائق
ثمّ استأذن خارجًا
ركب سيّارته وأفكاره تخيّل له أيّ نوعٍ من الفتياتِ لمى تلك
مع كم رجلٌ تحدّثت
ومع كم واحدٍ خرجت
ومع...
زفر وضرب رأسه بطارة القيادة وهو يقول
: بسس
فكّر بأسىً على حالِ الفتاة
أيّ ذنبٍ أذنبته لتعاقب به !
أيّ سوءٍ كانت به , لتُرمى في طريقه !
نزل الى منزله , ودخل الى غرفةِ جدّته
التي قالت بلهفة
: بشّر
تحامل على نفسه
وقال بهدوء
: خير ان شالله
نظرَ الى عمّه
: ذياب اللي عزمك امس , اتّصل اخوه من شوي , تروح ؟
: والله ما لي خلق
قال سلطان
: انت اللي قلت اي بروح ونكبتني مع الرجال
ضحك ابو سعود , ثم قال
: اجل بطلع أصحّي سعود اشوفه يخاوينا
: خلّك انا بصحّيه
صعد الى غرفةِ عمّه وابنه
واقترب من سعود
الذي كان مستلقيًا في عرضِ السرير
قال بخفوت
: سعود
قال سعود ببحّة
: هلا
عقد سلطان حاجبيه
: مانت نايم !
اعتدل سعود في جلسته وقال
: ما جاني نوم
: طيّب قوم معاي
: على وين ؟
: انت وابوك معزومين على عشا , وانا معاكم
قال بلا مبالاة
: ما لي خلق
: ان ما رحت ماني رايح , ابوك قبل العزيمة عنّك
تأفّف
: شف لا تسوي لي حركات بزران , روح اجهز ما لك دخل فيني
همّ بنزع شماغه
: اجل حتى انا ماني رايح
صرخ سعود بضجر
: سليطيين
قال سلطان ببرود
: تقوم ولا لأ
نهض من مكانه وهو يقول
: تصدّق محتاج أغيّر جو , بخاويكم
قال سلطان ساخرًا
: البس لبسنا , ماهو لبس الرخوم حقّك
شتمه سعود بالانجليزية بخفوت
ليرفع سلطان حاجبيه بدهشة
صمتَ لثوانٍ , ثم قال باستياء
: أخلاقك خربت يا ولد العم !
تجاهله سعود وفتح حقيبته
أخرج ثوبه وتأفّف
: يبيله كوي
: ماهي مشكلة نتلابس انا وانت
دخل ابو سعود حينها , وقال
: شكلك ما نمت
هزّ رأسه نفيًا
: ما قدرت
قال والده بحدّة
: وامس الليل بعد ما نمت , واليوم ما فطرت ولا تغدّيت , وش تبي تسوي في نفسك ؟
خرج سلطان بصمت , ليقول سعود بضيق
: يبه ماني بزر الله يهديك , ماهو صاير علي شي ان جعت اكلت وان نعست نمت !
صمتَ والده , ثم قال بهدوء
: رحت للين اليوم ؟
أشاح بنظره عنه وقال
: لا , ليش اروح لها !
ضحك والده ولم يتكلّم
عاد سلطان بعد قليل بثوبٍ وشماغ وعطر
: خذ سعود , عندك طاقية ؟
هزّ رأسه ايجابًا
ارتدى الثوب واقترب سلطان ليلبسه الشماغ
قال سعود بغيض
: هيه زودتها وش شايفني مرّة مفهي ما اعرف البس شماغ !
ضحك سلطان
: لا بعدّل لك النسفة بس
: ما يحتاج
رنّ هاتف سلطان , ليجيبه بزفرة
: يا هلا بذا الصوت
صمتَ الآخر
ليضحك سلطان
: الو !
قال الآخر
: تكلّمني ؟
: اجل اكلّم نفسي !
