المشهد
( 7 )
فيما مضى
تجلس وداد على كرسي صغير منتظرة مريم حتى تنهي حمامها
فاليوم هو موعد غسل شعرها !
فيما كانت تلاعب حمود وتقرصه في خده كل دقيقة
وجدته واقفا على عتبة بابه ينظر لها بتركيز
نعم هي ترتبك عندما تراه وفي ذات الوقت لا تطيقه !
تسمعه يسألها باهتمام واضعا اصبعا على شفتيه
بينما يده الاخرى تستند على الباب
: وداد ! كيف حالك ؟
فيما تتبرم وتتأفف وداد من الاجابة –
ترد عليه بقسوة ناظرة إليه بزاوية عينها : أنا ... لا ... اتكلم ... مع امثالك !
قالتها له بهدوء مستفز
ضيق ما بين عينيه يلتفت برأسه الى غرفته ويده تنغرس في شعره بقوة فهذه الوداد لا تفوّت فرصة حتى تهينه فيها ! وهو يستحق !
: حسنا ! يقولها في برود متجها الى داخل غرفته
يلتقط الجاكيت البني الثقيل ويخرج بحثا عن إمرأة !
فإذا كانت وداد حتى الآن لم تستجب فهناك المئات ممن ينتظرن !
وداد حسناء الملامح
لها وجه مثلث بعينين لوزيتين عسليتين
فمها صغير جدا حتى لا يكاد يُرى
انفها مستقيم
شعرها فقط لا ترتاح له فهو يضايقها كثيرا مجعدا وخشنا !
متوسطة القامة
درست حتى المرحلة الاعدادية ثم لم تعد تستطيع الدراسة التي تكلف الكثير
ففضلت الاتجاه للعمل !
بينما صديقتها الوحيدة لم تدرس ابدا !
كثير من المرات ايام الاسبوع تجلسان مع بعضهما البعض لكي تعلمها وداد بعض القراءة والكتابة
حتى انها اقترحت عليها الذهاب الى المسجد للدراسة فهناك فرصة كبيرة للتعلم .
في ذاك الزمان حين كانت صغيرة كانت شديدة الولع برؤية جارهم الوسيم .. خالد ...
ولكن بعد زواجه أحبطت ونسيته
ثم وفاة زوجته إثر الولادة تركته ضائعا يسير مكبا على وجهه !
بكل تلك الأفعال التي لا ترضي الله ولا العباد ..
شعرت بكل ذلك الانجذاب يتلاشى
وفي الحقيقة هي لم تعد تهتم له ولا تفكر به ..
فقط .. تجاهلته وكأنه غير موجود !
تخرج مريم من حمامها لتنادي وداد كي تساعدها على غسل شعرها !
وكالعادة قبل كل غسيل تغمض وداد عينيها بقوة وتبدأ بقراءة الأذكار وتمسح بيدها على شعر صديقتها !
في كل مرة تفعل ذلك تضحك منها مريم ملء شدقيها
حسنا لا بد ان افعل ذلك هل تريدين ان تستيقظي صباحا قرعاء !
بينما تردف بمكر حسنا ستكون فرصة لكي استبدل شعري بشعرك !!
فيما ضحكت مريم من جديد وهي تنزل ذلك الشعر الكثيف الطويل على جسدها
وما زالت وداد تبسمل !
ينهدر الشعر حتى ركبتيها في نعومة غريبة ، بسهولة ينزلق بين الأصابع
لذلك تلجأ الى تكويمه فوق رأسها شادة إياه بقوة حتى لا يضايقها
تقول لها وداد
اتعلمين عندما تتركين شعرك هكذا تتغيرين تماما
تصبح ملامحك اقل حدة واكثر جمالا !
مريم ترد عليها
ما اعتقده هو ان شعري أخذ كل القوة التي في جسدي ليحتفظ بها لنفسه !
ولكنني أحبه
لو قصرته او حلقته سأشعر بأنني عارية .
فيما تبدأ وداد بصب الماء على رأس مريم
الى ان انتهيتا من غسله فهو متعب !
لفت المنشفة حول شعرها وخرجت تلحق بها وداد
التي فاجأت مريم بقولها وهي تضحك سعيدة غير مصدقة : لقد وجدت عملا جديدا !
