السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهذا البارت وصل وعذرًا على التأخير
وعذرًا لأنّ البارت اللي قبله أخطأت في رقمه
كان المفروض يكون الثامن والثلاثون , بس حطيته السابع والثلاثون
يارب كلّكم بخير
فيه سالفة تقرقع بقلبي بقولها لكم
بالنسبة للجفاف اللي في الرواية !
انا اكتب واستنفذ وقت وجهد نفسي وجسدي عشان اكتب بارت طويل ويليق فيكم
في النهاية ما القى أي ردّة فعل او تفاعل !
احس انّ اجحاف في حقّي للأمانة !
انا اكتب الرواية عشاني في المستوى الأوّل
وعشانكم في المستوى الثاني عل طول
لكنّي انزلها عشانكم تمامًا
انا قادرة اكتبها واكملها , واعرضها على المحيطين فيني من الناس اللي اثق في نقدهم ورأيهم
لكن موضوع انّي اكتب واتعب في البارت وانزله , وفي النهاية ما القى أي شي يدفع انّي اكمل في تنزيل الرواية
اتمنى تاخذون الموضوع بجديّة , لأنّ ممكن يكون آخر بارت أنزله :P
ارجو تستمتعون في البارت , وتعطوني رأيكم ان كان معي حق او لا
وأهلًا بالجميع ()*
,
,
بسم الله الرحمن الرحيم
البارت التاسع والثلاثون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة وخمسة عشر دقيقة مساءً
دخلت الى غرفته بهدوء
اقتربت ومسحت على شعره
همست بحنوْ
: عزوز , قوم يمّه , قوم يا حبيبي
همهم بخمول
قبّلت رأسه بحب
: قوم يمّه , كل لقمة وروح للصلاة
فتح عينيه ببطئ
ابتسم بكسل
: صباح الخير يمّه
ضحكت بهدوء
: الساعة ثلاثة حبيبي
مدد أطرافه , واعتدل في جلسته
قبّل ما بين عينيها
: يخليلي هالوجه , الله لا يحرمني هالدخلة
ابتسمت ابتسامة من يخبئ أمرًا
: ان شالله لا تزوّجت زوجتك تصحيك
ضحك ونهض من سريره
غسل وجهه واتجه الى غرفة الجلوس
رفع حاجبيه يحيي شقيقته الصغرى
التي مسحت دمعتيها وابتسمت في وجهه
عقد حاجبيه
: وش فيك !
أشارت ناحية التلفاز وهي تتعبر
: مات اخو البطل
ضحك ببحةٍ وجلس
قال باستخفاف
: الله يرحمه
شهقت بحزن
: مسكين تعذب بحياته , زوجته ماتت وولده مات , في النهاية اخوه الوحيد مات
زفر وهو يهرب بنظرِه عنها
قال بنبرةٍ كسيرة
: يكفي موت اخوه عشان يتعذب بحياته
تظاهرت بعدم سماعه واندمجت مع التلفاز
تبكي شقيق البطل !
بالأحرى تبكي شقيقها , بحجةٍ بلهاء جميعهم يمثلون تصديقها
دخلت والدته بصينية الغداء
وضعتها أمامه
: يلا يمّه سم بالله
قال يلوم شقيقته
: ليش خليتي امّي تجيبه
مسحت دمعها وقالت ببحة
: ما انتبهت والله
جلس أرضًا وسمّى بهمس
قالت والدته بعد صمت
: عمامك اليوم يجون يشوفونك ان شالله , ابوك مسوي عشا
هزّ رأسه بصمت
قالت بهدوء
: وابو عمر جاي
غصّ في لقمته , رفع كأس الماء ليشربه دفعةً واحدة
ثم صمت لثوانٍ
ثم قال بنبرةٍ أقرب للهمس
: حيّاه الله
ابتسمت
: ما شالله بناته كبروا
ازدرد ريقه
: ما شالله
قالت تهاني بارتباك
: عزوزي شلون نمت امس
هزّ رأسه
: الحمد لله
أنهى طعامه سريعًا , ونهض الى المسجد
وكأنّ جبلًا وقع على قلبه بذكر والدته لأبي عمر وبناته !
زفر بتعب
رفع رأسه ليهمس
: يارب ! انت أعلم بقلة حيلتي , وانت ادرى بهربي ورجوعي غصب عنّي , هوّن علي يا كريم , خفف ثقل حزني
مسح على وجهه ودخل الى المصلى
صلّى تحية المسجدْ
ودعى في سجودها كثيرًا
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة مساءً
أوقف سيارته أمام الفندق
نزل وسار الى المدخل وهو يرفع نظارته عن عينه
كانت عقدة حاجبيه تجمله رغم منظرها المربك
خطواته مثقلةٌ بغضبٍ يكظمه رغمًا عنه
ركِب المصعد الى الدورِ المنشود
اقترب من الجناح ليعترضه الحارس بصمت
أخرج بطاقة الهويّة خاصته ووضعها أمام وجهه ليصمته
تنحَى جانبًا ليفسح له المجال
: تفضل
قال بنبرةٍ فضّة
: دق لي الباب
طرقه ليأتي صوتٌ انثوي بعد ثوانٍ
: نعم ؟
التفت الحارس اليه , ليقول بهدوء
: ابي لولوة
قالت مستغربة
: من انت ؟
: قولي لها ذياب
مدّت رأسها الى الغرفة , لتصله همساتهن
: واحد اسمه ذياب يبي لولوة !
سمِع شهقة لولوة الخفيفة
وصوتُ امرأة كبيرة
: منو هذا بعد ؟
جاءت نبرةُ لولوة مستعجلة
: بعدين بعدين
نظرت الى المرآة لتعدّل خصل شعرها , وترتب لبسها البيتي
بيجاما بيتية بكمٍ طويل
فتحت الباب لتقول بهدوء
: مرحبًا !
ابتسم برسميّة
: شلونك ؟
هزّت رأسها
: الحمد لله , انت شلونك !
رفع كتفيه ببساطة
: عايش
قالت بحذر
: من وين عرفت انّي هني ؟
قال بهدوء
: ممكن تلبسين وتنزلين معاي للوبي , نتكلم تحت
ظلّت صامتة
ليقول بتأكيد
: ممكن ؟
صمتت لثوانٍ , لتقول
: اوكي
هزّ رأسه وهمّ بالاستدارة , قبل ان يشير باصبعه مستدركًا
: حطّي شي على راسك
تركها دون ان ينتظر جوابها
نزل الى الاستقبال لينتظرها
عادت الى الغرفة وهي تبحثُ بتوتر
قالت مها
: منو هذا ؟
أشارت بيدها
: بعدين افهمكم
قالت ام مها
: انزين شقاعد تسوين !
لم تجبها وهي ترتدي عباءة مها وترتدي حجابها باهمال
ضحكت منال وهي تعدّله
: شفييج تخسبقتي ! يبه على هونج نطري أعدّل شكلج تفشلين
أحضرت عائشة علبة مساحيق التجميل وهي تقول باستعجال
: لحظة حواجبج مو معدلين
رفعت مها حاجبيها مذهولة
: هي انتي ويّاها شتسوون ! جنها رايحة تشوف حبيبها
كتمن ضحكهن مرغمات
رفعت لولوة مرطب الشفاه وهي تتلفت
: مرايا بسرعة
فتحت لها منال الكاميرا الأمامية في هاتفها
رطبت شفتيها بلونٍ زاهٍ ثم قالت وهي تدور حول نفسها
: شكلي زين ؟
أشارت لها عائشة بابهامها
: بيرفكت , صج صج كويتية
ضحكت وهي ترفع حقيبتها
تبعنها الى الباب ليهمسن
: good luck
,
,
المملكة المتحدة – اكسفورد
العاشرة صباحًا
خرج من مكتب استاذه
سار على مهله في حرم الجامعة
ليجلس على طاولتها المعتادة
في مكانها الدائم
أراح رأسه على الطاولة , وأغمض عينيه بحلمٍ طويل
تمنّى لو يستطيع تخيلها
شعر بأنّه لم يتجاوز أعوامًا سبعة
وهو يتمنى امتلاك بلورة سحرية
تريه مكانها !
لو يعلم فقط ان كانت بخير
تلك الأنثى الباذخة البسيطة !
عينيها الغارقتان بثرثرة مشاعرٍ تحكيها نظراتها الباسمة
كفّيها الدافئتين , التان تربت بهما على قلبه الثملِ بها
لم يعتقد ان يحبها الى حدٍ لا يرى مداه
كان يدرك انّه سيحبها
كزوجةٍ تشاركه حياته , تنجب له أطفاله
تشدُّ على كتفه في ضيقه
وتعانقه ضاحكةً في سعادته
لم يعلم انّ انوثتها الرقيقة , الشبيهة بنبرتها
ستشتته
لتصنع منه سعودًا آخر
لتغرقه برضىً منه , في ابتسامتها الحلوة
أحبّها ليودع في قلبها قلبه أمانة
ليدسّ روحه في ثنايا ضحكتها الملتوية النبرة
ليرفرف معها كيمامة بيضاء , مسالمًا في عشقها
متمردًا على أيّ ظروفٍ تصدّه عنها
احببتك يا لين
احببتك بقلبٍ لم يعرف حبًا مع انثى جميلة مثلكِ , من قبل
لم تحبيني كما استحقُ منكِ
لأجدكِ فقط يا لين !
