بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الحادي عشر
,
,
استراليا – كانبرا
التاسعة صباحاً
دخلا المبنى
أحدهما مبتسم بتفائل
والآخر متهكم واجم
مرّت بجوارهما فتاةٌ بحجاب وبنطال ومعطف يصل لركبتيها
ابتسمت
: صباح الخير , الحمد لله على السلامة
قالَ المبتسم
: صباح النور , الله يسلمك
قال الآخر بوجوم
: عن اذنك
اجتذب رفيقه وسار مسرعاً
تغيرت ملامحها واكتساها الخجل
قال مالك بهمس غاضب
: وجع فشلت البنت
ردّ ببرود
: تحترم نفسها وش دخلها بالرجال تسلم عليهم
قال مالك بوعيد
: والله تشوف يا زلابه , هذه بنت ابو ماهر يا ثور والله لو تقول له ما تقلى نفسك الا ف الشارع
قال ببروده ذاته
: قالوا لك شركة اللي خلفوه
: مو شركة اللي خلفوه بس له مكانة كبيرة عند ابو غانم وابو عقاب
اشار بيده بغير اكتراث
: وابو راجح مكانته أكبر اذا ناسي , وحنا موظفين عند ابو راجح , يعني يلحس السما
اغتاض منه مالك لكنه صمت , المكان غير ملائم ليتشاجر معه
صعدا للدور الرابع والأخير
دخلا قاعةً كبيرة
فيها مكتب وبابٌ لغرفةٍ متصلة بها , وطاولة اجتماعات كبيرة
ابتسم الموظف الذي يجلس خلف المكتب بجوار باب الغرفة
: هلا , تفضلوا عمي بو راجح ناطركم
ابتسما ودخلا الغرفة
كان ابو راجح يتحدث في الهاتف
ابتسم حين رآهما وأشار لهما ليجلسا
جلسا أمامه وانتظرا ريثما أنهى مكالمته
انتهى , ثم التفت لهما
: شلونكم شباب
: الحمد لله الله يسلمك
مدّ لكل واحدٍ منهما ملفاً
وقال بجدية
: تراجعونها مراجعة دقيقة
القيا نظرة
ثم قال مالك مستغرباً
: بس هذه موقعة من راشد !
لكز سلطان بقدمه قدم مالك ليصمت
قال ابو راجح بجمود
: ولأنها موقعة من راشد أبيها تتراجع مراجعة دقيقة جداً , شيلوها وخبوها في مكتبكم وارجعوا لي عشان الاجتماع بعد ربع ساعة
هزّا رأسيهما بطاعة وذهبا لغرفة المكتب الخاصة بهما
دخلا وأغلقا الباب
قال مالك بتساؤل
: يشك في راشد !
قال سلطان بغضب
: غبي انت , كان بلعت لسانك وتسألني بعدين
قال ضاحكاً
: وش دراني
زفر سلطان وسحب الملف من مالك
خبأهما في خزانة الأوراق الهامة وأحكم اقفالها
ثم عادا لمكتب ابو راجح
جلسا بعيداً عنه يتحدثان بهمس , وهو ينهي بعض أعماله ريثما تنقضي ربع ساعة
دخل موظفٌ للمكتب وقال باحترام
: طال عمرك ناطرينكم , كلهم هني
نهض ابو راجح وملأ المكتب بحضوره
قال لسلطان ومالك بمحبة
: يلا
نهضا وسارا خلفه
خرج من مكتبه , وكانت مقاعد الطاولة الكبيرة تقريباً جميعها مأخوذة
وثلاث مقاعد في المقدمة متروكة
جلس ابو راجح وبجانبه من اليسار سلطان وبجانب سلطان مالك
وعن يمينه رجلٌ كبير في السن , يضع نظارةً طبية , يبتسم لأبو راجح بمحبة
وبجوار الرجل , رجلٌ يناهز ابو راجح في سنه
ونظرته متهكمة
قال المتهكم بخبث
: ليش تأخرت مسفر
رفع ابو راجح رأسه ببرود ينذر بعاصفة غضب قادمة
: وش قلت !
تظاهر بعد الاهتمام
: قلت ليش تأخرت
: وش ناديتني !
