بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الخامس
,,
المملكة العربية السعودية
منطقة الشرقية - الدمام
الثانية ظهراً
أحد الفلل الراقية التي تطل على البحر بجمال
في حديقة المنزل
كانت تجلس امرأة تبدو في عقدها الرابع
ومعها رجل في عقده السادس تقريباً
وفتاةٌ في سن المراهقة
يشربون العصير ويتحدثون
حين فُتحَت بوابة الفيلا
ودخلت سيارةٌ راقية سوداء
قال الرجل مبتسماً
: وهذا وليد وصل مع ملاك
توجهت السيارة للمواقف الداخلية للفيلا
نزل منها شابٌ يافع , وفتاةٌ ناعمة
اقتربا من الجلسة
قال الشاب مبتسماً وهو يرفع نظارته الشمسية عن عينيه
: السلام عليكم
: وعليكم السلام
اقتربت الفتاة لتقبل رأس الرجل بهدوء
: السلام عليكم
ردوا عليها السلام
قالت المرأة بهدوء
: تفضلوا معانا !
أجابها الشاب مبتسماً
: مشكورة , نبي نطلع نرتاح كان يومنا متعب بعض الشيء
رفعت المرأة كتفيها
: براحتكم , تبون غدا ؟
أجابها بهدوء
: تغدينا برى
زفر الرجل وصمت
قال الشاب وهو يمسك بكف الفتاة بلطف
: عن اذنكم
تركوهم ومضوا للفيلا
صعدا الى الدور الثاني
نظر وليد ناحية ملاك مبتسماً بحنان
قبّل جبينها وهو يوصلها لغرفتها
: نامي , نوم العافية , وأنا بنام لما تصحين كلميني على طول من غير لا تطلعين من الغرفة لين أجيك
ضحكت بخفة
: حاضر
دخلت غرفتها
انتظر عند الباب دقيقة , ثم قال بصوتٍ عالٍ
: أنتظر !
ضحكت وأقفلت الباب بالمفتاح
ضحك حينها ودخل غرفته مطمئناً
رمت ملاك بحقيبتها وحجابها على الأريكة التي في الغرفة
اقتربت من سريرها
ورفعت صورةً كانت على مكتبةٍ صغيرة بجوار سريرها
ابتسمت بحب
: مسا الخير ماما , توني راجعة من الجامعة مع وليد , انا بخير اختبرت وحليت زين ووليد بعد طيب , تغدينا مشاوي اليوم , مشتاقة لك يا ماما !
قبّلتها ووضعتها مكانها ونهضت لدورة المياه
,
,
في الغرفة المقابلة لغرفة ملاك
دخل وليد وأغلق الباب وأقفله
اتجه لسريره وحمَل صورةً كانت على مكتبةٍ صغيرة بجوار سريره
ابتسم بحب
: مسا الخير يما , تونا راجعين من برا انا وملاك , انا بخير وكان شغلي تمام اليوم , وملاك بعد طيبة , تغدينا مشاوي اليوم , مشتاق لك ي يما !
قبّلها ووضعها في مكانها ونهض لدورة المياه
,
,
المملكة المتحدة - تشيلسي
التاسعة صباحاً صباحاً
كان سعود يضع هاتفه على اذنه وهو يركب السيارة ويضع الأوراق التي في يده على المقعد المجاور
: الو , صباح الخير
: هلا صباح النور
: عزوز انت بالجامعة ؟
: اي , ليش ؟
: جاي بالطريق عندي كم بحث أسلمه , أنت طالع الحين ؟!
: لا عندي محاضرة بعد ساعتين , يلا تعال أنتظرك في الحديقة
: زين , سلام
أغلق هاتفه وسار ناحية جامعة " اكسفورد "
كان يدندن بمرح
مضى اسبوع مذ وعد عزيز أنه لن يذهب الى بوب الَا نهاية الأسبوع
ابتسم بخفة
ومضى اسبوع أيضاً على لقائه بالفتاة السعودية التي آذاها بغير قصد
ومنذ اسبوع ايضاً تناول عزيز طعام الغداء في منزله وهذا من النوادر
زفر بتعب , ومنذ اسبوع أيضاً ووالدته في حالةِ ارتباك وشرود
وصل للجامعة الضخمة بعد ما استغرق ساعةً وعشرَ دقائق في الطريق
ترجل من سيارته وسار ناحية الحديقة وهو يجري اتصالاً
: وينك ؟
: توني وصلت ودخلت الحديقة , أنت وين !