لأجدكِ , واثرثر لكِ بكلِ هذيانِ حبّي , ثرثرة باطشة
لأبطش باستهتارك , الذي آلمني
ولم يؤلمني احدٌ باستغفالٍ من قبل , كيف تجرأتي لتفعليها !
كيف فعلتيها يا لين !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الخامسة مساءً
منذُ نصفِ ساعة تجلسُ أمامه
على شفا شفتيها كلماتٍ أبت ان تخرج
كلّما همّت بالحديث صمتت وانشغلت في أمرٍ آخر
زفرَ أخيرًا وهو يقبّل كفّها
قال بحنوْ
: وش تبين تقولين , آمري باللي تبينه ويوصل لرجليك
قالت بتهرّب
: ما ابي شي حبيبي
رفع رأسها ليقبّل جبينها الندي
: قولي , آمريني
ظلّت صامتة , وفي مقلتيها حار دمعٌ حزين
قالت خالته بهدوء
: بالها مشغول على ملاك
بلعَ غصّة ذكرها
ابنة قلبه العاقّة به !
قال بابتسامةٍ اغتصبت شفتيه
: صدق يمّه ؟
قالت ببحة
: على هواك , اذا تبيني انشغل فيها فأنا والله مشغولة , واذا ما تبي , فأنا ما فكرت فيها , وعسى الله يغفر كذبتي
ضحك بهدوء وقبّل رأسها
التفت الى تركي الذي رفعَ حاجبه بتساؤل
قال وليد بهدوء
: انا قلبي غضبان عليها , جيبها انت
صدّ تركي
: ما لي نزلة لبيت ابوك , ولا لي كلام مع ملاك
قالت والدته بعصبيّة
: كفرت ملاك عشان مالك كلام معها !
رفع يديه بتبرير
: مالي شغل فيها , كسرت كلامنا ورقعتنا بالطوفة وطلعت ذيك الليلة , اللي متصالح مع اللي سوّته يروح لها
قالت ام علي بـ "زعل"
: الله يرضى على علي , والله انّه يسافر لها وهو يضحك اذا طلبته , بار مرضي ماهو انت ويّاه
قال تركي وهو يقبّل رأسها
: يا يمّه الله يخليك لي والله ماهو عناد ولا بردّك , والله لو قلتي لي روح تدرين انّي اروح لها , بس اننا متضايقين من تصرفها
لم تجبه , ليزفر وينهض من مكانه
: خلاص ابشري , بروح أجيبها
اقترب من الدرج لينادي
: يا بنت
طلّتا عليه اختيه
: من تخاويني للشرقيّة
عقدتا حاجبيهما وقبل ان تنطقان , قال بملل
: ما فيها شي بسبع ارواح ولسانها يلوط اذانها , بروح اجيبها من منكم تجي !
قالت رتيل
: انا والله بذاكر ما اقدر
قالت هديل غاضبة
: تخسي ماني رايحة لها ام لسان
قالت ام علي بصوتٍ عالي
: والله ما غيرك اللي ام لسان وشكلي بقصّه وارتاح
عقدت حاجبيها وصمتت
قال تركي بجديّة
: اخصلوا علي , لازم وحدة منكم تجي معي
قال ام علي
: هديل
قالت هديل بملل
: لبيه
: يلا حبيبتي ما يصير اخوك يجيب ملاك بدون محرم
قال متضجرة , ولا تزال في الأعلى
: وذا اللي في حضنك ماهو محرمها وولي أمرها !
قال وليد ببرود
: والتراب لا تحشرين نفسك في سوالف الكبار
ضربت الأرض معترضة
تأففت والدتها وهي تصمت وليد بعينيها
: يلا حبيبتي , اعطيك ميّة ريال اذا تروحين مع تركي
قالت بتشكيك
: احلفي
ضربتها رتيل بخفّة وهي تضحك
: استحي على وجهك
أخفت ضحكتها وهي تقول
: ويشتري لي تركي حلويات وأكل للطريق
قالت والدتها بملل
: طيّب , يلا البسي قبل لا تليل الدنيا ثم تبطون بالرجعة
دخلت الى غرفتها ليعود تركي الى غرفة الجلوس ساخرًا
: ما شالله تعطينها كلمة وانا رجل كرسي واقف
: يرحم والديك فكني من شر لسانها , اشترْ لها اللي تبي تراها صايرة بزر ما تنحمل
اقترب ليقبّل رأس والدته
: يلا اجل انا بطلع للسيارة , ادعي لنا يمّه
قالت بمحبة
: استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه , حط بالك على الطريق حبيبي
قبّل رأس خالته التي قالت بصدق
: الله يجزاك خير ويطول عمر اميمتك ويحفظك حبيبي
ابتسم بهدوء وأشار لوليد مودعًا
تبعه وليد الى الباب وقال هامسًا
: لا تجيب سيرة امّي قدامهم , ملاك ما قالت شي
قال مستغربًا
: ليش ! واذا عرفوا ؟
: عادي مو مشكلة , بس انا ما ابيهم يعرفون الحين
هزّ رأسه متفهمًا
نزلت هديل ودخلت الى غرفة الجلوس
قبّلة وجنتي والدتها
: مع السلامة مامتي
: مع السلامة يا روحي
قبّلت رأس خالتها وخرجت الى شقيقها
رمقت وليد بنظرةٍ مغتاضة , وتجاوزته لتخرج وتركي يتبعها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
اقتربت لتجلس أمامه
ابتسم وقال
: شكلك أحلى بالحجاب !
توردت وجنتيها , وأسدلت أهدابها عليها لتواريها
ظلّ ينظرُ اليها بابتسامة , حتّى حمحم وهو يعتدلُ في جلسته
: طيّب لولوة نتكلم في المهم
رفعت اليه عينيها باهتمام
قال بهدوء
: مو عارف من وين أبدأ لك , بحاول ارتب بالأولويّة , طبعًا انتي تبين تعرفين من وين عرفت مكانك
هزّت رأسها ايجابًا
: انا اصلًا اللي حاجز لكم في الفندق
عقدت حاجبيها بعدمِ فهم
: لولوة انا صديق صقر وزميله بالعمل
رفعت حاجبيها بدهشة
ضحك رغمًا عنه من تحركاتِ حاجبيها
تابع باستدراك
: احنا نشتغل شغلة وحدة , ووجودنا في استراليا كان لخدمة الشغلة هذه , وهذا احنا رجعنا , بس للحين ما خلصنا شغلنا
قالت بنبرةٍ غريبة
: يعني انت جذبت علي !
قال بحزم
: انا ما كذبت على أحد , ولا تعنيت من السعودية عشان اكذب , شغلي سرّي وما اقدر اطلعك عليه !
همّت بالحديث , ليقاطعها
: لولوة ما اشتقتي لجدّك !
دمعت عينيها دونَ مقدمات , قالت بوجع
: بموت من شوقي له , اوّل مرّة افارقه !
مدّ لها بعلبةِ المناديل
: اوكي لا تبكين على طول , اذا تبين جدّك لازم تساعديني
مسحت دمعتيها لتقول بلهفة
: مستعدّة اسوي أي شي ويرد
أخذَ نفسًا عميقًا
: راشد ارتكب جريمة قبل تسع سنين تقريبًا , وجدّك وعمّك ابو عقاب طمطموا له وداروا جريمته , وهم الشاهدين الوحيدين على اللي سوّاه
هزّت رأسها ايجابًا ليتابع
: الحين كل هالفترة هم بالسجن لأن ما في شاهد على راشد عشان نخلص من موضوع المحكمة والحكم وهالأمور
: انزين ؟!
ابتسم بهدوء
: قلت لك الشاهدين الوحيدين جدّك وعمّك , والاثنين حاولنا بكل الطرق نقررهم على راشد ورفضوا , اذا اعترفوا عليه بننتهي من كل هالمعمعة , وانا اوعدك لو اقتنع يشهد , انا بسعى في التخفيف عليه
قالت بذعر
: ليش يدّي شنو عليه يعني !
قال يطمئنها
: سجن من سنة ونص الى سنتين , اذا اعترف انا بسعى تكون اشهر ويطلع
قالت بتساؤل
: شمسوي راشد !
ظلّ صامتًا , لتقول بهدوء
: مها حاولت تعرف من عمّي ابو راجح...
