بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الثاني والأربعون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة وعشرون دقيقة مساءً
رفعت ام وليد رأسها مبتسمة
سقطت عينيها على الشابّة اليافعة
التي اختفت ابتسامتها تدريجيًّا
لتسحق ابتسامة ام وليد دونَ وعيٍ منها
اتسعت حدقتيهما بفجيعة
كتمت لين شهقةً عميقة
تحركت قدمها نصف خطوَة الى الخلف برعب
كادت تهدم الحائط لتهرب منه
هزّت رأسها برفض
فتحت ام وليد فمها وكأنّها ستصرخ
شعرت بالدوارِ من رؤيتها
شعرت انّ صيبًا من خرفٍ اصاب عقلها
هي ! ام شبيهتها ؟
ويلٌ لشبيهتك
الهذا الحدّ تعكسك !
هل لها ذات الشفتين المرتجفتين !
هل لها ذات العينين اللامعتين ؟
هل لها ذات الجسد الضئيل , الخائف !
يا ابنة الغربة اهذه انتي !
ردّي يا لين
اجيبي عينيّ اللتان قد تحرجاني , ان لم تكوني انتي !
هزّت لين رأسها برفض , وعينيها تدمعان برجاء
عضّت شفتيها بتوسل
ارجوكِ يا امّي الروحية
ارجوكِ لا تتكلمي
ارجوكِ دعيها تمرّ بسلام
استجابت ام وليد لرجائها الصامت جدًّا
ارخت كتفيها بتعبٍ جم
واشاحت ببصرها عنها
سلّمت على ام خالد بشرود
قالت ام خالد وهي تشير الى ابنتها
: هذه بنتي لين
رفعت رأسها بصدمةٍ وكأنّها لم تصدّق انّها هي !
مدّت بكفها اليها وهي تقول بوعيدٍ شديد
: يا هلا
صافحتها لين بارتجاف
قالت ببحةٍ مرتبكة
: حيّاك الله
من بعدِ ام وليد صافحت لين الفتيات
ليدخلن الى مجلسِ الضيوف جميعًا
جلسن لنصفِ ساعة
كانت ام وليد شاردةً عنهن
لم ترتح دقيقةً في جلوسها
حتّى قالت وقد طفح الكيل
: الحمام وين يا ام خالد الله لا يهينك
قالت ام خالد
: قومي لين ودّيها
سقط قلب لين في بطنها من الرعب
ودّت ان تتوسل الى والدتها ان تنهض هي
نهضت بعد ان ازدردت ريقها
قالت بخفوت
: تفضلي يا خاله
نهضت دون ان تنظر اليها
سارتا في ممرٍّ وانحرفتا يمينًا في نهايته
ابتعدتا تمامًا عن المجلس
التفتت ام وليد بحدّةٍ الى لين , لتمسك بذراعها بقسوة
همست بحدّة , وهي لا تعلم بمَ تتكلّم !
: كذا يا لين ! كذا ؟ انتي ما تخافين من الله !
همست برجاءٍ باكٍ
: خالتي...
قاطعتها بقسوة
: لا تقولين خالتي
بكت لين ورمت بجسدها على صدرِ ام وليد الرحب
لا تعلم ام وليد ايّ قسوةٍ باغتتها لتدفعها عنها
: ابعدي عنّي
ولا تعلم لين أي اصرارٍ تملكها , وهي تتشبث بها وتنتحب بهمس
زفرت ام وليد وصمتت
مرّت ثوانٍ , لتبتعد لين وتمسح ادمعها
قالت بصدق
: والله غصب عنّي , والله ما قدرت اسوي غير كذا
قالت ام وليد بحرقة
: يا وجع قلبي عليك يا ولدي , حالته حالة من ذاك اليوم الاغبر , والله لو درى انّك مرتاحة ولا سائلة فيه...
قاطعتها لين برجاء
: لا والله يا خالتي , حشا يا خالتي حشا , انا ارتاح وسعود تعبان ؟! انا يهدا لي بال وسعود بعيد عني ! لا بالله يا خالتي ما حصل
قالت ام وليد وهي تكاد تمزق ثيابها قهرًا
: ليش سويتي فيه كذا ؟
همّت لين بالحديث , لتسمع نداء والدتها
قالت ام وليد
: كلميني الليلة , بعرف العلم كلّه , واحسبي حسابك انا بس ارجع بكلّم سعود
شهقت لين بجنون
: لا خالتي , تكفين طلبتك لا , سألتك بالله لا
عقدت ام وليد حاجبيها
: ان شالله تبيني اعمي عيني واجعل نفسي مو دارية عن شي ؟!
هزّت لين رأسها
: انتي بس اسمعيني , بس لا تكلمينه تكفين
زفرت ام وليد بشدّة , ثم قالت بتهديد
: انا بسمعك اوّل , لكن ان ما اقنعتيني بتصل عليه واخلّيه من بكرة يسحبك مع شعرك
مسحت ادمعها بصمتٍ تام
لا يحق لها الاعتراض ابدًا
الخطأ يعرّيها تمامًا
غسلت ام وليد يديها بالماء البارد ومسحت بهما على وجهها المحترق من غضبها
تجاهلت لين وعادت الى المجلس
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
نهض من مكانه ومدّدَ أطرافه مرهقًا
قالت والدته
: بتمشي ؟
هزّ رأسه بصمت
قالت بضيقٍ تخفيه
: ودّي تبات الليلة , ما شبعت منك
قبّل رأسها
: والله ودّي , بس اليوم نقلنا من الفندق للشقة , ما اقدر اخلّي مها تبات بروحها , وبعدين انا الباقي من عمري كلّه لك , متى ما بغيتيني جيتك
قالت بهدوء
: الله يرضى عليك
شعر انّ قلبه يرفرف بسعادةٍ من دعوتها القصيرة
اعذبُ كلمةٍ سمعها مذ وعَى على صوتِ الحياة
لها انسيابٌ دافئ , يخجل كلّ الكلمات
لها نغمٌ , يطرب روحه
قبّل رأسها مجددًا , وودّعها
ظل يجوب شوارع الرياض بسيارة اخذها من ذياب لحينِ يشتري واحدة
لولا دعوةُ والدته لاستسلم للضياعِ الذي ما زال يراود نفسه عن نفسها !