: عند بوابة المكتبة , مو داخل برى قريب منها
التفت سعود ناحية بوابة المكتبة واقترب وهو يغلق الهاتف
رأى عزيز مع مجموعةٍ من الشباب العرب الذين يعرفهم
ابتسم وهو يرفع يده
: صباح الخير شباب
نهضوا مبتسمين , مرحبين
: الله حيه القاطع اللي ما نشوفه الا وعنده ورق بيسلمه
ضحك سعود وهو يربت على كتف رفيقه
: العذر والسموحة يا سلمان , والله مشاغل دوام وزحمة
قال سيف الكويتي
: والله عاذرينك ياخوي , اهي الدنيا جذي كله مشاغل والتزامات !
قال سعود ضاحكاً
: صدقت يا ريال اهيا شزي
أطلق سيف ضحكةً صاخبة
: أنت بعدك على شزي !
ضحك سعود
: عاد شسوي أول مرة بحياتي نطقت الكلمة غلط , استصعب علي أعدلها
قال عزيز مبتسماً
: سعود رح سلم أوراقك وارجع
ضرب جبهته بخفة
: يوه نسيت , لا تتحركون ماني مطول
تركهم متوجهاً لداخل الجامعة
عاد بعد ربع ساعة
كان يسير وهو يبتسم
صادف عدداً من زملائه الذين رحبوا به وسروا برؤيته
وهو يسير , أسرع حين رأى رفقته
وصدم بأحدهم
تراجع باعتذار وهو يهتف
: عذراً عذراً آنستي
كانت مخفضةً رأسها وتمسك كتفها الأيسر بكفِها الأيمن متأوهة
قالت صديقتها بخوف
: لين فيك شي !
همست بألم
: لا شوية عوار بس
قال باعتذار وبالعربية بعد سماع لهجتها
: آسف والله ما انتبهت
رفعت رأسها لتردّ لكنها صمتت حين رأته
حين رأى وجهها عض شفتيه وهو يغمض عينيه
بعد ثوانٍ فتحها وقال وهو لا يعرف ما يقول
: والله ما انتبهت , كنت مستعجل وما انتبهت وما دريت انو انتي
قالت مبتسمة بلطف
: مو مشكله لا تعتذر , حتى انا كنت مستعجلة
انحنى وجلس على ركبة واحدة وعقف الأخرى
وجمع حاجياتها
قالت بسرعة وخجل وهي تنحني معه
: لا لا والله ماله داعي
ضحك بخفة وهم يمدّ لها حقيبتها وكتبها
: آسف مرة ثانية , مدري وش حظك معي كل ما شفتك عورتك
قالت بتأنيب
: استغفر ربك هذا لا بيدي ولا بيدك
هز رأسه موافقاً
: صرتي بخير ؟
ابتسمت
: الحمد لله
تراجع خطوتان وهو يبتسم
: ثاني مرة نلتقي بفعل القدر , الثالثة ثابته
ثم ضحك بمرح
هزت رأسها وهي تبتسم
: صح
: انتبهي لنفسك والله يوفقك , مع السلامة
لوحت له بيدها بلطف
: مع السلامة
ابتعد وتوجه لأصدقائه
كانوا يضحكون منه
قال بزفرة
: استغفر الله بس
قال سلمان غامزاً
: شفيك
نظر اليه بطرف عينيه
: انثبر بلاها حركات الهبال ذي
ضحكوا منه وسأله عزيز
: طولت تسولف معها !
زفر ثم قال
: قبل اسبوع كنت في مهمة انقاذ وتسببت عليها بدون قصد , واعتذرت وزرتها بالمستشفى , واليوم وانا مسرع عورت كتفها !
ضحك سيف
: ويهك نحس ع البنيه
قال سعود بغيض
: جب أنت
ضحك منه سيف مرةً أخرى
قال سعود بتحذير
: قسم بالله اللي يقرب منها ما يلوم الا نفسه
ضحك عزيز بعمق
: كنك داري بتفكيرنا , هم ثلاث وحنا ثلاث , وانت الله يعوضك
نظر اليه مهدداً
: والله يا ويلك ي عزيزان , سألتكم بالله البنات الثلاثة أمانة برقبتكم لحد يتعرض لهم وان شفتوا أحد آذاهم افزعوا لهم , اللي عورتها سعودية ووحدة من خوياتها كنها سعودية سمعتها تتكلم والثالثة مدري وش , اعتبروهم خواتكم
نظر الثلاثة الى بعضهم ثم انفجروا ضاحكين
قال سعود بانزعاج
: ما قلت شي يضحك !