ضحك بدهشة
: لا بس استغربت يعني , المهم انا تحت عند جدّتي , تنزلون ولا اطلع لكم
: يلا نازلين
أغلق الهاتف وقال
: انا نازل لمالك , سعود تعطّر من ذا العطر
تركهما ونزل
قال ابو سعود
: حجزت ؟
: عساس بعد بكرة الصبح طيّارتي , بس عزيز بيخطب ويبيني معاه , فبأجّل
ابتسم ابو سعود
: ما شالله , بس ما كأنّه استعجل يعني للحين ما توظّف ؟
قال سعود بخفوت
: بيتوظّف بشركة أبوها , اخوه الله يرحمه كان موظّف هناك
حبسَ زفرةً موجوعةً على صديقه
أخو الحياة
أيّ قوّةٍ سيكبّلُ بها قلبه ليخطو الى ذلك البيت
ليمسك بيدِ الفتاة
ليصحبها الى بيته , ويغلق بابًا يحول بينهما وبين العالم
سامحك الله يا بندر , على ثقلٍ أسقطته على شقيقك
رحمك الله يا شقيقَ شقيقَ قلبي
لو كنتَ حيًّا , لأوسعتك ضربًا !
لعاقبتك على انكسارِ بصرِ عبد العزيز , ووجعِ قلبه
تعطّر وخرج مع والده لينزلانِ الى غرفة جدّته
التي ابتسمت حينَ رأتهما
: يا هلا , حياهم الله , والله يا محمّد انّ ما بعد فرحتي برجعة سلطان شي الّا شوفتك مع سعود
رفعَ سلطان رأسه بسرعة
وظلّ ينظرُ الى جدّته بصمت
همس مالك
: حاس بتأنيب ضمير ؟
صمتَ لثوانٍ
ثم قال بجمود
: لا , الودْ ودّي أرجع أصلًا
هزّ مالك رأسه ايجابًا بصمت
,
,
المملكة العربيّة السعودية – الرياض
السادسة وخمسٌ وخمسون دقيقة
سحب مفتاحه وهاتفه وسارَ ناحية الباب
تبعه سعد بعجلة
: وين رايح !!
نظرَ الى ساعته , ثم قال
: بجيب صقر
: ذياب يرحم والديك لا تطلع الحين , جبت البقعا معه وبتطلع تدوره والناس على وصول
التفت اليه ليقول بحدّة
: العزيمة كلّها عشان صقر , وبعدين واذا وصلوا الناس ! مانت رجال طول بعرض ما تعرف تقلطهم يعني ؟ والعشا بيوصل على سبعة ونص أشرف على العمّال وانتبه يخربون شي , دخله للمطبخ الخلفي
قال سعد
: وين بتلقاه ؟ لو تتّصل عليه أوّل
: مقفّل جواله , ما عليك انا اعرف وين أحصله , يلا سلام
خرج من الاستراحة وركب سيّارته
توقّع مكانين , ورجّح واحدًا على الأغلب
وهو الأقربُ الى الاستراحة
ساحةٌ خاوية في أطراف المدينة
سارَ قرابة ثلاثةَ عشرةَ دقيقة بسرعةٍ كبيرة
لمح سيارة صقر وابتسم
أوقف سيارته خلفها ونزل , ليركب مع صقر
زفرَ صقر ولم يتكلّم
قال ذياب بهدوء
: وين وصلت
قالَ بخفوت
: لمّا دخلت علي في المستشفى
عقدَ ذياب حاجبيه وقال
: لمّا طلع الكلب راشد من عندك ؟
هزّ رأسه ايجابًا بصمت
ابتسم ذياب
: اذكر وجهك وقتها , تصدّق كانت أكثر مرّة احس بقهر فيها بحياتي , كانت اوّل مرّة اشوفك خايف !
قال صقر ببحّة
: احس الخوف اللي خفته ماهو كافي لذاك الموقف ! الحادث والغيبوبة اللي دخلتها , واصحى على وجع وتعب , وراشد !
قال ذياب
: تصدّق صقر , صرت اتمنى لو اننا رجّعناك وبس , بدون السنوات اللي ضيّعناها , خسرنا يا صقر , ما استفدنا شي من سجنهم , ولو انقص راس راشد قدّامي وقدّامك ما بترجع لنا السنين اللي راحت
أغمض عينيه بحرقة
قال ببحّة
: وش تفيدنا لو يا ذياب , وش تفيد يا اخوي
رفعَ كتفيه بقلّة حيلة
صمتا لدقائق
ثمّ قال ذياب
: اذكر سنتين السجن اللي راحت عليك , شلون كان مو هاين عليّ ولا عليك نتراجع عن كلمة قلناها , شلون أصرّينا انّك ما تترجاهم ولا تطلب منهم شي , ولما استسلمنا وبلّغنا ابو بدر وابو هاني الله يذكره بالخير , تدري بغوا يذبحوني ! وكنت راح أخسر شغلي وسجل انجازاتي , بس توسّط لي ابو بدر وسوّوا الخطّة ورتّبوها...
