بسم الله الرحمن الرحيم
البارت السابع عشر
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية مساءً
خرجت من غرفتها تكاد تبكي
جلست في غرفة الجلوس وقالت بتذمر
: خلاص والله خلاص , مخي ما عاد يستوعب بمموت
نظر اليها شقيقها ضاحكاً
: أقول قومي ذاكري بلا حلطمة
بُحّ صوتها وهي تترجى
: تكفى عبوود والله مو قادرة
رقّ قلبه لها , صمت قليلاً ثم قال بحنان
: تبون نطلع تغيرون جو ؟
فزت تتمسك به
: أي أي تكفى
ضحك وأبعدها عنه قليلاً
: وين أمي
نهضت بسرعة وهي تهتف
: يمممما يممممااا ماماا
: لا تصارخين وجع , تعالي هذاني بالمطبخ
ذهبت مسرعةً اليها
قالت برجاء حاد
: يما يارب تدخلين الجنة من أوسع أبوابها ويرد لك ولدك ويصلح لك الثاني ويوفق لك بنتك ويحفظ زوجك وما يتزوج عليك وربي يغفر كل ذنوبك
ضحكت أمها
: وش تبين
: عبد الله قال نطلع نتمشى , الله يخليك قولي طيب
قالت بذهول
: وش نتمشى واختباراتكم خلاص بعد يومين !
: يمما الله يخليك
ذهبت الأم لغرفة الجلوس
كان عبد الله ينظر اليها برجاء
قالت باستسلام
: براحتكم ! بكلم أم علي وعيالها يجون معنا
قال عبد الله براحة
: يكون أحسن من زمان ما طلعنا مع بعض , قومي داليا علمي رتيل وجهزوا عزبتكم
قفزت داليا من الأريكة وأسرعت لغرفة رتيل تخبرها
اتصلت أم صقر ب أم علي , استنكرت بادئ الأمر ثم رضخت
عقب صلاة العصر ركبوا السيارة
انتظروا دقيقتان ليصل علي بسيارته
سار عبد الله ف المقدمة
حتى وصلوا الى حديقةٍ بمساحاتٍ عشبية شاسعة
نزلوا جميعاً
استنشقت داليا كميةَ هواءٍ كبيرة
قالت بسعادة
: يا ويلي ع الجو والجمال والبداعة , آه ي قلبي كم لنا م طلعنا
قالت رتيل ساخرة
: شيلي الفرشة وانتي ساكتة
قالت بتذمرٍ هامس
: وش هالعايلة اللي ما فيها حس شاعري
ضحك عبد الله وهو يمدّ لها ب الفرشة
ساروا متقدمين ليبتعدوا عن صخب العوائل من حولهم
جلسوا مجموعتين , النساء والرجال على بعدٍ مناسب
مدّت داليا ب فناجيل القهوة للجميع ثم سكبت لنفسها
قالت ام علي ضاحكة
: الله على الطلعات اللي زي كذا , زممان عنها
قالت ام صقر
: هي مرتين ثلاث اللي طلعنا طلعة زي ذي , طلعاتنا دوم للبر او سفرات , وجلساتنا معزولة عن الناس
قهقهت ام علي ثم قالت
: شوفي الناس حولنا تحسين اننا عايشين , صقر الله يردّه سالم ما كان يرضى نجلس وحولنا ناس
بلعت غصتها وشاركتهن الضحك
قالت ام علي وهي تبعد فنجان القهوة حتى لا ينسكب من فرط ضحكتها
: تذكرين طلعتنا للطايف قبل 11 سنة !