قال عزيز بضحك
: شفيك توصينا ومرة مكبر الموضوع ! , انت تدري انّ مالنا في البنات خصوصاً الخليجيات !
حكَ سعود رأسه بملل
: اص
ضحك منه عزيز مرةً أخرى
يعرف رفيقه جيداً
حين يكون في حالة تفكير عميق يتحدث كثيراً ويتفوه بأمور لا وجود لها , وبأسلوب غريب ينهي النقاش !
قال سعود بعد فترة
: يلا انا ماشي وانتم روحوا لمحاضرتكم
قال عزيز
: وين بتروح
نظر اليه سعود
: لبوب
وجمَ عزيز وقال بسرعة
: لا ت...
قاطعه سعود فوراً
: ولا كلمة , اتفقنا اروح نهاية الأسبوع
زفر عزيز استسلاماً
: براحتك !
ودعهم سعود ومضى لسيارته خارجاً من الجامعة
متوجهاً لمنطقة بعيدة بعض الشيء
ناحية طريق مطار هيثرو !
,
,
جامعة اكسفورد
نظرتا لمى ولمار الى لين بتساؤل
ضحكت دون أن تتكلم
قالت لمار
: من ذا ؟
قالت لمى
: من وين يعرفك ؟
أجابتهما بابتسامة
: اشش , تعالوا نجلس ونبعد من هنا وانا اقول لكم , وبما أن اوراقي وملفاتي الحمد لله تصرفوا الادارة بموضوعها أنا بفطركم ع حسابي
رفعتا حاجبيهما الأيمن
ضحكت وهي تغطي عينيها بكفها الأيسر
: لا تطالعوني كذا قلت بقول لكم
سار الفتيات الى جلسة في حديقة الجامعة
جلسن مقابل لين وسألنها مجدداً
: من ذا ؟
اخذت لين نفساً عميقاً ملئت به رئتيها
ثم قالت بهدوء
: يوم صار الحريق الاسبوع اللي فات وجوا فريق الانقاذ هو اللي دخل شقتي ينقذني وبدون لا يقصد عورني ومنه طاحت على ذراعي الخشبة , جاني اليوم الثاني للمستشفى واعتذر , وما شفته بعدها الا اليوم
نظرتا الى بعضهما بصمت
قالت لين
: شاكين بكلامي !
قالت لمار فوراً
: لأ طبعاً
: أجل شفيكم مو مقتنعين ؟
هزتا رأسيهما
: ولا شي
صمتت ولم تعر الموضوع اهتماماً
فتحت أحد كتبها لتقرأ
ومدت للمى بورقةٍ نقدية من فئة العشرة باوند
قالت مبتسمة
: خذي جيبي لنا فطور
ابتسمت لمى ونهضت
,
,
المملكة العربية السعودية - الرياض
السادسة مساءً
توقفت سيارة علي أمام منزله وابتسم
: يلا
نزلا سوياً
وتوجها للمنزل
فتحه علي بمفتاحه ودخلا
استقبلتهما رائحة البخور والقهوةِ العربية
قال علي بصوتٍ عالٍ
: جينا يا عرب
خرجت فتاةٌ في عمر رتيل تقريباً مبتسمة
: هلا والله
اقتربت من رتيل وعانقتها بقوة وهي تصرخ بمرح
: اششتقت لك يالمخيسه
ضحكت رتيل وهي توثق يديها حولها
نزلَ شابٌ الدرج وابتسم بسعادة
: وأخيراً
اقترب منها وقبل رأسها
قبّلت كتفه بمحبة
قال علي مبتسماً
: وين أمي ؟
قالت الفتاة
: فوق تصلي المغرب تعالوا تعالوا الحين تنزل
دخلوا غرفةً جانبية وأخذت الفتاة عباءة رتيل وحجابها بلطف
جلست رتيل وهي تنظر اليهم بابتسامة