لاستسلم للانهزام الذي يبتسم بخبثٍ مقيت
زفر وهو يهمس بالاستعاذة
اوقف السيّارة في ساحةٍ خاوية
لا ينيرها الّا ضوءٌ ضئيلٌ من البدر
نزل وسار ببطئ
تلفت حوله , ثم أخرج هاتفه ليحدد اتجاه القبلة
اتجه ناحيتها وكبّر
صلّى ركعتين , وسلّم
ثم كبّر مجددًا
تلى فاتحة الكتاب , وأتبعها بسوةِ الاخلاص
ركع , ورفع
مدّ كفّيه الى السماء
يستمدّ من الله صبرًا وقوّة
يطلب الله راحةً وسكينة
حمد الله وأثنى عليه
ثم صمتَ لثوانٍ طويلة
قبل ان يهمس بخضوع
" لا اله الّا انت صاحبُ الملك , لا اله غيرك ندعوه فيستجيب لنا , لا معبود سواك ينزلُ الى سمائنا وينادي مطالبنا
انّي اسألك بعزتك , وملكك وجبروتك
طمئن قلبي يا عزيز
اجبرني يا جبّار
خذ بيدي , وأعد لي حقّي
-صمت لثوانٍ , قبل ترتخي يديه قليلًا وينحني رأسه ليقول باختناق –
ردّ لي زوجتي ردًّا جميلًا
ردّ لي رتيل
اللهم انّك رزقتني حبّها , فلا تجعل ابتلائي فيه
اللهم ان كان صدّها بذنبٍ اذنبته , فانّي استغفرك منه
وان كان ابتلاءً منك , فاني وعزّتك صابر
حتّى تقضي في امري
-تنهد وهو يقول بصدق –
لا تفجعني في شقيقي يا رب
لا تجعل للشيطان عليّ مدخلًا , ليوسوس لي في اخي
اللهم انّي اعوذ بك من شرّ عبد الله
واسألك خيره
اللهم ان كان في قلبه مثقالًا لزوجتي
فاقبضني اليك
لا تكتب لي من بعد وقفتي هذه حياةً
اللهم احفظ عبد الله وداليا "
ظلّ يدعو لدقائق طويلة
حتّى آلمته قدميه
ليسجد على الأرض العارية
مرّغ جبينه على التراب والحصى الناعم بتذلّل
همس برجاء
: اللهم اتمّ جلسة الغد بما يرضيك ثم يرضيني , اللهم انّك تعلم ما في نفسي , وتعلم الظلم الذي وقع علي , وانت العدلُ الحقُّ لا ترضى بالظلم , انصفني وأعد حقّي الذي سُلبته يا الله
انتهى من صلاته وشعرَ براحة
شعر بانشراحٍ في قلبه
أدرك انّ الله سيرضيه
لن يردّ رجاءه ونداءه
ركب سيّارته واتجّه الى منزله
فتح الباب ونادى بخفوت
: مها
اطلّت من غرفتها وابتسمت
اقترب ليقبّل رأسها
دخل الى الغرفة وناداها , لتجلس أمامه
قال بهدوء
: بكرة عندي جلسة محكمة
عقدت حاجبيها باستغراب
قلّب عينيه في الغرفة بتفكير
ثم قال وهو يمسك بيدها
: انا رافع الدعوى , على ابوك وراشد وجدّك
اتسعت حدقتيها بصدمة
شهقت بحدّة وهي تقف
قالت بارتجاف
: رافع دعوى على هلي ! ابوي ويدّي وولد عمي ! شلون هياك قلبك ! انا شنو مكانتي وكرامتي عندِك عشان تقاضي اهلي بالمحاكم ؟ شلون تسوي فيني جذي مسفر شلوون ! عندك معاهم مشكلة انتوا اهل , قعدوا وتفاهموا ولك طيبة الخاطر
نهض واقترب منها
لتصرخ وتبتعد
بكت وجسدها يتشنّج من شدّة الغضب
اقترب ليحتضنها رغمًا عنها
رفع صوته
: تعوذي من الشيطان , بسم الله عليك مها هدّي , هدّي يا عيني بسم الله عليك
حاولت التملص منه برفض
وهي تصرخ فيه بضعف
ضمّها اليه وأراح فكّه الى رأسها ليتلو بشجن
: } هُو الَّذي أَنْزَل السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الّمُؤمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيْمَانًا مَعْ إيْمَانِهِم وَلِله جُنُودُ السّمَاوَاتِ والّأرْضِ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا.....{
سكنت , وظلّت شهقاتها المتباعدة تثقل أنفاسها
قبّل رأسها قبلة طويلة
سحبها الى السرير لتستلقي
استلقى بجانبها واراح رأسها الى صدره
داعب شعرها وهمس
: مها
همهمت باختناق
رفع رأسها لتنظر اليه
قال بتأنيبٍ حانٍ
: وش ذا الانفعال ! عمري ما شفتك كذا
قالت ببكاء
: تعبتني يا مسفر , جم شهر انا تحت الضغط , ما تعوّدت على هالوضع , وتختمها لي بخبر يهزني كلّي
ابتسم بمرح
: من قال ختمتها ؟ هو انتي شفتي حاقة !