قال الرجل المسن بهدوء
: خلاص يا راشد , خلاص يا ابو راجح خلونا نبدأ الاجتماع
رمى سلطان نظرةً نارية على المدعو راشد
الذي ابتسم بمكر وأشاح ببصره
تحدث المسن اولاً
وبعد كل نقطةٍ يذكرها يسأل ابو راجح عن رأيه
وابو راجح فوراً يسأل سلطان ومالك
الذين كانا يبتسمان ببرود ويتعمدان مغايضة راشد
أثناء حديثهم دخلت فتاةٌ شابة
ترفع شعرها للأعلى
ترتدي بنطالاً ضيقاً أزرق , وقميصاً يفصل جسدها بلونٍ وردي زاهٍ
وحذاءً بكعبٍ عالٍ
عقد المسن حاجبيه استغراباً حين رآها
: لولوة شيايبج ؟
قالت مبتسمة
: يدي تعبان وقال لي ايي بداله
نظر لها بصمت , ثم زفر
: قعدي
جلست بهدوء , ثم سألت بنعومة
: ممكن آخذ خلفية عن النقاط اللي تكلمتوا فيها ؟
أجابها راشد باختصار عمّا تحدثوا عنه
وسلطان عاقدٌ حاجبيه بغضب , ويقاطع حديثها ليحرجها
لكزه مالك وهمس
: احترم البنت لو درا جدها بيسفل فيك
نظر له سلطان بغضب وهمس بحدة
: وش عندك مستقعد لي اليوم كل شوي متفاول علي بأحد يطردني
ابتسم ابو راجح بخفة
وهمس
: سلطان ششش
انتهى الاجتماع
بعد أن فض الاعضاء وبقي الرجل المسن وراشد وابو راجح وسلطان ومالك
نهضت لولوة مبتسمة
وقالت
: ان شالله بطلع يدي على اللي صار اليوم , والاجتماع الياي اذا ما كان حاضر بنفسه بكون موجوده ونتناقش في قرارته
قال راشد
: سايقج موجود ولا نطلع لج سيارة من الشركة ؟
ابتسمت ببرود
: بتصل عليه الحين , وباخذ لي جوله بالشركة
قال راشد بحدة
: ما عندنا بنات تاخذ جولات
لم تعره اهتماماً
وسارت خارجةً من القاعة
نهض راشد بغضب
قال الرجل المسن
: راشد اتركها براحتها
قال بغضب
: عمي شهالهياته , شايف لبسها شايف حجيها
قال بهدوء
: اتركها مالك شغل
نهض ابو راجح ونهضا سلطان ومالك بعده
قال مبتسماً ببرود
: خلها تاخذ راحتها عادي
احمر وجه راشد غضباً
وتركه ابو راجح عائداً لمكتبه
وخلفه سلطان ومالك
ضحك ابو راجح فور دخوله مكتبه
قال لسلطان
: حتى لولوة ما سلمت منك
قال مغتاضاً
: ترفع الضغط
قال مالك يقاطعه
: طيب طيب خلاص مو مشكلة فهمنا
ضحك ابو راجح
ثم جلسوا يتناقشون حول العمل
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة وخمسٌ وأربعون دقيقة مساءً
كانت مستلقيةً على سريرها وكتابها بجوارها
سعلت , ثم أنّت بألم
كانت تشعر بحرارة منذ الصباح
لكنها تجاهلتها
والآن حرارتها مرتفعةٌ جداً
سمعت طرقاً على بابها
قالت بتعب
: من
فتحت داليا الباب ودخلت
: رتول ! وش فيك من رجعنا من الجامعة ما شفتك
قالت بهمس
: تعبانة
اقتربت بقلق
: وش فيك
: مدري مرتفعة حرارتي وحلقي يعورني
أسرعت داليا خارجةً من الغرفة
نزلت الدرج تنادي
: عبد الله , يمما
خرجت أمها من المبطخ بخوف
: وش فييك
هتفت
: يمما رتيل تعبانة ممرة
أسرعت مع أمها لغرفة رتيل
دخلت وفتحت الضوء
قالت بخوف
: بسم الله الرحمن الرحيم , وش فيك رتيل
ابتسمت وقالت بتعب
: ما فيني شي عمتي شوية حرارة
التفتت لداليا غاضبة
: خرعتيني على اختك – عادت تنظر لرتيل بحنان – قومي يمه غسلي وجهك وانزلي بسوي لك ليمون وشوربه
هزت رأسها
وحين خرجتا وتركتاها
همّت بالنهوض لكنها تكاسلت , فنامت
بعد نصف ساعة
عاد عبد الله للمنزل
جلس وشرب القهوة
بعد قليل سأل
: وين رتيل أجل !