: اشتقت لكم
قال الشاب بسخرية
: أي مبين
ضحكت بخفة
: والله جد
جلست الفتاة بقرب رتيل وأحاطت خصرها بذراعها ووضعت رأسها على كتف رتيل
: رتيل حقتي اليوم لحد يقرب منها
تعالت أصواتهم باعتراض
ضحكت رتيل وهي تبعدها عنها
: هدييل وخري ماحب أحد يمسكني كذا
كادت هديل تتكلم قبل أن يردعها علي بنظرةٍ قوية
بلعت كلماتها وصمتت
حينها سمعوا صوتاً حنوناً عند باب الغرفة
: يا الله انك تحيي رتيل هلا والله , ما بغيتي تحنين وتجيني
نهضت رتيل مسرعة واقتربت تقبل كفيها ورأسها بمحبة
: هلا خالتي شلونك
قالت المرأة بتحذير
: وششو
ضحك رتيل ثم قالت
: هلا هلا يما
انضمتا للجميع , كانوا سعداءَ جداً بوجودها معهم
قالت الأم
: هديل جيبي القهوة
نهضت هديل مسرعةً الى المطبخ
كادت رتيل تتبعها لو لا يد علي
: اقعدي وين
: بساعد هديل
قالت أم علي بابتسامة
: معاد هي صغيرة خلاص صارت سنعة
ضحكت رتيل وجلست
نظرت للشاب بمحبة
: شلونك تركي شخبارك
ارتخى بجلسته وتنهد
: بخير الله يسلمك
: وليد وملاك شلونهم ؟ , متى آخر مرة كلمته
: والله كل يوم أكلمه , طيبين ما عليهم
قالت ام علي بحزن
: والله اني ابيهم عندي , على الأقل ملاك , بس أبو وليد أبد مو راضي , أدري ان وليد ما عليه من ابوه ولا جايب له خبر بس أنا مابيه يتجرأ ويسوي شي غصب عن ابوه
ابتسمت رتيل
: ماعليه يما خليهم عند ابوهم أريح لهم , البيت كبير ومستوى تعودوا عليه خوفك يجون هنا ويتضايقون خلهم بعيدين وعزيزين , وبعدين الفجوة اللي بينهم وبين ابوهم كبيرة لو بعدوا بتكبر أكثر
قال تركي بسرعة
: لا والله وليد وملاك مو ذا تفكيرهم
رفعت رتيل كتفيها
: مدري والله أم فهد يوم يجون زيارات مبين الضيق في عيونها , بس والله انها طيبة الحمد لله ولا اشتكوا منها
قالت ام علي
: هي ما ضرتهم , بس ماهي معوضتهم عن الأم , وليد وملاك محرومين , أنا خالتهم ومكان أمهم , هي تضل مرة أب طلعت ولا نزلت
اقتربت رتيل من ام علي ووضعت رأسها على صدرها
: مو كل مرة أب مو زينة , هذه أنتي مرة أبوي ولا احسك الا امي , لو امي عايشة ما عطتني اللي عطيتيني اياه
وثقت أم علي ذراعاها حول رتيل مبتسمة
: لا تقولين كذا , انتي بنت قلبي وحبيبتي والله يشهد ان مكانتك من مكانة هديل وعلي وتركي , وامك الله يرحمها لو انها موجودة كان ما خلت عليك قصور ابد , الله يغفر لها ويحسن اليها كانت طيبة بشكل ما تتخيلينه وحنونة وحبيبة وما شافها احد الا حبها
قالت رتيل بهمس
: ابي اشوفها
مسحت ام علي على شعرها
: بالجنة ان شالله
ابتسم علي
: يما ما غرتي , ما زعلتي يوم جابها أبوي ؟!