غطت ام علي عينيها وهي تضحك
قالت داليا بفضول
: قولوا وش صار
تحدثت ام علي وهي تحاول السيطرة على ضحكها
: طلعنا عمرة كلنا , طبعاً بعد العمرة لازم طلعة لجدة والطايف نستانس , يوم طلعنا الطايف دخلنا منتزه , صقر شاف زحمة وناس كثير , ما عجبه الوضع قال مشينا ابوه قالّه خلنا مو مشكلة ما رضى , طلعنا نمشي بالسيارة حول الساعة وحنّا ندور مكان نجلس فيه , آخر شي ودانا مكان بعييد
صمتت لتضحك وام صقر تشاركها
تابعت وهي مبتسمة لملامح رتيل التي تتصنع الابتسامة
: رحنا مكان مقطوع لا شجر ولا نخل , تراب والعاب بزران حديد مصدية
انفجرن ضاحاكات
تابعت ام علي بضحكة
: قال يلا اجلسوا , حنّا اعترضنا بس ابد ما عطانا وجه نزل وحط الفرشة وقال انزلن يلا احمدوا ربكم غيركم يتمنى هالمكان , استسلمنا ونزلنا وحطينا الشاهي والقهوة , ما طولنا خمس دقايق الّا رتيل عند راسه , قوم بروح الملاهي ما ابي هنا , طلعت عيونه وهي تزن وتلح , في البداية عصب عليها قال روحي ما في , بكت وصرخت
كانت رتيل تضحك بشدة من حديث أمها , والفتيات يضحكن منها
تابعت ام علي بحنان
: قام صقر مسك يدها وقال رتيل تبي الحمام بوديها , هي صرخت تقول له انا ما ابي الحمام بروح الملاهي , سكر فمها بيدّه وأخذها , مرت حول الساعتين ولا رجعوا , خفنا عليهم نتصل وصقر ما يرد , المهم رجعوا رتيل ماسكة حلويات ولعبة البنات يسألنها وين كنتوا , قالت ودّاني صقر للملاهي ولعبني ولعب معي كل الألعاب , البنات قعدوا يبكون , علي بغى يذبحه وعبد الله عصب عليه , قال ببرود هي جات طلبتني هم ما طلبوني
كنّ الفتيات وام صقر منحنيات ويضحكن بشدة
قال علي بصوتٍ عالٍ
: اصواتكم
همست ام علي
: ششش وطوا اصواتكم
جميعاً وضعن أيديهن على أفواههن يحبسن ضحكاتهن
أسدلت رتيل غطاء وجهها وانسابت دمعاتها وهي تضحك
كانت تمسح دمعها وتقهقه
هكذا يا صقر أصبحت , في حيرةً من مشاعري , هل أضحك ام انه من المفترض أن ابكي , هل ابتسم ام اصمت , هكذا انا يا صقر , مُعذبةٌ بِ صمت , أستمع الى ذكرياتٍ أنت سيدها من الجميع , واضحك ببساطة , كلا , لا اضحك ببساطة , أعني أنني أضحك مرغمة , حتى لا يطّلع أحدٌ على ندبات قلبي , حتى لا يلمس أحد حرقةَ أدمعي , حتى لا يرى أحدٌ انهياري , تتعبني أنت يا صقر , تدمي قلبي وتُلهب عواطفي , ها انا اضحك من ذكرى يجدر بها أن تبكيني , ها انا مع الجميع مبتسمةً من موقفٍ مبكٍ , ها انا اتجرع علقم غيابك , وابلع ألم فقدك , ها انا يا ابي . . يا أخي . . يا زوجي . . يا حبيبي , يا كُل الدنيا في نظري
مسحت دمعتها وفتحت عينيها لتجدَ يداً ممدودةً بمنديل تحت غطائها
أخذته بصمتٍ ورفعت رأسها , لتصطدم عينيها بنظراتِ أختها الحزينة
أشاحت بوجهها وهي تمسح ملامحها الباكيةَ منه وبه
حينها سمعت صوتاً يناديها
: رتوول , غزل البنات تبين !
رفعت رأسها لتجدَ أخاها الذي ليس من أمها وليس من أبيها
عبد الله الحنون , الرحوم , الذي يحبها تماماً ك داليا , يهتم بها تماماً ك داليا , يعرف ما تحب وما تكره وما تريد
زفرت , ترهقني بدلالك يا عبد الله , لا أملك رداً لجميلك
قال مستغرباً
: البنت ب تمشي تبين ولا لأ
ضحكت
: أي ابي
اشترى كيسين ل رتيل , وكيساً ل داليا وكيساً ل هديل
أحضر الأكياس ومّدها لهن مبتسماً
قالت داليا معترضة
: شمعنى رتيل اثنين
: مو شغلك
تمتمت وهي تشيح بوجهها
: ما عندك عدل
ضحك وضرب رأسها بخفة , ثم عاد لابني عمه ووالده
كشفت رتيل عن وجهها وفتحت كيسيها
تبادلن ام علي وام صقر نظراتٍ سريعة
لحظت داليا نظراتهما وانتبهت لملامح رتيل
خلال دقائق حوّلت جلستهن الى ضحكات لا تتوقف الا ب نداء عبد الله او علي او تركي * أصوااتكم *
,
,
المملكة العربية السعودية – حائل
الخامسة عصراً
فتح الباب وقال بعجلة
: يوسف... – قطع كلماته وأشاح بوجهه بسرعة , تمتم وهو يعود للغرفة – معليش
شهقت حين فُتح الباب وتراجعت , سمعت همسه
: معليش
ثم اختفى داخل الغرفة مغلقاً الباب
دخلت للمنزل بسرعة وقلبها يكاد يقفز من مكانه
سمعت صوتاً قريباً جداً
: يا بنت وش فيك !