قالت أمه بحنان
: مسكينة تعبانة , حرارة
عقد حاجبيه
: داليا قومي ناديها بوديها المستشفى
قالت أمه
: ما يحتاج عبد الله , نامت الحين اذا قامت تاكل وتطيب
هزّ رأسه نفياً
: لا بوديها , رتول مناعتها ضعيفة , قومي داليا ناديها
نهضت داليا وذهبت لغرفة رتيل
ربتت عليها برفق
: رتيل , رتول , رتوله , رتايل
همهمت رتيل دون رد
قالت داليا بحنان
: قومي عبد الله بيوديك المستشفى
بدأت تستشعر ما حولها
نظرت لداليا بصمت
ضحكت داليا وهي تلعب بشعر رتيل
: وش فيك يالفاهية , قومي عبود بيوديك المستشفى
هزت رأسها نفياً
: ما يحتاج
: قالت له أمي ما له داعي بس أصر , قومي حياتي البسي عباتك وانا بروح أجيب عباتي أروح معكم
نهضت بتعب وخرجت داليا لغرفتها
ذهبت لدورة المياه غسلت وجهها بماءٍ بارد
وعادت ترتدي عباءتها
عادت داليا وأمسكت بيدها
نزلتا سوياً
كانت تترنح من التعب
نهض عبد الله وهو ينظر اليها بقلق
: أجر وعافية رتول , ما خفيتي !
هزت رأسها
: انا بخير
: معليه حتى لو بخير , نتطمن , يلا يبه امشي
سارت خلفه مع داليا
وفي داخلها امتنان له
الرجل الذي استشعرت في كل لحظة لها معه أنه أخٌ لها
ذهبوا للمشفى , ووضعوا لها محلولاً مغذياً
قالت داليا
: مو قادرين يسحبون منك دم , بنروح أنا وعبد الله نجيب لك مويا وعصير تشربين عشان يتحرك دمك ويقدرون يسحبون , ارتاحي لين نجي
قبّلت جبينها وخرجت مع شقيقها
أغمضت عينيها
وغاصت في ذكرى مضت
*العاشرة صباحاً
شعرت بلمسة خفيفة على خدها
فتحت عينيها وكان يقف أمامها
نهضت وهي تغطي ساقيها بخجل
قال بمحبة
: يسعدلي صباحك يا سعادة صباحي
ابتسمت
: وصباحك
مد بكفه لها , أمسكت به ونهضت
دخلت لدورة المياه تغسل وجهها
خرجت وكان يغلق أزرار قميصه
قال بلطف
: رتيل حطيلي فطور
ابتسمت وارتدت حجاب الصلاة الطويل مع نقابها ونزلت للمطبخ
أعدت فطوره وأخذته للأعلى
كان قد انتهى من لبسه
وضعت فطوره أمامه وجلست تسكب له الشاي
قالت
: بتطلع مع الشباب للبر ؟!
: والله ما اعتقد عندي زحمة شغل , بس اذا قدرت بطلع لهم ساعتين ثلاث بالكثير وأرجع
صمتت قليلاً ثم قالت
: ما تسوى عليك طريق طويل على ساعتين ثلاث !
رفع كتفيه باستسلام
: شنسوي بعد , فدوة للوطن
ابتسمت بتشجيع , وبادلها الابتسامة
أنهى فطوره ونهض
داعب أنفها
: تبين شي من برى
أغمضت احدى عينيها وأمالت رأسها تفكر
: آمم , جيب لي مارشميلو وشوكولا
قهقه ضاحكاً , ثم قال
: حاضر , وانا لا جيت أبي الحمام جاهز , ومسويتلي عشا من يدينك , زين !