تلتفت لها مريم في فرحة غامرة : صحيح؟! مبروك يا وداد !
فيما اخذت وداد تسرد لها الحكاية
تلك المرأة الثرية التي حدثتك عنها قد طلبت مني اليوم ان أعمل لحسابها
- أحقا ؟ انتي محظوظة ! وماذا ستفعلين لها ؟
- سأعمل في منزلها
- مريم وهي مفتوحة العينين : وماذا ستعملين في منزلها ؟
- سأعمل خادمة ولكي تبرر: تقول انها حين تحتاجيني كمزينة ستستخدمني
فيما شعرت مريم بالحزن على صديقتها فهي لا تتمنى لها العمل كخادمة !
- حسنا هل اتفقتي معها على الراتب لكي لا يخدعوك ؟!
وداد تضع يدها على فمها وهي جد سعيدة : خمسمائة ؟!
شهقة تخرج من حنجرة مريم وتمسك الاثنتان بيدي بعضهما وتبدءا بالقفز فرحا ...
بعد أن هدأتا
أخذت الإثنتان بإعداد بعض المعجنات التي ستأخذانها الى بيت العم حامد فاليوم هو يوم التلفاز!
تركت حمود الصغير بين ذراعي والده
فمن الجيد أنه قد تذكر أن اليوم هو يوم إجازتها !
اجتمع الكل عند العم حامد وزوجته فاطمة
كل قد احضر شيئا معه : معجنات وحلويات ومشروبات
تجلس النساء في جهة والرجال في جهة اخرى
كانت الساعة قرابة الثامنة
واليوم العم حامد سيدير التلفاز على فيلم مصري قديم
كان الجميع هادئا يتابعون في صمت الا حين يلتقط احدهم شيئا لكي يأكله !
مريم و وداد والفتيات اللاواتي في مثل سنهن يجلسن بجانب بعضهن البعض يتغامزن ويضحكن !
كان الفيلم مليء بالمشاهد الساخنة والقبل التي لا تنتهي !
عندما يشاهدون البطل مع البطلة وهو يقبلها كان الكل يتظاهر بفعل شيء ما
فتجد من ينظر الى رجليه
ومن ينظر الى اصابع يديه
ومن ينظر للسقف
كان المنظر مضحكا حقا
الفتيات يراقبن الرجال و يضعن اياديهن على افواههن يحاولن كتم صوت ضحكاتهن ولكن لا جدوى
فإحدى الفتيات افلتت منها ضحكة عالية بحيث نظر الجميع اليها باستهجان وكأنها مذنبة !
فيما نطقت احداهن بصوت خافت
يا لتلك النساء المحظوظات الرجال لا يكفون عن تقبيلهن !
فيما نحن في المنازل لا نجد الا الصراخ والأوامر !!
تميل مريم باتجاه وداد تهمس في اذنها : ماذا حدث لأحمد ؟
لا نعرف انتي تعلمين انه يثير العديد من المشاكل مع الحكومة !
فهو لا يبرح المسجد الا وقد ملىء رؤوس الناس بكلامه ضد الحكومة !!
أعتقد لهذا السبب قد امسكوا به !
وهي حزينة .. حال امي لا يعلمه الا الله ونحن كذلك !
فيما التفت العم حامد اليهن بنظرة لإسكاتهن فهن يزعجن تأمله !
:
:
:
:
:
:
لَحظَةُ الصَّمتِ كانتْ كَلامًا..
بيننا ،
لُغَةً ليسَ يَفهَمُها في الوجودِ
سِوانا
إنَّها أبْجَدِيَّةُ مَن يَعشَقونَ
ومَنْ يَنزِفونْ
إنَّهُ النُّطقُ مِنْ حَدَقاتِ العُيونْ
كُلُّنا مُغْرَمونْ
كلُّنا عاشِقونْ
بَصْمَةُ العِشْقِ لا تَتشابَهُ
بينَ الأحبَّةِ
حتى يَكونوا
بِنفسِ البراءَةِ ،
نَفسِ الطَّهارَةِ
نفسِ الجُنونْ
( كلنا عاشقون .... نزار قباني )
تخلع عنها العباءة والخمار
تنظر بعشق الى الملامح التي تسلب الانفاس
بطوله بجسده بعينيه
بلونه الذي لوحته الشمس ليصبح أجمل من رأت
بشعره الأسود الغزير معطيا بعدا آخر للون عينيه الخضراوين بأهدابها السوداء الغليظة
وحاجبيه اللذان يرويان قصة عذاب !