قالت بخفوت
: ي ويلي فتح الباب وطلع بوجهي !
قالت مستغربة
: من هو !
ردّت بضجر
: لمار فتحيلي مخك , من عندنا في البيت ما اقدر أكشف عليه !
: عمر ؟
قالت بسخرية
: عليك نور
ضحكت لمار ثم قالت
: وانتي وش مطلعك للحوش وانتي تدرين انّه موجود
: والله ما كنت أدري , والشبكة داخل البيت تقطع قلت أطلع برى أكلمك
همهمت لمار وصمتتا
قالت الأخرى بهمس
: لمار
: هلا
: يخقق !
قالت لمار بفزع
: من هو !
ضحكت بخفوت ثم قالت
: عمر
قالت لمار بخوف
: أنمار والله ان سمعك يوسف يتوطى بطنك
قالت أنمار بدفاع
: يوسف مو هنا , وبعدين انا وش قلت ! عادي يعني قلت لك حلو , وأساساً يوسف عقله مو صغير
: أولاً الحيطان لها أذان , ثانياً انتي قلتي يخقق وفي فرق , ثالثاً يوسف متفهم مو منفلت , يعني مثلاً وافق على بعثتي وتفهم لكن يسمعك تتغزلين بِ خويّه مير يدفنك ولا يصلي عليك
تأففت أنمار وغيّرت مجرى الحديث
,
دخل غرفته بضيق , لمَ رآها , يشعر بالحقد على نفسه لأنه اطّلع على محارم يوسف , لم يجدر به فتح الباب
استغفر بهمس
وجلس على سريره مغمضاً عينيه
عادت صورتها الى رأسه
ابتسم بخفة
تبدو شهية !
ترتدي بجامةً ملونة كالأطفال , وجوارب ملونة أيضاً , وشعرها مجعدٌ مرفوع للأعلى بِ خصل مهملة على رقبتها
عاد يستغفر وهو يشتت تفكيره
لا يريد خيانة يوسف أبداً ولا بِ أبسط شكل
,
,
المملكة المتحدة – لندن
الثامنة صباحاً
اتصل خالد ب سعود
: صباح الخير
: هلا خالد صباح النور
: سعود حاول قد ما تقدر يجي المملك بدري
قال سعود باهتمام
: عسى ما شر !
: ما شر , بس طيارتي الليلة , يعني بعد ما تملكون ابي اطلع مع لين شوي
قال سعود متفهماً
: أبشر , قبل الظهر ان شالله جايك
قال خالد بامتنان
: مشكور
ودعه وأغلق الهاتف
دخل للمطبخ ليعدّ لنفسه كوبَ شاي
كان ينادي وهو في المطبخ
: ليين , يا بننت الساعة ثمانية قومي
كانت تغط في نومٍ عميق ولا تسمعه أبداً
اخذ كوبه ودخل غرفتها وفتح الأضواء
: بنت , بالله ذا شكل وحده اليوم ملكتها , قومي لا امردغك
همهمت ولا تزال نائمة
امسك ب منديل وبرمه , ثم اقترب منها يزعجها به
كان يحركه بخفة أسفل أنفها
انزعجت وحكت أسفل أنفها
ضحك بهمس وأعاد الكرة
تأففت وفتحت احدا عينيها
قالت بكسل
: خالد خلني أنام نمت متأخر
: قومي أقول بعد شوي بيجي المملك
قالت وهي نصف نائمة
: وش اسوي له , انت بتتزوجه وتستقبله وش دخلني
حملق فيها لثوانٍ ثم انفجر ضاحكاً
: انا اتزوجه !