ضحكت من بين ادمعها بيأس
ضحكةً موجوعة
ثم قالت بنبرة جعلت صقر يعقد حاجبيه
: قهرتني يا مسفر
: مها , بس يا روحي , انا مستحيل يجي يوم واقهرك , انتي زوجتي وحبيبتي وعشرة عمري , وشريكتي في غربتي , ولا تفكرين ولا يجي في بالك في يوم ان صقر يكسرك او يقهرك , امسحي دموعك ما كان ولا عاش اللي ينزلها
قالت برجاء
: ليش المحكمة
زفر ثم قال بهدوء
: مشكلة اكبر منّي ومنّك , ما تنحل في جلسة وتفاهم , لو علي ما وصلتها لذي المواصيل , بس هي صارت كذا
أغمضت عينيها وضغطت على جبينها بصمت
بصمتٍ من شفتيها , لكنّ تعابيرها فضحت ما في نفسها
فضحت الاعتراض
الارهاق منه !
قبّل جبينها وهمس
: انا آسف
خبأت وجهها في صدره
بعيدًا عن عيناه
لتفرغ بكاءها دون تطفّلِ نظره !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة صباحًا
ضغط على ساقه بخفّة
ليصرخ وهو يحاول الهرب من يديه
قال بألم
: تعوّرني والله لا تلمس
نظرَ اليه بصمت , وعاد ببصره الى ساقه يعاينها
شدّ والده على كتفه
: تحمّل شوي
عقد حاجبيه وتعرج جبينه من شدّة الوجع
: ما اتحمّل المها يذبح
ابتعد الطبيب بعد ثوانٍ
خلع القفازين عن يديه , ورفع الكمّامة عن أنفه
قال ابو بندر بتردد
: بشّر يا دكتور
نظر الى عبد العزيز , وقال
: يحتاج تدخّل جراحي وتنظيف للأنسجة , وتركيب شرائح في ساقه
قال ابو بندر
: عملية يعني ؟
هزّ رأسه ايجابًا
قال ابو بندر بقلق
: طيّب ناجحة ان شالله ؟
قال بواقعية
: يا ابو عبد العزيز ما اقدر اضمن لك شي , لكن العملية بسيطة ان شالله ونسوّيها في اليوم اكثر من مرّة
قال عبد العزيز
: والجبيرة كم تطول ؟
: من ست أشهر الى سنة مع العلاج الطبيعي وحسب استجابتك
زفر وهو يرتاح في جلسته
ثم قال
: طيب متى تسوون العملية ؟
: لازم نستعجل فيها لأنّي خايف من الأغشية والأنسجة الميتة ممكن تحمل جراثيم وتسبب لك مضاعفات , اليوم الساعة خمس العصر بإذن الله العملية , وما راح تحس بشي بعدها بساعات بنعطيك مخدّر قوي تفاديًا لشدّة الألم
التفت الى والده بنظرةٍ مبهمة
فهم والده مغزاها
يحمّلهم ذنب ما حدث له
شدّ والده على قبضته واشاح ببصره عنه
لو علمت ما تركتك تخرج ! يا قطعةً من فؤادي
استعاذ من الشيطان , ومن لو التي تفتح له بابًا
ثم قال
: انا بكلم امّك واعلمها عن العملية , شوي وراجع
وخرج دون ان يضيف شيئًا , او يسمع شيئًا
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة والنصف صباحًا
هزّها برفق , لتفتح عينيها بكسل
ابتسم بتوتّر
: صباح الخير
قالت وهي تعتدل في جلستها
:صباح النور , شكلك ما نمت
زفر بارتباكٍ واضح
: لا ما جاني النوم
اقتربت منه
: حبيبي فيك شي ؟
مسح على شعره وهو ينظرُ الى عينيها بصمت
لامسّ كفها خدّه برفق , لتقول بحنو
: مسفر !
قبّل باطن كفّها
: متوتر من المحكمة شوي
تجمّدت نظرتها , ثم أشاحت ببصرها عنه
حمحمت وابتعدت لتعدّل السرير وترفع الملابس عن الأرض
قالت بنبرةٍ مهتزّة
: الله يوفقك
عانقها من الخلف وقبّل كتفها
: سامحيني يا مها
التفتت اليه وهي تبتسم من بين دمعتين تبلورتا في مقلتيها
: ان شالله خير , تعال اريقك
: ما اشتهي , انتي البسي بودّيك عند امّك , يمكن اتأخر وبقلق عليك اذا بروحك
مدّت ذراعيها الى كتفيه , وقالت بأمل
: تقلق علي يا مسفر ؟
امسك بيديها بقوّة , وقال ببطئ
: صقر يقلق على زوجته وحبيبته , ولا ماهو رجّال
ابتسمت وصمتت
وابتعد هو لينتظرها في غرفة الجلوس
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية وعشرون دقيقة مساءً
تأفف وهو يتّصِلُ بابنِ عمّه , الذي أجابه فورًا
: هلا علي
: هلا عبد الله , انت اخذت رتيل من المستشفى ؟
: لا ! وش صاير ؟
رَكِبَ علي السيّارة وقال بعصبيّةٍ يكبتها
: جيتها لي ثلث ساعة اتّصِل وجوالها مقفّل , يمكن تركي اخذها بس ما يرد علي وعندي دوام لازم ارجع
: طيّب اتصل على عمّتي اسألها
: خلاص راجع البيت , مشكور عبد الله
ودّعه وأغلق الهاتف
,
أغلق عبد الله الهاتف وهمّ بادخاله الى جيبه بتفكير
ليرنّ مجددًا
ردّ بابتسامة
: هلا والله
جاءه الصوت محييًا
: هلا فيك , شلونك ؟
: الحمد لله بخير , بشرني عنّك وعن سعد ؟
: ما علينا خلاف , انا اليوم عازمك
ضحك عبد الله
: على وين ان شالله ؟
: لا تسأل الحين , بس ان شالله على العصر او بعدها على طول بجيك خلّك جاهز , وكلّم علي وتركي وولد خالتهم بعد
رفع عبد الله حاجبيه
: وش هالكرم الحاتمي !