قالت مبتسمةً للذكريات
: يوم جاني الخبر ان عادل الله يرحمه تزوج , انهرت وتعبت نفسياً , كنتوا انت وتركي عندي انت ثمان سنوات وتركي ست , زعلت وطلعت لهلي وقلت مانب راجعة له ابد , ابوي الله يرحمه كان حنون حيل وما يرضى على بناته قال لي بيجيك ويتفاهم معك , ان رضيتي رحتي معه , وان ابيتي ف والله ما يجبرونك عليه وانا حي , وفعلاً بعد يومين ترك ايمان في بيته وجاني لبيت أهلي , راضاني واخذ اللي بخاطري , قال لي تعالي وشوفيها اذا ما حبيتيها لك اللي تبين , بغيت أنجن وش يقول هالرجال أنا اروح اشوف طبينتي ! , أقنعني ومشينا , يوم دخلنا البيت وتستقبلنا الريحة الزينة , والنظافة والترتيب
ضحكت وتوقفت عن الحديث
قالوا جميعاً بحماس
: كملي
التفتت لهديل ضاحكة
: متى جيتي
: من أول بس انتي مغمضة عيونك كملي كملي
تابعت مبتسمة
: عاد أنا قلت في نفسي بدأ النفاق , دخلنا غرفة المعيشة وجلسنا وعيالي راحوا غرفتهم , شوي ودخلت علينا , نسخة من رتيل , والله يوم اشوف رتيل الحين كن الزمن رجع فيني ورا , مبتسمة الله يرحم ذاك المبسم , يوم شفتها صديت عنها , وطت علي وحبت راسي وجلست جنبي تاخذ أخباري , انصدمت التفت لأبوكم ابي اسأله هي ذي اللي متزوجها ! , كان مبتسم قالتلي بعد ما سألت وخذت علومي , تبين تتعشين الحين ولا بعد شوي , عاد انا الله يسامحني قلت بورطها قلت لا الا بتعشى الحين وخري خل اسوي عشاي وعشى عيالي ورجلي , قالت والله ما تقومين انا طابخة وخالصة , وقامت وحطت السفرة مو مخليه شي مو مسويته
صمتت وتنهدت بعمق وحرارة
قالت رتيل ودموعها تحرق وجنتيها
: كملي
تابعت بحزن
: صرخت عليها قلتلها لا تنافقين وتكذبين وتسوين نفسك تحبيني وتحبين رجلي تراك طبينة وخطافة رجاجيل , الله يغفر لي كسرت بخاطرها ناظرتني شوي ولا ردت وطلعت لغرفتها وانا رحت غرفتي , والله اني مو شينة على طول ندمت , بس ما قدرت اشوف غيري تشاركني بزوجي
تنهدت مرةً أخرى , ونزلت دمعتان على وجنتيها
: جاني عادل الغرفة بعدها بساعة , ما صرخ ولا هاوش ولا عصب , قال لي بهدووء ولا يقول اليوم , ليش يا عايشة كسرتي خاطرها , ايمان صغيرة بينك وبينها عشر سنوات , ولا تبي تزعلك ولا تبي تضايقك , خليتيها تدخل غرفتها تبكي وهي تبي رضاك , هاوشته عصبت عليه وبكيت , اخذني لحضنه وهداني , قال لي انا ما سويت الحرام ولا تزوجت من قل غلاك , مو الرسول يقول حُبب الي من من دنياكم الطيب والنساء , لا تزعلين مني يا عايشة , يرضيك أسوي الحرام ولا أتزوج بالحلال ؟! , سكت ولا عرفت وش اقول كلامه صح , بس غريزة في الحرمة ما تتحمل تشوف غيرها مع زوجها , انتظرته لين نام , الله يرحمهم تركها وهي عروس ونام عندي عشان لا ازعل أكثر , تسحبت من سريري ورحت لغرفتها
سكتت قليلاً , ثم تابعت بحنين
: لقيتها تصلي قيام وبيدها مصحف , خلصت والتفت لي , ابتسمت وما خفى علي العتب بعيونها , قالت آمريني يا ام علي , تلعثمت , صغييرة واستصغرت نفسي قدامها اعتذرت وبينت لها اني ما اقصدها لشخصها بس غصب عني , عذرتني وقالتلي اللي ما انساه , قالت انا يتيمة يا ام علي وذقت الأمرين على يد مرة عمي , لا تضيميني يا ام علي ضميني لك ووالله ما تلقين مني اللي يزعلك , لا تقهريني فوق قهري , انا يتيمة , يتيمة يا ام علي فقدتهم وانا طفلة
نشجت ام علي بالبكاء وتابعت
: كنها رتيل , والله رتيل , يتيمة ومقهورة وصغيرة – شدت على رتيل في حضنها وهي تبكي – حلفت ذيك الليلة ما تلقى مني اللي يضرها ويزعلها , وعدتها ووفيت , وهذا أنا أوفي مرةً ثانية , ايمان قبل عشرين سنة جعلتها اخت (ن) لي وبنتها الحين بنت (ن) لي