قاطعه صقر
: ولمّا طلعت , وكان ابو عقاب محترم وآدمي معاي , وبعد شهور عرض عليّ أتزوّج مها
قال ذياب مغتاضًا
: وانت مدري وين شايفها ومتخرفن ووافقت على طول
هزّ رأسه نفيًا
: لا , بس الحقيقة انّ ابو عقاب ما كان يبي لي المضرّة , وكل شي بيد راشد ومن تخطيط راشد , وعاملني أحسن معاملة , وأعطاني نصيب كبير من أسهم الشركة , ومسكّني من أكبر المناصب فيها , ودخّلني أكبر المستشفيات فترة علاجي الأولى , ما كنت قادر اردّه , والحمد لله
قال ذياب بهدوء
: مو ندمان على زواجك من مها ؟
صمتَ لثوانٍ , ثم قال بوجوم
: لا
زفرَ ذياب وصمت
مرّت دقائق
ليقول ذياب بنبرةٍ مرهقة
: يلا صقر , نرجع الاستراحة
هزّ رأسه ايجابًا
نزلَ ذياب من سيارة صقر , وركب سيّارته
وعادا الى الاستراحة
وقلبُ كلٍّ منهما , يأنُّ ويبكي !
تذكّر ذياب تلك الأيّام بتفاصيلها المزعجة
اتّصال عبد الله الذي أفزعه
صوته المرتجف رغم انّه يحاول السيطرةَ عليه
" : ذياب تكفى ما شفت صقر !
قال مستغربًا
: مو عنده مؤتمر في الشرقية ؟
قال عبد الله بجنون
: المؤتمر من امس مخلّص , وجوّاله مقفل , وسيّارته هناك في مكانها
قال ذياب بقلق
: طيّب انا اشوف وارد لك خبر
اجرّى عدّة اتّصالات
وتأكّد ان صقر وقّع على خروجه في الثالثة وخمسٌ وخمسون دقيقة فجرًا
أرسلَ طلبًا بتسجيلات المراقبة لطريق الشرقية الى الرياض , ومحيط القاعة التي اقيمَ فيها المؤتمر
ذهب الى مركزِ الأمن وطلبَ عرضهما
في ذاتِ الغرفة , وعلى العديد من الأجهزة , قسّموا المراقبة
أخبرهم عن رقمِ لوحة سيّارته
بعدَ دقائق التفت أربعةُ موظّفين اليه
: طريق الشرقية والرياض ما مرّت سيّارته
قال أحدهم من الجهةِ الأخرى
: محيط القاعة ما ظهر الّا الساعة ثمانية وثلث كأنّه أخذ شي من سيّارته والساعة عشرة كان ياكل ويتكلّم مع عسكري
هتف أحدهم
: في جزء محذوف
التفت اليه ذياب وأسرع وقلبه يكادُ يقفز من صدره
: من متى لمتى
: بين ثلاثة وخمسة وخمسين دقيقة الى اربعة وخمس دقايق
قال ذياب بقلق
: وش بيكون صار في عشر دقايق !
صرخ بهم باستدراك
: أرسلوا خبر لادارة القاعة انّ في جزء مفقود , ابي استجواب للحارس ولمسؤولين الأمن هناك
بعد دقائق قال ذياب فجأة
: دخّلوا رقم السجل المدني لصقر شوفوا اذا سافر أو لأ
بعد ثوانٍ قال أحدهم
: ما طلع من البلد
صرخ بجنون وهو يرفس أحد الكراسي
حامَ في الغرفة بعجلة , ثم قال
: ادخل لي على صور المسافرين خلال اليومين اللي طافت
خلالَ ثوانٍ بدأت الصور تعرض على شاشات الغرفة
وذياب ينظرُ اليها بنهم
مرّ وقتٌ حتّى صرخ
: شاشة ثلاثة وقّف
أوقف تحرّك الصورِ بسرعة
قال ذياب
: رجّع ببطء
عاد ثلاث صور الى الخلف
قال ذياب وقلبه يدقُّ بعنف
: طلّع لي معلوماته
قال الموظّف
: مسفر ابراهيم الرائد , مواليد الف وتسمعمية وسبعة وسبعين
صمتَ ذياب بصدمة
لا يمكن !