ضحك ذياب وودّعه
,
دخل الى المنزل ونادى
: يمه ؟
خرجت من المطبخ , نظرت اليه ثمّ الى الدرج
: رتيل طلعت فوق ؟
عقد حاجبيه
: ما جابها تركي !
ازدردت ريقها
: تركي راح يجيب هديل !
دخل تركي حينها ومعه هديل
قالا علي ووالدته في ذات اللحظة
: وين رتيل ؟
قال تركي
: وش درّاني مو انت اللي تجيبها ؟!
قال علي
: رحت انتظرتها عند المستشفى ثلث ساعة جوّالها مقفّل ولا طلعت قلت يمكن اخذتها انت
قالت ام علي بخوف
: روحوا انت ويّاه واحد للكلية وواحد للمستشفى دوروها
خرجا فورًا
ودخلت ام علي الى غرفة الجلوس
قالت بقلق وهي تجلس
: يارب سترك
التفتت اليها شقيقتها الشاردة
: وش فيك ؟
: رتيل مدري وينها
لم تُجبها ام وليد
او لم تركّز في ما قالته
كان بالها مشغولًا في مكالمة لين البارحة
" قالت بحدّةٍ هامسة
: اقنعيني شلون غصب عنّك ؟
قالت بزفرة
: جاني اتّصال غريب وحدة تقول لي امّك بتموت الحقيها , ما فكّرت الّا بامّي...
قاطعتها
: ليش ما قلتي له ؟ كان بيرفض مثلًا !
قالت لين ببكاء
: ما كان بيرفض , بس خفت عليه يا خالتي , خفت عليه من عمامي لا يذبحونه , انا شاردة منهم وخالعة ولدهم لو رجعت مع زوجي وش ممكن يسوون فيه ! انا فدوتن له اروح تحت رجليهم بس سعود ما يجيه شي , اموت لو انضر بشي , هذول وحوش ما يرحمون , ابوي راح بجلطة بسبّتهم , انا شردتني امي بسبّتهم اخُوي ضربوه بطلقة , تبيني اقدّم لهم سعود بسهولة !
كانت ام وليد تبكي معها
وكأنّ الزمن يُعيدُ نفسه
وكأنّها تحكي قصّتها
أغمضت عينيها بوجعٍ طويل
لا زال ينخر قلبها وروحها
حمحمت , ثم قالت ببحةٍ مرهقة
: ولو , ما كان لازم تتركينه وتمشين , على الاقل تحطّين عنده خبر !
بكت بانهيار
: ما قدرت ولا فكّرت , تكفين يا خالتي لا تقولين له شي , طلبتك يا خالتي خلّيها مثل ما هي "
ظلّت ترجوها بشدّة
حتّى وافقت بتردد
ولا يزال ترددها يدهس ضميرها ويسحقه الفًا
كيف سمحت لنفسها ان تطيع لين !
هل لأنّها تشبهها ؟
هل قلبُ الأمّ الذي تحمله للين , أصمتها !
زفرت وهي تفركُ عينيها
,
,
المملكة المتحدة – تشيلسي
العاشرة صباحًا
مدّت بكوبِ الحليب للصغيرة
أخذته لترتشف منه
قالت وللتو قد انتبهت الى الصورةِ المعلّقة على الحائط
: خالتي
: ماذا ؟
: من في هذه الصورة ؟!
التفتت اليها وابتسمت
: انّها جدّتك جوليا وجدّك المتوفّى , وانا ووالدتك كنّا صغيرتان
اقتربت الصغيرة من الصورة , ثم قالت بابتسامة
: استطيع تمييز امّي
: حقًا !
أشارت الى احدى الفتاتين , ثم قالت
: عندما انظرُ الى المرآة اشعرُ انّي اراها , لكنني لا اشبهها !
مسحت رونا على شعرها
: لكما ذاتُ النظرةِ المشرقة , ذاتُ الضحكة الجميلة , انتي منها وهي منكِ لا تنسلخان عن بعضكما
جلست فكتوريا على الكرسي وقالت
: اتمنى لو لم ترحل
زمّت رونا شفتيها لتمنع نفسها من البكاء
ماذا اقولُ انا اذًا يا صغيرتي !
لم تعرفيها في حياتك , وتفتقدينها
كيف بي , والعمر الماضي كلّه كان معها
شقيقتي الوحيدة , التي كانت تشتكي لي من الدبوسِ اذا جرح اصبعها
وكنت أخبرها عن الذبابةِ اذا ضايقتني بمرورها من أمامي !