قفزت بحماس
: حاضر
أشار لها على خدّه
: بوسة قبل أروح
ابتعدت بخجل
: عيب أنا صرت كبيرة
ضحك بقوة
ثم قال بسخرية
: كبيرة آمنت بالله , بس انا زوجك ماني غريب
قالت بتهديد
: انت قلت تصير زوجي الحقيقي لمن يصير عمري 18 سنه أو أكثر
قال بمكر وهو يقترب منها
: وش الفرق , الحين أو لمن تصيرين 18 انتي زوجتي , وش بيتغير
ابتعدت بسرعة ووجنتيها تحترقان خجلاً
قالت بخجل كبير
: صصصقققررر
ضحك وابتعد
قالت بتهديد
: والله أرجع لأمي ترا
قال وقد بدأ يغضب
: اعقبي
نفخت صدرها بغرور
: ايه اعقل
شد شعرها بخفة
: لا تتعالين يالنتفة
ضحكت وهي تبتعد عنه
: صصقرر ششعرييي
تركها
: لا تنفخين ريشك أحسن ما انتفه
قبّل رأسها ونزل ليخرج من المنزل
بعد خروجه بساعتين , مرضت
بعد صلاة المغرب اشتد بها المرض
فاتصلت عمتها على ابنها
ردّ بهدوء
: هلا
: يمه صقر انت وين
قال بحذر
: قريب , ليه
: رتيل تعبانة يمه , تعالي ودها المستشفى
قال بسرعة
: وش فيها
: والله محمومة
قال بخوف
: جاي , انتبهي عليها يمه
أغلق الهاتف وغير طريقه رغم أنه كان قد انتصف في طريقه ’ للبر ’ , لم يخبر والدته أنه بعيد لأنه يعلم أنها لن تخبره مالخطب ان كان بعيداً
طريق ساعة , اختصره في ثلث ساعة حتى يصل لطفلة قلبه
حملها بين كفوفه للمشفى
رفض أن يكشف عليها طبيب ذكر
وجاءت الطبيبة , حقنتها بما يخفف ألمها
بقي بقربها يداعب شعرها ويمازحها لينسيها المرض
قال يهمس
: بشتريلك كراتين مارشميلو وشوكولا بس تطيبين
ضحكت ببحة
شدها لصدره
: مو حلوة وانتي تعبانة , قومي يلا
أغمضت عينيها وهمست
: صقر أحس اني أحترق , وفي نفس الوقت بردانة
قبل يدها بحنان
: ليته في قلبي ولا فيك يا كل صقر انتي
بقي ليلته بقربها , حتى تحسنت وعاد بها للمنزل..*
,
( الذكرى كتبتها وفي اذني سماعة اسمع نشيد ما فهمت ولا كلمة منه بس نبرته جداً حزينة , حسيت الذكرى جداً مناسبة له وخنقتني العبرا :p )
,
انتهت الذكرى , بشهقة عنيفة من روحها
صرخت ببحة وعجز
: صـــقـــــر , صصققررر , آآآه أبيي صصقرر , يممماااه ردوليي صقرر ردولي صقريي
دخلت ممرضتين وطبيبة بخوف عليها
أسرعن ناحيتها يحاولن تهدئتها
كانت تبكي وتنزع ابرة المغذي بقسوة من عروق يدها
تنادي اسماً واحداً
’ صقر ’ وفقط !
دخلت داليا مسرعة وهي ترتجف
: رتيل قولي لا اله الا الله
ضمتها بقوة تهدئها
: اذكري الله , لا اله الا الله رتيل
تشبثت بها تبكي بقوة
: ابييييه داليااا , رديليي صصقررر , داليااا جيبولي ابوووي , تيتممت مرتييين , راح أبووي راح أخوي وعزوتي وهلي , صصقررر
كانت داليا تبكي , وتحبس عبراتها حتى لا تنهار مثل رتيل
كانت تردد باختناق
: اذكري الله رتيل , اذكري الله يا روحي , لا اله الا الله رتيل لا اله الا الله
هدأت واستكانت شيئاً فشيئاً
حتى تمكنت الممرضة من حقنها بالمهدئ
فنامت ووجها شاحب ويشهد وجعاً عميقاً
ابتعدت داليا وخرجت
رمت بجسدها الصغير في حضن أخيها
همست بعذاب
: وينه صقر عبد الله , وين راح أخوي
ضمها اليه وحنجرته تؤلمه