قاطعها بحدّة حاول كبتها
: صقر
صمتت لثوانٍ , ثم قالت
: حاولت تعرف من صقر شنو سبب اللي صار كلّه ورفض يعلمها بأي شي
: عشان كذا ما اقدر اقول لك شي
قالت بحزم
: وانا ما اقدر اساعدك بشي
همّت بالنهوض , ليقول بحدّة
: بتضرين نفسك وجدّك كذا
رفعت كتفيها
: ما في شي ثابت عليه , ما بيضرّه السجن دامه ماكل شارب نايم , انتوا اللي قضيتكم بتطول الى ما لا نهاية
زفر بغيض
ليقول من بين أسنانه مغتاضًا
: وش هالعناد
تقدمت بجسدها لتقول
: ما ابي اكون على عماي , لازم اعرف شاللي يصير حولي
قال بتهديد
: وان علمتي احد من اهلك
هزّت رأسها نفيًا
: ما راح اعلم احد
كان مضطرًا ولا خيَار أمامه سوى تصديقها !
ملأ رئتيه هواءً , ليزفره ببطئ
سامحني يا صقر !
لأجلك سأعصي أمرك وافشي سرك
أعدك انّها المرةُ الأولى والأخيرة
وسأصمت فمي للأبدِ عنك
يا هدية الحياة لي
يا أخي من رحم الدنيا
الذي لفضك ليرمي بك اليّ , ونسيك لأتذكرك وأعيش من اجلك
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الخامسة مساءً
مدّت له بالورقة
: حطها على مرايتك وعلى مراية السيارة وفي كل مكان
أخذ الورقة ليلقي نظرة , ثم قال ساخرًا
: لا يكون سواقك الخاص وانا ما ادري
قالت بهجوم
: أي ما شالله على السنة اللي فاتت واللي قبلها وطول السنين لمّا رتيل تعطيك الجدول – أشارت لعينيها وقالت تقلد صوته بسخريةٍ مغتاضة – من عيوني كم رتيل عندنا !
اختفت ضحكته ليسترق نظرةً مختلسة الى الذي يجلس أمامه
الذي رفع رأسه عن هاتفه بسرعة وهو يعقد حاجبيه غضبًا
ابتسم من جديد ليقول بنبرةٍ مبطنةٍ بالاستفزاز
: وانتي تجيبين نفسك لرتيل ! انتي وين وهي وين
قفزت عليه بغضب
: لاااا والله
ضحك وهو يبعدها
: يا بنتي ثوبي , طيب دقيقة نتفاهم
ابتعدت وهي تنفخ بغضب
: خير
: رتيل بتروح وتجي معك !
قالت بسخرية
: لا طبعًا , اخوانها يودونها ويجيبونها
قال برقّة , او على الأقل هكذا سمعها صقر !
: عادي اصير لها سواق اودّيها واجيبها
قالت داليا وهي تلوي شفتيها
: يا حنيّين
اكتفى بأن يظلّ مبتسمًا
ليقول صقر بسخرية تحرقُ جوفه
: ما شالله وش هالاهتمام ببنت عمّك
قال مبتسمًا بهدوء
: رتيل ماهي ايْ احد
هزّ رأسه
: ايه , زين علمتني
انتبهت داليا الى مغزى عبد الله , والى مرارة نبرةِ صقر !
نظرت الى عبد الله بحدّة
ليرفع حاجبيه ببرود
هزّت رأسها بانتقاد
ليشيح ببصره عنها
جلست بجانب صقر
وظلّت تنظرُ اليه
لم يكن منتبهًا اليها
يهزّ قدمه بتوتر
ويعض شفتيه بغيض
نظرت اليه طويلًا
وللتوْ اكتشفت انّها لم تخبره كم اشتاقت اليه !
انّها لم تتصرف بشوقها وحنينها الذي هشّم قلبها في غيابه
لم تعانقه طويلًا , ولم تقبّل كتفيه وجبينه بمحبة
مذ جاء صدّت عنه لأجلِ رتيل
فكّرت لثوانٍ
لن تخسر رتيل احد اخوتها من اجلها ابدًا !
لا تزال حرارة صفعتها على وجنتها , حين سمعها علي ذات مرّة !
ابتسمت من بين دمعتين تعلقتا في مقلتيها
اقتربت لتقبّل كتفه
التفت اليها مستغربًا
قالت بعبرة
: والله اشتقت لك , بكيت عليك كثييير , كلْ يوم كنت اصحى من النوم وانا اتمنى يقولون لي صقر رجع , يأسوا من رجعتك يا صقر وانا انتظرتك وتيقنت انّك بتجي , انت اخوي , حبيب قلبي وسندي , مستحيل ما ترجع ! رجعت يا صقر !
مسح على شعرها ونظرته انكسرت
قال بابتسامةٍ متحسرة
: رجعت يا داليا
عانقها لتجهش بالبكاء
قبّلت كتفه من بين بكاءها
: الله لا يجعلني ابكيك , عسى يومي قبل يومك يا صقر , بكيتك عمر ولا فيني ابكيك اكثر
قبّل رأسها وابتسم بهدوء
: بسم الله عليك
ازدرد عبد الله ريقه
قال ببحةٍ ساخرة
: وخروا عنها الدراماتيكية
ابتعدت عن صقر وهي تمسحُ دمعها
قالت بنبرةٍ غريبة
: من حق مشاعرك انها تطلع , لا تخنقها وتقتلها عشان لا تندم , ومحد بالدنيا بيحبّك او تحبّه كثر اخوك الوحيد ! ولا احد بيصفق لك لانّك هجرت اخوك عشانه , ولا احد بيوم بيهجر اهله عشانك
نهضت لتخرج من الغرفة
نهض خلفها وقد ارتجف قلبه من كلماتها
قال ساخرًا
: مدري وش تخربط ذي
خرج من الغرفة ومن المنزل , ليهرب من عيني صقر التي تتهمه , عيني صقر المنكسرة بسببه , ليهرب من ظنون شقيقه الوحيد
لا يعلمُ ايّ قوّةٍ اقتحمته ليكسر بشقيقه ببرود
ليلهمه الظنون السوداء وهو يضحك
كيف قسى على صقر !
رفيق الصبا
الشقيق الوحيد
الذي احبّه كثيرًا
وأعطاه كثيرًا
كيف يدهس قلبه ويوجعه بأكثر ما احبّه في حياته !
زفرَ حسرةً على نفسِه الأمّارةِ بالسوء
كيف أطاعها وانقاد لها دون عناء !
كيف أضاع مبادئه , أمام اعتقاداتٍ بلهاء !
كيف أوجع شقيقه الوحيد , الذي خاله دواءه من كلِّ داء !
,
,
المملكة العربية السعودية – الدمام
الثامنة والنصف مساءً
أوقف السيارة أمام منزلِ ابي وليد , وأطلق زمّاراتها لينبّه الحارس
فتح الحارس الباب وهو يحييه مبتسمًا
ابتسم في وجهه ودخل
أخرج هاتفه واتصل بفهد
الذي أجابه بعد رنتين
: يا هلا
: السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله , وش اخبارك !
: الله يسلمك بخير الحمد لله , يا ليت تطلع لي انا في بيتكم برى
قال بذهول
: صادق !
: أي والله توْ دخلت
أغلق فهد الهاتف وخرج مسرعًا
ابتسم بتعجب وهو يقترب لينزل تركي من السيّارة
سلّم عليه وسأله عن أخباره
قبل ان يقول
: طيّب فهد لا هنت ناد ملاك , انا جاي آخذها
عقد حاجبيه
: تاخذ ملاك !!
: ايه
قال معتذرًا
: سامحني يا تركي بس ما اقدر ارسل اختي معك من الدمام للرياض !
قال تركي بهدوء
: اعذرني بس ولي امرها هو اللي مرسلني , وانا ماني بروحي هديل معاي
قال فهد بنبرةٍ مختلفة
: وليش ما جا وليد ؟
فكّر تركي بسرعة ليقول
: تعبان شوي ويبي يشوف ملاك
قال فهد بقلق
: عسى ما شر !
: لا ان شالله ما عليه شر , ان شالله يومين ويخف , انت بس نادْ ملاك الله يخليك برجع للرياض عندي دوام بكرة
قال فهد بغيرِ اقتناع
: والله مدري وش اقول لك
ضحك تركي رغمًا عنه
: يا رجّال وش فيك متربّين سوى تمون علي اكثر منّك ! وهذاك بيتها اكثر من بيتكم
رفع فهد أحدَ حاجبيه
: يا شيخ
ظلّ تركي مبتسمًا
ليقول فهد مستسلمًا
: طيب انزلوا تقهوو وتعشّوا
: جعلك تسلم والله ما اقدر اتأخر
حاول فهد ثنيه لكنّه رفض
ليدخل فهد وينظر الى ملاك التي قالت بتساؤل
: وش فيه ؟!