كم افتقدها
افتقد أحاديثها , ضحكها الماجن الذي وبخّتها عليه دومًا
افتقد جموحها الذي جرفها عمرًا , وأبعدها عنّي
اريدها بشدّة
اتمنى لو تعود , لأخبئها خلف أجفاني
لأمنعها ان تحرمني نفسها
عادت بذاكرتها الى الخلف
الى أعوامٍ ولّت وانقضت
تذكّرت دخولَ رنا في ذلك اليوم
كانت مرهقة , ومتعبة
قالت وفيها من التعب والغضبِ ما ينسفُ بيتًا
": سأسافر مع صديقاتي في دورةٍ الى ليفربول
قالت والدتها باستغراب
: دورةُ ماذا ! كيف تتوقفين عن حضور دروسكِ في الجامعة لتذهبي في دورة ؟
قالت بانفعال
: وماذا في ذلك ! في الأصل الدورة من الجامعة ومُنحت للمميزين
جلست والدتها بجانبها , وقالت بحنو
: حبيبتي هل انتي متعبة ؟
قالت بارتباك
: لا , مرهقةٌ فقط من الجامعة
امسكت بيدها وقالت مبتسمة
: جاء هاني وتحدّث الى محمد زوج اختك
سحبت يدها ونهضت بعصبيّة
: الا يفهم هذا الرجل !
دخلت رونا الى الغرفة وقالت بهدوء
: احنا وش قلنا على ذا اللبس ؟
تأففت
: تكفين عاد مو وقتك , وش سالفة هاني ؟
جلست لتقول
: عادي يحاول يخطبك من جديد , مو فاهمة سبب رفضك ! هاني ما فيه شي ينرد !
صرخت
: مو غصب ! الزواج مو غصصصب ما ابي هاني انسسسوا الموضوع
قالت رونا باستغراب
: طيب وش فيك معصبة ! الأمر راجع لك في النهاية وانتي حرّة
جلست وكفّيها يرتجفان من انفعالها
قالت والدتها
: حبيبتي لستِ بخير
قالت بانزعاج
: اخبرتك انّي مرهقة – نهضت وقالت وهي تغادر الغرفة – غدًا سأسافر
قالت رونا باستغراب
: الى اين ستسافر ؟
قالت والدتها بزفرة
: الجامعة سترسلها في دورة الى لفربول
صمتت رونا مستغربة
اصابتها الريبة , لكنّها تجاهلت الأمر
لم يعلموا انّها حامل في ذلك الوقت !
انفعالها وغضبها , بسببِ حملها !
سافرت وقضت تسعةَ أشهرٍ وعادت
دخلت بشكلٍ ليس شكلها المعتاد
دخلت بوجهٍ لا يشبهها
عينيها غائرتان من التعب , وجنتيها نحيلتان
شعرها مجعدٌ ويديها جافّتان
فُجعت والدتها برؤيتها
عانقتها وهتفت
: بنيتي ما بكِ !
جلست ارضًا وقالت
: اريد اخباركِ أمرًا
نادت جوليا بخوف
: رونا , رونـا
جاءت رونا مسرعة , وشهقت حين رأتها
اقتربت وأمسكت بوجهها
: وش فيك ؟
تمسكت رنا بها وقالت
: بقول لكم شي
صمتت لثوانٍ ثم قالت
: قبل عامٍ وشهر تزوجت من روبرت سرًا , وحملت منه وسافرت لأتمّ حملي وولادتي , وقد وضعت طفلتي قبل اسبوعان , لكنّه لم يعترف بي او بها ومزّق الورقة وهرب
سقطت جوليا ارضًا , وعينيها متجمّدتان على ابنتها
صغيرتها المدللة !
شعرت ان الدم قد تجمّد فيها
وانّ قلبها توقّف عن النبض
ظلّت تنظرُ اليها بلا تصديق
هل تصدق وتقلتني ؟
ام تكذب وتعيد روحي التي هربت من جسدي !
صُعقت رونا , وصمتت لدقيقة لتستوعب
ثمّ رفعت يدها وصفعتها بقسوة
صرخت بها
: حملتي بالحرام ؟ زنيتي !
بكت بانهيارٍ وكأن الصفعة ايقظتها من سباتٍ عميق
بكت وهي تتمسك بشقيقتها
: تزوجني !
صفعتها مجددًا وصاحت بها
: كافر ما يجوز لك تتزوجينه , كتب ورقة بخط ايده بدون شهود وبدون عقد وصيغة تزويج صحيحة , زنيتي يا بنت امّي وابوي , حملتي وخلفتي سفاح
شهقت وهي تعيدُ ذات الكلمة
: والله تزوجني
صفعتها وهي تبكي معها
: ليش سويتي بنفسك كذا ليشش , ليش سويتي فينا كذا
تشبثت رنا بشقيقتها لتبكي بحدّة
لترثي نفسها
ظلّت تبكي وتشهق
ورونا تعانقها وتبكي معها
دخلَ محمّد زوجُ رنا غاضبًا
وحين رآهنّ صمت
قالت رونا بارتباك
: توها راجعة , مشتاقين لها
قال بغضب
: لمّا طوّلت غيبتها دوّر وراها هاني وعرف كل شي , وجا بلغني
أغمضت رونا عينيها بحسرةٍ , ونكّست رأسها
اقترب محمد وقال بقهرٍ عميق
: ليش يا رنا ؟ وش ينقصك وأرخصتي نفسك بهالشكل
تأوّهت بشدّة , دون ان تجيب
نهضت جوليا وقالت بهدوء
: اين الطفلة ؟
لم تُجبها
لتكرّرَ بحدّة
: اين ابنتكِ ؟
رفعت كتفيها بضعف
: تركتها في دورِ الرعاية
: احضريها
هزّت رأسها نفيًا
حاولت النهوض لتعانق والدتها
لكنّها زجرتها
: ابقي مكانك , من هذه اللحظة لستِ ابنتي ولا اعترفُ بك , اخرجي من منزلي حالًا
قالت رونا برجاء
: امّي ارجوكِ...