هذا صقر !
صقر رفيق عمره
غُيّرَ اسمه , وزادوا على عمره عشرةَ أعوام !
قال برجفة
: وين سافر , وشوف لو في أي ملاحظات
قال بعدَ ثوانٍ
: راح لاستراليا , رحلة علاج , سافر في وضع حرج وغيبوبة
أغمض ذياب عينيه وغطّاهما بكفّه , ليضغط على رأسه بقوّة
من اين ظهر كلّ هذا الهراء !
قال أحدهم
: وش نسوي الحين ؟
فتح عينيه , قال ببحّة
: خلاص , كل واحد يرجع لشغله
خرج من الغرفةِ على عجل , الى مكتب الطيران ! "
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة والنصف مساءً
خرجت من غرفتها الى المطبخ
أخذت الماء وهمّت بالعودة الى غرفتها
وجذبها صوتُ أشقائها في المجلس
ذهبت لتلقي نظرة
حينَ رأوها
تأفّف فيصل وهمّ بالنهوض
ورمقها بندر بنظرةٍ معاتبة ومؤنبة
وأشاح خالد عنها
قالت وهي تحبسُ بكاءها
: قصدكم بتعاقبوني يعني ؟ ولا واحد سألني ليش سوّيتي كذا , ولا واحد...
قاطعها فيصل بحدّة
: ولا كلمة لا تقعدين تتمسكنين الحين , لو وش ما كانت ظروفك ووش ما كان صاير معاك ما تسوّين ذا السواة , ما يحق لك يا محترمة يا متربية , انتي لا يكون تحسبين نفسك زيّك زي اي بنت يظل شورها بيد أهلها حتّى لو هي مملكة لين تتزوّج ؟ انتي ظروفك شاذّة يا مدام , سعود زوجك وولي أمرك والمسؤول عنّك , فشلتينا وسودتي وجيهنا معاه وجاية تتبكبين الحين !
بكت لين وقد فقدت قدرتها على التحمّل
: حرام عليكم , انتوا اخواني ! ان ما فهمني سعود ولا راعاني انتوا بعد بتقسون علي ؟ انتوا بعد بتصدّون وبتجرحون ! ما كأنّي اختكم الوحيدة
قبل ان يصرخ فيصل , قال خالد
: فيصل بس
ترك فيصل الغرفةَ غاضبًا
التفتت الى والدتها برجاء
: يمّه
لم تجبها والدتها
جلست لين على ركبتيها أمام والدتها وهي تبكي
: عشانك انا جيت , نسيت نفسي ونسيت جامعتي ونسيت زوجي وتركت كل الدنيا وجيتك
قال خالد بحدّة
: ليش استغفلتيني واستغلّيتيني , كان المفروض تعلميني وانا اتصرف وانا احدّد وش اسوي واقرّر آخذك ولا اخلّيك , اعلم سعود او اخليه بدون علم , انتي تعدّيتينها كلّنا يا لين وتصرّفتي من راسك وكأنّ ما وراك رجال ابد
التفتت اليه لتصرخ بحرقة
: خفت عليه , خفت يكون مصيره مثلك ومثل ابوي , صرت بين نارين يا اخوي , نار امّي اللي خفت تروح وانا ما شفتها , او انّي اعرّض سعود لرصاصة من عمّك او فارس , تحسبني مستانسة وانا تاركة سعود ؟ سعود اللي طلعني من الجحيم للجنّة , اللي لو لا ربّي ثم هو ما عدّت علي السنة الأخيرة لأنّها كانت صعبة وثقيلة , تحسب الموضوع هيّن عندي وانا كنت قبلها بيوم محتفلة معاه على سنة مرّت بيني وبينه , بس فضّلت احميه على انّي استانس فيه كم يوم زيادة
قال خالد بوجعٍ على شقيقته يواريه خلف حدّة نبرته وتعنيفه