لم تردّ عليه
شد شعرها بخفة
: قومممي
نهضت بكسلٍ ودخلت لدورة المياه
حين دخلت , انسابت دمعتيها على خدها ببساطة
حبستها طويلاً , والآن سمحت لها بالخروج , اليوم عقد قرانها ! أي جنونٍ هذا , رجلٌ تعرفت اليه في ظروفٍ غريبة , وبلدٍ غريب , ثم يتزوجها شفقةً ورحمة
ماذا فعلت ب نفسي , سأدمر ما تبقى من حياتي البائسة , سعود لا يحبني , ولن يفعل أبداً , زواجُ شفقة , وعملٍ انساني , أثير ريبته , فتاةٌ سعودية تعيش في لندن بلا أهل , متعبة ومنهارة , يتزوجني بدافعِ الرحمةِ في قلبه , آهٍ يا سعود , لمَ تقدمت ل خطبتي , لمَ أشفقت عليّ , نحن لا نتناسب , انا لا قلب يُحب لي , وانت لن تحب فتاةً ترحمها , أي حياةٍ سنعيشها !
طُرق باب الحمام وخالد يقول متسائلاً
: انتي بخير ؟
حمحمت ثم قالت
: ايه
غسلت وجهها وهي تتأفف
,
كان يقود سيارته ويجري اتصالاتٍ متتالية الى عزيز النائم
ردّ أخيراً وصوته خامل
: وش تبي يا سعود !
قال بلطف
: معليش والله , انا عندي مشوار واحتمال أطول , كلم الشيخ ابو ظافر وروحوا لبيت لين 11 ونص وعليها ان شالله تحصلون امي وابوي ونانا
التمس عزيز الضيق والاختناق في صوتِ رفيقه
قال بهدوء
: ابشر , ازهلها
: الله يسلمك
ودعه وأغلق الهاتف
ضغط بقدمه على ’ البانزين ’ ليمشي بأقصى سرعة
كانا حاجبيه مقرونين وملامحه عابسة
سار قرابةَ ساعة ونصف
أوقف سيارته ونزل
دخل من البوابة الشاحبة
استنشق ليملأ رئتيه
سار بهدوء وهو يتمتم
: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم السابقون , وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية " , " السلام عليكم يا أهل القبور , يغفر الله لنا ولكم , أنتم سلفنا ونحن بالأثر "
وقف أمام قبر جده
قال مبتسماً بِ هدوء
: السلام عليكم جدي , انا سعود , جاي اسلم عليك وأقول لك اليوم ملكتي , تمنيتك معاي , الله يغفر لك ويرحمك , جدّي أستأذنك بروح ل – اختنق صوته بعبراته وهو يقول بخفوت – بوب
ابتعد وسار للقبر الآخر
تنهد بحرارة وجلس
قال بتعب
: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , انت تعرفني لن أخبرك من انا , اشتقت اليك , اشتق اليك الى حدود السماء , سيدي , ارجو من أعماق قلبي أن تسامحني على تقصيري في الفترةِ الأخيرة , لقد خطبت فتاةً جميلة وانشغلت مع أخيها , اليوم سأعقد قراني عليها , تمنيت من أعماقي أن تكون معي في هذا اليوم , أعلم أنك تتساءل ان كنت أحبها , انا لم أشعر بشيء تجاهها , انها لطيفة وجميلة , سأحبها يوماً وسأخبرك فوراً , كم أتمنى ان تعود للحياة لدقيقةٍ فقط , لأعانقك بشدة , لأخبرك كم أحبك , لتبتسم لي , لأقبل يدك ورأسك وجبينك , لأخبرك كم سُعدت ب مفاجئتك , لترى كم انا محتاجٌ اليك , لمَ تركتني , اقسم ان الحياة من دونك لا تعني لي سوى أداء واجبات , خَلَت من الجمال , بهتت فيها الألوان , تبعثرت معانيها يا سيدي , بوب , لقد تصدقت عنك كثيراً , ودعوت لك كثيراً , وعملت عن صدقاتٍ جارية وأعمال تطوعية لك , لو كنت على قيد الحياة ستسعد بها كثيراً , هل تعلم ان ابنيك الأحمقين عادا يشتكيان لأعطيهما أملاكك ! لكن القاضي طردهما وقال أن الموضوع منهٍ , أحبك بوب , احبك كثيراً وجداً , رحمك الله يا سيدي الحبيب
جلس لبعضِ الوقت , يمسح على القبر تارة , ويضع يديه على عينيه ليمنع دمعه تارةً أخرى
مضى وقتٌ طويل لم يشعر به
,
الثانية عشر وعشرون دقيقة
قال خالد منزعجاً
: وين راح ! شفيه تأخر كذا
قال عزيز برجاء
: شوي ويجي , قال مشوار مرة ضروري
زفر خالد واستغفر بهمس
الشيخ الذي سيعقد جالسٌ من قرابةِ الساعة
عائلة سعود منذ أكثر من ساعة موجودين
عزيز والسيدة سارة وصديقتي لين أيضاً هنا منذ زمن
لمَ تأخرَ اذاً !