قاطعتها
: اصمتي رونا , ليسَ لي ابنةٌ غيرك , ولا عائلةً سواكِ وزوجكِ وابنك
صدّت عنهن
: لا اريدُ رؤيتها هنا ابدًا
وخرجت من الغرفة
لم ينتهِ اليوم , الّا وقد خطبها هاني مجددًا
رغمَ علمه بكلّ شيء
تزوجها وأبعدها عنهم
ليحبّها بطريقته البائسة
ليفرغ قهره من صدّها , بقسوته
ليبطش بها
رغمَ عشقه لها !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية واربعون دقيقة مساءً
مدّت بالملعقة اليها
: يلا يمّه بسم الله
أكلت ثم ابتعدت وهي تعقد حاجبيها
قالت بعصبيّةٍ خفيفة
: وش ذا الله يكرم النعمة
ضحكت وهي تقول
: انتي تعبانة يمّه اكلِك خاص
هزّت رأسها برفض
: ماني ماكلته ذا
دخل سلطان واقترب ليقبّل رأسها
جلس قريبًا منها وقال
: تغدّيتي ؟
قالت اروى
: ما تبيه مو عاجبها
اقترب وسحب الصحن من اروى
: بتاكل ان شالله عشان تطلع سالمة
قالت اروى وهي تميل شفتيها جانبًا
: للأمانة حاولت اذوقه بس يحوّم الكبد
رفع حاجبه
: قومي لا احومك بكبرك هنا الحين
ضحكت وابتعدت
مدّ الملعقة الى جدّته
: يلا يا بعد هلي
أكلت بصمت
ظلّ يطعمها حتّى انهت طعامها
قالت اروى بغيض
: اشوف طعمه تغيّر من يد دلوعك
قال سلطان بغرور
: مقامات يا بيئة
دخلت الممرضة لتقيس الضغط
سألها سلطان
: كيف ؟
: الحمد لله انضبط تقريبًا , يبيلها معاينة كل شوي وضبط المحلول عشان يرجع طبيعي ان شالله
: متى نقدر نطلعها ؟
: اسأل الطبيب اذا جا يشوفها
خرجت ليجلس سلطان بجانبها
قالت بعد قليل
: على وعدك يا ولد مساعد ؟
نظر اليها والتردد والرفض جليّان في نظرته
لكنّه ابتسم وهو ينحني ليقبّل يديها
: على وعدي يا عمري , اليوم رحت لعمّي وكلمته عن الوظيفة قال لي من بكرة تستلمها
وصمت
قالت وهي تنظر اليه من طرفِ عينيها
: ايه ؟
ازدرد ريقه , وشدّ على قبضته
: والباقي ان طلعتي بالسلامة ان شالله
هزّت رأسها بصمت
ضغطت اروى على اسنانها برفضٍ قاطع
ظلّت تنظر اليه بلومٍ شديد
ليهرب بنظره عنها
لن تفهمي ابدًا
لن تدركي احتياجي اليها
هذه السيّدةُ التي تربّي قلبي , التي تروّض غضبي
هذه الأمّ التي لا استطيع العيش ان هي تكدّرت
سأرمي بنفسي في غياهبَ لا منتهية
سأصارعُ ذاتي
لترضى
لتبتسم
لتهدأ نفسها , ليرتوي فضولها في رؤيتي بجانبِ فتاةٍ تختارها لي
سأقتل نفسي , لتعيش هي يا اروى !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية وثلاثٌ وخمسين دقيقة
دخل علي لتنهض ام علي بلهفة
: وينها ؟
قال في ذات اللحظة
: رجعت ؟
قالت وهي ستسقط ارضًا
: ما رجعت
فرك جبينه
: ماهي في المستشفى
بعد دقائق دخل تركي ليسأل
: رجعت ؟
جلست ام علي ارضًا
: يمّه بنتي
قالت هديل وهي تحاول الاتّصال بها
: ياربييي للحين مقفّل – صمتت لثوانٍ , ثم صرخت باستدراك – كلموا صقر يمكن عنده !
شهق الثلاثة بانتباه , ليخرج علي هاتفه فورًا ويتّصل
بعد اتّصالين أجابه بانشغال
: هلا علي
قال علي وهو يتحرّك بتوتر
: انت وين صقر ؟
قال باستغراب
: ليش ؟
قال علي وقد فقد اعصابه
: رتيل عندك ؟!
نهض صقر من مكانه وقال ببطئ
: وش صاير
ازدرد علي ريقه
: تكفى قول انّها عندك
خرج صقر باستعجال من مكتبِ ابي بدر
ناداه ابو بدر
: صقر وين رايح ؟ ما نروح سوى للمحكمة ؟
التفت اليه صقر
: ان شالله مو مطوّل , القاكم هناك
أغلق هاتفه ونزل مسرعًا ليركب سيّارته ويتّجه الى بيتِ عمّه
أخرج هاتفه واتّصل بأخيه
الذي ردّ بعد ثوانٍ
: نعم ؟
صرخ به
: وين رتيل ؟
صمتَ عبد الله لثوانٍ , ثم قال
: وينها !