كانت رتيل تبكي بحرارة
قال علي بعد أن حمحم ومسح دمعتان علقتا بأهدابه
: آحم , الله يرحمهم ويغفر لهم , قومي هديل قهوينا
التفت لشقيقته التي كانت تبكي
ضحك وهو يرميها بوسادةٍ صغيرة
: بنت
التفت له بغيض
: شتبي انت وش فيك حاقد على البشرية خلينا نعبر عن احساسنا يا عديم الاحساس
ضحكوا منها جميعاً
حتى رتيل ووالدة علي
تنهد تركي وابتسم
: قصة مؤثرة , الله يرحمهم
نهضت رتيل لدورة المياه
عندما اختفت من امامهم
قالت ام علي هامسة
: قفلوا السالفة ونسوها , مسكينة رتيل فوق هم زوجها تجينا ونبكيها
ضربت هديل صدرها بتفاخر
: افا عليك ان م خليتها تكركر الحلين ما اكون هدييل
قال تركي بسخرية
: عن الهياط
صاحت فيه باعتراض , وضحكت رتيل التي دخلت للغرفة على كلمة تركي فقط
,
,
المملكة المتحدة – طريق مطار هيثرو
مقبرة المسلمين
الثانية عشر مساءً
أوقف سعود سيارته في المواقف الخاصرة بالمقبرة
ترجل من سيارته وهو يشد معطفه عليه بسبب البرد الشديد
دخل المقبرة بهدوء ظاهري
سار بين القبور وهو يهمس
: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية "- صمت قليلاً ثم تابع – " السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر "
اقترب من قبرٍ قصَده
ابتسم وجلس أمامه
: السلام عليكم يا جدي , أنا سعود ولد محمد ورونا , اشتقت لك يالغالي , كلنا بخير وجدتي بخير , أبوي وأمي بخير , كلنا مفتقدينك , خالتي رنا غضبت عليها جدتي وطردتها لأنها غلطت غلط كبير , ماني قايله عشان لا تتضايق بقبرك , أنا كنت جاي لبوب , ولك بعد يا تاج راسي , الله يرحمك ويغفر لك ويحسن اليك , نلتقي بالجنة يبا
نهض من أمامه وسار ناحية قبرٍ آخر
زفر بحرارة وجلس على ركبتيه أمامه
: السلام عليكم ورحمة الله , بوب يا عزيزي أنا سآود , أعلم أنك تعرفني دون أن أعرف بنفسي , قبل أسبوع كنت أريد المجيء لكن عزيز منعني , اشتقت اليك كثيراً , والى وجودك وحديثك , توفيت منذ أربعةِ أعوام ولا أستطيع نسيانك أو التوقف عن التفكير بك , أنا أعيش كما تحب أن أعيش , ملتزمٌ في صلاتي , أحب الجميع , وجادٌ في عملي ودراستي , أساعد الجميع أسعى للخير , لكنني أفتقدك بشده , قبل اسبوع ذهبنا في مهمة , آمم لقد ارتكبت خطأً كان يجب أن أبقى خارجاً لكنني دخلت لأن سكان العمارة عرب من دولتي وجوارها , آذيت فتاةً مسكينة لم تكن لتتأذى لولا تدخلي , لكنني ذهبت لأعتذر وسامحتني , انني أقوم بعملي بشكلٍ جيد , هذه أول مرةٍ أخطأ سامحني , نعم لم أخبرك لقد أجبرت عزيز على تناول الغداء في منزلنا – ضحك بخفة – أحمق صحيح , أنا أخوه ويرفض أن يأتي لمنزلي , أمي متوترة منذ أسبوع أشعر أنها تخبئ أمراً كبيراً , سأنتظر حتى تخبرنا , السيدةُ العجوز التي حدثتك عنها مراراً , جارةُ عزيز , إنها مسكينة يا بوب , رأيتها منذ أسبوع كانت حزينة وتكاد تبكي , أتمنى أن ارى من ظلمها حتى انتقم لها , بوب اليوم سأكمل ثمانيةً وعشرون عاماً , وأدخل عاميَ التاسع والعشرون , أشتاقك يا سيدي وأبي وعزيزي , سآتي مرةً أخرى أعدك
نهض ونفض ملابسه وابتسم بحزن وهمس
: وداعاً
أولاه ظهره ومشى لباب المقبرة , قبل أن يخرج التفت ولوح بيده ثم خرج لسيارته عائداً الى تشيلسي
نظر الى ساعة سيارته
كانت تشير الى الثانية ظهراً
هاتفه يرن بإلحاح
أغلقه بملل
وغير طريق تشيلسي الى طريق سفري يفرغ فيه طاقته السلبية حالياً
,
,
الى الملتقى :)