: قومي لمّي شنطتك بترجعين الرياض
فزّت بلهفة
: وليد جا !
هزّ رأسه نفيًا
: تركي
تراجعت بتخاذل
قالت ام فهد بتعجب
: ابوك ما بيرضى تروح مع تركي للرياض !
التفتت اليها بحدّة وقبل ان تجيبها قال فهد بهدوء
: يعني انا اللي برضى تروح مع تركي لحالها ! معاه اختّه هديل , يلا ملاك تركي مستعجل
قالت بتردد
: بس انا ما ابي ارجع !
قال بهدوء
: وليد تعبان ويبيك
قفزت بشهقة
: وش فيه !
رفعَ كتفيه
: والله ما ادري بس يبيك
صعدت الى غرفتها مسرعة , ليخرج فهد الى تركي ريث ما تنزل
كان قلبها ينبض بجنون
ترى ما به ! وممَا هو متعب
كان قلبها يتهاوى , كأوراقٍ تلتهمها نارٌ مُتأججة
الّا وليد !
لن تحتمل ان يصيبه ايُّ مكروه
قالت بهمسٍ باكٍ
: يارب احفظه وابعد عنّه كل سوء
نزلت سريعًا وودعت زوجة ابيها واختها الصغرى
وخرجت
اقتربت من السيّارة وهي تقول بخوف
: تركي بالله عليك وش فيه وليد
لم ينظر اليها تركي وقال بجمود
: ان شالله خير
قال فهد مبتسمًا بهدوء
: طيّب هديل ما بتسلم !
فتح تركي الباب وهزّها برفق
: هديل
همهمت , ليرفع صوته قليلًا
: قومي اشوف
فتحت عينيها بانزعاج
: شتبيي
ابتعد وهو يشير الى فهد
نظرت اليه بعدم استيعاب
حتى شهقت بخجلٍ وهي تعتدل في جلستها
نزلت لتصافحه بهدوء وخجل
قال بابتسامة
: شلونك ؟
هزّت رأسها ايجابًا
: الحمد لله
أخيرًا ودّع تركي فهد وركب السيارة
لتركب ملاك خلف هديل
سار عائدًا الى الرياض , وكلاهما صامتان لم يتحدثا اليها أبدًا
ولم تكن لتنشغل بهما اصلًا
كانت روحها ترفرف بهلعٍ على شقيقها الأب
اوّلِ قلبٍ توسدته حين احتاجت للدفئ
اوّل كفّين اطعمتها حينَ بكت جوعًا
اوّل من ابتهج لخطواتها الأولى , ورفعها حين تعثرت
لم تشعر بدمعها الذي بلل نقابها
كان ترتجف ان يكون سوءً اصاب وليد
وهو غاضبٌ منها !
مالذي يؤلمك يا اخي ليأتي تركي ويسطحبني في هذا الوقت !
ويحي يا وليد ان اصابك مكروهٌ وانت عنّي غاضب
لن ارحم نفسي ابدًا , ولن اغفر لها ابدًا !
,
,
المملكة العربية السعودية 0 الرياض
الثامنة مساءً
طرق الباب وابتعد عنه قليلًا
مرّت ثوانٍ ليُفتح
: يا هلا والله
ابتسم واقترب وهو يصافحه
: شلونك
أشار له ليدخل وهو يجيبه
: الله يسلمك الحمد لله , حيّاك
دخل والتفت اليه بتساؤل
: خالد صاحي !
: ايه , اقلط الحين اجيبه لك
هزّ رأسه ايجابًا , ودخل الى المجلس الخارجي
دخل فيصل الى المنزل واقترب من خالد
قالت والدته
: لا تمرّ قدامه , يصلي
جلس قريبًا ريثما سلّم من صلاته , والتفت اليه
قال فيصل وهو يدفع الكرسي
: وليد هنا , يمّه الله يعافيك نادي على لين تصلح القهوة
أخذه الى المجلس , لينهض وليد فازًّا حين رآه
عقد حاجبيه بحزنٍ من أجله
ليبتسم خالد دون تعليق
انحنى ليقبّل رأسه
: لا بأس طهور
قال خالد بخفوت
: الله يجزيك خير
جلس أمامه وظلّ صامتًا
ليقول فيصل ساخرًا
: تراه ما انشل
التفت اليه وليد حانقًا , وقال بصدق
: يا زينك ساكت يا شيخ , اعوذ بالله من لسانك ما يتكلم بخير ابد
انفجرا ضاحكين , ليقول فيصل وهو يمسح عينيه
: اقصد انّه ان شالله كم يوم ويقوم على رجليه وانت مسويها دراما !
تأفف وليد والتفت الى خالد
: جبت لك جوال بدَل اللي انكسر
قال خالد
: زين سويت , بس المشكلة الشريحة راحت
قال وليد ببساطة
: جبت لك رقم جديد
: مو عن الشريحة نفسها , بس الرقم عند الناس وله سنين
قال وليد ساخرًا
: اللي يسمعك يعني وزير الوزراء , يا شيخ غيّرت رقمك ولا قعدت محد ردا عنك
ضحك خالد بصعوبة وهو يضع يده موضع كليته
عقد وليد حاجبيه
: تعورك !
هزّ رأسه نفيًا , وكأنّه يقول " لا تصدقني "
زفر وليد وهو يضع يده موضع الألم
ويتلو من الرقية الشرعية , وينفث
لتلين عقدة حاجبي خالد
ويحمدُ الله الفًا على وليد
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
نهضت من مكانها وهي تقول باختناق
: قوم نروح للسجن
قال بهدوء
: تبين تروحين الحين ؟
هزّت رأسها ايجابًا , لينهض ويسير أمامها
ركِب سيارته , وركبت بجانبه
ولم يعلق
المهمُ الآن ان تقنع ذلك الجدّ العنيد !
وصلا الى السجن واقتربا من البوّابة
قال الحارس باعتذار
: عندنا اوامر ما ندخلك
قال بغيض
: ماني رايح الجهة الغربية , بدخل السجن الخاص
ظلّ الحارس صامتًا
ليتأفف وهو يخرج هاتفه ويتصل بأبي بدر
ابتعد قليلًا ليتحدث
: سلام , ابو بدر انا معاي حفيدة ابو غانم , علّ وعسى ان كلمته يقتنع يقرّ على الكلب راشد
قال ابو بدر وهو منهمكٌ فيه عمله
: أي زين
ظلّ ذياب صامتًا , ليقول ابو بدر بانشغال
: يلا الله يوفقك , تبي شي ثاني
قال ذياب من بين اسنانه
: يعني انا ليش برأيك بتصل عليك ! هماك مانعني ادخل السجن !
انفجر ضاحكًا , ثم قال بودْ
: طيّب عطني اكلم الحرَس
اقترب من الحارس ومدّ له بالهاتف
حيّاه ثم صمت لينتظر أوامره
: افتح له الباب وخذه بنفسك جهة السجن الخاص , يا ويلك تسهى عنّه ويروح الجهة الغربية , تراه خبل سادي يستمتع بالتعذيب
كتم الحارس ضحكته حتى احمر وجهه , حمحم وقال
: سم طال عمرك
ابتسم ابو بدر وودعه
قال ذياب بشك
: وش قال لك
أشاح ببصره عنه وهو يفتح الباب
: تفضل
اشار ذياب الى بداية ذراعه
: اقطعها ان ما كان سفل فيني
ضحك الحارس وهو يديرُ وجهه بعيدًا عنه
: هيّن اوريه
التفت الى لولوة وحثها لتدخل
سار يتقدمها الى جهة السجن الخاص
الذي لم يكن فيه سوى اشخاصٌ يعدّون
ومكانتهم الاجتماعية عاليةٌ لا تسمح لأن يختلطوا بالآخرين
اقترب من زنزانةٍ أشبهُ بغرفةِ جناحٍ فندقيٍ راقٍ !
فيها ثلاث أسرّة , وتلفاز وثلاجة
مفروشةٌ ورائحتها طيّبة
قال بهدوء
: السلام عليكم
التفت اليه الثلاثة
لينهض ابي عقاب بغضب
: هذا انت
أشار له ليهدأ
: على هونك يا ابو عقاب , ماني جاي اتكلم ولا اغيضكم ولا لي شغل فيكم , جايب لكم شخص زاير
قال بغضبه ذاته
: ما نبي منّك شي
اقتربت لولوة لتقول برجفة
: هذه آنا عمّي !
شهق وقبل ان ينطق كان ابو غانم قد اسرع اليها ليعانقها بكل محبةٍ وحنانٍ يخصّها وحدها
قال بلهفة
: حبيبة ابوج , انتي زينة ؟
قبّلت كتفه وهي تبكي
: اشتقت لك وايد يدّي ! ليش سويت فينا جذي , يبتنا وتركتنا للي يسوى وما يسوى لعبوا فينا لعب من مكان للثاني !