: اذكري ربك , كنا برتيل صرنا فيك , هدّي
تماسكت وابتعدت عن أخيها
جلست على المقعد
وجلس أمامها على ركبته
أمسك بيدها بحنان
: صلي ع النبي حبيبتي
مد لها قارورة ماء
شربت منها قليلاً
ثم أغمضت عينيها وفي نفسها حرقة على فقد شقيقها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة والنصف مساءً
سمعوا الجرس
أسرع تركي ليفتح الباب
ابتسم وقال مرحباً
: هلا وغلا , يا الله انك تحييهم
عانق وليد وأشار له بالدخول
دخل وملاك خلفه
رفعت ملاك نقابها وابتسمت بهدوء
: شلونك تركي
: هلااا والله ملاك , شلونك شخبارك
: الحمد لله بخير
سمعا شهقة مرح تلاها صوتٌ مرحب
: ولييييد , وحششتني , خلاص لا تجي كل اسبوع تعال كل يوم
التفتا ناحية وليد
كانت هديل متشبثةً به وتهتف بحماسه
: فدييتك مشتاااقة لك
ضحك بهدوء وربت على ظهرها
: وخري يا قمله كتمتيني
ابتعدت وضربت كتفه
: قمله انت
التفتت لملاك وعانقتها بقوة
ضحكت ملاك وهي تبادلها العناق
قالت هديل
: اشتقت لك ي خايسسة , اشتقت لك اشتقت لك اشتقققت لك
: وانا والله اشتقت لك
قال تركي بسخرية
: تراها من شهر كل اسبوع مرتزة عندك
قالت هديل
: يعني اربع مرات بس شفتها خلال شهر
حينها خرجت ام علي من غرفة جانبية , قالت بسعادة
: فديت هالوجيه , هلا هلا يمه
اقتربا منها بسرعة ليحتضناها
كانت لمستها حانيةً محبة
كأمٍ لهما
جلست معهما
كانت ملاك ملتصقةً بها وتمسك بيدها
ووليد قريبٌ منها وعينيه تبتسمان بمحبة لها
قالت ضاحكة
: زين والله ملتزم بالعهود والمواثيق , كل اسبوع تجوني والله نعمة
قالت ملاك هامسة
: بس عشان يغيض ابوي وخالتي
لم يسمعها وليد لكنه شعرَ أنها تتحدث عنه
رفع حاجبه
: وش قلتي
هزت رأسها ضاحكة
: ولا شي
قالت ام علي لهديل
: كلمي أختك تجي دام ملاك هنا
هزت رأسها بحماس
واتصلت على رتيل
انتظرت ولم ترد
قالت باستغراب
: ما ترد !
قالت امها
: كلمي داليا شوفي
لاح شبح ابتسامة على شفتي علي وعدّل جلسته
قالت هديل بسخرية
: ما بنزفها لك الحين ارتاح
ضحكوا منه جميعاً
قال بغيض
: انثبري وكلمي بنت عمك
اتصلت وهي تقلب وجهها بمشاكسة وهو يضحك منها
: الو دالييا
: هلا هديل
عقدت حاجبيها
: وش فيه صوتك
تنبه علي لها
: ولا شي بس ساكتة لي فترة
قالت باصرار
: والله تكذبين , وش صاير لكم
زفرت داليا قبل ان تقول
: رتيل شوي تعبانة وجبناها المستشفى انا وعبد الله , و آمم , انهارت تبي صقر !
تغيرت ملامح هديل
: الحين هي بخير !
: أعطوها مهدئ ونامت , اذا قامت نمشي خلاص
قالت باصرار
: يحتاج نجي ؟
: يا بنت الحلال بخير والله
قالت ام علي بقلق
: شصصاير
قالت هديل
: رتيل تعبانة ومنهارة ف المستشفى
شهقت أم علي وأخذت الهاتف من ابنتها
: الوو
: هلا عمتي
: داليا وش فيها رتيل وش صاير
: تعبانة شوي
: متى تطلع ؟
: نص ساعة بالكثير تصحى ونطلع
قالت أم علي بحزم
: تجيبونها لي
قالت داليا باعتذار
: عمتي ما...
قاطعتها
: داليا الله يرضى عليك كلمي أخوك قولي له عمتي ام علي تقول جيبوها بيتي , واذا ما جابها يجي علي ياخذها الحين , سمعتيني !