: ما يبرّر لك يا لين , ماهو مبرّر , انغرّيتي بسعود المتفهم الطيّب , انغرّيتي بأنّه تربية انجليز وعايش حياة الانجليز , نسيتي انّه رجُل عربي مسلم , من أصل بدوي , رجّال يغار على زوجته ويخاف عليها , وينتقص نفسه اذا تعرّضت لأي شي لأنّه ما قدر يحميها ويكون على راسها , الرجال يا لين يتضايق انّ زوجته تطلع مع اخوها وابوها دامها على ذمّته , شلون لو سافرت من بلد لبلد , وهو ما يدري مع منو وليش ولوين بالضبط , تاركته فجأة ! لو ما شافك صدفة كان قضى عمره الباقي كلّه يدورك , وانتي على ذمّته وضايعة منه ! لو تعيشين عمر على عمرك ما بتفهمين اللي يحس فيه سعود يا لين , عمرك ما بتفهمين
انهارت بالبكاء
ليقول خالد بحدّة
: لا تبكين , ما بيفيدك البكا , استغفري ربّك على ذنبك , ادعي ان الله يحنّن قلبه عليك وتقدرين تستردّين مكانتك عنده , سعود طيّب وولد حلال , ولو كنت بختار لك زوجك ما كنت بختار غيره , خسرتيه مرّة يا لين وحاولي تكسبينه , ودامه دوّرك وبياخذك يعني لك مكانة عنده , قومي وبطّلي بكي , اطلعي للسوق وجهّزي نفسك , انتي عروس الحين بتطلعين من بيت اهلك لبيت زوجك
أغمضت عينيها بحسرة
ليتَ كلامك حقيقةٌ يا اخِي
ليتني عروسٌ بيضاء
تزفّ الى زوجها
نقيّةٌ ناعمة , تأسر عينيه وتسكنُ قلبه
ليتني ازفّ اليه بعمرٍ جديد
لا احمل خطيأتي معي
لا احملُ ذنبًا , سيظلُّ يجدّد وجعه كلّما رآني
لا احملُ جرمًا , سيظلُ واقفًا بيني وبينه
يندسُ حتى بين كفّي وكفّه اذا ما تلامسا
يستلقي ببرودٍ بيننا , اذا أوينا الى السرير
يقابلنا على موائدنا , يرافقنا في ذهابنا وايابنا
اختك ستزفّ مذنبة , لا عروسًا يا اخي
لن تزفّ في ليلةٍ سعيدة
ستذهب الى مأتمها , الى العذاب الجديد الذي ينتظرها
حتّى لو لم يعاقبها سعود أبدًا
ستبقى نظراته تنصبُّ عليها , حتّى لا تنسى ما فعلته أبدًا !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة مساءً
قال وهو يكادُ يفقدُ صبره
: وش يعني ما صار شي !
قالت بتأفّف
: علي قلت لك ما في شي , كذا بس فزّيت من النوم شايفة كابوس
كانت هديل تعضُ شفتيها بغيضٍ كبير , لكنّ رتيل كانت قد حلّفتها ان لا تخبر أحدًا
قال علي
: رتييل , صراخك وبكاك مو حق كابوس
قالت والدته
: لا تزن كثير , خلاص كابوس كابوس , المرّة الجاية تحصّني واقري اذكار النوم قبل تنامين
هزّت رأسها ايجابًا
: ان شالله
قال تركي بعد دقائق
: علي عبد الله مرسل رسالة , يقول ذياب عازمنا على عشا الليلة
قال علي
: اي علّمني , وقال بلّغ وليد
: وليد بيروح ؟
: ما ادري , الحين بتّصل عليه , انا عنّي مشتاق لذياب وبروح
قال تركي
: خلاص اذا بتروحون انا معاكم
اتّصل علي بوليد
: هلا وليد , الحمد لله بخير , اسمع ذياب خوي صقر عازمك تخاوي ؟
صمتَ لثوانٍ , ثم قال باستغراب
: من جدّك انت ! وش له تخاف عليهم لا يكون بزارين ! حريم كل وحدة وش طولها خايف تتركهم بروحهم !
صمتَ لثوانٍ , ثم قال بحدّة
: يخسي هو وعشيرته وطوايفه تكرم امّي وامّك , لو يوطوط من ناحيتهم يعرف انّ ربّي كتب أجله
قالت ام علي بقلق
: وش صاير
قال علي
: ابوه السفيه مهدّد يرفع قضية ان وليد خاطف ملاك , وعمامه السفلة مهدّديه ياخذونها غصب
قال تركي بغضب
: لا يكون الدنيا سايبة لهم !