رنّ هاتف عبد العزيز
ردّ بهدوء
: هلا
قال سعود بتعب
: كلكم عندهم ؟
: ايه – همس بقلق – انت بخير ؟
: ايه , الحين طالع لكم
أغلق الهاتف وترجل من سيارته
رفع نظارته الشمسية على شعره
دخل للعمارة بهدوء تام
صعد لشقة لين وطرق الباب
فتح خالد الباب
كان منزعجاً ويبدو ذلك على ملامحه
لكنه تجاهله
دخل للغرفة , سلّم على الشيخ وجلس ببرود
ابتسم الشيخ بهدوء
تحدث قليلاً , ثم طلب الى سعود الاقتراب
مدّ سعود بكفه الأيمن لخالد
الذي مدّ كفه الأيمن أيضاً , كأنهما متصافحان
قال الشيخ ل خالد ب لطف
: ايش اسم أختك ؟
: لين
: قول يا خالد , زوجتك
: زوجتك
: اختي لين
: اختي لين
: على المهر المتفق عليه بيننا
: على المهر المتفق عليه بيننا
التفت الشيخ الى سعود
: قول يا سعود , قبلت
قال سعود بهدوء
: قبلت
: الزواج
: الزواج
: من أختك لين
: من أختك لين
: على المهر
: على المهر
: المتفق عليه بيننا
: المتفق عليه بيننا
قال الشيخ بلطف
: بارك الله لكما – فوراً انطلقت ’ زغاريد ’ أم سعود والسيدة سارة , ابتسم وتابع - وبارك عليكما وجمع بينكما على خير , الله يوفقكم ويرزقكم الذرية الصالحة
نهضا خالد وسعود وسلّما على بعضهما بود
شد خالد بيده على يد سعود
: مبروك
ابتسم سعود بهدوء
: الله يبارك فيك
كانت عيني خالد مغرقتان بالكلام , الذي يريد أن يقوله بسرعة ودفعةً واحدة
التفت سعود لوالده الذي ابتسم له بحنان بالغ
اقترب منه سعود وقبل كتفه
عانقه والده وقال بمحبة
: مبروك يبه
: الله يبارك فيك ويخليك
أخيراً , التفت لأخيه , أخيه من رحم الحياة , الحياة التي صفعته بقسوةٍ يوماً , عوضته ب عزيز , عزيز الحبيب , عزيز الأخ المعطي , عزيز الذي وبخه دوماً حتى لا يقع في الحرام مع لين , عزيز الذي يكون قريباً حين تضيق حياته بِه , عزيز وعزيز وعزيز , من أجمل اقداره , من أجمل ما في حياته , عزيز المبتسم , عزيز الساخر , عزيز المحب , والناصح , والقلق عليه دوماً
اقترب منه وعانقه بشدة
قال عزيز وغصةٌ تقف في حنجرته
: مبروك يا عقالي , مبروك حبيبي الله يوفقك ويهنيك , مبروك سعود
قال سعود هامساً بمحبة وامتنان
: عساني ما أنحرم منك
ضحك والد سعود
: يا شباب وش هالمشاعر الجياشة ما أخبركم الا مهاوش , اجلسوا جزاكم الله خير الشيخ بيتكلم
ضحكا بخفة وجلسا متقاربين
قال عزيز هامساً
: زي ما صرت لك شاهد , تشهد في زواجي , سامع
أجبر سعود نفسه على الضحك وأشار الى عينيه
: أبشر
زفر عزيز , أدرك تماماً أين كان بالرغم من أنه لم يخبره
صمتوا جميعاً واستمعوا الى خطبة الشيخ
,
حين سمعن الشيخ يقول
: بارك الله لكما
انطلقن ب هتاف الفرح والسعادة
لمى ولمار عانقتاها فوراً وهن يهتفن بالمباركة
التفتت سارة مبتسمة اليها , رأتها غارقةً في خجلها
كانت يدها أمام شفتها , ولسانها يتحرك يميناً ويساراً