قالت بصوتٍ منخفض
: طيب
ودعتها وأغلقت الهاتف
قال وليد
: عسى ما شر
جلست ام علي وقد اكتسى الضيق ملامحها
: يا ويلي عليها , تعبانة بنيتي
قالت هديل بعدم رضى
: تقول داليا انهارت من تذكرت اللي ما يتسمى
ردعها علي بغضب
: ابلعي لسانك هديل
قالت بغضب هي الأخرى
: وش اللي ابلع لساني , عاجبك سواة ولد عمك الردي
نهض بقوة ليضربها
لكن وليد وقف امامها , بينها وبين علي
قال بلطف
: امسحها بوجهي
: طويلة لسان والله لا اعلمك السنع , ولد عمك يا قليلة الخاتمة رجال أكبر مني ومن أخوي تقولين عنه ردي
شد وليد اذنها برفق
: لا تعيدينها
هزت رأسها بسرعة وخرجت من الغرفة
جلس علي يزفر بغضب
نظر وليد ناحية ملاك
: روحي لها
نهضت بسرعة وتبعتها
جلس وليد وقال بهدوء
: اذكر الله , خذتها الحمية على اختها
: تقوم وتسب ولد عمها !
: معليه عديها
استغفر ربه بهمس
قال تركي بعد ان تنهد
: والنهاية مع سالفة رتيل !
قال علي وهو يتظاهر بالبرود
: تنتظر رجلها , ما به نهاية
قال تركي بغضب
: بس هي زوجة مفقود !
رد علي بغضب مماثل
: واللي علمك كلمة زوجة مفقود ما شرح لك القاعدة الفقهية لزوجة المفقود !
قال وليد بهدوء
: استهدوا بالله يا شباب وش فيكم !
قالت ام علي بضيق
: فضوها سيرة , أختكم تعبانة وما ابي أي كلمة تخص هالموضوع , مفهوم
صمتا وأشاحا بوجهيهما عنها
بعد قليل وصلت سيارة عبد الله
خرج علي ليسند أخته
كانت داليا تجلس معها في الخلف نزلت قبلها ومدت بيدها لها تساعدها
حين شعرت بهمسٍ خفيف من خلفها
: هلا باللي له الخاطر يهلي
شعرت بدمها يتجمد في عروقها , وبحرارة جسدها ترتفع لأقصى حد , وبأطرافها ترتجف
كادت تسقط مغشياً عليها
زاد حالتها سوءً ضحكته الخافتة
قال بلطف
: ابعدي بساعدها ما تقدرين عليها
كانت تحول الحراك , لكن قدمها أبت أن تتحرك
قالت رتيل بتعب
: داليا وخري بنزل
ضحك عبد الله وناداها بمرح
: داليااا
مدّ علي يده وحركها بخفة
حين لمسها شهقت وابتعدت بسرعة
انفجرا علي وعبد الله ضحكاً
قالت رتيل ببحة
: حرام عليكم
انحنى علي وحمل أخته مبتسماً بحنان
: ارحبي يا بعد كلي
أحاطت بذراعيها رقبته , ودفنت وجهها في صدره
قال مخاطباً عبد الله
: بيض الله وجهك , بس تطيب انا بجيبها , سامحنا عنيناك
: افا عليك رتول أختي
: مشكور عبد الله نردها لك بالأفراح
التفت لداليا التي لا تزال واقفةً بعيداً عنه
: تعالي اركبي
لم ترد ولم ترفع رأسها
ضحك
: داليا وش فيك ! حلال والله حلال تبين تشوفين العقد تتأكدين
شهقت بخجل وأشاحت بجسدها أكثر
قال عبد الله بملل
: اخلصي اركبي
نظرت اليه بحدة
ضحك ثم التفت لابن عمه
: علي لا هنت ادخل , بتظل متدبسة مكانها دامك واقف هنا
ضحك علي وودعه , ثم دخل وأغلق بابه
حينها فقط ركبت داليا وسار عبد الله
حين دخل علي المنزل
اقتربت أمه بخوف
: رتيل
أنزلها علي
اقتربت أم علي أكثر
رمت رتيل بجسدها الضعيف في حضن خالتها
كلا , أمها , ربتها وسهرت على راحتها واعتنت بها منذ نعومة أظافرها
مسحت أم علي على شعرها بحنان
: بس يمه , بس حبيبتي , تعالي أوديك غرفتك ترتاحين
سارت معها وهي تنتحب بتعب
سمعت حمحمة لم تميز صاحبها
أعقبها بحديثٍ هادئ
: الحمد لله ع السلامة رتيل
التفتت رتيل لأمها بتساؤل
همست لها
: وليد
قالت ببحة
: الله يسلمك مشكور
تابعت طريقها لغرفتها
بعد أن خلعت عباءتها واستلقت
دخلت هديل وملاك خلفها
قفزت هديل على السرير بجانبها تهتف
: رتيلاا حبيبتيي الف بسم الله عليك
اقتربت ملاك
حاولت رتيل تعديل جلستها
لكن ملاك منعتها وعانقتها وهي مستلقية
: حياتي سلامتك , خوفتينا عليك
: الله يسلمك , سامحيني والله كان لازم استقبلك أحسن من كذا
لامتها ملاك بلطف
: احنا مو غرب عنكم رتول , بعدين انتي ناسية هذه غرفة أخوي لمن نجي لخالتي
أخرجت لسانها بمرح أضحك رتيل
أحاطتا بها وتحدثتا كثيراً اليها
حتى أتى صوتُ تركي محمحاً عند باب غرفتها
ابتعدت ملاك مسرعة وارتدت حجابها
قالت هديل
: تعال تريكي
دخل وهو عاقدٌ حاجبيه
ضرب رأس هديل بخفة
: أصغر عيالك تريكي
ضحكت بينما اقترب من رتيل وقبّل جبينها
أمسك بيدها وقبّلها بحنان
: سلامتك يا روح أخوك
: الله يسلمك حبيبي
: ليه ما اهتميتي بنفسك , مناعتك ضعيفة رتيل أي اهمال تمرضين !