قال صقر بغضبٍ هادر
: والله اذبحك يا عبد الله ان طلعت معاك
نهض عبد الله من طاولة الطعام وخرج من المنزل
: والله ما ادري عنها !
أغلق صقر الهاتف ورماه جانبًا بجنون
وصلَ الى منزلِ عمّه ونزلَ ليطرق الباب بشدّة
فتحه علي بلهفة
وتخاذل حين رأى صقر
صرخ به
: ضيعتوها ؟
قال تركي بغضب
: احترم نفسك وش اللي ضيعتوها ؟!
رفس الحائط بقوّة
: قبل عشر سنين ضيعتوها , والحين تضيعونها
وصلَ عبد الله ودخل الى المنزل الذي كان مفتوحًا
قال بتوتر
: لقيتوها ؟
قال علي وهو يكادُ يُجَن
: وين راحت ! والله ما سوّتها ولا مرّة , لو فرضًا كان عندها مشروع بتقول لنا قبل اكيد
صرخت بهم ام علي
: انقلعوا دوروها , واقفين لي زي الحريم تصارخون هنا !
روحوا دوروا بنتي
خرج الأربعة معًا وركبَ كلٌّ سيّارته
اقتربت ام وليد من شقيقتها
: تعوّذي من الشيطان ان شالله ما فيها الّا العافية
قالت برجاء
: يارب ردّها سالمة ولا تفجعني فيها , ياربي هذه بنتي ولا لي غناةٍ عنها , ياربي هذه امانة ايمان وعادل ولا لي وجه اقابلهم وانا مضيّعتها
نهرتها ام وليد
: وش ذا الفال ! تلاقين صار معاها ظرف ولا شي
,
,
المملكة المتحدة – لندن
الواحدة مساءً
فرك جبينه بقلق وهو يقول
: وعساها بخير الحين ؟
أجابه الآخر
: الحمد لله أخف لا تقلق
: يستدعي اجي ؟
: لا يا سعود قلت لك بخير الحمد لله , اروى مهتمّة فيها لين تطلع بالسلامة
زفر وهو يجلس
: الحمد لله , سليطين ذا متى يتوب من هباله , بيجنن جدّتي من عناده
قال مالك بزفرة
: لا عقل وجاها وحب على راسها وقال لها لك اللي تبينه
: الله يصلحه
لم يطيلا الحديث , وتوادعا
بحث سعود عن رقم عبد العزيز في هاتفه , واتّصل
مرّت ثوانٍ ليجيبه بِبَحّة
: يا هلا
ابتسم سعود ونهض حين سمع صوته
: شلونك يا خايس
قال عبد العزيز مبتسمًا بهدوء
: زين اتّصلت الحين
صمت سعود لثوانٍ , ثم قال
: وش فيك عزيز ؟ صوتك ماهو عاجبني
ضحك عبد العزيز رغمًا عنه
: ما فيني شي
هتف سعود
: كذاب , والله كذّاب
قال عبد العزيز
: انا بخير
ضغط سعود على اسنانه
: تأكّد لي بكل كلمة انّك كذاب وان فيك شي , وش صاير معاك يا اخوي ؟
قال عبد العزيز برجاء
: سعود اعفيني
ظلّ سعود صامتًا
ليتأفف عبد العزيز
: طيّب , صار لي حادث بسيط , وعندي عملية بعد ساعتين تقريبًا
كرّر سعود باستهزاء
: حادث بسيط ؟
غضب عبد العزيز
: سألتك بالله ما تجي , يا خبل الموضوع ماهو مستاهل
قال سعود يجاريه
: ايه زين
قال عبد العزيز بعقلانية
: وش بتسوي لي ان جيت ؟ ما بتعطيني من عافيتك ولا بتسهر على صحّتي ورعايتي , خلّك كلها ثلاث اسابيع يا سعود خلّص على خير وتعال ماني طاير
رفس سعود السرير بغيض وغضب
: تبيني اجلس هنا وانت عندك عملية بعد كم ساعة ؟
: قلت لك بسيطة وانا بخير , بالله عليك لا تجي , ما لها داعي جيّتك
جلس سعود على السرير وصمت لدقيقة , ثم قال بحنو
: وين اصابتك ؟
: ساقي , كسور مضاعفة
أغمض سعود عينيه وعضّ على شفته العليا
: تعورك ؟
قال عبد العزيز باستعطاف
: ايه حيل , بموت من الألم
ضحك سعود رغمًا عنه
: تستاهل
ابتسم عبد العزيز , وبعد ثوانٍ سأله
: خالتي سارة شلونها ؟
: والله كلمتها قبل كم يوم , صوتها ما كان عاجبني ذكّرتني باتصل اتطمن عليها
قال عبد العزيز مغتاضًا
: والله على ولدها ذاك معاها حق تتضايق وتتنكّد
: شفيه ولدها ؟
: مدري ياخي مطيور وعصبي وبغى يضربها وقتها على باله نكذب عليه
: اوف ! يعني حسّيته ماهو مضبوط ؟
: مو كذا , مدري كيف بس شخصيته ترفع الضغط
ضحك سعود
: تلاقيك حاقد عليه عشان هاوشك , ان شالله فيه خير لأمّه عاد
: اللهم آمين – تحدّث الى أحدٍ بجانبه , ثم قال – طيّب سعود انا بقفل بيسوون لي تحاليل أخيرة عشان يخدّروني ويدّخلوني غرفة العمليات
نهض سعود بقلق
: تقوم بالسلامة , الله يبشرني بسلامتك , ارسل لي رقم ابوك عشان اتواصل معاه واتطمن عليك
توادعا , وأغلق سعود الهاتف
قال بصدق
: يارب تقومه بالسلامة
شرد ذهنه لدقائق
حتّى تذكّر الخالة سارة
اتصل بها , لتجيبه بحذر
: سعود ؟
ابتسم بهدوء
: شلونك يا بعدي ؟
ازدردت ريقها , وقالت بخفوت
: الحمد لله
قال بتساؤل
: خالتي فيك شي ؟
قالت بارتباكٍ ملحوظ
: لا وش فيني يعني !