تقف بكامل زينتها امامه بعنفوانها وجمالها فهو يعلم أن حبها مصيره !
بينما يقترب بخطواته منها
متمتما باسمها ياسمين !
يمسك بذراعيها بين يديه
تحترق انفاسه على خدها وبين شفتيها !
فالليلة هي ليلة حب !
غرقت في أحضانه وبين ذراعيه فهي تمنته بكل الخوف الذي يرفرف بين جنبيها !
سلمته نفسها طائعة راغبة !
هي الليلة ملكه !
فيما كان يغرقها بقبلاته
كل سنوات الغربة قد ضاعت في عينيها
كل سنوات العذاب بدون انثى قد ولّت !
وكل أيامها ستكون بين ذراعيه تتذوق طعم شفتيه !
هي الليلة ملكه !
تشهق بالبكاء عاليا
قام عنها مفزوعا سائلا : ياسمين ما بك ؟
ياسمين التي دفنت وجهها تحت الغطاء في نوبة بكاء حادة لم يستطع إسكاتها
آه يا الهي
ياسمين أأنتي نادمة ؟
تبا ..
ياسمين اجيبيني
فيما ياسمين لا زالت تبكي وتنتحب
يصله صوتها من تحت الغطاء متقطعا .. لما..اذا .. لم .. ننتظر ؟!!
العرس لم يبقى عليه الا اياما فقط ؟!
انقلبت ملامحه الى الغضب العارم : يا الهي لماذا لم تقولي هذا الكلام قبلا ؟!!
ماذا تريدينني أن افعل الآن ؟
قفز من على السرير مرتديا ملابسه في سرعة وهو يزيح الغطاء عنها بقوة !!
يردف بصبر
بكائك لن يغير شيئا ، ما حصل قد حصل !
لا تفرق الأيام اليوم او فيما بعد ! فقط ابعدي هذه الأفكار عن رأسك
يقترب منها جالسا على السرير مربتا على شعرها الذي يعشقه : ياسمين حبيبتي أنظري الي .!
فيما ياسمين لا زالت كما هي تشعر بالحزن و.. العار ..!!
فالعرس قريب لماذا لم يصبرا ، لماذا ؟
نهضت من السرير مسرعة تاركة اياه في حيرته تتجه نحو دورة المياه
اغلقت الحمام خلفها ومن ثم سمع صوت المياه
تنهد في حزن .. لم يرد ان يجرحها وكذلك لم يغصبها على شيء !!
يغادرا الشقة في هدوء قاتل ..
كل منهما شارد في افكاره .. لم يتخاطبا طوال فترة القيادة
ولم ينتهبا لمن كان خلفهما تماما !!
توقفه عند بوابة المنزل الضخمة : حسنا توقف هنا !!
ينظر لها بذهول : الطريق طويل حتى تصلي للمنزل سأضعك امام الباب !
فيما اصرت انها تريد ان تستنشق هواءا نظيفا ولا يوجد هناك ما يخيف فهذا منزلها !
اذعن لها على مضض وتركها تنزل وحدها !
فهي متضايقة جدا وغير سعيدة !
حتى هو قد غادرته الفرحة بتصرفها الغير مسؤول !
إنتظر حتى دخلت البوابة فيما انطلق بسيارته .. لكي يدفن وجهه في وسادتها !!
حيّت البواب الذي ليس لديه الرغبة في الحركة او الوقوف من الواضح انه يريد النوم
مشت مبتعدة الى منتصف الطريق
كانت تمشي بين الاشجار في ذالك الممر الطويل ترى أنوارا بسيطة في المنزل
فلابد انهم لازالوا في العرس فالوقت مازال مبكرا !
شعور غريب يتملكها وكأنها تختنق !!
بيدان كممتاها وحدت من حركتها جارا إياها بعيدا عن الأعين !!
نهاية المشهد السابع ..