دمعت عينيها , ولمم تتوقف
انسابت دمعتيها , ولا زالت مبتسمة لم تتوقف
بُح صوتها واتضح بكاؤها , وأيضاً لم تتوقف
حتى ابتعدت لين عن رفيقتيها وعانقتها وهي الأخرى تغرق مقلتيها ب الدمع
قالت ام سعود بحنان
: صلي على النبي وش فيك
لم تردّ عليها , شدت بيدها على لين في حضنها
قالت ببحة
: مبروك حبيبتي , مبروك يا روحي , الله يوفقكم ويجعل ايامكم سعادة وهنا
ابتعدت لين عنها وهي تمسح دمعاتها
قلبها يؤلمها , تريد والدتها بإلحاح , زواج لا تتوجه والدتها فاشل , حياةٌ تبدأ بها دون ابتسامةِ أمها ليست حياةً
أمي , يا زهرةَ الربيع
يا دفئ الشتاء
يا ظلال الصيف
يا غيوم الخريف
يا عروق قلبي
صدركِ , دفئ أنفاسك , قلبك
أتعلمين , في طفولتي
حين كنت لا افقه سوى صدرك وحليبك
كنت بشراً عَلماً أكثرَ من حالي الآن
نكرةٌ أنا يا ’ ماما ’ من دونكِ
الى أي حدٍ تقسو عليّ الحياة , لتزوجني اليوم دون حضورك
أين أنتي يا أمي
الا ترين ضياعي , واحتياجي
الغربة موحشة يا أمي , يزيدها وحشةً فقدك
الحياة قاسيةٌ يا أمي , وتزيد قسوتها في غيابك
أشعر بالضياع يا أمي , وأزداد ضياعاً في بعدك
لندن باردةٌ يا أمي , وتزداد برودةً عليّ من دونك
قالت أم سعود بخوف وهي تمسك بيدِ لين الغائبة عن عالمهم , تنساب أدمعها فحسب
: حبيبتي فيك شي
التفتت اليها بانتباه
: لا
عانقتها أم سعود بحنان
: مبروك يا قلبي , من اليوم اعتبريني أمك , أي شي تحتاجينه أن شي بتسألين عنه انا موجودة
قالت ببحة
: مشكورة ما تقصرين
سلّمت عليها جدة سعود بابتسامةٍ لطيفة , وبرسمية الانجليز
ثم جلسن جميعاً ويصلهن صوتُ الشيخ
,
,
المملكة العربية السعودية – الشرقية
السادسة مساءً
قال بهدوء
: يعني ؟!
: يعني من بكرة ان شاء الله بنبدأ العلاج
زفر , صمت قليلاً ثم قال
: وش نوع العلاج اللي بتبدأ فيه ؟
: ب نعطيك أدوية وحُقن أول شي لمدة اسبوعين , اذا ما نتج تحسن ملحوظ , بنبدأ في الأشعة
تنهد بتعب
: الحمد لله على كل حال , متى أقدر أطلع ؟
: تقدر تطلع اليوم , لكن لا ترهق نفسك خلك مرتاح
هزّ رأسه بموافقة
نهض ليجهز حقيبته ويعود للمنزل
وخرج الطبيب
مضت عشر دقائق , وحين همّ بالخروج فُتِح الباب ودلف منه وليد وملاك
رفع وليد حاجبه وقال متسائلاً
: على وين ؟!
: عطوني خروج خلاص
قالت ملاك بقلق
: بس انت تعبان !
: لا ماني تعبان , أقدر أطلع وأعيش وأتحرك , وبكرة بيبدأ علاجي
قال وليد بعد أن زفر
: طيب يلا أمش
قال بهدوء
: بآخذ لي ليموزين
عقد وليد حاجبيه وقال بحدة
: سيارتي موجودة وتاخذ ليموزين ؟!
قال مبتسماً ببرود
: زي ما ركبت انت الليموزين والسيارة موجودة , زي ما أكلت من المطاعم وأكل البيت موجود , زي ما أثثت غرفتك وغرفة ملاك بفلوسك وأبوي طلبك يأثث لكم , زي ما اشتريت لنفسك سيارة وفي حياتك ما ركبت اللي شراها لك أبوي , زي ما...