قال بزفرة
: والله ما بيدي شي يابوج
خرج ذياب بصمت ليتركهم
كان رغم صلابة مظهره يرتجف من داخله
خوفًا من ان تفشل لولوة في اقناعهم !
رجَى الله بصدقٍ ان تستطيع
أغلق الباب وابتعد
لتجلس لولوة أمام جدّها وتمسك بكفّه برفق
: شلونك , شلون صحتك ؟
مسح على شعرها
: من شفتج صرت زين
قبّلت يدَه لتقول
: يدّي ليش ما تعترف على راشد !
صُدِم جدّها وعمّها
قال عمّها ابو عقاب بارتباك
: شيعترف فيه
التفتت اليه غاضبة
: على بالكم بنتم طول عمرنا مخدّيين وما ندري عن شي ! هذا انتوا شكثر لكم بالسجن عشان واحد ما يسوى , واحنا عالة على الريّال الغريب , اللي ضافنا فوق اللي سويتوه فيه !
ظلّ صامتًا , لتتابع
: تتستر عليه من حلايا طبايعه ! من زين اخلاقه ؟ خلّه ينقع بالحبوس احنا شكو , يتحمّل نتيجة أخطاءه لمرّة وحدة في حياته
قال جدّها بنبرةٍ لا تخصّ سواها , بنبرةٍ لا تلينُ الّا أمامها
: يا يبه لا تقسين قلبج , هذا اخوج ولد عمّج , ولد ولدي لو فيه عذاريب الدنيا هم ما ارضى عليه
رفعت صوتها بغضب , وهي تبعد شعرها عن رقبتها لتظهر كدمةً قديمة
: هذه ما تعاقب عليها , وغيرها وغيرها , لين متى يعني بنظل تحت طيشه , عايلة كاملة كلّها تتحمل ذنبه وتتحمل تهوره
قال بانهزام
: لولوة مرّ عمر , متى بتنسين !
قالت بانفعال
: لين اشيب , لين يصيرون بناتي بالعشرين واقول لهم عن اللي سواتّه فيني , عمري ما انسى تهجمه علي وانا طفله , يسكر ويعربد واييّ يتهجم علينا , ويتهمنا بالباطل , الخسيس النذل
قال ابو عقاب
: بس يا لولوة , لا تغثين يدّج بهالكلام , وولد عمّج تغيّر من زمان , واعتذر وندم !
التفتت الى عمّها
: ما يهمني ولا يهمني ندمه , انصف مها وريلها يا عمّي , الظلم كبير والله ما يرضى فيه
قال عمّها
: انتي تدرين اقل شي فيها سجن من عشر سنين لاثنعش سنة ! وسحب حصانة وسحب الجنسية الاسترالية , ويرجع للكويت وينمنع من السفر , شنو من قلب يخلينا نضرّه جذي
صرخت بقهر
: وشنو من قلب اللي خلّاه يخطف الريّال من مرته واهله وبيته وديرته ؟! شنو من قلب اعطاه حق يغيّر اسمه وعايلته وحياته كلّها , زوجتوه وسجنتوه ومرمطتوه ! وللحين مو قادر يرمم حياته اللي هدمتوها , ما يقدر يطالع بويه مها , ولا يقدر يظيمها من فعايلكم , ولا حتّى علمها باللي سويتوه فيه , خافوا الله فيه يا عمّي , خلّوا راشد يتعاقب ويتربى
ظلّا صامتين
لتمسك بيدِ جدّها برجاء
: ما اقدر اتمْ طول عمري بالفندق عالة على ابو راجح ! ابي ارد لحياتي يدّي تكفى , حالتنا تكسر الخاطر , لا ندش ولا نطلع ولا نشتغل ولا شي , الريّال يزاه الله خير تكفّل فينا من يينا للرياض , مو معقولة نزوّد عليه , محد يستاهل تضيعنا وتضيّع عمرك عشانه يدّي , حنّا حريم وانت والينا اهو ريّال يدبر عمره
قال بعد دقائق ثقيلة بصمتها
: معاج حق
قال ابو عقاب بذعر
: يبه مو من صجّك !
قال بحدّة
: امبلا من صجّي , انت وراشد تنيازون انا ليش اضيّع عايلتي ! هذيل حريم ما لهم ظهر غيري
ابتسمت من بين دمعها , ليقبّل رأسها برفق
: بس يابوج مسحي دموعج , ما عاش من ينزلها وانا عايش
مسحت عينيها لتقبّل كفّيه بحب
: الله لا يحرمنا منّك ويطوّل عمرك , يا عمري انت
اقترب عمّها ومدّ اليها بكفّه , لتمسك به وتنهض
قبّل رأسها
: الله يحفظج يا بنتي , حطّي بالج على بنات عمج وطمنيهم انّ ان شالله ماكو شي وقريب يطلع ابوي وعمّج بو منال
قالت بعبرة
: وانت ؟!
هزّ رأسه نفيًا بابتسامة
: انا مع راشد , وحتّى لو تبرأت ما راح اتركه بروحه , هذا ولد اخوي وانا اللي مربيه وما اتركه
فُتح الباب ليطلّ الحارس
: انتهت الزيارة
سَمع صوتًا غاضبًا من خلفه
: بأمر مين انت تنهي الزيارة حضرتك !
التفت اليه ليقول بهدوء
: هذا شغلي وانا اعرف اوقات الزيارات ومدّتها
قال ذياب من بين اسنانه
: معليش ذي زيارة خاصّة
قالت لولوة وهي تعدّل حجابها
: خلاص انا بطلع اصلًا
قال ذياب بتوترٍ يخفيه , وهو ينظرُ اليهما
: بدري ! خلصتي ؟
ابتسمت تطمئنه
: خلصت
لم يكن يعلم انّ لدمعتها ونبرتها الراجية المدللة , أثرًا جمًّا على جدّها , يستحيل ان يرّد طلبها بعدهما !
ودّعت عمّيها وجدّها وخرجت مع ذياب
قال بحذر
: بشري ؟
ابتسمت
: من صجّك يدّي يردني !
قال بلا تصديق
: وش يعني ؟
قالت بثقة
: بس نادوه للاستجواب
ظلّ واقفًا فيه مكانه لثوانٍ
حتّى خرّ ساجدًا شكرًا لله
حمدًا واجلالًا لله
ثناءً على الله
أطال السجود وهو يهمس بالحمد لله لا غيرها
حتّى نهض وهو يودُّ معانقتها
قال وهو لا يعرف كيف يصوغ جملةً واحدة
: لولوة , لولوة انتي شكرًا والله , الله يبارك فيك , والله انتي مدري...
انفجرت ضاحكة ليضحك هو الآخر بارتباك وهو يمسح على شعره ومقلتيه غارقتين بدمعِ سعادةٍ لا يليق به ان يكون مالحًا !
أشار لها لأن تسير
: يلا تفضلي اوصلك الفندق
سارت امامه وهي مبتسمة
سعيدةٌ هي لأنّها اسعدته !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة مساءً
دخل الى غرفتها واقترب ليقبّل رأسها
: مساك الله بالخير
: الله يمسيك بالنور
جلس قريبًا منها ليسألها
: رجعت البيت المغرب ولا حصلتك
: ايه كنت مسيرة
ابتسم وهو يمدّ لها فنجان قهوة
: كثرانة تسيوراتك
ارتشفت منه وهي تشير بيدها بغير اكتراث
: وش اسوي عاد , مليت من مقابل هالطوف , لا بزر يونسني ويزعجني , ولا كنّة توايق علي وتشوف وش ابي ما ابي
لوى شفتيه وقد فهم ما تريد
دخلت أروى وجلست وبيدها كتابها
قال سلطان
: اجل اروى وينها عنّك
قالت وقد لوت شفتيها
: اروى ! يا الله السلامة ولا تدري عنّي ما غير مقابلة هالكتب
قالت اروى باستنكار
: اننا !!
غمزت لها جدّتها , لتعقد حاجبيها
قال وهو يخفي ضحكته
: اييه
باغتت الجدّة اروى بسؤالها
: اروى ما تذكرين البنت اللي رحنا لاستقبالها ؟
كانت اروى منهمكة في القراءة , لتجيبها بغير انتباه
: وش فيها
اشارت جدّتها بيديها
: وييه ما شالله تبارك الله , وش زييينها ودارسة ومتعلمة ومتربية
قالت اروى ولم تنتبه بعد
: اي
: عاد ما شالله قلبي ارتاح لها كنّها وحدة من بناتي
قال سلطان وهو يهزّ رأسه متأثرًا
: سبحان الله
لكزت الجدّة اروى بالعصى , لتفزّ الأخيرة بفزع
: وش فييه
: اكلمك ولا اكلم الطوفه انا !