قالت ام علي
: هووب انت وياه شوي شوي , قول لوليد جيب امّك واختك وروح للعشا
قال علي
: هاه سمعت شقالت امّي , مالك عذر الحين , احنا ننتظرك اجل
ودّعه وأغلق الهاتف
قالت هديل
: اي والله زين اللي قلتوا له يجيب خالتي , والله بموت زهق من زمان ما طلعنا
قال علي بخفوت
: قولوا لداليا تجيكم
ضحكوا منه , لتقول هديل
: الكلبة من شمّت ريحة خطبتها ما عاد طبّت بيتنا , الّا يوم...
قاطعها تركي وهو يقول
: يمّه ثيابي مكويّة
ابتسمت رتيل بسخرية
والتفتت اليه
قال بهدوء
: انا كاويتهم ومرتّبتهم بدولابك ومبخّرتهم قدّامك , ما له داعي ذي التصريفة
زفرَ تركي , لتتابع رتيل
: على فكرة تصرّفاتكم ذي هي اللي مو مخلّيتني اتجاوز الأمر , لازم يصير ذكر – استثقلت الاسم , ثم نطقته ببحةٍ خافتة جرحت حنجرتها – صقر طبيعي في البيت , في النهاية هو ولد عمّي
قالت هديل بحدّة
: ايه ولد عمها اللي ربّاها واللي مثل اخوها
قالتا سويًا
: واللي زواجها منّه غلطة
انفجرتا ضحكًا
ضحكًا مسمومًا , يقطّع قلبيهما
الى أيّ حدٍّ تسخر منّا أوجاعنا
لتجعلنا نضحك منها ونحن نكادُ نبكي
لتجعلنا نضحكُ ودواخلنا تبكي
الى أيّ حدًّ نتلبّس قوّةً خرقاء , لها وجهةٌ اسطورية
وداخلها هش
قالت ام علي
: سكّنهم مساكنهم
هزّ تركي رأسه
: اقطع ايدي من عرقها ان ما كان في سبب لكلامكم
قالت رتيل بهدوء
: روح اقطعها
نهض من مكانه وهو يقول
: خلّك مسوية انا الغامضة , يا خبر اليوم بفلوس بكرة يصير بلاش
وخرج من الغرفة
استلقت هديل قريبةً من والدتها
: يمّه صاحبتي بتزورني الخميس
قالت ام علي
: صاحبة رتيل بتزورنا الخميس
قالت هديل ببساطة
: عادي يمّه , صاحبتي بشرية واليفة وتتعايش وتندمج مع البشر
قالت رتيل بحذر
: من صاحبتك ذي ؟
قالت هديل بحدّة
: ما لك دخل , انا ما اسألك عن صاحباتك
: بسم الله ! أعصابك
تأفّفت هديل وأشاحت ببصرها عنها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
نهض عبد الله من مكانه ليدخل الى الصالةِ الأخرى
: محتاجين مساعدة يا شباب
قال سعد
: الله جابك , بالله حط ذي الشطّة في صحون وحط على كل سفرة كم صحن
ضحك عبد الله رغمًا عنه , ثم قال
: الله يعزّ الحريم يا رجُل
قال سعد بصدق
: مستعد ابوس رجلين اللي بتزوجها عقب كل عزيمة
انفجر عبد الله ضحكًا
دخل ذياب الى الصالة ومن خلفه صقر
وكلاهما يحملانِ صحون الطعام
قال عبد الله
: اذا على كل سفرة صحن يعني مسوين خمس , ترا زيادة يا شباب
قال ذياب
: مسوين سبعة , بنحط خمسة وان فضى صحن جبنا من اللي داخل
قال عبد الله
: وين وين يابوي , النعمة زايدة وفيها بركة ان شالله
خرج ذياب , ليقترب صقر من شقيقه
قال بزفرة
: علي صافحني بدون ما يطالع وجهي وتركي مر من عندي بدون سلام
قال عبد الله بحنوْ
: ما عليه , السالفة توّها حامية
رفعَ كتفيه بقلّةِ حيلة
: بتظل حامية بالنسبة لهم , على كذا أكون خسرت عيال عمّي
: لا ان شالله ما توصل لهالحد , بس تدري كل شي جا ورى بعضه , ولا تزعل منّي بس رتيل حيل تأذّت ويظلّون اخوانها وتاخذهم الحميّة
صمتَ لثوانٍ طويلة
ثم قال دونَ ان ينظرَ الى وجه أخيه
قال بنبرةٍ خجلة ,
بنبرةٍ انزلقت من لسانه , دونَ رغبةٍ منه
: عبد الله ممكن ما تنطق اسمها مرّة ثانية !