قاطعه وليد وهو يشد بقبضته على رقبته
شهقت ملاك وهي تبعده
: ولييد
أبعدها وقال بحدة
: والله أدفنك يا فهد ولا أندم , ابلع لسانك يا كلب ولا تتدخل وضعي مب مثل وضعك , امش بسرعة ع السيارة لا والله بعزة جلاله اطربق المستشفى على راسك
ابعده بقسوة وابتعد خارجاً من الغرفة
اقتربت ملاك بخوف
: فهد تعورت ؟
كان فهد مبتسماً وهو يتلمس موضع أصابع أخيه
: لا
ازدردت ريقها , ثم قالت تعتذر بلطف
: معليه هو يعصب بسرعة
قال ضاحكاً
: أنا استاهل زودتها عليه
ابتسمت ثم قالت بتردد
: بتجي ؟
هزّ رأسه مبتسماً
: ايه يلا مشينا
حمل حقيبته وسار وهي بجانبه
خرجا من الغرفة وكان أمامهما
لم ينظر اليهما أبداً سار خارجاً للبوابة
ركب السيارة وفهد بجواره وملاك خلفه
سار بسرعةٍ كبيرة وفهد هادئ جداً
قالت ملاك بخوف
: وليد هدّ الله يخلييك
خفف سرعته دون أن يتكلم
تأففت ملاك
: وش ذي الحركات انت وياه , بزران انتوا !
نظرا الى بعضهما ثم اليها بحدة
قالت بخوف وتراجع
: خلاص خلاص أمزح
صمتا لثوانٍ , ثم انفجرا ضاحكين منها
ابتسمت بمحبةٍ لهما
وصلوا للمنزل ودخل وليد بسيارته
نزلوا منها وحمل وليد حقيبة فهد
قال فهد
: هات عنك
قال وليد ساخراً
: بندلعك شوي
ضحك فهد دون أن يرد
ساروا قليلاً وانتبهوا ل روان تجلس وحيدة في الجلسة الخارجية وفي يدها كتاب وفي اذنيها سماعة
اقتربوا منها
سحب فهد السماعة وقال مستغرباً
: وش تسوين
شهقت بقوة وقفزت تضمه
: فهددد , متى جيييت
ضحك فهد باستغراب
: ما انتبهتي لمن دخلنا ؟!
هزت رأسها نفياً
: كنت أقرأ واسمع , الصوت عالي مرة
قال بتأنيب
: ليش ترفعين الصوت مو زين , وبعدين وش كنتي تسمعين ؟
قالت بارتباك
: ولا شي
سحب السماعة ووضعها على اذنه
ابعدها وفي عينه نظرةٌ معاتبة
قال بهدوء
: الأغاني حرام , وعقابها رصاصة تدخل من اذن وتطلع من الثانية
صرخت بخوف وهي تضع يديها على اذنيها
: استغفر الله استغفر الله , والله ياربي معاد اسمع
ابتعد عنها فهد
قالت ملاك بحنان
: خلاص روان انتي قلتي استغفر الله يعني ربي يغفر لك بس لا تعيدينها
قال وليد بتحذير
: اذا سمعتي مرة ثانية شلت الجوال منك
قالت بسرعة
: ما اسمع والله
جلسَ الثلاثة حولها يتحدثون ويضحكون
كانت جلسةً ودّية , يفتقدانها كثيراً ملاك ووليد
كانت ملاك تكاد ترفرف من سعادتها بالجلوس مع اختها وأخيها
حتى دخلت سيارة والدهم
وترجل منها وام فهد معه
فوراً تجهم وليد وتغيرت ملامحه للحدة
نهض ونظر الى ملاك التي فوراً نهضت معه
سار داخلاً للمنزل وهي بجانبه تدافع عبراتها
تشعر وكأنه دهس قلبها , حطم حلمها الوليد , لمَ تفعل هذا بي يا أخي , لمَ انتشلتني بقوةٍ من سعادتي معهما , الى متى يا وليد ! الى متى يا أخي أُحرم من أخوَي , آهٍ يا وليد على ما تفرضه علي , آهٍ يا وليد لو أستطيع خلع الوجع من قلبك وليسكن قلبي ونعش بسلام
وصلا غرفتيهما
التفت لها
قبل ما بين عينيها
قال برجاء
: لا تزعلين مني , تصبحين على خير
هزت رأسها باختناق
: وانت من أهله حبيبي
دخلت غرفتها وأغلقت الباب وأقفلته كما عودها منذ طفولتها
ودخل هو غرفته وهو يزفر بتعب
,
,
الى الملتقى :)