قالت باعتذار
: آسفة يمه ما انتبهت – اغلقت الكتاب , وقالت بانتباه – وش كنتي تقولين
: اقول البنت اللي امها سوت لها استقبال تخبرينها
: وش فيها ؟
قالت الجدّة من بين اسنانها بغيض , وهي تشير الى سلطان بطرف عينها
: مزيووونة ما شالله
رفعت اروى حاجبيها وضيّقت عينيها
لتقول ببرود
: ما فيها زود , عاديّة
انفجر سلطان ضاحكًا , وضربتها الجدّة بعصاها غاضبة
: الخلا , انقلعي وراك يلا , لا اشوفك موطوطة عندي مرة ثانية
ضحكت وهي تتودد لها
: اففاا بس , ما اقوى زعلك مامي
قالت بانتقاد
: وش ذا الكلام من وين تجيبونه , سعود نونا مدري وش يقوله , وانتي تقولين ذي
ابتسم سلطان لذكر سعود
: والله له وحشة سعود
تنهدت الجدّة بحنين
: ايه والله , بعد عيني هو , والله يا جيّته الأخيرة ماهو طبيعي
: كلّمته وقال بيرجع نهاية الشهر , عنده دراسة بيخلص ويجي
قالت بحزن
: وعمّك محمد
هزّ رأسه
: والله ما عندي علم كان بيجي ولا لأ , بس بكلمه لك ان شالله
رنّ هاتفه , ليجيب بمحبّة
: ارحب
: شلونك يا ورع
عقد حاجبيه , وقبل ان يتكلم ضحك الآخر معتذرًا
: معليش معليش , المهم وينك
: في البيت
: اجهز بمرّك
: على وين ؟
: معزومين
: من عازمنا !
: ناس ودّهم يشوفونك وياخذون اللي في خاطرك
: علّمني من !
: يا اخي ليش العجلة , اذا رحنا لهم تعرف
: لا تحرجني يا مالك ما احب ذي الحركات
تأفف مالك منه
: ما اقدر اعلمك , دقايق واوصل لك وتعرف
همّ بالحديث ليغلق مالك الخط
نظر الى الهاتف وعقد حاجبيه
قالت اروى
: وش فيه ؟
رمى الهاتف بغير اكتراث
: حيوان قصده بيجبرني اطلع كذا , يبطي عظم خل ينلطع عند الباب ماني طالع
ضحكت اروى لتقول
: اطلع معه وش خسران !
قالت الجدّة
: قوم يا امّي انت من جيت حابس نفسك في ذا البيت , اطلع مع اخوك استانسوا وغيّر جو
: مالي خلق
قالت بحزم
: قوم
ضحك رغمًا عنه ونهض بتثاقل
غيّر ملابسه , وحينَ فتح باب غرفته كانت اروى امامه
مدّت له بهاتفه
: حرق الجوال وهو يتصل
سألها
: رديتي عليه ؟
: لا طبعًا !
أومأ بهدوء واتجه الى الباب لتتبعه
: جيب لي عشا معاك
ابتسم
: وان تأخرت ؟
: ما عليه بنتظرك
: طيّب
خرج ليجدَ سيّارةً غريبة
ترجل منها مالك وابتسم
: سلام
صافحه وسأله باستغراب
: من سيارته ذي !
نزل رجلٌ من مكانِ السائق
اقترب لينظر اليه سلطان بذهول
قال بصدمة
: سعد !
ابتسم سعد واقترب منه
ضحك سلطان بلا شعور وعانقه
: هلا والله , شلونك ! لك وحشة والله
زفر سعد براحة وسعادة من استقبال سلطان له
شدّ عليه وقال بصدق
: وانت والله لك وحشة , فاقد شوفتكم وجلستكم
تباعدا ليقول سلطان مبتسمًا
: عساك بخير
: الحمد لله
قال مالك
: يلا سلطان معنا
: وش عندكم طالعين ! حيّاك سعد اقلط تقهوْ عندي
قال مالك ساخرًا
: دا انتا مستنيّاك حاقات
ابتسم سعد
: ودّنا بطلعة مرتبة
رفع كتفيه ببساطة
: يلا على راحتكم
ركِب سلطان بجانب سعد ومالك خلفهما
سار سعد بسيّارته حتى وصلَ الى مسجد وأخرج هاتفه ليجري اتصالًا
: اطلع انا برى
مرّت ثوانٍ ليخرج ذياب ويقترب من السيارة
عقد سلطان حاجبيه ببداية عصبيّة , ليقول مالك وهو يربت على كتفه
: ما عليه تعوّذ من ابليس , ذا اخو سعد , قلت لك !
قال بضيق
: وش ذي الحركات انت ويّاه !
فتح ذياب باب سلطان وابتسم
: حيّ ابو مساعد والله
ظلّ ينظرُ اليه بصمت , ليلكزه مالك
: ردّ السلام !
نزل من السيّارة وصافحه
: الله يحييك
قال ذياب ضاحكًا
: انا من اوّل ما شفتك قلت هذا يناسبني على جوّي , بس ما صارت فرصة
قال مجاملًا
: ايه
قال سعد
: يلا يا شباب تأخرنا
همّ سلطان بالرجوع الى الخلف
ليقول ذياب
: خلّك مكانك
ضحك مالك
: أي الأفضل تضل مكانك
قرصه سعد ليسكته
عاد الى مكانه بصمت
وركب ذياب بجانب مالك
سار سعد حتى وصلَ الى منزلٍ متوّسط
التفت الى ذياب الذي اخرج هاتفه
: يلا اطلع
قال الآخر
: يلا طالع
ناداه مستدركًا
: جيب عبد الله معك
قال بضيق
: ماله داعي , وهو اصلًا ما ودّه
قال باصرار
: لازم يجي
تأفف , ونادى بملل
: عبد الله الشباب يبونك معانا قوم
قال ببرود
: ما ابي
نزل ذياب وقال
: افتح لي الباب
مرّت ثوانٍ ليفتح الباب ويدخل ذياب
: ناده لي
ناداه بصوتٍ عالٍ
ليخرج يجرّ رجليه بملل
حين رأى ذياب ابتسم واقترب ليسلّم عليه
قال ذياب بلهجةٍ لا نقاش فيها
: يلا البس ومعنا
: والله...
: بالله عليك امش , نبي نستانس وما لنا وناسة بدونك
تأفف وصمت
دفعه ذياب بخفّة
: اخلص
ضحك بكسلٍ ودخل الى المنزل
قال صقر بعد ان ازدرد ريقه
: جبتهم ؟
ابتسم بهدوء
: ايه جابهم سعد ومرّ علي
رفع حاجبيه بتساؤل
: شلون شفت وضعهم ؟
: مالك اضمنه لك , سعد تكلم معاه وراضاه , بس...
قاطعه بزفرة
: سلطان ذا مشكلة , قلبه قلب بعير
انفجر ذياب ضاحكًا
: لو ما العيبة كان ما مدّ ايده ولا سلّم عليّ
ضحك صقر رغمًا عنه
: اذكر تصرفاته مع راشد ومعاك قبل , اذا حط في باله شخص , ما عاد فيه مجال يتصالح معاه
: ان شالله ان معزتك عندَه تشفع لك
صمتا لثوانٍ , قبل ان يقول صقر مبتسمًا
: بموت واعرف شلون اقنعت لولوة تقنع جدّها !
: يا رجل هي كأنّها تدور مستمسك على راشد , ودّها تودّيه قلعة وادرين
نظرَ بصمتٍ لينتبه ذياب الى ما قاله
قال صقر بهدوء
: وش عرفها انّ المستمسك على راشد ؟
خرج عبد الله وقاطعهما , ليقول ذياب مرتبكًا , بسخرية
: وش عندكم انت ويّاه ما تلبسون الّا ثياب ! غيّروا نوعوا اكشخوا اطلعوا عن المألوف !
دفعه صقر وهو يقول بوعيد
: امش امش بس
خرج الثلاثة , انتبه لهم مالك , وكان سلطان منشغلًا بهاتفه
نزل مالك وظلّ ينظرُ الى صقر بنظرةٍ لا تفسر
انتبه سلطان والتفت , ولم ينزل
نظر اليه بصدمةٍ , وخيبة !
قال صقر مخاطبًا مالك , وقد ارخى كتفيه استسلامًا
: والله... – صمت ولم يعرف ما يقول , ثم ابتسم باستعطاف – والكاظمين الغيض والعافين عن الناس
ابتسم مالك بهدوء
وقال بعد ثوانٍ
: شلونك يا طويل العمر !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ وثلاثٌ وثلاثون دقيقة مساءً
أوقف السيّارة أمام المنزل , والتفت الى شقيقته
: هديل !