رفعَ عبد الله رأسه بصدمة
تابع صقر ببحة
: اقسم بالله جسمي يقشعر اذا قلت اسمها , احس ودّي اذبحك !
اتّسعت ابتسامةُ عبد الله
لمعت عينيه بدمعتين
للتوْ أدرك دمعَ السعادة اللا شعوري , للتوْ شعرَ بطعمه
كم هو حُلو !
قال مبتهجًا
: بس ! يا غالي والطلب رخيص , ابد ماني طاري اسمها بعد كذا ولا بجيب سيرتها حتّى الّا في ضرورة
ابتسم صقر ساخرًا من نفسه
كم يشعرُ انّه جريءٌ دونَ حق !
نهض من مكانه مع شقيقه
خرجا ليسمعانِ ذياب يقف عند باب المجلس
: تفضّلوا يا شباب على العشا , حيّاكم الله
,
ظلّ ينظرُ اليه
حتّى لاحظه الآخر , وأحرجَ من نظراته !
لكزه سلطان بعد دقائق
: هيه ووجع من دخلت وانت تخز الرجال , خير !
التفت اليه بانتباه
: هلا ؟
قال سلطان
: وش فيك تطالع الرجّال !!
عقد حاجبيه
: ما انتبهت كنت مسرح
أخرج هاتفه وفتح أحدَ التطبيقات , ليجدَ عبد العزيز متّصلًا
أسرع يكتب
: زين انّك اونلاين
: هلا ؟
: اسمع اذكر انّي شفت صورة ولد خالتي سارة في جوالك , للحينها عندك
: اظن , ليش ؟؟
: في واحد قدّامي يشبهه
بعدَ ثوانٍ أرسلَ عبد العزيز الصورة
نظرَ اليها بصدمة , ورفعَ رأسه لينظرَ اليه
قال سلطان بصدمة
: سعود ! مانت صاحي والله , وش فيك عالرجال وش تسوي صورته في جوالك ؟
تأفّف سعود , وقال
: ودّك تقول انّي شاذ ومستحي ! شبّهت عليه وتأكّدت انّه اللي شبّهت عليه , ارتحت !
التفتا الى ذياب الذي قال
: تفضلوا يا شباب على العشا , حيّاكم الله
نهض البعض , وبقيّ البعض يتحدّثون
حين همّ وليد بالنهوض
أسرع اليه سعود
: السلام عليكم
التفت اليه ودُهش
قال بهدوء
: وعليكم السلام
ابتسم سعود
: شلونك وليد ؟
: بخير الله يسلمك , عفوًا ما عرفتك !
: ما اظنّك تعرفني , بس انا اعرفك , انا سعود وكنت اعرف الوالدة ايّام بريطانيا
قال وليد فورًا بابتسامةٍ واسعة
: اييه اعرفك , يا هلا سعود , يا محاسن الصدف !
ابتسم سعود
: الله يسلمك , والله شبّهت عليك وتأكدت لمّا سألت عبد العزيز , عبد العزيز اللي انت قابلته
هزّ رأسه ايجابًا بحماس
: ايه عرفته , شلونه عساه بخير
: الحمد لله بخير , والله فاقدين خالتي سارة
قال وليد بهدوء
: ماهي سارة
رفعَ سعود كتفيه ببساطة
: تعوّدنا , اربع سنين او اكثر احنا نناديها خالتي سارة , عساها بخير ؟
هزّ رأسه ايجابًا
: الحمد لله بخير , بتفرح اذا علمتها انّي شفتك , ومن الحين اقول لك بتعزمكم
قال سعود بهدوء
: عبد العزيز ما يقدر يجي
قال وليد باهتمام
: ليه عسى ما شر !
: صار عليه حادث وانكسرت رجله
قال وليد بأسف
: لا حول ولا قوّة الا بالله , لا بأس طهور عليه , يقوم بالسلامة يارب
تحدّثا لبعض الوقت , ثمّ تبادلا الارقام
وانضمّ وليد لابني خالته
وعادَ سعود الى ابني عمومته ووالده
قال والده
: من ذا ؟
ابتسم سعود
: وليد , ولد خالتي سارة !
قال والده بدهشة
: بالله عليك !