قالت ببحة
: قدر
مسح على شعرها
: آخر الطيحات ان شالله
اكتفت بابتسامة
كانت هديل قد خرجت من الغرفة مع ملاك حين دخلها تركي
عادت تهتف
: ممن قدكك , تريكي النفسية العصبي جالس جنبك يحبب فيك وجايب عششا من براا , وأمي مسويتلك شوربه وفطاير , اهب ي وجهك كل ذا لك وانا محد يذكرني ب سنتوب أبو نص
كانت رتيل تضحك بتعب
وتركي مبتسمٌ لهديل
نهض ليخرج وحين مر بهديل همس
: بعدي لك تريكي لأنك ضحكتيها
قفزت هديل تدغدغ رتيل وهي تصرخ بمرح
: تريكي تركان تروك تركيان
ضحك باستخفاف وخرج
ضمت هديل أختها بقوة
: الحين صرنا بروحنا , وش فيك ؟
دمعت عيناها
: أبي صقر
: غيره ؟
: صقر
: وبعد ؟!
: صقر
زفرت هديل وهمست لأختها
: ان الله مع الصابرين , سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً , وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون , استرجعي كثير وسلمي أمرك لله , ما يصير رتيل تتعبين نفسك وتبكين عليه ليل نهار
قالت تشكي وتبكي كطفلة
: طول هديل , والله بموت من شوقي وحاجتي له , انا زوججته بنته حبيبته , شلون أهون عليه
قالت هديل وهي تضغط على نفسها وتقنع أختها بما لم يقنعها هي !
: ما تدرين وش صاير معه
دعت رتيل بتضرع
: يارب ان كان حي وبخير رجعه لي سالم , وان كان ميت فلا تجيب لي عنه خبر , ابكيه طول عمري مفقود ولا أبكيه مـ...
قطعت كلمتها , لم تستطع نطقها
أنتهى حوارهما بدخول ملاك
جلستا معها يخففان عنها ويتحدثن اليها في كل شي علّهن ينسينها هما
,
,
المملكة المتحدة – لندن
الثانية ظهراً
أوقف سيارته بالقرب من عمارة عزيز
نزل وارسل للين رسالةً نصية
( أنا وصلت , بسلم على عزوز وأجي لعمارتكم )
ثم دخل للعمارة وصعد لشقة عزيز
فتح له عزيز ودخل
جلسا قليلاً
وكان عزيز متهكماً واجماً
قال سعود
: شفيك ! صاير لك شي ؟
قال عزيز بسخرية
: جاي عشانها ؟
صمتَ سعود قليلاً
ثم قال بهدوء
: اوكي , انت زعلان لأن خويك المثالي بنظرك جالس يسوي شي غلط , ومتضايق لأن لي اسبوعين وعليها كل يوم أطلع مع لين , انا أعترف اني غلطان ومذنب , صدقني عزيز أنا معتبره عمل انساني , لين كتومه جداً , ومن كتمها وضغطها على نفسها تذكر الحالة اللي لقيتها فيها من شهر ! , عورتها , كان ألم بسيط وسطحي خلّاها تنهار وتفقد وعيها , انا جالس أحاول أخليها تغير جو وتفضفض , تصدق بدت تتجاوب وتكلمني عن حياتها في السعودية , مع انها بتأكيد من صديقاتها مستحيل تطري السعودية بكلمة , صديقاتها من سنة ونص الروح بالروح ما قالت لهم شي خاص عنها ! , انا بس أبي اساعدها
أشاح عزيز بنظره عنه
: مو مبرر
تنهد سعود
: أدري , بس جد أنا مو نيتي سيئة
نهض بضيق وتوجه للباب
قال عزيز