لم يصدّقها
لكنّه ظنّ انّه ضيقٌ بسببِ ابنها !
لم يُطِل حديثه معها , وودّعها
زفر وهو يخرج من الغرفة الى الباحة
جدّته متعبة
وعبد العزيز مُصاب
وخالته سارة غريبة الأطوار
أشعل سيجارةً ودخّنها بشرود
سمع صرخة قريبة
: شو عم تساوي !
التفت اليه بانتباه
: هلا ؟
اقترب بصدمة
: عم تدخن ؟!!
نظر اليها بصمت , ثم رماها أرضًا ودهسها
همّ بالعودة الى الغرفة ليمسك به شادي بقوّة , ويقول بحدّة
: عم احكي معك , من ايمتى تشرب هاد السم ؟
قال بملل
: ماني رايق لك
: ولك الله لا يوفئك على هالعملة , لك في حدا بيرمي حالو هيك رمية ؟ شو اجدب انتَ ولا عم تجدبا ! ما كنت تنتقد ياللي بيدخنوا ويشربوا , ليش صرت متلون ؟
زفر , ثم ابتسم
: ان شالله اتركها
تركه وعاد الى الغرفة
حرقةُ فؤادي لن يحاربها الّا حريقٌ يشبهها
أحارب قلبي المشتعل , بدخانٍ اسودَ يخنقه
ليتوقف عن التفكير
ليتوقف عن بثِّ الوجعِ القاتم لي
انا يا شادي لم اؤيد التدخين يومًا
لكنّه اصبح صديقي الآن
اصبح مرافقي الأوّل
ادخّن لتواسيني سيجارة
ادخّن , لأتخيّل لين تحترق مع التبغ !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة وخمسون دقيقة مساءً
عاد أخويّ رتيل , وصقر الى منزلِ امّ علي
قال تركي وهو يكاد يمزّقُ ثيابه
: وين تكون يعني !
قالت ام علي بانهيار
: ابي بنتي , جيبوا بنتي
كان صقر صامتًا وهو يحترق من داخله
اينَ ذهبتي يا رتيل
اين اختفيتي !
ان كنتي تعاقبيني فقد فعلتي والله
وكأنّ قلبي يتدحرج على خناجرَ حادّة
وكأنّ روحي تتلوى من مرضٍ خبيثٍ يضيّق خناقها
فلتعودي وسأخنقكِ بيدي , وادفنك بداخلي
لأنتهي من المٍ طويلٍ يبدأ بكِ
ويمرّ بكلِ ما في الحياة , لينتهي بكِ
قال علي
: انا ببلغ
قبل ان ينطق صقر فُتِحَ الباب لتدخل
شهقت والدتها وأسرعت لتعانقها وهي تهتف
: رتييييل , يممه بنتييي , وين كنتي يمممه وين رحتي , وقفّتي قلبي عليك يا روحي
قالت بندم وأسف , ولم تنتبه لصقر بعد !
: يا عمري يمه سامحيني , كنت....
قاطعها بصرخةٍ هادرة
: وين كنتي ؟
رفعت رأسها برعبٍ اليه
اقترب منها بجنون وهو يحطّم الأحرف الخارجة من بين شفتيه
: بتمشين معاي غصب عنّك...
قاطعه علي وهو يمسك بيده
: صقر , ما له لزوم ذا الكلام
قال وهو لا يرى ما امامه
: الحين تمشي معاي باللي عليها
قال تركي بغضبٍ هو الآخر
: هي وكالة من غير بوّاب ؟ ولا من زود الحقارة قمت تستغل المواقف لصالحك ؟!
خبأتها امّها خلفها وقالت
: خلاص صقر مشكور , البنت ورجعت روح شوف شغلك
صرخ بلا وعي
: وين كنتي ؟
قوّةٌ استمدّتها من ظهر امّها الذي يحميها
صرخت به بانفعال
: وانت وش دخلك ؟ ما لك كلمة علي اطلللع من حياااتي اكفيني شرك , طلقني ما تفهم انت !
وكأنّها رمت قشّةً قصمت ظهره
دخل عبد الله حينَ رأى الباب مفتوحًا
ليسمع صوت صقر المخيف من حدّته , المختفي من بحّته
: انـتـي طــالــق
,
,
الى الملتقى :)
,
*كان إمام السنّة أحمد بن حنبل – رحمه الله – يقول :
كل من ذكرني بسوءٍ فهو في ( حلٍّ منّي ) , ثم يقول :
ما ينفعك أن يعذّب أخاك المسلمُ بسببك ! *
,