هزّ رأسه ايجابًا
: السالفة طويلة بعدين اسولفها لك
,
دفعه بخفّة
: روح اجلس معاهم دامهم لحالهم ما في غريب
قال بغيض
: دمّي ولحمي ذول أعرفهم , خبول وان عصبوا ما يحاسبون ان في غرب
انفجر ذياب ضحكًا , ثم قال
: ما عليك روح , واصلًا ابوك موجود يعني ما بيقلّلون من احترامه ويسوون شي تافه
تأفّف , وذهب ليجلس معهم
قال تركي بوجوم
: استغفر الله
لم يتكلّم علي
وقال وليد ببساطة
: تبي تسوي مشكلة يعني ؟
عقد حاجبيه
: ليش اسوي مشكلة !
قال وليد بحدّةٍ هامسة
: ولا واحد فينا يكلمك , وجيت وقابلتنا , مو حلو بيصير منظرنا لو طلع صوتنا قدّام الناس
قال صقر بحزمٍ وجديّة
: وبيصير بشع وشنيع لمّا كل هالناس يعرفون انّكم مقاطعين ولد عمكم بسبب قدر ربّ العالمين وكتبته وانّه ما كتب ووفّق بين اثنين
قال ابو صقر
: صقر وطْ صوتك , وانت يا وليد ما له داعي ذا الكلام الحين
قال علي بهمسٍ حاد
: صقر لا تحطْ لنفسك أعذار وتنمّق الكلام , انت من فوق لتحت كلّك أغلاط , اجرمت في رتيل واستنقصتها بين أهلها , ثمان سنوات انتظرتك يعني عمرها كلّه , وكانت لما نفقد الأمل تقول بثقة بيرجع , وترجع لها بضرّة وتكسرها , ولا تفكّر انّك تعتذر لها او تبرّر لها , ومرّة على مرّة تتمشكل معاها وتطيّحها من طولها تعبانة , وفي النهاية وقدّامنا كلّنا تطلقها وتنقّص قدرها قدّامنا , اعذرني يا ولد العم , ما كان ولا عاش اللي يسوّي في اختي كذا , وتنقطع ايدي اذا اصافح واحد يبكّي وحدة من اخواتي او اكلمه او اسلّم عليه
رمى الملعقة بقوّةٍ ونهض , ليقول بوجوم
: أكرمكم الله
نهض عبد الله خلفه مسرعًا
وقبل ان ينهضا تركي ووليد
قال ابو صقر برجاء
: حلفتكم بالله لا تقومون , حلفتكم بالله
ارتخى كتفي تركي , وجلس بصت
أمسك عبد الله بكتفِ علي وقال
: علي دقيقة بس
التفت اليه بحدّة
: نعم
قال بصدق
: شوف انت تعرف موقفي من أوّل ما رجع صقر وانّي ضدّه في كل شي , بس بقول لك شي
زفرَ علي بصبر
ليتابع عبد الله
: يوم اللي طلّقها صقر كان عنده محكمة , وذياب سحبني غصب وحضرت الجلسة وسمعت كل شي , ما اقدر اعلمك بشي لأنّي ما ادري اذا صقر يرضى او لا , اختك اختي يا علي وانت تدري , اقسم بالله لو شفت نقطة ضد صقر ما صدقته , كل اللي سمعته وشفته كان ظلم وضغوطات وقهر على صقر , صقر عانى بالمعنى الحرفي , حاول تسأله وتعرف وش صار معه , ثم لك الحكم , وانا متأكّد انّك عاقل وواعي ومستحيل تظلم , وانتوا في النهاية عيال عم دم واحد , وبيصير بينكم عيال ونسب
ظلّ علي صامتًا
حتّى جاء ذياب
قال بهدوء
: علي اقلط
قال علي
: بمشي معليش , عبد الله نادْ لي وليد وتركي
قال ذياب بجديّة
: لا تلفتون انتباه الناس انّ بينكم مشكلة , تفضّل اجلس وصقر ماهو يمّك
نظرَ اليه علي بدهشة
تجاهل ذياب نظرته , وأشار ناحية المجلس
: اقلط
سار علي الى المجلس وجلسَ في مكانه ذاته
فكّر في حديثِ عبد الله
وحلّل معرفة ذياب للأمر
لن يكون ليعلم لو لم تكُن ظروف صقر فعلًا قاهرة !
مالذي تخفيه يا صقر
ألا تريحنا وترتاح !
ألم يأن الأوان بعد ؟
,
,
الى الملتقى :)