: أمنتك نفسك ودينك
اهتز سعود من كلمات رفيقه
لكنه خرج
هو يرى أنّ الأعمال بالنيات , ويرى بأنه كَ طبيب نفسي للين بما أنه دخل معاهد وحضر دورات وقرأ كثيراً حول الطب النفسي
مشى لعمارة لين واتصل على هاتفها رنة وأغلقه
ثوانٍ ووقفت أمامه مبتسمة بهدوء
قال مبتسماً
: شلونك اليوم
: الحمد لله
سارا بخطواتٍ متقاربة يتحدثان
بعد أن سارا طويلاً
جلسا متقابلين
مدّ لها بكوبِ عصير
أخذته وشربت ثم قالت
: سعود
ابتسم
: آمري
صمتت قليلاً , ثم قالت بهدوء
: آمم , أدري انك مهتم في موضوعي ونفسيتي لأنك تبي تساعدني , انا بديت أصير أحسن
قال بهدوء مماثل
: بديتي تصيرين احسن , وانا ابيك تطيبين تماماً
: انا احاول اتجنب الخطأ والذنب قد ما اقدر , وانت ذنب اقدر اتخلص منه , فليش استمر فيه وأتعاقب , حرام طلعتي معك وجلستي معك , انت غريب عني
قال ببرود
: انا مابي اخسرك , حبيت وجودك في حياتي
لاحظ الاحمرار الذي طغى على وجهها
صمتت ثم قالت
: ما يصير !
: نخليه يصير
قالت باستغراب
: ايش !
صمت قليلاً , ثم قال بجدية
: أتزوجك
جحظت عينيها بصدمة
ظلت تنظر له مصدومة , دون أن يرف لها رمش
قال ببساطة
: وش فيك !
لم تجبه الا بعد برهة
: انت وش تقول !
قال ببساطة مرةً أخرى
: لين الموضوع مو صعب ! انتي بنت وأنا رجال , والبنت المناسبة والرجال المناسب بالطبيعة البشرية يتزوجون
قالت ببحة
: انا ما لي أحد , تقدر تقول مقطوعة من شجر !
: يتيمة مثلاً , أو لقيطة ! وان يكن الرسول يقول اظفر بذات الدين تربت يداك , انتي دين وخَلق وخُلق مشالله عليك
قالت بسرعة
: لا انا مو لقيطة
ابتسم بلطف
قالت بتردد
: يعني أنا عايشة بروحي , والى أجل غير مسمى انا لحالي , حتى لو جد ب – سكتت ثم قالت ببطئ وهمس – حتى لو ب تـخطبني , مو من أحد
قال ببساطة
: مو مشكلة , وش فرقك عن اللي في بيوتهم ونروح لهم , يمكن انتي أحسن منهم , فكري لين , انا جد شاري قربك ما ابي أخسرك أبداً , مو مشكلة نملك ومتى ما تحسين نفسك مستعدة لو بعد عشر سنين نتزوج – صمت قليلاً , ثم حك رأسه وقال باستدراك – لا لا مو عشر سنين , يعني متى ما تبين بس مو تطولين
كبتت ضحكتها وصمتت
ثم قالت بتردد
: انا مطلقة
رفع بصره ناحيتها بسرعة , حاول ألّا تظهر صدمته , وقال
: طيب ؟!
قالت وهي لا تنظر اليه
: مو مطلقة قصدي – صمتت طويلاً , ثم همست – خالعة
نظر اليها دون رد
قالت ببحة
: مظلومة والله , وخلعته لسبب قاهر , خلعته قبل الزواج كنا مملكين بس
اطمئن بعد كلماتها
قال بحنو
: طيب مو مشكلة
نظرت اليه قليلاً , ثم نهضت وقالت بهدوء
: بفكر وأرد عليك
ابتسم وهز رأسه
نهض معها ليوصلها لمنزلها
ثم عاد الى منزله مسرعاً
,
,
الى الملتقى :)