قالت بكسل
: صاحية
تحركت بخمول لتنزل ومعها حقيبتها وأكياسها , ونزلت ملاك مسرعة
اقتربت من الباب وقبل ان تطرقه فتحته هديل ودخلت
دخلت ملاك لتهتف
: وليد
خرجت والدتها من المطبخ بعد ان سمعت صوتها
لم تمهلها ملاك لترحب بها
صرخت بها بهجوم
: كلّه منّك , من جيتي والمصايب ما تخلّص
أُلْجِم لسانُ والدتها , وحبست أنفاسها
صرخت بها خالتها
: داخلة علينا بشرّك انتي !
تقدمت لتضربها , وهي جدُّ غاضبة
لتهتف لطيفة
: اتركيها يا عايشة !
خرج وليد من الغرفة الجانبية , قال ببرود
: ولا فيك فايدة , المشكلة مصدقة انّي انا اللي بطلبك , من بعد ما كسرتي كلامي انا ما لي معك كلام , امّك هي اللي تبيك وجبناك لها
كانت قد همّت في ان تسرع اليه , ان تعانق حضنه الدافئ
ان تقبّل كفّيه بحبّها الجمِّ له
لكنّها وقفت مبهوتة , وتلاشى اشتياقها وحنينها واحتياجها
عقب كلماته
قالت بخفوت
: يعني كذبتوا علي عشانها !
قالت ام علي من بين اسنانها
: ملاك ورب...
قاطعتها لطيفة بهدوء
: ما لكم شغل فيها , انا امها وانا اللي اتصرف معها , وانا اللي مسؤولة عن تربيتها , الظاهر حنيني وحنيّتي ما جازت لها , تحبّين تشوفين ام قاسية رافعتلك العصا ؟ اطلبي وتمنّي واكون لك الأم اللي تحبين اكونها
تراجعت بخوف
: وش قصدك !
قالت بحدّة
: قصدي اطلعي فوق لغرفة هديل رتّبي اغراضك , وانا الحقك بعد شوي
قالت بعبرة
: ما يحق لكم تحبسوني هنا ! برجع لابوي
قال وليد ساخرًا
: مع الأسف انا الوصي القانوني عليك
قبل ان تجادل , قالت لطيفة مزمجرة , بارتجاف !
: قلت اطلعي فوق
خافت هديل من صراخهم , وخافت ان تضرب ملاك مرةً أخرى !
أمسكت بيدها برفق وهمست
: تعالي لا تعاندين , امشي معاي كل شي ينحل بالهداوة
سارت معها بخوفٍ وذعر
لم يعد هذا البيتُ الدافئ الذي تعشق القدوم اليه
لم تعد خالتها تلك الطيّبة التي تربت عليها بحبٍ وعطف
لم يعد وليد الشقيق الأب , ذو قلبٍ مفصلٍ لها , لكلِ احتياجاتها
اقتربت ام علي من امِ وليد بقلق
: فيك شي ؟
أشارت لها بهدوء
: اتركوني لحالي
دخلت الى الغرفة الفارغة وأغلقت الباب , لتنفرد بنفسها
كفّيها يرتعشان
وقلبها يتهاوى بحزنٍ سحيق
قد جففت ملاك ربيع قلبها , بعد ان ارتفعت وتيرة سعادتها بها
قد عصفت بروحها بصدّها عنها
اوجعت حنينها الحاد اليها
ابنتها الوحيدة , كان يجدر بها ان تكون رفيقتها
لا عدوّتها !
كان يجب ان تلجئ الى قلبها اذا فزّت من نومها
اذا تضايقت من زميلاتها
اذا انزعجت من شقيقها
لا تنأى عنها , وتلجئ الى الناسِ أجمَع سواها !
حُرمت من ان ترضعها , وان تسهر الليل تتأملها
سلِبت حقّها في ان تستمتع بالنظر اليها وهي تكبر
انتزعت امومتها منها عنوَة , حينَ خطفوا الفتاةَ من بينِ كفّيها
كيف يا من أسميتكِ ملاك , لتكوني كالملاك على روحي وقلبي
لتملكي لبّي , وتأسريني كُلّي
كيف تَعُقّين قلبي المهووس بكِ !
كيف يا حبيبة امك الموجوعةِ بكِ وبأخيكِ
كم اشتاق لأن اسمعكِ تناديني
هل لكِ ان تتصوري انّي لم امت حين فارقتك , فقط لأنني اتلهف للحظةِ القاكِ لتناديني بأمّي !
لمَ تحرمين قلبي الملهوف عليكِ حقّه بكِ !
كيف تجردين سعادتي بكِ من التماعها
كيف تخطفين بريق لهفتي عليكِ من مقلتيْ
لمَ يا وحيدتي آلمتني , وجرحتِ امومتي تجاهكِ !
كأنّكِ القمتني جمرةً ملتهبة , لا زالت تتأجج في جوفي
كأنكِ هدمتي أحلامي الشاهقة بكِ على رأسي , لتهشمه وتبعثر أجزاءه
كأنّكِ جردتني من ثيابي أمام شقيقتي وابنائها !
أخزيتني أمامهم , وكأنّه يعيبني مرضٌ معدٍ , وتخشين الاقتراب منّي
ظننت عودتي ستبهجني , وتعيد الوان الحياة الى عيني
بعد ان امضيت حياتي مذ فراقكم اراها رماديّة !
لم تعد الألوان , ولم اعد انا !
لا تزال مشاعركما تتنكّر منّي
حتّى وليد الذي يحاول استشعار بنوّته لي , فشل !
لا تزال عائشة الخالةُ الأم
وانا امرأة دخلية , يستصعب وضعَ رأسه في حجري بعدَ يومٍ مرهق !
ويستثقل ممازحتي , او الجلوس الى جانبي
مرهقٌ وليد بمحاولات بائسة , ان يلهمني بأنّه على وفاقٍ وتصالح بأنّي قد عدت من المنفى
لكنّه يفشل !
ليس بالسهولة ان يصدّق انّي هنا
لا زال ينظرُ اليّ مطوّلًا , كأنّه يسألني
أهذه انتي ! أحقًا عُدّتي !
تنكسر نظرتي وأحير في اجابتي
لا اعلم يا وليد هل عدت ام انّي لا زلت اتخبط في غربتي
قد كفرتي بي يا ملاك
ووليد لا يستطيع الايمان بي بعد !
اخشى ان يزلّ قلبي , فيودّ لو انّي لم التقِ بكم , فأعاقب
وأخشى من كذبي , بأنّي سعيدة بكم , وأيضًا أعاقب !
طرأ لها سعود وعبد العزيز , ولين في غمرة حزنها
فابتسمت وزفرت
كانوا احنّ عليها , وأرحم بها
من ابنَي رحمها !
قلّبت في هاتفها , لتتأمّل رقم سعود ثوانٍ
ثم اتصلت به
,
,
: شلونك يا طويل العمر !
عقدَ حاجبيه , وظلّ صامتًا
قال عبد الله ساخرًا
: من متى يا طويل العمر !
لكزه ذياب ليصمت
اقترب مالك منه , مدّ اليه يمينه ليصافحه
لكنّ صقر تجاهلها وعانقه بمحبّة
بادله مالك بعناقه , ليقول بصدق
: والله انّ بقلبي عليك ما الله به عليم , من شفتك نسيت كل شي
قال صقر
: والله اشتقت لكم
تباعدا ليفتح ذياب باب سلطان ويبتسم
: ما ودّك تسلم ؟
التفت سلطان الى سعد بضيقٍ وغضب
: والله لو انّي داري ما جيت
شدّ سعد على كتفه وهو يبتسم برجاء
: تكفى يا ابو مساعد , صقر اخو دنيا , لا تثقّل قلبك عليه
قال ذياب
: وش هالقلب اللي عليك
التفت اليه بحدّة , ليضحك ويتراجع
: خلاص آسفين
اقترب مالك
: سلطان
قاطعه بزفرة , ونزل من السيّارة
نظرَ اليه بصمت
ليبتسم صقر برجاء
: والله ما يهون عليّ انّك انت تزعل منّي
ابتسم ساخرًا
: اكيد , مو انا خادمك الأوّل
قال صقر بتأنيب
: افا بس يا ابو مساعد
قال عبد الله بذهول
: وش سالفتكم انتوا !
نزل سعد واقترب من عبد الله وهو يهتف
: شلونك يا كلب
ضحك عبد الله ببهجة وهو يعانقه
: سسسسعد , والله اعز من لفى
قال ذياب بملل
: يا شباب مليّنا من الوقفة هنا , اخلصوا علينا
قال مالك بهمس
: فشلتنا والله
زفر واقترب ليسلّم عليه
عانقه صقر , وهمس
: بالله عليك سامحني
قال بجمود
: الله يسامحك
تباعدا , ليصدّ سلطان ويركب السيّارة
وركب مالك خلفه وهو يهمس مؤنبًا
ضحك ذياب بشدّة
: والله ولا عبّرك , يوم شافني كان بيترك لي المكان اللي قدام , انت ماش ولا عطاك وجه
قال صقر ببلاهة
: الله يعدّي هالليلة على خير
قال عبد الله ببرود
: حتّى الرجّال الغريب ما سلم منك
قال صقر بغضب
: عبد الله كل تبن لا تخليني اجنّ عليك
قال ذياب بجديّة
: بس انت ويّاه وش حركات البزران ذي – اشار لعبد الله – اركب انت ولا تطوّل لسانك
قال سعد بضحكة
: يعنني كبير
رمقه ذياب بنظرة , ليضحك ويذهب الى مقعده
قال ذياب هامسًا لصقر
: لا تصغر عقلك انت الثاني , خلّه يولي
زفر بصمت
اقترب ذياب من السيّارة
: مالك وعبد الله ارجعوا للمرتبة اللي ورى , وانا وصقر هنا
,
,
المملكة المتحدة – لندن
التاسعة مساءً
كان مستلقٍ على سريره الخاص
يحاولُ فادي جذبه ليتحدث معه
لكنّه لم يشتهِ الحديث , فيلقي كلمةً ويصمت
قال فادي مغتاضًا
: لَك شو هالدم الجامد ! يي عليك شو غليز !
ضحك ببرودٍ وظلّ صامتًا
رنّ هاتفه وأمعن النظر في الرقم
قال بخفوت
: اللهم اجعله خير , الو
: السلام عليكم
عقد حاجبيه
: وعليكم السلام ورحمة الله , هلا !
ابتسمت بحنوْ
: سعود يا امّي شلونك !
تهللت اساريره , وفزّ من مكانه
: خالتي سارة !
ضحكت بخفّة , ليهتف
: يا بعد قلبي والله , شلوونك ! وين رحتي وش صار عليك , هنت عليك تتركيني وتسافرين !
قالت بمحبة
: وش اسوي يا ولدي , جاني الولد لقاني وردّني
ابتسم بحنين
: والله مشتاق لك , مشتاق لطبخك وسوالفك , بشريني عنّك عساك بخير !
قالت بزفرة
: بخير يا امّي
قال بهدوء
: صوتك ما يقول انّك بخير
: لا تشغل بالك يا سعود , قول لي انت متى رجعت بريطانيا ؟ هقيت بتصل عليك القى رقمك مقفول
زفر بتعب
: توفّت خالتي
شهقت بخفة , وغَرِقت عينيها بالدمع
: انّا لله وانّا اليه راجعون , الله يرحمها ويغفر لها
أمّن بهمس , صمتت لثوانٍ ثم سألته بحذر
: لين شلونها !
تغيّر وجهه وصمت
قالت بقلق
: يا سعود البنت وين راحت ! مو معقول تختفي فجأة !
قال بجمود
: ما ادري يا خالة , لكنّي بلقاها ان شالله
قالت بحنوْ
: الله يشرح صدرك يا امّي , لا تشيل بخاطرك ولا تزعل نفسك , الله يفرج همّك
ابتسم بهدوء
: لندن موحشة بدونك والله ! كانت طيبتك تدفيها وتحليها
ضحكت بامتنان لهذا الشاب
لا تفضله على وليد ابدًا , لكنّها تتمنى لو كان ابنها ايضًا !
اوصته بنفسه خيرًا , ودعت له ثم ودعته
أغلقت الهاتف ونهضت بتثاقل
خرجت من الغرفة لتمرّ من امام الغرفة الأخرى , هامّةً بالصعودِ الى الأعلى
نادتها ام علي
: لطيفة تعالي ذوقي القشد مسويته رتيل , ما يتطوف شغل رتول عاد
ابتسمت رتيل , وابتسمت ام وليد بهدوء
اقتربت وجلست بجانب رتيل
: ما شالله مبيّن حلو
مدّت لها رتيل صحنًا , وفنجان قهوة
قالت متسائلة
: وين الشباب اجل ؟
قالت ام علي
: علي كلّمهم يروحون له الاستراحة , خلّ يستانسون ما غير مقابليني
هزّت رأسها بصمت , وشردت
قالت رتيل برفق
: عجبك خالتي ؟
رفعت رأسها بانتباه , وابتسمت بحنان
: يجنن يا عمري
قالت رتيل بتحايل
: امّي تقول طبخك لا يعلى عليه , عاد ابيك تعلميني
اشارت الى عينيها
: من عيوني , كم رتيل عندنا !
قالت ام علي
: واللي يعافيك علمي هديل معك , ذبحتني ما تعرف تسوي شي
: حرام عليك وش زينها هديل
: الّا قولي رفالتها زايدة
قالت رتيل
: تعرف تسوي قهوة
قالت ام علي بتهويل
: ما شالله تبارك الله ! قــهـــوة !! لا لا لازم تنحط في معرض للتحف النادرة
انفجرتا ضاحكتان وام علي تلوح بيديها باستخفاف
حينها نادت هديل من الأعلى وهي تنزل
: يممــاه
: هه استلمي , خيير
دخلت الى الغرفة وهي تمدّ الأحرف بكسل
: جوعانة
: روحي سوي لك صمونة وجبنة , تبيني اقوم اطبخ لك يعني
جلست وقالت لرتيل برجاء
: رتيل جوعانة
: مالي شغل , اشتهيت القشد وسويته والحين بطلع اذاكر , اظن تدلّين المطبخ والثلاجة
صرخت معترضة
: رتيييل
قالت ام علي وهي تبحث عن شيءٍ ترميها به
: صصوتك ووجع
قالت ام وليد
: عايشة صايرة ما تتحملين شي ابد ! ما اخبرك عصبية وبالك ضيّق
زفرت وهي تقول بتعب
: ما خلّوا فينا بال وسيع والله – التفتت الى ابنتها – ملاك نامت ؟
هزّت رأسها نفيًا
: ولا راضية تفصخ العباية حتّى
زفرت ام علي بضيق
: لا حول ولا قوّة الّا بالله , البنت جنّت وقعدت
قالت ام وليد بنبرةٍ مبطنّةٍ بالوعيد
: انا اللي بعقلها
قالت ام علي بهدوء
: تعوّذي من ابليس , لا تهبلون بالبنت انتي وولدك المطيور
: مالي شغل في وليد , لكنّها تعدّت حدودها وما راح اقضي الباقي من عمري اداريها واراعيها , لازم تفهم انّي امها وشاءت ام ابت تحترمني ولا تتعدّى علي
قالت رتيل بلطف
: اعذريني يا خالتي بس المحبّة والاحترام ما يجون غصب , ينفرضون على الشخص من تصرفاتنا معاه
: يا رتيل يا امّي انا من شفتها وانا اداريها وادلعها واسكت عن تطاولها , لين نست نفسها خلاص , وما اقول لك برفع لها عصا واقول لها احترميني , انا بعرف اتصرف معها
رفعت كتفيها
: انتي ابخص , بس تكفين شوي شوي عليها , ترى صدمتها في وليد اكبر منها , وليد بالنسبة لها الاثنين وعشرين سنة اللي عاشتهم , والاوكسجين اللي تعيش عليه , والنبض اللي تصحى وتنام فيه !
أومأت بصمت
بعد دقائقٍ نهضت
: يلا انا بطلع انام , هديل حبيبتي وين بتنامين اليوم ؟
قالت ام علي
: لا تشيلين همّها , تنام عندي ولا عند اختها , اطلعي نامي حبيبتي
: طيّب , تصبحون على خير
صعدت ودخلت الى غرفة هديل
فزّت ملاك واقفة , تجاهلتها وأقفلت الباب , وسحبت المفتاح !
قالت ملاك بحدّةٍ متوترة
: ما تقدرين تحبسيني
قالت ببرود
: لا تصدعيني صاحية من بدري وبنام , تبين تنامين اهلًا وسهلًا , ما تبين انتي حرّة
هربت ملاك الى زاوية الغرفة , ايضًا تجاهلتها
صلّت الوتر , ثم استلقت على السرير
جلست ملاك على ركبتيها لتبكي بضعف
قال بخفوت وأنين
: والله حرام اللي تسوينه فيني , لا تحبسيني , مو كافي اخوي اللي كرهني بسببك
استعدلت ام وليد في جلستها
لتقول بجمود
: يا بنت افهمي , دخلي هالكلام في راسك , انا امممك ماني عدوتك – أشارت الى بطنها بقهر – طلعتي من هنا ما شريتك من السوق , من دمّي ولحمي , شلون اضرّك او اخلّي وليد يكرهك ؟ انتي واعية يوم تقولين كلامك ذا
: طيب خليني اطلع
قالت بحدّة
: مالك طلعة , لين تستوعبين كلامي , استوعبي وحطّي عقلك في راسك عشان لا احطّه بالقوّة
انفجرت باكية
ولم تلتفت اليها والدتها
رغم قلبها الذي يتفتت ببكائها !
,
,
الى الملتقى :)
,
*اللهم انّي ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب الّا انت , فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انّك انت الغفور الرحيم*
,